تابعوا معنا اهم الأخبار الأقتصادية والأعمال العربية والعالمية وأسعار العملات العربية والعالمية وأسواق المال والبورصة إضافة الي القضايا الاقتصادية التي تهم المواطنين
كانت المملكة العربية السعودية الحديثة ترتكز على اقتصاد أحادي، وذلك منذ اكتشاف الذهب الأسود سنة 1938. وفي هذا الإطار، أدخلت الحكومات السعودية المتعاقبة 10 خطط إنمائية حتى الآن، إذ سُلمت الخطة الأولى سنة 1970، والأحدث من بينها قد سُلّمت سنة 2015.
في الحقيقة، كان هدفهم الإستراتيجي الأول يتمثل في تحقيق التنوع الاقتصادي بعيدا عن اعتماد المملكة المفرط على النفط. ولكن، فشلت الخطط التسع بالفشل بشكل فادح في تحقيق ذلك الهدف. ومنذ سنوات، لم تتمكن المملكة من إنشاء بنية تحتية صناعية قوية تعكس جدية مخططاتها ، إذ لم تتجاوز المشاريع المنجزة بعض مصانع البتروكيماويات والبلاستيك والصناعات الغذائية الأساسية.
في المقابل، لا تزال نتائج الخطة التنموية الأخيرة، التي تبلورت في “برنامج التحول الوطني” واضحة للعيان. والجدير بالذكر أن برنامج التحول الوطني هو عبارة عن رؤية خماسية، تمتد من سنة 2015 حتى سنة 2020، وتشكل المرحلة الأولى من رؤية 2030 الكبرى، وهي إستراتيجية الحكومة السعودية لتنويع الاقتصاد على المدى البعيد.
إفراط تعويل السعودية على النفط
تشير رؤية 2030 إلى أن الحكومة ستحقق هدفها من خلال بيع الأصول العامة وإعادة استثمار الأموال، وزيادة الإيرادات من خلال قنوات “جديدة” بعيدا عن إيرادات النفط، ولكن ذلك ليس صحيحا لأن قيمة تلك الأصول لا تزال مستمدة من الاقتصاد الذي يعتمد أساسا على النفط.
تهدف المملكة العربية السعودية إلى إنشاء أكبر صندوق استثمار عام في العالم، الذي تقدر قيمته بنحو 2 تريليون دولار. كما تود الحكومة أن يصبح هذا الصندوق النفط الجديد في البلاد
في تموز من سنة 2017، أعلنت الحكومة عن خطط لبيع حصص أقلية هامة م(تصل إلى 49 في المائة) من مطار الملك خالد، الذي تعامل مع 22.5 مليون مسافر سنة 2016. في الواقع، ليست هذه الحركة في أعين الناس سوى نتيجة للنشاط الاقتصادي، والإنفاق على النفط، وقيمة صناعية على أساس اقتصاد مؤقت قائم على النفط. وعلى الرغم من مزاعم الحكومة، إلا أن هذا ليس تنويعا للاقتصاد، وإنما رسملة مستمرة لنفس المصادر.
بالنسبة للمستثمرين، قد يكون المستقبل قاتما، لأنه من الممكن أن تشهد البلاد تقلبا في أسعار النفط وقدرة الحكومة المتواصلة على تمويل ميزانيتها. وبالتالي، لا يمكن أن يكون ذلك من بين أساسيات الاقتصاد القوي التي يرغب المهنيون في اتخاذ قراراتهم بناءً عليها. علاوة على ذلك، تخطط الرياض لبيع جزء من أرامكو، أكبر منتج للنفط في العالم، كجزء من الجهود الرامية “لجمع 200 مليار دولار على مدى السنوات القليلة المقبلة”. فهي تتوقع عالما سيصبح فيه الاقتصاد الأخضر القوة المهيمنة على نحو متزايد لذلك تريد أن تعد السعودية لكوكب ما بعد الوقود الأحفوري.
في نهاية المطاف، تهدف المملكة العربية السعودية إلى إنشاء أكبر صندوق استثمار عام في العالم، الذي تقدر قيمته بنحو 2 تريليون دولار. كما تود الحكومة أن يصبح هذا الصندوق النفط الجديد في البلاد، وذلك لإعادة استثمار تلك الأموال وتحقيق أرباح ثابتة لتمويل الميزانيات القائمة على الاستهلاك الذي يشهد نموا مستمرا.
ومع ذلك، يعتبر قرار بيع المطارات، والأهم من ذلك، شركة النفط التي تعتبر المصدر الوحيد للدخل في البلاد، من بين التحركات الرئيسية التي ستحدد مصير السعودية. وعلى هذا النحو، ينبغي أن تخضع هذه القرارات لموافقة عامة الناس، وأن تكون خارج نطاق شخص واحد، بما في ذلك الملك أو ابنه.
في سبيل تحقيق ما تريد، ينبغي أن تعول الحكومة السعودية على حوار عام حر، يليه استفتاء مفتوح. بدلا من ذلك، تعد السعودية بيئة متطرفة، حيث تأخذ الحكومة إما كل الفخر أو كل اللوم. وعموما، لا يجب أن تكون هذه الطريقة المعتمدة، فالحكومة تحتاج إلى السماح بمشاركة عامة الناس لتفادي الصدمات السياسية.
هل يدرك أي أحد ما الذي تقوم به السعودية؟
وضعت الحكومة، التي لطالما اعتمدت على المال السهل من مبيعات النفط، نفسها في وضع غير مناسب لقيادة عصر ما بعد النفط. ويوعز ذلك إلى أن الرياض تفتقر للقدرة الثقافية على الحكم في عالم مختلف. والجدير بالذكر، أن مبيعات النفط توفر تدفقات مالية مستمرة وسريعة، على النقيض من النهج المؤيد للاستثمار، وهو آلية أشد صعوبة على المدى البعيد لخلق المال.
من جانب آخر، لدى الحكومة السعودية سجل حافل بعدم الانضباط عندما يتعلق الأمر بالسماح للاستثمارات بدفع حصص من الأرباح. فخلال مختلف أوقات ارتفاع أسعار النفط، كانت الرياض في أغلب الأحيان تستثمر فائض عائدات النفط من النقد. في المقابل، عندما كانت أسعار النفط تشهد انخفاضا، تسارع المملكة إلى بيع الأسهم والأصول. وبالتالي، أدى فشل هذه المقاربة ، إلى تسجيل أرقام كارثية في الاستثمارات المالية العامة على مدى عقود. ويتجلى ذلك في المساهمة الضيقة لهذه الاستثمارات في الناتج المحلي الإجمالي الوطني.
علاوة على ذلك، تنص رؤية 2030 على أن الأموال التي يتم جمعها عن طريق بيع الكيانات العامة سوف يعاد استثمارها لإنتاج “عائدات مرتفعة”، بيد أن العاملين في القطاع المالي ينصحون دائما بأن الخطط الاستثمارية، التي تّعِد بعوائد عالية تنطوي على مخاطر، وكثيرا ما تكون عرضة للتذبذب الشديد أو لتقلبات القيمة.
حيال هذا الشأن، لسائل أن يسأل؛ هل تعرف الحكومة السعودية وعامة الناس ما الذي ينطوي عليه اتخاذ مثل هذه القرارات؟ في الحقيقة، نحن نعرف بالفعل من التجربة أن الحكومة السعودية تفتقر إلى الانضباط الذاتي (أو الذي يطلق عليه المستثمرون الذكاء العاطفي). وهذه هي السمة الرئيسية لتحقيق العائد في الاستثمار، بغض النظر عن أي ضغوط تسلط على صانعي القرار، كما هو الحال في انخفاض أسعار النفط.
النظام الملكي السعودي يكرس نظام سلطة مركزي، لا يقتصر فقط على منع أي محاولات حقيقية للنقاش ولكن يعرقل أيضا الجهود الحقيقية لخلق اقتصاد متنوع يعتمد على رأس المال البشري
كما يجب علينا أن نتساءل عما إذا كانت الرياض تمتلك القدرة التقنية على اتخاذ قرارات حاسمة وفعالة بشأن موعد الخروج من المركز وإدارة الخسائر؛ ومتى ينتظر أن تنتعش الأسعار، إذا ما فعلت. لذلك يجب التساؤل؛ من هو المسؤول عن المقامرة بكنز البلاد الوحيد، أرامكو مقابل الأمل؟ هل يمكن للسلطات أن لا تفكر في أي بدائل لجمع الأموال لغرض الاستثمار أفضل من بيع أرامكو أو أي شركات عامة أخرى؟ لماذا تعامل السلطات رؤية 2030 كقرآن مقدس لا يمكن إنكاره. في الواقع، هذه هي بعض الأسئلة التي يطرحها الرأي العام السعودي، كما يتضح من النقاش المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي، التي لم تستجب لها الحكومة.
الكثير من السلطة في مكان واحد
إن النظام الملكي السعودي يكرس نظام سلطة مركزي، لا يقتصر فقط على منع أي محاولات حقيقية للنقاش ولكن يعرقل أيضا الجهود الحقيقية لخلق اقتصاد متنوع يعتمد على رأس المال البشري. لنأخذ على سبيل المثال نظام التعليم السعودي. توجد في الاقتصاد العولمة مهارات معيارية تحتاجها جميع نظم التعليم لتجهيز خريجيها. وإذا ألقينا نظرة على إيرلندا سنجد أنها تمتلك “فريق خبراء يعنى باحتياجات المهارات المستقبلية”، الذي يحدد مجموعة واسعة من القدرات التي تحتاجها القوى العاملة في المستقبل لضمان قابلية استخدامها في الاقتصادات الحديثة.
في الغالب، تقوم المهارات الأساسية اللازمة للقبول في الوظيفة على الإلمام بالقراءة والكتابة والحساب وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأساسية؛ ثم اليها المهارات التي تتمحور حول التواصل والعلاقة الاجتماعية مثل الاتصالات. وأخيرا، هناك مهارات المفاهيم والتفكير مثل البحث والتحليل وحل المشاكل والتخطيط والتفكير النقدي والقدرات الإبداعية.
في المقابل، بالكاد يلقن نظام التعليم السعودي للطلبة أهم المهارات الأساسية لمحو الأمية العربية والحساب، على الرغم من ميزانيتها الفلكية التي بلغت أكثر من 53 مليار دولار في ميزانية سنة 2017. وهو ما أفرز نتائج ضعيفة كما يتضح من نسب انتشار البطالة على نطاق واسع في صفوف خريجيها. وفي هذا الصدد، كتب أحد الصحفيين مقالا في موقع “ميدل إيست آي” سنة 2012 قال فيه:
“ربما كانت المشكلة الأكثر غدرا هي أنه بعد تعليمهم في مجال ضيق، سيتحتم على هؤلاء الخريجين رؤية العالم من خلال العدسات التي وضعها هذا المجال من الدراسة… وفي حين يعتبر هؤلاء “الأفضل تعليما” من حيث مستوى الدرجات التي يحملونها، فهم الأسوأ تعليما من حيث الزاد العلمي الذي اكتسبوه عن العالم والبشرية. وبالتالي، إن الوظائف الوحيدة المؤهلين لملئها هي تلك التي أنشأتها الحكومة بشكل مصطنع، في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر “.
في شأن ذي صلة، خلص تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سنة 2016، إلى أن “نسبة الشباب الحاليين الذين يتوقع أن يحصلوا على درجة الماجستير أو ما يعادلها خلال حياتهم هي واحدة من أدنى المعدلات بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ، وضمن الاقتصادات الشريكة ذات البيانات المتاحة.” وتحتل السعودية المركز 37 من أصل 38 عضوا في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والبلدان الشريكة.
في الواقع، لا تقتصر المشكلة على العدد المحدود للخريجين، ولعل هذا ما أكده محمد حسن، نائب رئيس الجامعة للشؤون التعليمية والأكاديمية في جامعة الملك سعود، قبل عشر سنوات، “لماذا، إذا تخرج العديد من موظفينا من ييل وهارفارد وستانفورد، لا يمكنهم أن يحققوا أي تقدم حقيقي؟ ليس هناك نظام حيازة هنا، كما أننا لا ننفق المال على البحوث، لذلك لا تعد هذه البيئة مناسبة لتعزيز الأصالة والإبداع”، مع العلم أنه منذ ذلك الوقت، لم يتغير الكثير.
لا ينجم عن انعدام الرقابة وتركيز السلطة في أيدي القلة سوى إعاقة تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن نذكر قطاع التكنولوجيا وأهمية الإبداع المستمر لتطوير منتجات جديدة وفتح أسواق جديدة
عموما، تعد المهارات التحليلية قابلة للتحويل بطبيعتها وغير مقيدة من قبل تخصصات مثل القانون أو الاقتصاد. فهي تسمح لكل مجال من مجالات الوجود الاجتماعي بالتدقيق، مما يؤدي إلى قدرة المواطنين على التفكير بشكل مستقل خارج الدعاية الحكومية. ولكن، تخشى الأسرة الحاكمة السعودية من بروز هؤلاء المواطنين، وقد تم تصميم نظام التعليم بعناية لعرقلة هذا التمكين.
بدلا من ذلك، يهدف التعليم الرسمي في المملكة العربية السعودية إلى تحقيق نتائج محددة، حيث يعمل للسيطرة على العقل، لتلقينه تعاليم الطاعة غير المشروطة للحكام. ومنذ سن الثانية عشر، تبدأ عملية غسل الدماغ التي تهدف بالأساس إلى إنتاج مواطنين عاجزين، وغير قادرين على تحريف عقولهم ممّا يطلق عليه في السعودية “بإجماع الأمة” على طاعة الملك دون قيد أو شرط.
ولكن، بينما لا يزيد “إجماع الأمة” عن كونه مجرد أسطورة، مازالت فئات كثير من السعوديين تعجز عن رؤية الأمر بهذا الشكل، وذلك للأسباب التي تناولناها هنا. ولا تزال الحكومة تروج لهذه الفكرة من خلال منصات ومنتديات حكومية بما في ذلك خطب الجمعة والقنوات التلفزيونية الدينية.
من هذا المنطلق، لا ينجم عن انعدام الرقابة وتركيز السلطة في أيدي القلة سوى إعاقة تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن نذكر قطاع التكنولوجيا وأهمية الإبداع المستمر لتطوير منتجات جديدة وفتح أسواق جديدة، حيث يصعب أن يحقق هذا القطاع أي نجاح في هذا السياق السعودي، الذي تقوض أوجه قصوره المؤسسية أي أمل في إرساء اقتصاد متنوع.
إلى أين يذهب المال؟
يتمثل أحد الأسباب الرئيسية لهذا الفشل الحكومي في انعدام الرقابة. فسنة 2014، أعلنت المملكة العربية السعودية عمّا أسمته مشروع الملك عبد الله لإصلاح قطاع التعليم العام؛ “خطة مدتها أربع سنوات تبلغ قيمتها أكثر من 80 مليار ريال سعودي (21.33 مليار دولار) تهدف إلى تطوير قطاع التعليم في البلاد …
خلال شهر كانون الثاني من سنة 2015، توفي الملك عبد الله لخلف العرش حاكم جديد، هو الملك سلمان، الذي أعلن منذ مجيئه عن إستراتيجيات جديدة، التي غالبا ما تتجاوز الإستراتيجيات القديمة. ولكن، لسائل أن يسأل، ما الذي جرى لخطط إصلاح التعليم التي أعلن عنها قبل سنة واحدة فقط من استلامه الحكم؟ أو ما الذي حدث للميزانية الضخمة التي كانت قد خُصصت لذلك المشروع؟
خلال مؤتمر صحافي عقد سنة 2014، أعلن الأمير خالد الفيصل، الذي كان حينها وزيرا للتعليم، عن المشروع الإصلاحي التربوي، علما بأنه كان يجري تمويله، في واقع الأمر، بمليارات الدولارات من ميزانيات الدولة السنوية بدءا من سنة 2008 حتى سنة 2015.
أثناء ذلك المؤتمر الصحفي، خصص الأمير خالد الفيصل أرقاما ضخمة لكل شريحة في المشروع، ولكن لم يحدد كيف تم التوصل إلى هذه الأرقام؟ ومن الذي راقب كيفية إنفاق المال؟ وفي ظل غياب الرقابة الفعلية والمستقلة، وعلى ضوء السياسة الرسمية التي تعمل على إسكات المدافعين عن الحقوق، لم تكن الآلية التي استخدمت لتوزيع المناقصات معروفة، أو كيف تم التوصل إلى الأرقام التي أعلن عنها.
في الواقع، من المحتمل أن البعض يتوقع الحصول على إجابات من الفيصل، الذي يشغل الآن منصب أمير مكة، ولكن لا يملك أحد صلاحية مساءلته، وكل ما حصل هو أنه انتقل إلى منصب جديد، تاركا خلفه كل الأسئلة بلا أجوبة. تحت إدارته، تلقت وزارة التعليم تمويلا ضخما للغاية، كان من المفترض أن يُنفق على إصلاح نظام التعليم الحكومي. لكن لم يكن لهذا المشروع أي نتائج تذكر. ومن خلال تنصيبه أميرا على مكة، تكون الحكومة فعليا قد منحته الحصانة من أن يتحمل أي تبعات أو مسؤوليات.
بناء على المعطيات المذكورة آنفا، قد يتساءل المرء عن الدور الذي يجب أن تضطلع به الهيئة السعودية لمكافحة الفساد، التي تُعرف باسم “نزاهة”، لتقصي حقائق ما آلت إليه أمور المشروع. كذلك، من المفترض أن هذه الهيئة تتمتع بالاستقلال المالي والسياسي، وليست مسؤولة إلا أمام ممثلي الشعب. لكن، لا تملك هذه الهيئة أي سلطات ولا صلاحيات واضحة، نظرا لأنه يتم تعيين أعضائها من قبل الحكومة، التي لا تمنحهم أي سلطة ذات معنى. لذلك، لا تملك الهيئة صلاحية التحقيق مع الأشخاص الذين قد يشتبه فيهم، ولا تملك صلاحية فتح أي ملفات، فهي في نهاية المطاف مجرّدةٌ من أي استقلالية.
ما يفسر توظيف الكثير من المؤسسات الشباب السعودي ليشغل مواقع وهمية، لا وجود لها، حيث تُدفع للكثيرين منهم أجور مقابل عمل لا شيء، بل إن بعضهم لا يحضر إلا آخر كل شهر ليستلم راتبه، ثم يختفي من جديد
عوضا عن ذلك، لا تتواني هذه الهيئة عن خداع الشعب وجعله يتوهم أن الحكومة جادة نوعا ما في معالجة الفساد. وفي هذه الحال، تصبح هي بحد ذاتها جزءا من المشكلة. فقد كان من المفروض أن تمارس الرقابة على خطة سنة 2014، وكان ينبغي على الوزراء الذين كانوا جزءا من الإستراتيجية، أن يحضروا جلسات التحقيق والاستماع، ليقع مساءلتهم من قبل ممثلين عن الشعب، بدلا من أشخاص تعينهم الحكومة، كما هو حال بالنسبة لأعضاء مجلس الشورى.
على أرض الواقع، لم يلمس المدرسون والطلاب أي فوائد تذكر لهذا المشروع، وكثيرون منهم قالوا إن مشاريع التعليم فشلت فشلا ذريعا. فعندما غرد وزير التعليم، أحمد العيسى، ليعرب عن شكره للحكومة على دعمها للتعليم، انهالت عليه عبارات السخرية والشتائم واللعنات.
المشكلة مع الإصلاحات السريعة
نظرا لطبيعة نظامها السياسي، ما فتئت المملكة العربية السعودية تلجأ إلى ما اعتبرته خيارات سهلة. فعلى سبيل المثال، يفرض برنامج وزارة العمل، المعروف باسم “نطاقات”، على القطاع الخاص توظيف مواطنين سعوديين. في المقابل، تواجه المؤسسات الخاصة عواقب وخيمة لو لم توظف عدد السعوديين المطالبة بانتدابه، وقد تصل تلك العقوبة إلى حد تجميد عملياتها التجارية ووقف نشاطاتها مع سحب رخص ممارستها للمهنة.
نتيجة لذلك، يعتبر هذا مثالا تقليديا على قيام الحكومة بتحويل مسؤولية إخفاقاتها إلى المجتمع. فضلا عن لك، تعتبر عدم أهلية الطلاب السعوديين للتوظيف نتيجة مباشرة لما يشوب النظام التعليم السعودي من خلل ونقص، حتى إنه يُحظر عليهم الالتحاق بالمدارس الدولية الخاصة التي تعلم المناهج الغربية، بالإضافة إلى مواضيع اللغة العربية والدراسات الإسلامية.
مما لا شك فيه، لا تشكل هذه المدارس تهديدا للهوية العربية والإسلامية للطلبة السعوديين لأنها لا تُدرّس إلا المواد المرتبطة بهوياتهم. لكن، تكتسي هذه المشكلة بالنسبة للسلطات طابعا سياسيا، فهم يخشون من أن تنمّي هذه المناهج مَلَكة التفكير المستقل في أوساط طلابها. في ظل هذا النظام، يدفع القطاع الخاص ثمن إخفاق الرياض في تحقيق التوازن، بين حاجة الاقتصاد الحديث إلى عمال مهرة من ناحية، والمصالح السياسية المركزية من ناحية أخرى.
الفساد يزيد من تضخيم تكلفة جميع المشاريع ويمتص جميع الفوائض. لذلك، تعد كل من اللامركزية السياسية وإجراءات مكافحة الفساد السبيل الوحيد للتقدم إلى الأمام، إذا ما كانت الحكومة الجديدة لمحمد بن سلمان جادة في رؤية تغيير حقيقي
وبالتالي، لعل هذا ما يفسر توظيف الكثير من المؤسسات الشباب السعودي ليشغل مواقع وهمية، لا وجود لها، حيث تُدفع للكثيرين منهم أجور مقابل عمل لا شيء، بل إن بعضهم لا يحضر إلا آخر كل شهر ليستلم راتبه، ثم يختفي من جديد. وتباعا لما صرح به محمد بن سلمان نفسه، فإن “الإصلاح السريع” هو الإستراتيجية التي تتبعها الحكومة السعودية من أجل إدارة شؤونها.
الملاذ الأخير
خلال شهر آب/ أغسطس من سنة 2017، أعلن الصندوق السعودي للاستثمارات العامة عن مشروع منتجع البحر الأحمر، الذي من المفروض أن يصبح وجهة سياحية دولية على الساحل الغربي للأراضي المقدسة (نعم، لقد تعمدت اختيار هذا الوصف).
على إثر ذلك، تم إبلاغ المجتمع المحافظ والتقليدي بأن حكومته تريد إنشاء منتجع، حيث لا تطبق القواعد المعمول بها داخل البلاد، بما في ذلك الفصل بين الجنسين والالتزام بالزي الإسلامي. ليكون موقعه على بعد بضع مئات الكيلومترات فقط من أقدس الأماكن في الإسلام.
في هذا الكتيب التعريفي بالمشروع، تزعم السعودية أن هذا المشروع سيوفر 35 ألف فرصة عمل، وسيولد دخلا سنويا يصل إلى 15 مليار ريال سعودي (أربعة مليارات دولار أمريكي). ولكن لم يرد في هذا الكتيب أي ذكر لمقدار المال الذي سينفق لإنجاز المشروع، لذلك ليس بإمكاننا معرفة ما إذا كان المشروع سيحقق جدوى من الناحية الاقتصادية أم لا؟
ثانيا، يثير المشروع مشكلة أخلاقية وسياسية، إذ يمثل فرضًا تاما لقيم أجنبية. في الحقيقة، لا ينم هذا المشروع عن تطور ثقافي طبيعي داخل المجتمع، نظرا لأنه أتى بأمر ملكي، وكأن الملك يريد انتشال البلاد بين عشية وضحاها من حالة من التعصب الديني واللاعقلاني. مما لا شك فيه، يعتبر هذا المشروع إهانة لفئات واسعة من المجتمع السعودي، الذين نشأوا على الدعاية الدينية الرسمية على مدى عقود.
دعونا نتحدث عن مستقبل السعودية
لا يمكن للمرء إلا أن يستنتج فقط أنه لا يمكن تحقيق أي تنوع اقتصادي حقيقي في ظل الشكل الحالي للحكم السعودي، ناهيك عن عالم ما بعد النفط. علاوة على ذلك، يتنافى فشل الرياض في تخفيف قبضتها على السلطة ببساطة مع هذا الهدف.
وتجدر الإشارة إلى أن الفساد يزيد من تضخيم تكلفة جميع المشاريع ويمتص جميع الفوائض. لذلك، تعد كل من اللامركزية السياسية وإجراءات مكافحة الفساد السبيل الوحيد للتقدم إلى الأمام، إذا ما كانت الحكومة الجديدة لمحمد بن سلمان جادة في رؤية تغيير حقيقي. ومع ذلك، لا يمكن تحقيق تغيير حقيقي إلا بتحسين جودة التعليم وإتاحة حرية التفكير والتعبير، حيث لا يزيد النظام التعليم السعودي بوضعه الحالي إلا من تفاقم معدلات البطالة في البلاد.
من هذا المنطلق، يجب استبداله بنظام يوفر العقلانية والمهارات التحليلية والمفاهيمية الأخرى؛ إن لم يكن كذلك، فإن الحكومة ستواجه تحديات خطيرة في السنوات القادمة. بالإضافة إلى ذلك، إن حماية حرية التفكير والتعبير على المدى البعيد من شأنها أن توفر سياقا للتحولات الليبرالية في البلاد، الذي بدوره سينشئ إطارا تتكاثر فيه الأفكار وتتطور لتتوجه نحو ظهور مجتمع متسامح. أما من أجل المصلحة العامة، يجب إجراء حوار مفتوح يسبق التحولات المرجوة، بدلا من أخذ المجتمع السعودي على حين غرة.