معلومات عن السهروردي يمكنُ تعريف الصوفية على أنّها مذهب من المذاهب الإسلاميّة وسبيل يسلكُهُ العبد ليصلَ إلى الله تعالى، والمقصود بالوصول إلى الله أي معرفة الله تعالى، فهو مذهب يُعرّف العبد على ربّه ويُقرّبه إليه باتباع مناسك خاصّة بالصوفية كالحضرات وحلقات الذكر والزهد وغير ذلك، وقد اشتهر هذا المذهب كثيرًا على مرّ العصور السابقة، واشتهر كثير من الأدباء والشعراء المعتنقين لهذا المذهب والذي أثّر تأثيرًا واضحًا في أدبِهم وقصائدهم، فكانَتِ الألفاظ الخاصّة بالصوفية حاضرةً في الأدب الذي أنتجه الأدباء الصوفيون، وهذا المقال سيسلّط الضوء على أحد الأدباء المتصوفين وهو السهروردي من حيث مولدُهُ ومذهبه الفكري وقصة قتلِه.
مولد السهروردي ونشأته
هو يَحيى بن حبش الحكيم شهاب الدين السهروردي شاعر فلسفي صوفيٌّ، عاش في منتصف القرن السادس للهجرة، وقضى طفولَتَهُ في البلدة التي نُسب إليها وهي سهرورد، وبها تعلّم أوائل حياتِهِ ودرس الفلسفة والتصوُّفَ والأدب وتتلمذ على يدِ علمائها ومشايخها، ولأنَّ الأدباء بشكل عام يعشقون التنقل والترحال، لم يبقَ السهروردي في سهرورد، بل تنقّل إلى مدن عدّة طالبًا للعلم شأنُهُ في ذلك شأن أغلب طلاب العلم في تلك الفترة الزمنية، ولذلك عندما كتبَ عن نفسهِ في كتابِهِ المطارحات، قال: “ها هو ذا قد بلغ سنّي تقريبًا ثلاثين سنة، وأكثر عمري في الأسفار والاستخبار والتَّفحُّص عن مُشارِكٍ مُطّلعٍ على العلوم”، ويُذكرُ في الروايات أنّه سافر إلى أصفهان ومراغة وبلاد الشام وتركيا، وقد أخذ علمَهُ عن ابن سينا الذي علّمَهُ مسائل في الفلسفة، فكانَ كثير الأسفار مولعًا بالعلم، إلى أنِ استقرَّتْ به الحال في حلب حيث مات فيها مقتولًا. 1)
مذهب السهروردي الفكري
كانَ الشاعر السهروردي صوفيًّا في مذهبِهِ، وكان فيلسوفًا عظيمًا، وأحد أكبر المفكرين في فلسفة الإشراق، هذه الفلسفة التي ظهرتْ لأول مرة عند آباء الفلسفة اليونانيين، وتحديدًا عند أفلاطون الذي عرف فلسفة الإشراق التي تُلامس الديانة الزرادشتية في جوانب عدّة، بينما الفلسفة الإشراقية الإسلامية كانت فلسفة مستمدّة من المشارقة المفكرين من أهل فارس، وكانت تعني الوصول إلى الحقيقة بالوجدان والذوق ولا تعتمد على العقل أبدًا، وهذا ما اقتنع به السهروردي وجعلَهُ منهجًا في فلسفته، فكانَ أحد المفكرين في فلسفة الإشراق الإسلامية، وكان يعتقد أنّ الله نور الأنوار، أي هو النور الأساس والأوّل الذي تتفرّع منه كلُّ الأنوار في هذه الحياة، ومنه انبعثتْ كلُّ الأنوار التي أسست العالم المادي الواقعي الملموس، والعالم الروحيّ الوجداني المُتخيّل، وكانَ باعتقادِهِ أنَّ الله الذي هو نور الأنوار، بداية سلسلة الأنوار، والتي من حلقاتِها النور الإبداعي والذي يتفرَّع إلى أنوار أخرى سماها “القواهر العالية”، والتي بدورها تتفرع إلى أنوار عرضية أخرى وهي “أرباب الأنواع” والتي هي مسؤولة عن إدارة الروحانيات في العالم الحسي، وربط السهروردي بين نور الأنوار الذي يجسد العالم الحسي، وبين العالم المادي بعالم البرزخ أو المثل وهذه التسمية مأخوذة عن أفلاطون، الذي أوردَها في نظريته الشهيرة.
وكما وردَ سابقًا، كان السهروردي مهتمًّا بفلسفة الإشراق التي تُقرّبه من عالمِهِ الصوفيِّ أكثر من اقترابِهِ من الفلسفة، بيدَ أنّه استطاع أن يجمع بين التصوّف والفلسفة في عالمِهِ الخاص الذي لم يوجدْ عند غيرِهِ، وهذا من خلالِ تقسيمهِ الحكمة إلى قسمين بحسب رأيهِ:
- الحكمة البحثية: وهي قائمة على الدليل الملموس، وتعتمد بشكل كبير على العقل والبرهان وهذه الحكمة التي أخذها من الفلسفة.
- الحكمة الذوقية: وهي قائمة على الإحساس والتخيّل، وهذه الحكمة التي أخذها من دراسة الإشراق والفلسفة الإشراقية الإسلامية، وهي تفتقر لعامل البرهان والعقل.
لذلك كانَ السهروردي جامعًا للحسّ والتجريد، مؤمنًا بحاجة الإنسان إلى الحكمة الذوقية القائمة على الإيمان الروحي البعيد عن العقل والبرهان والدليل، وحاجة الإنسان إلى الحكمة البحثية القائمة على العقل والبرهان. 2).
قصة مقتل السهروردي
لقد لُقِّبَ السهروردي بالمقتول؛ لأنّه ماتَ مقتولًا على يد صلاح الدين الأيوبي القائد المشهور الذي حرر القدس من الصليبيّين، وأمّا في قصة مقتلِهِ، فقد تحدَّثَ فخر الدين مارديني فقال: “فلمَّا فارقنا شهاب الدين السهروردي من الشرق، وتوجّه إلى الشام، أتى إلى حلب، وناظر بها الفقهـاء، ولم يجارِهِ أحدٌ، فكثر تشنيعهم عليه، فاستحضره السلطان الملك الظاهر غازي بن الملك الناصر صلاح الدين بن يوسف بن أيوب واستحضر الأكابر من المدرسين والفقهاء والمتكلمين، ليسمع ما يجري بينهم وبينه من المباحث والكلام، فتكلم معهم بكلام كثير، وبان له فضل عظيم وعلم باهر، وحَسُن موقعه عند الملك الظاهر، وقرّبه، وصار مكينًا عنده، مختصًّا به، فازداد تشنيع أولئك عليه، وعملوا محاضر بكفره، وسيّروها إلى دمشق إلى الملك الناصر صلاح الدين، وقالوا: إن بقي هذا فإنه يفسد اعتقاد الملك، وكذلك إن أُطلق فإنَّهُ يفسد أيَّ ناحية كان بها من البلاد، وزادوا عليه أشياء كثيرة من ذلك”.
وقد وردَ أيضًا في قصة قتلِهِ عن ابن أبي أصيبعة الذي قال: “إنَّ الشهاب بحث مع الفقهاء في سائر المذاهب وعجزهم، واستطال على أهل حلب، وصار يكلّمهم كلامَ منْ هو أعلى قدرًا منهم، فتعصّبوا عليه، وأفتوا في دمه، حتى قُتل”، ولهذا قُتلَ السهروردي باختلافِهِ مع هؤلاء اختلافًا فكريًّا فكانَ يكشف جهلَهم وقلّة علمِهم، حتّى لم يجدوا بدًّا من التخلّصِ منه جسدًا وعقلًا، فكادوا لهُ حتّى أحلوا دمَهُ فقُتِلَ وهو ابن ستة وثلاثين عامًا، في عام 586 للهجرة في قلعة حلب. 3).