مع التقدم الطبي الكبير، شهدت مجالات تشخيص الأمراض المختلفة تطورا تقنيا هائلا، ومنها التصوير بالرنين المغناطيسي ذي الدقة العالية، التي تفوق التصوير التقليدي.
يعتبر اكتشاف تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي حدثاً مهماً على المستوى الصحي، لأنها لا تسبب ضرراً أو أذى للإنسان، كما أنها تظهر أدق تفاصيل الجسم، وقد اكتشف الرنين المغناطيسي فيلكس بلوك و داود بروسيل اللذان حصلا على جائزة نوبل عام 1952 لاكتشافهم هذه التقنية
منذ ذلك العام لغاية أواخر السبعينات تطور استخدامها وأصبحت تستخدم في الطب النووي والفيزيائي والكيميائي، وأول من استعملها للكشف عن الأورام في الأنسجة ادريمون ديان، وبدأ تطبيقها على المرضى في سنة 1980، وفي عام 1984 تم أخذ الموافقة على جهاز الرنين المغناطيسي من قبل منظمة الغذاء والدواء ووصل عدد أجهزة التصوير في العالم الى أكثر من عشرة آلاف جهاز، وساهم الجهاز في الكشف عن أمراض عدة منها، المخ والرقبة والكتف وأورام خلف العين، والقلب،
والفقرات الصدرية وغيرها الكثير. ومنذ ذلك الوقت لغاية الآن لم يعرف عنه أي أعراض عند استخدامه وكان شكل الجهاز في البداية مغلقاً حيث يدخل فيه المريض وحده ما يجعل بعض المرضى يخافون ويصابون بالتوتر والهلع، لذلك تم استحداث جهاز مفتوح، والفرق بينهما أن شدة المجال المغناطيسي أقوى في الجهاز المغلق، لكن بفضل البرامج الحديثة في الجهاز المفتوح تم التغلب على هذه المشكلة، وفي النهاية تخرج صورة الرنين المغناطيسي من الجهاز المفتوح مطابقة تماماً للمغلق من حيث الدقة والوضوح. ولأخذ فكرة أوضح وأشمل عن الرنين المغناطيسي التقت (الصحة أولاً) الدكتور مجدي عزالعرب اختصاصي أشعة في المستشفى الدولي الحديث والذي تحدث قائلاً:
يعتمد الرنين المغناطيسي على الموجات الكهرومغناطيسية وهي تشابه موجات الراديو والتلفزيون حيث تقوم بإصدار صور مقطعية للجسم البشري، ومن خصائصها أنها لا تسبب تأيناً في الخلايا، أي أنها لا تحدث تغيراً في نوايا الخلايا، عكس الأشعة المقطعية والعادية، وبالتالي فهي أشعة آمنة ولا توجد دراسات تثبت عكس ذلك حتى هذه اللحظة، لدرجة تصل إلى أن المرأة الحامل تستطيع القيام بها، والكشف عما إذا كان الجنين يعاني من أي تشوهات خلقية أو قلبية، أو مخية، وتكون الصورة واضحة جداً وتكشف أدق التفاصيل في المنطقة التي تم تصويرها، وتقاس قوة الجهاز بوحدة تسمى (تسلا) تتراوح قوتها ما بين نصف إلى واحد ونصف. وفي أجهزة الرنين المفتوح تتراوح القوة مابين 0,01 – 53,0 تسلا وقوة المجال المغناطيسي تقدر بـ 30 مرة ضعف قوة الجاذبية الأرضية.
أما عن آلية عمل الجهاز فقال د. عزالعرب: إنه يتم وضع جهاز يقوم باستقبال هذه الموجات وتقوم هذه الموجات بإرسال صورة إلى شاشة الكمبيوتر عبر هوائي، وأضاف إن ميزة هذا الجهاز المفتوح انه يعطي راحة أكثر للمريض إذ أن كثيراً منهم يخافون من الأماكن المغلقة خاصةً أن الفحص يستغرق من 20 إلى 45 دقيقة ويحدد الوقت حسب موقع التصوير وعدد الصور وعمر المريض.
وفي السابق كان يستخدم التخدير في بعض الحالات وخاصة للأطفال، لأنهم يخافون عندما يوضعون داخل الجهاز المغلق، لكن بعد اكتشاف الجهاز الجديد تم الاستغناء عن ذلك، إذ يمكن أن يبقى أحد الوالدين قريباً من الطفل أثناء التصوير مما يعطيه آماناً أكثر.
أما الحالات التي يجب تخديرها عند أخذ الصورة فهي الأشخاص الذين يعانون مشكلات في الجهاز العصبي مثل فرط الحركة، أو صرع، أو الذين يصابون بتشنجات، والأطفال الصغار الذين تصعب السيطرة على حركتهم حتى إنهاء الصورة.
وأضاف أن التخدير يختلف من شخص إلى آخر، ويحدد نوع التخدير الطبيب المختص إما موضعياً أو كاملاً، ويكون إما عن طريق الإبر أو القناع، وقال إن الأشخاص الممنوعين من القيام بالفحص هم الأشخاص الذين يضعون منظماً لدقات القلب، لأن فيه أجزاء معدنية متحركة تشكل خطراً على صحتهم ويمكن أن تعمل على اضطراب دقات القلب، كما أن الأشخاص الذين يعانون من توسع في الأوعية الدموية في المخ ويتم علاجهم عن طريق وضع كلابسات معدنية.
أما باقي الأشخاص فيستطيعون إجراء الرنين المغناطيسي حتى بوجود قطع معدنية مثل المسامير الطبية أو دعامات صمامات القلب لأنها ثابتة ولا تتحرك متأثرة بالمجال المغناطيسي. أما عن مجالات استخدام الرنين المغناطيسي التي تعطي فائدة كبيرة أكثر من أي نوع تصوير آخر قال د. عزالعرب إن هذا النوع من الأشعة يستطيع الكشف عن أمراض الجهاز العصبي مثل المخ والحبل الشوكي التي لا تستطيع أنواع الصور الأخرى كشفها فهي تخترق العتامات وتكشف عن المواقع المصورة بشفافية ودقة عالية، فمثلاً يظهر الرنين المغناطيسي حجم المادة البيضاء الموجدة في المخ وإذا كان فيها تأكل أم لا،
والمادة البيضاء عبارة عن الطبقة العازلة بين المخ والأعصاب، وهي التي تحدث التوازن، وأي خلل فيها يؤدي إلى تشنجات أو تخلف عقلي أو ما شابه ذلك، ويساعد في الكشف عن الأورام الصغيرة جداً، كما ساعد استخدامه في تطور علاج مرض الصرع الذي كان يعتبر من الأمراض المزمنة، لأنه كشف عن منطقة الخلل بشكل دقيق جداً مما ساعد الأطباء على استئصال البؤرة المرضية وطابق بين الصورة و مسح المخ الذي يسمى (dag)، بينما كانت الصورة الطبقية في السابق لا تشير إلى أي تغير عكس المسح مما يمنع أو يصعب على الأطباء عملهم.
وعن الجهاز الحركي والتشوهات الخلقية قال إن الرنين المغناطيسي يدل على وجود عصب داخلي في الحبل الشوكي قد يؤدي إلى الشلل، ويكشف أيضاً عن أمراض الجهاز الحركي والذي يشمل العضلات والعظام والمفاصل والأوتار، وتساعد الصورة في الكشف عن أورام العظم في بداية تكوينها عندما تكون عبارة عن نقطة صغيرة داخل العظم.
وعند سؤال الدكتور مجدي عزالعرب عن إمكانية عمل صورة رنين مغناطيسي لأكثر من مكان في الجسم في الوقت نفسه فكان الجواب ان الإنسان لا يستطيع عمل صورة لأكثر من مكان واحد، لكن يمكن عمل أكثر من صورة في اليوم نفسه، وأضاف انه عن طريق الجهاز المغلق يتم إجراء تصوير لكامل الجسم للكشف عن وجود أورام ثانوية.
أما إيجابيات الرنين المغناطيسي فهي عديدة ومنها، التشخيص الدقيق للحالة المرضية والكشف المبكر عن الأورام الصغيرة، مما يساعد على العلاج بوقت أسرع، وفحص الثدي الصناعي وتحديد الجراحة المناسبة لسرطان الثدي وتشخيص الحلمة المقلوبة والكشف عن تضخم الغدد الليمفاوية في الإبط، ولا يوجد أي آثار جانبية له سوى أن الصوت عال جداً، ويخرج هذا الصوت نتيجة فتح وغلق مكونات الجهاز، وفي هذه الحالة يمكن وضع سدادة للأذن لتخفيف قوة الصوت، ولا يمكن الاستغناء عن الصوت لأنه من دون النبضات الصوتية لا تظهر الصورة فقد تسبب هذه النبضات صداعاً لكنه موضعي بسبب التعرض لصوت عال لمدة طويلة.
وقال د. عزالعرب إن الصورة لا تحتاج تحضيراً للمريض حيث يأتي في أي وقت، فقط عليه خلع ملابسه ويتم إعطاؤه ملابس خاصة، ويجب عليه خلع أي شيء معدني، وعليه إبعاد الهاتف النقال، والكروت الممغنطة، وبعد الصورة يستطيع ممارسة حياته المعتادة بشكل طبيعي.