رفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس، الأربعاء، متخذا إجراء حاسما لدعم الليرة واستعادة ثقة المستثمرين التي هزتها تدخلات من الرئيس رجب طيب إردوغان.
وكان من المقرر أن يعقد البنك المركزي اجتماعه القادم لتحديد السياسة النقدية في السابع من يونيو، لكنه قال إنه اجتمع اليوم كإجراء طارئ وقرر رفع أعلى سعر للفائدة من 13.5 في المئة إلى16.50 في المئة.
وقد انعكس قرار البنك المركزي إيجابا وبشكل فوري على أسعار صرف العملة المحلية التركية، لترتفع بشكل طفيف أمام الدولار لعدة ساعات قليلة، لكنها سرعان ما عادت لتهبط من جديد، لتؤكد على عمق الأزمة.
ففي ساعات ما بعد ظهر الأربعاء، بدأت أسعار صرف الليرة التركية بالتحسن أمام الدولار من 4.92 لتصل الى 4.55، في ضوء قرارات البنك المزكزي، لكنها ومع ساعات صباح الخميس، عادت لتهبط لمستوى 4.77، أي أن الاجراءات التي اتخذها البنك لم تحقق مبتغاها، بحسب مراقبين.
الرئيس التركي بدا غاضبا من قرارات البنك المركزي المفاجئة بالنسبة له، لكنه لجأ لطريقته المعهودة بمناشدة الأتراك بالوقوف في وجه الأزمة.
وقال أردوغان في حفل إفطار بالعاصمة التركية: “هذا التأرجح في أسعار الصرف ليس متعلقًا ببلدنا فقط، وإنما مشكلة على المستوى العالمي”، مطالبا كل المواطنين “بالاحتفاظ بالليرة التركية وعدم بيعها وتحويلها لعملات أجنبية”، واصفا الأمر بأنه “مهمة وطنية”.
وربط أردوغان الأزمة الاقتصادية بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع اجراؤها الشهر المقبل. وقال: “سنتخذ إجراءات مختلفة للتغلب على تضخم في خانة العشرات وعجز في ميزان المعاملات الجارية بعد الانتخابات التي ستجري الشهرالقادم”.
وأبقى البنك المركزي التركي أسعار الفائدة الرئيسية دون تغيير عند 8.0 و 9.25 و 7.25 في المئة على التوالي، لكن خبراء قالوا إن الأمر قد يستدعي رفع أسعار الفائدة أيضا في غضون أيام.
“أمر مؤقت ومصطنع”
واعتبر المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، في تصريحات صحفية الخميس، “ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي مقابل الليرة التركية هو أمر مؤقت ومصطنع، وأن جميع المؤسسات المعنية بعالم المال في البلاد، قد اتخذت التدابير اللازمة ضد هذا الارتفاع”.
وأوضح كالين في مقابلة مع إذاعة “بيست إف إم” المحلية، وجود عدة عوامل تقف وراء ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة التركية، مبينا في الوقت نفسه أن “إعلان موعد الانتخابات المبكرة انعكس إيجابا على وضع الأسواق الداخلية في البلاد”، وهو ما لم يتفق معه كثيرون في الشارع التركي.
ويقول يوسف آلتين، صاحب شركة صرافة في حي شيشيانة القديم في قلب اسطنبول، إن أكثر المستفيدين من الوضع الحالي هم السياح الذين يزورون تركيا هذه الأيام، فالعملات الأجنبية التي بأيديهم باتت تجلب لهم كثيرا من الليرات. لكنه أردف قائلا إن أسعار السلع هي في ازدياد مستمر نظرا لتدهور قيمة العملة المحلية.
مصدر الصورةAFP/GETTY IMAGES
Image caption
أردوغان ربط الأزمة الاقتصادية بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع اجراؤها الشهر المقبل
وفي غضون ذلك، أوقفت إحدى اكبر شركات الصرافة التركية العمل في مكاتبها الاسبوع الحالي، نظرا لتقلبات اسعار الصرف مقابل العملات الاجنبية، خشية من تكبدها لخسائر اكبر، بعد أن فقدت العملة التركية أكثر من ربع قيمتها منذ مطلع العام الحالي.
وانتاب القلق مستثمرين بسبب تصريحات أدلى بها أردوغان الأسبوع الماضي خلال زيارة إلى لندن، قال فيها إنه يريد فرض سيطرة أكبر على السياسة النقدية بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها في 24 حزيران/يونيو المقبل.
ضغوط متزايدة
وأصدرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تحذيرا بشأن مسعى أردوغان لتعزيز السيطرة على البنك المركزي، قائلة إن خطاب الرئيس قد يفرض مزيدا من الضغوط على تصنيف الدين السيادي التركي.
وقالت فيتش إن “السياسة النقدية في تركيا تخضع منذ وقت طويل لقيود سياسية، لكن التهديد الواضح بكبح استقلالية البنك المركزي يزيد المخاطر التي تحدق بمناخ صناعة السياسات وفعاليتها”.
وتصنف فيتش، كغيرها من وكالات التصنيف الائتماني الكبرى، الدين السيادي لتركيا على أنه “عالي المخاطر” وهي درجة غير استثمارية.
ويرى رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم “التقلبات في سعر صرف العملات مؤقتة ومرحلية”، مؤكدا أن “الحكومة على رأس عملها، وعلى دراية بجميع المسائل”، ونفى وجود أي انحراف ولو كان طفيفا في السياسة المالية.
وحول محاولة بعض الأطراف الداخلية، كما وصفها، استغلال التقلبات في أسعار صرف العملات، قال يلدريم، “إذا كنت ترغب في السلطة، فإن تحقيق مصلحة من التقلبات المؤقتة لسعر الدولار ليست من الوطنية، لأن الوطنية تعني حب البلد، والوقوف سويا ضد من يحيكون المؤامرات له”.
وكان أردوغان، قد أكد غير مرة، أن كل “الشرور” التي تصيب اقتصاد بلاده تنبع من رفع أسعار الفائدة، وهو ما انعكس بشكل سلبي على قيمة العملة المحلية منذ نحو شهر.