المنتدى :
القصص المكتمله
جنون خالد للكاتبة براءة
الجزء الأول
رحلة العودة
تسرع بي السيارة تحملني إلى حياة جديدة .. إلى مسكن جديد ..بعدما طردتني كرامتي من منزل زوجي .. أو إذ صح التعبير " طليقي "..كنا سعيدين جداً .. و لكن اقتحام تلك الفتاة حياتنا هو ما جعلني أرفض هذه الحياة ..أرفض أن أعيش مع فتاة فضلها زوجي علي .. فقط لأنها تجنب الأطفال و أنا لا ..قال لي أنه سيتزوجها .. و أنا لم أعارض .. بل قلت له :" طلقني "و بكل سرور رحب هو بالفكرة و طلقني على الفور .. خان حبي له .. حطمني حقاً .. فحملت حاجاتي و ها أنا أنطلق لأشارك أخي بيته .. الذي يضم أخوتنا الصغار و أبنائه و زوجته .. كنت مشتاقة لرؤيتهم .. و لكن الآهات خنقتني لدرجة أنني نسيت أنني سأذهب لأعيش مع أسرةٍ اشتقت أن أراها منذ زمن بعيد ..هتف بي السائق :" ها قد وصلنا " وصلنا ؟!! انتابني شعور بالشوق إلى رؤيتهم .. انتابني الحماس .. نسيت طليقي و زوجته الجديدة.. بل خرجت من السيارة و وقفت أمام ذلك البيت الأصفر .. الذي من حوله تتعانق الأشجار .. و تغني الزهور و الأطيار ..حمل السائق الحقائب و مشى نحو البيت .. وجدت نفسي أركض بفرح نحو البيت .. ركضت في أرجاء هذه الحديقة التي تفتح النفس من عطرها .. ثم وقفت أمام باب البيت .. مددت يدي لأقرع الجرس .. و خلفي ترك السائق الحقائب و انصرف ..ضغطت ذلك الزر بجنون .. أريدهم أن يخرجوا جميعاً لملاقاتي .. أريد أن أراهم جميعهم .. فُتح الباب و ظهرت خادمة .. أهذا ما كنت أتحمس لرؤيته ؟!! ركضت إلى الداخل .. صرخت :" عــــــــادل ..!! أنا ذكرى يا عادل .. ها قد عدت "فتحت عيني لأرى أخي واقفاً أمامي .. بدا سميناً .. و بعض الشعيرات البيضاء غزت شعره الأسود .. بجانبه وقفت غيداء .. زوجته اللطيفة ..
و ها هم أخوتي الصغار الأربعة يتدافعون نحوي .. فرحت كثيراً لرؤيتهم .. هتفت و عيناي تفيض بالدموع :" الحياة بين الأحبة رائعة حقاً "
انطلقت نحوي غيداء و طوقتني بفرح :" كم اشتقنا لرؤيتكِ عزيزتي "
" و أنا اشتقت لرؤيتكِ أيضاً "
و خاطبت الصغار و أنا أحضنهم واحداً تلو الآخر :" أحبائي .. لقد تغيرتم .. "
لم يبد عليهم الفرح .. يبدو أنهم لا يذكروني .. و لكنهم سيذكرون أختهم التي كانت تلعب معهم دائماً حتماً ..غيداء كانت تمسك بفتى.. يبدو أنه ابنها .. اقتربت أنا من الطفل ..
كان مرتباً للغاية ..ملابسه مرتبة و نظيفة و شعره مرتب .. كان مؤدباً ..
مسحت على شعر الطفل و خاطبت غيداء :" أهذا هو ابنكِ خالد ؟!! "
أجابتني :" لا أنه وائل .. خالد أكبر منه "
سألتها :" كم عمر كل منهما الآن ؟!! "
" خالد عمره عشر سنوات .. أما وائل فعمره سبع سنوات "
ابتسمت في وجهها :" متى ستنجبين طفلة ؟!! "
قالت :" لا أفكر في الإنجاب مجدداً .. لأن جسدي لا يتحمل الحمل "
دُهشت .. نظرت إلى عادل الذي نكس رأسه و عدت أنظر إلى غيداء صارخة بها :" ماذا ؟!! "
" نعم هذا صحيح .. فلا تندهشي يا ذكرى "
حمل عادل الحقائب و قال مغيراً الموضوع:" فلتجلسوا في الصالة "
سحبتني غيداء إلى الصالة و جلسنا هناك ..حيث خاطبتني :"أتعملين آخر أخبار أخيك مازن ؟!! "
" ما هي أخباره ؟!! "
" قرر أن يعيش في منطقة أخرى مع زوجته .. "
قلت باستغراب :" لماذا ؟!!!"
" يقول أنه يريد أن يعيش في منطقة تجمع بينه و بين أصدقاءه "
" أيفضل أصدقاءه على أخوته ؟!! "
" هذا ما قاله .. و قال أنه يريدك أن تتصلي به بين الحين و الآخر "
قلت مستغربة :" أنا ؟!! .. و منذ متى كان يطيق مازن سماع صوتي "
" لا ليس لهذه الدرجة .. كان دائم السؤال عنكِ عندما كنت في منزل زوجكِ ... "
ثم بترت جملتها .. و ربما أحست أنها فتحت جرحاً كان على وشك الالتئام.. نكست أنا رأسي .. حيث مدت هي يدها و أخذت تطبطب على كتفي :" أنا آسفة "
لحظة .. لمَ أنا الآن حزينة ؟!! ألأجل ذلك الخائن ؟!! يجب أن أفرح .. لأني سأعيش في بيت يستقبلني فيه الجميع .. فيه جميع أحبتي .. بالرغم أنني لم أراهم منذ خمس سنوات..
و لم يكن يصل بيننا سوى الهاتف .. رفعت رأسي باسمة :" غيداء .. مروان لم يعد يهمني "
ابتسمت غيداء .. و ابتسمت أنا ..
وضعت الخادمة أمامنا صينية لأكواب العصير .. و ها هو عادل يجلس على أحد المقاعد و يجلس ابنه وائل في حضنه .. ثم خاطبني بابتسامة :" ذكرى .. تبدين رائعة .. "ابتسمت خجلة .. أتذكر أن أخي عادل كان يدعوني بـ " الأفرنجينية ".. كان يعجب بقتمة سواد شعري و نعومته .. و معجب بلون عيني الواسعتان الخضراوات .. و معجب ببياض بشرتي ..أنا لازلت صغيرة في السن ..فعمري لا يتجاوز الخامسة و العشرين.. و لكن مروان تزوجني .. و كنت أعتقد أنني سأهنأ بالعيش معه .. و لكنه شيئاً فشيئاً أخذ يتجاهلني .. و راح يبحث عن زوجة جديدة تنجب عيالاً ..
تساءل الفتى وائل :" من هذه الفتاة .. أبي ؟!! " كان يقصدني ..
ابتسم عادل في وجه ابنه :" أنها عمتك ذكرى .. أنها لطيفة جداً .. و تحبك جداً "
ابتسم الطفل في وجهي فابتسمت في وجهه ..
غيداء تحسن ترتيب منزلها .. و تحسن اختيار ملابس أطفالها و ملابسها ..
فأنا أرى أن منزلها مرتب و هي مرتبة و ابنها وائل مرتب جداً ..
رأيت أخوتي الأربعة يلعبون .. فنهضت لألعب معهم .. علّهم يذكروني ..
اقتربت منهم .. و نطقت :" مرحباً ............ "
فُتح باب المنزل الرئيسي بقوة فبترت جملتي لأرى من الذي يدخل البيت هكذا ..
دخل البيت طفل غريب الشكل .. شعره أشعث غير مرتب و قميصه متسخ و أزرته مفتوحة ..
و بنطاله مملوء بالأتربة .. ترى .. كيف يقتحم المتسولون المنازل هكذا ..
أخذت أحملق بالطفل ذاك.. الذي كان ينظر إلى أخوتي بنظرة غريبة ..
ركضت نحو غيداء بخوف و همست :" غيداء .. هناك طفل مريب دخل منزلك "
نهضت هي و اتجهت نحو الطفل .. ثم استدارت ضاحكة :
"أنه ابني خالد يا حمقاء.. أتخافين منه ؟!! " ابنها ؟!! لا أصدق ..
أمن المعقول أنها تهتم بمن في البيت كلهم حتى أخوتي .. و تهمل ابنها الأكبر ..
وقفت أتأمل الطفل .. الذي اقتربت منه أمه لتمسح الغبار الذي تراكم على شعره :
" خالد .. إلى أي مقبرة تذهب ؟!! لماذا ترجع المنزل و أنت متسخ هكذا "
أخذ الطفل ينظر إلى أمه نظرة غريبة جداً.. ثم مشى نحو الدرج .. ثم صعد الدرجات و دخل غرفته ..
لاحظت غيداء كيف كنت أراقب طفلها .. فحادثتني :
" ما بكِ يا ذكرى .. أهناك شيء غير طبيعي في خالد ؟!!"
كنت سأقول هناك أشياء كثيرة .. نظرته لأخوتي و لأمه غير طبيعية ..
ثم .. كيف تهمل غيداء ابنها ؟!!! أظن أنها تحب الاثنان كثيراً ..
قلت باسمة :" لا .. لا شيء .. فقط لمَ ........... "
بترت جملتي و كأنها عرفت ما سأقوله :" أنه يخرج في الصباح نظيفاً نشيطاً .. ثم يرجع في العصر متسخاً تعباً .. أظن أنه يلعب مع أصدقاءه "
بل يتعارك مع أصدقاءه ..
أخوتي نهضوا راكضين نحو الحديقة .. فلحق بهم وائل ..فضحكت أنا :" الأطفال رائعين "
ابتسمت غيداء .. ثم اتجهت نحو المطبخ و لحق بها زوجها .. فهتفت بي غيداء :
" يمكنك أن تتعرفي على أرجاء المنزل .. و تختاري غرفة لك "
مشيت أنا نحو تلك الغرف .. كنت أدخلها واحدة تلو الأخرى ..
جميعها مرتبة و نظيفة و رائعة .. صبغ جدرانها راقٍ .. أثاث الغرف مرتب و راقٍ ,,
كل شيء يشير إلى أن غيداء تملك ذوقاً رفيعاً ..
و بينما كنت أتفحص الغرف .. وجدت نفسي أقف أمام باب غرفة ذلك الطفل المسمى " خالد "..
ترددت كثيراً في دخول الغرفة .. رغم أن من يملكها طفل .. و يمكنني أن أدخل الغرفة و أتعرف عليه ..و لكن ينتابني شعور بالخوف كلما تذكرت مظهره عندما دخل المنزل ..
لحظة !! هل أنا مجنونة لكي أخاف من طفل ؟!!
بعد تفكير طويل .. فتحت الباب بهدوء .. طللت لأرى هذه الغرفة ..
يا إلهي .. أنها ليـــــــــست غرفـــة .. بل مقـبرة ..
الحاجات مرمية على الأرض .. السرير منكسر .. المكتبة محطمة ..الكتب مليئة بالغبار و الأتربة ..
ألا تدخل الخادمات لتنظيفها ؟!! وقفت في وسط الغرفة أتفحص تلك الحاجات ..
حيث سمعت صوت الماء ينبعث من الحمام .. الطفل يستحم إذاً ..
خرجت بسرعة قبل أن يكشفني ..
|