بنت الفلاح
للكاتب :
فرانسيس ستيغملر
طالما رددت جدتي رحمها الله القول المأثور لعمر بن الخطاب رضي الله عنه "أرى الرجل فيعجبني فإذا قيل لي لا عمل له سقط من عيني" واستنادا إلى ذلك كانت ترى أن على الإنسان أن يتعلم صنعة تقية الفقر والعوز .
كانت تتأملني بكل حكمة السنين ودفق التجارب وتقول :
بجدر بك إتقان مهنة أي صنعة كانت يا بني تعلم كيف تصنع شيء من الطين أو الفخار أو الخشب أو الحديد أو القماش ذالك مطلب أساسي هل بإمكانك صنع طاولة بسيطة أو كرسي أو طبق أو سجادة أو إناء قهوة ونظرت إلي بغضب تسألني : أليس بمقدورك عمل أي شيء
ورمقتني بنظرة حانقة قبل أن تقول
- اعلم انه يفترض أن تكون كاتبا وانك كذالك فأنت تدخن من السجائر ما يدفعك إلى التوهم أن بإمكانك أن تكون شيء إن أجواء المنزل تعج بما تنفثه من سموم ينبغي أن تتقن صنعة ملموسة لا محسوسة شيء يمكن للرائي أن يمسه بيديه ذلك هو الأصل في كل شيء
- قالت جدتي ذالك ثم شرعت علي تقص حكاية قديمة وقعت أحادثها في بلاد فارس :
عاش في بلاد فارس في غابر الزمان ملك عظيم ولم يكن له سوى ولد واحد شاءت إرادة الله أن يقع في غرام ابنه احد الفلاحين وعالج الشاب لوعات المحبين فما استطاع إخفاء ما انطوت ضلوعه عليه من هوى جارف ووجد عن الرشد صارف واضطر أخيرا إلى مصارحة أبية الملك :
-سيدي لقد أحببت ابنه فلاح وكم اتمنا لو وافقت على زواجي منها
وفكر الحاكم مليا ثم قال
تعلم مكانة أبيك كحاكم لهذه البلاد وتدرك كذلك انك وريثي الوحيد وعندما أموت فستخلفني في الملك فهل يجوز ان تكون زوجة الملك القادم ابنه لفلاح بسيط
وانشق صدر صريع الغرام عن تنهيدة حرى ثم قال
- لست ادري يا أبي لكني على ثقة من شيء واحد لقد ملكت علي تلك الفتاه حواسي وشغفتني حبا وإنني اعتزم أن اتخذها حليلة لتصبح بذلك ملكة قلبي وموطني على حد سواء
وأدرك الأب أن ابنه مصمم على ما قال أدرك أن لا سلطة لمحب على قلبه فوافق على مضض :
- قال الملك سأبعث إذا إلى والدها برسول.
- فستدعى الرسول فإمرة أن يتوجه إلى منزل الفلاح فيبلغه برغبة ابنة في الاقتران بابنته وما أن أتاهم ونقل إليهم ما حمل حتى سألته الفتاه :
- وما عمله فتعجب الحاجب فرد في بداهية :
- - انه ابن الملك
وأجابت أن كان يرغب أن أكون زوجة له فلا بد أن يتقن صنعة ما وعاد الرسول مشدوها فاغر فاه فاطلع الملك على ما قالته ابنه الفلاح وعرض الملك الأمر على ابنه أفاده برد الفتاه وسأله عما إذا كان لا يزال راغبا في إتمام ذلك القران المشروط يومها أجاب الفتى بالموافقة وزاد على ذلك بان قال بأنه ينوي تعلم مهنة نسيج حصر القش بألوان وتصاميم شتى
بعد أيام ثلاثة أتقن الشاب تلك الصنعة وعاد الرسول إلى بيت الفلاح ثانية ليبلغهم بما تم عارضا عليهم نماذج مما صنعة الأمير
عندها أعلنت الفتاه موافقتها على الاقتران به فتزوجه والسعادة تحلق به في أجواء ساحرة خلابة ما وطئتها مشاعر مخلوق قط
وذات يوم كان الأمير يسير في بعض شوارع المدينة وشعر بجوع شديد فلمح مطعما أنيقا نظيفا باردا دخله دفعا لغائلة الجوع ورغبة في البراد واتخذ مكانه فيه وكان ذالك المطعم لسوء حظ الأمير ملجاء للصوص والمجرمين الذين لم يوانو عن اختطافه وايداعة قبو مظلم في باطن الأرض اعتادوه أن يضعوه فيه كبار رجالات البلد
ذالك القبو قالت جدتي مؤطرة الحدث بدرامية مثيرة كان مجمعا لمشاهير المدينة وقد دأب قطاع الطرق أولئك وكانوا عتاة جبارين على جعل البدناء منهم طعام للضعفاء البنية متخذين من ذلك دعابة ولهوا يتندرون به
وكان ابن الملك لحسن الحظ نحيفا مجهول الهوية لديهم وذلك ما أبقاه بعد مشيئة الله حي
وذات يوم قال لأولئك العتاة انه يجيد صناعة حصر القش وأنهم قد يستفيدون مما يصنعه ببيعة في سوق المدينة باثمن مجزية فما كان منهم إلا أن احضروه له كثير من القش وأمره أن يبادر في النسيج وبعد أيام ثلاثة كان قد نسج ثلاث حصر رائعة ونادى كبيرهم فقال له
أرى أن تبعثوا بها إلى قصر الحاكم وأنا على ثقة انه سيدفع لكم مبلغا كبيرا للقاء كل حصير مائة قطعة ذهبية على الأقل .
وحملت تلك المنسوجات إلى القصر وما أن وقع نظر الملك عليها حتى أدرك أنها من صنع ابنه فما كان منه إلا أن حملها إلى ابنة الفلاح واخبرها بان ابنه المفقود هو من صاغها وسارعت الزوجة الملتاعة بالنظر إلى تلك الحصر رمت إليها نظرات فاحصة مدققة فقرات بين الثنايا الخفية للنقوش الملونة كل شيء
قرأت الرسائل التي جعلها زوجها في تجاويف الرسوم فأخبرت الملك عاجلا فما كان منه (تابعت جدتي رحمها الله ) إلا أن بعث بسرية من الجنود إلى القبو الموبوء فقتلوا جميع من كانوا فيه من قطاع الطرق والسفاحين وانقذو من كان به من المحتجزين وهكذا عاد الأمير إلى أبيه الحاكم سليما من الأذى وضمته وزوجته الشابة الذكية جنبات القصر ثانية تلك التي ما أن رآها حتى ضمها إلى صدره وقبلها معيدا إليها بعد الله الفضل في نجاته وبقائه على قيد الحياة
ولم يكن الملك اقل سعادة بنجاة ابنه وكان ممتن لابنه الفلاح
وألان قالت جدتي بعد أن راودت لي ذلك ارايت أهمية تعلم مهنة شريفة لأي إنسان كائنا من كان
بالطبع قلت مبتسما ولسوف اشرع في صنع كرسي او رف كتب حالما ادخر مبلغا يمكنني من شراء عدة النجارة .