لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


1- العروس الاسيرة - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة )

هذي من روايات عبيرالقديمه _ محمله عندي على الوورد الراوية فيوليت وينسبير___________رقم العدد(1) المخلص: دائما يرتبط الحب بالجمال. دائما دائما يكون العاشق شبيها بأدونيس

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (3) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-05-08, 04:27 AM   2 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45537
المشاركات: 187
الجنس أنثى
معدل التقييم: الناظر عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الناظر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي 1- العروس الاسيرة - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة )

 

هذي من روايات عبيرالقديمه _ محمله عندي على الوورد

الراوية فيوليت وينسبير___________رقم العدد(1)

منتديات ليلاس

المخلص:

دائما يرتبط الحب بالجمال.
دائما دائما يكون العاشق شبيها بأدونيس والعاشقة شقيقة عشتار.
الا ان هذه القاعدة ككل قاعدة لها شواذ ورافينا التي احبت رودري الجميل
ما لبثت ان وجددت نفسها حيال رجل محروق الوجه واليدان يطارده ماضيه كالظل
وفي ارجاء قصره المنيع في سردينيا وقعت اسيرة ذلك الماضي وتلك ((الحروق)).
فهل تبقى هناك؟ وهل يطل الورد من غابة الشوك؟. منتديات ليلاس




1_مفاجأة في العرس

وضع العريس يده فوق يد العروس وراحت اليدان تقطعان كعكة الزفاف بين هتافات التهنئة ورنين الكوؤس وجأجأة ضحكات المدعوين.
سأل احدهم العريس:
" حقا ما يتردد في وطنكم بأن الرجال يصفعون العروس في يوم زفافها حتى تعرف من هو السيد؟"
ابتسم مارك دي كورزيو وقال:
" انت تتكلم عن اهالي صقليه اما ان فأحد ابناء سردينيا "
وبينما كان مارك يجيب عن اسئلة تدور كلها حول ساردينيا ناول احد المدهوين العروس ظرفا صغيرا اصفر اللون وقال لها:
" هذه الرسالة وصلت توها يا رافينا اتوقع ان تحمل في طياتها حظا سعيدا لك "
وشاب ابتسامتها شئ من التوتر عندما فضت الرسالة وراحت تقرأ فحوها عندئذ القت نظرة سريعة على مارك وفي لمح البصر دستها في احد قفازيها الحريريين وغمر الشحوب وجهها حتى بدت عيناها بلون الجواهر الخضراء. واخيرا حان وقت الصعود الى الطابق العلوي لارتداء ملابس رحلة شهر العسل اعتذرت من احدى صديقاتها التي تقدمت تبغي

مساعدتها في تغيير ملابسها وقالت لها:
" انا...انا...اريد ان انفرد بنفسي "
اسرعت تتخلص من ثوب الزفاف الذهبي الشاحب والشال المزين بشريط من شرائط ويلز. لم يستغرق التغيير وقتا طويلا وعندما ارتدت ملابس الخروج وقفت امام نافذة غرفتها وتأملت شجرة الدردار التي ارتفعت وسط الحديقة وحملها الحنين الى الماضي فرأت رودري وهو يتسلق الشجرة ويقبع بين اغصانها وكان يوما ما يبدو لها فارس احلامها المغوار وفي يوم اخر يتلبسه الشيطان ويأخذ في مشاكستها. هكذا شبت هي ورودري سويا في ذلك البيت على حدود ويلز. كان الابن الوحيد للكولونيل كاروت برينين الوصي عليها لعدة سنوات وكثيرا ما كانت تعتبره في منزلة والدها وتكن له اعظم الحب ومنذ ثمانية عشر شهرا استقال رودري من الجيش ورحل الى نيوسوث ويلز في استرليا ليشتغل بالزراعة هناك.
وكانت ضربة قاسية نزلت على رأس غاردي ( الكولونيل كاروت برينين) الذي يعتز كثيرا بالشهرة التي احرزها في الخدمة العسكرية ولم تدهش كثيرا مما اقدم عليه رودري الذي يعتبر سليل اسرة عسكرية عريقة يواكب تاريخها تاريخ مقاطعة ويلز وكان لزاما على رودري برينين ان ينخرط مثل ابيه في سلك العسكرية وكانت رافينا تعرف ان رودري يتنازعه دائما القلق المسيطر على حياته تماما.
فبعدما تسلم وظيفته اختار ان يقوم بمهمة خاصة في قبرص وكانت كبرياء غاردي لا تعرف الحدود اذ غضب عندما عرف ان ابنه سوف يمضي اجازته في الخارج ولم يكد يرحل رودري الى قبرص حتى ترك الخدمة العسكرية.
راحت رافينا تحدق عبر نافذة غرفة نومها ويبدو انها عادت تسمع مرة اخرى وقع حوافر حصان على الحصى الذي يكسو ساحة الحديقة وذكرها الوقع بيوم كانت تقف في المكتبة حين سمعت وقع حوافر اعقبه وقع خطوات حذاء تعبر الشرفة التي تقع امام نوافذ المكتبة وتذكرت نوبة الفزع التي تملكتها عندما رأت قوام مارك ديكورزيو يعتم زجاج النوافذ. حدق كل منهما بالاخر عبر الزجاج ثمدلف الى المكتبة بلا دعوة وقال لها :
" مساء الخير آنسة برينين "
وعندما انحنى انحناءة قصيرة احست بالتوتر الذي كانت تشعر به كلما قدم لتناول طعام الغداء في رافنهول.
كان شريكا في الاعمال التي يمارسها غاردي ولكن هذه المرة الاولى التي التقيا فيها على انفراد كان يعيش في الخارج بمنى عن الجميع ويعتبر اكبر سنا من جميع اصدقائها وتكتنفه هالة من الغموض.


كان معتدل القامة ومع ذلك يوحي بأنه شخص طيع عندما يهل عليها وكانت اسنانها تكز على شفتها السفلى بقسوة كلما وقع بصرها على الجانب الايسر من وجهه الذي لفحه سعير النار وكانت تغض بصرها عنه بسرعة وكأنما ترى في وجهه صورة الشيطان وقد اقترنت بها صورة الملاك .
قال لها وهو يضغط على مخارج الكلمات:
" ارجو ان تكوني متمتعة بصحة جيدة يا رافينا "
" اخشى ان لا يكون باستطاعتك لقاء جاردي فهو موجود الان بالخارج "
قال:
" ما جئت الا لرؤيتك "
نزلت كلماته كالصدمة المفاجئة وتفحصت وجهه المتعالي الذي يوحي بأنه كان ذات يوم يتسم بالوسامة اما الان فتبدو الصرامة القاسية في ملامحه واستطرد يقول:
" جئت عن قصد في هذه الساعة لانني اعرف ان وصيك سوف يكون خارج المنزل. في هذا الاصيل يمارس لعبة البولنغ مع صديقه القديم في الجيش ايوين كيريو اليس كذلك؟ "
" انني لا اكاد اعرفك يا سنيور دي كورزيو! ولا اظن ان هناك شيئا يمكننا ان نتبادل الحديث عنه "
وواجهته بنظرات مستقيمة كاستقامة شعرها الاحمر الداكن وثابته كثبات عينيها الخضراوين. قال وعلى شفتيه ابتسامة ملتوية :
" ستعرفينني جيدا خلال لحظات "
واشار الى مقعدين عميقين فوقهما وسادتين صغيرتين من الجلد وقال:
" من فضلك دعينا نجلس والا ظننت انك تودين الفرار مني "
وتوترت اعصابها وكان يحدوها حافز قوي يدعوها الى ان تطلب منه مغادرة رافنهول في الحال ولكنه اذ التقى بصره بعينيها احست انه يقرأ افكارها فقالت له بحزم:
" استطيع ان امنحك خمس دقائق انني اعد الطعام وغاردي يحب ان يتناول عشاءه في موعده "
" من فضلك اجلسي يا سنيوريتا "
امتثلت لطلبه وجلس هو بدوره وتقاطعت ساقاه وسقط الضوء على حذائه الجلدي اللامع وكان سرواله وسترته من قماش التويد ويدل مظهرهما على حسن حياكتهما ولم يحمل معه سوطا مما يدل دلالة كافية على انه يثق بنفسه في قيادة الخيول والناس ايضا بلا سوط. وسألها:
" هل تسمحين لي بالتدخين؟ "
فأمأت بالايجاب وراقبته وهو يخرج سيكارا رفيعا من علبة جلدية اشعله بعود ثقاب وكاد اللهب يقترب من انامله قبل ان يلقي بالعود الى المدفأة التي كانت خاوية لأن فصل الصيف بدأ يزحف تدريجيا ويغزو الطقس البريطاني.
" اشعر دائما بالبرد عندما اجيئ الى انكلترا فالشمس تشرق نادرا نسبة الى بلادي "
" حقا يا سنيور! "
ونظرت اليه بأدب دون ان تحدوها ادنى رغبة في ان تسأله من اين اتى وكانت تتمنى ان يفضي بما لديه ثم يرحل فقد ازعجها قدومه وقطع عليها وحدتها وتمنت ان يرحل بأسرع ما يمكن.
قال:
" مهلا سينيوريتا وتمالكي زمام امرك واسألي نفسك لماذا قطعت عليك خلوتك في عقر دارك؟ "
قالت بصوت بارد:
" نحن غريبان وليس بيننا شئ مهم ولكن يبدو لي انك تريد ان اصغي اليك"
قال:
" جئت اروي لك حكاية يا انسة برينين "
" انا منصة اليك يا سنيور. من فضلك ابدأ قصتك "
" انا ارمل زوجتي الصغيرة دوناتا ماتت بعدما ولدت ابننا فكرست كل حبي لأبني الصغير دريستي. كان طفلا نشيطا, محبا, حنونا ومنذ ثمانية عشر شهرا دهم سائق مخمور سيارتي حيث كان ينام دريستي في المقعد المجاور لي وولى هاربا وترك سيارتي مقلوبة على ظهرها والنيران مشتعلة فيها "
وضعت رافينا يدها على خدها وكأنها تتلقى صدمة عندما وقع بصرها على الندبة التي خلفتها النار على وجه مارك. وواصل حديثه بخشونة:
" وقعت انا وابني في شرك داخل السيارة وبذلت جهودا مجنونة لاحطم النوافذ لاحمل ابني بعيدا عنها ولكن... يا الهي لو ان المجرم توقف
وساعدني لكان في وسع ابني ان يعيش حتى اليوم "
ولم تستطع رافينا ان تتحمل التفكير في ان الطفل يموت بهذه الطريقة فقالت:
" أوه....لا! "


واستطرد مارك يقول:
" انفجر خزان البنزين وتطاير جسدي وهو يحترق ليسقط في حقل مجاور فأسرع العمال لاطفاء النيران. كانوا يعملون على مبعدة ولم يكن في وسعهم الوصول الى السيارة قبل انفجارها. كان السائق الطائشوحده الذي كان يستطيع ان يقدم لنا المساعدة. وامضيت عدة شهور في المستشفى بعدها رحت اقتفي اثر الرجل وعن طريق الكراج الذي اجرى الاصلاحات لسيارته عرفت ان اسمه رودري برينين الضابط في الجيش البريطاني والموفد في مهمة خاصة الى قبرص "
وتألقت عينا مارك دي كورزيو بتأنيب مرير عندما استقرتا على وجه رافينا ثم كساهما بياض اشاع الشلل في شفتيها.
قال:
" ابن وصيك تسبب في موت ابني "
وكانت كلماته تملأ الغرفة ويشوبها الالم والغضب ثم استطرد يقول:
" درستي كان في الرابعة من عمره وهو اخر هدية حب قدمتها زوجتي لي. ابني كان وريثي في ارضي وكان سيحمل اسمي من بعدي وموضع التشريف من اهالي ساردينيا لعدة سنوات. ان كلمة الشرف لها معناها لدى اهالي الجزيرة واعتقد انها تعني شيئا لرجال من امثال كولونيل كاروت برينين "
صاحت قائلة:
" جاردي؟ انت تقصد بأن تخبره ان رودري كان مخمورا وهو يقود سيارته وانه تسبب في الاصتدام بسيارتك؟ لا تستطيع ان تفعل لك! "
ونهضت واقفة على قدميها ثم اردفت قائلة:
" سوف تقتله! "
ونهض مارك واقفا بدوره وقال:
" من تقاليد بلدي ان اسرة الآثم لابد ان تدفع عوضا عن الخزي والعار وثمنا عن الاضرار التي لحقت بالمجني عليه انا نؤمن بأن اسرة الرجل الذي اقترف خطأ عليها ان تتلقى اللوم بصورة ما "
قالت:
ولكننا نعيش في انكلترا "
لم تكن رافينا تؤمن بأن اي رجل مهما اوذي في قلبه او جسده يمكن ان يوجه اللوم الى جندي عجوز قديم بسبب خطأ ارتكبه ابنه. واردفت تقول:
" اننا...اننا...نحاول ان نغفر يا سينيور. اننا لا نسأل احدا ان يدفع ثمنا لخطأ ارتكبه "
" انا من سردينيا وقد مكنت ثمانية عشر شهرا اسأل نفسي ماهو الثمن الذي يمكن لاحد افراد اسرة هذا المنزل ان يدفعه واليوم وجدت الجواب على سؤالي "
" انت تهدف الى ايذاء غاردي "
" ليس هذا ضروريا يا انسة برينين "
" ولكنك اشرت..."
وحدقت في الرجل وتعلقت بالامل لكنها اصدمت بنظراته العنيدة السوداء اذ انه من سلالة رجال يتصفون بالكبرياء والعاطفة والجسارة .
قال مارك دي كورزيو عن عمد:
" جاردي في غنى عن معرفة ان ابنه شخص جبان "
" كيف...؟ "
ودقت الساعة لتعلن عن سكون معذب وهي تنتظر منه ان يواصل حديثه ولكنه كان هادئا مما دفعها الى ان تراه في صورة النمر المتحفز للانقضاض على فريسته. كان الصمت الذي ران عليها يحمل في طياته انذار بالهجوم.
قال بهدوء:
" سوف تتزوجين مني وستهبين لي ولدا بدلا من الولد الذي فقدته "
ولم تصدق رافينا اذنيها وانعقد لسانها فلم تتكلم ولكن الكلمات تدفقت فجأة:
" لا يمكن ان تكون جادا "
" لم اكن اكثر جدية كما هو الحال في هذه المرة "
" هذا جنون! لا استطيع الزواج منك "
قال وابتسامة ملتوية على شفتيه:
" انت تظنين انك لا تستطيعين الزواج مني ان الحب وحده سيجبرك على الاقتران بي "
قالت متسائلة:
" الحب؟ "
وشعرت بتيار بارد يسري في جسمها وعندما تحركت تنشد الهروب
مننظرته ومن ندبته ومن عينيه وحاجبيه السوداوين ولكنه تقدم نحوها يعترض طريقها وتحت وطأة الخوف استخدمت سلاح الاحتقار وهي تقول له:
" هل تتصور انني استطيع ان احبك؟ "

قال ساخرا:
" لا...ان خيالي ليس بهذه القوة ولكنك نحبين جاردي ولن تقبلي ايذاءه او ان تكوني سببا في حرمانه من الحب الذي يكنه لابنه "
" انت قاس يا سينيور دي كورزيو "
" لم اعتد ان اكون قاسيا يا سينيوريتا ولكنرجلا اسمه رودري برينين جعلني اصبح قاسيا "
وحدقت عيناه السوداوين بعينيها, تشع منهما القسوة, وعدم الرحمة وحدثها قلبها بأن بيت برينين سيدفع الثمن لقاء الطريقة الاليمة التي فقد بها مارك ابنه الصغير. حاولت رافينا ان تتحدث اليه بتعقل مع ان نبضات قلبها كانت مضطربة فقالت له:
" ما الذي تجنيه مني يا سنيور لو انك امرأة لا تحبك؟ وماذا يحدث لو اخبرتك بأنني احب رجلا اخر؟ "
" هل تحبين رجلا اخر؟ "
قالت بتحد:
" انا احب رجلا اخر هذا شأني "
ونفض رماد سكاره في المدفأة وقال:
" على العكس باعتبارك زوجتي من واجبك ان تنسي هذا الرجل الاخر "
" هل تعني انك تجبرني على الزواج منك ؟ "
واحست فجأة بالاضطراب والحيرة ولم تستطع ان تخفي شعورها فبدا جليا في نظراتها الخضراء.
قال مارك:
" خلا الاسابيع القليلة الماضية عرفت شيئا عنك يا انسة برينين وخاصة عن مدى حبك الشديد للكولونيل جاردي الذي يعد ابا بالنسبة لك والحب يعتبر شيئا جميلا اقدره في المرأة خاصة انني من اهالي ساردينيا ولكنني افضل ان يحل الولاء مكان الحب "
فصاحت قائلة:
" جئت وانت مستعد ان تطأ قدمك عنق احدهم وانه حان الوقت لاخضع لك لانك تعرف ان جاردي تعرض لنوبة قلبية منذ فترة قصيرة وان نوبة
اخرى قد تؤدي بحياته "
" بل تبين لي ان وصيك يعتبر شخصية جذابة وصريحة ولبقة في الحديث وسيكون من الالم ان يبدد مشاعر ابوته على ابن لا يتمتع بالجاذبية "
احست رافينا انها تنزع الشفقة من قلبها نحو صاحب الوجه المشوه في الوقت الذي تشعر فيه بالالم نحو الطفل الذي مات في الحريق.
قالت:
" انك تزيد الموقف مرارة "
" هكذا نبني احلامنا. فمن المؤسف ان احطم احلامك لابني فوقها احلامي "
وضاقت جفونه وهو يتطلع اليها وتوترت بشرته السمراء فوق فكيه وهو يستطرد قائلا:
" ستكون هناك تعويضات...يا رافينا "
شعرت باصابع صارمة تطبق حول رسغها ففتحت عينيها لتجد مارك دي كورزيو قد اقترب منها وشعرت بالكأبة عندما التقى بصرها بعينيه واجفلت من ندبته ورأت النيران تتصاعد من خياشيمه والرغبة الشديدة تتراقص على فمه وكانت رافينا قد عاشت حياتها لا تشعر بأي خوف تتمتع بالمراوغة التي تسحر بعضهم وتشيع الاضطراب عند البعض الاخر ولكنها الان تقع تحت رحمة حبها لوصيها جاردي وهي عزلاء من اي سلاح.
قال:
" سأطلب من الكولونيل الموافقة على زواجي منك وانت بدورك تزعمين انك ترغبين في هذا الزواج كما ارغب فيه انا "
واحنى رأسه وقبل يدها الباردة المضطربة واحست بأطرافها تجمدت عندما سمعته يتمتم :
" انت ترتدين سراويل تشبه سراويل صبي ويجب ان تفهمي انني اريدك امرأة "
وتحول عنها وتناول وردة من الزهرية الموضوعة على المنضدة وثبتها في عروة سترته وقال:
" اراك مثل الزهور وفي ساردينيا تنمو الزهور فوق التلال قبل ان تشتد حرارة الشمس وبيتي يقع فوق ربوة كبيرة من الصخر على مبعدة من البحر"
" هل تحبين البحر يا سنيوريتا؟ "
اجابت بحركة الية:
" عشت هنا معظم حياتي احب القرية التي تحيط برافنهول انني انتمي اليها"
منتديات ليلاس

" اه ولكن عندما تتزوج امرأة فانها تتوقع ان تترك وراءها بيتها لتنظم الى زوجها اما بالنسبة الى الرجل الاخر الذي تحدثت عنه فهل يعيش في هذه الناحية؟ "
قالت مغمضة العينين:
" اجل. لا تتوقع مني ان اتخلى عن كل ما احب...ارجوك سنيور "
وعندئذ تطلعت اليه ورأت انه لن يتأثر بكلامها ولم يكن من طبيعتها التذلل والتوسل فابتلعت توسلها وتعلقت بكبريائها وقالت:
" اذا اجبرتني على ان افعل ذلك فانني اعدك بأنني سأكرهك بكل قطرة من الدم السلتي* الذي يجري في عروقي "
قال مبتسما:
" وانا ايضا يجري في عروقي دم سلتي يا رافينا كانت جدتي تنتمي الى شعب كورنوول ولهذا السبب دعيت مارك هل تعرفين اسطورة مارك الذي كان ملكا على كورنوول؟ "
حدقت رافينا في عينيه وقالت:
" طبعا اعرفه زوجته احبت الفارس الذي اتى بها من ايرلندا وفضلته على ان تكون عروسا للرجل الذي لا تستطيع ان تحبه "
والقى نظرة سريعة الى النوافذ التي اسودت بالسحب المنذرة بهطول المطر او هبوب عاصفة الصيف.
قال:
" للحب معان ثيرة يا سنيوريتا ان الرجال في صقلية يصفعون وجه عروسهم في يوم زفافها اما نحن الرجال في سردينيا فندخر هذه الصفعة للمناسبة التي تستحقها. والان اظن ان الوقت قد حان لاعود الى الفندق حيث اقيم انه فندق ] الذئب والحمل [ في هذه القرية العتيقة وبالقرب منه تقع اصطبلات الخيل ولكوني احد ابناء سردينيا فقد ولدت على ظهر جواد "
رافقته حتى اجتاز ساحة الحديقة الى المكان حيث ترك الجواد وكان جوادا اسود اللون. واعتلى مارك ظهر الجواد بحنكة دلت على انه رجل خبير بركوب الخيل ثم قال لها:
" ارجو ان تقولي للكولونيل برينين ان يتيح لي فرصة رؤيته ظهر الغد. ان من دواعي التقاليد الرسمية ان يسأل المرء والد الفتاة او وصيها
موافقته على زواج ابنته. ستكونين انت موجودة هنا ايضا لتضعي خاتم الزفاف في اصبعك "
زمجرت العاصفة واندفع الجواد بفارسه تجاه ضوء الغسق ورفع مارك يده ملوحا وهو يقول: " وداعا ". واثارت حوافر الجواد سكون العاصفة كما اثار الفارس ضربات قلبها. انتابها احساس بالقدر الذي انشب اظفاره في قلبها فقد رأت انها لا تستطيع ان تخبر غاردي بما فعله ابنه بمارك دي كورزيو انها لا تستطيع ايذاءه او ان يتعرض لاحدى النوبات القلبية مرة ثانية لان الطبيب قال: " ان جاردي يشعر بالقلق على ابنه رودري. اطفالنا هم الحب والهلاك الذي يدمر حياتنا "
وفكرت رافينا في ابن مارك واحست ببرودة تمسك بتلابيب عظامها فان الميتة الرهيبة التي لقى به الطفل مصرعه نغصت حياة ابيه لدرجة انه لم يع يحس بأي شعور بالرحمة على الاقل نحو افراد عائلة برينين.
لا بد ان يدفع برينين الثمن واختيرت هي بالذات لانها وحدها تستطيع ان تقدمه له وهذا الثمن هو طفل اخر...ابن اخر.
تراجعت رافينا عن النافذة وسارت الى منضدة الزينة ووقفت امامها في ثوبها الاخضر يهزها التوتر وراحت تقرأ مرة ثانية البرقية التي تسلمتها في غرفة الاستقبال على انا برقية تهنئة للعروس ولكن البرقية كانت في الواقع موجهة الى وصيها فضتها وقرأت:
" الابن الضال يعود يا ابي. اصل بقطار الثالثة والنصف الحب لك ولرافينا "
رودري في طريقه الى البيت وسحقت رافينا الرقية بقبضة يدها ورأت ان من واجبها ان تلتقي به قبل ان يصل الى البيت الذي تستعد لمغادرته هي ومارك لقضاء شهر العسل وعليها ان تحذره الا يبوح بسره كما احتفظت به مطويا عن غاردي. عزيزي غاردي الذي قدم سيفه لمارك لكي يقطع كعكة الزفاف وابتسمت بمرارة عندما مر في خيالها انها ما تزوجت مارك دي كورزيو الا لتنقذ رودري. سيعرف رودري ان الصبي الذي قتله بتهوره واستهتاره هو ابن مار. كما ان وصول رودري لم يكنمتوقعا من احد وقد يفضي بالحقيقة لابيه.
انتزعت رافينا حقيبة يدها وتسللت من غرفتها وتناهت اليها اصوات الضحكات الصادرة من الردهة ومثل الشبح اتخذت سبيلها عبر طريق السلم الضيق الذي يقع عند نهاية الدهليز وقادها الى باب جانبي وفي استعجالها نسيت غضب زوجها عندما يكتشف اختفاء عروسه المفاجئ.
وعندما بلغت ساحة الحديقة كان الجو مشبعا بالضباب الخفيف الذي ينظر بالمطر. لم يرها احد حينما دلفت مسرعة الى الكراج لتستقل سيارتها



وتقودها الى الطريق حتى بلغت ساحة محطة سكة الحديد التي وجدتها مهجورة كما يم صمت مطبق على المكان عندما سارت على الرصيف بدا القطار على مرمى البصر وهو يسعى عند احد المنحنيات حتى بلغ المحطة الصغيرة وملأها بضجيجه وانفتحت الابواب وهرولت الاقدام تغادر القطار وظلت رافينا ساكنه في مكانها حتى اقبل عليها شاب نحيل القامة اسمر للون يحمل في يده حقيبة سفر من القماش ويرتدي سترة جلدية فوق كنزة احكمت فتحتها عند عنقه لتقيه برودة المطر. وضع رودري الحقيبة على الرصيف وحدق في وجهها مدة ويلة ثم قال ضاحكا:
" رافينا لقد كبرت واصبحت كائنا كاملا وساحرة صغيره خضراء العينين "
مكثت رافينا صامته ولم تعرف ما تفعله سوى التطلع اليه. وهاهو يعود بعد افتراق دام شهور ولم تسطع ان هذا الوجه المألوف لديها وهذا الصوت الذي تعرفه يخصان شخصا متهورا ومخمورا وهو يقود سيارته. وقف بعيدا عنها فالافضل له ان يتأملها من بعيد وتفحصها مليا ببصره وتأمل ثبها الاخضر ثم قال:
" تبدو عليك الاناقة...اين ابي؟ "
" رودري تعال معي الى السيارة. لابد ان اتحدث معك "
واصطبغت عيناه بالقلق وسألها:
" هل ابي بخير؟ هل هو مريض ثانية؟ "
وهزت رأسها بالنفي قائلة:
" لا انه احسن حالا مما كان عليه في الايام الماضية انه يعمل بعض الوقت في وظيفة باحدى الشركات في منصب اداري كما انه عضو في المجلس المحلي. وانت يا رودري تبدو عليك الصحة "
لم تلاحظ رافينا عليه اي دلالة على انه يكابد الشعور بتأنيب الضمير ومن الجلي ان مدة ثمانية عشر شهرا قضاها في استراليا ساعدته على ان تمحو من ذارته ما حدث في سردينيا. التقط حقيبته والتفت ذراعه حول وسطها وراح يقودها الى السيارة وقال لها:
" اشعر بأنني لائق صحيا اما انت فيبدو على وجهك الشحوب. لم تعد عيناك تضحكان كعهدي بهما. هناك شئ خطأ اليس كذلك؟ "
ولم تجب على تساؤله ودلف الى السيارة وجلست وراء عجلة القيادة وعندما امسكت بها شعرت به يحدق في يدها اليسرى ورأى خاتم الزواج والى جواره خاتم اخر من الزمرد الخالص يتألقان في اصابعها وفجأة قال:
" رافينا !! "
واستدارت نحوه تقابل عينيه المصدومتين قائلة:
" ارسلت لك برقية اخبرك فيها بزواجي ولم يكن لدينا ادنى فكرة بأنك في طريقك الى الوطن "
" تزوجت؟ "
" هيا بنا وفي الطريق سأخرك بكل شئ "
كان المطر اشبه بالضباب يكتنف الهوء وهي تقود السيارة خلال دروب المدينة الهادئة واخبرته بكل شئ في صوت هادئ غير عاطفي وجلس الى جوارها مدهوشا. اشعل لفافة تبغ وسحب نفسين ثم سحقها والقى بها خارجا وكأنه يكابد مرارة الصدمة ثم قال لها:
" لا يمكنك احتمال الامر. سأخبر ابي بكل شئ "
قالت ببرود:
" وتقتله؟ الا تظن انك ارتكبت ما فيه الكفاية؟ مات طفل صغير "
وكسا وجهه قناع من الالم والاسف المرير وهو يقول:
" رافينا انا...ظننت انه يمكن نسيان كل شئ. انني اخطو على درب الجبن مرة اخرى "
" كل ما سنفعله هو عدم ايذاء جاردي. هل تسمعني يا رودري؟ "
" لكن ما هو الثمن يا رافينا؟ "
" زواجي "
واوقفت السيارة عند منحنى هادئ والتفتت تتطلع اليه واردفت قائلة:
" سأعتاد العيش في ارض غريبة "
" مع رجل لا تحبينه ؟"
" هل قلت اني لا احبه؟ "
" انا اعرفك جيدا يا رافينا عيناك لا تجمدان بل تبعثان الدفء ما دمت سعيدة كانت تتألقان يا رافينا في الايام الخوالي "
قاطعته قائلة:
" لا داعي للحديث عن الايام الخوالي لن تخر غاردي بأي شئ عما حدث في ساردينيا انتهى الامر ولن يعود الصبي اصغير الى الحياة "
" انت فتاة صغيره حمقاء يا رافينا هذا الزواج يجب ان يفسخ قبل ان يبلغ
مداه. يا الهي. هل تظنين اني سأدعك تعيشين مع رجل اجبرك على الزواج منه؟ هل تعتقدين ان ابي سيتخلى عنك لو عرف الحقيقة؟ "


قالت:
" يجب الا يعرف يا رودري! ان قلبه لن يتحمل الموقف اسأل دكتور شاني "
سألها وقد لاح وجهه في عينيها وكأن السنين تقدمت به:
"بهذه الدرجة من السوء؟ "
سألته:
" هل اعتقدت انك تستطيع الافلات دون ان تنال عقابك؟ مارك دي كورزيو يكابد ندوبه على وجهه وفي اغوار نفسه. هل تسمعني يا رودري؟ انه يكابد ندوبه "
عندئذ انهار رودري وبدأ ينتحب كالطفل الصغير فربتت على شعره الاسود وحاولت تهدئته وتمتمت قائلة:
" يجب ان تمكث في فندق القرية الى الغد. انت لا تستطيع ان تقابل جاردي في هذه الحالة ومن الافضل ان تتوجه الى البيت بعد ان ارحل ان ومارك الى ساردينيا هل تفهمني؟ "
هز رأسه. وعندما استعاد رباطة جأشه ثانية ادارت المحرك وقادة السيارة في اتجاه الفندق ولكنها لم تجرؤ ان تترك رودري وحده كان اليأس مسيطرا عليه وفي امس الحاجة اليها فمكثت معه في ردهة فندق ]الذئب والحمل[ وراحت تجاذبه اطراف الحديث. وقال رودري شاحب اللون:
" رافينا سيقتلك عندما تعودين اليه "
وتطلعت الى الساعة المعلقة على الحائط وشعرت باصابع باردة تعتصر قلبها ولاول مره فكرت في مارك وفي غضبه قالت:
" اجل..يجب ان اعود يجب ان تعدني يا رودري بأنك لن تفضي بشئ لأبيك. سيكون الامر فوق طاقته "
وثبت عينيه على وجهها وقال:
" وماذا عنك انت؟ "
وقفت على قدميها وتناولت حقيبة يدها ووشاحها وقالت:
" سأكون بخير كما يقول لي كل واحد اليوم. مارك ثري وصاحب قرى وله مكانة مرموقه في سردينيا وسوف اصبح سيدة بيته "
وزمجر رودري قائلا:
" كأن هذا كله هو ما يهمك. انت الفتاة التي اعرفها جيدا انت ابعد عن كل
انانية "
قال ضاحكة:
" لا تجعلني ابدو في صورة ملاك. وعلى فكرة جونيث كيريو مازالت عزباء وفاتنة كأغنية ويلز. تذكر كيف كنت دائما ميالا اليها. جاءت اليوم لتشهد حفل زفافي واشارت قائلة ( اليس من العار ان لا يحضر رودري زفافك) "
وعندئذ هرعت رافينا تبتعد عنه وعن الردهة وعن الفندق لترتمي في احضان الليل والمطر. قادت سيارتها عائدة الى رافنهول عيناها الخضراوان متجمدتان كحجر الزمرد الذييزين خاتمها وحدثت نفسها في انها تستطيع ان تتحمل اي شئ الان حتى غضب مارك.
دخلت المنزل لتجده خالي من المدعوين ولم يبقى شئ سوى الزهور مدلاة في مزهرياتها وقد تناثرت بتلاتها على ارضية القاعة. وعندما اغلقت الباب الامامي وقع نظرها على شبح طويل يقف وسط الصالة الخافتة الضوء وسعى مارك اتيا من لمكتبة وشعرت بوخزة من الخوف تسري في اعماقها وهو يتقدم نحوها في سترته السوداء. سألها غاضبا وهو يهز كتفيها بيديه:
" اين كنت؟ "
ظلت صامتة وعندما اشتدت قبضة اصابعه على كتفيها ولم تتح له الفرصة ليدرك مخاوفها. وكان الهدوء الذيتكلم به اشبه بلسع السياط تنزل فوق جلدها وبعد هذا الصمت قال:
" هيا..اخبريني اين كنت؟ سوف تفسرين لي سبب غيلبك وسوف تنتحلين كذبة. كان علينا ان نخبر المدعوين ان وعكة المت بك وان رحيلنا الى المطار قد تأجل. انني اكره الخديعة يا رافينا "
" هل حقا تكره الخديعة يا مارك؟ "
تطلعت اليه وتساءلت:
" اي اسم اخر يمكن ان يطلق الناس على زواجنا؟ "
ثم اردفت تقول:
" لاشك انك سمعت عن الاضطرابات العصبية التي تعتري العروس في ليلة زفافها سيطرت بعضها على نفسي ووجدت انه من الخير لي ان انطلق بنفسي خارجا لفترة وجيزه "
طوى طرف كم سترته وتتطلع الى ساعة يده وقال:
" لكنك امضيت عدة ساعات ومن حقي ان اعرف اين امضيت هذه الفترة؟
قالت:
" كنت اقوم بجولة في السيارة؟ "


كان ما تقوله نصف الحقيقة ولكنها لم تستطع ان تواجه نظرات عينيه وراحت تتطلع الى باب المكتبة المفتوح وسألته:
" اين جاردي؟ "
" خلد الى النوم وهو جالس على مقعده متوتر الاعصاب قلقا عليك "
ومست هذه الكلمات عصبا حساسا عندها وعندما شرعت السير اتجاه المكتبة امسك مارك برسغها وجذبها ثانية واوقفها في مواجهته وسألها:
" هل امضيت كل هذا الوقت مع رجل؟ "
كان من المحتم ان يحدس جزءا من الحقيقة ولكنها لا تستطيع ان تخبره بالباقي. انها لا تقوى ان تفضيله بعودة رودري الى انجلترا وانها اصحبته في سيارتها. سوف يدركان قاتل ابنه هو الرجل الذي تحب وانها تورطت في زواج لا يقوم على الحب من اجل حمايته. انتابها شعور من اليأس البارد بعث الشجاعة في اعماقها لأن تتحداه فقالت له:
" هل ان الاوان يا زوجي لان تصفع عروسك؟ هل رأيت انه من المزلة ان تختفي عروسك في ليلة زفافها وانها لا تمتثل بالخضوع لك حتى يبدأ شهر العسل؟ "
حملق في وجهها وشعرت بقبضة اصابعه تهشم عظامها وسألها معايرا:
" كم يلزمك من الوقت حتى تعرفيني حق المعرفة؟ هل تتصورين ان ما احبه في المرأة هو الخضوع فقط وليس شيئا اخر؟ "
" يبدو انك قدمت اعذار واهية للمدعوين عن غياب عروسك. وهذا ما دعاهم للدهشة "
" اظن ان دهشتهم منا ستلازمهم لعدة اسابيع مقبلة. وسيتوهمون يا رافينا انك ما تزوجت مني الا لاجل مالي, واين اجد المرأة التي يمكن ان تحب وجها مثل وجهي؟ "
التوت شفته بابتسامة شاحبة وامسك بذراعها الاخري ومال عليها ولكنها جاهدت لكي تبتعد عن وجهه المشوه بالندبة. ولابد انه قرأ في عينيها ما يخالجها فقد كانت لا تحس بأية رقة في لمسته وهو يميلها فوق ذراعه حتى بدا شعرها وكأنه جناح من اللهب يجابه نسيج كمه الداكن.
تمتم قائلا:
" انظري مليا في وجهي. يجب ان تعتادي عليه لاني لا اريد ان يكون زواجنا مجرد ظل "
تركها وسار بعيدا عنها تجاه السلم حيث استدار ينظر اليها وقال:
" نمضي الليلة في رافنهول ونرحل غدا "
وصمت فجأة ثم انفجر ضاحكا وبهدوء قال ساخرا:
" لا حاجة بك الى اغرائي بعينيك. ان شهر العسل سوف يبدأ في سردينيا وليس هنا "
وتراجعت اصابع يدها في بطء عندما غاصت فحوى كلماته فيعقلها المتعب وقالت:
" انت تقصد...."
قال:
" سنطير غدا جنوبا. الليلة ستقفين صامدة على قدميك فأنا لست شيطانا كما ابدو لك "
ولاح الاجهاد والدموع في عينيها وهي تتطلع اليه. لو ان لها الشجاعة ان تفضي له بأنها كانت بصحبة رودري ولكنها كانت تخشى ثورة غضبه. كما انها لا تثق في رحمته واخيرا قالت له:
" انا..انا..يجب ان اذهب الى جاردي "
الا انها لم تكد تبلغ باب المكتبة حتى استدارت لتلقي نظرة اخرى على مارك. وعندما اسرعت بالدخول الى المكتبة تململ وصيها في مقعده وفتح عينيه وابتسم قائلا:
" مارك كان غاضبا. لا تهربي ثانية يا عزيزتي انت امرأة متزوجة الان. انت تعرفين ذلك "
وضغطت وجنتها على كتفيه وقالت:
" اجل يا جاردي "
" كنت دائما فتاة ذات بصيرة نافذة. اليس كذلك؟ هل انت متأكدة من انك سعيدة مع هذا الرجل؟ "
وادركت نبرة الحرص والشك في صوته وفي الحال رأت انه من الضروري ان تبعث الطمأنينة اى نفسه:
" واي شئ تنشده الفتاة عندما تتزوج من رجل؟ "
وابتسمت ابتسامة عريضة في وجهه الذي تحبه وتحترمه كثيرا. ثم قبلته في وجنته وحدثت نفسها بأن غدا سيعود رودري الى البيت والى ابيه وسيكون في ذلك عزاؤه عندما يجتمع شملهما.



*** نهاية الفصل الاول***

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة الناظر ; 17-05-08 الساعة 10:41 AM
عرض البوم صور الناظر   رد مع اقتباس

قديم 17-05-08, 10:34 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45537
المشاركات: 187
الجنس أنثى
معدل التقييم: الناظر عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الناظر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الناظر المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

اسفه انقطع الاتصال .............نتكمل الروايه ومع باقي الاجزاء



:mod195lr:

 
 

 

عرض البوم صور الناظر   رد مع اقتباس
قديم 17-05-08, 10:55 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45537
المشاركات: 187
الجنس أنثى
معدل التقييم: الناظر عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الناظر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الناظر المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

-من يجرح الحجر؟


الدروب حول الجبل ضيقة ملتوية حول نفسها وبدت السيارة وكأنها تحيد عن مسارها لتستقر في اعماق البحر. وكانت الرياح تلطم زجاجها مما اضاف مزيدا من الاحساس بخطر داهم خاصة ان قيادة سيارة على حافة ارض غريبه ومتجهة الى غاية مجهولة كان في نظر رافينا ضربا من الخيال.
جلست رافينا صامتة في المقعد المجاور قرب زوجها واغمضت عينيها حتى لا ترى المنحنيات التي تتلوى عبر الطريق ويبدو ان عاصفة الصيف اقتفت اثرهما منذ غادرا بريطانيا وظلت ملازمة لهما طوال الطريق.منتديات ليلاس
قال مارك بعد مضي ساعة من الصمت:
" اسف ان صورة الجزيرة التي افسدتها مياه الامطار هي اول منظر يقع عليه بصرك "
وفتحت رافينا عينيها فوقع بصرها على الصورة الجانبية التي حدد معالمها ضوء العاصفة فشاهدت السنة النار وقد تركت بصماتها على صفحته وبعد صمت وجيز استطرد قائلا:
" يعتبر كاستيل دي توري واحدا من اجمل معالم سردينيا عندما تلقي الشمس بأشعتها عليه ويعبق الهواء برائحة الليمون "
كان يتحدث اليها كواحد من ممثلي شركات السياحة وهو يحاول ان يقنعها بأنها بحاجة الى الشمس فقط لكي تعشق مدينته. تسائلت هل يمكنها ان تحب هذا المكان النائي الذي يقع بعيدا عن وطنها وعن جاردي الذي استأجر مدبرة منزل لترعى شؤونه. بذلت رافينا جهدها لكي تقاوم حنينها الى الوطن الذي راح يؤرق مضجعها وتطلعت الى يد مارك وهو يدير عجلة القيادة ثم نقلت نظرها الى اثار الندوب التي انحرفت غائرة في جلده الاسمر وكان مارك يركز انتباهه على الطريق عندما قال لها:
" لابد انك تشعرين الان بالاعياء ولكن بعد ميل او اكثر ستلوح لك كازاتشيبريسو وستشاهدين اشجار السرو التي تعلو في كبد السماء كالمشاعل وسط الامطار. ومن المحتمل جدا ان يصفو الجو غدا وتشرق الشمس وتحت الكازا تقع بساتين الليمون التي تقترب من البحر والكروم المزروعة على جوانب التل. سألته بأدب:
" هل تمتلك حصة من الارض؟ "
وشعرت انه يبتسم باستياء واجاب:
" مساحة جيدة انا معروف هنا باسم بارون الارض والفلاحون الذين
يعملون في ارضي هم احفاد الفلاحين الذين عملوا عبر السنين مع اجدادي الاحداث لا تتغير سريعا في سردينيا لان اسلوب حياتنا ماهو الا صورة مستمرة للماضي"
قالت واصابعها انعقدت على حقيبة يدها وتشبثت بالجلد:
" انت تقصد النظام الاقطاعي وانت نموذج للاقطاعيين. كلمتك هي القانون في هذه الجبال والناس يحنون هاماتهم اجلالا لك "
قال:
" لا ينحني اي سرديني لاحد انا احمل اللقب فقط ولكنني لا احصل على حصة من انتاج الارض اكثر مما يحصل الاشخاص الذين يفلحونها "
" وانت لك العسل اليس كذلك؟ ام ان زوجتك وحدها سوف تستخلص العسل لك "
القى مارك نظرة سريعة عليها وسألها :
" عم تتحدثين؟ "
" في الايام الغابرة كان الاقطاعيون في مقاطعة ويلز يفوزون بنصيب الاسد في كل شئ ويستخلصون العسل للحاكم ويقمون بتقديمه له في قصره الذهبي"
" اذا سوف تستخلصين العسل يا رافينا لتقدميه قربانا لسيد القصر "
قالت ضاحكة:
" اجل يا مارك سأقدم ثيابي وشعري كما يفعل اي عضو سابيني فانني لا املك سواهما "
" سيانديك اهلي باسم ((بادروتشينا)) اي السيدة الصغيرة "
واشاحت ببصرها عنه وتطلعت زائغة البصر عبر النافذة المجاورة لها وراح يتحدث اليها وهو يعتقد ان عروسه سعيدة وفي لهفة الى رؤية بيته الجديد .
ويبدو انه كان لا يأبه كثيرا انها ستعاني الوحدة والخوف من وجودها في ارض غريبة مع رجل لا يحبها ولا يهتم بامرأة لا تكن له الحب.
كانت ترى ان الحب وحده كفيل بان يبعث في المرء الشجاعة والرغبة في رؤية الاشياء الجديدة ومقابلة حب استطلاع الناس ومواجهة عداوتهم.
كانت رافينا هي الزوجة الثانية التي تأتي الى قصر السرو وحدثتها غريزتها ان دوناتا كانت جذابة ومحبوبة من الجميع وتتميز بالشعر الاسود والعينين الناعستين كفتيات الجنوب. استدارت العربة عند احدى منحنيات الطريق الجبلي ولاحت في الافق اشجار السرو وبرجا منزل مارك الذان يبرزان عاليا فوق الصخور المطلة على البحر. كان القصر
الاخشاب المشتعلة التي كانت يبدو كقلعة مظلمة كئيبة واشجار السرو في هيئة حراس حوله ومضى لبرق بصورة متقطعة عندما اوقف مارك السيارة ورأت رافينا درجات سلم حجري وعددا من المصابيح الحديدية معلقة على الجدران التي تحيط بالباب الامامي المرتفع.
لفحت الريح خصلات شعرها وملابسها وهي تغادر السيارة وسارت حتى وقفت عند اولى درجات السلم ويبدو انه لم يكن مناسبا ان تصل الى هنا اثناء هبوب العاصفة. انضم اليها مارك ولاحظت قطرات المطر تعلو صفحة وجهه وبريقا يتلألأ في عينيه. قال لها:
" اهلا في بيتك الجديد "
وقبل ان يلمسها هرعت تصعد درجات السلم لتقف تحت المدخل هربا من المطر كانت ترتجف اضرابا وتحرص الا تكشف اضطرابها قالت له وهو يقرع الباب:
" استطيع ان ادرك سبب عدم وجود مفتاح للباب في حلقة مفاتيحك. هل الامور هنا في الكازا تأخذ مظهر الفخامة الملكية؟ "
قال مارك وهو يتأمل الباب الكبير المثبت في الجدران السميكة للبيت:
" البيوت تبنى هكذا عاليا حتى تتحمل موجات الرياح اشمالية العنيفة الباردة وموجات الرياح الشرقية الجافة المثقلة بالغبار. ولاشك ان الابراج اقيمت لتعطي القلاع مظهرا يشيع الرعب في قلوب القراصنة الذين ينزلون في الساحل تحتها. وقديما قالوا ان بيت الرجل هو قلعته التي توفر الحماية لعماله واهل بيته "
وادركت من طريقة حديثه انه يجد سعادة وفخرا بالبيت القديم المتين البنيان الذي عاشت فيه اجيال متعاقبة من اسرته واحبته اشد الحب ولهذا السبب كان يتوق الى انجاب ولد يكون وريثا لهذه القلعة.
وفي هذه اللحظة انفتح الباب وسارت رافينا الى القاعة الكبرى حيث كان وميض البرق يكشف دروعا عربية واثاثا عتيقا ولوحات عائلية معلقة على الجدران المطلية باللون البرونزي المتوهج كقطع الخشب المشتعلة بالمدفأة.
صاحت رافينا قائلة:
" نار!! "
صيحة ارتياح من شخص يكابد البرد في داخل جسمه وخارجه واسرعت تركع فوق السجادة الصوفية وتشابكت اصابع يدها طلبا للدفء وطقطقت


الظاهرة الوحيدة المرحة في تلك القاعة الكبيره ثمسمعت صوتا يتسائل:
" اذن...هذه هي العروس؟ "
جاءت الكلمات فجأة من بين الظلال فالتفتت رافينا واجفة القلب ورأت شخصا يجلس في مقعد بجوار المدفأة. كان للمقعد ظهر مرتفع والنقوش تزين مسانده وارجله وكان الشخص الذي يحتل المقعد امرأة عجوز ترتدي ثوبا اسود بينما ارتاحت قدمها على مسند القدمين.
استقرت عيناها على رافينا. عينان سوداوان لا تشع الابتسامة فيهما راحتا تتأملان وجه الفتاة الشاحب وعيناها الخضراوان وشعرها الاحمر الذي بلله المطر. وتطلعت رافينا الى مارك ورأت سمات الكبرياء في ملامحه وهو واقف الى جوار المدفأة وامتدت يده ليساعدها على الوقوف فتوهج خاتمه والقى الضوء على ندوب وجهه فأجفلت رافينا من لمس يده ونهضت واقفة على قدميها دون الاستعانة به ولم تحاول ان ترى القسوة التي ارتسمت على فمه فقال لها:
" دعيني اقدم لك زوجتي دونا جوكاستا ليوناردي عادة ادعوها لانونا عندما اكون هادئ المزاج "
تمتمت رافينا بالتحية التقليدية وكانت قد تمنت ان تلتقي بجدة مارك اذ اعتاد ان يتكلم عنها بحنان فهو سلتي وبينها وبينه شئ مشترك ولو ان دونا جوكاستا تتحدث الانجليزية بطلاقة الا انها لم تكن على مودة معها ولا شك انها تفكر هذه اللحظة في عروس ساردينيا التي اتى بها حفيدها الى البيت منذ ست سنوات مضت وكان على مارك ان يبتسم وتألقت عيناه عندما طلب شرابا وقال:
" انه من الواجب احتساء نخب لهذه المناسبة السعيدة "
ونهضت دونا جاكوستا واقفة على قدميها فجلجل ثوبها الحريري الاسود مثل اوراق الشجر الجافة وقالت:
" هل تسمحون لي بالانصراف لانني امضيت اليوم بطوله في الاشراف على اعداد غرفكم وتنظيف البيت. انا متعبة يا ماركوس وسأتناول وجبة خفيفة في غرفتي قبل النوم "
قال بصوت يشوبه غضب هادئ :
" ان تناول كأس معنا لن يستغرق وقتا طويلا "
وتطلعت جدته نحوه ثم الى رافينا ولاحت ومضة من الحقد في عينيها عندما استقرتا على رافينا وقالت:
" لم تتقدم بي السن كثيرا حتى انسى ان العشاق يحبون الانفراد وانا واثقة من ان عروسك تفضل ان تستحوذ عليك لنفسها "
وسارت الجدة نحوه وربتت على خده المشوه بالندوب وجالت يدها
المتألقة بالخواتم فوق صفحته لتشاهد رافينا ملامحه مرة اخرى ورأت الجدة في عينيها نفورا من لمس مارك لذلك قررت ان تتركها وحدها في صحبته حتى تعلم نفسها ان تكون تحت رحمة طلباته. واحست رافينا بالبرودة تسري في اوصالها حتى وهي قريبة من دفء النار حين قالت السيدة العجوز لها :
" ليلة طيبة. ارجو ان تجدي غرفتك مريحة. حجرة العروس حجرة كبيرة ولكن ولا واحدة من عرائس اسرة كورزيو كانت تشكو منها "
رافق مارك جدته حتى فسحة واسعة تقع عند اول درجات السلم بينما وقفت رافينا تتطلع الى النار. وتنبهت رافينا عندما شعرت بيدي مارك فوق كتفيها عندما انضم اليها وهي مستغرقة في هذا الجو الصامت وقال لها :
" لا تتبرمي بما قالته لانونا انا سيدة عجوز من اهالي سردينيا وهي غاضبة لانني لم اتخذ زوجة من بنات جنسي فأهالي سردينيا متعصبون لعشيرتهم ويتصفون بالكبرياء "
قالت رافينا بصوت هادئ:
" يبدو لي يا مارك ان زواجك مني جلب الشقاء الى قلوب ثلاثة افراد! "
وادار وجهها لمواجهته ورحلت يده اليسرى من كتفها حتى استقرت على رسغها وسألها:
" ما الذي يدعوك الى الظن بانني شقي؟ بالتأكيد انت تعرفين يا رافينا انني اجدك فتاة جذبة بشعرك الاحمر وبشرتك البيضاء وعينيك البحريتين اما عن سحرك....."
وحدقت في وجهه واحست كأن قناعا اسدل على وجهها فحال دون رؤيته فسألته:
" الا تجعل لمشاعري حسابا لديك؟ هل انا مجرد شئ بالنسبة اليك؟ "
انفرجت شفتاه وتلألأت اسنانه وسط وجهه الاسمر المشوه بالحريق واستدار عنها وهو يقول:
" انت انسانه تدخل السرور الى القلب يا سيدتي ....هاهو ذا رينزو اقبل لنا بالشراب سوف نحتسي نخبا وسنشعر بالدفء يسري في عروقنا "
وصب الشراب من قنينة زجاجية في كأسين ثم ناولها احداهما واحست ببرود الكأس في يدها اما الشراب فكان ذهبي اللون ورفع مارك كأسه وقال بلهجته الايطالية: " تحياتي "
ونظرت رافينا اليه برزانة وقالت له ببرودة:
" لم اتعود بعد على لغة اهل ساردينيا "
قال:
" سأعلمك كل شئ عن اهل ساردينيا "
كانت عيناه تحملان معنى عميقا وهو يقرب الكأس من شفته ثم اردف قائلا:
" لا يمكن ان يتحقق التفاهم يا رافينا بدون نشوب معركة او اثنتين..هذا ما يدفئني "
جالت رافينا ببصرها على الجدران وتطلعت الى صور الاشخاص الغريبة عنها وابصرت الظلال تلقيها الشمعدانات وفسحة السلم الكبير المؤدي الى البهو ثم عادت لتقول له:
" ان ما يدفئني حقا مختلف تماما يا مارك لانني لست ممثلة كتبت لها عواطفها لكي تؤديها انا هنا معك ومع هذا لا اشعر بأي عاطفة "
فسألها ساخرا:
" ولا حتى الخوف؟ "
وتحولت ببصرها من سلم الغرف العليا الى غرفة العروس التي سوف تقاسمه النوم فيها وقالت له :
" هناك عواطف اقوى من الخوف يا مارك "
احتسى نصف مافي الكأس ثم قال:
" اظن ان العاطفة المخادعة اقوى من الخوف ولكن لا مبالاتك تسعدني الى ابعد حد "
وفي لحظة ارات ان تقول انها تشعر بالامبالاة نحوه ولكن هذا الشعور لم يكن صحيحا لانها كانت تحس بقوامه ولونه الاسمر وكبريائه كلها ممثلة في وقفته امام المدفأة بل انها كانت تحس بعظمته...فقط عندما كان يشيح جانب وجهه المشوه بالندبة بعيدا عنها . قال:
" انتهي من احتساء كتفك حتى نتوجه الى غرفتنا انت في حاجة الى انعاش جسمك بعد هذه الرحلة الطويلة وقبل ان نتناول طعام العشاء "


واتخذا سبيلهما الى فسحة السلم ورأت وجود عدة غرف وممرات تؤدي الى اجزاء مختلفة من المنزل ولكن رافينا احست انها ليست سيدة القصر وشعرت بانها شخص غريب لا يشعر بالالفة في بيته.
قال ماركوهما يرتقيان السلم متجهين الى البهو:
" جناحنا يقع في برج الفارس "
ثم استدار شمالا وسارا في ممر يقود الى سلم ضيق واحست رافينا وهي تسير الى جواره بانه لم يقم الجناح الاخر فسألته:
" ماذا يسمى البرج التوأم؟ "
" برج المادونا اطلقت عليه هذا الاسم احدى جداتي وهي فتاة حالمة من توسكانا وان كان اهل ساردينيا لا يستسلمون لمثل هذه الخيالات الرومانتيكية لانهم اناس عمليون "
كانت هناك نافذه تجاور سلم البرج وتسمح بدخول ومضات البرق التي كانت تهز اعصاب رافينا وربما كان البرق والظلال المتراقصة سببا في ان تسرع بارتقاء الدرجات حتى كادت تقع على وجهها لكن مارك كان اسرع منها اذ مد يديه ليحفظ توازن جسمها وفجأة التفت ذراعاه حولها فقاومته رافينا وهي تحاول الفرار منه مرددة: " لا...لا..."
لكنه امرها قائلا:
" اهدئ تماسكي...اليس من التقاليد المتبعة ان يحمل العريس عروسه ويعبر بها عتبة المنزل؟ "
وفي خطوة طويلة حملها وعبر بها عتبة غرفة النوم حيث كانت المصابيح مضاءة والحطب مشتعلا في المدفأة والدفء يشيع في ارجاء الغرفة واثاثها.
منتديات ليلاس
وظل مارك حاملا رافينا ووجهها على مبعدة من شفتيه اللتين لا يبدو عليهما اية ملامح من الرحمة وقال:
" انت تنظرين الي وكأنك تزوجت شيطانا "
قالت:
" انا متعبة يا مارك وانت دائما تعذبني "
واسبلت جفونها كأنها لا ترغب في رؤية نظراته ومع ذلك كانت تحس بعينيه تتأملان شعرها وبياض بشرتها ولاول مرة في حياتها ادركت كيف تبدو امام رجل وكيف جعلها تشهر بانها مسلوبة الارادة. ولما كان هذا الرجل هو مارك فانها كانت تود ان تنشب اظافرها في جسمه حتى يشعر بالام.
قالت له بوحشية:
" كم اكرهك. واكره هذا المنزل وهذه الجزيرة التي تفخر بها احجار مبنية على احجار وانت لا تقل حجرا عنها "
قال ساخرا:
" مجرد كلمات, هل تظنين ان مجرد كلمات تستطيع ان تجرحني؟ "
قالت له:
" وهل تظن ان شيئا يمكن ان يجرح حجرا الا الحجر. ولا يوجد شئ اكثر
برودة من امرأة باردة "

قال:
" مجرد وعود من شفاه ناعمة "
ثم اردف يقول:
" انني لم اتزوج منك من اجل كلمات ناعمة او نظرات ناعسة او خضوع مستأنس وانما تزوجت منك لانني اريد طفلا بكل الروح والمرح الذي ان يتمتع به دريستي "
واحست في هذه اللحظة انه يتجرع الالم وان العذاب القاسي هزه حتى دفعه الى ان ينزلها من على ذراعيه ويبعدها عنه بقوة والقسوة تكسو وجهه المشوه بالندوب.
قال:
" لقد احضروا لك ماء للاستحمام "
واشار الى اباريق نحاسية موضوعة على عتبة الحمام ومناشف دافئة وستارة شفافة اسدلت امام الحمام ثم اردف يقول:
" اسباب الراحة هنا ضئيلة الى حد ما ولكنك ستشعرين بالدفء قرب المدفأة. دبرت لانونا وصيفة صغيرة لخدمتك لان اغلب الخدم هنا من الرجال وهذه الليلة يمكنك تبيرها بنفسك "
قالت رافينا بهدوء:
" لا حاجة بي الى وصيفة. انت تعرف انه ليس لدينا واحدة في رافنهول واني اعتدت ان ادبر اموري بنفسي "
" انت الان في كازاتشيبريسو والموقف متغير. سوف اخبر رنزيو بأن يجلب فتاة صغيرة من فتيات القرية. انت البادروتشينا ولابد ان يكون لك وصيفه خاصة تهتم بملابسك وتصفيف شعرك "
قالت له وهي تنظر اليه بنظرات متحدية:
" الا يعجبك شعري كما تراه يا سيدي؟ "
" ستعيدينه كما كان بالامس وهو تحت طرحة الزفاف وسوف ترتدين ثوبك المخملي الذيشاهدتك به حينما قدمت لتناول الطعام في رافنهول اول مره. هل احضرت الثوب معك؟ "
وراودتها الرغبة في ان تخبره بانها نسيت الثوب في انجلترا وقبل ان تتفوه بكلمة سار مارك الى دولاب ملابسها وفتح ابوابه الكبيرة ورأت ثيابها منسقة على المشاجب وبدا لها الثوب المخملي الذي رفعه مارك من مكانه. واحست ان اصرار مارك على ارتداء هذا الثوب يعد تدخلا سافرا في استقلالها الشخصي وارادت ان تنتزع الثوب من يديه وان يدعها
وحدها. قالت له:
" حسنا لن ارتدي الثوب "
وضع مارك الثوب على الفراش وقال لها:
" سأكون في الغرفة المجاورة وسأدعك وحدك حتى تستعدي لحفل العشاء الذي اعد خصيصا لزفافنا "
توارت وراء الستارة وفضت ثيابها عنها وراحت تستمتع بدفء الماء الساخن الذي هدأ اعصابها المضطربة وبعدما استحمت لفت جسمها في منشفة كبيرة وغادرت الحمام وسارت حتى وقفت امام منضدة الزينة وشد انتباهها علبة من القطيفة مفتوحة تحتوي على قلادة زمرد مزينة بسلسلة
مرصعة بالماس. سرت رعدة في بدنها وخشيت ان يكون مارك دخل الغرفة اثناء استحمامها ليضع العلبة على منضدة الزينة وشاهدها من خلال الستارة الشفافة. وكلما فكرت قليلا وجدت انه من حقه ان يأتي ويخرج من غرفة نومها كما يشاء وان يقدم لها حلية اعجابا. ورأت ان القلادة تتماشى مع خاتمها وثوبها المخملي الاخضر وشعرها الاحمر.
اشاحت بوجهها عن الهدية وارتدت ثيابها بيدين باردتين كالثلج وعقدت شعرها في تصفيفة كالتاج وسمعت مارك مرة او مرتين يسير في الغرفة المجاورة وثارت اعصابها عندما قرع الباب يستأذن في الدخول فأذنت له ودخل وهو يرتدي ثياب السهرة وبدا في قوامه الفارع رجلا بل سيدا للموقف.
قال:
" اه...انت مستعدة...تقريبا ! "

وتطلع اليها من قمة رأسها الى اخمص قدميها فرأى بشرتها البيضاء تبرزها فتحة ثوبها المخملي وشعرها الاحمر الذي يزين رأسها وعينيها الخضراوين كالزمرد في اصبعها.
واحست رافينا باغماءة خفيفة عندما رأت ومضة اعجاب من نظراته.
تقدم مارك والتقط القلادة من علبتها المخملية واستدار حتى وقف خلفها وقال:
" دعيني اثبت القلادة حول عنقك "
وتطلع الى المرآه وسلط بصره على نظراتها واردف يقول:
" تعجبك القلاده يا رافينا اليس كذلك؟ "
قالت بصوت بارد:
" انها رائعة للغاية انها جزء من ميراث العائلة وانا اخذته اليس كذلك؟ "
فقال لها:
" انت اخذتيه لاني اعطيته لك. هناك قرط يتماشى معها ولكنك في الوقت الحاضر صغيرة على ارتدائه. اذناك صغيرتان وهما جميلتان في حد ذاتهما ويجب الا نفسد جمالهما بأقراط ذهبية ثقيل. انت فاتنة وكل عرائس اسرة دي كورزيو ترسم لهن صورة ذاتيه في السنة الاولى من الزفاف وسوف استدعي الرسام ستيليو فابريزي ليرسم لك صورة "
لم تجد رافينا اي جدوى من المعارضة ولو قدر لها ان تعيش في ساردينيا لتمنت ان تفجر الصخور التي يقوم عليها القصر والبحر الذي يقع تحته وفي هذه اللحظة راودتها الرغبة في ان تسبح ولكن خالجها شعور بالبكاء وهي تتقدم مارك وتخلف وراءها غرفة نوم الزفاف.
اعدت مائدة العشاء وصفت عليها اطباق لحم السمان والفاكهة وكؤوس الشراب وفي وسطها وضعت الزهور وعلى ضوء الشموع اقبلت رافينا على تناول الطعام بشهية ولم ترفض كأسا ثانية قدمها لها مارك بعثت الدفء في جسدها واصابت عقلها بخمول وكان ذلك مقبولا مع الغربة التي تحيط بها.
تحدث مارك اليها عن الجزيرة وتلريخها حتى تركا المائدة وتوجها للجلوس بالقرب من المدفأة وجلس مارك على اريكة كبيرة بينما راحت رافينا تصب له فنجان قهوة.
قال لها:
" الامسيات بدأت تميل الى البرودة "
ناولته فنجان القهوة وهي تتجنب لقاء نظراته وقالت له:
" احب النار انها تجعل الغرفة تبدو في صورة بهيجة "
قال بالايطالية:
" حسنا "
وشعرت بنظراته تحدق فيها وهي تجلس على مقعد بمساند. سألها:
" هل تبعث هذه الغرفة على البهجة؟ "
وتطلعت حولها وشاهدت الشموع مازالت مشتعلة ورأت لوحة جص في السقف تصور عاشقين من العصور الوسطى تشابكت ايديهما والحوريات ترقص مع الهة الاغريق. كانت الغرفة تتسم بالوثنية مثل الرجل الذي يراقبها برأسه الاسود الذي اسنده على ظهر الاريكة الحمراء. قالت:
" لابد اننا نعيش في قرن اخر غير هذا القرن كأن الزمن توقف هنا وان ايام الثأر والمبارزات وصيد الصقور مازالت تعيش بيننا "
" هل ضايقك ذلك؟ ربما تمتين بصلة لتلك الايام. لديك سمة العصور
الوسطى التي قيل انها تعود تحيا على بعض الوجوه. انها سمة من الكآبة والحزن "
سألته:
" هل لي ان ابتسم يا مارك؟ "
وبينما كانت رافينا تسأله التقت بعينيه الحالكتين السواد. نزعة الثأر بدأت تموج في اعماقه ولن يسلم شرفه حتى يدفع برينين ثمن موت دريستي ويطفئ لهيب الالم الذي يحرق قلبه. وتحولت نظراتها الى النار واللهب الذي راح يسري في اطراف الحطب وفكرت ان تهرب من مارك كان في متناول يدها اذ كتب لها رودري ذات مرة رسالة بعث بها من استراليا متوسلا لها والى ابيها ان يلحقا به هناك لانه اصبح يفتقدهما كثيرا ولكن نيوسوث ويلز
كانت تبدو لها نهاية العالم وان الرحلة منهكة لجاردي.
سألها مارك:
" هل ان قلقة على جاردي؟ "
انتابها توتر مفاجئ اليس غريبا ان مارك يقرأ افكارها. اجابت بصوت يشوبه الالم:
" انا..انا افتقده "
" هذا شئ طبيعي "
" اوه....مارك "
واحست كأن سكينا يغوص في قلبها واردفت تقول:
" هل تهمك مشاعري..وهل يقلقك انني اشعر بالاسى لبعادي عنه..ان عزائي الوحيد هو وجود رودري معه "
وخيم صمت مطبق عقب ان تفوهت بكلماتها وتطلعت الى مارك ورأت الشرر يتطاير من عينيه فقال:
" اذن رودري برينين موجود في رافنهول. انه برينين الذي توجهت اليه لمقابلته عقب زواجنا مباشرة. وكان يجب عليك رؤيته! كان من المحتم عليك تحذيره لكي يكون بعيدا عن طريقي "
قال بيأس:
" اجل ارسل برقية وكان لزاما علي ان اراه. كنت خائفة للغاية "
سألها :
" خائفة على عنقه الثمين؟ "
كانت عيناه تتألقان بوميض يجذبها اليهما ويغرقها في بحرهما فقفزت واقفة على قدميها وفي قفزتها اقتربت حافة ثوبها من لهيب النار وتعلق
لسان من السنة النر بحافته وعندما ادركت الخطر الداهم اطلقت صرخة ووجدت الماء ينسكب من دورق زجاجي واحست بيدين تمسكان با وترفعانها بعيدا عن النار.
قال مارك:
" ايتها الحمقاء الصغيرة !"
ولاح امتقاع لون وجهه تحت جلده المحترق فبدت الندبات جلية واضحه. واردف يقول:
" هل اعماك رودري برينين حتى اصبحت لا ترين شيئا ابدا "
وراحت يداه تعالجان الكدمات التي لحقت بها وكانت تنورة ثوبها المخملي بللها الماء واصبح غير صالح للارتداء. ولم تعد ترى سوى جانب وجهه المحترق والجحيم الذي ذاقت به ذرعا وقالت معارضة لا مدافعة:
" لا "
وكانت صرخة اطلقتها ضد الالم الذي قتل شعور الرقة فيه وكل اتزان في نفسه. وتركها ترحل عنه وادار وجهه بعيدا عنها وقال لها:
" خير لك ان تتوجهي الى الدور العلوي لتستبلي ثيابك المبتلة وسألحق بك بعد فترة "
تركته واتخذت سبيلها عبر الصالة وارتقت الدرجات وارتجفت بردا عندما لمست اصابعها ثوبها المبتل الذي شوهه الحريق فلن يكون في وسع مارك


يدع الرسام يمسك فرشاته ليرسمها وهي مرتدية هذا الثوب المشوه. انه سيجف حتما ولكن الحروق افسدته وشعرت بارتياح حينما وصلت غرفتها في البرج وخلعت الثوب. كانت اغطية الفراش مطوية وعليها ملابس النوم فأرتدت ثيابها على ضوء المصباح والنار المشتعلة في المدفأة ثم جلست فوق مقعد مستدير وراحت تتأمل الوهج الاخير للنار.
كانت هذه ليلة زفافها...ولا جدوى ان تسأل مارك امهالها حتى تعتاد عليه وعلى بيته..اجفلت عندما سمعته يدخل الغرفة المجاورة ومع مرور الثواني ازداد قلقها وراحت تعبث بخاتم زواجها الذهبي الذي احست به ثقيلا في اصبعها وسمعت صوت سقوط مفتاح على المنضدة وحرير السرير الذي نم عن جلوس مارك على حافته ليخلع حذائه.
لم تستطع رافينا ان تبارح مقعدها حينما فتح باب الغرفة المجاورة فجأة ووجدته ماثلا امام عينيها في روبه الحريري الاسود وراحت تحدق فيه بعينيها الواسعتان وقد استحال لونها الى صفرة اشبه بصفرة ثوبها.
قال لها بينما شعرها الاحمر ينسدل مسترخيا على كتفيها:
" يجب الا تجلسي هكذا فالنار ذوت تقريبا اقفزي الى فراشك "
ولكن رافينا لم تستطع التحرك من مكانها وبدت الغرفة يثقلها ظله حينما اقبل عليها ورفعها من فوق المقعد وحملها الى السرير ووضعها على الفراش واقترب بوجهه منها ورأت الغضب مازال يتطاير من عينيه.
اصبح يعرف الان انها كانت بصحبة رودري حينما اختفت من قاعة الاستقبال في يوم زفافها وانه لن يغفر لها ما فعلته. قال لها وهو يجدل خصلات شعرها الاحمر حول عنقها:
" ايتها الساحرة الصغيرة "
انتابتها رجفة لم تستطع السيطرة عليها لان رودري وحده كان يناديها بعبارة الساحرة الصغيرة فأغمضت عينيها حتى لا ترى وجه مارك المعذب في ضوء المصباح. قالت له صائحة:
" اطفئ المصباح..اطفئ المصباح "
وخيم الصمت... وسمعت صوت فرقعة ولم يكن صوت اطفاء المصباح وانما صوت مزلاج الباب الذي اغلقه مارك بعد مغادرته غرفة النوم اذ تركها وحدها بينما كانت خصلة الشعر مازالت مجدولة حول عنقها والدموع تنهمر من وجنتيها.



***نهاية الفصل الثاني***

 
 

 

عرض البوم صور الناظر   رد مع اقتباس
قديم 17-05-08, 11:06 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45537
المشاركات: 187
الجنس أنثى
معدل التقييم: الناظر عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الناظر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الناظر المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

3-رجل لا كالرجال


اخيرا نامت رافينا بعد ليلة حالكة وسهاد طويل. وعندما استيقظت في الصباح كانت الشمس تتسلل الى غرفة نومها تحمل معها الدفء وشذى الاعشاب ونسمة البحر. ظلت في فراش العرس تتأمل الغرفة ووقع بصرها على المقعد المستدير قرب المملكة فتذكرت انها جلست عليه

بانتظار مارك وحملها كالطفل بين ذراعيه وربما لسلوكها الطفولي معه تركها ولم يمسها. فنشجت بالبكاء ونامت وحدها في غرفة الزفاف.
غادرت الفراش لتجد دلوا نحاسيا مملوءا بالماء الدافئ واستمتعت بحمام اعاد الانتعاش اليها ثم فتحت خزانة ملابسها واحست برغبة تحدوها ان تتمتع بالحرية والانطلاق خلال يومها فاختارت بلوزة ملونة وسرولا فضفاضا ومشطت شعرها وارسلته على ظهرها ووضعت لمسة من احمر الخدود لتخفي معالم شحوب وجهها الذي نجم عن التوتر الذي كابدته خلال اول ليلة امضتها في الكازا. وعندما اتخذت طريقها للخروج من الغرفة وشرعت تهبط درجات السلم الحلزوني للبرج شعرت بالجوع ينشب اظفاره في معدتها. ولم تجد اي اشارة تنم عن وجود مارك افترضت انه يقوم بجولة تفقدية على البساتين وحقول الكرم التي تحيط بالكازا. وبدأت رافينا تتسائل اذا كان البيت قد هجره اهله عندها رأت رينزيو يعبر الصالة في سترته البيضاء ثم قال لها بالايطالية وهو يحدق في سروالها الفضفاض:
" صباح الخير يا بادرونسيتا "
قالت له بالانجليزية:
" احب ان اتناول طعام الافطار يا رينزيو "
وكانت تعلم انه يفهم الانجليزية لان مارك اخبرها اثناء تناول طعام العشاء بأن رينزو كان يعمل في فنادق اوروبا.
قال:
" البادرون لم يعد بعد من جولته الصباحية وعلى البادرونسيتا ان تنتظره لتنضم اليه في الشرفة المطلة على البحر حيث اعتاد تناول افطاره"
بدت رغبة شفافة في نظرتها وهي تسأله:
" الشرفة التي تطل على البحر؟ انني لم ارها...هل تقودني اليها؟ "
وانحنى رينزيو ثم سار في ممر ضيق وعبرا مدخلا يؤدي الى الشرفة التي امتلأت بأشعة الشمس والمفعمة بهواء البحر وكانت الشرفة تبرز من الامام لتطل على البحر مباشرة ومحاطة بسياج من القضبان الحديدية تأمينا لسلامة الواقفين. وتمتم رينزيو قائلا:
" البادرونسيتا سوف تنتظر وصول طعام الافطار "
قالت: " اجل "
وسارت الى نهاية الشرفة مأخوذة بمنظر الجبال والامواج تتكسر فوق الصخور التي تجمعت على الشاطئ كأنها اطلال قلاع محطمة وشاهدت النسور ترفر فوق صفحة المياه ادهشها ان يحب مارك تناول طعام الافطار
في مثل هذا المكان. هذا الملك الذي يتمتع بمشاهدة هذه المناظر الطبيعي وسيد هذا البيت الكبير القائم على المعقل الصخري...هاهنا ملأت المرارة فمه فقسا قلبه بعد موت ابنه دريستي وخاصة انه يملك كل هذه القرى بلا ابن يرثها. وقفت رافينا عند سور الشرفة والريح تعبث بشعرها وعلى سماتها ملامح العروس الاسيرة وكانت تعلم ان مارك سينظم اليها حالا فتوترت اعصابها من مقابلته بعد الموقف الدرامي الذي شاب فراقهما ليلة امس وانذرتها اعصابها بدنو وصوله قبل انتسمع وقع خطواته فوق ارضية الشرفة. امتلأ الجو بشحنة كهربائية استطاعت ان تشعر بها وهي تسري في عمودها الفقري الذي تجمد عندما وقف وراءها وهو يقول:
" صباح الخير. اظن انه لم يستغرق منك وقت طويل حتى تعثري على وكري اخبريني كيف ترين الكازا والبقاع المحاطة بها بعدما اشرقت عليها شمس الصباح "
قالت:
" اكثر وثنية مما كنت اتصور "
وشعرت بضربات نبضها عندما تحولت لمواجهته ووجدته يتأمل الشمس وهي تسقط بأشعتها على شعرها وكانت تتوقع ان تلاقي منه برودا هادئا ومقاطعة مهذبة بعد ما حدث ليلة امس ولكنه ابتسم ورفع حاجبا متعجبا للملاحظة التي ابدتها وسألها:
" هل ترينه وكر قاطع طريق يحتفظ بك رهينة انتظارا لفدية يدفعها اهلك لانقاذك؟ "
وتناول يدها التي تتحلى اصابعها بخواتمه واحنى رأسه الاسود ومست شفتاه يدها فاشتمت رائحة ثمار الليمون عالقة بثيابه كان اذا يقوم بجولة في حقول الليمون التي نضجت وغدت معدة للعصر وتعبئة عصيرها في مصانع الحمضيات التي على مبعدة من الجزيرة ذلك ان دي كورزيو ماركة مميزة على جميع المشروبات المماثلة. وتتمثل الماركة بصورة نمر جاثم فوق صخرة يلعق الماء من نهر متدفق.
سألها وفي صوته نبرة سخرية:
" هل استمتعت بنوم عميق؟ "
لم تستطع ان تتطلع الى نظراته وهي تجيب على سؤاله بأنها نامت نوم عميقا. قال: " حسنا " وتحول عنها عندما ظهر رينزيو في الشرفة وهو يحمل صينية عليها الوان من الطعام ويتبعه خادم صغير السن يحمل دورق القهوة. وراح الخادم الصغير يحدق في شعر رافينا الاحمر لانه اعتاد ان يرى فتيات كاسيل كاسيل دي توري بشعر حالك السواد واضطر رينزيو دالى ان يزجره فانصرف خائفا وشعرت بان الخادم الذعور بعث في اعماقها بمزيد من الغربة عن ذي قبل وقام رينزيو باعداد مقعد امام المائدة جلست عليه رافينا فقال له مارك:
" يمكننا ان ندبر امر افطارنا بأنفسنا "
قال لها:
" يبدو سلوكك غريبا معهم "
وراحت تراقبه وهو يصب لها القهوة ويقدم لها طبقا من حلوى التروفيل وشريحة من الخبز المقدد. واستطردت تقول:
" انهم غرباء بالنسبة الي. انك لا تتصور ماهية شعوري يا مارك نصف حالمة لا اكاد اتصور ان هذا المكان واقع حقيقي. وان زواجنا تم فعلا "
قال لها:
" تناولي طعامك يا رافينا. ان التروفل مثل الحب يفقد شيئا من نكهته عندما يصبح باردا "
وكانت رافينا تشعر دائما بقبضة تعتصر قلبها اذا ما بدأ يتحدث عن الحب. ماذا يقصد بالحب؟ ان يمسك بها بين ذراعيه يمتلكها دون ان يشعر بأية حرارة مما كان يشعر بها نحو دوناتا...فتاة الجنوب التي فقدها كما فقد دريستي. كسرت رافينا الخبز ودهنته بالزبدة ووجدت التروفل حلو المذاق واللحم لذيذ وحاولت الا تفكر بطعام الافطار الذي اعتادت ان تتناوله مع جارديوقريبا من جبال ويلز المألوفة لديها ومن وراء نوافذ رافنهول.
سألته:
" هل تتناول جدتك طعام الافطار في غرفتها؟ "

" اجل...لانونا بدأت تشعر بسنها المتقدم وغالبا ما تمضي الليل تكابد الارق فينتابها الاعياء في الصباح وقد اعنادت وصيفتها بابتستا ان تقرأ لها اذا جافاها النوم. ستجدين القوة في شخصية السردي فلا يلتبس عليك الامر فتظنين انهم يفتقدون الحنان. وحينما تعتاد لانونا عليك وتتقبل حقيقة كونك زوجتي ستكتشفين انها اقل تهكما عما حدث حينما التقيت بها يوم مجيئك "
لم تستطع رافينا ان تمنع نفسها من السؤال:
" هل هناك علاقة بين كون المرء سرديا وبين كلمة ساردونيك* ؟ "
" هل تظنين انني شخص متهكم مرير؟ "
قالت:
" بالتأكيد ان زواجنا اكبر دليل على مرارتك "
" اذن انا شخص مرير...وانت تشعرين انك ضحية لمرارتي "

" اعرف انه شئ فظيع بالنسبة اليك ان تجتاز هذا الشعور ولكنه دفعك الى ان تكون قاسيا وانه لقسوة منك يا مارك ان تتوقع ان يكون سلوكي ينم عن رغبة في انني اريد ان اكون هنا وما المسألة الا مجرد وقت اعد فيه نفسي كزوجة للتكيف على حب زوجها "
قال:
" لا اطلب ان تمنحيني حبك "
فسألته:
" لكنني اسأل عن نفسي انا...وماذا اريد؟ "
" اذا كنت تريدين رودري برينين فأظن انه خير لك ان تبقي معي "
وكانت كلماته باترة كحد السكين التي كان يستخدمها في قطع شريحة من البطيخ المفعمة بالعصير. سألها:
" هل تحبين ان تتناولي شريحة منها؟ ان بطيخ الجزيرة حلو المذاق "
هزت رأسها وقد تشبثت اصابعها بحافة المائدة عندما رأته يضيف السكر الى شريحة البطيخ وراح يلتهم الثمرة بهدوء يبعث على الجنون ورأت ان اهتمامه بها كامرأة لا يزيد عن اهتمامه بشريحة البطيخ.
سألته:
" هل تأذن لي بالانصراف؟ "
وامسكت بمنشفتها والقتها الى جانب طبقها وشعرت بنظراته مسلطة عليها عندما تركت المائدة وتوجهت نحو جدار الشرفة ووقفت تحدق في الجبال التي لمستها اشعة الشمس الذهبية ولقي الجمال الوثني للمنظر صدى لشعورها بالشقاء ورأت ان هذا المكان يجب الا يكون مضيئا وانما يجب ان يكتنفه الظلام الدامس حتى يتلائم مع حالة اليأس التي تكابدها.
سألها مارك:
" هل تذكرك جبالنا بويلز؟ "
" لا شئ هنا يذكرني بوطني "
" انت تحملين في نبرة صوتك برودة ويلز "
قالت:
" وفي قلبي ايضا...يا مارك "
واستدارت للتخذ وضع المدافع ثم اردفت تقول:
" الا يكفي اتك حصلت علي لا تطلب ان احب سجنك "
" يبدو لي كأنك تزمعين الثورة ضد الجزيرة...وضدي انا "
نهض واقفا وسار نحوها مثل النمر المتحفز للوثوب وحينما دنا منها رأت بوضوح الندوب محفورة على يديه فتذرعت بالصبر لكي تتحمل لمساته حينما ادار ذقنها واجبرها ان تنظر الى عينيه قائلا:
" هل تظنين انني تزوجتك لشعوري بالمرارة فقط؟ هناك شئ اكثر من هذا يا رافينا "
قالت:
" الرغبة...."
وشاب كلمتها احساس بالكراهية له.
قال وعلى شفتيه ابتسامة متهكمة:
" اجل...بعض من هذا بالاضافة الى انني اكتشفت انك مثيرة مزيج من البراءة والخداع. انت وحدك يا رافينا لديك القدرة ان تجعلي اعصابي تفلت مني او اسيطر عليها بسرعة. لديك روح عالية وانا لا احب تحطيم اي روح عالية "
" ولهذا السبب لا تحمل في يدك سوطا...لانك في غنى عنه؟ "
" الشخص الضعيف فقط يحتاج ان يمسك سوطا ليروض امرأة او حصانا "
" اذن انت تنوي ترويضي؟ "
هز رأسه وراح يدفع خصلة من شعره الى الوراء بعيدا عن حاجبيه ثم قال:
" لا...عندما نمتطي سويا جوادينا ربما ستعثرين لجواب على سؤالك وعندما نكون سويا على صفحة الماء وفي خضم العاصفة ستعرفينني اكثر. لست احب الاشياء التي تروض. انني سردي احب بربرية شمسنا في اوج الصيف وقوة الريح عندما تهب من الجبال ولسعات اشجار السرو ولطمات امواج البحر وسقوط حبات الزيتون تحت اشجارها. انا سردي يا عزيزتي! اننا لا نقبل اية تسوية للامور مذلة ولا نقبل ترويضا لاخضاع المرأة "
وعندما نظرت اليه عرفت السبب الذي دفعه الى ان يتركها ليلة امس فان الخوف الذي تملكها لم يجذبها اليه فالرجل يحب من المرأة ان تتحول دموعها الى ابتسامة وتشعره في انها بحاجة اليه فقالت فجأة:
" دعني ارحل يا مارك "
وتطلع اليها بابتسامة لوت شفته وابعد يديه عنها واستند على سور الشرفة الذي يحول دون سقوط المرء الى اعماق البحر واستطردت تقول:
" دعني ارحل الى وطني اعني ..حررني من هذا الزواج "

" هنا وطنك "
" يمكننا...يمكننا ان نفسخ هذا الزواج...يا مارك...منتديات ليلاس

 
 

 

عرض البوم صور الناظر   رد مع اقتباس
قديم 17-05-08, 11:13 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45537
المشاركات: 187
الجنس أنثى
معدل التقييم: الناظر عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الناظر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الناظر المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

وتحول ببصره ليحدق في امواج البحر الثائرة وبدا جانب وجهه المشوه مثل الحفر على وجه عملة برونزية وقال:
" تطلبين شيئا لا استطيع ان امنحك اياه. اطلبي ملابس...حلي...حديقة تزرعينها بالورود...حصانا لنفسك وفتيات يسعدهن التعرف عليك. لا ابخل بأي شئ ولكن في حدود المعقول "
" هل يعتبر فسخ الزواج شيئا بعيدا عن المعقول...اننا لم... "
قال مقاطعا حديثها:
" سيحدث يا رافينا...فقط انني لم استعد شيئا مما قلته لك يوم اتيت من رافنهول واخبرتك عن دريستي. سأمنحك كل شئ يمكن لرجل ان يقدمه لفتاة. فقط امنحيني طفلا منك انت يا رافينا بكبريائك وعينيك الجميلتين وولائك لأسرة برينين "
" الولاء! الولاء! " كانت الامواج تردد الكلمة في عقل رافينا وطيور البحر تصرخ عاليا وكان مارك وحده يرددها وهي تشعر امامها بالعجز يشل سكناتها.
قالت:
" الطفل يولد من الحب...كما ولد دريستي "
نظر اليها بخشونة فبدت اكثر غورا عن ذي قبل وقال:
" لن نتحدث عن دريستي ولكني اريد ان اريك بعضا من ضيعتي الشمس حارة ومن الافضل ان اعثر لك على قبعة "

وعثر مارك على قبعة قش في كهفه وهو غرفة فيها كل اسباب الاسترخاء والهدوء. ثبتت رافينا القبعة فوق رأسها دون الاستعانة بمرآة وسوت شعرها تحتها وجعلت حافتها تظلل عينيها.
" انت لست مغرورة بمظهرك "
" الغرور كالخوخ سهل الخدش وفي اي حال انا لست فاتنة "
قال مارك :
" انا سعيد بذلك. ان اي رجل يعيش في اعماقه شيطان الغيرة لا يستطيع ان يتحمل مغازلة احد لزوجته. تعالي دعيني اريك حدائق الليمون "
وفتح بابا يفضي الى الحدائق التي امتلأت بأشجار الليمون حيث راح عدد كبير من الرجال يتفحصون الثمار وتمهل مارك ليتحدث معهم وليقدم اليهم عروسه. وادركت رافينا انه يبغي بذلك ان يوطد اواصر زواجه فأصبحت في نظرهم امرأة البادرون واي تفكير في فسخ الزواج يقلل من قدر سيدهم ومكانته عندهم. وتذكرت انه قال لها في استعلاء وكبرياء:
" انا سردي "
وبدأت رافينا تدرك تماما ان الكبرياء والكرامة تعنيان الشئ الكثير لدى اهالي سردينيا...ساردينيا حيث تنمو ازهار الزيتون بين صخورها والشمس تغرق التراب بأشعتها وقوة الارض تكسو وجوه ناسها ورائحة الاعشاب واشجار السرو تملأ التلال التي انتشرت فوقها حدائق الزيتون.
كانت القرية تقع على قمة التل وابواب المنازل والنوافذ ضيقة وسطوحها تميل في انحدار واحد والحوانيت اشبه بالكهوف تنبعث منها رائحة الحبوب والاعشاب وقامت رافينا بجولة في القرية فشاهدت الكنيسة العتيقة ورأت النافورة التي تتوسط الميدان وكانت النساء قد تعودن على تعبئة جرارهن منها حتى تمديد انابيب الماء من الجبال الى البيوت. وادركت رافينا ان مارك بذل جهده لتوصيل الماء الى بيوت القرية ولمحت بعض النسوة جالسات امام الابواب يعملن في مغازل صغيرة كل واحدة تنحني برأسها للبادرون بينما تحدق في قوام رافينا النحيل وسروالها الفضفاض.
رؤية هؤلاء النسوة ذكرتها بدونا جوكاستا التي كانت تأمل ان يتخذ مارك عروسا من بنات جنسه ولم تستطع رافينا ان تقاوم رغبتها في ان تتطلع الى داخل البيوت فرأت الدجاج يمرح في الفناء والاثاث العاري من كل مخيط وكان الاطفال يتلقون تعليمهم في مدرسة القرية وعندما مرا ببابها قال مارك:
" المعلم السنيور لاندولفو يتناول احيانا طعام الغداء في الكازا "
وفي هذه اللحظة خرجت طفلة من المدرسة تبحث عن شئ فقدته على الارض وفجأة انحنى مارك ليلتقط منديلا سقط بالقرب من الباب وتحدث معها وهو يقدمه لها ولكنها ولت هاربة عندما رأت وجهه المشوه ورأته رافينا يسحق المنديل في قبضة يده ثم وضعه على قمة عمود الباب وواصلا سيرهما. قالت رافينا بسرعة:
" لا تأبه يا مارك "
ولأول مرة ادركت مدى الجرح الذي اصابه عندما فزعت الطفلة من رؤية الندبة الغائرة على وجهه وولت منه هاربة. ولمست ذراعه ولكنه سحبها بعيدا عنها ليس غضبا وانما كنوع من الشعور بالاستقلال والكبرياء.
قال:
" ليست هذه المرة الاولى التي ارى فيها النظرة الخاصة في العيون. تعالي ان هذه الدرجات الضيقة ستقودنا الى الممر المؤدي الى الكازا "
اشتدت حرارة الشمس ولمحت رافينا منظر البحر وودت لو تسأل مارك ان يتوجها الى الشاطئ فيرطبا اقدامهما في مياه البحر لكن صمته بعث
القشعريرة في اوصالها وشعرت بالسعادة عندما بلغت اخيرا جدار فناء الكازا واخبرها ان هناك بعض الاوراق تنتظره في مكتبه ويريد انجازها. القى نظرة على ساعة يده وقال:
" يمكنك تسلية نفسك بأي شئ او ربما تحبين التحدث الى جدتي فهي في هذه الساعة تتناول قهوتها في صالونها واظن انك تشعرين بالجفاف في حلقك بعد رياضة المشي تحت اشعة الشمس "
وادركت رافينا انها لابد ان تعقد صداقتها مع لانونا اجلا او عاجلا فوافقت على اقتراحه بتناول فنجان من القهوة معها وقالت له وهو يسير نحو المكتبة:
"هل تنوي احتساء قهوتك...وحدك؟ "
فالتفت نحوها وهو يضع يده فوق مقبض باب مكتبه ثم قال لها:
" ان ما لا ابتغيه منك هو الشفقة "
وفتح الباب ودلف الى المكتب وحده. نزعت رافينا قبعتها وسوت شعرها ودخلت الصالون وكانت دونا جوكاستا جالسة تحتسي قهوتها وتدخن سيكارا رفيعا ولم تستطع رافينا ان تمنع نفسها من التطلع الى السكار وهي تقول:
" هل استطيع الانضمام اليك؟ "
القت لانونا رماد السكار وهي تقول:
" يوجد فنجان اضافي لماركوس اين هو؟ "
" لديه اعمال يريد انجازها في المكتبة "
" كنت اظن انك شغلته لتستمتعي برؤية القرية. تعالي واسكبي قهوتك لا تقفي هكذا نصف جسمك داخل الغرفة ونصفك الاخر خارجها "
اجابت رافينا بلهجة من يدافع عن نفسه:
" ارادني مارك ان ازور القرية "
وسحبت العجوز نفسا من سيكارتها بشكل ساخر وقالت:
" الم يقل لك ايضا ان تحاولي مصادقتي؟ "
ثم اضافت:
" انت بحاجة الى اكثر من عينين خضراوين لذلك "
وتحرك اندهاش عميق في داخل رافينا حين تبين لها انها ومارك على علاقةوطيدة وانها لا تعلم كم هي جزء من مأساة مقتل دريستي وتشوه حفيدها. ارتجفت يد رافينا قليلا وهي تسكب القهوة وسرت حين جلست في الكرسي المريح لان الاعصاب خانت قدميها. ولم تكن الدونا جوكاستا تقبلها لانها ليست من الجزيرة فكم سيكون كرهها لها اعمق لو عرفت
سبب اختيار مارك لها عروسا .
سالتها العجوز:
" ه اعجبك شئ في بلدنا؟ "
قالت رافينا وهي ترتشف القهوة:
" انا اعتدت اناكون بنت قرية ولذا استمتعت بالتجول في القرية ووجدتها مثيرة للغاية "
قالت الجدة بتحامل:
" انت تتحدثين وكأنك تقومين بزيارة سريعة لها. يجب ان تعتبري كاسيل ديل توري من الان فصاعدا بيتا لك. هنا ستعيشين حيث تسلط الشمس اشعتها على جدران الكازا والرياح الشرقية تهب ساخنة وجافة وتدفع الاعصاب الى التوتر وعندما يأتي الشتاء تهطل الامطار فتتعرض الطرقات للمخاطر ولكنها لا تحول دون سفر مارك وحده فهو اعتاد على الا يصحب زوجته معه في مثل هذه الاحوال الجوية حتى لا تصبح الكازا تنعى الوحدة عندما يرحل في رحلات العمل "
قالت رافينا بيأس:
" انا...انا سوف ارحل معه. عندما يسافر الى بريطانيا سوف يأخذني معه. ان اهلي يعيشون هناك "

" اهل سردينيا يؤمنون ان مكان المرأة هو بيتها "
" مارك لن يتوقع مني ان اخضع لهذه القاعدة "
وسحبت دونا جاكوستا نفسا عميقا من سيكارها وقالت:
" وماذا تعرفين انت عن مارك بعد بضعة ايام من زواجك منه؟ انا تعهدته بنفسي منذ وفاة امه عند ولادته ورأيته يشب حتى اصبح رجلا هذا الرجل الذي لا تعرفينه...الرجل الذي كان قب الحادثة تتاهفت عليه فتيات القرية. وكان في وسعه ان يختار اجملهن... ذات العطر الفواح...والمزاج الحلو "
وتطلعت البادرونا العجوز مليا في وجه رافينا ثم اشارت الى خزانة خشبية تستند الى الحائط وقالت لها:
" اذهبي وافتحي الدرج الثاني وستجدين في داخله اطار صور من الجلد احضريه لي "
وامتثلت رافينا لطلبها فتوجهت الى الخزانة وفتحت الدرج الثاني وشاهدت اطارا جلديا من النوع الذي يضم صورتين فأحضرته ادونا جاكوستا التي قالت:
" افتحيه وشاهدي الصور "
واطاعت رافينا بينما قلبها يخفق خفقات سريعة وكما توقعت كان الالبوم يضم صورتين احداهما صورة لعروسين والاخرى صورة شخصية لمارك فتطلعت اليها ورأت وجه شاب نحيل شديد الجاذبية عيناه السوداوان تضحكان ويملاهما الفرح والرغبة في الحياة وفمه جسور ينعطف حادا مما يتوافق مع حاجبه الايسر. كانت هذه هي ملامح صورته منذ ستة اعوام اما الصورة الاخرى لمارك فلم تكن معروفة لها وهي صورة زواجه بفتاة مشرقة ترتدي طرحة تحيط بشعرها الاسود وعينيها المخمليتين. وسألتها دونا جاكوستا:
" هل تعرفين ان زوجة حفيدي الاولى كانت بهذه الصورة الجميلة ولها لوحة زيتية في برج المادونا تصوري روعة جمالها حينما كانت هي ومارك في اوج سعادتهما. يجب ان تذهبي لمشاهتها. دوناتا كانت حقا هدية من السماء لرجل مثل حفيدي وعندما استعادتها السماء اخذت معها معظم قلبه. وعندما مات طفلهما ادرك مارك بأنه لن يحب مرة اخرى بالرغم من انه كان من المحتم عليه ان يعيش مرة ثانية "
واطفأت سيكارها في مطفأة نحاسية وكانت طريقة اطفاء السيكار لها دلالتها الواضحة وكأنها تريد ان تؤكد لها ان الحب لن يستطيع ان يندلع مرة اخرى في قلب مارك. قالت الجدة:
" من فضلك ارجعي اطار الصور الى الدرج ثانية. انها ذكرى مؤلمة لمارك ولذلك احتفظ بها سرا "
واطاعتها رافينا طاعة عمياء ولكن الوجوه التي رأتها في الصور راحت تجول في اعماق عقلها ويطردها شبح سعادتهما وعندما عادت تواجه لانونا قالت لها:
" ارجو ان نكون اصدقاء اما اذا اصررت على معاملتي كانسان غريب..."
قاطعتها الجدة قائلة بوضوح:
" انت فعلا غريبة دخلت المنزل ليلة امس وكأنك اتيت ضد رغبتك هل كنت تأملين ان يعيش حفيدي معك في بريطانيا "
واطلقت الجدة ضحكة ازدراء ثم واصلت حديثها :
" انت تزوجت من سردي وجذوره ضاربة في هذه الارض وارضه هي حياته. وتزوج ثانية مثلما يفعل عندما يريد ان يزرع ارضه من جديد بعد موسم الحصاد...انه يريد ابنا له "
واشاحت رافينا بوجهها عندما احست بالعداوة في عيني الجدة التي راحت تتفحص قوامها النحيل وقالت لها:
" مارك احمق. ان اي فتاة في الجزيرة تستطيع ان تمنحه نصف دسته اطفال اذ يبدو من تصرفاتك كأنك لم ترغبي يوما في ان يلمسك رجل "
وكانت ملاحظة شديدة ابدتها دونا جاكوست التي رأت جانبا من الحياة فأصبح في وسعها ان تتبين بوضوح نظرة العروس المدلهة بالحب وقد رأت من رافينا موقف الممانعة متخذة مظهر الانسانة الاسيرة وكأن افكارها واشواقها تعيش على مبعدة اميال سألتها لانونا:
" هل انت شقية؟ "
بدأت رافينا تسير نحو الباب وهي تقول:
" كيف اكون سعيدة وانت تقولين لي انني افتقد المزايا التي يجب ان تتوفر في الزوجة. لست محبوبة ولا يرحب احد بوجودي ومع ذلك لا استطيع ان اعد حقيبتي وارحل بحرية من هذا البيت "
وجذبت الباب تفتحه واسرعت تهرب من صالونها وانزوت في كهف مارك راغبة الا يعثر عليها احد. كان موعد تناول طعام الغذاء قد حان وعثر عليها رينزو ولكنها تمسكت بالصمت وهي تتناول الطعام مع مارك وجدته. وعندما غادرتهما الجدة لتستمتع بالقيلولة علمت رافينا من زوجها ان حفل الزفاف قد اعده اهل الضيعة وسيقام هذه الليلة. واشعل مارك سيكارا واستلقى على المقعد ثم قال:
" هذا الحفل دائما يقام عندما يتخذ البادرون لنفسه زوجه. سوف تستمتعين به وسيرقص الشباب رقصة ايطاليا الشعبية...الترنتيلة. وسترتدي الفتيات ثيابهن القومية وستنتخب فتاة منهن لتقدم لك هدية "
وعضت رافينا شفتيها ورأت بعيني خيالها وجه دوناتا المشرق فقالت:
" ولكن يا مارك هذا معناه انه لم يسبق لك الزواج من قبل "
لاحت مظاهر القوة في عينيه وعلى فكه وهو يقول :
" سيقام الحفل وعشيرتي في انتظاري. انهم يعملون بجد واهتمام وعند حدوث مناسبة سعيدة يمرحون بحماس شديد وانت يا سنيورا دي كورزيو ستشعرين بالسعادة وانت مرتدية اجمل اثوابك "
قالت له:
" هل نسيت انك القيت الماء البارد ليلة امس على اجمل اثوابي "
قال:
" اجل حتى انقذك من الاحتراق وانا اعرف كيف يشعر المرء عندما يلسعه نار الحريق "
قالت:
" مارك انني اسفة لانني ابدو بلهاء في موقفي تجاه الحفل. لم اتوقع اقامته..و.. "
واكمل كلامها :
" والحديث الذي تبادلته مع لانونا ترك في نفسك شعورا بالاكتئاب "
ومال بجسمه الى الامام وتطلع مليا الى وجهها وكانت رافينا تجلس على وسادة وذراعيها حول ركبتيها فبدت صغيرة السن ووقورة. واردف سألها:
" ماذا قالت لك جدتي؟ هيا اخبريني "
" هي...حسنا... قالت انك سوف تتركني في الكازا عندما تقوم برحلات العمل. لي الحق يا مارك...."
فقاطعها قائلا:
" في ان تكوني بصحبتي.. اليس كذلك؟ "
" ان ارى جاردي عندما تذهب الى بريطانيا "

قال مارك وهو يعود بظهره الى الوراء ويرفع يده ليدخن السيكار:
" مفهوم ولكنني لن اذهب الى بريطانيا الا بعد فترة طويلة. رحلتي المقبلة ستكون الى روما "
قالت:
" مارك...هل تدعني اذهب معك "
ولم تكن رافينا تتصور انها سوف تبقى في هذا المنزل الغريب المسكون بتلك الفتاة التي تضع طرحة فوق شعرها الاسود وصورتها المعلقة في برج المادونا والتي رحب بها الجميع واردفت رافينا تقول:
" اعتدت ان اتجول بطريقتي الخاصة ولن اكون مصدر ازعاج وسأبتعد عن طريقك عندما تلتقي بالناس لتجري معهم محادثات العمل "
ولاح لها ان وقتا طويلا انقضى قبل ان يقول لها متهكما:
" طبعا سأصحبك معي لانني اذا تركتك هنا وحدك ربما تفكرين في الهرب ثانية "
وتصاعد دخان سكاره فاختلط بأشعة الشمس التي كانت تتدفق عبر النوافذ النصف مفتوحة وكان لون عينيه السوداوين عميقا وكان جانب وجهه غارقا في الظل فلم تجد الامر هينا لان تشكره على وعده لصحبتها معه في رحلته الى روما. انه يريدها معه لتظل تحت بصره ولم تعد تثق في عدم ثروته اذا ما فكرت في الهروب مرة ثانية. سألته سريعا:
" هل زرت روما من قبل؟ "
قال: " اجل "
ونزع بتفكيره الى الماضي وكأنما كان يتطلع الى الاماكن التي رأها ويحمل
لها اجمل الذكريات ثم عاد الى الحاضر ليستطرد قائلا:
" قضيت شهر العسل هناك! "


***نهاية الفصل الثالث***

 
 

 

عرض البوم صور الناظر   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
العروس الأسيرة, روايات, روايات مترجمة, روايات رومانسية, روايات رومانسية مترجمة, روايات عبير المكتوبة, the unwilling bride, عبير القديمة, violet winspear, فوليت وينسبير
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t79055.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
1- ط§ظ„ط¹ط±ظˆط³ ط§ظ„ط§ط³ظٹط±ط© - ظپظٹظˆظ„ظٹطھ ظˆظٹظ†ط³ط¨ظٹط± - ط±ظˆط§ظٹط§طھ ط¹ط¨ظٹط± ط§ظ„ظ‚ط¯ظٹظ…ط© … - طھظ…ط«ط§ظ„ ط­ظˆط±ظٹط© ط§ظ„ط¨ط­ط± ط§ظ„طµط؛ظٹط±ط© This thread Refback 16-03-16 10:05 AM
ط§ظ„ظ‡ظ…ط³ط§طھ ط§ظ„ظ…ط´طھط¹ظ„ط© ظ…ظ† ط±ظˆط§ظٹط§طھ This thread Refback 29-08-14 05:22 AM
sosoroman's Bookmarks on Delicious This thread Refback 07-10-09 02:33 AM


الساعة الآن 07:05 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية