كاتب الموضوع :
ارادة الحياة
المنتدى :
القصص المكتمله
((الفصل الخامس))
كان (ناصر) يقف عند سيارته (bmw) السوداء وهو يعقد يديه على صدره ، خرجت (أم بدر) وخلفها (أنوار) تحمل (شوق) :
_ هلا يمه ... تعبناك معنا ...
_ هلا عمه ...(يقبل رأسها) ... لا تعب ولا شي ... شلونك بدريه ؟
انتفض وجه (أنوار) والتزمت الهدوء :
_ هذي أنوار ... بدريه راحت مبكر تعطي عمك ابرة السكر ...
_ والله ...(بخبث)... شلونك أنوار ... (ويفتح الباب الأمامي) ... حياك عمه ...(وتدخل أم بدر السيارة) ... عنك عنك أنوار ... (اقترب ليأخذ شوق النائمة بين يديها ، ارتبكت هي من قربه وانتفضت ، فتحت الباب الخلفي وجلست) ... يا بعد قلبي ...(كان يضحك بخبث ، رفعت نظرها بغضب لتجده يقبل شوق ) .... امسكي انوار ... قبل لا أكلها ...(ضحك ، وضمت هي شوق بقوة ، أغلق الباب ودار ليجلس خلف المقود) ...
_ إلا عمه ... مبروك عرس البطة ...
_ههههههههههه حرام عليكم والله وليدي لا هو بطة ولا شي ...
_ يا حليله اليوم متشقق من الوناسة ... تقول متزوج هيفا وهبي ...
_ الله يهنيه ... الفال لك إن شاء الله ... وتفرح قلب أمك ...
_ يعني لازم أتزوج علشان تفرح أمي ...
_ والله يا يمه أنت ما انت صغير ... وأمك هالمسكينة تطالع الله وتطالعك ... أنا أدري ليه عمك أبو نايف ساكت عنك للحين ؟
_ هههههههههههههههههههههههه ... لأن عمي يحبني وما يبي يجيب لي الهم ...
_ يا يمه هذي سنة الحياة ...
_ الله كريم عمه ... الله كريم ...
_ عمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى ... (صرخت أنوار دون وعي) ...
_ شفيك يمه ؟!
ابتسم (ناصر) وكتم ضحكته وهو يرى (شوق) تتمدد في حضن (أنوار) وهي نايمة فتضربها وتبعثر ملابسها :
_ لا يمه ... (واصطبغ وجهها من الخجل) ... ما كو شي ...
_ عمه ... شوق قاعدة تسوي رياضة بحضن أنوار ...
_ هههههه ... نزليها يمه عنك ... حطيها على الكرسي ...
حاولت (أنوار) ولكنها لم تستطع فقد كانت ابنة أخيها دبدوبة فاستسلمت ، لمحت في المرآة (ناصر) وهو يراقبها ويكتم ضحكته رغما عنه (عمى بعينك إن شاء الله) .
وبعد عشر دقائق كانوا أمام المنزل ، نزلت (أم بدر) بعد أن شكرت (ناصر) وسلمت عليه ثم دخلت ، (أنوار) فتحت الباب وكانت لا تزال تحاول أن توقظ (شوق) التي لا زالت تتمدد في حضنها وقد أخذ النوم منها كل مأخذ :
_ شوق ... وجع إن شاء الله قومي ... شوقوه ... يا مال اللي ... قومي ومرض ... شوق ...(كانت يائسة ومتضايقة من حركة شوق المستمرة) ...
_ هههههههههههههههههههههههه ... عطينياها ... (لم تنتبه أنه كان يستند إلى باب السيارة المفتوح ويراقبها) ....
_ لا عادي .. أنا أقعدها ... شـــــــــــوق ...(وقرصت يدها بيأس) ...
_ آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآي .... (وبكت بألم وهي تستيقظ وتتحرك مذعورة ثم عادت لنومها) .
انتقع وجه (أنوار) فحركة (شوق) أوقعت غطاء وجهها الذي لم تكن تعرف كيف تحكم ربطه ، رفعت رأسها ورآته يتفرس في وجهها مشدوها ، لم تكن تستطيع ان تعيد الغطاء لأن يديها كانتا تحت الكتلة البشرية التي تحملها ، كانت شفتاها ترتجفان لكنها لم تسمح لنفسها بالبكاء .
كان يعرفها منذ أن كانت صغيرة ، (أنوار) تأثرت باخوتها الشباب كثيرا ما صبغ حياتها وذكراها في عقول شباب العائلة بعد أن كبرت بانها فتاة مسترجلة ، ولكنها الآن هنا ... يراها ... (صج البنت تتغير 360 درجة بعد ما تكبر) ، شعرها كما قالت أمه (شعر صبيان – boy) وضعت على أطرافه البارزة لماع بارز بلون البنفسج الغامق ، بشرتها كانت ناصعة البياض توحي بالدفء ، هيكل وجهها كان صغيرا يتناسب مع هيكل جسمها الدقيق ، عيناها واسعتان بشكل مفرط زاد من التمرد فيهما الكحل العربي الذي تزينت به ، أنفها كان دقيقا وجميلا ، لم تكن تشبه أي من اخوتها حتى انها لم تكن تشبه توأمها (فهد) ، ارتكز نظره على فمها كان رقيقا جدا لكنه كان في هذه الفترة يرتجف بارتباك :
_ خـــــــــــــوذ .... شــــــــــــوق ... (كانت تصرخ بيأس) ...
استوعب (ناصر) الوضع الذي هما فيه ، فابتسم بسخرية من رغبتها في قتله التي كانت تفيض من عينيها الغاضبتين :
_ طيب.... هههههههههه .... لا تبكين ... ترى ما صار إلا الخير ....
وحمل (شوق) بخفة بين ذراعيه ، وانطلقت هي تنزل من السيارة أرادت ان تغطي وجهها لكنها تراجعت (عقب شنو؟) ، ثم التفتت إليه غاضبة وهي تسمع الضحكات المكبوتة التي يطلقها وهو يقبل الصغيرة التي بين يديه :
_ أنت واحد ما تستحي ... وقليل أدب .. وما عندك ذوق ...
ابتسم وهو يرفع إليها عينيه ويرى انها لم تغطي وجهها تحديا له ، كانت ترتجف من الغضب فلم يرد ان يزيد عليها اكثر :
_ طيب ... (وعاد يخفظ رأسه نحو شوق) ...
_ أنا راح أعلم بدر ...
انتبه إلى أن في صوتها نبرة اتهام وتهديد أثارت أعصابه :
_ على شنو ؟... الموقف سخيف وما يستاهل ... روحي داخل يالله ...
_ عرفت تخاف الحين ؟!
رفع رأسه إليها واحتقن وجهه من الغضب شيئا ما في هذه الفتاة يتحداه ليقتلها (ربما تمردها الواضح) ، لكنه (ناصر) علمته سنواته الأربع والثلاثين ألا يكون حادا في أي شئ حتى في غضبه ، تنهد وعاد ليخفض رأسه :
_ روحي داخل ... (كان يضغط على كل حرف يخرج من فمه ) ...
وبتحدي أكبر ، اقتربت منه تمد ذراعيها :
_ هات شوق ...
استمسك بالطفلة أكثر وهو لا زال في مكانه ، وتصلبت حتى ملامحه :
_ بنت أخوي ... (كانت طفلة تحداها) ... جيبها ما لك شغل ...
_ أنـــــــــــــــوار ... (كان يركز في عينيها بنفاذ صبر ) ... روحي داخل ... إذا أخذتي شوق الحين ... ايديني بتنفلت .... وما أقدر أتحمل ... راح أضربك ...
كان الشرر في عينيه كفيلا باخراس تحديها ، بادلته نظرة استهزاء عميقة لانها أفقدته أعصابه وانطلقت لتدخل المنزل ، أنوار لم تكن من أولئك الذي يعلنون الهزيمة بسهولة ، كبريائها كان يتمسك بأي انتصار نهائي حتى ولو كان مجرد نظرة مستفزة ،وفي حالة (ناصر) نجحت ونجحت بامتياز أيضا ، أغمض عينيه يستوعب ما فعلته هذا الشرسة الصغيرة (حشا ولد مو بنت) :
_ هلا أبو فواز ... (كان بدر يسير داخلا من البوابة الكبيرة) ...
_ هلا بدر ... (أجابه بوهن) ...
_ شالسالفة يا أبو الشباب ... (وابتسم بخبث) ... الظاهر بنتي اعجبتك ... شايفها كاشخة ... قلت خل أخطفها .... كان طلبتها مني ... (وحملها من يديه لتنام على كتفه) ... ما تغلى عليك يا ولد العم ...
_ ههههههههههه ... انا أخذ بدون طلب ...
_ عز الله إنك خطير ... أجل بعد عن بنتي أحسن ...
_ مستانس انت فيها ... حتى نومها يجيب الهم ... مسوية حلبة مصارعة الأخت ... عفست سيارتي الله يعفس رأس أبوها ...
_ هههههههههههههههههههههه... بعدي والله حبيبة بابا ... (ويبوسها) ... يعطيك العافية ... تعبناك الليلة ...
_ الله يعافيك ... يالله تبي شي ...
_ وين تو الناس ... بكرا جمعة وما في دوامات ... وبترتاح من خشة نايف ... خلك شوي نسهر مع بعض ...
_ لا والله بدر ... تعبان ... وأبي أنام ... وتعرف الوالدة بس أتأخر تأذيني بالاتصالات ...
_ اوكي ... روح لماما ... يا حبيب الماما ...
_ غصبن عنك ... موت بغظيك ... انا دلوع ماما ... ما عندي مانع ... على الأقل عندي أحد يدلعني ... مو مثل بعض الناس ... ينافسونه على امه قبيلة ...
_ ههههههههههههههههه ... هذا وانت ما شفت اللي يدلعك جد الجد ... وصرت مغرور ...
_ أقول لا يكثر ...
_ أمزح ... شفيك انقلب لونك ... سلم عالماما ...
_ يوصل ... في أمان الله ... (ودخل سيارته وتحرك) ...
_ مع السلامة ...
_ بابا ... أنـــ ... أنام ... نومــة ... (كانت شوق تتحرك بوهن وهي على كتفه) ..
_ هههههه ... زين يا قلب بابا ... تعبتي من الرقص هاه ... الحين أحطك بفراشك وتنامين للصبح ... (وصل إلى باب المنزل ودخل) ...
وفي الفندق ، وفي جناح العرسان الغارق في الحالمية ، كان ينتظر بلهفة وهو جالس على سريره وقد بدل ملابسه ، خرجت (دلال) من الحمام وقد ارتدت قميص نومها الطويل باللون السكري ، ابتسمت واخفضت رأسها الذي لا زال يحتفظ بتسريحته العملاقة :
_ تعالي ... (التفت إليها وهو يمد يده) .. هلا هلا والله ... (تقدمت منه وأمسكت بيده ، أجلسها بجانبه) ... يا قلبي مستحية ... دلول مو لايق عليج ...
_ وشو اللي مو لايق علي ؟! ... (كانت تنظر له بغضب) ...
_ إيه ... (ولمس ذقنها وهو يبتسم) ... هذي دلولتي ... مو تسوين نفسك مستحية ...
_ روح يا شيخ ... (وضربته بكوعها) ...
_ إلا صج ... وشو الغمارة هذي ؟... (كان ينظر لتسريحة شعرها) ...
_ شنو ؟.. (وتحسست مكان نظره) ... (اكفهر وجهها) ... هذي الموضة شعرفك أنت ؟!
_ وبلاه وجهك جذي ؟.. (ولمس ذقها بتفحص) ...
_ يووووووووووووووو .... مشعل ...
_ (ابتسم) ... يا قلب مشعل انتي ...
_ هههههههههههههههههههههههههههه ...
_ ليش تضحكين ؟
_ من شكلك ؟
_ ليه شفيني ؟
_ ( بدأت تلعب بأزرار بجامته) ... طالع حلو اليوم ... كأنك معرس ...هههههههههه ...
_ والله ... احلفي بس .... قومي ... قومي اغسلي وجهك من هالألوان ... تقول رجل فضاء ... وفكي هالشوشة ... زين اللي ما اخترعت ...
_ لا والله ... أنا دافعة فيهم فلوس ... وأبي انام بالميك أب والتسريحة ... غامضني يروحون في الماي ...
_ أنا معطيك الفلوس ... مستغني عنهم ... كيفي فلوسي وأبيهم يروح في الماي ... وبعدين انا مو قايل لك إضعفي ... الظاهر انتي ما تسمعين الكلام ...
_ يعني أنا الحين دبة ؟... (كانت قد غضبت) ...
_ وأحلى دبة ... (ويقترب منها) ...
_ مشعل ....(بدلع) ...
_ آآآآآآآه يا قلبي ...
_ شفيك اليوم ... ترى الليلة عرسنا ... وأنت سوالفك ناقصة ... شوشة وتخرعين ودبة ... هذا اللي طلع معاك ...
_ مو رشود أخوك الخبل ... قال لي لا تغلط في الكلام مع أختي ...
_ ههههههههههههههههههههههههههههههههههه ...
_ يا روحي على الضحكة ... دلولتي ...
_ هاه ...
_ وجع يوجع العدو ... وشو هاه ... قولي لبيه ... هلا ... آمر ... خلي عندك اسلوب ...
_ نعم مشعولتي ...
_ (نفذ صبره منها) ... قومي ارقصي ...
_ هاه ... وشو ارقص لا يبه عيب ...
_ شنو عيب ... عادي انا زوجك ... وابي اشوفك ترقصين ...
_ اصلا ما فيه موسيقى .. شلون ارقص ... مع الجن ...!
_ اعوذ بالله شاللي جاب طاريهم الليلة ... صج انك خبلة ...
_ اقول بطوط أسكت دام النفس عليك طيبة ...
_ بعد ...(مسك مرفقها بقوة) ... تهددين ... ترى انا مو رشود ...
_ ااااااااااااااااي .. عورتني ...
_ شوفي يا ترقصين ... يا اقول لعمتي ولراشد انك كنت تكلميني ...
_ واهون عليك ... يا بطتي ... تذبحني امي ...
_ دام مو مستفيد منك خل تذبحك ...
_ (نفضت يدها منه ووقفت) ... خلاص .. آمري لله ... ارقص ... امحق رومانسية ... اول مرة اشوف واحد بليلة عرسه يرقص زوجته ... مشفوح انت ؟
_ اتصل على عمتي ... (بتهديد) ...
_ زين ... شلون ارقص ماكو موسيقى ...
_ عادي انا اغني لك واصفق ...
_ صوتك مو حلو ...
_ بعد ...
_ خلاص غن ... غرد ...
وبدأ (مشعل) يطبل على الكوميدينو الصغير بجانب السرير الذي يجلس عليه وهو يغني ، و(دلال) واقفة ترقص بصعوبة وهي تندمج مع الايقاع الخاطئ :
دلوعتي كل الحلا فيها
احترت أنا ما ادري شسميها ؟!
في حسنها كن البدر ضاوي
اخت القمر ما احد يحاكيها
دلوعتي دبدوبتي دلوعتي
_ هههههههههههههههه ... (وقبل يده) ... حمدلله والشكر ... صج هبلة ما ينلام فيك راشد ...
_ مشعـــــــــــــــــــــــــــــــــــل ...
احتقن وجه (دلال) من الغضب وطارت فوقه لتضربه ....
وفي ذلك الجناح الذي تقاسمن فيه الحب والزعل والعتب الأخوي ، تلك الجدران التي شاركتهن الأسرار والأحلام وحكايا آخر الليل ، في كل ركن قصة وموقف ولكل غرض فيها حكاية ورواية ، سريرها المواجه للباب تركته مرتبا تقبع فوقه بطانيتها السخيفة الزرقاء التي رسم فوقها (تويتي) كبير باللون الأصفر وهو يبتسم ، لا زالت التسريحة تحتوي قنينة عطرها التي بقي منها الربع وبعض حاجياتها الغبية ، خزانتها أصبحت خاوية تماما فقد هاجرت صاحبتها ، هاجرت بلا عودة ، ما أصعب الأطلال وحياة من يبقى ليعيش بين هذه الأطلال :
فقدتك يا أعز الناس
فقدت الحب والطيبة
وانا من لي في هالدنيا
سواك إن طالت الغيبة
رحلت ومن بقى وياي ؟!
يحس بضحكتي وبكاي
وحتى الجرح في بعدك
يغزيني وأهلي به !
_ عهود ... شفيك ؟
كانت (عهود) قد دخلت نوبة بكاء حادة حينما دخلت (بشاير) الغرفة ومعها كأس حليبها المعتاد :
_ عهود ... تقولين ولا أنادي أمي ... صلاح فيه شي ؟!
_ دلــــ... دلـــــــ... (كانت تشهق) ... دلا...
_ مشتاقة لدلال ؟! .... (واحتضنتها) ... حتى انا مشتاقة ... الحيوانة ما على بالي مكانها كبير كذا ....(وتساقطت دموعها) ...
_ (ابتعدت عنها ورفعت عينيها المليئة بالدموع) ... فتحت الكبت .... شفت خزانتها فاضية وما تحملت ... مو مصدقة أن دلال ما راح تعيش معانا بعد ..(وعادت لترتمي في حضن أختها) ....
_ هذي سنة الحياة ...
_ أول مرة نرجع من عرس وما نسمع نكتها السخيفة ... أول مرة أدخل الغرفة هالحزة وما ألقاها نايمة ... كانت دجاجة ...(مسحت عينيها) ... تنام من المغرب ...
_ أنا لما قعدت أدور بجامتي ... قعدت أدور عليها علشان أسألها وين حاطتها ... وبعدين تذكرت وقعدت أضحك على نفسي ...
_ لما مضاوي تزوجت ... ما حسيت بهالاحساس ...
_ يمكن لأن ظروف زواج مضاوي تختلف ... وبعدين دلال أقرب لنا من مضاوي ...
_ تعتقدين هي الحين مشتاقة لنا ...
_ هههههههههههه... لا والله أتوقع مو دارية عن هوى دارنا ...
_ يعني بعدين كلنا راح نتفرق ...؟
_ (تشرب من كوبها) ... طبعا ... كل الأخوات يتفرقون ... هذي حكمة الله ... يعني انا إن شاء الله بس أخلص الجامعة أتزوج متعب ... وأنتي أكيد بس تتخرجون انتي وصلاح بتتزوجون ...
_ وجناحنا؟!
_ هههههههه ... بيعيشون فيه بنات راشد ...(ودار نظرها في الغرفة الواسعة) ... يحبون بعض ويضحكون مع بعض ويكبرون ويتزوجون ويفارقون بعض ... شفتي هذي هي سنة الحياة ...
_ يا ريت مشعل وصلاح ومتعب يرضون نعيش مع بعض ...
_ ههههههههههههههههههههههههههههههه ... زين شرايك ننام الحين ... لان حدي تعبانة ...
_ أنتي نامي انا أبروح أنام عند أمي اليوم ...
_ ليش ... عوارض طفولة متأخرة ...؟!
_ لا ... بس أنا وياك تأثرنا كذا ... الله يعلم بحال أمي الحين ... تدرين أن دلال أقرب وحدة لها ... تلقينها الحين مسوية نفسها نايمة وهي تبكي ...
_ معاك حق ...
_ يالله تصبحين على خير ...(قبلتها عهود على خدها وأخذت وسادتها وانصرفت) ....
((الفصل السادس))
سافر عرسان العائلة لقضاء شهر العسل في ماليزيا ، وبدأت تجهيزات البقية للتقديم إلى الجامعات وبداية حياة دراسية جديدة :
_ شنو ؟... طب ... وليش ؟... (غص وهو يتناول غداءه) ...
_ شنو ليش ...(واكملت لقمتها) .. أنا جايبة نسبة عالية ...وبعدين من زمان وانا مفكرة أدخل كلية الطب ... بتخصص أطفال ...(كانت ابتسامتها واسعة)...
_ الله وناسة ... أختي بتصير دكتورة ...
_ بس ... يمكن ما يرضون ...(كان احتجاج نوف خجولا) ...
_ من اللي ما يرضون ؟!...(سؤال بشاير كان تحديا وليس استفهاما) ..
_ أبوي ... وعماني ... والشباب ... ما أدري بس أحس فشلة ... يعني إنتي بنت ... ما أظن يرضون ...(يا ربي أنا ليش تكلمت مع بشاير أم لسانين الحين ما راح تفكني ) ...
_ مو مهم ... هذي حياتي مو حياة عماني ولا الشباب ..(وعادت تستكمل أكلها بهدوء) ..
_ كلام نوف صح ... يمكن عماني ما يرضون ...
قذفت الملعقة من يدها بعصبية :
_ شنو مسوية علشان ما يرضون ؟... راشد هذي دراسة مو مصخرة ... ما دام أمي راضية مو مضطرة أسمع رأي أحد ... (وجهت نظرتها الحاقدة إلى نوف) ...
(راشد) وكأنه وقع في مأزق :
_ يوووووووووووووه ... أنتي من وين طلعتي بهالسالفة ...
_ يمه خلاص ... كمل غداك لا تحرق دمك ... (وأمسكت يده ونظرت نحو بشاير بتهديد) ...
_ وليش يحرق دمه ... أنا مقررة .. والموضوع انتهى ...
_ أسأل عماني وأرجع لك خبر ...
_ ما راح يوافقون ... (كان رد نوف حادا ، فتوجهت لها كل الأنظار) ... وبعدين قرر أنت ... مو انت أخوها يا حظي ...
_ خلاص بشورة ... (كان صوت عهود يتوسل) ... خليه يسأل عماني ويرد لك خبر ...
_ أنتم شفيكم ؟... (قذفت الكرسي وهبت واقفة) ... ترى هذا مستقبلي ... مو مضطرة أسأل أحد فيه ... حتى أنت يا راشد ... (وانصرفت غاضبة) ...
_ شفيها هذي ؟... (عهود وأمها مطأطأت الرأس) ..
_ ما أدري عنك ... (وتنهض نوف لتغادر) ... عمه أبي أنام شوي ... عهوده حبيبتي انتبهي على عبورة سريرها بالصالة ... سالي معاها بس كل شوي راقبيها ...
لأن والده مات وتركه وحيدا بين اربع بنات ، اغدقت الأم على هذا الوحيد والسند من الدلال والحنان المادي والعاطفي الكثير الكثير ، وطوال سنين حياته السبعة والثلاثين لم يكن (راشد) شخصية متزنة ، فهو يرتعب من أول صوت ينهره وترتعد فراصيه أمام أنثى غاضبة ، ويقتله الجبن في المواقف العصيبة ، لأنه فقد صرامة الأب ودوره الكبير في زرع الثبات في نفوس أولاده الشباب ، ولأن احتكاكه الكبير بالأنثى كأم وخالة وعمة وأخت وزوجة ولد في أعماقه هشاشة جوفاء لا رادم لها ولا مقوي .
في مرسمه الواسع في السرداب كان يقضي أكثر أوقاته ، خلوته إلى نفسه كانت من أحب الأشياء إليه ، كان العالم الخارجي يؤذيه بأبسط حركة وأقل كلمة فكان ينزوي بنفسه الحساسة هنا في عالمه الخاص بين سطور قصائده أو رسوماته الفنية :
_ قوة ... فنان ... (واطل برأسه من الباب) ...
_ هلا عزيز ... حياك ...
_ أخاف أقطع عليك وحي الابداع ...
_ ههههههههههههههههههههه ... (وضع فرشاته من يده وجلس على الكرسي) ... لا يا شيخ ... تعال بس ما صدقت انك رجعت ...
_ ايه واضح ...(وجلس على الأريكة التي يستخدمها صلاح كسرير في أغلب الأحيان) ... ودليل شوقك لي انك قاعد معاي طول الوقت ...
_ هههههههههههههههه ... تدري عزيز ... ما احب أقعد فوق ...
_ طيب ... ما علينا ... أخبار الجامعة قدمت ...؟
_ الأسبوع الجاي ان شاء الله ...
_ والنية ...؟
_ ما ادري بس اكيد مجال فني ... تعرف ما احب ارتبط بمجالات عملية ... ولا أحب شغل العايلة ...
_ يا عيني ... وبتصرين فنان جوال ... في كل وطن لك رحال ...
_ ههههههههههههههههههههه ... وأنت أخبار الجو في لندن ؟
_ آآآآآآآآآآآآخ ...(وتمدد) ... حلم العمر يا صلاح ... كل شي احلم فيه لقيته هناك ...
_ بس الغربة صعبة ...!
_ اكيد ... بس احساسك بأن الجو جوك وما أحد يضغط عليك شعور روووووعة يا صلاح ... الحرية عندهم شي لا يخطر على البال ... تدخل في كل تفاصيل حياتهم ... (وبعد تفكير) ... انا افكر اذا خلصت دراسة استقر هناك ...
_ من صجك ...؟!
_ الظاهر كذا يا اخوي ...
_ تتوقع أبوي يوافق ...؟!
_ تدري اني ما اسمح لأحد يقرر عني ... وبالذات أبوي ... (اخفض صلاح رأسه) ... (حاول عزيز أن يغير الموضوع ) .. أحمد شلونه ؟... صار لي ثلاث أيام واصل بس ما شفته ؟
_ ما أدري اتصلت على جواله أمس كان مغلق ... أكيد بالمخيم ... أو باستراحة نايف ...
_ للحين على حالته ؟.. (هز صلاح رأسه بالايجاب) ...
_ يا ريتك حاضر عرس مشعل ... كان فله ...
_ اتصلت عليه باركتله ... كان عندي امتحانات ولا كان حضرت أكيد ...
_ ناصر وماجد وفهد امسكوه تعليقات لما شبع المسكين ...
_ ههههههههههههههههه ... يا حليله ... طول عمره مشعل فاكهة الجلسة حتى وحنا صغار ... إلا على طاري مشعل ... (وغمز بعينيه) ... الحبايب شلونهم ؟
_ منو ؟... (اصطبغ وجهه بلون الدم وأخفض رأسه) ... عهود ؟
_ ايه ... عهود ... أمس لما رحت بيتهم ما طلعت تسلم علي مستحية ... وصارت تتغطى عني ...
_ أكيد .. أنت صار لك ثلاث سنوات ما نزلت الرياض ...
_ إيه والله ... يا حليلهم اكبروا وصاروا حريم ...
_ منو ؟
_ الحبايب يا أخوي ... إلا هي تخرجت ...؟
_ لا ... السنة الجاية ... بشاير تخرجت هالسنة ...
_ بشاير ... يا حليلها طول عمرها شاطرة ... لما سافرت أول مرة قامت تبكي ... تقول يا حظك ودي أسافر معاك يا عزيز ... دائما تفكيرها يعجبني ...
_ عهود تقول أنها بتدخل كلية الطب ...
_ الله يوفقها تستاهل ....هههههههههههههههههههه ... وللحين أنت والحبيبة سخيفين ... تشتري لها سنيكرز وتكتب لها أحبك بلون أحمر على ورقة كشكول ... وهي تودي لك رسالة كل يوم ... وكاتبة فيها أخي العزيز صلاح أحبك جدا ...ههههههههههه ...
_ ههههههههههههههههههههههههههه ... عــــــــزيز ... (ونهض يمسك برقبته وهو قد ذاب خجلا ) ...
ورن هاتف المنزل :
_ آلوووو ...
_ آلوووو ... السلام عليكم ... منو ؟
_ هيه انت شنو منو ؟.. استح على وجهك أنت اللي داق ..
_ ردي السلام أول شي ...
_ ما أبي ...
_ إن شاء الله تحترقين بالنار ... قولي آمين ...
_ هيه أنت ... أشوف طيحت الميانة ... شتبي ؟
_ أبي أتهاوش معاك ...
_ لو فيك خير مو من وراء التلفون ...
_ تعالي بالساحة أجل ... راس براس ...ههههههههههههههههه ....
_ خلصنـــــــــــــــا ... نعم ...شتبي ...؟ ما ورانا غيرك حنا ...
_ أٌقول يا أبو الشباب ... عندك أخت شعرها boy ... ولسانها فلتان ...و ...
_ ناصر ... (كانت مندهشة) ...!
_ ههههه ... شلونك أنوار ... (وكان الصمت جوابها) ... ههههههه ... شفيك ؟...
_ تدري انك خبل ...
_ هههههههههههههه ... اقول اقضبي لسانك أزين لك ...
_ وغبي بعد ...
_ يا بنت الــ... طيب أنا ابي أخذك على قد عقلك ... انتي حسبت بنتي ...
_ تخسي ...
_ هههههه .. أقول يالمعقدة ... ترى ما بيني وبينكم إلا شارعين ... فلا تخلين عقالي يسبق لساني عليك ... ما يصير لك طيب ...
_ تخسي إلا انت ... (وظل صامتا) ... شفيك ؟... القطوة أكلت لسانك ...
_ (تنهد) ... أنوار ... أنا وعدت شوق إني أوديها الملاهي اليوم ... لبسيها وخلي كوماري تطلعها برا لي ...
_ آسف ... بنت أخوي ما تروح معاك ...
_ مو على كيفك ... انتي مو أمها ... إذا تزوجتي ... وفرضنا إن زوجك حبك ... وسمح إنك تكونين أم عياله هذيك الساعة ... احكمي عيالك ...
_ أنت ...(واستشاطت غضبا) ... ما تستحي ...
_ههههههههههههههههههههههههههههههه ...
أغلقت الهاتف في وجهه ، وجلست بغضب على الأريكة ، سألت (بدريه) :
_ منو هذا اللي صار لك ساعة تتهاوشين معاه ؟! غلطان بالرقم ؟ ...(واكملت احتساء شايها وعينيها على التلفاز) ...
_ لا هذا نصوروه ... أوريه ...
_ منو نصوروه ...؟
_ ولد عمي بعد منو ؟
_ نـــ.... (واخفضت صوت التلفاز) ... ناصر ولد عمي ... وليش تقولين نصوروه ... وجع يوجع العدو ... كبرك هو ياللي ما تستحين ؟
_ يستاهل ... قليل أدب ...
_ شقال ؟
_ ما قال شي ...
_ أنـــــــــــــواروه ...
_ يقول بيجي يأخذ شوق الملاهي ...
_ أمي ناسر مالهي ...أمي دال مالهي نلوح ...(ونهضت شوق تاركة لعبة التركيبات من يدها وهي تتجه نحو عمتها) ... أمه لبس سوب ولدي ...
_ مستانسة أنتي ووجهك... كل من جاء من الشباب وزخك ... يا أم الصبيان ...
_ ههههههههههه ... شفيك ؟..(وتضم ابنة أخيها) ... غيرانة أنوار ؟!
_ مالت عليك انتي وبنت أخوك ...(وتنهض لتنصرف ، فترتطم بكتف دلال وهي مارة)...
_ تف ... تف ... سكنهم مساكنهم ...(وتبصق في جيب ثوبها) ... أنوار شفيهم الربع سيروا عليج ...(وتكمل نحو الصالة) ... شفيها الهبلة ؟!
_ ههههههههههههههههه ... على قولتج سكنهم مساكنهم ...
_ الله بدور ... مسوية كيكة جبن ...!
_ دلال من جد عاد ... حافظي على نفسك لا تنفجرين ...(دلال أخذت قطعة وجلست تلتهمها) ... طيب خلي لمشعل مو تنسينه ترى يأكلك انتي ...
_أمه دوم لبس ...(وتسحب يد عمتها) ...
_ زين يا روح عمه أنتي ..(وتضمها وهي تقف) ...
_ وين على الله شواقة ؟..
_ ناصر مواعدها يوديها الملاهي ...
_ عشتوا ... والله يا شواقة راح يخربك الدلع ... لو ما كنتي يتيمة كان تحسرت على حظك لما أصكك عين ...
_ هههههههههههههه ... الله يقطع سوالفك يا دلال ...
وفي غرفة مغلقة :
_ سنة ... ما صارت مكالمة ... أختك مشاعلوووه أذتني وهي تطق الباب ...
_ ما عليج منها ... هي كذا لما تشوفنا قاعدين ومسكرين الغرفة تجيها حالة فضول مو طبيعية ... آآآآه ...(وتتمدد على السرير بجانب ريم)...
_ وشلونه ؟!
_ منو ؟!... آآآآآآه ...(وتبتسم)... قصدك قلبي ؟!... يجنن يجنن يا ريم ... فديته والله ...(وتحتضن الجوال) ...
_ حصه وبعدين ؟
_ وشو اللي بعدين ؟! ... (تعتدل في جلستها).. ريم ترى فرحانة حدي ... مو تبدين تنكدين علي ...
_ بس يا حصه والله خايفة عليك ... شفتي لما منال صادت معك الجوال مرة ... والله قلبي راح فيها ... قلت اكيد تعلم نايف ... وهو عنده عيب ان البنت تمسك جوال ...
_ لا تخافين منالوووه أصلا من تشوف زول نايف تقوم تتراعد تبينها تكلمه مستحيل ... وقلت لها أنه حقك وانتي نسيتيه عندي ... وبعدين لا تخافين أنا صرت أحطه صامت واخليه بصدري ... حتى لمن أنام ...
_ حصه ... (بخوف) ... أخاف يطلع يضحك عليك ...
_ لا سلومي راقي وجنتلمان ... على بالك عصامووه قطيعة تقطعه ... آخر شي يقول لي اطلعي معاي ....
_ انا ما أدري ليش أطاوعك ...
_ (تضمها وتقبلها) ... لأنك بنت عمتي وحبيبة قلبي وكاتمة أسراري ... إلا صج ريموووه ... امس لما جيتي لنا ... فارس عصب عليج وقعد يسب فيك قدام أبوي ... ههههههه ....
_ وليش إن شاء الله .... شيبي هالشايب ؟!
_ يقول ليش تلبس عباية مخصرة ... وفاكة وجهها بعد ... الشرهة مو عليها على أخوها الدثوي ... هههههههه ... ويقول لي انتي ثاني مرة رافقي بنات محترمات ...
_ أوريه إبليس الصغير ... أصلا أنا أخوك هذا ما أطيقه ... حتى مشيش سعد علي .... يقول لي ليش ما تلبسين غطوة ...
_ هههههههههه ... أحمدي ربك إنه فارس ... لو نايف اللي شايفك كان صارت علوم ... ههههههههههه ...
_ لا والله انا ما احد له شغل فيني ... أصلا لما نروح لبنان حتى العباية أفصخها وأبوي ما عنده اعتراض .... مو مثلكم تسافرون بعبايات ...
_ آآآآآآآآآآآآه .... يا حظك بأبوك ... مو انا أبوي من أهل الكهف ...
_ ههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ...
_ إلا صج ريمووه ... يا حظك بتروحين الجامعة ....
_ اسكتي يا حصوص ... فرحانة حدي ... حتى قلت لأبوي أبي لي ميزانية دبل ... حق الفرفرة بالأسواق ...
_ يا ليتني نجحت ودخلت معكم ...
_ حصه الله يهداك انتي والدراسة كلش ما تواطنون ...
_ شكلي خلاص حتى الثانوية ما أبي اخذها ... صرت عجوز وللحين ما تخرجت ... وأنتي وانوار وبشاير بتروحون الجامعة ... ليش أتعب عمري وأكمل ... والمدرسة بتصير تضيق الخلق ... ما معاي إلا عهودوه السخيفة ...
_ أنا وانوار بنقدم في نفس الكلية آداب ... بس أمس كلمت عهود وتقول أن بشاير بتدخل طب ...
_ يا بختها بتصير دكتورة ...
_ ايه والله ... بتصير من ملائكة الرحمة ...
_ انثبري يا المايعة ... ملائكة الرحمة ... (وترميها بالوسادة) ... أنا قصدي تسوي علاقات ... تعرف على دكاترة ... يصير عندها زملاء زي المسلسلات ... وبتشبع قلبها من شوفتهم .... مو انا يا حسرة ... وجهي في وجه مباركوووه الفاطس وهالشايب فارسوووه ويا ريت أشكالهم تفتح النفس بعد ...
_ هههههههههههههههههههه ...
وفي الصالة ، (أم نايف) تحمل بين يديها رضيعة (نوف) الصغيرة (عبير) :
_ يا قلبي عالزين ... (تبوسها) ... جود يا روحي وخري عن امك عورتيها ... (كانت جود تختبىء خلف ظهر امها) ... أمل أحسن منك راحت تلعب مع العيال ...
_ خليها يمه ...الحين مستحية ... شوي وتروح من حالها ..
_ سمي نوف ...(وناولتها مريم فنجان القهوة) ...
_ سم الله عدوك .. إلا شلون حمودي ...؟
_ ما عليه ... بخير ...
استفسرت (أم فارس) :
_ أقول نوف أم راشد والبنات ليش ما جوا معك ... من زمان عنهم ...
_ انا اتصلت على ريم أدري فيها كل يوم طابة عندكم ... قلت لها تمرني مع السواق ... وعمتي تقول انها اليوم بتروح بيت أختها ام متعب ...
_ افففففففففففففففففففففف ... (وتجلس مشاعل بملل) ...
_ هههههههههههه ...(تضحك مريم من شكلها) ... شفيك مشاعل ؟!
_ حصوووه الكلبة ... هي وريموووه ... مو راضين يفتحون لي الباب ...
(أم فارس) بملل من فضول ابنتها :
_ خليهم يستانسون ... صديقات ويبون يقعدون مع بعض انتي شاللي حارقك ...؟!
_ يـــــــــمه ... وانا وين أروح ... وبعدين هم ما يشبعون كل يوم يقعدون مع بعض ..
_ روحي العبي مع العيال ... أصلا أمل كل يوم تبكي وتقول لأبوها ودني لمشاعل ..
_ لا والله ... ألعب مع هالمبزرة بناتك ... أصلا يزهقون الواحد ...
تنهدت (نوف) بيأس واكملت فنجانها ، أكملت (مريم) :
_ خلاص شعولة ... شرايك تروحين تقعدين مع حمودي ... أكيد الحين قعد ... ما لي خلق اصعد فوق ...
_ ما أبي ... خدامته تقعد معاه ... الحين بيجي نايف ... وبعدين يطردني ...
ودخل (نايف) عائدا من عمله بهيئته الوقورة :
_ السلام عليكم ... (رد الكل السلام) ... هلا أم عبدالرحمن ...(تقف تسلم عليه) .. أنتي هنيه ... (يجلس) ... إلا راشد وين ؟
_ خليته نايم ... جيت مع سواق عمتي حصه ... انا وريم ...
_ احط غداك أبو فلاح ... (كان سؤال مريم الاعتيادي) ...
_ إيه حطيه بالمجلس ...
_ إن شاء الله .. (وتنصرف) ...
_ إلا العيال ما لهم حس ...
_ وداهم السواق الحديقة اللي يمنا هم وعيال نوف .... خل نفتك منهم شوي ...(ضحك الكل من كلام أم فارس) ...
_ توك ترجع يا أخوي ؟... الساعة أربع العصر ... ارحم نفسك شوي ...
_ شنسوي وانا أخوك ... حلالنا من يداريه غيرنا ...
_ عساك عالقوة ...
وتنزل (مضاوي) السلم ، تنتبه لوجود (نايف) فتغطي وجهها :
_ السلام عليكم ... هلا نوف انتي هنيه ؟..(وتتبادلان السلام) ..
_ إيه والله جيت مع ريم ... اليوم أربعاء قلت أوسع صدري معكم شوي ...
_ حياك الله ... وأهلي ما جوا معك ؟!
_ راحوا بيت خالتك ...
سأل (نايف) :
_ مضاوي ... سيف شلونه الحين .... شربتيه الدوا اللي جبته ؟!
_ هاه ... ايه عطيته ...(وتجلس) ... أول ما شرب الدوا نام ...
(نوف) بحسرة :
_ يا بعد عمري يا أخوي ... كان ودي اطلع وأسلم عليه من زمان ما شفته ...
_ مرة ثانية ... مضاوي لا تصحينه ... الدكتور البارحة يقول إنه تعبان ولازم يرتاح ...
_ إن شاء الله .... (واستسلمت لأمر نايف كما تجبرها ارادتها دائما) ... الا دلال اليوم بتروح لبيت خالتي ...؟
_ ما ادري ... يمكن ...
_ والله ودي اروح ... من زمان عن بيت خالتي ...
(نايف) بلهجة قاطعة كالسيف :
_ وين تروحين ... سيف تعبان ...خليك يمكن يبي شي ...
_ ان شاء الله ...(أمر آخر يجب ان تمتثل له) ... إلا بشاير قدمت عالجامعة ؟
_ ما شاء الله عليها نسبتها ترفع الراس ...(كانت أم فارس تتكلم بحماس) ... حتى جارتنا ام مهدي لما قرأت اسمها بالجريدة اتصلت تبارك لنا ... الله يوفقها إن شاء الله ...
_ عاد هي راسها وألف سيف إلا تدخل طب وتصير دكتورة ... (التفتت نحو شقيقها الذي جحظت عيناه) ..
_ هههههههههه ... بشاير طول عمرها مصرية ... وما تسوي إلا اللي برأسها ... من يوم كنا صغار ...
(أم نايف) بحالمية :
_ زين ... والله بتصير عندنا دكتورة بالعايلة ... (وتقبل الطفلة بين يديها ، وكانت نظرات نايف مركزة عليها) ...
_ أبو فلاح ...(أعاده صوت زوجته إلى الواقع) ... غداك جاهز ...
وفي منزل (أم متعب) ، وفي غرفة (ساره) المطله على الصالة الوحيدة في المنزل المتواضع ، تجمعت الفتيات (عهود) و(ساره) على الباب يسترقن السمع لمن في الصالة وهم يحتسون القهوة :
_ خالة كيفها ... المجال حلو ... وهي شاطرة .. شعليكم منها ؟
_ والله يا متعب ... هي راسها يابس ... وراشد ما اظن يرفضها لها طلب ... هذي هي زعلانة وما تكلمه ... عاد هي لا زعلت ما احد يقدر عليها ..
_ سمعت يا الاخو ...(كان طلال يهمس في اذن شقيقه) ... الظاهر انك عشقت ديناصور مو بنت ... لا وبتصير راعية سكاكين ومشارط ...
_ جب يالله ...(ويضربه بكوعه) ...
_ تسمعين يا حظي ويدافع عنك بعد ...(وتضرب خدها وعهود تضحك) ... يقول شعليكم منها ...
_ سارووه ووجع ...(كانت بشاير تجلس على السرير) ... اصلا هذا الموضوع مفروغ منه ولازم ما احد يتكلم فيه ...
_ الا طلال يمه ... شلون الدراسة ؟
_ بخير خالة ... عساك والبنات بالف خير ...(ويغمز لمتعب بعينيه) ...
_ ههههههههههههههههههههههههههه ...(عهود وساره مع بعض) ...
_ شفيكم ؟
تجيب (عهود) وعينيها مليئتان بالدمع :
_ طلال ... قاعد ينغز متعب قدام امي وخالتي ...
_ يووووه ... (وتنهض لتستمع معهم) ... حسبي الله عليك يا طلال ...
_ هيه ... (تضربها) ... لا تحسبين على اخوي ...
_ الا يمه متعب ... غن لنا ... من زمان ما سمعت صوتك ...
_ ايه والله يا يمه ... (وتضع ابريق الشاي من يدها وهي توزع الاكواب عليهم) ... وسع صدورنا ... علشاني انا وخالتك ...
_ ايه والله متعب ...(ويقترب منه ، وينعم صوته) ... يالله حبي أطربنا ... علشان خاطري ...
_ اذلف ... (ويبعده عنه) ... مو علشانك ... علشان الوالدة وخالتي بس ...
_ الله متعب بيغني ... (كانت عهود فرحة) ...
_ يا قلبي ... (وضعت بشاير يدها على قلبها ، ساره ظلت تضحك عليها باستهزاء وهي تقلد حركتها ) ...
_ يالله متعب وانا أطبل لك ... (أمسك طلال صينية الشاي وأفرغها) ... (وهمس) .. ترى اللي بالي بالك ملاقيف ... وقاطين أذنهم على الباب ... يعني بدع يا ابو الشباب ...
_ وحنا نصفق ... (قالت الام فرحة) ...
وبدأ (متعب) بحالميته المعروفة ، وصوته الرخيم :
لا لا تضايقونه
الترف لا تضايقونه
لا لا خلوه يجني
من حياته ثمرها
لا لا حرام من عقب
الرضا تزعلونه
لا لا شوفوه عيونه
كثر النوح دمرها
_ يا عيني ...أحلى يا الحب ...(كانت ساره تضحك وهي تنظر نحو بشاير ، التي سارت لتجلس على السرير ، وتبدأ بالبكاء) ...
_ بشورة خلاص ...(جلست عهود تواسيها) ...
_ خليها يا عهود ...(وتمسك كتفيها) ..أنا لو منها اذبح نفسي ... واقطعها قطعة قطعة من الوناسة ...ههههههههه ...
_ زين بشاير ...إذا تحبون بعض ... ومتعب الحمد الله توظف ... ليش مأجلين الزواج ؟!
_ قولي لها اختك الدافووورة ...(تقلدها)... ابي اخلص دراسة .. مالت عليك وعلى دراستك ... ولا اخوي مسكين ... ما باليد حيلة الله بلاه بوحدة تدلع ...
_ مو دلع ...(وتمسح دموعها) ... وانتي تدرين يا ساره ... بس أنا ابي اذا تزوجنا ...نكون ناضجين ومتفرغين حق بعض ... مو دراسة وهم ... يعني صاحب البالين كذاب ... وبعدين متعب للحين ما كون نفسه ومو مستعد حق الزواج ..
نظرت (عهود) و(ساره) لبعضهما :
_ ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ...
_ مالت عليكم زين ...
كان من الصعب عليهما فهم فلسفة (بشاير) في الحياة ، دائما كانت تشعر ويشعر من حولها بأنها ولدت وعاشت في بيئة خاطئة لا تناسبها ، فتاة طموحة ، متزنة ، تعرف بأن الحدود هي اسس الحضارة وان أي مجتمع لا يحتفظ بالحدود والخطوط الحمراء هو مجتمع همجي ، شخصيتها كانت قوية الى اقصى الدرجات رغم صغر سنها ، كانت تعشق الحرية وتؤمن بنتائجها المثمرة ، تحب الحياة وتعرف بأنها معركة يجب أن لا تسمح لها بأن تهزمها إلا بسلاح الموت الذي لا يد لها فيه .
كانت الساعة تقارب العاشرة ليلا ، دخل (ماجد) منزل خاله من الباب الخلفي لانه كان يرتدي ملابسه الرياضيه ولا يريد ان يستمتع بتأنيب خاله أمام المجلس العامر الذي لا ينفض إلا في وقت متأخر :
_ هذي شفيها ما ترد ... خل اتصل على مبارك ... يوووه ... مبارك أكيد قاعد عالنت وما يدري عن الجوال ...
وفجأة دخلت (رهف) الصغيرة :
_ هلا ..رهوفه تعالي ...
_ ماسد ... (وتبتسم بوجهها الحلو) ...
_ ايه ماسد ... تعالي حبيبتي ...
_ حواوه ...
_ أنا أجيب لك حواوه ...(وقبل وجهها الصغير) ... روحي نادي ريم .. اختي ريم علشان نروح البيت ...
_ مال ... (كانت عينا الصغيرة تتجه خلف ماجد) ...
_ والله ما ادري شنو تقولين ... روحي نادي ريم .... عفيه رهوفة شاطرة ..أجيب لك حلاوة ...
_ مال ...(وبكت الفتاة بصياح) ... احووو ... مال ...
_ شسويت انا ؟... ليش تبكين ؟! ...(يضمها) .... وين أحوووو .. اسكتي خلاص ... فضحتيني ... وينه يعورك ؟!
استمر بكاءها الشديد ، واشارت باصبعها نحو الأرجوحة البعيدة :
_ وين ؟! ... خايفة من الحرامـــــ ... (بهت ماجد عندما نظر إلى حيث أشارت) ... بسم الله الرحمن الرحيم ... (ركض نحوها ، وأبعد شعرها عن وجهها الذي كان مزرقا ) .... منال ... (عرفها لانه رآها قبلا) .. منــــــــال ... (كان يضرب خديها ولم يجد استجابة) ... رهف ...(كان بكاءها مستمرا) .. روحي نادي امك ... بسرعة ... يووووه ...( لم تستجب الطفلة) .... (دخل بنفسه ووقف عند باب المطبخ الخلفي) ... خاله ام نايف .... عمـــه موضي ... ريـــــــــم ... يا ربي ... (وعاد يجلس يحاول ان يوقظ منال) ... أنا شاللي جابني اليوم ...؟! (خرجت إحدى الخادمات شهقت ثم عادت تركض إلى الداخل) ...
_ منو .... شفيه ؟! ... رهف ليش تبكين ؟! ...(انتبهت مريم لوجود ماجد فتغطت) ... ماجد ... خير ... (وارتعبت حين رأت المنظر) ...
_ مريم ... بسرعة نادي عمتي موضي ...تكفين ...(وانطلقت مريم تعود إلى الداخل) ....
وبعد فترة جاءت (أم فارس) و(ريم) و(حصه) :
_ ماجد ... شفيه ؟! ...(كانت ريم مرتعبة) ...
_ منـــــــــال ... (صرخت ام فارس واقتربت منها) ...(نظرت نحو ماجد تريد تفسيرا) ...
_ ما أدري ...(بتلعثم) ... دخلت ولقيتها طايحة ...
_ حصه ... بسرعة جيبي عباتي وعباة أختك ... (وانطلقت حصه) ...
_ شصاير ... (دخل نايف بسرعة وخلفه مريم ) ... شفيها ؟! .. (واقترب منها يتحقق منها ويضرب خديها) ... منال ... منال ... (وحين لم يجد استجابة ، أخرج مفاتيحه من جيبه) ... ماجد بسرعة شغل سيارتي ... وخل غسان يفتح البوابة ...
_ سيارتي شغالة ...
_ طيب ... شفيك تنتفض ؟! ... (أخذ العباءة من حصه ولف فيها منال) ...
(أم فارس) بكل عطف :
_ أروح معكم ...
_ لا ما لا داعي ...(حمل منال بين ذراعيه وخرج مسرعا ، يتبعه ماجد) ... (وضعها في الخلف بعد ان ثنى ماجد الكرسي الأمامي) ... وخر انا أسوق ... مـــــــــاجد .... (صرخ بنفاذ صبر ، كان ماجد يرتجف) ... (استسلم ماجد وابتعد ليجلس في الكرسي بجانبه) ...
وبعد قليل كانا يجلسان على كراسي الانتظار :
_ شكلها تعبان ... نايف يمكن ماتت ؟!
_ (نظر نحوه بنفاذ صبر) ... لا ما ماتت ... كانت تتنفس ... وبعدين لو ماتت كان الطبيب قال لنا على طول ...
_ نايف ... أنا خايف ؟!... (كان وجه ماجد متشنجا)...
_ مـــــاجد ... (صرخ بغضب) ... وبعدين ... ما تستحي انت ... ترى عورت راسي اقعد ساكت ...
_ (وسكت ماجد ، لكنه بعد فترة) ... يا ليتنا جبنا عمتي أم فارس معنا ...
_( تنهد بعمق) ... اللهم طولك يا روح ...
(ماجد) كانت الصدمة مما رآه تسيطر على نفسه بشدة ، لقد اعتاد طوال حياته على العيش الرغيد ، لم يسبق له إن رأى (ريم) أو أمه في حالة مزرية كما رآى (منال) ، كن يمرضن ولكنه مرض عارض ، لم يرى في حياته تلك البشرة الشاحبة المتشققة ، ولا تلك الشفاه البيضاء الجافة ، ولا مثل تلك الهالات السوداء التي ارتسمت حول عينيها ، لا يلام إذا لو حسبها قد فارقت الحياة .
وخرج الطبيب بلحيته الطويلة ووجهه الذي يشرق منه النور ، نهضا لاستقباله :
_ أنتم أهل المريضة منال فلاح ؟!
_ (أجاب نايف) ... ايه نعم ... حنا اخوانها ...
_ تفضلوا معي ...(حتى دخلوا المكتب وجلسوا ، كان ماجد لا زال يرتجف) ...
_ خير يا دكتور ؟!
_ خير يا أخوي ... أختك حاشتها ضربة شمس ... وطولت وهي مغمى عليها ... أتوقع من الظهر ... ما حسيتوا عليها ...؟! ... أو فقدتوها ...
_ والله الظاهر ما أحد في البيت انتبه ... ولا كان تصرفوا أكيد ...
_ المهم ...(لم يحب الدكتور أن يزيد احراج نايف) ... البنت يا أخوي تعاني اجهاد شديد ... وسوء تغذية حاد ... والظاهر إنها ما تنام زين ...
عقد (نايف) حاجبيه :
_ والحل يا دكتور ...
_ أنا الحين عطيتها تغذية سائلة ... وراح أوصف لها شوية فيتامينات وأقراص حديد ... وانتم دير بالكم عليها ... التغذية مهمة ... والراحة بعد ...
_ إن شاء الله ... نقدر نأخذها الحين ؟!
_ على ما يخلص السائل تقدر تروح معكم ... يبيلها نص ساعة بعد ...
_ يعطيك العافية ...(يصافحه ويقف) ... ما قصرت يا دكتور ... يالله يا ماجد ... (ويقف ماجد) ...
وانصرفوا وهز الطبيب رأسه بيأس (انتم اهل انتم ؟!) ...
|