طَـرقات على باب القبو
رواية بقلم: د.تامر ابراهيم
الجــزء الأول
لكني – أبدًا – لم أجرؤ على النزول إلى الأسفل
لا أحد في مكاني كان ليجرؤ
*******
وحيداً كنت منذ نشأتي.. منذ ولدت.. بل منذ استضاف جسدي روحي في رحم أمي
شئ واحد لم أفهمه منذ ولدت ويبدو أنني لن افهمه أبدًا.. لماذا يوجد آخرون؟
ألا يمكن للإنسان أن يكون وحيداً قط؟
طبعاً لكم أن تتخيلو محاولات أمي – البائسة – لتغيير هذه الفكرة المجنونة في ذهني،
ولكم أن تتخيلوا أيضاً ردودي حين كنت طفلاً يظن أن أحلامه قابلة للتنفيذ لو أعلن هذا
الآخرون موجودون، لأن الله خلقهم -
لماذا؟ -
لنكون معًا.. لا يمكن أن تعيش بمفردك -
لكني أريد أن أحيا وحيدًا -
حين تكبر ستدرك أن هذا مستحيل -
لكنها كانت مخطئة
*******
كانت أمي هى الوحيدة التى استطعت تحملها من – الآخرين – لكنها الآن تركت عالمنا وتركت لى الآخرين..
لكنني استطعت أن أخلق لنفسي عالمي الخاص.. وأن أكون وحيدا
لن أطيل عليك, لكنني نجحت بميراثي في شراء منزل منعزل في المقطم ,
و كان من حظي أن مهنتي لا تتطلب اختلاطًا بالآخرين.. و بالطبع لم أتزوج و لن أفعل
منذ متي بدأت المشكلة إذن.. . آه.. منذ أسبوعين.. ربما ثلاثة،
لست أذكر.. كنت حينها أتناول طعام الغذاء الذي ابتعته وأنا عائد من العمل عندما بدأت الطرقات
*******
ولكن دعني أصف لك الفيلا أولاً لتتخيل المشهد معي..
طابقين..
الأسفل به الردهة وغرفة المكتب والملحقات, والطابق العلوي لغرفة النوم،
وغرفة أخرى مغلقة, أرجو أن تبقي مغلقة هكذا إلى الأبدوأخيرًا قبو رطب مظلم لا أستخدمه عادة يقود إليه باب خشبي مغلق من الخارج
وعندما دوت الطرقات أول مرة، دوت على هذا الباب بالذات..
و من الداخل
بالطبع احتبس الطعام في حلقي ثم أخذت أسعل حتي دمعت عيناي,
وعندما استطعت التنفس أخيراً،
كان الخاطر الوحيد في ذهني هو..
إذا كان القبو خالياً من الداخل، والباب مغلق من الخارج
فمن.. الذي.. يطرق.. عليه.. من الداخل..؟
وكما بدأت الطرقات فجأة انتهت فجأة..
لكن صداها تردد في أذني طويلاً
ثم لم ألبث أن ابتسمت ابتسامة من يحدث نفسه،
وأقنعتني أن وحدتي بدأت تصيبني بالهلاوس، ثم واصلت تناول طعامي بهدوء
على الأقل الطرقات لم تتكرر في هذا اليوم مجدداً
لكنها تكررت بعد ذلك.. وكانت مختلفة حينها
*******
تكررت الطرقات بعد يومين.. لا.. ثلاث أيام
نعم.. بعد ثلاث أيام
اليوم الذي تشاجرت فيه مع ذلك الأخرق الذي صدم جانب سيارتي بسيارته..
من المؤكد أن هذا الشيء لم يحصل على رخصة قيادته إلا بمعجزة أو وساطة,
و الإحتمال الثاني هو الأقرب في بلد تخلو من المعجزات
المهم.. أتذكر أنني عدت الى منزلى مكدراً,
إلى وحدتي الخالصة بعيدًا عن كل الأوغاد الذين يقودون سيارتهم لمجرد أن يصطدموا بي,
وبعد أن انتهيت من طعامي.. دون طرقات هذه المرة.. ومن بعض الأعمال المعتادة,
صعدت إلى حجرة نومي وبدأت في ممارسة طقوس قراءة ما قبل النوم
*******
وكانت الساعة الحادية عشرا مساءًا عندما عادت الطرقات ثانية..
لكنها كانت مختلفة هذه المرة
كانت قوية كالحق.. مخيفة كالموت.. واثقة كالقدر
أذكر أنني انتفصت في فراشي هلعاً، قبل أن أتمالك نفسي لأهرع إلى الأسفل،
متمنياً أن تكون هذه الطرقات على باب الفيلا، لا باب القبو
لكنها كانت من داخل القبو.. حيث من المفترض ألا يتواجد أحد
ولخمس دقائق وقفت أرتجف عاجزاً عن فهم ما يحدث
الحل الوحيد هو أن أفتح الباب وأنزل إلى القبو
لكنني.. أبداً.. لم أجرؤ على النزول إلى أسفل
إن أي أحمق يدرك أن الموضوع ليس موضوع لص أو هلاوس
إنها طرقات شخص يريد أن يخرج
يخرج..؟
من.. بل.. ما الذي سيخرج..؟؟
أصابتني الفكرة بهلع لاحد له، حتي أنني تراجعت غريزياً إلى الوراء مع دوي الطرقات
و قد توصلت إلى أنه ثمة شئ واحد لا ينبغي عليّ فعله أيًا كان الثمن
لا يجب.. أبدًا و مهما كان الثمن.. أن أفتح باب القبو.. أبدًا
منحني هذا القرار قدرًا من الشجاعة,
بما يكفي لأعود إلى غرفتي حيث سأتظاهر بالنوم حتى تنتهي هذه الليلة..
ليطرق من يطرق كما يشاء له, فلن يؤثر هذا على قراري أبدًا
وهكذا استمرت الطرقات بإيقاعها الرتيب المخيف لنصف ساعة ثم توقفت فجأة،
كأنما أصاب صاحبها الملل
عندئذ استطعت أنا أن أنام.. كانت هذه آخر مرة استطعت فيها النوم
*******
الطرقات لم تسمح لى بالنوم بعد ذلك قط
لقد بدا الأمر وكأن صاحب الطرقات يراقبني،
يعرف متي أذهب إلى النوم.. ثم يبدأ في الطرق المجنون على كل شئ
نعم.. كل شئ
لم يعد الأمر يقتصر على باب القبو ,
بل شمل الجدران والأسقف وزجاج النوافذ و الأرض كل ما يمكن الطرق عليه أو حوله
كل شئ.. وكأنما أصبحت الفيلا علبة صغيرة يهوي عليها طفل مجنون بمطرقة
بالطبع جربت كل شئ بدءً من دس وسادة في أذني, وحتي الأقراص المنومة،
لكن صاحب هذه الطرقات لم يكن يرحم.. لقد كان يريد الخروج وبأى ثمن
و ببطء واثق بدأت أدخل مرحلة: فليكن ما يكون
تلك المرحلة التي تتخذ فيها أغبى قرارات حياتك على الإطلاق,
والتي لم تكن لتتخذها لو كنت تحظى بالقدر الكافي من النوم أو الطعام
لكنني لم أنم منذ أربع أيام حتى الآن,
و سأصاب بالجنون لو استمر هذا الوضع,
و بما أن ترك المنزل ليس من الخيارات المطروحة أمامي,
فالخيار الوحيد الذي أملكه إذن هو أن ادخل بنفسي إلى القبو لأرى..
لأفهم..
و ليكن ما يكون
تابعوا الجزء الثانى . . .
مع تحياتى/
الاميرة الصغيرة