كاتب الموضوع :
بلا عنوان
المنتدى :
القصص المكتمله
_2_
رحـــــــيل ...
عندما نبقى وحيدين تهاجمنا الأفكار بلا هوادة ... بقائي بين هذه الجدران وحيدة جعلني أبكي ...أجل أبكي .. عندما أتذكر وحدتي الفظيعة .. عندما يخلو المنزل ولا أسمع سوى صوت الخادمة وهي تدور في المنزل .. ليست جدتي باجتماعية .. بل هي تقليدية كثيرا ..تجلس في غرفتها معظم النهار تتابع التلفاز أو تصلي وتقرأ القرآن .. وأما عن أبي.. فحدث ولا حرج .. ليس من الرجال الذين يبقون في منازلهم .. بل ينتقلون من مجلس لآخر .. من بلد لآخر ..
كنت في وحدة شديدة لدرجة أنني رفعت سماعة الهاتف لأتصل بأي أحد أعرفه .. لكن للأسف لم أجد أحدا هناك .... بل لم أجد رقما للاتصال .. أعدت السماعة إلى مكانها ووقفت وغادرت غرفتي كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصرا .. كان البيت موحشا .. لدرجة الكآبة .. جلست على السلم .. لا أذكر كم بقيت .. لكني بقيت طويلا أفكر في اللا شيء .. عدت لغرفتي وكانت الشمس قد غابت .. ألهذه الدرجة ؟؟ شعرت بضيق كبير .. أدرت التلفاز وفتحت الثلاجة وأخرجت منها مايؤكل ... ولم يكن بالشيء القليل !!...
مرت أيام الإجازة بهذا البطء وهذا الملل .. جدتي لاتسمح لي بالخروج متحججة بأن لا أحد معي ..
أخيرا ... جاء شهر سبتمبر .. واستغربت عدم اتصال مريم بي .. عادت أكيد .. اتصلت بوالدتها التي صدمتني كثرا حينما قالت لي أن مريم نقلت جميع أوراقها لتكمل دراستها في الخارج حيث أن والدها في بعثة لمدة ثلاث سنوات .. وعلى مايبدو أن مريم قد نسيت أن تخبرني ...وهاهي صديقتي الوحيدة رحلت عني .. رحلت عني تركتني وسط دوامة من عدم الاهتمام والخوف ..
_3_
أفضل من لاشيء ..
مرت السنة ولم أجد فتاة في اخلاص وصدق مريم .. توجد الكثير من الفتيات .. وتحملت سخرية قاسية لأجل أن أحظى برفقة تسليني وتنسيني وحدتي .. لكنها كلفتني غاليا فقد استسلمت للدموع كل ليلة .. و شعرت بأن كرامتي تخذلني وهكذا .. بنيت صداقات مبنية على السخرية من نفسي لأجل أن أكون شبيه بأي فتاة طبيعية في عمري .
وهكذا .. دخلت الصف العاشر وقد ازداد وزني عشركيلوجرامات واصبح عدد زميلاتي ثلاث وهن .. نورة .. وبنة .. وسارة ..
نورة كانت من أكثر الفتيات شعبية .. هي من النوع الذي لاتمل جلسته .. الساخرة من الجميع ... من ضمنهم أنا .
أما بنة فهي فتاة ضئيلة .. لاصوت لها ولا شخصية فهي ظل لنورة .. وتضحك على كل حرف تنتطقه الأخيرة ..
وسارة ..
سارة .. الفتاة المجنونة .. التي اتخذت اللامبالاة سياسة لها فهي لاتبالي بحصص ولا تبالي بمدرسات ولا تبالي بالمديرة نفسها ..
مرت السنة العاشرة جيدة على نحو ما ..
لكن الصف الحادي عشر .. لم يكن عاديا بالمرة ..
بطريقة ما .. نضجت الفتيات من حولي ونسين السخرية .. أصبحن يبحثن عن الحزن كوسيلة للفت الإنتباه ..
في الصف الحادي عشر تعرفت إلى عفراء ومها ...
أصبحت فجأة أحب حياة المدرسة ونسيت كل مشاكل العائلة .. نسيت اهانات أشقائي وتجاهل والدتي لي ... أصبحت لا أطيق الانتظار حتى ينتهي النهار لأعود ثانية بين الفتيات ..
وصادفت تلك السنة زواج أخي الكبير ...مبارك .
شعرت بأن أمي خذلتني بطريقة ما .. حيث لم تعدني لهذا الموضوع .. ذهبت إليها لألومها .. ذات ليلة وجدتها تقرأ في مجلة ما ...
" مساء الخير "
ردت والدتي ببرود "مساء الخير "
"لم لم تقولي لي عن زواج مبارك؟؟"
نظرت إلي نظرة باردة .. حكت أنفها برود ملموس .. وقالت
" لماذا ؟؟ "
لبرهة سمعتها تقول ماذا .. أردت للحظة الأخيرة أن أصدق أن أمي نسيتني .. ولم تتناساني ..
أكملت أمي في كلمات حادة اخترقت قلبي كالخناجر المسمومة ..
"لا تتوقعي أني سأرغب برؤيتك ترقصين وأنت في هذا الشكل .."
اختل توازني للحظة .. لم أصدق أذني .. بينما تابعت أمي بصرامة
" صدقيني ... بنات عمك سيقمن بالواجب لاداعي لأن تحضري "
لا أذكر ما حدث بعد تلك المحادثة .. سوى أنني لم أخرج من غرفتي إلا بعد انتهاء العرس بيومين ... فقط لأبارك لشقيقي زواجه الميمون ..وعندما رأتني عروسة استغربت وسألته مستغربة
"لم أكن أعرف أن لديك أختا "
هل بلغت درجة تجاهل الجميع لي لهذه الدرجة ؟؟ لدرجة أنهم نسيوا أن يذكروا وجودي .. عدت لغرفتي .. حبيبتي وعشيقتي . التي تتلقاني بالأحضان كلما كسر أحد ما شيئا فيني ...
- 4-
أخي ....
كانت الفوضى عنوانا لحياتي الكئيبة.. لم أشعر أن هناك شيئا منظما فيها . مضت ثلاثة أشهر منذ زواج أخي الذي استقر في المنزل معنا .. واحتل قسما كاملا له ولعروسه ..
لم أحتك بأي منهما ... فهما لم يبديا أي اهتمام بي .. أخي مبارك الكبير يليه محمد ..وابراهيم .. وأصغرهم هو سالم ..الذي يكبرني بسنتين ..
لم أشعر تجاههم بحب قوي كالعائلات الطبيعية .. تذكرت مريم .. التي صرحت لي عن كره شقيقاتها لها وسخريتهن الدائمة منها .. تذكرتها مبتسمة فقد افتقدتها كثيرا .. ووللاسف لم يحدث بيننا
أي اتصال منذ وقت طويل .. هل كل العائلات كعائلتنا أنا ومريم؟؟ أم نحن فقط من نعاني هذه المشاكل الغريبة .. مر ابراهيم ذات ليلة بغرفتي وطلب مني قرصا مضغوطا لفرقة أجنبية اشترتيته من فترة وأعجبه .. إلى هنا كانت علاقتي باخوتي شبة سيئة .. حتى لأتى ذلك اليوم ..
ليلة امتحان مادة اللغة العربية نزلت للاسفل حيث تعبت من الدراسة وفرغت ثلاجتي مما يؤكل ..وبدأت معدتي في الصراخ ..
لا أعرف مالذي ألهمني لأقف وأسمع مايدور ..
كان صوت شقيقي وهو يضحك ..
قالت زوجته محذرة إياه
" أخفض صوتك .. وإلا سمعتك .."
فرد ضاحكا " لاتخافي .يا منال. عندما تخرج من غرفتها ستهتز جميع أركان المنزل .."
ضحكا كليهما بهستيرية ... قالت زوجته بسخرية واضحة
" أتعرف ماتقول عنها والدتك؟؟ تنعتها بالفقمة النائمة .. ليس الأميرة النائمة ..."
ضحك أخي ...وضحكت هي ... وضحك صوت ما في رأسي .. وبكى جزء ما في داخل صدري ..
وقفت كثيرا هناك أستمع إليهما وهما يحاولان اطلاق النكات عني كأن خليت الدنيا ولم يبق بها سواي يتحدثون عنه ..وقفت .... مقاومة رغبة قوية في أن أواجههما بما سمعت .. وفي ذات الوقت لم أحب أن أضع شقيقي في هذا الموقف الكريهه .. تراجعت متخاذلة وأغلقت باب غرفتي بهدوء ..واستسلمت لدموعي ..وبدأت أواسي نفسي ,,,
سيأتي يوم ما .. سيأتي يوم ما ...
وأنتقم ..
- 5 –
يوم ... من حياتي ..
اليوم هو اليوم الأخير من هذا الفصل الدراسي .. كنت حزينة جدا ... والسبب أني سأبتعد عن المحيط الذي أحبه وأعود لثلاثة أشهر تحت سيطرة جدتي وبين سخرية زوجة اخي و...أخي ...
بقيت جالسة على الكرسي أفكر ماذا أفعل ؟؟ ..كيف ستكون الأيام القادمة ؟؟ وأنا في كرسي رأيت مها توزع شيئا ما على مجموعتنا .. لم أتطفل .. فهذا هو الذي جعل الجميع يحترمني أني لست متطفلة .. بقيت في طرفي وبيدي أوراق الامتحان الذي تبين أني أخطأت معظم اجاباته ... اقتربت مها مني وأعطتني سوارا ..سألتها مرتبكة
" ماهذا ؟؟"
قالت مبتسمة "عربون صداقة "
كادت دمعتي أن تسقط قلت بصوت متحشرج " لي؟ أنا ؟؟ "
وكأنها لمسة صدمتي ودهشتي .. قالت بصوت حنون ورفعت يدها إلى كتفي
" أجل .. فأنت منا .. وأصبحت جزءا مهما في مجموعتنا .. وتستحقين أكثر من هذا .. لم أنسك .. وحفرت اسمك ضمن الأحرف التي حفرتها على السوار .. "
كتمت فرحتي .. بل كتمت دمعتي وشعرت أخيرا أن الأيام تبتسم لي ..ابتسمت لصديقتي في ألم .. وبادلتها العناق .. وودعنا بعضنا البعض .. على أمل اللقاء في السنة القادمة ..
عدت ذلك اليوم وقد قررت أن أقلب الأمور .. صعدت إلى غرفة زوجة أخي منال وطرقت الباب .. تفاجأت عندما رأتني .. ابتسمت لها .. أجل .. أنا من تنازلت عن كبريائي هنا .. لكن مقابل أن تمر الأيام القادمة خالية من أي آلالام ..
"تفضلي .. "
دعتني إلى الدخول إلى قسمها الفخم .. جلست على الأرض .حيث الجلسة التراثية تحتل قسما من قسمها ... (كان الكرسي الفاخر
رقيق جدا فلم أجازف بفكرة أن ينكسر و وتطلق نكته أخرى عني .. ))
جلست إلى جواري بتواضع ..
هي من بادرت الحديث قائلة
"ملامحك جميلة يا فاطمة .. "
شكرتها بصوت هامس .. سألت هي بفضول
" لم تعزلين نفسك عن الجميع ؟؟ "
رددت بلباقة " لا لسبب محدد فقط .. أحب أن أقضي وقتي في غرفتي بين كتبي "
ابتسمت بدورها .. وقالت معلقة " قاومت رغبة أن آتي إليك عدة مرات .. فقد أوحت لي والدتك بأنك تحبين العزلة .. كثيرا ..وستغضبين .إن أزعجك أحد "
هززت رأسي بلا .. وقلت معلقة " لا .. "
كنت سأقول ليس صحيحا .. لكن هذه والدتي .. ناري وجنتي .. لايجوز أن أنعتها بالكاذبة أمام الغير . فقلت مترددة
"كنت في فترة امتحانات .. وكنت متوترة جدا ..
تذكرت المشاجرات التي دارت بيني وبين والدتي في الشهر الماضي وتنهدت ..
تصادف دخول شقيقي إلى غرفته في تلك اللحظة فوقفت متسمرة .. ابتسم أخي بإرتباك .. استأذنت وخرجت .. توجهت لغرفتي مباشرة توضأت وصليت .. ثم نزلت لأسلم على جدتي .. التي تفاجأت بطريقتي هذه فقالت مستغربة
" مالذي حدث لتأتي وتسلمي علي ؟؟ "
قلت بتهذيب محاولة استمالة جدتي " لاشيء .. فقط أتيت للتو من المدرسة .. "
لم أكمل حديثي ففاجأتني بقولها " هل منعتك أمك من الطعام مجددا؟"
كنت في تلك اللحظة أشعر بمعدتي تصرخ جوعا لكنها فجأة خرست. وقلت مكابرة "لا .. لا أرغب بتناول شيء .. فقط شعرت بالوحدة ورغبت في البقاء معك .."
نظرت إلي جدتي نظرة غريبة .. لم أفهمها .. هل معقول أن تكون نظرة شفقة ؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ...أكملت كلامي
"إن كنتي لاترغبين بذلك .. فلابأس ... عن إذنك "
غادرت مجلسها ولم تعلق هي ..عادت للتلفاز ... بقيت أدور في منزلنا بحثا عن شيء يؤنس وحدتي ...
وأخيرا قررت أن أقرأ مجلة ما في الحديقة .. مرت الدقائق سريعة واشتدت الحرارة .. عدت لغرفتي واستسلمت للنعاس .
طرق باب غرفتي أيقظني من نومي .. رفعت رأسي وفتحت الباب لأجد والدتي غاضبة ..
"ستبقين عديمة الإحساس لآخر عمرك ... كيف فعلت ذلك ؟؟ لم كدرت مزاج جدتك ؟؟ ..أيتها الغبية "
لم أفهم ماقالته والدتي .. "ماذا هناك ؟؟ "
قالت بغضب واضح " عدت لأجد جدتك تبكي ومزاجها متكدر جدا .. وعندما سألتها تحدثت عنك .. "
"ماذا قالت ؟؟"
"لم تقل شيئا .. لم أسمع ماقالت .. منذ سمعت اسمك صعدت إلى هنا"
قلت بنفاذ صبر " أنزلي وأسأليها مابها ثم عودي وحاسبيني "
تركت الباب مفتوحا ودخلت إلى الحمام .. ماحدث ؟؟ لم كانت تبكي جدتي ؟؟ لم أوجهه إليها أية أهانة .. غسلت وجهي بغضب ..
ولا أعرف .. شعرت بنوبة بكاء تعصف في داخلي .. فانهرت باكية في الحمام حتى أخرجت كل مابي من كدر .
الغريب في الأمر أن أمي لم تعد .. نزلت ولم تعد .. وعندما نزلت للعشاء كان الكل ينظر إلي ..استغربت .. شعرت بنظرات الكل موجهه إلي .. كانت نظرات أسف .. أجل فأنا لا أخطئها .. لأول مرة لم يوجه إلي أي من أخوتي كلمة ت**** .. لم يعجبني الوضع ..طبعا ليست فكرة أنه لم يحتقروني لا .. بل فكرة أنهم يشفقون علي .. سحبت نفسي وعدت إلى غرفتي ... ووللمرة الألف شعرت أن حياتي فارغة جدا ..
تفاجأت بعد دقائق بأمي تدخل غرفتي وتمسك يدي .. وتعتذرلا وهي تبكي .. قبلت رأسها ... وأخبرتها أنه لاداع للإعتذار فهي أمي ..ومهما قالت .. لن أغضب منها ...أبدا .. وعلمت بعدها أن جدتي بكت عندما رأتني وحيدة هكذا وأنها حزنت لأجلي كثيرا وتشاجرت مع الجميع ...وطلبت منهم إدخالي في حياتهم .. ولو اقتصر الأمر على تحية الصباح والمساء ..
ومنذ ذلك اليوم تحسنت علاقتي بأمي .. ليس كثيرا .. لكن أفضل من قبل ...
واستمرت الأيام في الضحك ...لي ..
|