المنتدى :
كتب الأدب واللغة والفكر
عبد الوهاب المسيري , العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة 2
تحاول هذه الدراسة تناول قضية العلمانية (في جانبيها النظريّ والتطبيقي) من منظورٍ جديد، يقوم على التفرقة بين ما يُسمى «العلمانية الجُزئية» - فصل الدين عن الدولة - ، و«العلمانية الشاملة» وهي لا تعني فصل الدين عن الدولة فحسب وإنما عن الطبيعة وعن حياة الإنسان في جانبيها العام والخاص، أو بعبارة أخرى: فَصْل القِيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن الحياة في جانبيها العامّ والخاصّ، بحيث تنتزع القداسة عن العالم، ويحول إلى مادة استعمالية يمكن توظيفها لصالح الأقوى.
تتكون الدراسة من مجلدين منفصلين رغم تداخلهما:
" المجلد الأول: يتناول النظرية والتعريف.
" المجلد الثاني: يتناول التطبيق.
وينقسم كل مجلد بدَوْرِهِ إلى بابين، وكل باب إلى عِدَّة فُصول:
المجلد الأول:
وقد كُرِّسَ البابُ الأول لتعريف العلمانية وتناول فيه إشكالية تعريف العلمانية، والأسباب التي ساهمت في تقلص الحقل الدلالي لكلمة "علمانية"، وأضعفت قيمتها التفسيرية، كما يرصد بعض المراجعات المهمة التي حدثت بشأن نقد المصطلح من قِبل بعض الباحثين في الشرق والغرب مثل إرفنج كريستولIrving Kristol و أجنيس هيلر Agnes Heller و ماكس فيبر MaxWeber وغيرهم من الغرب، وجلال أمين وفهمي هُوَيْدِيّ وغيرهم من الشرق. وحاول كذلك تفكيك مجموعة من المصطلحات والمفاهيم التي استخدمتها العلوم الإنسانية الغَربية لوصف بعض ظواهر المجتمع الغربي الحديثة مثل "التطبيع" و"التحييد" و"التعاقدية" و"العقل الآداتي" و"التسلع" و"التشيؤ" و"الاغتراب" و"نهاية التاريخ" و"الاستنارة المظلمة" و"اللامعنى". مشيرًا إلى أنها مصطلحات ومفاهيم تنطوي على معالم العلمانية الشاملة. ثم عرض بعد ذلك للسمات العامة للحضارة الغربية التي ساهمت في بَلورة الرؤية الواحدية المادية، والعوامل الاجتماعية والثقافية والتاريخية التي ساعدت على هيمنتها على المجتمعات الغربية. ثم حاول تقديم تعريف للعلمانية يتسم بقَدْرٍ من التركيب، ويكون ذا مقدرة تفسيرية عالية يمكنه أن يحيط بأكبر عدد ممكن من الظواهر والأفكار، حيث يفرق بين دائرتين من العلمانية تحتوي الواحدة الأخرى:
1- العلمانية الجزئية: رؤية جزئية للواقع (برجماتية- إجرائية) لا تتعامل مع أبعاده الكلية والنهائية(المعرفية) ومن ثَمَّ لا تتسم بالشُّمُول. وتذهب هذه الرؤية إلى وُجُوب فَصْل الدِّيْن عن عالم السياسة وربما الاقتصاد، وهو ما يُعَبَّرُ عنه بعبارة فَصل الدين عن الدولة، ومثل هذه الرؤية الجزئية تلتزم الصمت بشأن المجالات الأخرى من الحياة، كما إنها لا تنكر بالضرورة وجود مطلقات وكليات أخلاقية وإنسانية وربما دِينية، أو وُجود "ما ورائِيَّات" و"ميتافيزيقيا"، ولذا لا تتفرع عنها منظومات معرفية أو أخلاقية، كما إنها رؤية محددة للإنسان فهي قد تراه إنسانا طبيعيا ماديًّا في بعض جوانب حياته (رؤية الحياة العامة وحسب) لكنها تلزم الصمت فيما يتصل بالجوانب الأخرى من حياته.
وفيما يتصل بثنائية الوجود الإنساني، ومقدرة الإنسان على التجاوز، لا تسقط العلمانية الجزئية في الواحدية الطبيعية المادية، بل تترك للإنسان حيزه الإنساني يتحرك فيه كيفما يشاء.
2- العلمانية الشاملة: وهي رُؤية شاملة للعالم ذات بُعد معرفيّ (كُليّ ونهائيّ) تحاول بكل صرامة تحديد عَلاقة الدين والمطلقات والماورئيات (الميتافيزيقيا) بكل مَجَالات الحياة، وهي رُؤية عَقلانية مادية تدور في إطار المرجعية الكامنة والواحِدِيَّة المادية التي ترى أنَّ مركز الكَوْن كامن فيه غير مُفَارِق أو مُتَجَاوز له (فالعلمانية الشاملة وحدة وجود مادية) وأنَّ العالَم بأسره مكون أساسًا من مادة واحدة لا قَدَاسَة لها، ولا تحوي أية أسرار، وفي حالة حركة دائمة لا غاية لها، ولا هدف ولا تكترث بالخصوصيات، أو التفرد، أو المُطلقات، أو الثوابت، هذه المادة بحسب هذه الرؤية تشكل كُلا من الإنسان والطبيعة، فهي رؤية واحدية طبيعية مادية وتتفرع عن هذه الرؤية منظومات مَعرفية (الحواسّ والواقع المادي مصدر المعرفة، فالعالم المعطى لحواسنا يحوي داخله ما يكفي لتفسيره والتعامل معه) ، كما تتفرع عنها رؤية أخلاقية (المعرفة المادية المصدر الوحيد للأخلاق) وأخرى تاريخية (التاريخ يتبع مسارا واحدا وإن تبع مسارات مختلفة فإنه يؤدي في نهاية الأمر إلى النقطة النهائية نفسها) ورؤية للإنسان (الإنسان كجزء لا يتجزأ من الطبيعة ليست له حدود مستقلة تفصله عنها ومن ثَمَّ هُو ظاهرة بَسيطة أحادية البُعد، وهو كائن ليس له وَعْيّ مستقل غَير قَادِر على التَّجَاوُز والاختيار الأخلاقيّ الحُرّ).
وقد أكَّدَ المؤلف أن العلمانية الجزئية مرتبطة بالمراحل الأولى لتطور العلمانية الغربية، ولكنها بمرور الزمن ومِن خلال تحقق المتتالية النماذجية العلمانية تراجعت وهُمِّشَتْ؛ إذ تَصاعدت معدلات العَلْمَنَة خاصة في العالم الغَربي، بحيث تَجاوزت مجالات الاقتصاد والسياسة والأيديولوجيا، وأصبحت العَلمنة ظاهرة اجتماعية كاسحة وتحولا بِنيويا عميقا، يتجاوز عملية فصل الدين عن الدولة، وعملية التنظيم الاجتماعي، ويتجاوز أية تعريفات مُعجمية، وأية تصورات فِكرية قاصرة محددة، فلم تعد هناك رُقعة للحياة العامة مُستقلة عن الحياة الخاصة، فالدولة العلمانية والمؤسسات التربوية والترفيهية والإعلامية وصلت إلى وِجدان الإنسان وتغلغلت أحلامه ووَجَّهَت سُلُوكَه وعَلاقاته بأعضاء أُسرته وقَوَّضَت ما تَبَقَّى من أخلاق نصرانية (مسيحية) أو حتى إنسانية.
فالعلمانية ثمرة عمليات كثيرة متداخلة بعضها ظاهر والآخر بنيوي كامن، وهي تشمل كل جوانب الحياة العامة والخاصة والظاهرة والباطنة. وقد تتم عملية العلمنة من خلال الدولة المركزية بمؤسساتها الرسمية أو من خلال قِطاع اللذة من خلال مؤسساته الخاصة أو من خِلال عَشَرَات المؤسسات الأخرى ومنه المؤسسات الدينية ذاتها، أو من المنتجات الحضارية.
وفي الباب الثاني تناول فيه بعض تبديات النموذج العلماني، فقدم فيه عَرضًا مُوَسَّعًا لبعض المصطلحات التي رأى المؤلف أن لها قيمة تفسيرية عالية مثل المُطْلَق العلماني والنموذج العلماني والمتتالية النماذجية.
المجلد الثاني (المقدم للتحميل):
تنتقل الدراسة في المجلد الثاني من النظرية الى التطبيق، أي الى عمليات العلمنة الشاملة والتي هي في جوهرها إعادة صياغة للمجتمع في ضوء النموذج المادي، ولا يكتفي هذا المجلد بالتعميم، بل يتطرق الى عالم التفاصيل المحددة في الباب الأول منه؛ مثل عمليات الترشيد المادي للفر والدولة المطلقة والاقتصاد والرؤية الإنسانية نحو الكون والو وعلمنة المجالات الاجتماعية والإنسانية المختلفة؛ وفي الباب الثاني يدرس علاقة العلمنة الشاملة باليهود واليهودية والصهيونية.
تُمثل الدراسة إضافة مهمة للمكتبة العربية؛ لذا فهي جديرة بأن تقع في بؤرة اهتمام المثقفين والمفكرين والمتخصصين في دراسة المذاهب الفكرية وتطوراتها.
ولو أضاف المؤلف إليها توثيق المادة المطروحة والتخفف بعض الشيء من التوسع في اشتقاق الألفاظ وسك المصطلحات وتجنب الاستطراد والتكرار لكان الكتاب - ونخاله كذلك - موسوعة عن الفكر العلماني المادي المعاصر، وإذا كان غالب من تعرض للحديث عن العلمانية تناولها من جانب من الجوانب فقد نظر إليها المؤلف نظرة شمولية تحليلية مبرِزًا أُطُرها النظرية و تجلياتها العملية في إطار نظرة المفكر الفيلسوف الذي لا يقنع بالظاهر بل ينظر إلى العلل البعيدة للأشياء مستكشفا بعدها الكلي والنهائي، ولا عَجَب أن يَصْدُرَ مثل هذا العمل من المؤلفٍ وهو رجل موسوعي، وهذه ثمرة رحلة طويلة من البحث، وحياة فكرية ثرية.
ملاحظات:
- المؤلف د. عبد الوهاب المَسِيْرِي مصري وُلد في محافظة دَمنهور عام 1938م، تخرَّجَ في جامعة الإسكندرية عام 1959م،
وحصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا عام 1964، والدكتوراه في المجال نفسه عام 1969،
عمل أُستاذا للأدب الإنجليزي المقارن في جامعة الملك سعود والكويت ثم في كلية البنات جامعة عَين شَمس،
وكان مستشارا ثقافيا لوفد جامعة الدول العربية الدائم بالأمم المتحدة من عام 1975 : 1979م ورئيسَ وحدة الفكر الصهيوني،
ومن مؤلفاته:
1- نهاية التاريخ ( مقدمة لدراسة بنية الفكر الصهيوني) .
2- الأيديولوجية الصهيونية (دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة).
3-الانتفاضة الفلسطينية والأزمة الصهيونية (دراسة في الإدراك والكرامة).
4- أسرار العقل الصهيوني، الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ (رؤية حضارية جديدة).
5- مَن هو اليهودي.
6- موسوعة تاريخ الصهيونية.
7- موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية .
وقد أصدر سيرته الذاتية في كتاب عنوانه "حياتي الفكرية ... البذور والجذور والثمر"، وفيه دعا المفكرين إلى تقديم حياتهم كوثيقة للأجيال الصاعدة.
رابط بديل
4shared.com - document sharing - download ط¹ط¨ط¯ ط§ظ„ظˆظ‡ط§ط¨ ط§ظ„ظ…ط³ظٹط±ظ‰..ط§ظ„ط¹ظ„ظ…ط§ظ†ظٹط© ط§ظ„ط¬ط²ط¦ظٹط© ظˆط§ظ„ط¹ظ„ظ…ط§ظ†ظٹط© ط§ظ„ط´ط§ظ…ظ„ط©..ط§ظ„ظ…ط¬ظ„ط¯ ط§ظ„ط«ط§ظ†ظ‰.pdf
|