لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-07-17, 07:41 PM   المشاركة رقم: 136
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
اميرة القلم


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273354
المشاركات: 4,068
الجنس أنثى
معدل التقييم: برد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسي
نقاط التقييم: 4345

االدولة
البلدLibya
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
برد المشاعر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 

هههه طعون فيه مثل عندكم يقول :‏ من طول الغيبات جاب الغنايم ‏

الفائزين انتي وتوباز ب.نسبة ‏.7/14‏ ‏..‏ طبعا هديتين ما في هههه

شكرا للغالية شعاع الأحلام وألف مرحب مراحب بسارا وشكرا لكل الي كتبوا كلماتهم الرائعة في حتي

الزوري لغيت عرض النتايج عشانك ‏‏>‏‏> فيس يقولك آخر مرة أسويها

 
 

 

عرض البوم صور برد المشاعر   رد مع اقتباس
قديم 19-07-17, 07:47 PM   المشاركة رقم: 137
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 


مساء الخير

اشوف كثير جايبين العيد في المقتطفات رغم إنها سهله
أو خليني أقول أغلبها سهل ماعدى 2 أو 3 مثل ماتوقعت
التخبيص فيها ههههههههه

ميشو الشريره ديجو تقول خلي برد ماترسل لك الفصل
وتنزل المقتطفات حتى أجرب شعورهم هههههههههه

وش رأيك نجرب في الفصل الأخير حتى ماأرحمهم لما
أجرب شعورهم

هههههههههههههههه


 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 19-07-17, 08:55 PM   المشاركة رقم: 138
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2017
العضوية: 326384
المشاركات: 38
الجنس أنثى
معدل التقييم: شعاع الأحلام عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 84

االدولة
البلدUnited_States
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شعاع الأحلام غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 

مساء النور

مشكورة أختي برد 😄

يا ويلي ويلاه شكلي من اللي جابوا العيد😁 مثل ماقالت الاخت فيتو

 
 

 

عرض البوم صور شعاع الأحلام   رد مع اقتباس
قديم 19-07-17, 09:01 PM   المشاركة رقم: 139
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 





الفصل الرابع



المدخل ~

بقلم / شيماء علي

أسندت ذقني على حافة شرفتي التي لن أراها لوقت طويل ربما ..
سنعود أخيراً إلى بلاد لم أعرف عنها سوى أخبار دمار تتسابق شاشات التلفاز لنقلها دوناً عن جنان التقطت أذني أخبارها من هنا أو هناك، وحرمني هو بصمته القاتل من عيش تفاصيلها ..
تتقاذفني الأفكار ..
عنه .. هل سيعيد هواء بلاده روحاً طال هيامها في فضاءات مجهولة فيحدثني؟ ينظر إلي؟ يبتسم مربتاً على رأسي؟
عن أم لم تترك لي مدخلاً أعرفها منه شكلاً أو فكراً سوى كلمات منه عن اختياري ضد قسماتها .. كلمات بدت خناجر نافذة ..
عن ذاك الذي لم أعرف منه سوى صلابة أبداها في ليلة ظلماء .. هل يكتب لنا لقاء؟
عني أنا .. كيف سأعيش؟ ولمن؟ ولماذا؟
عن أرض الأحلام المزروعة بالألغام



**************

دفع رواح بقوة باب الغرفة النصف مفتوح ودخلها ببنطلون البيجامة
والقميص الداخلي فقط وهاله المنظر أمامه فقد استيقظ من نومه على
صوت الجلبة والصراخ لأن غرفته

الأقرب للسلالم الشرقي للطابق الثاني والذي يسكنه أغلب أفراد عائلة
هذا المنزل
نظر سريعا للموجودين أيضا في تلك الغرفة فلم يكن سوى السيدة
متوسطة العمر التي تحضن حقيبة وقاص وتبكي ممسكة فمها بيدها
الأخرى وعيناها على المنظر المروع أمامها

توجه من فوره جهة اللذان كان أحدهما منحن على الأرض والآخر
يركله بقدمه دون تركيز , أمسك بذراعي الواقف أمامه موليا ظهره له
وسحبه للخلف بكل قوته

صارخا " توقف يا وقاص ستقتله ... إنه شقيقك يا رجل "

حاول أن يخلص نفسه منه بكل الطرق لكن رواح كان ممسكا به بقوة
خاصة وأنه قد أخذ منه الإعياء ما أخذ , مسح شفتيه بظهر يده ثم
بصق بقايا الدم من فمه متعمدا جهة الجاثي أمامه وهو يتوازن واقفا
وينظر له تلك النظرة التي تحمل كل معان الكره والحقد
ولم تكن نظرات وقاص بأقل منها اشتعالا ومشهد واحد لازال يتمثل
أمام عينيه حتى اللحظة

حين دخل الجناح والغرفة ووجد ذاك الشعر الأشقر الطويل بين أصابع
الواقف أمامه وذاك الجسد النحيل شبه العاري مرمي على الأرض
وهو يركله بكل قوته متجاهلا أنها قدم رجل تلك التي يرفس بها جسد
أنثى لا حول لها ولا قوة ,
ما أن استوى ذاك واقفا يمسح الدم من أنفه وفمه همس بحقد ونظراته
الحارقة لازالت ترمي الواقف أمامه
" لن أفوتها لك يا وقاص ولا لتلك الحشرة "

حاول الإفلات من ذراعي رواح القويين صائحا بحدة
" تلك الحشرة ابنة عمك يا وضيع , قسما إن امتدت يدك عليها مجددا
اقتلعتها لك "

صرخ رواح من خلفه يشد ذراعيه بكل قوته ليمسك الغاضب الذي بدأ
ينتقل غضبه له
" اخرج يا نجيب , غادر من هنا قبل أن ننقلب كلانا ضدك "

حمل ذاك سترته المرمية أرضا ومر من أمامهما شاتما ببذاءة من بين
أسنانه ووقاص لازال يحاول التخلص من ذراعي الواقف خلفه ملاصقا
له فلولا حضوره المفاجئ ما كان ليجزم بأنه سيترك ذاك يفلت منه حيا

تركه رواح بعدما تأكد من مغادرة شقيقهما الجناح فابتعد عنه غاضبا
يرتب خصلات شعره القصير المتناثرة وسترته المفتوحة على صوت

رواح قائلا بضيق
" هل هذا هو الحل الحضاري الوحيد لديك للأمر يا وقاص ؟ "

ومن دون أن ينظر وقاص ناحيته ولا أن يجيبه بكلمة توجه جهة باب
الحمام المشترك مع

الغرفة والمقفل من الداخل لا صوت يخرج منه أبداً وكأنه لا أحد فيه ,
طرقه بقبضته

بقوة مناديا " زيزفون أخرجي , افتحي الباب لنعرف ما حدث معك "

هز رواح رأسه بيأس والتفت وقاص جهة الواقفة في زاوية الغرفة لازالت تبكي

وترتجف وصرخ فيها " كيف تتعاملين معها ؟ ما هي طرق التواصل
بينكما "

كان ينظر لها بقسوة ينتظر جوابها لكن ما فعلته لم يتعدى أن أمسكت
عبرتها بأناملها تسجنها خلف شفتيها وحركت رأسها نفيا


*

*


دخلت مبنى الجامعة المكتظ بالطلبة وهم يتحركون في كل مكان ونظرها
يبحث عن شخص واحد فقط متجنبة أن تلتقي نظراتها بنظرات أي من
الذين ينظرون لها هناك سواء كانت النظرات تقييميه أو الفضولية
لبعض الفتيات أو نظرات الإعجاب من بعض الشبان الذين لفت نظرهم
جسدها المتناسق بشكل متكامل وقد غطته ثياب فاخرة متناسقة كما
اعتادت واعتاد الجميع أن يروها بمظهر أنيق مرتب يلفت النظر أكثر
لجسدها غريب التقاسيم في تناسقه ترتدي سروال جينز باهت اللون
مع قميص ضيق وسترة صوفية طويلة مفتوحة وأنيقة ، شعرها البني
الناعم منسدل على ظهرها وكتفيها بكل حرية وملامح جذابة زادها
بريق لون الذهب في عينيها جمالا فريدا من نوعه متناغمة مع
الخصلات الذهبية الطبيعيةفي شعرها البني ، مند بلوغها لاحظت أنها
أصبحت محط أنظار الكثيرمن الشبان ما أن يقع نظر أحدهم عليها لكن
ذلك أيضا أصبح من أسباب بغضها لكل الأشياءحولها فنظراتهم هذه
سرعان ما ستتغير ما أن تصبح الأعين تشير لها والهمسات تكثر ما أن
تدخل المكان وكل واحد يحكي لغيره عن قصتها التي ستبقى لوقت أطول
من مكوثها هنا وهي تتحول لحديث للجميع وستتغير هذه النظرات
سريعا وهي تعلم جيدا ما ستكون ، الجيدون منهم سينظرون
لها نظرة حسرة لأن هذا الشيء الاقتراب منه مضيعة للوقت ليس إلا
أما السيئون فلن يروها سوى لقمة سائغة وأنه يمكنها أن تفعل أي
شيء دون أن تخاف على نفسها ....
قطع سيل أفكارها تلك اليد التي لامست ذراعها فنظرت لصاحبتها
فكانت فتاة في مثل سنها تقريبا أهدتها ابتسامة رقيقة وهمست

" تبدين جديدة هنا مثلي ولا تعرفين أين يمكنك الذهاب هل نكون
رفيقتان حتى نجد طريقنا وقد نكون بعدها صديقتان دائمتين ؟ "

نظرت لها مطولا بصمت قبل أن تذهب وتتركها واقفة مكانها فلا يمكنها
موافقتها على أمنيتها تلك لأنها بعد قليل ستبدأ في البحث عن حجج
لتتهرب منها وتنهي هذه الصداقة الوليدة معها

لفت نظرها عند أحد الأعمدة الرخامية أربع فتيات ينظرن لها ووقع
نظرها فورا على ابنة

عمها الأكبر الواقفة معهن تبتسم لها تلك الابتسامة المقيتة , وما أن
انظم لهن مجموعة فتيات أخريات حتى كثر التهامس الذي كانت تعلمه
جيدا واعتادت رؤيته في كل مكان

" ماآآآريه "

أبعدت نظرها للصوت الذي ناداها من بعيد قبل أن يظهر لها جسد زهور
من خلف تجمع لبعض الشبان يتحدثون بأصوات عالية ضاحكين ،
اقتربت منها وسحبتها معها من يدها

قائلة " تعالي نخرج من هذا المكان الخانق فما يزال أمامنا أكثر من
نصف ساعة "

سحبتها معها دون أن تسمح لها بأن تبدي أي اعتراض حتى كانتا في
ساحة الجامعة ثم في المقهى المخصص به وأجلستها على الكرسي عند
إحدى الطاولات وقالت مغادرة

" سأجلب القهوة فأنا لم أشربها في الصباح وأمضيت يومي كله بمزاج سيء بسبب ذلك "

وغادرت فورا فتنهدت ماريه بضيق وأخرجت هاتفها من حقيبتها
وفتحت الرسالة التي وصلتها صباحا تقرأها من جديد ثم أعادته مكانه
ما أن جلست زهور أمامها ووضعت كوبا ورقي أمامها يخرج منه بخار
القهوة الساخنة ورشفت من قهوتها عدة رشفات ووضعته على الطاولة
قائلة

" آه ما أجمله من سائل , لا أعلم من دونه كيف سنعيش "

ونظرت للتي تتجول بنظرها في المكان حولهما وقالت مبتسمة
" رأيت من بعيد إحداهن تتحدث معك .... هل تعرفينها ؟ "

شغلت نظرها بالكوب تحتها تحركه دون أن تشرب منه وتمتمت
بسخرية
" قالت أنها جديدة وقد نكون صديقتين ! هه ستندم على ذاك العرض
قريبا "

تنهدت زهور بأسى قائلة " ومن قال أنها قد تندم ؟ العالم هنا مختلف
عن حياتك وسط أقاربك ومعارف العائلة والجيران بل وحتى عن
مدرستك الثانوية فهنا لا أحد يعرف أحد تقريبا والطلبة الوافدين من كل
مكان في البلاد فمن سيهتم ماريه؟ أنتي من تصعب الأمرعلى نفسها "

أنهت جملتها ونظرها على الجالسة أمامها لم تعلق على ما قالت تنظر
لحركة إصبعها على طرف الكوب , لا ترى داع لإعلامها بما رأت وأن
أي مكان في هذه البلاد لن يخلو من شخص يعرفها ويعرف قصتها تلك
وسيسارع لنشرها في كل مكان , تنهدت تلك بيأس قائلة

" قد تكون لا تعير لما يقال بالا وتصدق حكايتك الأصلية , لما ترفضين
قول الحقيقة للناس ؟ مؤكد فيهم منسيصدقك أنتي وليس ما حدث "

نظرت جانبا وهمست بمرارة
" اعترف بنفسه يا زهور ، الناس لم تنسى أنه اعترف كما لم تنسى
القصة وأنا تأقلمت من أعوام , ومثلما أنتي معتادة على الحياة كفتاة
طبيعية أنا اعتدت على أن أحيا مشوهة وهذا بات لا يعنيني فلا تتعبي
نفسك معي "

لكن الجالسة أمامها كان لها رأي آخر فقد قالت دون يأس
" ها أنا صدقتك وما أن عرفتك أكثر حتى تيقنت من صدق قصتك لكنك
ترفضين حتى من يصدقونك يا ماريه "

نظرت لها وقالت بضيق " ماذا تقصدين بهذا ؟ "

رفعت كوبها لشفتيها متمتمة ببرود
" تعلمين جيدا من أعني فارأفي بحال ذاك الشاب يا ماريه "

قالت بذات ضيقها
" أنا لم أطلب منه أن يتعب نفسه ولن أوافق الزواج منه كما يريد
فالعيب ليس به بل بعائلته ... بعمي وزوجته وبناته بل وكل المحيطين
به , برآء لا يفعل شيئا سوى أنه يقحم نفسه في مشاكل هو وأنا في
غنى عنها , وسبق وأخبرته بكل ذلك وبأن يرفع الفكرة من رأسه لأني
لن أوافق وإن طلقني تيم من نفسه "

قالت بإصرار " لكن الأمور ستتغير بعد زواجكما وستنكشف الحقيقة
وسيعرفها الجميع منه حينها , الشاب يحبك ماريه لا أعلم لما تغلقين
عينيك عنه ؟ وقوفه في صفك وتصديقه لك دون حتى أن تتحدثي أكبر
دليل على أنه لا مثيل له في هذا العالم "

أشاحت بنظرها جانبا وهمست بابتسامة ميتة " لن يصدقوه أيضا فهو
ابن عمي يا زهورأم تضحكين على نفسك قبلي "

هزت رأسها بيأس منها وقالت " وسيصدقون تيم ذاك ؟؟؟ الوضع معه
سيكون أصعب "

نظرت ليديها في حجرها وهمست بحزن " سيكون الوضع بيننا أيسر
وذاك هو المهم أما الناس فقد اعتدت على التعايش مع نبذهم لي
صدقيني يا زهور "

كانت ستتحدث والضيق باد على ملامحها فلطالما كرهت صمت ماريه
عن وضعها هذا رغم إعجابها الكبير بصبرها وقوة تحملها لكل ما مرت
به , قاطعتها الجالسة أمامها وهي تخرج لها هاتفها وتمده لها قائلة
" هذه الرسالة وصلتني من برآء صباح اليوم "

أخذت الهاتف منها فورا ونظرت لأسطر الرسالة وقرأتها بنظرات
مصدومة ثم نظرت لها قائلة " ومن هذا المجهول الذي يهدده هكذا
تهديد كي يبتعد عنك ؟ "

أخذت الهاتف منها قائلة " لا أعلم "

قالت من فورها " قد يكون عمك فهو يعلم أن الأموال ستضيع منه
حينها "

هزت رأسها بلا وهي تدس هاتفها مجددا قائلة " لا أعتقد فعمي يعلم أن
برآء سيتنازل له عن كل ما يريد ليوافق وهو يملك المال ولن يؤثر ذلك
به فهو الكاسب الوحيد من زواجي منه "

وتابعت وهي تنظر لعينيها " الرقم خارجي يا زهور "

فتحت تلك فمها بشهقة صغيرة وتمتمت بغير تصديق " لا تقولي أنه من
طرف تيم كنعان ؟! "

حركت كتفيها وعادت بنظرها للسائل الأسود في كوبها هامسة " قد
يكون ... لا أعلم "

ثم رفعته لها مجددا قائلة قبل أن تعلق بما تعلمه جيدا " اتصلت
بالمحامي أمس واستفسرت منه عن بعض الأمور "

شهقت زهور شهقة أخرى هذه المرة وأكبر من سابقتها وقالت
مبتسمة

" هل سألته عن مسألة الطلاق !!! "

شدت قبضتها فوق الطاولة وقالت ونظرها عليها " بل تحدثت مع
محاميه

وليس محامي عمي "

ضربت زهور بقبضتها على الطاولة وقالت بضيق " لماذا ماريه كان عليك الاتصال بمحامي عمك لا بمحامي المدعو تيم "

قالت بجدية " محامي عمي لا يفلح في شيء سوى سحب المال منه أما
ذاك المحامي فهو من كان يفعل بالفعل طوال السنين الماضية ويكسب
جميع الجولات فالمعلومات لديه وليس لدى محامي عمي "

قالت بفضول تتنقل بنظرها بين عينيها " وماذا كان جوابه ؟ "

نظرت للقهوة التي بردت في كوبها ولم تشرب منها وخرج صوتها
بهمهمة هشة

" سيكون مصير تيم السجن إن استقر في البلاد بشكل نهائي ومصيري
الشارع حال طلبت الطلاق منه "

نظرت لها بصدمة وقالت " ماذا !؟ وما علاقة هذا بذاك "

وقفت وحملت حقيبتها قائلة " اقترب وقت المحاضرة سأراك غدا "

قفزت خلفها ما أن ابتعدت وقالت وهي تسير بجوارها بخطوات سريعة
لتجاريها

" ماريه ما الأمور الجديدة التي تخفينها عني ؟ حالك لا يعجبني منذ أن
أعطاك ابن خالتي اسم ذاك الموقع "

لم تعلق بل سارت وسط مجموعة من الطلبة وافترقت عنها تاركة إياها
واقفة مكانها فهزت رأسها بيأس وغادرت في الاتجاه المعاكس لأن
محاضراتها لليوم قد انتهت

تمتمت بضيق وهي تبتعد " ما أنا أكيدة منه أن ذاك الشاب لن يرتاح
حتى يدمر باقي ما تبقى منها "

*

*




حاولت رفع جسدها ببطء من الأرض الباردة وجلست بصعوبة مستندة
بالجدار الأملس خلفها وغرست أسنانها بقوة في شفتها الدامية وهي
تحاول بتلك اليد المرتجفة المحطمة أن تستر ولو جزءا من جسدها
وهي تستمع لصوت ذاك الرجل في الخارج ومحاولاته المتكررة دون
يأس وهو يحرك مقبض الباب ويطرقه بعنف ولا تستبعد أن يكسره في
أي لحظة ويدخل , اتكأت برأسها للخلف مغمضة عينيها برفق وانسابت
تلك الدمعة اليتيمة من طرفها منزلقة فوق بقعة الدماء الواسعة التي
لطخت وجنتها وعبثت بملامحها الجميلة

لو لم يدخل غرفتها ذاك الجسد الطويل الملتف بتلك البذلة السوداء
الأنيقة ما كانت تجزم بأنها ستتنفس بعد اليوم ولا لتعيش ضمن الأحياء

, تعترف بأنها استفزت ذاك الرجل حد أن أوصلته للجنون بحركتها تلك
بعدما اكتشفت سره وكشفته له بما فعلت , وأن ذلك كفيل بجعله يقتلها
دون تردد لكنه السبب في كل ذلك وهو يعرف ذلك جيدا
خرجت منها آهة مكتومة وهي تشعر بجسدها يتهاوى وبدأت تفقد
السيطرة عليه مع جدار وأرضية الحمام المصقولين حد الانزلاق ولم
تعد تملك قوة ولا لتثبيت نفسها ولا تعلم كيف استطاعت الركض من
هناك ودخوله ما أن شعرت بذاك الوحش يبتعد عنها بسبب من دخل
عليهما الغرفة فجأة
رفعت يدها عاليا وأمسكت بطرف حوض المغسلة وأسندت رأسها
بوهن على ذراعها وخرج همسها كفحيح بمزيج من الألم والحقد
" أكرهكم آل ضرار سلطان وأقسم أن تدفعوا جميعكم الثمن "

مسحت طرف جفنها بكفها المرتجف وتحاملت على نفسها لتقف وإن
بصعوبة بالغة

وبمساعدة تلك المغسلة الرخامية الضخمة استطاعت أن تتوازن ولو قليلا فالواقف في الخارج يبدوا أنه لم ييأس بعد ولن يغادر حتى تخرج
أو يكسر الباب كما يقول
كما أن الأصوات القادمة من الغرفة أصبحت تكثر وتتداخل , سحبت
روب الحمام واتكأت

على الجدار متألمة وحاولت أن تلبسه فقميصها إحدى حمالتيه قطعت
وبه شق طويل من أسفله حتى خصرها ولا يمكنها لا الخروج به ولا أن
تبقى هكذا حتى يدخل المجنون الذي في الخارج , وبصعوبة وجهد
كبيرين لبسته وربطت حزامه على جسدها وتوجهت جهة الباب مستندة
بالجدار في كل خطوة تخطوها حتى وصلت مقبض الباب وأدارته متكئة
على الإطار فاندفع فورا بسبب اليد التي كانت تطرق وتحركه دون
توقف
ولاحظت حينها جمود الواقف أمامها وإن لم ترفع وجهها له وهي
تتمسك بخشب إطار الباب بكل قوتها ورأسها منحن للأسفل , وما أن
حاولت التحرك بدأت تفقد توازنها سريعا وشعرت بتلك الذراع القوية
التي ثبتتها من خصرها ملتفة حولها وبتلك العضلات القوية تحتها حتى
شعرت بجسده ورائحة عطره القوي فرفعت يدها وأمسكت بقبضتها
سترته ومدت الأخرى جهة التي لازالت واقفة في زاوية الغرفة تبكي
دون توقف ففهم جميع من في تلك الغرفة ومن أصبح عددهم أربعة

أشخاص بعد انضمام والدة رواح لهما أنها تطلب مساعدة مربيتها فقط
فاقتربت تلك فورا تمسح دموعها وقد وضعت الحقيبة من يدها على
طرف الأريكة وركضت جهتها واحتضنت ذاك الجسد النحيل الذي
سرعان ما تهاوى عليها حتى كانت ستفقد توازنها رغم نحوله وخفته
وقبل أن تعترض أي منهما كان ذاك الجسد بين ذراعي الواقف خلفها
وحملها بخطوات سريعة واسعة للسرير وأنزلها عنده فجلست دون
مساعدة قدماها للأرض متكئة بجانب جسدها على ظهر السرير ,
ورأسها ونظرها لازال للأسفل لم تسمع أي تعليق ولم تصدر أي حركة
من الموجودين داخل الغرفة والجميع نظره متيبس على الجالسة هناك
شعرها البني الفاتح الطويل قد غطى ملامحها المختبئة في الأسفل
تتمسك بصمت لم يعرفوه حتى عند البكم وهي من للتو

أثقلت ضربا يظهره تهاوي جسدها وإن أخفاه صمتها , امتدت تلك
الأصابع الطويلة لذقنها

فأرجفها ملمسها البارد فور شعورها بها على بشرتها ولم تستطع
مقاومة رفعه لوجهها فلم تعد عظامها تقوى على أي شيء , وما أن
أصبح وجهها مقابلا لوجهه فوقها ثبتت نظراتها على عينيه المحدقة
بعينيها ونظرت له بثبات يعاكس ارتجاف جسدها وتحطمه وتهاوي

دواخلها حد الإنهيار , كانت ملامحه أمامها تشوبها غشاوة سيطرت
على عينيها المرهقة لكنها تستطيع تمييز أنه ذات ذاك الوجه الذي رأته
في الضوء الخافت تلك الليلة .

أغمضت عينيها فور شعورها بملمس أصابعه على الجرح في جبينها ,
وفي حركة واحدة رفعت يدها وأبعدت يده منزلة رأسها للأسفل , حركة
جعلت الواقفان خلفه ينظران لبعضهما بصدمة والواقفة بجانب السرير
تبتسم بسخرية وهي من كانت موقنة من أن هذه ستكون ردة فعل الفتاة
التي عرفتها لأعوام وعايشت كرهها المتأصل لتلك العائلة بالإجماع ,
ماتت تلك الابتسامة فور أن نظر لها صاحب ذاك الجسد الطويل والشعر
الأسود والنظرة المسيطرة

قائلا بجمود " هل توجد أدوات إسعافات هنا ؟ "

هزت فورا رأسها نافية وقد أخافتها نظرته وخشيت أن يكون رأى
سخريتها من رفض زيزفون له ,
سمعته يشتم هامسا قبل أن يقول بضيق
" ولما لا ؟ كيف تتعاملين مع الحوادث العرضية ؟ "

قالت من فورها " اعلم الخادمات لتحضرها إحداهن وتأخذها معها ,
هكذا كانت أوامر طبيبكم "

قالت الجملة الأخيرة بشيء من الامتعاض وودت أن قالتها صارخة في
ثلاثتهم لكنها تعي جيدا أن ذلك لن يفيد شيئا , تحركت الواقفة عند
الباب بسرعة قائلة
" سأجلب حقيبة الإسعافات إذاً , وعليكم تنظيف الدماء من وجهها أولا"

" أجلبي ماءا دافئ ومنشفة نظيفة "

ارتجف جسد الواقفة قرب السرير ما أن سمعت تلك الكلمات الآمرة من
الواقف في منتصف الغرفة يمسك وسطه بيديه ولم يتحدث إلا الآن
وتحركت سريعا جهة الحمام وما أن خرجت

بما طلب كانت التي غادرت لجلب حقيبة الإسعافات قد وصلت أيضا ,
وما أن اقتربت من هناك حتى أخذ وقاص الإناء منها وجلس على طرف
السرير ومد يده مجددا لذقن الجالسة أمامه قائلا بهدوء
" دعيني أنظف الدم يا زيزفون "

ولم يكن جوابها سوى أن أبعدت يده عنها بقوة مجددا فقالت زوجة

والده

" أتركني ومربيتهما نقوم بهذا يا وقاص , أخرجا أنتما قليلا "

فوقف في صمت وغادر الغرفة ورواح خلفه مغلقا الباب ورائهما
وتحركت والدته من فورها ما أن تهاوى ذاك الجسد على ظهر السرير
وخرج تأوها خفيفا من صاحبته

قالت مقتربة من السرير ومخاطبة التي أسرعت هناك أيضا
" ساعديني لنرى على الأقل باقي جسدها "

وجلست على السرير متمتمة بضيق
" كسر الله يده .... كسر الله يديك يا نجيب "



*

*



شعر بذاك الثقل الصغير الذي وقع على ظهره المنحني وهو يملأ
استمارة ببياناته الشخصية فكتم أنفاسه مبتسما وما هي إلا ثواني قليلة
وظهرت تلك الذراعين الصغيرةالبيضاء أمام ذقنه ووصلته تلك الضحكة
الطفولية الرقيقة فغرس أسنانه في بشرتها الناعمة الملساء بشكل
خفيف أخرج صرختها الضاحكة وأبعدها عن ظهره منزلا لها
في حجره وانهال عليها بلكماته الخفيفة وهي في ضحك مستمر وقال
مبتسما

" تلقي عقابك يا مشاكسة "

نجت منه بأعجوبة وقد حالفها الحظ باقتراب والدتها منهما وقد قالت
مبتسمة تنظرللأوراق على الطاولة الزجاجية المنخفضة أمام الأريكة
التي يجلس عليها

" إذاً ما سمعته من والدك صحيح يا أبان ؟ "

انكب على الأوراق مجددا وقال
" أجل لقد تم قبولي بسرعة لم أتوقعها "

جلست في الأريكة المقابلة له وقالت
" وكيف يرفضون من هو في مثل معدلك ؟

حتى جامعتك عرضت عليك أن تكون معيدا فيها , ولولا رفض والدك
لكنت ضمن المبتعثين للخارج "

قال وهو يملأ باقي الخانات " ما أستغربه أن لا تغضبي أنتي من رفض
والدي أن أسافر للخارج من أجل الدراسة ! "

ضمت يديها في حجرها وضيقت عينيها وهي تنظر لرأسه المنحني
وشعره الأسود الكث وقالت ببرود " لا لم أغضب لأنه على حق فليس
جميع من يسافر لتلك البلدان يرجع كما ذهب لها , ثم لا أراك أنت أيضا
اعترضت لكنت ذهبت رغما عن الجميع ... ابني وأعرفك جيدا "

رفع رأسه وجسده واتكأ للخلف على ظهر الأريكة مادا ذراعيه عليها
ونصب ساق على الأخرى وقال يغيظها كعادته
" صبرك علينا يا جوزاء يا ابنة شاهين الحالك لا يسمعك زوجك وأبات
الليلة خارج المنزل "

كتفت يديها لصدرها وقالت بذات برودها متجاهلة ما يرمي له
" ظننت أنك ستعمل بشهادتك , وكنت تحدثت مع والدك بشأن فتح مكتب محاماة لك "

أنزل قدمه بقفزة خفيفة وعاد لأوراقه قائلا
" الدراسات العليا هي طموحي الوحيد ولن أتوقف حتى أحصل على
درجة الدكتوراه , وممارسة المحاماة تأتي لا حقا "

تنهدت بصبر على عناد ابنها الذي تعرفه جيدا وقالت بهدوء
" لكن عملك كمحام مهم أيضا يا أبان ولن يضر دراستك في شيء بل
أراه سيساعدك فيها "

قال بلامبالاة ولازال منكبا على الورقة
" سأرى ... أفكر في الأمر وأقرر "

هزت رأسها بيأس منه وهي تعي جيدا أنه لن يفعل إلا ما يريده هو
ويسكتها لبعض الوقت ليس إلا , قالت بعد صمت دام للحظات حتى
ضن أنها غادرت " وماذا بشأن ما تحدثنا عنه سابقا ؟ "

رفع رأسه ونظر لها وقال بتفكير " عن ماذا تحدثنا ؟ "

قالت بضيق " أجل تنسى فقط ما تريد نسيانه , الزواج أعني يا ابن
أيوب أولنقل الخطبة أولا "

غلغل أصابعه في شعره الكثيف الناعم وقال بتذمر " أمي بالله عليك
ليس وقته الآن أنتي تري بنفسك أن مخططي للمستقبل طويل وأن
الزواج ليس من ضمنه حاليا "

هبت واقفة وقالت بصدمة " وقل أنك ستتزوج بعدما تنال الدكتوراه في القانون !!

قلها فقط وأنا من ستجعل الشيء الوحيد الذي ستتمكن من تنفيذه هو
أن تتزوج "

اتسعت عيناه بجزع وهو من يعرف والدته وأنها تقرر وتنفذ وأن
السلطة العليا في المنزل والمتمثلة في والده تقف معها مهما كانت
قراراتها , قال باستنكار " أمي من قال أني لن أتزوج حتى ذاك الحين ؟
أنا قلت حاليا ... أي الآن فأجلي الموضوع قليلا بعد "

واكتشف سريعا أن الأمر لم ينجح وأن عناده ليس سوى جزء من
عنادها الذي ورثه منها تحديدا حين قالت بإصرار " هو أسبوع واحد
فقط يكفيك "

رمى القلم من يده وقال بضيق " أمي بالله عليك كيف أتزوج وأنا لم
أعمل بعد ؟ هل سأعيش عالة على والدي طوال حياتي "

قالت بضيق مماثل " ما هذا الهراء ؟؟ عالة كيف ولدينا ما يكفينا حتى

نموت دون أن يعمل أي واحد منكم !! "

مرر أصابعه في شعره حتى كاد يقطعه بينها ولم يجد إلا مفرا واحدا من
الأمر فقال بجمود " لم تعجبني الفتاة التي اخترتها "

نظرت له مضيقة عيناها السوداء الواسعة وقالت ببرود " رأيتها ؟ "

قال كاذبا " نعم ولم تعجبني تبدوا لي غبية وساذجة "

يعلم أن ما قاله لم يقنع الواقفة على بعد خطوات منه تنظر له بشك لكن
لا حل أمامه غيره حتى يجد لهذه المسألة حلا نهائيا , خرجت من
صمتها قائلة

" ومن هذه الذكية التي تعجبك يا حبيب والدتك ؟ "

كان سيتحدث فسبقته قائلة " إذا أمامك هذا الأسبوع نفسه لتخبرني من
تكون أو تختار واحدة "

وغادرت دون أن تعطيه أي مجال للتعليق أو أن يبدي رأيه فتأفف راميا
الأوراق من أمامه , لا يعلم ما أدخل هذه الأفكار لرأسها لتقرر فجأة أنها
تريد تزويجهما وأن ترى أحفادها كما تقول , عاد وجمع أوراقه التي
نثرها منذ قليل بغضب وغادر من هناك أيضا صاعدا السلالم لغرفته وما
أن وصل رمى الأوراق على الطاولة ثم أخرج هاتفه واتصل

بيمان مرارا وهاتفه مغلق ففعل ما لم يفعله إلا نادرا واتصل بهاتف
المنزل ولم ينتظر

طويلا حتى رفع أحدهم السماعة ووصله ذاك الصوت الأنثوي الرقيق
المنخفض

" مرحبا من معي ؟ "

ابتسم وقد عرف فورا صاحبة ذاك الصوت وظهر أمامه ذاك الوجه
الدائري والشعر المجعد الكثيف فضحك بصمت ما أن تذكر الموقف ,
أمسك ضحكته وقال

" أين يمان أتصل به وهاتفه مقفل "

أتاه الرد بعد قليل وصوتها لا يزداد إلا انخفاضا " يستحم ... هل أخبره
شيئا ؟ "

أمال وقفته ويده في جيب بنطلونه القصير وقال " نعم لكن من تكونين ؟ "

ملأت ابتسامته وجهه ما أن وصله صوتها قائلة بعفوية " يمامة "

هذه يبدوا أنها تخبر باسمها لأي كان ودون تردد , قال وقد غلبته
ضحكته هذه المرة " لم أعني أي أنواع الطيور تكونين "

فسمع فورا ضحكتها الرقيقة وقالت بصوت باسم " هذا أنت ؟ سأخبره
أنك اتصلت به ما أن يخرج "

جلس على طرف سريره قائلا " هيه انتظري لأخبرك اسمي أولا أم
ستقولين ما أن يسألك من أكون بأني من كسرت نظارته وعبثت
بأغراضه "

اختفى صوتها وحتى أنفاسها حتى ضن أن الخط انقطع بينهما فقال
بريبة

" يمامة ! "

خرج صوتها مجددا لكنه هذه المرة مختلط بعبرة مكتومة
" آسفة حقا أقسم أني لم أقصد فلا تكلف يمان دفع ثمنها ولا تخبره
فيغضب مني "

مرر أصابعه في شعره وقال " هيا لا تبكي يا فتاة لن أخبره كنت أمزح
فقط , قولي

له ما أن يخرج أبان يقول لك قابله عند مكتب التوجيه بعد ساعتين
الأمر مهم جدا

لا تنسي يا يمامة حسنا ؟ "

همست ببحة " حسنا ... وداعا "

رمى الهاتف على السرير وهز رأسه هامسا بابتسامة " يالا الطفلة "

ثم مرر أصابعه على فكه وصولا لمؤخرة عنقه لتتغلغل في نهاية شعره
مبتسما بخبث وقد لمعت فكرة رائعة في رأسه ستخلصه من فكرة
الزواج لبضع سنين بالتأكيد


*

*



شبك أصابعه ببعضها ونظره لم يرتفع عن الأرض يجلس في ردهة ذاك
الجناح لا يعلم ما ينتظر حتى الآن ولما لا يقوم بأي شيء وإن ليبرد هذا
الغضب في جوفه , لازال يشعر بجسدها الهش وبملمس بشرتها ,
دمائها لازالت تغطي رؤوس أصابع يده لم يفكر ولا في مسحها فلم
يتجاوز بعد صدمة رؤيته لوجهها لأول مرة منذ عرفها وسمع عنها بل

ومنذ دخلت منزلهم هذا , نظرتها القوية لعينيه رغم وهنها وضعف
جسدها , تلك الأحداق الواسعة بلون السماء والأنف المدبب الرقيق
الذي عاكس طبيعة آل سلطان والبشرة البيضاء التي شابها احمرار
طفيف جدا والوجه الدائري الصغير .. ملامح خماصية بحته لم تأخذ
من جده وعائلته شيء فلا تنتمي لهم إلا في الاسم , تحرك الجالس
قريبا منه متململا في جلسته وتمتم وكأنه يقرأ أفكاره
" تمنيت سابقا رؤية ما خلف هذا الحصن وبكل فضول ولم أتوقع أن
الواقع هكذا !! "

وأضاف بصفير خفيف " إنها جميلة بشكل لا يصدق يا رجل "

رفع وقاص رأسه فورا وكأنه يحتاج لمن يذكره بما رأى من مسافة
أقرب من التي رآها هو منها , تحدث من بين أسنانه قائلا
" ليس هذا وقته يا رواح "

رفع ذاك يديه وعلق بنزق " وما كنت تتوقع مني وأنا أرى شيئا لم
أرسمه ولا في أبعد قصص خيالي "

وتابع وقد أسند خده على راحة يده " لا أصدق أن هذا النوع ينتمي
للأجساد والملامح الخشنة التي لدينا ولا أن تكون الخرساء المجنونة
التي يتحدثون عنها هكذا !
ليته تصمت جميع النساء ليكن مثلها "

وأجفل قبل أن يعلق الجالس قريبا منه وهو يرى نظرة العداء التي
يرميه بها وقال مدافعا

" مهلك يا رجل أعلم ما تريد قوله وبأنها ابنة عمي وزوجة شقيقي ,
ولا تقلق فليست النوع الذي يعجبني بتاتا , ثم ألم ترى نظرة العداء
التي رمقتنا بها جميعا "

أشاح وجهه بعيدا عنه ينظر للرسوم المطبوعة على ورق الجدار ولم
يعلق فهو أكثر من رأى تلك النظرة التي يتحدث عنها بل ورفضت حتى
لمسته وأن يساعدها بتضميد جراحها

لم يكن رفضها له لأنه رجل غريب عنها لن يكون ذاك هو السبب ,
همس بسخرية بعدما أشتد الصمت بينهما
" وما كنت تتوقع منها بعدما رأته من شقيقك ؟ "

علق رواح بسخط " وما ذنبنا فيما فعل ؟ ثم أنت أخذت بحقها منه
ويزيد , هذا بدل أن تشكرك على الشرخ الذي سيكبر بينكما الآن ! لا
أصدق أني استيقظت من نومي على هذا الكابوس "

وثب وقاص واقفا دون أن يعلق على ما قال الجالس قريبا منه ونظره
على التي خرجت

من باب الغرفة وأغلقته خلفها تنظر لهما نظرة من لا يعلم ما عليه أن
يقول فاستحثها

بنفاذ صبر " خالتي تــ.... "

قالت بضيق مقاطعة له " رفضتني أيضا ولم تتركني ألمسها , لم تقبل
سوى بمربيتها
تلك الفتاة لا تستطيع تحريك يدها اليسرى كما لاحظت وساقيها
رفعتهما لها تلك المرأة على السرير وهي تئن من الألم , كما أشك أن
ثمة خطب أصاب أحد أضلعها أو رئتيها من طريقة تنفسها التي
تستجدي فيها الهواء استجداءً "

لكم الواقف أمامها الجدار بقبضته وتحرك من هناك فأمسكه رواح قائلا

" إلى أين ؟ "

استل ذراعه منه بقوة قائلا بضيق " سأطلب الإسعاف طبعا قبل أن تخر
ميتة "

صفقت يد رواح باب الجناح أمامه بقوة وقال بحدة " هل جننت يا
وقاص ! هل تعي

ما سيلحق بدخولها المستشفى ؟ أضنك محامٍ وتعلم جيدا ما سيحدث "

صاح فيه بحدة
" أعلم وقسما أن أترافع عنها بنفسي إن لزم الأمر , وكما لن يصمت
أي طبيب عما سيراه أنا لن أصمت حتى أخرج بحقها "

صرخ رواح بصوت أعلى وأشد منه
" أعلم أنك لا تخاف ولا غضب جدي ولستُ ذلك أعني لكنها فضيحة
يا رجل , فكر في ذلك من أجلك أنت قبل الجميع وأنت تعمل نائبا
للمدعي العام

مثل هذه القضايا قد لا تجد صدا واسعا في بلادنا هناك سوى في هرج
الناس لكنها هنا تؤثر علينا جميعا وأنت أعلم بقوانين البلاد وما تعني
فضائح التشهير والقضايا "

أشار وقاص بسبابته للخلف حيث باب تلك الغرفة المغلق وقال بضيق "
ونتركها هكذا حتى تموت أو يحدث لها ما هو أسوأ من حالتها هذه كي
لا نقع في الفضيحة ؟؟! لن أبقى على تكهنات أنها ستشفى من تلقاء
نفسها فأنت لم ترى المشهد الذي رأيته وقت دخولي , قسما لو كانت
بغلا لخر ميتا , لن يكتبها التاريخ وهي ابنة عمي ليكتبها وأنا من
أدافع عن حقوق من هم في مثل حالتها وأقل "

شد رواح قبضته على ذراع شقيقه ونظر لعينيه المحتقنة بالغضب وقال
محاولا التهدئة من غضبه
" وقاص أعلم ما تشعر به وأشعر به مثلك لكن ذلك لن يفيد أحدا
وسيضرها هي في المقام الأول , أتركنا نجد حلا أيسر من ذلك "

نفض يده منه مجددا قائلا بحنق " حل ماذا هذا الذي ستجده يا ذكي ؟ "

تجاهل السخرية في كلماته وقال بصبر
" نحضر شخصا يشخص حالتها أولاً دون علم السلطات
لأنه لا يوجد طبيب سيرضخ لنا ولا إن عرضنا عليه رشوة فسيرفع
حينها التقرير ضدنا أيضا ثم نقرر حسب حالتها يا وقاص وأعدك أنه لن
يهملها أحد , وحين يرجع جدي يقرر في الأمر

ولا أظنه سيصمت له عنها "

أشاح بوجهه عنه ومرر أصابعه في شعره بعنف فتنفس رواح مهنئا
نفسه فلم يكن يصدق أنه سيستطيع يوما أن يحتوي غضب وقاص حين
يصل لأشد حالاته , ولا يراه إلا قد نفس عن جزء منه في نجيب لَما
رضخ له الآن ولن يعنيه رأي أحد ولا جدهم وهو يعرفه جيدا

نظر له مجددا وقال بجمود " ومن سيكون هذا ؟ لا تفكر في تيم فهو لن
يقبل "

أومئ برأسه متمتما " تيم ليس في المدينة لقد سافر لما كنت فكرت في
غيره لكننا سنجد بديلا "

ثم ابتعد عنهما يمسك ذقنه بتفكير ونظراتهما تتبعه وقال وقاص

" لدي صديق طبيب قد يساعدنا "

نظر له رواح وقال " لا صديق في مثل هذه الظروف يا وقاص , عليه
أن يكون مصدر ثقة لا نقاش فيها "

ثم مد يده له قائلا " أعطني هاتفك فهاتفي في الغرفة في الأسفل "

ناوله هاتفه فورا وإن لم يكن مقتنعا بكل ما يقول ويخطط , ولو كان
الأمر بيده وحده لما نام شقيقه ذاك الليلة إلا في السجن وهذا ما هو
عازم عليه إن اكتشفوا أن حالتها سيئة جدا
راقب رواح وهو يغضن جبينه وأصابعه تعبث بجهازه قبل أن يمده له
قائلا بضيق " ما هذا

الشيء المعقد ؟ كم رمزا للحماية تضع عليه "

سحبه منه متمتما بضيق " وكم فككت واحدا يا قرصان "

تحرك من مكانه قائلا " لا قراصنة مع شخص مثلك , سأستخدم هاتفي "

وخرج من عندهما مسرعا وركض عتبات السلالم ودخل غرفته وتوجه
لهاتفه فورا
طلب رقما معينا ووضع الهاتف على أذنه تراقب حدقتاه الإطلالة
الزجاجية لغرفته وابيضاض الفجر يزحف بطيئا للسماء , أجاب صاحب
الرقم بعد برهة فقال رواح من فوره

" أعذرني على الاتصال في هذا الوقت يا عمي , أعلم أنه ليس مناسبا
أبدا "

قال من في الطرف الآخر بقلق " أنا مستيقظ من ساعة , ما بكم يا
رواح ؟ "

مرر أصابعه في شعره وقال متنهدا " زيزفون ابنة عمي سمعت بها
بالتأكيد , تعرضت لحادثة ونريد طبيبا لمعاينتها قبل أن نضطر لنقلها
للمستشفى لأنه سيكون خيارنا الأخير "

وصله تنفس ذاك بارتياح وقد همس " ظننت أن مكروها كبيرا أصاب
أحدكم , هل هي بخير ؟ هل الحادثة سيئة "

تمتم بعبوس " لا نعلم حتى الآن ونحتاج لمن يكشف عليها "

قال ذاك من فوره " وكيف أساعدك ؟ "

دس يده في جيب سروال بيجامته ونظر على تلك الطبيعة من خلف
الزجاج الواسع وارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه وهو يقول

" علمت أنه لديكم طبيبة فاشلة لازالت في طور الإعداد وقد تخدمنا
بشيء "

وصله صوته مستغربا " لكن ساندرين تعمل فقط ضمن حقول منضمة
للإغاثة وكل ما أخذته دورات تدريبية ولا يزال أمامها أكثر من عام
لتلتحق بالجامعة وتدرس الطب فبما ستنفعكم ؟ ولما لا تستدعون طبيبا ! "

حك شعره وها قد وصل للمعضلة الصعبة في الأمر , قال بهدوء

" لا نريد للأمر أن يصل لأحد حتى نشخص حالتها يا عمي , الأمر مهم
وابنتك قد تنفعنا في شيء بما أنهم ينتشلون حتى شبه الموتى من تحت
الأنقاض ويفحصونهم "

سمع تنهيدته الواضحة دليل رضوخه وقال " لا أفهم حقا ما يجري
لديكم ولا أريد فهمه بشكل لن يكون إلا سيئا لكني سأتحدث معها "

قال قبل أن يغلق الخط " بل أقنعها فإن كانت لازالت كما أذكر أعند من
الصخر , ولا تخبرها أني من طلب منك ذلك لأنها وقتها سترميك خارج
غرفتها دون شعور منها "

سمع ضحكة مكتومة صدرت منه وقال
" إنها أعوام مرت وقد أصبحت شابة الآن لا أظن العداء القديم لازال
قائما ولست أعلم ما سبب كرهها لك تحديدا ؟ سأقنعها لا تفكر في الأمر
.... وداعا "

أغلق الخط منه ودس هاتفه في جيبه هامسا بضحكة " من قال أن
الأقارب لا نفع منهم ؟ حتى إن كانت مجرد متحولة عابسة "


*

*


" لا "

جاء ردها حازما وهي ترفع شعرها للأعلى وتلفه بسلك مطاطي لتثبته
في جديلة
ومع نظرة الحنق في عيني والدها لجوابها ذاك قالت بضيق وهي تنزل
يديها
" لم تربني على رفض أوامرك فكيف بطلباتك لكني آسفة أبي لن أذهب
لذلك المنزل ولا أعتقد أنهم بحاجة لي "


أمسك الواقف أمامها وقد غزى الشيب رأسه خصره بيديه وقال " لم
أتخيل أن تتقاعسي عن عمل إنساني يا ساندرين وأنتي من وهبت وقتك
وحياتك لإنقاذ حتى الحيوانات الناجية من الكوارث الطبيعية ولم يكن
لعواطفكم مكان في عملكم أبدا "

اشتد الضيق في ملامحها رغم ما قال مذكرا إياها بعملها الذي صممت
منذ ثلاث سنوات وهي ابنة الرابعة عشرة أن تجعله ضمن أولوياتها
وهي تتبرع للانضمام لتلك المنضمة العالمية وإن كان عملها ضمن
نطاق محدود فقط , وهو نزل عند رغبتها ولم يعارضها شريطة أن لا
تهمل دراستها وهي أثبتت له جدارتها في كلا المجالين
قالت بحنق

" ليتصلوا بطبيبهم الخاص أو أيا كان فهم يمكنهم بإشارة من يد واحد
منهم أن يجمعوا أطباء بريستول جميعهم عند عتبة بابهم , ما يفعلونه

بي أنا ؟ "

تنهد بصبر وهو من يعرف أكثر من غيره طباع ابنته الوحيدة ومدللته
منذ صغرها

" أذكر أنك من مدة قريبة أخذت والدتك وزرتم منزلهم , ما تغير الآن
جعلك تنفري من الذهاب هناك ؟ "

رفعت حقيبتها وقالت وهي تفتش فيها " كان ذلك من أكثر من شهر أما
الآن وحتى

الله وحده يعلم متى لن أدخل ذلك المنزل ولا جثة على حمالة "

قال دون يأس

" وإن أخبرتك أنها ابنة عمهم المريضة هي التي تعاني من خطب ما
وكل ما ستفعلينه أن تكشفي عليها فقط يا ساندرين فهو عمل إنساني
تفعليه من أجل شخص عاجز يحتاجك "

رفعت نظرها له فقال مشهرا سلاحه الذي يعلم أنه يكسب به أي معركة
هي طرف فيها

" ضننت أن لي على الأقل قدر لديك وأنا أؤكد لهم أنك لن ترفضي طلبي "

تأففت ونفضت الحقيبة على السرير ثم التفتت للخزانة وبدأت بإخراج
الملابس المخصصة بمنظمة الإغاثة قائلة بحزم

" سأذهب لمنزلهم قبل ذهابي فإن جاءت سيارة المنظمة قبل

عودتي سترافقني بنفسك ليقبلوا عذر التأخير "

قال مبتسما بحنانه وتفهمه المعتاد
" ابنتي ولن تخذليني كما أعرفك , ولا تخشي شيئا بنفسي سأآخذك إن
تأخرت في العودة "

أمسكت وسطها بيديها ونظرت له بعدم رضا وهو يغادر فلم تطمئن أبدا
لابتسامة الانتصارالتي ودعها بها قبل أن يخرج , لا تفهم ما سر حبه
لتلك العائلة وموافقتهم في كل ما يريدون

وهم يُعتبرون غرباء عنهم ولا شيء يربطهم بهم سوى زوج ابنة عم
والدها المتوفاة الذي يكون شقيق زوجة سلطان الثانية ( رقية ) أي لا
حلقة وصل بينهم سوى ذاك الشاب المتغيب

عن المشهد دائما الصامت البارد الجاف كما تنعته والمدعو ( تيم )
والذي تراه لا يعترف بأي منهم وهو صلة الدم الوحيدة بين العائلتين ,
فكت يديها من وسط جسدها متأففة بحنق كارهة للذهاب هناك من
أساسه فهي من لم تحب تلك العائلة يوما .. من جدهم ذاك صاحب
النظرات القاسية المخيفة كما كانت تره منذ صغرها لزوجات ابنه
المملات عدى المرأة التي لا تراها تصلح كأُم أبدا لذاك الابن صاحب
النظرات المقززة التي تكرهها أكثر من كرهها لتصرفاته المتعمدة معها
, ونزولا لصاحب النظرة المتعالية ( نجيب ) من يشعرها في كل مرة
تراه فيها بأنها حشرة لا يجب إلا أن يدوس عليها بحدائه وهو مغاير ,
للابن الأخير والأصغر المدلل حد الإفساد وكأنه ليس ابن السابعة عشرة
, تأففت من نفسها وغيرت ملابسها سريعا

وارتدت زي المنظمة الخاص والمكون من بنطلون بلون الكريمة يبرز
ساقيها الطويلتان والنحيلتان وسترة من نفس اللون بحواف بلون
القرفة تحدها في جميع جوانبها وقد أخذت الأزرار اللون ذاته وحواف
الجيوب حيث زين إحداها بقطعة من البلاتين محفور عليها باللون
الأسود أسم وشعار المنظمة
غادرت المنزل قي سيارتها فعليها أن تذهب وترجع بسرعة وإن حالفها
الحظ كما تعتقد فلن تقابل إلا المريضة مجهولة الملامح والمرض
بالنسبة لها


*

*



أغلقت باب الحافلة المخصصة بعملها والتي أنزلتها أمام منزلهم ودخلت
مجتازة السياج الخشبي المنخفض والمطلي باللون الأبيض الذي يشكل
سورا حول حديقة المنزل الصغيرة ببابه النحاسي الجميل , وما أن
عبرت الممر الحجري القصير حتى ظهر لها شقيقها نازلاعتبات المنزل
الخشبية المصقولة يديه في جيبيه وهو يقفز تلك العتبات وتمتم مجتازا
لها وقد وقفت تنظر باستغراب لتجهمه ومروره دون أن يقف
" حمدا لله على السلامة آنسة

كنانة , والدك يريدك في مكتبه "

تنهدت بضيق تراقبه وهو يخرج من سور الحديقة للشارع وفي هذا
الوقت الذي يكون فيه نائما أغلب الأحيان ! وفهمت فورا أنه ثمة شجار
عنيف حدث بينه ووالدهما كالعادة ولازال ينتظرها دورها أيضا وهي
من تغيبت لأسبوع كامل بدلا من الأربعة أيام المقررة قبل الرحلة
الأخيرة وتعلم أن والدها لن يفهم ويتفهم عذرها إن أخبرته أن تأخرهم
كان بسبب عطل فني في الطائرة أخّر جميع رحلاتهم حتى العودة مما
أضاف يومان على جدولهم المقرر في شركة الطيران التي تعمل فيها ,
تحركت من مكانها وهمست تصعد الدرجات ببطء

" الحل الذي يريح الجميع لدي أنا وقد رضيت به "

منذ أكثر من عام وما أن أنهت دراستها الثانوية اختارت أكاديمية
مضيفات الطيران لتحقق حلمها بأن تركب أي طائرة تطير خارجة من
هنا فهي ومنذ صغرها نمى في داخلها حب غير طبيعي لوطنها الأم
ووالدها كان السبب فيه حتى كبر معها ذاك الشعور بالانتماء في

داخلها ومع مرور السنين تحول لكره للبلاد التي تعيش فيها الآن وكم
حاولت إقناع والدها بالعودة للوطن وكم تمنت ذلك كل حياتها وحلمت
به لكن محاولاتها كانت تبوء بالفشل دائما

فعائلتها اعتادوا على تلك الحياة وتأقلموا معها , وعمل والدها أو
الشخص الوحيد الذي قد يناصرها في هذا يمنعه من مجرد التفكير في
ترك البلاد لأنه كما يقول لن يجد مثله ليجد أفضل منه , وهكذا اختارت
العمل كمضيفة طيران لتطير من هنا لكل مكان ومن ضمنهم

بلادها التي بالكاد تحصل على رحلة بعد وقت طويل لتنعم وإن بأن ترى
أرض المطار فيها وتستنشق هوائها المحبب وترجع , غرست مفتاحها
في باب المنزل وفتحته ودخلت لتقابلها نفحات من هوائه الدافئ بسبب
المدفئة الحجرية التي تتوسطه , الموسيقى الهادئة والأضواء
الصفراء الخفيفة .. أجواء والدتها المعتادة , أغلقت الباب بهدوء
ووضعت حقيبتها الصغيرة والقبعة الخاصة ببذلة المضيفات فوق
الطاولة الزجاجية عند بداية الردهة
وتوجهت جهة الصالون الغربي قريبا من المدفئة التي أخذت أغلب
الجدار في تلك الجهة , ابتسمت وهي تتوجه جهة الجالسة على الأريكة
الطويلة تتكئ برأسها للخلف على مسندها , وصلت عندها وقبلت خدها
ورفعت شريحة الخيار الكبيرة المستديرة عن أحد عينيها وقالت بنعومة
مبتسمة
" مرحبا ماما "

فتحت المستلقية تحتها تضم جسدها بمعطف منزلي شتوي قصير كاشفا
ساقاها البيضاء القصيرة عينها تلك ونظرت لها تبادلها ابتسامة سريعة
ثم أخذت قطعة الخيار من بين أصابعها وأعادتها على عينها قائلة

" حمدا لله على السلامة , للحمام فورا رائحتك وقود طائرات "

ضحكت وقبلت خدها مجددا قائلة
" كنت داخل الطائرة أمي وليس بجوار المحركات "

ثم غادرت من عندها متفهمة بحب تعليق والدتها ذاك حولها فهي
مهووسة بالنظافة والترتيب منذ صغر سنها وتذكر أنها حين كانت طفلة
تحممها ثلاث مرات كحد أدنى في اليوم الواحد

وتغير لها ملابسها ما أن تصيبها بقعة صغيرة بالكاد تُرى , توجهت
بعدها لمحطتها الأخرى

وهي باب غرفة مكتب والدها , وقفت أمامه وتنفست بعمق ثم مدت
يدها لمقبضه وطرقت بيدها الأخرى طرقتين قبل أن تفتحه وتدخل
مقتربة من الجالس خلف الطاولة وقد رفع رأسه فورا من أوراقه ناظرا
لها , وقد لزمها هي أن تدور حول طاولة مكتبه قبل أن تجلس أمامه

لتقبل رأسه وتسلم عليه ولم تفتها نظرة الضيق في عينيه الذي بدأ
يتحول لغضب فور جلوسها لذلك قالت قبل أن يتحدث
" قررت ترك العمل كمضيفة "

نظر لها بصدمة لبرهة قبل أن يزحف اللين واضحا لملامحه فنظرت
ليديها في حجرها وتنهدت بحزن متمتمة
" سأعمل كموظفة في المطار ولن أركب الطائرة مجددا "

ابتسم حينها وكأنه ليس صاحب تلك الملامح المتجهمة منذ قليل والذي
كانت تجزم بأنه على استعداد لضربها على الفور , وصلها صوته هادئا

" فعلت الصواب أخيرا يا كنانة ولولا إصرارك سابقا وخوفي من أن
نخسرك وتنجرفي خلف نوع تربية الفتيات الانجليزيات وتقرري ترك
المنزل ما كنت وافقت عملك ذاك أبدا "

رفعت نظرها له فورا وقالت باستنكار
" أبي كيف تفكر بي بهذا النحو ؟؟ من قال أني قد أفعل ذلك يوما !!
أنت لم تربنا تربية الفتيات هنا , من أين أتتك هذه الأفكار ؟! "

ضرب بقلمه على الورقة قائلا
" وما غيّر قرارك فجأة وأنتي من كدت تقتلين نفسك مضربة عن الطعام
لتعملي هناك ؟ "

تنهدت باستسلام فهي تعلم أنها لن تستطيع تمويه الحقيقة ولا حجب
بعضها عنه ,
عادت بنظرها ليديها في حجرها وقالت

" عالمهم مختلف عنا أبي , حفلاتهم الليلية في الأماكن التي نستقر
فيها ليلا , فنادقهم ينامون فيها في غرف مشتركة ولا يحق لأحد
الاعتراض , حتى النزهات لا تفتقر للمخالفات التي يرونها عادية جدا ,
وأمور كثيرة غيرها ضننت أنها ستتغير مع الوقت أو أعتاد على
الابتعاد عنها بكل الطرق ولكنــ..... "

قاطعها بنبرة مشككة " هل تعرض لك أحدهم يا كنانة ؟ "

نظرت له فورا وقالت مندفعة " أبدا هم يعلمون أني مسلمة وأنه في
ديننا حدود وضوابط كثيرة "

وأبعدت نظرها عنه مجددا متابعة
" ثم هم كما تعرفهم لا يحبون إجبار المرأة على ما لا تريد وتوافقه من
نفسها "

وصلها صوت تنهده الواضح وقال بهدوء

" كنت أعلم أن هذه ستكون النتيجة وأنك لن تستطيعي الاستمرار في
ذاك العمل يا كنانة وستتركينه من نفسك لكني خشيت حقا من أن
يجرفك التياروتخوني توقعاتي وأخسرك بسبب أي شاب طائش لذلك
عارضت الفكرة منذ البداية ثم وتحت إصرار منك ومن والدتك تركتك
تكتشفين صعوبات الأمر وحدك واضعا كامل ثقتي في تربيتي لك وأنك
ستحكّمين عقلك نهاية الأمر "

نظرت له بأسى وهمست

" لو كنا في بلادنا لكان الأمر مختلف أليس كذلك ؟ لكانت رحلاتهم
غير هذا كله "

أومأ برأسه موافقا دون أن يعلق فقالت بكآبة

" ألا أمل أن نرجع لها يوما أبي ؟ ألست منذ سنوات لم تعد مطاردا من
آل راكان وانتهت مشاكل الهازان ؟ حتى عمي شاهر يبدوا مثلك اختار
البقاء هنا لباقي حياته ولا فرصة للرجوع هناك أبدا ولا معه "

قال مبتسما " وهل تتركينا وتذهبي معه إن فعلها ؟ "

قالت من فورها " أجل ومن يحبني ويريدني فليلحق بنا هناك "

غلبته ضحكة رجولية خشنة ملئت المكتب الصغير حولهما وقال

" ما علمته من والدتك أنه ثمة من تريد خطبتك لابنها هناك فالمسألة محلولة إذا "

نظرت لساقيها في الأسفل بحياء متمتمة
" والدتي تستبق الأمور وتهولها , تلك المرأة لم تتحدث عن أي شيء
رسمي حتى الآن "

ثم وقفت قائلة

" سأذهب لغرفتي لأستحم وأنام , هل تريد شيئا ؟ "

قال مبتسما

" اذهبي ونامي فوالدتك بالتأكيد لن ترحمك باقي اليوم من أعمال

التنظيف المكثف المعتاد للمنزل "

ضحكا معا ثم توجهت نحوه قبلت رأسه مجددا وغادرت من عنده


*

*


سار في منتصف الممر بخطواته الثابتة القوية والواسعة متقدما عليهم
كعادته وكما عرفوه دائما شخصية مستقلة بنفسها وكأن جميع ما حوله
لا يمت له بصلة ويُشعر كل من يراه بأنه لا يحتاج لأي أحد في أي
شيء وكأنه ولد ونشأ وتكون في عالم لم يعرف فيه أحداً غير نفسه
رغم أن حديثهم في الخلف كان عنه تحديداً في المهمة الأخيرة التي
وكلت لهم والتي سافروا لأميال من أجلها , كان أحدهم يقلد بأصابعه
سلاح يدوي يصوبه مغمضا إحدى عينيه

ومصدرا صوتا لرصاصة وهمية موجهة لرأس السائر أمامهم
" بوووم ..... لقد أصابه من على بعد مئة متر وبمسدس عادي !! لم
أصدق عيناي وأنا أراه يسقط مكانه

لقد جعلت الكولونيل ( جايرو ) يفقد ثقته فينا جميعا يا تيم "

وقف عند باب غرفته متجاهلا تعليقات أفراد الفريق من خلفه وقد باتوا
مجتمعين في ممر غرفهم في الفندق متمسكا بصمته وبروده الدائمين
وقد خدمه هذا الصيت طوال السنوات الماضية حتى أصبح مضرب مثل
في التحكم في النفس والثبات والسيطرة على الأعصاب في أسوأ وأشد
الحالات التي واجهتهم حتى أصبح مؤخرا توكل له بعض المهام
خصيصا واستثنائيا , أدخل البطاقة وفتح باب غرفته ودخلها تاركا
الأحاديث والضحك خلفه حيث ينشطر أولئك الشبان عن شخصياتهم
الصلبة التي يُعرفون بها في مهامهم الصعبة والخطرة تلك لينتقلوا
لعالمهم الآخر المفعم بالمرح والترويح عن النفس كما يسمونه ,

وقف مكانه ويده

لازالت تغلق الباب خلف جسده بهدوء وهو ينظر للتي تجلس بأريحية
على السرير الفردي

الوحيد الموجود في الغرفة بملاءاته البيضاء النظيفة والأغطية
القرمزية السميكة الفاخرة

تضع ساق على الأخرى وتلعب بها في الهواء وقد ارتفع فستانها القصير لأعلى فخذيها الثلجيان المستديران تبرم خصلة من شعرها
الأحمر الكرزي على أصبعها وتنظر له مبتسمة ,
فرقعت بالون علكة كانت تمضغها وحدقتاها الزرقاء الغامقة بدأت
بمسح تفاصيل جسده الطويل المليء بالعضلات في بنطلونه العسكري
والحذاء الجلدي الأسود الطويل والقميص القطني الضيق بأكمامه
القصيرة حيث أن السترة كان ممسكا بها في يده

تنقلت نظراتها عليه نزولا وكأنها تعريه من ملابسه بكل جرأة في نظرة
كانت كفيلة بإشعال أي رجل إلا الواقف أمامها هناك وهذا ما تعرفه هي
جيدا فما أن رفعت نظرها له مجددا حتى انتقل ليده التي رمت البطاقة
جانبا ودون أن ينظر للمكان الذي اختاره لها لتسقط مباشرة في

سلة المهملات الموجودة في الزاوية القريبة ودون أن تخطئ هدفها
لتسقط في المنتصف تماما

عادت بنظرها له وفرقعت بالوناً آخر من علكتها وأرسلت له قبلة في
الهواء قائلة بابتسامة

" لم يكن الأمر يحتاج لأن تثبت لي ما أعرفه جيدا عن كفاءتك كقناص
فلما رميتها ووحدها وسيلتك للدخول هنا ؟ "

وعادت تسبح بنظراتها على جسده الذي وتر تنفسها هذه المرة وبشكل
واضح وهي تهمس
" أم قررت أننا لن نخرج من هنا بعد الآن "

أدار يده للباب مجددا ونظراته الثابتة الباردة لم تفارق ملامحها وفتحه
ببطء قائلا بجمود

" بل لا حاجة لي بها ولهذا الفندق الوضيع الذي لا يحترم خصوصية
نزلائه "

قفزت من السرير فورا حين فهمت أنه سيغادر الغرفة بل والفندق
بأكمله ولن يرجع له

وصلت عنده في لمح البصر ما أن استدار بقدم واحدة ليخرج وأمسكت
عضلة ذراعه التي احتاجت ليديها الاثنتين ليحيطانها بالكامل لتوقفه
وقالت برجاء

" لا تغضب هكذا تيموتي فما كانوا ليعطوا البطاقة لأي شخص فلا
تنسى من أكون "

نظر لعينيها نظرة سوداء جامدة باردة لم تعبر سوى عن رفضه لكل ما
يجري لكنها لم تكترث لها وكأنها تعشق ذلك وتبحث عنه وفيه هو
تحديدا فقد رفعت جسدها على رؤوس أصابعها وقبلت خده هامسة

" وهذا اعتذار مني لك , ولعلمك فقط أنت أول من أعتذر منه "

سحب ذراعه منها في حركة بطيئة جعلتها تتركها طوعا وهو يعلم أنها
رغم كل ما يحدث الآن هي عاشت وتربت في حياة راقية سترفض أن
تهان أو تُجرح كرامتها وأنها تفهم الإشارات جيدا

لكن ذاك الأمل لم يكلل بالنجاح المطلق حين تحركت لتقف أمامه مباشرة
وبينه وبين الباب الشبه مفتوح ورفعت يدها لصدره وداعبت بأطراف
أصابعها قميصه المشدود عليه ونظرها عليهم ثم دنت بجسدها منه
حتى بات يشعر بأنفاسها على بشرته ورفعت نظرها له وهمست تنظر

لعينيه برغبة متأججة

" سأسلمك البطاقة أيضا فقط لا تغادر تيم أرجوك "

شد قبضتيه القويتان حتى سمع صوت انزلاق بشرتهما المتعرقة وأبعد نظره عنها جانبا

لا يعرف من أي مصيبة جاءته هذه المنحلة أخلاقيا وهو من ضن أنه
سخر منها وهو يترك لندن وموعدهما المزعوم ولم يتخيل أن تلحق به
وتعرف حتى الفندق الذي سينزلون فيه ! ولم يكن يتخيل أيضا أن تلك
المهمة ستخلف له هذه المرأة التي عاشت وتعلمت أن كل ما تريده

تحصل عليه وها قد أصبح هو ضمن تلك الأشياء السخيفة , رفع يده
قبل أن يفقد فعلا السيطرة على نفسه فإما أن يضربها على الجدر
محطما رأسها أو يرميها على ذاك السرير ويعلمها درسا

لن يخرج منه أحد نادما إلا هو , أبعد يدها بقوة هذه المرة وسحبها
خلفه وتحرك ليغادر لكنها

كانت أعند منه فلم تترك له المجال ليخرج وقد أحاطت هذه المرة
خصره بذراعيها وهمست من خلف أذنه

" حسنا فهمت الرسالة تيموتي لكننا سنلتقي في الأسفل وقت
نزولكم جميعا هناك حسنا ؟ "

شد على أسنانه بغضب وهو يشعر بشفتيها وقبلتها الرقيقة على بشرة
عنقه وابتعدت ذراعاها عن جسده ببطء متعمد وسمع صوت خطوات
كعب حذائها وهي تتجه حيث تركت حقيبة يدها

وعادت جهة الباب ووضعت البطاقة التي بحوزتها في المكان
المخصص لها وغادرت بخطوات ثابتة واثقة وكأنها تخرج من غرفتها
الخاصة

*

*



نظر لساعته مجددا وتحرك من مكانه حتى وصل نافذة الردهة أزاح
الستار السميك عنها بيده بقوة فظهر له الجزء الأمامي من الحديقة
وعلم فورا أنها ذات النافذة التي رأى منها ذاك الخيال في تلك الليلة
ولن يكون لغيرها أبدا ولازال لا يفهم حتى الآن سبب وقوفها
هنا ذاك الوقت تحديدا , مرر أصابعه في شعره ودار للخلف واتكأ
بظهره على النافذة ثم نظر لساعته مجددا ثم لباب الغرفة الموصد , لا
يعلم ما تفعله تلك الفتاة هناك حتى الآن

فلم يخرج أحد ولم يصدر أي صوت من أي نوع كان وأعصابه لم تعد
تحتمل المزيد من الضغط ولا ينقصه الآن إلا أن يرى نجيب أمامه
مجددا ليفرغ باقي غضبه فيه فلم ينفس عنه بعد ويشعر بأن أعصابه
تتآكل ببطء , عاد وشغل أفكاره بتفاصيل المكان حوله كي لا يفكر أكثر
في هذا الموضوع لأنه يعلم جيدا إلى أين سيوصله , نظر لساعته
مجددا وتأفف بضيق لحظة ما انفتح باب الجناح ودخل منه رواح في
حركة واحدة مغلقا له خلفه

ويده الأخرى ترتب أصابعها خصلات شعره التي لازالت متأثرة من
تقلبه المعتاد في نومه وهو يصارع الوسائد والأغطية مخلفا ورائه في
كل مرة سرير تعمه الفوضى

نظر جهة باب الغرفة وقال " لم تخرج بعد ؟ "

تمتم وقاص مكتفا يديه لصدره " إلا إن كانت قفزت من النافذة "

ضحك رواح مقتربا منه وقد وقع اختياره على الأريكة وجلس على
حافة مسندها وقدميه فوقها يستند بمرفقيه على ركبتيه وقال وقاص
ونظره عليه

" ظننتك غادرت المنزل أو عدت للنوم "

قال بابتسامة مائلة " بل ابتعدت عن هذا المكان لبعض الوقت أو كنا
خسرنا تلك الطبيبة الفاشلة التي كانت ستغادر ما أن تراني لأني بالتأكيد
لن أمسك لساني الجميل عنها "

نظر لوجهه الذي بالكاد يظهر له القليل منه وقال ببرود " وما بك مع
تلك الفتاة ؟

ضننت أنك كبرت جديا على تلك الحركات الصبيانية يا رواح "

رفع جسده وشبك أصابعه عند مؤخرة عنقه وقال بضحكة صغيرة
" لذيذة يا رجل هي تحديدا لذيذة وممتعة حد الجنون "

هز رأسه بيأس منه وهمس " لا أمل يرجى منك أبدا ولن تتغير "

قفز من الأريكة ووقف بجانبه قائلا ببرود
" اترك نصائحك التربوية جانبا رجاءا "

لم يعلق ورن هاتفه فأخرجه ونظر للمتصل وأعاده لجيبه دون أن يجيب
على نظرات الواقف بجانبه قبل أن ينقلها لوجهه وهو يقول بهدوء
" أمازلت تعرف تلك الفتاة ؟ "

لم يجبه ولم ينظر ناحيته فتنهد رواح متمتما
" لا وتتصل بك في هذا الوقت !

وينصحني وينسى نفسه ؟ "

تجاهله ولم يعلق أيضا ونظرا كليهما لباب الغرفة الذي انفتح أخيرا
وللخارجة منه منشغلة

بتثبيت حقيبتها على كتفها وقد وقفت مكانها ولوت شفتيها الرقيقتان ما
أن وقع نظرها على

الواقف بجانب الذي وجدته وحده حين دخلت وضنت أن الحظ ابتسم لها
ولن تراه , أبعدت نظرها سريعا عن عينيه وعن نظرته المعتادة لها
وكأنها قطعة مثلجات فاخرة خلف زجاج متجر تلسعه حرارة الصيف
الملتهبة , شدت قبضتاها وقالت بضيق ونظرها على وقاص

" ما هذا الإجرام ! من الذي فعل كل هذا بحق الله ؟ كنت أظن أنكم
عائلة متوحشة والآن تأكدت "

نفخ رواح الهواء من فمه وكأنه صُدم من كلامها وقال وقاص متجاهلا
أسئلتها وشتمها لهم بالإجماع " ما حالتها ؟ "

ابتسمت بسخرية وتحركت من مكانها قائلة
" لن تموت إن لم تأخذوها للمستشفى يا سيادة نائب المدعي العام إن
كان هذا ما يقلقكم "

ووقفت في منتصف الطريق ونظرت لهما وقالت باشمئزاز
" اقسم أنها جريمة مستواها الصحف والمجلات ولولا عمتي رقية
لكنت أوصلت الأمر لذاك المنحى , فلا تدخلوني مجددا في أموركم
المشينة لأني قسما سأفعلها "

تنفس وقاص بقوة ونظر جانبا ولم يعلق فهو أكثر من يرى أنه معها
حق في كل ما تقول وفي أن توجه اتهامها وسبها للجميع دون استثناء
أما الواقف بجانبه فكان له رأي آخر ولم يستطع إمساك لسانه عنها
ككل مرة فدس يديه في جيبي بنطلون بيجامته الذي لازال يلبسه وحده
مع قميص قطني داخلي وقال مبتسما ونظره على عينيها المحتقنة
بالغضب والاحتقار
" رفقا بنايا متحولة فكلانا لسنا السبب فيما حدث لها أم أن السواد
اختلطت عندك في جميع الألوان "

واتسعت ابتسامته وهو يرى الغضب يتأجج أكثر في عينيها بسوادهما
الاصطناعي , عض طرف شفته متعمدا ثم أرسل لها قبلة صامتة في
الهواء لم تزدها إلا اشتعالا متجاهلا همس وقاص من بين أسنانه

" اترك الفتاة وشأنها يا طفل "

وكما توقع جاء ردها سريعا وهي تمسك وسطها بيدها
" لا أتعس من الموجودة في الداخل إلا التي ستتزوجك أنت يا أحقر مخـــ.... "

وبترت جملتها حين خلع قميصه القطني بحركة واحدة سريعة كاشفا
بذلك عضلات صدره العاري وهددها بخطوة واحدة واسعة قائلا

" تعالي لأريك ما الحياة التي تنتظرها "

ولم يريا بعدها إلا الباب الذي صفقته خلفها راكضة وفارة من هناك بعد
نظرتها المفزوعة

له ولم يبقى في المكان سوى ضحك رواح المرتفع الذي توقف ما أن
نظر لوقاص وهو يتجه لباب الغرفة المغلق قائلا بضيق
" لعلمك فقط سأقف معها إن جاءت تقدم شكوى تحرش ضدك قريبا يا
وقح "

لحق به سريعا وأمسك يده قبل أن تدير مقبض الباب وقبض عليها بقوة
وهمس ناظرا لعينيه التي تنظر له بضيق
" وقاص ما بك هذه ليست غرفة زوجتك , قد يكون جسد
الفتاة لازال مكشوفا "

رمى يده عنه بعنف دون أن يعلق وغادر من هناك ومقصده باب الجناح
الذي ضربه للداخل بقوة وخرج تاركا إياه بعده مفتوحاً على اتساعه
فحرك رواح رأسه بيأس وخرج أيضا يلبس قميصه الذي نزعه منذ
قليل



*

*



لم تستطع تصديق ما سمعته منها وكادت أن تتهمها بالكذب علانية
ولولا أنها تحدثها في الهاتف

وليست أمامها الآن لكانت طلبت لها الإسعاف فورا من شحوب ملامحها
, أنهت الاتصال معها

واتصلت فورا بمن ستجد لديه الجواب الأكيد عن كل ما سمعته الآن ,
عاود الرنين وتكرر

مرات عدة قبل أن يفتح الخط ويصلها الصوت الرجولي المرتخي ببحته
الخفيفة

" نعم يا غيسانة "

قالت من فورها " هل صحيح ألغيت بطاقتي المصرفية ؟ "

أتاها رده سريعا " أجل "

شعرت بعقلها سيطير من مكانه وحافظت على هدوئها بصعوبة خشية
غضبه الذي تعرفه جيدا حال إتباع أسلوب الحدة معه " لماذا يا مطر ؟
أنا أستخدمها منذ أعوام وحسب شروطك وقوانينك ولم أخالفها أبدا "

قال من فوره " أنا أجمع جميع مستحقاتي هنا وسأغادر البلاد حسب
علمك على ما أعتقد وسحبت جميع أرصدتي المصرفية أيضا تحسبا
لأي مشكلة قد تواجه أشخاصا هنا بعدي حال اكتشف أحدهم هويتي
المزورة بعد رجوعي للوطن "

قالت بنفاد صبر " حسنا وما علاقة كل هذا بي ؟ يمكنك ترك بعض
المال من أجلي أو تحويله من هناك "

وصلها صوته باردا وكأنه يرميها بلغم أرضي " لأن خطيبك هو من
سيتكفل بكل ما يخصك وأنا انتهى دوري هنا "

لم تستطع إمساك شهقة الصدمة التي خرجت رغما عنها فهي اعتقدت
أن اختفائه المدة الماضية بعد دفعها له في المسبح معناه أنه اختفى من
عالمها أخيرا ولن تره أو تسمع اسمه مجددا , هبت واقفة على قدميها
صائحة باستنكار
" ما هذا الذي تقوله يا مطر !!

بأي صفة يتكفل ذاك الرجل بمصاريفي "

أتاها رده سريعا وحازما " بصفة أنه سيكون زوجك قريبا وبأني لن
أستطيع ترك أي دليل خلفي هنا وأعتقد أنك لا يمكنك إعالة نفسك يا
غيسانة والتاريخ يشهد "

قالت بضيق " أنت شقيقي وتعيرني ! ماذا تركت لذاك الهمجي ؟ ثم
اسأل نفسك عن السبب وأنت من رفضت جميع الفرص التي أتيحت لي
للعمل وأصررت على أن لا آخذ الجنسية البريطانية "

وصلها صوته باردا عكس اشتعالها " لا تتحججي بي فلم تأتي بوظيفة
يقبلها عقل ولا منطق, ثم أنتي التي فشلت في الدراسة مرارا وليس أنا "

ارتمت على الأريكة جالسة عليها مجددا وقالت
" وهل بلّغت سيادته ووافق ؟

مطر ليس من العقل هذا الذي تقوله وتفعله "

قال من فوره " ما لا تعلميه أنتي أن شاهر يملك مالا أكثر مني ولن
يؤثر فيه ما سيدفعه لك وهو بنفسه اقترح هذا حين كنا نناقش وعمي
دجى عقبات سفرنا من هنا , وإن لم يعجبك هذا فلا حل عندي غير أن
ترجعي معي للوطن "

حركت رأسها برفض وكأنه يراها فآخر ما قد تفكر فيه أو توافق عليه
هو ترك هذه البلاد

ورغم جميع القيود التي وضعها عليها شقيقها وقد ازدادت منذ هاجر
وعاش هنا لكنها لم تفكريوما ولا مجرد فكرة في خيالها أن تغادر بلدها
هذا وأن تعيش بعيدا عنه ولا تحت أي ظرفٍ كان , لكنها رغم كل ذلك
لا تنكر أنها فشلت كثيرا واتكلت على ما يدفعه لها مطر وبسخاء ولم
تفكر يوما أن تكون في موقف كهذا ولن تجد شقيقها معها ولا ماله , لا
شهادة تعمل بها ولا

خبرة ولا أي شيء فلن يتم قبولها في أي وضيفة مهما كانت وضيعة
ولن يقبل شقيقها بها على أي حال وإن كان لم يعد يعيش هنا فهي تعلم
نفوذه جيدا ومن ترك خلفه أيضا ,
قال حين طال الصمت بينهما
" والشقة التي تعيشين فيها سأبيعها أيضا فلا أريد عقارات باسمي هنا
تحسبا لأي طارئ "

صاحت هذه المرة وبحدة " لا هكذا لم يعد الأمر مجرد احتياطات يا مطر بل تعجيز لي , هل تريد رميي في الشارع أيضا ؟ "

لم تستغرب اللهجة الصارمة له وهو يقول بحزم " آخر مرة هذه التي
يرتفع فيها صوتك علي يا غيسانة , أخبرتك الحل البديل لكل هذا
والخيار لك "

شدت جبينها بقوة وكادت دموعها أن تتفجر من عينيها غضبا وحسرة
, تعلم كما يعلم هوأنه يحاصرها بكل هذا وأنها لن تختار ذاك الخيار أبدا
ولن تسافر معه , همست برجاء مكسور وفي محاولة أخيرة منها
" مطر أنت لن تتركني في رحمة ذاك الرجل ؟ لن
ترضاها لشقيقتك كما لا ترضاها لنفسك "

كانت تعلم أن سلاح الاستجداء والتعطف لا يجدي معه بتاتا كما عرفته
سنين حياتها وأن محاولتها ستكلل بالفشل لكنه سلاحها الأخير وكان
عليها تجربته , وصلها صوته الجاد

بعد صمت لحظة " شاهر لم يعد رجلا غريبا لكي يمن عليك بشيء من
عنده وأنت ستصبحين زوجته قريبا , ثم هو من اشترى الشقة مني
ولن تخرجي منها حاليا "

وختم المكالمة بكلمة وداعا دون أن يترك لها المجال للرد تاركا يدها
والهاتف على أذنها والأخرى معلقة في الجو مستعدة للتحرك تباعا مع
ما كانت ستقوله , رمت الهاتف بعيدا

وأمسكت رأسها بيدها تنظر للأرض بضياع تغرس أصابها خلال شعرها
المموج الكثيف الذي غطى ظهرها وذراعيها العاريان تتنفس بقوة
وغضب ورفض لوضعها الذي وجدت نفسها فيه منذ عرفت ذاك الشقيق
الذي عرف كيف يسيرها كيفما يريد وإن لم يكن فرض عليها لا ديانتهم
ولا أن تغادر بلاد والدتها لكنه فرض عليها جميع ما تربى عليه
وبالنسبة لها ذاك يعد أشد من أن تفعله عن اقتناع حين تعتنق دينهم ,
لا تتخيل أن عليها أن تطلب المال من ذاك الرجل كلما احتاجت شيئا إن
لم يرضى أن يضع لها مبلغا كبيرا في حسابها من فترة لأخرى كما كان
يفعل شقيقها ! هذا أمر فوق طاقتها ولم تحسب له أي حساب

وقفت ودخلت الغرفة القريبة منها وضربت بابها بقوة فقفز الجسد النائم
على السرير بسلام ووصلها الصوت الأنثوي المرتخي مستغربا "
جيسي ما بك ! لقد أفزعتني "

أمسكت وسطها بيديها تنظر لها بحنق وهي تفرك عيناها وتحاول
ترتيب شعرها المبعثربسبب النوم وتثاءبت قائلة " ما جاء بك لغرفتي
هذا الوقت المبكر ؟ "

" لم تعد غرفتك ولا الشقة شقتي ... بح ضاع كل شيء "

فتحت تلك عيناها على اتساعها ووقفت خارج السرير في حركة واحدة
وقالت بصدمة

" لم تعد شقتك !! "
وتابعت بذعر " قولي أنها مزحة جيسي أرجوك ؟ "

لكنها لم تنكر ذلك بل لوحت بيدها وتأففت قائلة " وما المميز في عيشك
في هذه الشقة

حتى صديقك لا يمكنك جلبه إلى هنا بسبب أوامر صاحب المكان ولا أحد
يزورنا

غير الفتيات والعجائز , أنتي في غنى عن مكان بائس كهذا "

انهارت على السرير مجددا وقالت بنبرة استعطاف ونظرها معلق
بالواقفة عند باب الغرفة المغلق " لكنها المكان الوحيد الذي لدي جيسي
وأنتي تعلمين ذلك جيدا وبكل عيوب القوانين المفروضة عليا كرفيقة لك
فيها فهي شقة مرفهة لن أحلم بالعيش في مثلها ما حييت , يجب أن
يكون ثمة حل لكل هذا , هو لن يرميك في الشارع أليس كذلك ؟ أريد أن
أكون معك جيسي حيث تذهبين , أخبريه بأني لن أتركك وأني
موافقة على جميع شروطه وإن طلب مني أن أقطـ..... "

قاطعتها باستياء وهي تتفتح باب الغرفة وتغادرها مجددا " لن تُجدي
تنازلاتك في شيء و ما أتعسني من امرأة لم يعرف التاريخ مثلها "
ولم يكن هربها من مواجهة واقع ما تسمعه منها إلا لأنها وهي في
الأمر سواء وأنه لا مكان لها غير هذا مهما قست ظروف عيشها فيه
وعليها بكل بساطة أن ترضخ


*

*


دخل الغرفة وأغلق الباب خلفه ووقف عليه فنظر له الجالس متكئ
بظهره على السرير إحدى يديه خلف رأسه والأخرى يمسك بها كتابا
كُتب على غلافه بالأسود العريض


(aircraft technical ) وقد أنزله على فخذيه ما أن رآه
وتمتم ببرود

" ما سر هذه الزيارة المباغتة ؟ "

لوح أبان بيده متشدقا ببرود مماثل " مهلك علينا سيادة الكابتن طيار
غيهم أيوب بلال الشعاب فلست هنا لاغتيالك "

حرك رأسه بيأس منه وعاد بنظره للكتاب الذي رفعه مجددا فاقترب منه
واستله من يده ونظر لصفحته التي لم تكن تحوي حرفا عربيا ثم رماه
جانبا قائلا
" ثمة موضوع مهم علينا التحدث فيه فنتائجه مصيرية لكلينا "

وضع غيهم يده الأخرى خلف رأسه أيضا فارتفع بذلك قميصه حتى حف
حزام بنطلونه الرياضي وبرزت بذلك عضلات معدته القوية وذراعيه
وكتفيه العريضان
وضع ساق على الأخرى متمتما ببروده ذاته
" مادمت أدخلت أنفك فيه فلن ينتهي بسلام أبداً "

كتف يديه لصدره وقال بضيق
" لعلمك فقط أنا لم ادخل أنفي فيه بل أنت من فعلها حينأخبرت والدتك
أنك لن توافق على الزواج حتى أوافق أنا وورطتني معك "

قال بسخرية " ورطتك في ماذا يا ذكي والورطة أنت فيها منذ البداية "

جلس أمامه على سريره الواسع وقال
" أتركنا من كل هذا ولنبحث لهذه المشكلة عن حل قبل أن تقع على
رأسينا فلك أن تتخيل المسئوليات المترتبة على الزواج ولسنا

في بابه يا رجل "

فك يديه من خلف رأسه وقال " أنت تدخل حرب خاسرة يا أبان أو أنك
لا تعرف والدتك جيدا "

وتابع بسخرية " جعلتني أدخل أكاديمية الطيران رغما عن أنفي فلن
أستبعد أن تفعل الأيسر منها فأخرجها من رأسك وافعل ما تريد بطيب
نفس خيرا لك من حصد النتائج "

تأفف في وجهه وقال بضيق " لا تغلقها هكذا يا رجل وتعلن هزيمتك
سريعا فيبدوا أني وجدت الحل فعلا بما أن زواجك مرتبط بي فسأتصدق
بها عليك وأمري لله "

قال بجدية " أبان لا تتعب نفسك وتغضبها منك فالنتائج لن تعجبك
صدقني "

قال باهتمام متجاهلا ما يقول " اسمع لا تقارن دراستك للطيران بكل
هذا فالأمران ليسا سيان , الطيران ليس امرأة مزعجة تريد كل شيء
لها وأولهم أنت , وليس أطفال يتبعونك في الشارع كفراخ البط وأنت لم
تبني مستقبلك بعد فلا تصبح تفكر إلا في كم بيضة فقست وما ستفعل
من أجلهم وستكرس حياتك كلها لتربيتهم , هذا غير ( أين أنت يا غيهم
؟ متى تعود ؟ أين ذهبت عد حالا , ابنك مريض ابنتك تبكي والدتك قالت
وفعلت وشقيقتك تضايقني .... "

قطع كلماته ضاربا له بالوسادة على وجهه قائلا بضيق " يكفي لا
ينقصني وجع رأس فهو سينفجر من دون ترهاتك "

رماه أبان بالوسادة التي سقطت في حجره قائلا " يبدوا أعجبتك
العروس إذاً ؟ "

رفع كتابه مجددا وقال بلامبالاة وهو يقلب الصفحات ليصل للصفحة
التي كان يقرأ فيها

" ما أسخفك يا رجل , ومن أين سأراها وهي لا تعيش هنا والتقت
والدتك بعائلتهم حين زارت ووالدك برلين بداية العام ويبدوا أنها
برؤيتها لها دخلت تلك الفكرة السيئة لرأسها "

قال أبان مستغربا " ما هذا يا غيهم كيف توافق وأنت لا تعرفها ولن
تراها ولست تعلم حتى عن أطباعها وتربيتها !!! أنصحك أن تسافر
وتعاين العينة بنفسك قبل أن تتورط أو ارفضها لتبحث لك عن غيرها "

وصل للصفحة المطلوبة وتبثها بكف يده قائلا بسخرية " هل تعلم ما
نتيجة رفضي لها يا ذكي ؟ تتزوجها أنت لأنها الخيار الذي لا نقاش فيه "

شهق في وجهه قائلا بصدمة " ويحك ما هذا الهراء ؟! "

نظر له وقال " اسألها بنفسك وانتظر فلديها المزيد "

صفق له قائلا " هيه اسمع خطتي ناجحة وسترى ولن يتزوجها أيا منا "

نظر له بصمت ليتابع رغم شكه في أفكاره الغبية دائما كما يراها وتابع
أبان بحماس

" آخر جولة لها طلبت أن أختار بنفسي وأعطتني أسبوعا لأفعلها حين
أخبرتها أن التي اختارتها لي لم تعجبني لذلك الحل لدي وسهل جدا بما
أني من سأختار "

تمتم غيهم " وهو ؟ "

قال أبان مبتسما " هو أن لصديقي يمان شقيقة عمرها ثلاثة عشرة
عاما وما سأفعله أني

سأخبرها بأنها الفتاة التي تعجبني وأريدها وكنت أنتظر حتى تكبر قليلا
بعد وأني لا أريد غيرها ولن أتزوج أبداً إن لم تكن زوجتي وبذلك
سنؤجل الأمر لبضعة أعوام ثم لكل حادث حديث , وسنكون وقتها
مستعدين للزواج وكيفما وبمن نريد "

نظر له بشك لوقت ثم قال " وإن قالت تزوجها الآن ؟ "

قال من فوره " مستحيل إنها في عمر شقيقتك بثينه فهل لك أن تتخيل
أن يزوجوها

أو أن ترضى والدتي بذلك ؟ أنا أضمن لك أن هذا لن يحدث أبداً "

أبعد كتابه ونظر له بتفكير لوقت ثم قال " وماذا إن استثنتك أنت من
مشروعها هذا

وبقيت أنا فالعروس كما قالت في العشرين من عمرها الآن "

حرك رأسه بالنفي قائلا " لا تطعها يا رجل وابق على رأيك
لما أبان لا "

عاد لكتابه قائلا " حضا موفقا إذاً رغم أني أجزم بفشل مخططك "

غادر سريره وتوجه جهة الباب متمتما بضيق " الحق علي أتحدث مع
كثلة جليد مثلك , لكنك المستفاد في جميع الأحوال وأنا من عليه إيجاد
الحلول "

*

*

وقف عند مدخل الباب الواسع لتستقبله فورا رائحة العطور المختلفة
والممتزجة مع رائحة التبغ والمشروبات الكحولية وأصوات الضحك
والأحاديث المتداخلة تتخللها أنغام موسيقية هادئة توحي بالعزلة رغم
ازدحام المكان , يكره التواجد في مثل هذه الأمكنة وكان حريصا على
أن يتجنبها أغلب الأحيان لكن هذه المرة عليه أن يكون هنا قبل أن
تكون تلك الفتاة في غرفته مجددا , تقدم خطوتين فقط للداخل ولم يحتج
الأمر منه أن يبحث في أرجاء المكان الواسع ولا حتى بأن يدير حدقتيه
فيه فقد اجتاز ذاك الصوت الأنثوي المرتفع
الصخب في المكان الشبه هادئ حيث أن أغلب المتواجدين فيه ينتمون
لأعضاء تلك المجموعة اللذين يطاردهم النظام القاسي وصولا للدماء
التي تجري في عروقهم

" تيــــــم "

تكرر صدى صوتها مجددا وهي تقترب من مكان وقوفه عند الباب
ملوحة بيدها وهو يبدوا لم يفكر بعد في التقدم نحوها , يديه في جيبي
بنطلون بذلته الرسمية السوداء ونظره جمد عليها وهي تقترب محركة
رأسها وشعرها الأحمر القصير يتراقص مع حركتها وهي
تقول شيئا لم يفهمه ولم يهتم له , تتراقص الابتسامة على شفتيها وهي
تقترب حتى وصلت عنده وأمسكت بمرفقه وحضنته بذراعها وسحبته
معها للداخل قائلة بابتسامة ونظرها على ملامحه

" تأخرت حتى كنت سأسأل عنك في غرفتك إن لم تدخل الآن "

لم يعلق ووصلت به للطاولة الطويلة حيث السقاة وجمع كبير من
الجالسين حولها فاستل ذراعه منها والتقت أصابعه حول مرفقها
ودفعها من هناك قائلا ببرود وهو يسير بها مبتعدين
" لا أحب الجلوس هنا , دعينا نختار مكاناً متطرفا فقد لا تفضلي أن
يسمع من تجمعوا هناك حديثنا "

لعبت بخصلات غرتها ونظراتها لم تفارق وجهه قائلة بضحكة
" معك حق لن يعجبني تطفلهم أبدا "

وتابعت وهي تجلس على الكرسي الذي سحبه لها
" خاصة أن الجميع تقريبا يتحدث عن خروجي من غرفتك اليوم
والبعض لمح عن علاقة ما بيننا "

سحب الكرسي المقابل لها وجلس عليه مشيرا بيده بالرفض للنادل الذي
كان يقدم لهما المشروب بينما أخذت الجالسة أمامه كأسا لها وقالت
مبتسمة ترفع كأسها له
" لما لاتحتسي بعض الشراب احتفالا بانتهاء مهمتكم اليوم كما يفعل
البقية هنا ؟ "

كتف يديه لصدره وسند ظهره لظهر الكرسي رافعا ذقنه للأعلى قليلا
معززا بذلك أكثر ثقته في نفسه واستقلاليته في كل شيء مما جعل ذلك
الجالسة أمامه تسند ذقنها الصغير بكف يدها وتنظر له مبتسمة وهي
تهمس ونظرها على عينيه

" أنت الشاب الأكثر وسامة الليلة تيموثي

الفتيات يحسدنني عليك كما الشبان وهم يتمنون مرافقتي شخصيا "

حرك زاوية وجهه قليلا وقال بكثير من التحفظ
" شكرا لكني لا أهتم "

أبعدت ذقنها وخرجت منها ضحكة صغيرة ورشفت من كوبها مجددا
وقالت وهي تحركه بجانب وجهها
" بأيهما تحديدا لا تهتم أيها الرجل العنيد الصعب ؟ "

وتابعت دون أن تكترث إن كان سيعلق أم لا
" أعلم دون أن تشرح لي يا تيم "

وتابعت وهي تضع كأسها
" دمائك اليونانية هي ما تتحكم بك .. الجميع يتحدث عن
ذلك وعن أنك ترفض العلاقات العابرة مع النساء كما يفعل أسلافك "

ثم ضمت يديها تحت ذقنها وابتسمت وهي تبحر في عينيه قائلة
" أعشق وفائكم الفريد من نوعه تيموثي خاصة المتمسكين جدا بتلك
التقاليد , لا تطلقون النساء ولا تخونون الزوجة والعلاقات ما قبل
الزواج تعد جريمة وإن كانت خطيبتك , قلة هم من أصبحوا يتمسكون

بذلك , وأنا أتحدث عن الذين يعيشون خارج اليونان طبعا "

قال بلهجة ملئها نفاذ صبر " ولما ذاك العرض الصباحي في غرفتي إذا
بما أنك تعرفين عني أكثر مما أعلم عن نفسي ؟ "

أبعدت يديها وأمسكت كوبها مجددا وقالت ونظرها عليه

" لأني مختلفة جدا يا تيم "

وتابعت وهي ترفع الكوب لشفتيها " أنا لست كغيري من النساء "

ووضعت كأسها بعدما انتهت وضيفته وداعبت شفتها بأسنانها البيضاء
الصغيرة في حركة تدل على ثقتها بنفسها وبأنوثتها وقدراتها وهمست
" سترى ما سيحدث وكيف ستتغير حياتك ما أن تبدأ الصحف بالحديث
عن الشاب الذي كنت برفقته وما سيقوله كل من يعرفك في منظمتكم
السرية تلك , وبعد عدة توصيات من والدي ستتحرك عجلة حياتك
بشكل مختلف تماما "

ضاقت عيناه المحدقة بها وهو يقول بصلابة
" أنتي لا تعرفينني جيدا فأنصحك باللعب بورقة والدك في مكان آخر "

حركت يدها قائلة بابتسامة رقيقة
" لا أنت ابتعدت بتفكيرك بعيدا تيموتي "

قال من فوره " وبماذا يمكنني أن أخدمك إذاً ؟ "

رفعت شعرها للأعلى عن وجهها وشهقت مبتسمة وقالت بصدمة لم
تخفي التصنع فيها عمدا
" هل هذا سؤال تسأله لفتاة جميلة تجلس معك ! أي جريمة هذه أيها

الرجل اليوناني !! كدت اجزم أنه لك حبيبة ما "

ارتفعت زاوية فمه وقال متهكما " وإن كان الأمر كذلك بالفعل ؟ "

نظرت له مجفلة للحظة ثم ابتسمت قائلة
" لا تحاول تضليلي أيها الجندي المقاتل فأنا أعلم عنك الكثير كما تعلم "

قال بنبرة جامدة
" أنا لا أمزح ولا أحب الكذب "

حركت كتفها قائلة بثقة
" لم يرها أحد تيموتي , هل هي شبح يا ترى ! "

فك ذراعيه ودنى بجسده قليلا وقال ونظرته الباردة تستقر على عينيها
" بل آدمية وكما سبق وقلتِ بنفسك اليوناني لا يخون أبداً وأنا لن
أسمح لامرأة أخرى أن تشاركها بي "

بان التردد واضحا في ملامحها قبل أن تسيطر على نفسها ببراعة
وخرجت الحروف منها مرتخية قليلا
" أنت تمزح تيموتي بالتأكيد فأنت لا تسافر لليونان إلا قليلا جداً !

حتى أملاكك من والدتك وجدك لا تزورها فمن ستكون حبيبتك تلك ؟ "

وقف دافعا الكرسي بساقيه للخلف وقال ببرود
" بل ثمة امرأة وإن كنت لا أزورها كما تقولين , وستكون ممتنة لك إن
لم تقتربي من شيء يخصها وحدها "

واستدار وغادر من هناك بخطوات واسعة وجسد ثابت متجاهلا نظرتها
التي تبعته وهو يجتاز البعض برشاقة لم تؤثر في مشيته الواثقة أبدا ,
وقفت على طولها ورمت الكأس من أمامها ليتحول لقطع على الأرضية
الملساء تحتها وهمست من بين أسنانها ونظرها حيث اختفى
" لن أصدق ذلك وأنت لي تيموتي تفهم , وإن كان لك ألف حبيبة "


*

*



رمت المشط من يدها وعادت حيث تناثرت كتبها ومذكراتها وأمسكت
بإحداها تحاول التركيز وإدراك ما فاتها وسرعان ما أعلنت فشلها ولم
ينجح الأمر مجددا فمررت أصابعها في شعرها وهي تدفن رأسها بين
يديها وانسدل ذاك الحرير البني الناعم كستار كثيف حاجباًأغلب نور
الغرفة القوي عن عينيها , ورغم ذلك أغلقتهما بشدة تفكر في تلك
الجملة التي رماها بها محاميه دون رحمة
( دخوله للبلاد تحت أي سبب كان فيه خطورة كبيرة عليه واستقراره
فيها يعني السجن مدى الحياة , وطلاقك منه سيكون نتيجته أن تصبحي
في الشارع بسبب عمك فحتى سلطة تيم كنعان ستسقط ناحيتك حينها(

لا تصدق أن كل ذاك التعب الذي تكبدته لتحصل على رقم ذاك المحامي
مع تحفظهم التام عن هويته أن يكون نتيجته كل هذه الحقائق القاسية
التي كانت مغيبة عنها عمدا كما تضن , وتجزم أنه لولا كشفها له
وتهديدها بما حصلت عنه من معلومات من ذاك الموقع لما كان نطق
أبدا كما تظن ورأت , تمنت لحظتها أنها لم تتصل به ولم تحصل على
رقمه فأن تعيش سنوات حياتها على أمل ظهور ذاك الفتى الذي غاب
عنها من سنوات والذي رأت فيه طوق نجاتها من كل ما مرت وتمر به
أرحم من أن تعيش وهي موقنة بأن دخوله للبلاد وحده أمر مستبعد ,
مما يعني أنه حتى وجودها معه هناك أمر مستحيل لذلك لم يفكر في
أخذها من هنا ولا عن طريق شخص آخر وهذا ما كانت تستغربه ولم
تجد له جوابا وها قد أتاها قاسيا مفجعا ومدمرا لما تبقى في داخلها من
تلك الطفلة التي تناضل للحياة من أجلها , لم تتخيل يوما أن يكون
سبب تركه لها زوجة له كي لا يرميها عمها في الشارع أو كان طلقها
منذ زمن بعيد فلن تصدق بعد اليوم أي أفكار يخبرها بها عقلها المحدود
التفكير بأنه يفعل ذلك ليتمسك بها فقط وليس لأي أسباب أخرى لا تمت
له بصلة , لكن ماذا عن التهديد الذي وصل لابن عمها برآء ! أليس
وجوده في حياتها كان سيكون حلا لمشكلة رميها في الشارع ؟؟ رفعت
رأسها ومسحت عينها قبل أن تتسرب منها دموع القهر التي تجمعت
بداخلها حين تذكرت رسالته لها وما قال فيها عن أنه لن يكترث
لتهديدات مجهولة الهوية كانت أو معلومة وأنه ماضٍ في الأمر لنهايته
وقفت وتوجهت للسرير وجلست عليه تمسك هاتفها وأرسلت له
( برآء لا تفعل أي شيء الآن لا أريد أن تتأذى بسببي , دعنا نترك
الموضوع جانبا الآن حتى وقت آخر أرجوك(

وأرسلتها له ورمت الهاتف جانبا ورفعت رأسها للأعلى وغرست
أصابع يدها في شعرها تشده للخلف ونظرها على الرسوم الجيرية
والأذرع الخشبية المصقولة في ديكور السقف

لا تعلم ما عليها فعله حيال كل هذا وما تقرر ! هل عليها أن ترفع قضية
الخلع ؟ هل تفعلها !

أغمضت عينيها ببطء وشعرت بحرارة الدموع فيهما والصورة الوحيدة
التي تشكلت أمامها كانت لذاك الفتى الذي كان يجسد كل معنى جميل
لتلك الطفولة التعيسة ... كان والداها اللذان فقدتهما في لحطة واحدة ,
كان رفيق وحدتها , كان سبب ابتسامتها وضحكاتها , بل
ومصدر أمانها الوحيد في ذاك العالم الموحش الذي تعيش فيه طفلة
غريبة عن كل شيء , كيف لها أن تقرر أمرا كهذا بعد كل هذه الأعوام
من الانتظار والعيش على الأمل ومن أجل الأمل فقط ؟

رأته دائما طوق نجاتها من كل ما مرت وتمر به فما سيبقى لها إن
فقدت هذا الطوق ؟
أنزلت رأسها ومسحت عينيها بقوة واندست تحت أغطية سريرها
وغطت جسدها بأكمله تاركة المجال لدموعها لتنساب في صمت فلا
شيء ولا عزاء لها غيرها حتى تعتاد هذا الواقع المرير الجديد وتقتنع
به وبأنها ستعيش عليه للأبد


*

*


انخفض السرير بجوارها ومسح ذاك الكف الدافئ على جانب وجهها
يشعر بخصلات شعرها الحريرية تداعب خشونة تلك الكف وهمس
مبتسما
" ما بها ابنة الحالك ؟ ما يكدر خاطر حبيبة قلب أيوب "

دست وجهها في صدره وتنهدت بعمق وهي تشعر بذراعيه تطوقانها
يقبل رأسها قبلات متتالية حتى رفعت رأسها ونظرت لعينيه الناظرة لها
بحان وعشق دافئين , تعشقه ولا تتخيل حياتها بدونه وأن ترجع
لمعاناتها القديمة فمصابها هذه المرة سيكون أضعاف ما فات , ترقرقت
الدموع الحارة في عينيها السابحة في ملامحه فسارعت أطراف تلك
الأصابع الرجولية لمسحها قبل أن تفكر في اجتياز رموشها وقال بحنان
" دموع مرة واحدة يا جوزاء ؟ لما لا ترحمي قلب المسكين الذي لا
يعجبه حالك هذه الأيام أبدا "

مسحت بظهر كفها على عينيها وهمست ببحة ونبرة حزينة
" المظاهرات اتسعت في مدن الحالك مطالبة بمطر , اشتقت له يا
أيوب .. اشتقت لسماع صوته وإن من بعيد
ومعرفة إن كان حيا أم لا "

قبل جبينها ثم نظر لعينيها مجددا وقال وإبهامه يداعب خدها
" الزعيم مطر لم يكن يرفض نداءا لأبناء وطنه في الماضي وتذكرين
ذلك بالتأكيد ؟ فلن يتوانى عن تلبيته الآن إن كان حيا يا جوزاء تأكدي
من ذلك "

وقال بعدما قبل ذاك الجبين الصغير مجددا
" هذا فقط ما يكدرك ؟ ضننت أنه أحد ابناك مجددا "

تنهدت تنهيدة طويلة وغضنت جبينها قائلة ببعض الضيق
" أتعباني معهما ولا يريدان الاقتناع بأن ذلك في صالحهما "

وتابعت وقد رفعت نظرها لعينيه
" أريد أن يستقرا .. أن يكون لهما حياة مع زوجات بعيدا عن صوان
وحتى الحالك , لا أريد لما حدث في الماضي أن يتكرر وننقسم لجزأين
ويخرجوننا من هنا , كثر يفعلون ذلك ويزيدون من نسب التناسب
بين القبائل الأساسية للبلاد كي لا نسمح لأحد بتفرقتنا مجددا "

خرجت منه ضحكة صغيرة وقال
" لهذا إذا أنتي مصرة ؟ لم أتخيل أن تشاركي الناس في هذه الفكرة !
هذا عمل صائب يا جوزاء فكلما تناسبنا أكثر تداخلت القبائل أكثر
وصعب تفكيكها كما يحدث الآن بين المدن التي كانت حدودا في السابق
تحولوا لنسيج موحد وأصبح من الصعب تقسيمهم ضمن صنوان أو
الحالك أو الهازان وهذه الخطوة أتمتها ابنة شراع صنوان رحمه الله
وجعلت من مدينة العمران مثالا لذلك وأصبح يقتدي بها الكثيرين أيضا
في السنوات الأخيرة "

أومأت برأسها موافقة ثم عدلت جلستها مبتعدة عن حضنه وقالت ترتب
خصلات شعرها التي تناثرت وتدسها خلف أذنيها
" هذا الأمر ستكون منافعه علينا أيضا وأنا بكل صراحةأريد رؤية
أحفادي وتلك الفتاة ابنة كنعان تعجبني حقا ومنذ رأيتها تمنيتها لغيهم
وأنا أعرف أنه لين ولن أتعب معه كثيرا لكنه ربط الأمر بالعنيد أبان
وأنت تعرف ابنك ذاك جيدا "

ضحك رافعا رأسه ثم مسح بكفه على شعرها ودسها في حضنه مجددا
وقال

" عليك بهما إذا ومعك حق فلم يعودا صغيرين والطابق في الأعلى
مجهز لهما من وقت ولا عذر لأي منهما "

طوقت خصره بذراعها تدس نفسها في حضنه أكثر وهمست بحب " لا حرمني الله منك يا أيوب ولا أذاق عيني دموع فراقك مجددا "

شد ذراعيه حولها أكثر وقبل رأسها قائلا
" أقسم لن يفعلوها مجددا يا قلب أيوب وإن خرجت بكم جميعا من هذه
البلاد ولتبقى صنوان والحالك فيها وليتفاهما مع بعضهما فنامي ولا
تفكري في كل هذا مجددا "



*

*



ارتخت الجريدة بين يديها وملأت الدموع الدافئة حدقتيها الزرقاء
الواسعة وتداخلت الحروف فلم تعد ترى منها شيئا وهمست بحنين
" أمي .... كم أشتاق لك "

لم تتوقع كل هذا في تلك المقالة التي ظنتها مجرد لقاء عملي كسابقاتها
وإن قل تواجدها في عالم الصحف والمجلات ، وبالرغم من أنها أصيبت
بصدمة من اعترافاتها في بعض الفقرات لكن هذه العبارة لم تستطع
مقاومة الغرق في دموع الشوق ما أن قرأتها
( ابنتي في قلبي أينما كانت على وجه هذه الأرض )
وكان هذا جوابها على سؤال لأول مرة توافق على أدراجه

والإجابة عليه وهو ( ما موقفك من ضم حضانة ابنتك لوالدها دون حكم
قضاء ولا قانون(

كانت تعلم وموقنة من أن صمت والدتها الدائم ليس معناه أنها لا تحبها
ولم تهتم لها يوما بل قرأته كصمت والدها تماما , صمت يحمل في
خباياه مزيجا من الفقد والألم لذلك لم تلقي باللوم عليها يوما ولم تكره
ما وجدت نفسها عليه وتعودت أن تعذرهما دون أن يقدما الأعذار ،
ضمت تلك الجريدة لحظنها بقوة وانسكبت دمعاتها الرقيقة فوقها فلا
شيء تحمله ناحية تلك المرأة البعيدة عنها إلا الحب والشوق والحنين ،
هو ذات الشعور الذي كانت تجزم بأنها ستشعر به ناحية والدها إن هي
عاشت مع والدتها وتركها خلفه تحت أي سبب كان ، مسحت دموعها
سريعا بطرف كمها ودست الجريدة تحت غطاء السرير حين سمعت
طرقات على باب الغرفة هي موقنة أنها لوالدها فهي تميز طرقته من
بين الجميع ، ولأن جدها أرسل لها مند قليل أن تأخذ جريدة العوسج
اللندنية تحديدا من صحف والدها تسللت لمكتبه وأحضرتها دون أخذ
إذنه وهي تعلم أنه لم يدخل له ولم يضطلع عليهم حتى الآن رغم أنهم
وصلوا مكتبه صباحا لأنه ومنذ يوم أمس غائب عن المنزل فقلما
يتواجد فيه وإن حدث ذلك لا يكون وحيدا فقد خصص له باب يفتح على
الفناء الخلفي وممر مستقل حتى الباب الخارجي للمنزل وعزله عن
منزله تماما ، تكرر الطرق مجددا ولم يفتح الباب فعلمت أنه يظن أنها
نائمة وهي من اعتادت النوم باكرا مع كل هذه الوحدة لذلك يريد التأكد
أولا

غادرت السرير تعدل قميصها القطني الناعم وترتب شعرها وعادت
لمسح آثار دموعها مجددا حين أصبحت عند الباب ثم أدارت المقبض
وفتحته بهدوء وابتسمت فورا للذي تقدم للداخل بخطوة واحدة وهمست
وهي ترتفع على رؤوس أصابعها مقبلة كتفه

" مرحبا أبي "

مسحت يده على شعرها وتعلقت نظراتها بنظراته التي كانت تبحث في الغرفة حتى استقرت على باب خزانتها وقال
" هل جهزت أغراضك ؟ وقت الرحلة لن يكون بعيدا يا تيما "

حاولت جهدها إخفاء حماسها والسعادة التي كانت تتقافز من عينيها كي
لا يضن أنها كارهة لوجودها معه هنا وتمتمت بصوت منخفض
" كل شيء جاهز تقريبا عدى ما أستخدمه الآن "

ولاحظت سريعا أن نظراته الباحثة في أرجاء غرفتها لم تتوقف بعد فعضت طرف شفتها

ونظرت فورا للأرض تشبك أصبعها ببعضها حين أدركت أن ما يبحث
عنه سيكون تلك الجريدة بالتأكيد , لكن كيف خمن أنها هنا ! وأنها
اختفت أساسا من مجموعة الجرائد تلك ؟

ارتجف جسدها ورفعت نظرها له مجددا حين شعرت بكفه على كتفها
ونظرت لعينيه السوداء الواسعة المحدقة بعينيها وشعرت بقلبها تمزق
بقسوة حين خرج منه ذاك النفس القوي وكأنه حرره من سجن دام لسنوات خلف تلك الأضلع , وبدا صوته مرتخيا وبحته أكثر وضوحا

حين قال
" تيما الانتقال من هنا لوطننا معناه تغيراً جذريا في أسلوب حياتك
صغيرتي "

ملئت الدموع عينيها فورا للطريقة الجديدة لمناداته لها ولكل ذاك الكم من المعاني في عبارته تلك فهمست ببحة بكاء تغلبت على صوتها
" لن أتركك وحيدا أبي وأحب حياتي معك كيفما كانت "

وهربت بحدقتيها الغارقة في بحيرة الدموع ونظرت لأصابعها مجددا
وتابعت بحزن سامحة هذه المرة بخروج كل ما في قلبها ولم تذكره أمامه
" أشتاق لها أبي وأحتاج أن أراها وإن ليوم في حياتي لكن المحيطين
بها كثر أما أنت فلا "

وتشجعت ورفعت نظرها لعينيه التي لازالت تنظر لها دون أن تقرأ أي
تعبير فيهما وقالت ما رأت أنه عليها بالفعل قوله مهما كانت ردة فعله
عليه
" يمكن لما بينكما أن يرجع كما كان أبي أليس كذلك ؟ إن أحبتك
فيمكنها تفهم أسبابك "

كانت تعلم بأنها تحاول السير في أرض مليئة بالألغام وأنها تخوض في
أمر يكره الحديث فيه والدليل أمامها من إبعاد نظره عنها وإسدال جفنيه
ليخفيا خلفهما حدقتيه السوداء شديدة القوة ورأت مجددا المشهد الذي
لم يتكرر بعد تلك المرة لوالدها الذي لم تعرفه حياتها إلا قويا صلبا
واثقا من نفسه ومن قراراته وأفكاره ,كانت ستتحدث لكن الكلمات
ضاعت منها فجأة ولم تعد تعلم ما تقول فلم يخرج من شفتيها
المنفرجتان قليلا سوى صوت أنفاسها المتقطعة وبدأت تلك

الدموع المتمردة بالانسياب من رموشها السوداء الكثيفة لحظة ما رفع
نظره لها مجددا وفاجأها بأن أمسك رأسها لتحيطه أصابعه الطويلة
القوية فأغمضت عينيها التي تقاطرت الدموع منها تباعا حين شعرت
بشفتيه على جبينها ... وضمها لحضنه , الحضن الذي لم تعرفه سوى
في مرات نادرة جداً بل منذ كانت طفلة تركض له باكية إن حدث شيء
عجزت عن التعبير عنه كسقوطها ذاك اليوم من الأرجوحة في وجوده ,
وأصبحت تلك المرات القليلة تتناقص شيئا فشيئا كلما كبرت وأصبح
ذاك الوالد يبتعد عنها لمشاغله أكثر من ابتعاده الطويل في تلك الطفولة
, لكن حضنه هذه المرة كان مختلفا .. مختلفا تماما , لم يكن ذاك
الصدر الذي وفرلها الأمان في تلك المرات المعدودة , ولا الذراعان
التي احتوتها لأنها ارتمت بينهما من تلقاء نفسها , كان حضناً مشبعاً
بالعاطفة الأبوية الحقيقية التي كانت تتمناها , حضن شكل لها الطمأنينة
بكل معانيها وتمنت حقا أن لا ينتهي كي لا تشتاق إليه مجدداً لكنها
كانت مجبرة على الابتعاد حين انتشلها منه بنفسه فرفعت نظراتها
المغرورقة بالدموع ناظرة لعينيه وقد أمسك وجهها بكفيه ومسح
إبهاماهما الدموع من وجنتيها وعادت نبرة الثقة لصوته وهو
يقول مركزا نظراته الثابتة الواثقة على عينيها

" تيما أنتي لم تعودي صغيرة مهما نظرالناس لعدد سنوات عمرك لأني
ربيتك لتكوني أكبر من ذلك بكثير , أخطأت كثيرا لا أنكر ذلك لكني
كرهت حقا الآلام التي أسببها للمقربين لي بسبب ما أجد نفسي

فيه مجبرا "

عادت دموعها للتدحرج على وجنتيها وزمت شفتيها تخفي رجفة البكاء
فيهما وهي تجد تفسيرا واحدا لكلماته التي لم تسمعها منه يوما وكأنه
يحاول أن يصيغ جمل اعتذار , لكنها لم تراه يوما مخطئا رغم أنها لم
تتخيل أن هذه هي أسبابه ! تابع وإبهاماه عادا لمسح دموعها
" فتاة غيرك ليست ابنة مطر شاهين وليست من رباها بقوانين صارمة
واستطاعت تحملها ما كانت لتفهم كلماتي .. لكن أنتي لا يا تيما , أنتي
ابنة والدك التي حتى إن أخطأت علمت حجم خطئها ولا تكرره , أنتي
التي استطعتِ التأقلم مع بيئة كانت ستجعل من غيرك مراهقة منحرفة

أكبر أسبابها أنها عاشت تقريبا بلا أبوين "


أنزل بعدها يديه عن وجهها وأبعد نظره سامحا لجفنيه من جديد بإخفاء
حدقتيه ونظراته عنها

لكن ليس هربا هذه المرة وهذا ما لاحظته وهو يقول " أريدك أن تعلمي
أني ما كنت سأبعدك عن والدتك ولا ليوم واحد لكن أسبابي لن يستطع
قلب الأم المذبوح فهمها واستيعابها "

مسحت بظهر كفها عيناها ودموعها التي أبت التوقف ونظرها لازال
على عينيه التي رفعها لها مجددا وهو يتابع

" خشيت عليك من نفسي يا تيما كي لا أكون ملاما منك يوما ما

وتكرهينني ولن يجدي معك حينها شرح أسبابي التي لن تريها إلا
ترهات لذلك أبعدتك عني رغم وجودي بقربك لأن التعلق ثمنه غال جدا
يا تيما , أغلى مما يتصور من لم يجربه "

تمنت أن تحدثت وقتها , أن قالت له أن من يحبك حقا يمكنه فهم ما
تفعله من أجل ملايين الناس في تلك البلاد , أن قلب المرأة بقدر ما
يعتب ويلوم يغفر ويسامح , ولديها في داخلها الدليل
لكنها لا تستطيع الخوض أكثر في أمر لا يمكنها الحكم عليه ما لم تعرف
تفاصيله وما لم تعشه بنفسها كما قال ولا تريد فتح جراح الماضي أكثر
وهي تراه لأول مرة الأب الذي لطالما حلمت به وعلمت أن أسباب
ابتعاده عنها كانت من أجلها وأنه ثمة أمل أن تزول وللأبد , لكن ما لم
تستطع إمساك نفسها عنه هو ما فعلته حينها وفورا بأن ارتمت في
حضنه وتركت العنان لدموعها وخرجت كلماتها مختلطة بعبرتها وهي
تتمسك بسترته بقوة
" أحبك أبي وقسما لم أراك إلا رائعا دائما وكنت أعذرك بسبب أو
بدونه "

طرقات على باب الغرفة جعلتها تبتعد عنه وإن مكرهة ما أن أبعد يده
التي كان يمسح بها

على شعرها وامتدت يده للباب فورا وفتحه لتظهر من خلفه الخادمة
التي قالت مباشرة

" ضيفك وصل سيدي وينتظرك في المكتب "

فلم تسمع التي خبئت عينيها في كم قميصها تمسح الدموع منهما إلا
صوت خطواته الثقيلة وهو يغادر من عندها وهي من تفهم جيدا أنه
ثمة أولويات في حياة هذا الوالد أهم عنده من أي شيء حتى ممن لا
يتخيل تركهم والابتعاد عنهم يوما , أغلقت باب الغرفة ما أن سمعت
صوت رنين هاتفها وتوجهت نحوه رفعته وجلست على السرير وأجابت
فورا فالأرقام المخزنة والمسموح

بها فيه ثلاثة لا غيرها ( والدها وعمتها غيسانة وجدها دجى ) أجابت
تمسح طرف عينها بكم

قميصها القطني المشبع بالدموع هامسة بابتسامة حزينة
" مرحبا جدي , ما هذه المفاجأة اتصال وفي وقت نومي !! "

وصلها صوته مبتسما وهو يقول
" علمت أنك لن تكوني نائمة فكيف ستشي بي عند والدك حينها يا
خائنة "

قالت باستغراب " أنا أوشيت بك !! "

قال من فوره " أجل .... ومن غيرك سيكون أخبره عن الجريدة وما
قلت لك "

حركت رأسها بحيرة وقالت باستنكار

" لم يحدث ذلك جدي , الجريدة لازالت لدي ولم أُرجعها له وهو لم
يكن في المنزل منذ الأمس ولم يرجع إلا الآن فقد سمعت صوت سيارته
تدخل منذ قليل "

تنهد قائلا : " إذاً رآها في مكان ما أو سمع عنها لذلك لم يتوانى عن
إسماعي موشحه الدائم

علمت أن عقبات ما قالته والدتك المصون لن تكون إلا سيئة "

شعرت فورا بموجة اكتئاب شديدة وهي تتذكر ما قرأت فيها ولا يمكنها
تصور أن والدها قال ما قال لها بسبب كل ذلك أو أن يكون ضن أنها
ضنت به سوءا وستكرهه , همست بصوت حزين

" لكنها لم تتحدث طوال السنوات الماضية جدي أليس كذلك ؟ لما قالت
كل هذا الآن وتحديدا بعد وفاة الرجل الذي رباها ؟ "

قال بعد صمت لحظة :

" لا أعلم يا تيما وسأرى والدك وما لديه وأفهم ملابسات الأمر
ها ماذا حدث معك أنتي ؟ هل أخبرك والدك أن رحلتك ستكون بعد

يومين ؟ "

قالت بصدمة " يومين ؟؟ أخبرني أنها قريبة لكنه لم يقل متى , ثم ما
تعني برحلتي جدي !! "

قال من فوره " وهذه لم يخبرك بها أيضا ؟ "

وقفت على طولها من صدمتها وقالت برفض قاطع
" هل سأسافر أنا فقط ! لا لن أترك والدي هنا وأذهب , لن تشتتوا
روحي مجددا "

وصلها صوت جدها من فوره
" من قال هذا يا تيما ؟ لا تستبقي فهم الأمور ، أنا فقط عنيت
أنه ستكون رحلتك لوحدك وبالقطار حتى تخرجي من لندن لباريس
ووالدك سيسافر بالطائرة , ثم من فرنسا ستقلع طائرتكما معا للوطن "

انهارت جالسة من جديد تشعر بخور قوي في جسدها فلم تكن تتخيل
أبدا أن تصاب بصدمة كتلك ، مررت أصابعها في شعرها وقالت

" لا أتخيل أن أذهب ويبقى والدي هنا كدت تقضي عليا بذلك يا جدي ،
يكفيني أن يكونا هناك كل واحد منهما يشطر قلبي لجزء معه "

تنهد قائلا " الدور سيكون عليك , أنتي العامل المشترك بينهما يا تيما "

انحنى كتفاها وقالت باستسلام

" ذاك جل ما أتمناه لكني أرى الأمر لن يكون سهلا فوالدي

يلتزم صمتا مبهما حيال الأمر وابنتك لست موقنة بشيء حيالها وهذا جل ما أخشاه "

قال بتنهيدة " يبدوا أنك ورثت هذا من والدتك فشقيقي صقر في آخر
لقاء لنا منذ عامين

قال أنها قالت مرة أن أحبائها لا يمكن لهم أن يجتمعوا وأنه بظهور
أحدهم على الآخرأن يختفي وكان ذلك حالها دائما بالفعل "

همست بحزن والدموع عادت تترقرق في عينيها
" يا شوق قلبي لها يا جدي ، أقسم أنه لاصبر لدي أكثر على لقائها
وجل ما أتمناه أن يجتمع من أحب وأن لا أكون فعلا مثلها "

وتابعت قبل أن يعلق " وأنت جدي ؟ ألن تكون معنا ؟ "

بدا لها صوته يحمل الكثير من الحنين والحزن وهو يقول

" ليس الآن على الأرجح يا صغيرتي , وحتى حين سأكون هناك لا
يمكنني الظهور بشخصيتي الحقيقية ولا الاقتراب منكم علنا "


مسحت دمعة جديدة ترنحت في طرف رموشها وقالت بحزن

" كيف يمكن لقضية مثلها أن لا يكون لها حل بعد كل هذه السنوات
والتغيرات ؟ "

وصلها صوته هادئا عميقا

" الأمر لا يد للقانون ولا القضاء فيه يا تيما , إنه أمر

متأصل في أفكار تلك الناس وعليا أن لا أغامر حاليا "

ثم قال بنبرة مبتسمة كعادته حين يغير من مزاجه الكئيب فجأة وبكل
بساطة
" سأتركك تنامين الآن بما أنه ظهر أنك بريئة من تهمة الوشاية بي ,
تصبحين على خير أميرتي "

ثم أنهى الاتصال لتنخفض يدها والهاتف فيها لحجرها ونظرها عليه
تفكر فقط في القادم

وهل فعلا سيكون على عاتقها وحدها الجمع بين أبويها أو أنه ثمة أمل
في شيء ما لازال موجودا داخل كل واحد منهما ؟!



*

*


ضربت سماعة الهاتف بقوة وأمسكت جبينها بأصابعها تتنفس بحدة
واستياء ، يوم ونصف فقط مدة لم تتخيل أن تكون كافية ليطبعوا تلك
المقالة وكأنهم يتسابقون مع الزمن !! لم يتركوا لها الفرصة ولا
لتشتري كامل العدد قبل نشره فصحيفتهم لها فروع خارجية تطبع
ذات العدد وتنزله ، لو فكرت في كل هذا لسحبت تلك المقالة السخيفة
منذ الأمس ،
فركت جبينها أكثر وابتسمت بسخرية وهي تتذكر عبارة رئيس التحرير
( تم التعديل على أغلب الأسئلة وبعض الإجابات ولغينا فقرات كثيرة
سيدتي من أجل طول وصياغة المقالة وأيضا لإيضاح بعض النقاط
المبهمة ، لا أعتقد أن فيها ما يدّعي إلغائها(

رفعت رأسها متمتمة بسخط
" هل يضنني غبية ولا أعرف جريدتهم أم صحيفتهم عالية الكفاءة تلك ؟ "

نظرت لهاتفها الشخصي وللاسم الذي يضيء وسط شاشته ثم رفعته
وأجابت

" مرحبا جليلة أين أنتي اليوم لا تجيبين على هاتفك ولم تداومي في
الجامعة ؟ "

وصلها صوتها فورا

" أنا في السيارة ونحن نخرج لتوز حاليا وسننتقل لحجور يا غسق "

انفتحت عيناها بصدمة هامسة

" تنتقلون !! لكن لماذا وما هذا القرار المفاجئ ؟ "

" والدي قرر هذا وجميعنا وافقناه ، الأمور ليست بخير يا غسق ونحن
من صنوان ونعيش في عاصمة هي ضمن حدود الحالك ، عائلات كثيرة
بدأت بالانتقال من حوران ومن مجاوراتها ودخلوا مدن صنوان ،
الأنباء التي وصلتنا لا تبشر بخير أبدا والجميع خائفون على أنفسهم
وذويهم "

صرخت دون شعور منها

" كيف يا جليلة ؟ كيف تتركون مدن بلادكم ! ألم ننسى هذا

التقسيم الجائر من أعوام ؟ لماذا تساعدون أولئك الحمقى فيما يخططون
له وأبعد بكثير ؟ لا أصدق أن يفرط الناس في وحدة تراب الوطن بكل
هذه السهولة !! "

" لا أحد يفرط في وحدة ترابه يا غسق لكنه تجنب لما لا نعرف ما قد
يكون , ووالدي قال حتى نرى الأوضاع وعلى ما ستستقر أولاً , ومعه
حق فقد يأتي وقت لا قدر الله لا نجد فيه ولا منفذ للخروج ونصبح
مستباحين دم لأصحاب الثأر الجدد ، عليك أيضا الخروج يا غسق
وعمتك وابن الكاسر فلا تنسي موقع العمران وحساسيته ، وعلى
شقيقك رعد مغادرة حوران أيضا , أنتي لم تري التحركات هناك وعلى
امتداد الطريق حتى توز , إنهم يدبرون لأمر ما ويبدوا خطيرا جدا
أخرجــ .... "

قاطعتها بتصميم " لن أخرج وليقتلوني هنا إن ساءت الأوضاع كما
تتوقعون , أنا لست ابنة صنوان ولا ابنة الحالك أنا ابنة هذا الوطن ولن
ينكر أحد انتمائي له "

وصلها صوتها هادئا

" أعلم يا غسق لكن بعضهم لن يرانا سوى غرباء , إنها فتنة وحين
تزرع بين أبناء الوطن الواحد لا يعرف أحداً عدوه من صديقة وتصبح
أيدي خارجية هي من تحركهم "

هزت رأسها بقوة رافضة لكل ما تسمع ولم تعد مقتنعة ولا بكلام رعد
عن دواعي هذا المخطط الأخير وما يفعله رجال مطر شاهين السابقين
فقط لإنقاذ البلاد مما طاف بها مؤخرا ، همست بحروف لم تعرف كيف
وجدتها

" وداعا الآن يا جليلة "

وأنهت الاتصال معها وشعرت بذاك الألم يفتت قلبها وجاهدت باستماتة
كي لا تنزل دموع اليأس والحزن من مقلتيها المليئة بالألم وهي تنظر
باكتئاب لصورة والدها شراع تتوسط الجدار البعيد والمقابل لها ، لا
تتخيل أن تضيع تضحيات الجميع أدراج الرياح والآن وبعد كل هذه
السنوات حتى نسيت الناس جزءا كبيرا من مآسيها التي عاشتها على
مر العقود

لا يمكن لدم والدها الذي رباها كأميرة وليس كأي ابنة أن تكون الينبوع
الذي ستُسكب بعده الآلاف من الدماء الجديدة وهي أكثر من موقنة من
أنه كان أمام خيارين واختار أن يفقد حياته على أن يفقد الوطن
تماسكه ، وحديثه الأخير بينهما ومعها هي تحديدا كما اختار يؤكد لها
ذلك
لا يمكن لكل ما دفعه أبناء وطنها للنهوض ببلادهم من جديد أن يضيع
في لحظة وبسببهم هم ، بل لا يمكن أن تنسى ما دفعته هي تحديدا ثمنا
لكل هذا وهي تخسر حتى ابنتها وليدتها ، أن يتلاشى هكذا فجأة لتصبح
بلا شيء لا زوج لا ابنة لا والد ولا حتى وطن
وقفت عند ذاك الحد قاطعة على نفسها سيل أفكارها الكئيبة وغادرت
غرفة مكتبها الواسعة بيضاء المعالم كسكونها والسلام في زواياها ،
خرجت مغلقة الباب خلفها وعلى ساعدها تحمل معطفها ونظرت فورا
للفتاة على المكتب الملاصق للجدار وهي تهب واقفة مبتسمة فور

رؤيتها لها تخرج وقالت

" راوية سأخرج ولا أريد أن يعلم أحد فأنا في مكتبي

والمقابلات ممنوعة اتفقنا "

أشارت لها الفتاة الشابة برأسها موافقة تراقب خطواتها وهي تغادر من
أمامها وتضع نظارة سوداء كبيرة على عينها وقد استقلت المصعد
الخاص ونزلت للطابق الأرضي فورا والذي انفتح باب مصعده الخاص
بقسم الإدارة سريعا كاشفا عن المرأة التي قد خطت قدماها للخارج
بحذاء عالي الكعبين يعلوهما بنطلون أسود فمعطف له قلنسوة تلبس
على الرأس قد غطت أغلب ملامحها بمساندة تلك النظارات القاتمة
والعريضة ، غادرت من هناك بخطوات ثابتة واثقة لم تعر اهتماما ولا
انتباها لأي حركة تصدر حولها في ذاك المكان الواسع الذي لا تتوقف
الحركة فيه ، ولا لتلك النظرات الفضولية التي كانت تتبعها تتساءل عن
صاحبة ذاك المظهر الغريب

وهي تسير نحو الباب الزجاجي الواسع بخطوات ثابتة يديها في جيبي
معطفها لا شيء تقريبا يظهر من ملامحها بسبب تلك القلنسوة المتدلية
جزئيا على وجهها ، ما أن خطت خارج باب ذاك المبنى الأبيض الضخم
رفعت وجهها في مواجهة الريح الباردة التي لفحت وجنتيها وهي

تنزل العتبات القليلة التي تفصلها عن الأرض ، هذا ما كانت تريده
تحديدا أن تتحرر وإن للحظات من كل ذاك الحصار الخانق الذي فرض
عليهم بعد وفاة والدها شراع ليتقلص حتى نشاطها الخارجي واحتكاكها
بالناس من حولها وهي من كانت تحضر حتى تلك المناسبات التي توزع
فيها المعونات التي تقدمها جمعيتها الضخمة على المحتاجين ، أمور
كثيرة تغيرت في برنامجها العملي وحتى الحياتي بعد عملية الاغتيال
المشينة التي تعرض لها والدها وشقيقها رماح , وأصبح لها مندوبون
ينوبون عنها في جميع مهام جمعيتها تقريبا بعدما كانت لا ترضى

إلا بحضورها وإشرافها الشخصي حيث لم تكن تمثل دبلوماسيا إلا
نفسها وقد استحقت لقب ( درع المرأة الذهبي ) بجدارة ولم يكن
مجرد شعار يلقبها الناس به إعلاميا فقط ، سلكت الطريق
الرئيسي المؤدي لبوابة المبنى ولازالت تتجاهل حركة كل شيء
من حولها في ذاك الشارع الطويل المكتظ بالناس والسيارات
ولم ترفع نظرها إلا لمجموعة من الفتيات بلباسهن الموحد

وقمصانهم البيضاء تحمل شعار جمعية الغسق وتحته خطت عبارة
عريضة باللون الأسود ) ضحايا الزواج القسري ) مجموعة صغيرة
من أخرى ضخمة ممن دافعت عنهم الجمعية وترافعت عنهم أمام
المحاكم لأعوام وأعوام مرت لينلن حريتهن من جديد بل ودمجهن في

المجتمع كعناصر فعالة ولكي لا تخشى أي واحدة غيرهن من تدهور
حالها في حال نالت الطلاق ، ما لفت انتباهها لم يكن زيهن الموحد ولا
لأي فئة من مملكتها ينتمين فأمثالهن في تلك المملكة البيضاء كثر وقد
اعتادت الناس رؤيتهن بذاك الزي الموحد والشعار الخاص

بتلك المملكة وتقسيمهم ضمن شرائح لنساء عانين بكل وأبشع الطرق
من العنف الجسدي والزواج القسري والطلاق التعسفي والاستغلال
الجنسي وغيرها الكثير عجت به محاكم الدولة خاصة في السنوات
الأخيرة حتى تحولت تلك المملكة لهدف من بعض من لم يعجبهم
ما وصلت إليه والأرقام تتضاعف وهي تتحدث عن نسب ضخمة من
أموال دفعها رجال كتعويضات عن أفعالهم ضد تلك النساء أو سنين
قضاها البعض في السجن حتى تحولت لكابوس يطارد بعض ضعاف
النفوس ممن يروا أن المرأة التي تحت رحمتهم لا أحد لها .

ما لفت انتباهها حقا كان ما تقوم به تلك المجموعة وهي تتحرك بنشاط
وترتيب وهن يضعن بعض الملصقات على الأعمدة وزجاج بعض
المحال التجارية بعد أخد إذن مستأجريها وكانت

تلك المطويات التي يقمن بتوزيع بعضها على بعض المارة عبارة عن
حملة لنشر الوعي بين الناس لخطورة ما تمر به البلاد حاليا ونتائج
الانقسام والفرقة والتشتت مرفقة بصور تتحدث عما عانته وقاسته
بلادهم قبل توحيدها , صور لجثث لأبرياء قتلوا دون وجه حق وأسر
في الملاجئ والمخيمات وبعضهم ينام في العراء وأخرى لآلات حربية
ومنازل مدمرة ومدن من وطنهم الحبيب مهجورة تماما , كل ذلك في
حملة موسعة كانت منذ أيام قليلة مجرد فكرة تناقشها مع الإداريات في
الجمعية لدراسة آلية تنفيذها وكلفتها وأي الجهات تحديدا ستتكفل
بتنفيذها ولم تتصور أن يتم ذلك دون أن تنتهي مناقشته وهم لم يقرروا
بعد الآلية لتنفيذه ! وأن تتعاون الفروع للقيام بكل ذلك وإن كان في
نطاق محدود وكل أملها وأملهن أن تعي الناس خطورة ما تنزلق له
البلاد تدريجيا خاصة في الآونة الأخيرة ، رفعت يدها وأمسكت
المطوية التي قدمتها لها إحداهن مبتسمة بحبور وبادلتها هي ذات
الابتسامة وهي تأخذها منها , ابتسامة تحاكي الأمل في غد أكثرإشراقا
وأن لا يرجع الظلام ليخيم على مستقبلهم القريب , تابعت طريقها
وخطواتها الهادئة حتى كانت أمام محل لبيع الصحف المحلية والعالمية
ونزعت نظارتها السوداء حينها لتنظر لآخر الأعداد وأهمها
والمعروضة خارج المحل وعلى رأسها كانت جريدة ( العوسج ) كما
توقعت وتنهدت بضيق وهي تسحب الجريدة وتعيد نظارتها ما أن خرج
الرجل العجوز يتبعه رنين الأجراس في الباب الزجاجي الذي أقفله بعده
وقال مبتسما وهو ينظر لما في يدها

" إذاً اخترت العدد الجديد من العوسج آنستي ؟ اختيار أغلب الزبائن

اليوم "

دست يدها الأخرى في جيب معطفها وأخرجت منه بضع جنيهات
وناولته إياها ولم تعلق على كلماته إلا باغتصاب ابتسامة صغيرة
مجاملة وتحركت من هناك مجددا ووجهتها كانت آخر الشارع الطويل
ثم انعطفت يمينا حيث أحد المقاهي الكبيرة والمشهورة يترأس أحد تلك

الشوارع الرئيسية فاختارت طاولة متطرفة بعيدة عن الأعين قدر
الإمكان وجلست واضعة الجريدة عليها , همست منكسة رأسها على
جريدتها التي لم تفتحها بعد

" قهوة مع سكر معتدل "

مجيبة النادلة الشابة التي كانت تقف أمامها وقد غادرت فور أخذ طلبها
, أنزلت النظارة على الطاولة بجانب الكوب الذي أحضرته تلك الفتاة
سريعا وفتحت الجريدة ورفعت نظرها عنها سريع فور سماعها ذاك
الصوت وضجيج الأطفال وابتسمت رغم تجهم ملامحها وحزن
تلك الابتسامة وهي تراقب توزعهم السريع خلال الرصيف المقابل بعد
خروجهم من مدرستهم التي يفصلها عن ذاك المقهى شارعين فقط ,
واختلطت حركتهم سريعا بفتيات المرحلة الإعدادية بزيهم المدرسي
الأزرق الموحد وتحول المشهد أمامها لصورة لا تنسى وبعضهن
يحاولن مساعدة بعض الأطفال لاجتياز الشارع وأخريات يشاكسن بعض
الفتية الصغار ويضحكن , وسرعان ما ماتت تلك الابتسامة وفقدت
الصورة رونقها ومعناها الجميل وهي تتذكر ابنتها التي حرمت منها

طفلة وكانت في المدرسة كهؤلاء الأطفال ثم أصبحت في عمر تلك
الفتيات وستكون الآن اجتازت مرحلتهم العمرية هذه , تعلمها وتحسبها
باليوم والساعة وإن كان بينها وبين قلبها المكسور وهي بعيدة عنها
تفصلهما ما لا تعلم قدره من الأميال وجل ما تخشاه أن تكون قريبة
منها ولا تعلم , لا يمكنها إلا لوم ذاك الرجل على كل هذا , كان يكفيه
عقابا أن حرمها منه ليزيد من قتلها بحرمانها من فلذة كبدها أيضا وهو
من لم يبدي أمامها أي شعور بسعادته بالأمر حين علم بحملها فلم
تستطع تبرير موقفه سوى بأنه قتل لها وبالبطيء أيضا , ولولا ابن
الكاسر ما كانت تعلم ما كان سيكون حالها
أنزلت نظرها لجريدتها المفرودة أمامها يقلب أطراف أوراقها العلوية
الريح ليقع نظرها على تلك الصورة وذاك الرجل فيها , على الشعر
الأسود الفاحم والعينان التي تماثله اسوداداً والنظرة الثابتة المسيطرة
وكأنها تنظر للناظر لها مباشرة في عينيه مخترقة أعماقه ,
عمر الصورة كان كعمر معاناتها ونبذه لها , صورة قديمة تشبهه كآخر
مرة رأته فيها وصوت همسه الواثق لازال يسكن مسامعها وهو يطلب
منها أن تعطيه الفرصة ليشرح موقفا ما كان عليها أن تصدقه وأن
تتخلى عن معتقداتها ناحيته وأن تسمح لمشاعرها بأن تتغلب عليها
وتضعه في لحظة في موقف البريء من كل ما ثبت بالدليل عنه أمامها
, طوت الصفحة هربا حتى من كل تلك الذكريات المؤلمة التي بسببها
تعلمت أن تكرهه , لكنها عادت لها سريعا حين اكتشفت أن الخبرالذي
تبحث عنه ضمن أسطرها بل وهو الخبر عينه الذي من المفترض أنه يخصها هي , كرهت تلك الجريدة بالضعفين وهي تكتشف انتهازهم
للفرصة لضم صورته للمقالة وكأن اللقاء أجمعه لا يتحدث إلا عنه ,
ولولا رفضها التام والدائم لإظهار صورها هي لكانت ستكون بجانب
صورته في الأعلى بالتأكيد , شدت قبضتها وأراحت ساعدها على رأس
أوراق الجريدة وكأنها تثبتها عن الريح بينما كان غرضها الأساسي
إخفاء تلك الملامح وذاك الوجه للرجل الذي عشقت يوما كل تفاصيله
الصغيرة حتى تحول كل ذاك الحب لعداء وبغض حين لم تجني منه
سوى الخذلان والخيبات المتتالية , كانت تعلم ما قالت وما سيكون قد
كتب فيه لكنها تشك أيضا في القدرات المخفية لتلك الصحفية وكيف
تجعل من المقابلات العادية مقالات مشحونة بالتشويق والإثارة

ما أن وقع نظرها على أول أسطر ذاك المقال حتى رفعته لمستوى
وجهها وهي ترى تلك الساقين الطويلة بالبنطلون الرجالي الكحلي
والمعطف الطويل المفتوح يقف أمام طاولتها تحديدا فرفعت نظارتها
فورا وعلمت أن أوان وضعها على عينيها قد فات حين سحبت تلك اليد
بالأصابع الطويلة السمراء والقوية الكرسي أمامها ووصلها ذاك
الصوت الرجولي الواثق

" هل تأذني لي بإفساد خلوتك سيدة ....... "



*

*



" ما تعليقك على الأمر يا تيم ؟ "

رفع نظره من الأرض للجالس أمامه دون أن يرفع جسده ولا أن يبعد
مرفقيه عن ركبتيه

وحمل صوته الكثير من البرود وهو يقول " لا علاقة لي ولا رأي في
كل ما تقول "

قال مطر بذات جديته " إذاً لتكون على دراية بالأمر فقط فهو اشترط أن
تعلم قبل أن

يُقدم على أي خطوة في الموضوع وإن كانت كلها تمثلية فقط "

أشاح بوجهه جانبا وقال " لا علاقة لي بأي شيء يفعله ذاك الرجل
حتى

إن تزوجها فعلا "

تنهد الجالس أمامه بصمت ، يفهم موقفه بل ويفهم ما مر به حتى بعد
خروجه به وجلبه إلى

هنا ولا يمكنه لومه أو الوقوف مع والده وجميع من يقربون له وينبذهم
خاصة مع شخصية

كشخصيته هذه يجعلك تتيقن من أنه حتى الهواء الذي يدخل رئتيه يأخذ
إذنه أولا ويخرج

دون أن يبقى منه شيء ، قال مدققا نظره على ملامحه " إذا يبدأ فيما
اتفقنا عليه بعد أن زالت حجته "

نظر له مجددا وقال بلامبالاة لكل ما قيل " لدينا مهمة قريبة لإحدى دول
جنوب إفريقيا "

حرك مطر رأسه في صمت وكما توقع سيهرب من الحديث عن الأمر
سريعا دون حتى

أن يدفعه فضوله لمعرفة التفاصيل ، تابع حين لم يعلق " ستكون نهاية
الأسبوع القادم "

قال مطر " ما المهمة الموكلة لكم هناك ؟ "

أجاب من فوره " ثلاث دبلوماسيين من السفارة اختطفوا على يد
إرهابيين ومهمتنا ستكون

تخليصهم منهم ، ثمة فرقة كوماندوز أمريكية ستكون معنا وإسناد
جوي أيضا فقد تحدد

مكان الهدف وهذا ما دفعهم للمغامرة ومحاولة تحريرهم "

همس مطر محركا رأسه بالموافقة " حظا موفقا إذاً "


وتابع مركزا نظره على عينيه " ليست عادتك في إعطاء التفاصيل يا تيم ! يبدوا

لي ثمة انحراف ما في رحلتك إن كنت أفهمك جيدا ؟ "

عدل جلسته مكتفا يديه لصدره وقال بشيء من الهدوء " بلى وأعتقد
أنه لم يعد يجدي

ترك الأمر لسنوات أكثر بما أن الوضع على ما يبدوا لن يتغير "

قال مطر من فوره " لكنك تعلم خطورة دخولك هناك يا تيم ؟ أرسل
غيرك

وسنجري احتياطاتنا هنا "

حرك رأسه برفض فوري وهو من كان متأكدا أن قراراته لن يناقشه
فيها أحد غير الجالس

أمامه وتعوّد أنه لا يفعل ذلك إلا نادرا ولطالما ترك له حرية اتخاذ تلك
القرارات ، قال

بجدية " ثمة دين قديم وحساب عليا تصفيته بنفسي من أحدهم "

ارتفعت زاوية فم الجالس أمامه بابتسامة صغيرة فهو أكثر من يفهمه
ويعلم كيف يفكر لذلك

لن يناقشه في أي شيء يخص ذاك الأمر ولن يعترض ، قال " لك ذلك
وسأوفر لك الحماية

والسرية التامة لإجراءات دخولك هناك ولخروجكما فالفرصة ستكون
مواتية تماما بسفرك في

تلك المهمة لتمر بالبلاد وقت رجوعك لكن مكوثك هناك يجب أن لا
يكون طويلا من أجل

سلامتك , والمجموعة هنا تحتاجك خاصة في القادم "

أشار برأسه بالموافقة دون تعليق وقال مطر " إذاً دعنا ننتقل الآن
للنقطة الأهم في طلبي

لك الحضور الآن قاطعا رحلتك "

نظر له باستغراب فرغم أنه معتاد على التغير المفاجئ والدائم في نمط
حياته وتحركاته بسبب

المهام التي توكل له من الجانبين إلا أن حدسه الذي ورثه من فطنة
عائلة كنعان تحديدا ينبئه

بالكثير من الغموض وراء الأمر َ!! ورغم ذلك حافظ على صمته
وهدوئه الحذر الدائم حتى

تحدث الجالس أمامه مجددا وقال ناصبا ساق على الأخرى " مؤكد
المعلومات التي

وصلتني عن ابنة الجنرال غامسون صحيحة ؟ "

فك تيم ذراعيه عن صدره وأراح قبضتيه على ركبتيه شادا لهما بقوة
وقال " أعلم بالقوانين

وأنا لا أريد من نفسي الدخول في أي علاقة من هذا النوع وقد رفضتها
وستفهم تلك الفتاة ذلك مهما طال الوقت "

قال مطر بجدية ونظره على عينيه " لا ... عليك أن لا ترفضها "



*

*



" ماريااااااا "

رمت ما كان في يدها دون شعور منها وركضت خارج الغرفة من دون
حتى حذاء

وحمدت الله أنها ارتدت ملابسها جميعها ولم تكتشف أنها نسيت شيئا
بسبب صراخ عمها

المفاجئ , الرجل الذي علمها صوته وهو في غمرة هدوئه التوجس
والحذر مما يحمله فما بالك بصراخه باسمها غاضبا هكذا ! الصراخ
الذي وصلها لغرفتها وليست تعلم ما فعلت وأذنبت فهي تعايشت مع كل
شيء سلب منها البهجة في حياتها حتى أنها لا تعارضه في أي

شيء يخص مالها وهذا السبب الوحيد الذي يمكنها أن تتكهن بغضبه
حياله , نزلت عتبات

السلالم ووقفت في منتصفها تنظر بصدمة للموجودين في الأسفل ....
عمها الواقف عند

بداية السلالم ليصلها صوته طبعا وكان لازال بملابس النوم يمسك في
يده ورقة ما وينظر

لها تلك النظرة التي تكاد تلتهمها حية , ورجلان يقفان عند باب المنزل
..... وهنا كانت

الفاجعة الحقيقية !! رجلان بزي شرطة ينظران لها نظرة تقييميه من
رأسها حتى أخمص

قدميها , نظرة أعادت لها هواجسها بأن تكون نسيت شيئا من ثيابها
التي كانت تلبسها

لتغادر لجامعتها , تحدث أحدهما قائلا " أنتي هي ماريه ؟ "

نقلت نظرها المصدوم بينهم قبل أن يستقر عليه مجددا وقالت " نعم أنا
هي ! "

أشار بعينيه للورقة في يد عمها ثم نظر لها مجددا وقال " أنتي مطلوبة
للتحقيق

وعليك مرافقتنا "

*************

المخرج ~

بقلم / أميرة الوفاء

من تيم إلى والده ..

لما تخليت عني ..؟!
رحلت وتركتني أعاني ..
كم حلمت أن أسمع منك كلمة ابني ..
كم انتظرت أن تأتيني ..
تمسح دمع عيني ..
إن مرضت للطبيب تأخدني ..
تحملني ..تحضنني ..
لكنك لم تعد ..
وفضلت البعد ..
أمي أحبتك ..
وتفهمت رحيلك ..
حتى ماتت تبرر تصرفك ..
وأن الأمر ليس بيدك ..
ونصحتني أن أتقبل عودتك ..
كانت تعلم أنك ستعود ..
فأخدت مني وعود ..
أن أسامحك. وأتقبلك بالوجود ..
فهل تظن أن الأمر يسير ..
بالنسبة لي هو أعسر العسير ..
x..







نهاية الفصل الرابع
موعدنا القادم يوم الأربعاء الساعة العاشرة مساء

إن شاء الله ودمتم في حفظ الرحمن

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 19-07-17, 09:05 PM   المشاركة رقم: 140
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 76 ( الأعضاء 18 والزوار 58)
‏فيتامين سي, ‏أحـــبك, ‏مارية سارة, ‏العفري2000, ‏missliilam, ‏فتاة الغابة, ‏شعاع الأحلام, ‏sareeta michel, ‏الاميرة البيضاء, ‏وداد الحربي, ‏نور الغيد, ‏المتشردة الصغيرة, ‏Washm, ‏بنتي أميرتي+, ‏ريم الكسر, ‏أم مروان, ‏Electron, ‏وتين قلبي

قراءة ممتعة لكم ....... وردود ممتعة لنا وللغاليه برد المشاعر

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 07:34 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية