كاتب الموضوع :
فيتامين سي
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر
الفصل السادس عشر
المدخل ~~
بقلم / رنين شوق
من آستريا إلى رعد
لي قلب ملئ حبا وودا
أنى له أن يعرف كرها وحقدا
فرحة وابتسامة كانتا دوما
على شفتي رسما خطا
والآن قد صرت للأحباب ندا
أواجههم وعيوني ترجو البعدا
في الماضي قد أحببت رعدا
والآن بات قلبي يتوقف نبضا
هلموا يا قوما كانوا ضدا
لعاشقة هربت لتسترجع حبا
*******
بقلم / sandra1sandros
من استي لرعد😍
في كل ليلة
اجلس امام مرآتي
امشط شعري الطويل لاجلك
اتعلم لم اقصه منذ رحيلك
واغدق العطر اللذيذ فوق نحري
خلف اذني
على معصمي
ثم استنشقه بعمق لاتلذذ به
واسال نفسي كل ليلة
ترى هل سيحب عطري هذا ام هذاك
اتعرف انها قارورة العطر العاشرة التي غيرتها
ام ربما العشرون لم اعد اذكر
فقد اغتسلت بعشرات العطور لاجلك
فانا يا حبيبي على الوعد كل ليلة
اقوم بكل طقوس العاشقين
اختار احلى الثياب
وادلل انوثتي كعروس
ثم اجلس في سريري المفرد
اتذكر تفاصيلك بشغف عاشقة
لم تعرف الحب الا معك وبين يديك
عاشقة تؤمن ان الحب مرة واحدة
لكنها تستمر الى الابد
ويظل بعدها القلب يواصل عيش تلك اللحظة
مرارا وتكرارا بلا ملل ولا امل
لكنه يبقى يواصل
انتظرك رغم كل شيء
لانني لازلت اوؤمن بك
واعلم يقينا
انه ان كان لنا لقاء اخر خط في لوح القدر
فهي مجرد مسألة وقت
اتعلم لماذا يافارسي الاثير
لانني ببساطة لازلت أؤمن بعصر الفرسان
ولازلت اصدق ان الرجل كلمة ووعد
وان فارسي الذي عشقته لن يخذلني
فقلبي لايزال يؤمن بوعود قطعتها شفتاك
على هذا الوعد ياحبيبي
بعثرت عمري في محراب عشقك
وعلى هذا الوعد يافارسي
قلبي سيمضي ويواصل
**************
ساد الصمت المميت المكان والنظرات الحائرة تنتقل بين الواقفة
عند الباب والخدوش في وجهها والدماء الجافة غطت أغلب تلك
البشرة العاجية ودموعها قد بدأت بالنزول من عيناها المتورمتان
من كثرة البكاء ... انتقالا للواقف متسمرا مكانه ينظر لها نظرة
من عاد ميته للحياة مجددا ولم يستوعب بعد بأن ذاك الميت يقف
حقا أمامه درجة أن عجز حتى عن الحركة فقام بأبسط ما استطاع
فعله أن رفع ذراعيه لها هامسا بصوته الرجولي العميق
وعيناه تمتلئان ببطء بدموع الحسرة والندم والشوق رغم تلك
الابتسامة الطفيفة التي زينت شفتيه المتصلبتان
" آستريا لرعد يوما ما "
فانطلقت الواقفة هناك راكضة نحوه ... من عاشت تلك العبارة
في قلبها لأعوام طويلة بل لما يقارب العقد والنصف تحلم في كل
ليلة بأن تسمعها منه مجددا بأن تراه وإن من بعيد وبأن تشبع
عيناها المشتاقة له .. ارتمت في ذاك الحضن الذي عاشت على
ذكراه تمني نفسها به في نومها وصحوتها تعد قلبها المشتاق
بأنها لن تعرف سواه بأن لا تنام على غير تلك الأضلع فيه ،
كانت أصابعها تقبض على قميصه بقوة تدفن تلك لدموع والعبرات
وسط صدره حيث دفن ذاك العهد بينهما وللأبد وحيث أقسم لها ذات
مرة أن لا تعرفه امرأة غيرها .. لن تختبر دفئه وحنانه أي النساء
عداها ولن تلتف تلك الذراعان القويتان حول جسد أنثى قبلها ولا
بعدها يشدها له بقوة عبر فيها عن كل ذاك الشوق .. عن سنوات
الفقد والحرمان من كل شيء فيها .. عيناها ابتسامتها صوتها
ضحكاتها الرقيقة وحتى أحرف اسمه التي خرجت يوما من شفتيها
ولم يشعر بعدها بأن لاسمه معنا وقد بات مجرد كلمة خاوية جوفاء
فقدت معنى ارتباطها بحياته ، ضمها بقوة يدفن وجهه في شعرها
المموج بنعومة وكثافة فريدة من نوعها .. دفن فيه دموعه الصامتة
التي لم يفكر في احتجازها أبدا بل ترك لها العنان تعبر عن احتراق
كل تلك السنين في جوفه .. عن الحب والفقد والفراق الطويل وألم
الاشتياق الذي لا نهاية له وأصابعه تخترق تلك الخصلات يضم
رأسها لعنقه أكثر وأغمض عينيه بقوة متنهدا بعمق فها قد خرجت
تلك النيران المشتعلة في قلبه من أعوام .. خرجت من صدره أخيرا
ورحمته ، خرجت في دفعات الواحدة تلحقها الأخرى هامسا
" آآآه يا قلب رعد ... ليتك تعلمي فقط كم يحترق في جوفه "
تمسكت ذراعاها بعنقه أكثر وهمست بعبرة تقطعت لها القلوب
" تأخرت عني يا رعد ... تأخرت كثيرا "
مشهدا أبكى ثلاثة أشخاص حولهما وعبث بمشاعر الاثنان الآخران
رغم أنهما لم ينشغلا بمشاهدته مثلهم وأحدهما والجالس مقيدا بذاك
الكرسي ينظر للآخر والواقف عند الباب الذي دخل وتلك الفتاة منه
والذي كان نظره على الواقفة قربهما هناك تمسح دموعها التي
ترفض التوقف ... نظرة لا يستطيع فهمها سوى رجل مثله عرف
معنى أن يحب وأن يجرح التي وحده من يشعر بجراحها قبلها ..
من قد دمره فراقه لها قبل أن يدمرها هي ، فها هو يجمع شتات
من حولها بالتعاقب .. هو وجهينة ثم رعد وحبيبته بينما يقف
هو وحيدا مكتفيا بالنظر للتي تبكي اجتماع الأحبة في كل مرة .
تنهد بأسى على حالهما الأكثر تعقيدا من مشاكل البلاد بأكمله
ونقل نظره لها حين تحركت خطواتها ببطء ناحية الذي تمسكت
أصابعها بكتف قميصه ودفنت وجهها في ذراعه تبكي معهما فهي
من يعلم معنى الفراق .. معنى الألم ومعنى أن تموت وحيدا بين
جدران ماضيك الباردة لا أحد يمسح دموع الشوق عن وجنتيك ...
يخبئك في حضنه الدافئ ويعدك بأنه لك وللأبد وبأن الموت وحده
ما قد يأخذه منك ليرحل به مجرد جسد فقط لأنه سيترك قلبه وروحه
معك مثلما سيأخذ شبيهاتها معه تحت التراب ويسرق كل واحد منهما
روح الآخر وللأبد ، بكت فراقهما وبكت اجتماعهما معا بل وحتى
لبكائهما فلن يفهم أحد مثلها شدة ما يمران به غير أنها طرف
وحيد في الحكاية كما ترى وليس مثلهما .
وما أن ابتعدت عنه مسحت على ظهره هامسة ببحة
" رعد اتركها ألا ترى جسدها والجروح فيه؟يكفي أنت تؤذيها هكذا "
ارتخت ذراعاه عنها حينها وأبعدها عنه وأمسك وجهها بيديه وقبل
جبينها بعمق مغمضا عينيه قبل أن ينظر لعينيها يحاول بأطراف
أصابعه مسح الدموع من وجنتيها المليئة بالخدوش هامسا
بابتسامة محب
" لن أسمح برؤية هذه الدموع مجددا آستريا "
ونزل بأصابعه لشفتيها ممررا ظهر سبابته والوسطى عليهما برفق
قبل أن يرفعهما لشفتيه وقبلهما فأنزلت نظرها حياء من الموجودين
هناك قبل أن ترفعه له مجددا قائلة بحزن وعبرة بكاء
" لم يمسسني أي رجل يا رعد ، شقيقك لم يترك أحدا يقترب مني
وكان من يحرسني بنفسه وقبله صديق شقيقك الكاسر والذي لولاه
بعد الله ما كنت أعلم ما سيحدث لي "
قبل جبينها مجددا وقال ناظرا لعينيها
" ما كان ذلك ليعنيني يا آستريا ، المهم أنك هنا وأراك أمامي
فلا يد لك في أي من ذلك "
لامس كفها يده التي لازالت تحتضن وجهها وقالت ونظرها معلق
في عينيه
" شقيقك أوصاني أن أخبرك أمرا "
مسح بكفه على شعرها قائلا
" اتركي الحديث عن كل شيء الآن فأنتي تحتاجين للراحة
ولمن يعالج جراحك أولا "
حركت رأسها برفض قائلة
" هو أوصاني بأن أقول ذلك ما أن أصل إليك وأمام الجميع "
نظر لها باستغراب فتابعت قائلة ونظراتها الدامعة معلقة بعينيه
" قال أمانتك وصلتك فأحفظ أمانتي حتى تصلني "
نظر لها بصدمة انتقلت منها سريعا للواقف عند الباب ومن
تحولت نظراته لغضب أسود يشد قبضتيه بقوة فركز نظره على
عينيه يحاول إخبار بأمر واحد فقط
( لا تكن فريسة سهلة له مجددا يا مطر )
وعلم فورا بأنه فهم الرسالة وقد استدار فورا وخرج ضاربا ذاك
الباب خلفه ونزل عتباته بخطوات كانت كفيلة بتحطيمها بل
وبإشعال الأرض تحتها وبالكامل .
" مطر "
توقف مكانه والتفت للواقفة في الأعلى ما أن وصله ذاك
الصوت الرقيق والذي كان ما يزال متأثرا ببكائها السابق ..
الصوت الذي كان كفيلا بإيقافه دون أن يقف مع عقله لحظة
تفكير واحدة وقد نظر لعينيها بصمت لازال يقاوم نفسه عن
فعلها وسحبها لحضنه لا بل حملها على كتفه والفرار بها من
عالم عائلة شراع صنوان بأكملها قبل هذا المنزل والمدينة .
" ما سبب ما قلت وقت دخولك ؟ ما الذي يحدث بينك وبين جبران ؟ "
نظر لها بصمت ولم يعلق فقالت بجدية تشد قبضتيها بقوة
بجانب جسدها
" لن أسمح لك بأذية شخص آخر من عائلتي وأعتقد بأنه
هذه المرة أيضا ليس غسق ولا ابنتها من تستثنيهما من
عدلك وانصافك "
لوح بيده بقوة وقد طفت نيران غضبه للسطح
" سأكون معك ومع ابنتك أكثر عدلا منه ولن يمسكني عنه شيء
إن فعل ما أتوقعه يا غسق ... لا شيء إلا موتي "
صرخت فيه من فورها
" يكفيك يا مطر ، بل يكفيني أنا من تشييع جثامين عائلتي ، قسما
إن مات بسببك أن ... "
قاطعها صارخا بحدة أكبر
" توقفي عن الدفاع عنه وعن رؤيته كفرد من هذه العائلة لأنه
لا يستحق دماء شراع صنوان التي تجري في عروقه وأمامك تري
ما فعل بشقيقه وحبيبته "
نفضت يدها قائلة بحدة والدموع تتصارع بين حدقتيها ورموشها
" ثمة حلول كثيرة غير الموت والقتل يا مطر ، لما وحده من
قررت تغيير سياستك ناحيته ؟ "
مد يده لباب السيارة المجاور لكرسي السائق وفتحه ونظر لها
وكأنه يخيرها بين أن ترحل معه الآن أو أن ينفذ ما قال فنقلت
نظرها بينهما قبل أن تنظر لعينيه قائلة بصدمة
" ما معنى هذا يا مطر ؟ تساوم بالأرواح ! "
ضرب الباب بقوة مغلقا له وقال بغضب مشتعل
" هذا لتفهمي من أي نوع هو ذاك الرجل الذي تدافعين عنه
ولازلت تنظرين له كشقيق لك ، لقد ساوم بك مقابل الفتاة
الثنانية وحرب الثنانيين إن كان يعنيك هذا ، ولن تفهمي قط
معنى ما قام به أيضا "
نظرت له بصدمة فتابع رافعا سبابته أمام وجهه قائلا بحزم
" قسما إن فعلها وخرجت قطعة سلاح واحدة من اليرموك لأيدي
المدنيين هناك لن يمسكني عنه سوى أن يكون أجله لم يحن بعد "
قبضت يديها لا شعوريا حين دار حول السيارة ووقف مقابلا لها
بعدما فتح بابها وقال بحزم ناظرا لعينيها الدامعة
" وقسما يا ابنة دجى الحالك أن يكون مصير أي رجل يفكر فقط
في أن يقترب منك الموت وعلى يداي "
ركب بعدها سيارته وغادر تراقبه نظراتها وعيناها السوداء
التي تسربت منها الدموع سريعا هامسة بأسى
" تأخرت يا مطر .... ليتك فقط لم تقتلني يوما ليموت تباعا
كل هذا لدي "
ثم نظرت حولها وتلك الدموع تسقي رموشها الكثيفة فهنا دفنت
كل شيء حتى غسق .. هنا دفنت مشاعرها وسنوات عمرها
وحيدة من دونه وقد علمها الفراغ أن تعتاد على أن تعيش من
دون سماع صوته .. أن تنسى ذكرى حضن الرجل الوحيد الذي
عرفته والأضلع التي تمنت أن قتلت وما حرمت يوما من النوم
والهذيان بينها ، التفتت للباب الذي خرجت منه تمسح عيناها
بقوة تحاول ترك كل ذلك خلفها وعدم الالتفات له وإن قتلها
ودخلت ونظرت للذي كان يجلس على الأريكة يداه تحضن
يدي الجالسة بجواره لا يتوقف عن تقبيل باطنهما وهي تراقبه
بعينين دامعة وقد دفن وجهه فيهما ولم يستطع إمساك نشيجه
الباكي حينها فسحبتهما منه وضمت رأسه لصدرها بقوة تشاركه
البكاء ، تكره مقاطعتهما وأن يحرما من أي لحظة يختاران مشاركتها
معا وكان عليها أن تفهم وأن تعلم ما الذي يجري وما معنى كل ما
قاله من غادر من هنا قبل قليل !
رفعت نظرها للأعلى فجأة ليقع على الواقف هناك منحن بجسده
على سياج السلالم يراقب ما يجري في الأسفل مبتسما قبل أن ينتبه
لها وفر حينها ضاحكا بصمت فحركت رأسها بيأس منه وكانت
تود اللحاق به وتوبيخه بما يستحق لكن ثمة من عليها زيارته
أولا فغيرت وجهتها لممر غرفة رماح والتي دخلتها دون أن
تطرق بابها ليقينها أولا من أنه لا يغير ملابسه وحيدا ولن يكون
نائما بالطبع وثانيا لأنها تريد التأكد مما تتوقعه وما وجدته عليه
بالفعل حينها وهي تقترب منه موليا الباب ظهره فالتفت لها سريعا
ما أن شعر بوجودها وقد قلب الصورة التي كانت في يده قبل أن
يدسها في الدرج مجددا وأغلقه فابتسمت بحزن ودارت حول
كرسيه حتى أصبحت واقفة مقابلة له وقالت بجدية
" لما تلاحق أطياف حبيبتك في صورة قديمة وليس يفصلها عنك
سوى أمتار قليلة يا رماح ؟ "
أشاح بوجهه عنها ولم يعلق فقالت بأسى
" لما لا تقدر معنى أن يكون أحدهم وفيا لك حتى الموت ؟
أن يحترم ذكراك وأنت بعيدا عنه وأن يخسر كل شيء من أجلك
وحتى سنوات عمره ؟ "
نظر لها ولعينيها الممتلئة بالدموع ... مشهد طمر خلف السنين
كمشاهد بكائها التي لم يروها مجددا إلا من وقت قريب فلم يتخيل
أن يراها تعانق وجنتيها وقت رجوعه من لندن وهو من لم يراها
ولا وقت وفاة والده رغم معرفته بأي ليال تكون تلك التي مرت
عليها وحيدة في غرفتها ... أمر جعل مطر شاهين يغادر منفاه
ولأول مرة ويدخل البلاد لليلة واحدة فقط ولساعتين زار فيهما
هذا المنزل فقط وتحديدا تلك الغرفة في الأعلى والجميع يقدر له
ذلك فهم كانوا سيخسرونها وللأبد بسبب هذيانها الباكي ليلا
تنادي والدها الذي رباها كالمجنونة ، قال بهدوء محدقا في
عينيها السوداء الواسعة
" توقفي عن تعذيب نفسك بسببنا يا غسق .. يكفيك قتلا
لروحك الجميلة شقيقتي "
حركت قبضتها نحو الأسفل قائلة بضيق
" افعل الصواب إذا يا رماح وأنصف تلك الفتاة وإن من أجلك
أنت وليس هي "
تنهد بعمق وقال
" لا أريد أن أظلمها يا غسق ، لما ترفضين فهم.... "
قاطعته بغضب
" لما لا تفهم أنت معنى ظلمك الحالي لها ؟ أي ظلم هذا الذي
ستعيشه أسوء مما تراه الآن وها أنت بعدما لحقت بك إلى هنا
ستغادر لحوران وتتركها "
قال ببرود
" وانقلي عملها ووالدتها وشقيقها لحوران فلن يصعب ذلك
عليك وأنتي زوجة رئيس البلاد "
صرخت فيه فورا
" رماح أنا لا أمزح "
قال بضيق
" ولا أنا أمزح أيضا حين أقول أنه على جهينة أن تحكم عقلها
وأن لا تضيع عمرها خادمة لي "
قالت بضيق مماثل
" أنت يمكنك السير يارماح لو أردت ذلك "
قال بجمود محدقا في عينيها
" وإن لم يحدث ذلك يا غسق ؟ ماذا إن حدث العكس وفقدت
حتى القدرة على الوصول للحمام قبل أن أتبول على نفسي كالأطفال ؟
ماذا إن فقدت القدرة على ممارسة حياتي معها كزوجين طبيعيين ؟
ما الذي ستتحول له حياتنا حينها وأي ثمن ستدفعه تلك الفتاة ؟ "
أبعدت نظرها عنه مغمضة عينيها لبرهة وتنفست بعمق وكأنها تحاول
طرد التفكير في ذلك من عقلها قبل أن تنظر له مجددا قائلة
" حررها منك حينها ولا تكتب التعاسة لكليكما بسبب فرضيات
الله وحده يعلم صحتها من عدمها "
علق من فوره وبسخرية
" احررها كيف بالله عليك يا غسق وبعد ماذا ؟ اتعطي أحدهم
الماء على الظمأ وتحرمه منه من قبل أن يرتوي ؟ لا وتريد منه
أن يرميه بنفسه لأنه لم يعد يمكنه الشرب منه ؟ لعبة هي يا غسق
أتزوجها ثم أرميها "
قالت بإصرار
" لكنها تحبك يا رماح "
شد قبضته فوق ذراع كرسيه وقال بحزم
"وأنا أحبها لكن الذي يحب يضحي من أجل حبيبه إن كان
يحبه فعلا "
لوحت بيدها صارخة برفض
" أنت لا تضحي من أجلها أنت تضحي بها ، أنت تتركها تموت
بالبطيء ... لست أعلم شخصا يضحي بمن يحبه من أجله !
هذا لا يستوعبه عقل "
قال بجدية محدقا في عينيها
" إن كنت تحبين رجلا وعلمت بأن بقائه معك معناه أن يموت
وتفقديه للأبد أكنت تضحين به من أجله أم تخسريه وللأبد وليس
أنتي فقط بل وجميع من يحبونه ويحتاجون له "
قالت بضيق
" لا تخلط الأمور يا رماح فجهينة لن تموت وهي معك بل من دونك ،
لما تنظرون للأمور بطريقة غريبة أنتم الرجال ؟ لو كنت كما تقول
أحب رجلا وكان مثلك الآن سيتركني كي يحميني منه أو من نفسي
أو مستقبلي معه أو حتى الموت كنت سأرضى بالموت دفعة واحدة
على تركي أموت بالبطيء ودون رحمة "
تنهد بعمق وقال
" في هذا تناقضين نفسك يا غسق ! كنت لترضي أن تموتي ولا
أن يضحي الرجل الذي تحبين بك ولن ترضي بالتأكيد أن يموت
لأنه رفض تضحيتك ! "
كانت ستتحدث والضيق في ملامحها الجميلة يزداد حدة فسبقها
قائلا بأسى
" غسق يكفيك عتابا لي اقسم أنك تؤذينني بغضبك مني يا شقيقتي
ومعاملتك لي كنكرة "
قالت من فورها وبحزم
" بل ولن تراني أبدا إن بقيت على عنادك هذا "
قال بصدمة
" غسق أن...... "
قاطعته من فورها وبحزم
" اقسم بالله يا رماح أن أفعلها ولن يقابل وجهي وجهك حتى أموت "
صرخ مستنكرا
" غسق !!! "
فنظرت له بعناد وإصرار ولم تتحدث فقال بضيق
" تجبريني على ما لا أريد مثلا يا غسق ؟ أترضين بهذا لنفسك
أم ترضي بأن تفرضي على رجل بالإكراه "
قالت بضيق مماثل
" توقفوا عن التمثيل بي وعن محاصرتي بهذه الحجج الواهية
يا رماح "
تأفف وقال بحدة
" لن تلومي إلا نفسك إن لم تنجح حياتنا يا غسق بل وأنا أيضا
سألقي باللوم عليك فتذكري هذا جيدا "
قالت ببرود
" موافقة "
حرك رأسه بيأس منها فمدت يدها له بصمت ونظر لها هو باستغراب
فقالت بجمود
" أعطني هاتفك "
تمتم ببرود رافض
" وأين هاتفك أنتي ؟ "
قالت من فورها
" ليس معي ولن أترك هذا المكان حتى أتصل بها ونحدد معهم
موعدا فأنا لا أثق بك "
تنهد بضيق وأخرجه لها من جيب بنطلونه فأخذته منه فورا وكتبت
رقمها فيه وما أن اتصلت ظهر أنه مسجل لديه وباسم (حبيبتي دائما)
فنظرت له تزم شفتيها بحنق وأبعد هو نظره عنها بضيق فتجاهلته
ووضعت الهاتف على أذنها وقد أجابت من في الطرف الآخر
فورا قائلة بهمس ولهفة
" رماح !!! "
نظرت بضيق للذي كان ينظر لها وقالت
" بل أنا غسق يا جهينة وأردت أن تحددوا لنا موعدا لنزوركم "
لم تخفى عليها السعادة في صوتها وهي تهمس مجددا
" الأفضل أن تحدثي والدتي يا غسق فقد لا يعجبها أن يكون
ذلك من خلالي "
قالت من فورها
" أجل معك حق سأتحدث معها بهاتفي وسيتحدث رماح مع شقيقك
فيما بعد فعلينا أن نتم الأمر قبل انتقالنا من هنا "
وصلها ذاك الهمس المصدوم سريعا
" تنتقلون من هنا ؟ "
أبعدت نظرها عن الجالس أمامها وقالت
" أجل لحوران وفي أقرب وقت وسنتحدث أكثر فيما بعد فالأمر
يطول شرحه "
همست تلك بتردد
" وكيف هو رماح ؟ "
نظرت له مجددا وقالت
" تتصلي بي يوميا لتسأليني فقط هذا السؤال وفي كل مرة أقول
لك أنه بخير وها هو جالس أمامي بكامل قواه العقلية حتى الآن "
أشاح بوجهه عنها متنهدا بضيق على ذاك الصوت الهامس بحياء
" وداعا الآن إذا .... "
فقالت وهي تبعد الهاتف عن أذنها
" وداعا ... أراك قريبا "
مدته له بعدها فقال ببرود وهو يأخذه منها
" أنتي راضية الآن ؟ "
قالت مغادرة جهة الباب
" بالتأكيد وستشكرني يوما ما "
خرجت من عنده مغلقة الباب خلفها وعبرت الممر عائدة من
حيث جاءت حتى كانت في بهو المنزل ووقع نظرها فورا على
الجالس هناك وحيدا هذه المرة يتكئ بمرفقيه على ركبتيه وينظر
للأرض فقالت تنظر حولها
" أين هي آستريا ؟ "
قال ولايزال ينظر للأسفل
" أوصلتها الخادمة لغرفتي لتستحم "
قالت باستغراب
" غرفتك !! "
رفع نظره لها وقال
" أجل غرفتي "
قالت من فورها
" ولما غرفتك ؟ "
استوى في جلوسه وقال هو باستغراب هذه المرة
" أين إذا لغرفة رماح ! أم عمتي ؟ هي زوجتي يا غسق "
قالت بجدية
" أعلم أنها زوجتك لكن غرف المنزل كثيرة وما بينكما سنعده
عقد قران فقط ولن تتزوجا هكذا "
كان سيتحدث فسبقته قائلة بحزم
" هي تتزوج للمرة الأولى ومن حقها أن تحتفل وتحضى بزواج
كغيرها ، ثم أنت أول عربي يتزوج من ثنانية أتريد أن تتزوجها هكذا ؟
ولا تنسى مكانتك أيضا كعضو في البرلمان الحاكم للبلاد "
قال بجدية
" وبسبب الأشياء الذي ذكرتها جميعها علينا أن لا نحيط أنفسنا
بكل تلك الشوشرة خاصة بعدما علمته منها "
نظرت له باستغراب قبل أن تتذكر ما كانت تريد سؤاله عنه
أساسا فقالت
"ما هذاالذي بين جبران ومطروتحدث عنه ويبدوا بأنك تعرفه جيدا؟ "
نظر لها بصدمة تتنقل نظراته بين حدقتيها السوداء الواسعة قبل يقول
بصوت منخفض
" الحكاية قديمة يا غسق ولا جدوى من نبشها الآن "
نظرت له باستغراب لم تفق منه قبل وقت هامسة
" عن أي حكاية قديمة بينهما تتحدث !! "
تلكك بصدمة قبل ان يقول
" عما تتحدثين أنتي وما أخبرك ؟ "
قالت من فورها وبريبة
" عن اليرموك أتحدث فعما كنت تتحدث أنت ؟ "
قال بعد برهة تفكير للفكاك من ذاك المأزق
" عنها كنت أتحدث أيضا فقد طلبها شقيقك مقابلا لآستريا ، هكذا
قا..... "
قاطعته قائلة بحزم
" رعد حكاية اليرموك سيكون عمرها يومان فقط فعن أي حكاية
قديمة بينهما ما تتحدث "
أبعد نظره عنها وقال
" لا شيء "
قالت بضيق ودون أن تعطي عقلها أي مجال للتفكير في أمور
تكره مجرد الخوض فيها
" ر عد لا أعرفك تكذب أبدا فتفعلها الآن من أجل أي منهما ؟ "
نظر لها وقال ملوحا بيده بضيق
" يمكنك أن تسأليه واعفني من كل هذا يا غسق "
نظرت له بصدمة هامسة
" لم تنكر ذلك يا رعد !! "
أشاح بوجهه جانبا يقبض أصابعه بقوة وكأنه يكتم غضبا
مدفونا لم يشعرها سوى بالنيران المدفونة أيضا في جوفها
تستعر مجددا فتركته راكضة جهة السلالم وصعدت فورا ولم
تشعر بنفسها إلا وهي في غرفتها تتكئ بظهرها على الباب الذي
أغلقته للتو خلفها تنظر للفراغ بتشتت تتنفس بقوة وصعوبة
عيناها قد لمعتا بغضب مكتوم وضياع أوصل قلبها لأقسى درجات
العذاب وجفناها بدأ يشوبهما ذاك الاحمرار الخفيف من حبس كل
ذلك فيهما ووحش الماضي يهاجمها وبشراسة
) لمن هذا المنديل يا غسق تكلمي (
) " تريدين معرفة السبب يا غسق ؟ معرفة ما بي وما ذنبك أنتي ؟
تريدين فتح الجراح وكشف الحقيقة المرة ؟ "
رمى يده بعنف وصرخ أكثر لا يفصله عنها سوى جسد جوزاء
التي تمسك به بقوة ليبتعد
" ما رأيك برجل طعن في كبريائه وكرامته ؟ ماذا تتوقعين من
رجل انتظر امرأة لأعوام وعاش لها فقط لا ينظر ولا بطرف عينه
لامرأة أخرى ليأخذها منه غيره وليكتشف أنها فضلت غيره عليه ,
امرأة داس على كرامته من أجلها تنازل من أجلها ... عشقها
سمعتي عشقها هي وحدها ليكتشف أنها لغيره أنها باعته بأرخص
منه أنها تلاعبت به أنها تخطط للزواج من غيره وأنها لم تستحق
عمره الذي أضاعه ينتظرها )
أمسكت رأسها بقوة وذكرى صوت جبران تحديدا تهاجمها تباعا
( بل لي .. أنتي لي يا غسق ومرجعك عندي أنا , أنا وحدي من يحبك
وستري ذلك بأم عينك وسيتخلى عنك ذاك المغرور وبدون سبب لأنه لا
يفكر إلا في نفسه لا يحب إلا نفسه ولا يعطي شيئا ولا حتى مشاعره ,
هو كالموت يأخذ فقط )
(جبانة أنتي تخافين منه ... تحميني وتحمي والدي فقط أنا متأكد من
ذلك فلا تخشي شيئا وقولي فقط أنك تريدين ترك ذاك المكان وأنا
مستعد لإخراجك من هناك مهما كلفني الأمر وسندبر ذلك سويا ,
قوليها هيا ولا تخشي شيئا يا غسق)
( " أحبه يا جبران وإن قتلني لا يمكنني إلا أن أحبه يا شقيقي "
" كذب هي لم تقل ذلك وسيطلقها وسترجع لي , لي أنا وحدي
وإن قتلته أو أموت من أجل ذلك " )
توجهت للطاولة وضربت كل ما عليها صارخة برفض ولم يتوقف
الأمر عند ذلك فقط بل كل ما طالته يداها مثلما عادت تلك الذكرى
لتحطيمها من الداخل
( هو أوصاني بأن أقول ذلك ما أن أصل إليك وأمام الجميع ...
قال أمانتك وصلتك فاحفظ أمانتي حتى تصلني )
( لقد ساوم بك مقابل الفتاة الثنانية وحرب الثنانيين إن كان يعنيك
هذا ولن تفهمي قط معنى ما قام به )
( هي لم تخني يوما .... بل هي لا تعرف الخيانة ووحدي من
كنت أجرحها بذلك )
( ومطر شاهين يحبك .... يحبك يا ابنة دجى الحالك)
ضربت التحفة الخزفية في صورتها في مرآة الخزانة بقوة حولتها
لأشلاء صارخة بقوة ونزلت على الأرض تتكئ بظهرها على
خشب مقدمة سريرها وحضنت ركبتيها بقوة تدفن وجهها فيهما
حين وصلها صوت الذي كان يطرق الباب بقوة صارخا
" غسق توقفي عن إيذاء نفسك ولا تنسي حديث والدي الأخير ....
غسق لا تنسي الوعد الذي قطعته له "
فضمت ساقيها أكثر وأغمضت عيناها بقوة هامسة بصوت
مرتجف يائس
" أبي ... ليتك فقط أخذتني معك "
*
*
*
|