كاتب الموضوع :
فيتامين سي
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر
الفصل الثالث عشر
المدخل ~
بقلم/ لواء الحق
استريا...
ليته يعود الزمن...لأحرق هذا القلب العفن ..
أحب بوقت رهن ...بين الحروب والفتن ..
لابارك الله في قلب وهن ...من أثر الجراح والمحن ..
أسرت وهام قلبي وجن ...يبحث بين الحدود والمدن ..
رفضت بن عم وبن وبن ...وانتظرت رعدا المتن ..
أهنت سجنت ولم أكن ...أبالي بالعذاب والسجن ..
قالوا ..آستي ..هم صنوان ونحن من ...قلت نحن تانان غجر عفن..
لا يقبل بأختلاط الدماء ولن...يرضاها وأن دفن ..
فقط أنتظر جنون المطر فأن ...وحده من يزيل المحن
*************************
رعد......
أين أنت يامطر ....قد أنتهت كل الفصول ..
ولست أفهم مالعذر...فالوقت يركض كالخيول ..
قلت اصبر ومالصبر ...واشتياقي لن يزول ..
فحالك وصنوان اندثر ...والهازان أيضا لم يطول ..
قد وحدتهم يامطر ...فلترى باقي الفصول..
فقرة عيني تنتظر ...وعد المكبل المشلول ..
لم تطلب مني عمرانا مهر ...بل تطلب منصفا عدول..
هيا تحرك يامطر ...فلست أئمن المجهول..
التنان قوم مستعر ...ضد الحب والميول..
أخشى أن تقول عني غدر ...ابن صنوان الرحول..
لن أغدر بمن جهر ...بذكر الله والرسول ..
بأنصاف الليالي قد سرر....برؤية المصحف المحمول..
أين أنت يامطر ...فلم أرى خضر الحقول..
فالأرض جدباء بلا زهر ...ولست أخشى ماتقول..
فقلبك عاشق ولم تقر... عينك بالغسق الجمول..
وقلبي لهيب مستعر ...وجسمي في وهن وذبول..
فما أرى غير السهر ...اناجي فيه طيف البتول ..
أين أنت يا مطر ..............................أنتهت كل الفصول ..
******
حاولت الاختباء بجسد الواقف أمامها تنظر حولها وليست تفهم
أين اختفى شقيقها ؟ بل وتلك المرأة معه ! لم تعد تسمع شيئا
مما يقوله المقابل لها يتحدث دون توقف عن إنجازات شركته
السياحية الصغيرة تلك محدقا بوجهها لم ينتبه ولا لما يجري
خلف ظهره ، كانت تتأمل أن لا يكون من دخل من هناك بذاك
اللباس الذي تراه عليه لأول مرة وهي البذلة السوداء الأنيقة
قد رآها في خضم ذاك الضجيج الذي أعقب دخولهما فليس
ينقصها اتهام ورسائل تهديد فقد انتقم منها بسبب فعلتها تلك شر
انتقام وعاقبها نيابة عن الجميع ، لكن ذلك الأمل مات في مهده
وهي ترى ذاك الحذاء اللآمع قربها لترتفع نظراتها المتوجسة
صعودا لتلك الساقين الطويلتان فالصدر والأكتاف العريضة
وانحبست أنفاسها فور أن وصلت لوجهه ولعينيه بل ولحدقتيه
المحدقة بعينها تحديدا ، هربت بنظرها منه للواقف أمامها
وابتسمت له فستتبع نصائح رعد وإن كانت لا تجزم بمقدرتها
على ذلك فقلبها يكاد يتوقف تماما من انفعاله بسبب وجوده قربها ،
قالت للواقف أمامها وكأنها منتبهة أساسا لما كان يقول
" رائع أنتم تقومون بعمل جيد فعلا "
اتسعت حدقتاه البنيتان وقال باستغراب
" نحن !! أخبرتك أن الشركة ملكي وطورتها بمجهودي ! "
ابتسمت له مجددا ممررة طرف سبابتها على حاجبها تشعر بأنها
وقعت في مأزق لا تجد طريقة للخروج منه بل لم يترك لها الواقف
بجانبها أي فرص للتفكير وهو يمسك بمعصمها ويسحبها من
هناك هامسا ببرود للذي مر مجتازا له
" عذرا هذا الشيء لم يعد لك "
فعلمت حينها أي مأزق ستأخذها له تلك النصائح المجنونة ،
لم تتصور أن ثمة ما قد ينقذها تلك اللحظة وأن نهايتها المحتمة
حانت لا محالة حتى شعرت باليد الأخرى التي أمسكت بيدها الحرة
موقفة لهما كليهما فالتفتت للذي كان يحاول النظر خلفه ولما
يجري هناك قبل أن ينظر لها قائلا
" أين تنوين الذهاب يا حمقاء فيبدوا أنه ثمة ما يحدث هناك "
شعرت بأصابع الواقف خلفها تشتد على أناملها فها هي المصائب
تتقاذف على رأسها ولم يتأخر باقيها كثير وقد غمز الكاسر بعينه
قبل أن يقول لها مبتسما
" هل ظننت أنك ستتخلصين مني لتتنقلي بين ... "
أشارت له بإصبعها على شفتيها ليصمت لكنه تابع دون أن يكترث
لها ولا أن ينتبه للواقف خلفها
" لتتنقلي بين الشبان ... لا فأنا لك بالمرصاد ورعد معه حق في أن
لا يثق بك "
ضربت بكفها على عينيها المغمضتان لا تفهم لما تتقاذف عليها
المصائب دائما حين تكون المصيبة الأساسية الواقفة خلفها الآن
موجودة ؟ انتبه حينها الواقف أمامها أنه ثمة من يمسك بيدها
وموجود ضمن مجالهما ويسمع كل ما قال ، نظر له عاقدا حاجبيه
لبعض الوقت قبل أن ينتبه للواقفة أمامه تشير له بسبابتها بتكرار
كي لا يرتكب جريمة أخرى والضحية سمعتها بالتأكيد وكادت تبكي
لا تعلم من ماذا تحديدا حين أشار له بسبابته قائلا
" أنت ... أنت ... "
وفرقع بإصبعيه عدة مرات قبل أن يشير له مجددا قائلا بابتسامة
" أجل تذكرتك لقد رأيتك في التلفاز برفقة .... "
والتفت خلفه مجددا حين أدرك عقله من سيكون ذاك الذي سيحيط
به كل ذلك الحشد هناك وغادر من هناك قائلا بحماس
" مطر شاهين ! لا أصدق بأني سأراه أخيرا "
وابتعد بين الأجساد الواقفة هناك تنظر له نظرة من فقد طوق نجاته
الأخير قبل أن تقرر اللحاق به فورا قائلة
" كاسر انتظر أ.... "
لكن اليد التي شدتها للخلف منعتها تماما مما كانت تفكر فيه فأنساقت
خلفه مجبرة وهو يجتاز بها الطاولات المصفوفة لا خيار آخر أمامها
فمع هذا الرجل إما الموت أو الموت خياران لا ثالث لهما ، وصلا جدار
القاعة الخلفي وأدارها أمامه موقفا لها عليه وسند يده بجانب
رأسها والأخرى في جيب بنطلونه ينظر لتلك الملامح الجميلة ..
للعينان الزرقاء الواسعة بشكل ملفت للنظر .. أنف صغير وشفاه
بلون ذاك الحجاب الحريري الأحمر الغامق محيطا بذاك الوجه
الدائري شديد بياض البشرة ، فستان قرنفلي اللون طويل مخصر
وبأكمام طويلة ضيقة وتنساب على قماشة أزهار مطرزة بحرفية
تنزل من كتفها الأيمن بنصف موجة حتى مقدمة حذائها الأيسر
وبلون حجابها الأحمر الغامق ... هذه كفيلة بجلب أي رجل
لمصيدتها ..
جميلة فاتنة نظرتها الطفولية البريئة تستطيع إفقاد أي شخص
لصوابه فكيف إن اجتمع معها نسبها فستصبح قذيفة متحركة
وليس فتاة في الرابعة عشرة من عمرها .
نظر لعينيها المحدقتان فيه بتوجس وقال بضيق
" متى ستتوقفين عن العبث ؟ "
زمت شفتيها تمنع نفسها من التبرير والدفاع فستتبع نصيحة رعد
وإن لم تقتنع بها فهو كما قال رجل ويفهم الرجال كيف يفكرون
وستصدق اعتقاده بأن الواقف أمامها الآن يعاقبها كلما تألم بسببها ،
وبما أنه من سيحمي سرها فلا بأس في خوض التجربة ، قالت
بضيق تحرك شفتيها بطريقة جعلته لحظتها يتمنى أنها
زوجته لا سواه
" وما علاقتك أنت بي ؟ "
ارتدت للخلف لا إراديا ما أن قال بحدة ناظرا لها بغضب
" ما سيكون موقف والدك الذي يبحث لك عن زوج لا وجود له
على كوكب الأرض ليستحق ابنته إن علم بما فعلته وتفعلينه؟ "
نظرت له بصدمة ليس من غضبه الا مبرر ولا من اتهامه الصريح
لها بالعبث مجددا بل من حديثه عن أن والدها يبحث لها عن زوج !!
والدها هي .. !
مطر شاهين يذلها بهذه الطريقة .. !
لا تصدق ذلك أبدا ، تحولت نظرتها للشك سريعا ولم يفت ذلك
الواقف أمامها والذي همس مبتسما بسخرية
" تحدث عن ذلك أمامي واسألي خالي صقر إن كنت تشكين
بصدق حديثي "
شدت قبضتيها بقوة ورسمت ملامح باردة بعد صراع مضني مع
قلبها ومشاعرها وألمها من كلماته وإهاناته الدائمة وقالت بجمود
" وإن يكن والدي ويريد لي الأفضل "
كادت تقفز صارخة بضحكة انتصار حين لاحظت الصدمة على
ملامحه قبل يخفيها خلف بروده المستفز قائلا
" حقا لا تهتمين ؟ "
قالت فورا ودون تراجع
" إن أمرني بالقفز في النار لفعلت فورا ، سأتزوج من سيختاره لي
وإن كان في عمر جدي دجى وأنا راضية تماما "
*
*
*
لم يفهم ما يجري حينها سوى تحول الواقفة أمامه لتمثال حجري
لا شيء فيها يتحرك سوى خصلات شعرها المتراقصة مع الريح
واحمرار جفنيها ليس يعلم بسبب بكائها السابق أم بسبب انحباس
طوفان آخر من الدموع ؟ لكن ما يعلمه جيدا بأن هذا ما يعرف
بسكون ما قبل الانفجار وهدوء ما قبل العاصفة ، يعترف بأنه
يجهل تماما أساليب احتواء غضب امرأة سوى بتجاهلها وهذا
ما فعله مع تلك الانجليزية كما أنه يجهل أساليب احتواء حزنها
وهذا ما فعله معها هي مرارا فكان كل ما استطاع فعله في كل مرة
أن أمرها بالتوقف عن البكاء وهددها بضربها وإبكائها أكثر فتعامله
مع الجنس الآخر توقف تماما منذ سافر وافترق عنها .. منذ تركته
والدته وتركها هي ورحل لعالم لا وجود فيه ولا لتلك الطفلة التي
ترقص وتغني له وتملأ ضحكاتها الرقية عالمه الكئيب ، فإن لم يكن
يستطيع احتواء حزنها وبكائها حينها فكيف بالآن !!
لكنه لن يتراجع عما فعله ولن يندم عليه أبدا رغم أن هذا ما كان
ليعجب مطر شاهين وقد خالف أوامره فيه فهو يرفض أن يعلم أحد
بحقيقة علاقته بتلك الفتاة ولا المقربون منه لكنه لن يكون نسخة
عنه ولا عن شاهر كنعان .. سيرضى بأن تكرهه بشدة وهي تعلم
الحقيقة أفضل من أن يقف موقفهما يوما ما يقدم تبريرات لامرأة
قد تكون توارت تحت التراب كوالدته أو تحولت لكتلة من الألم
المدفون داخلها كغسق دجى الحالك .
" خدني للمنزل "
بالكاد استطاع سماع همسها الحازم ذاك ويجزم بأن شفتيها لم
تتحركا من مكانهما ، رفع يديه وأمسك بذراعيها الباردتان كالجليد
وقال بجدية ونظره على عينيها المعلقتان في الفراغ
" ماريا عليا شرح كل هذا أولا ثم آخذك حيث تريدين "
أبعدت يديه عنها بقوة وصرخت في وجهه وكأن لحظة الانفجار
قد حانت بالفعل
" خدني للمنزل لا أريد سماع أي شيء بل أعدني لوطني ولعمي
قيس فهو أرحم منك "
شد أسنانه بقوة وقال من بينها
" ماريا لا تشبهيني يوما بذاك الرجل وتوقفي عن استفزازي
واتركينا نتحدث بروية "
كانت أنفاسها تخرج بقوة وازت الهواء حولهما يرتفع معها
صدرها ويهبط بشدة وكأنها تفقد الحياة تدريجيا ، يصعب عليها
تصديق ذلك أو استيعابه لتستطيع فهمه ! كيف يريد منها أن تتخيل
ذلك مجرد تخيل ليطلب منها أن تتصرف وكأنه أمر عادي ؟ كمزحة
سخيفة يضحكان عليها وانتهى الأمر !
ألا يعلم بأنه ثمة قلب يوجد بين أضلعها تعلق به ولأعوام طويلة
تعلق الإنسان بكل ما يبقيه على قيد الحياة ؟
ألا يفهم بأنها لا تستحمل فكرة أن ينظر لأخرى ... أن يبتسم لها
وإن مجاملا ليختار قتلها وبهذه الطريقة ؟
وبعد ماذا ...؟
بعد أن عرت مشاعرها أمامه وبعد أن أعلمته مكانته لديها بكل
حمق وغباء بل وسذاجة طفلة لم تخرج من شوارع وأحياء بلدة
حجور حتى اليوم واللحظة ، ارتجف جسدها من كل ذاك الغضب
المكبوت داخلها وصرخت فيه مجددا
" لا أريد سماعك فخذني من هنا أو أنا من سأخلصك مني وأرمي
بنفسي في هذا النهر ليأخذني حيث يريد ... وللجحيم نهاية الأمر "
شد قبضته أمام وجهها وهذا ما يعرفه جيدا عن نفسه سيفقد
أعصابه بسهولة أمامها وهذا ما بات يحدث دائما مقابل غضبها
وما حدث حينها وهو يصرخ بها أيضا
" ماريا ستستمعين لي ورغما عنك ، تلك الفتاة مجرد وسيلة
للوصول لوالدها إنها مهمة ... مجرد مهمة يا حمقاء "
دفعته من صدره بقوة وتحركت من هناك قائلة
" أجل أصدق هذا ودوري سيكمن في أن أقف وأتفرج وكأن
الأمر لايعنيني "
تبعها فورا وأوقفها ممسكا لذراعها وأدارها جهته بقوة
وقال بحدة
" ماريا توقفي عن الجنون فما أخبرتك بذلك إلا لتعلمي حقيقته
ومني أنا "
استلت ذراعها منه وصرخت بحرقة تكابد دموعها كي لا تنزل
من أجله وأمامه مجددا
" أنت لا تخبرني بذلك لأعلم منك يا تيم بل لكي لا أفسد الأمر عليك ...
لكي أراها في حضنك وفي منزلك وحياتك دون أن أتحدث أو أكشفك
أمامها ، إن كنت تضن بأني أجهل معنى العلاقة بفتيات من هذه
البلاد فأنت مخطئ ... مخطئ تماما "
أنهت عبارتها تلك وأدارت ظهرها له وغادرت فلحقها مسرعا
وأمسك بيدها وأدارها جهته مجددا دون أن يتركها وقال بحزم
مشيرا بإصبع يده الأخرى حيث المكان خلف ذاك النهر
" أنتي زوجتي ماريا وأنا أريدك الآن "
ساد الصمت بينهما للحظة لا يكسره سوى أنفاسه الغاضبة
والمتلاحقة وتحديقها به وكأنها عادت لاقتناص دور ذاك التمثال
الروماني مجددا حتى أن أصابعها في يده تصلبت تماما فإن جهل
هو فهي تعلم جيدا بأنها السبب في ذلك وبأنها من أشعل رجولته
لكن ما تجهله تماما بأنه يبحث فقط عن وسيلة للتواصل معها
فمهما كان جاهلا فيما يخص النساء فهو يعلم بأن المرأة أضعف
ما يكون وهي في حضن رجل تحبه ، لكن الأمر لن ينجح الآن ..
ليس كما تمنته وحلمت به .. امتلأت عيناها بالدموع وهمست
بجمود ونظرها معلق بعينيه
" إن كان يرضيك أن تنام مع امرأة جسد بلا روح فلن أطلب منك
سوى أن تسطر ذلك في تاريخك الآن لأنه لن يتكرر مع
امرأة أخرى "
أشاح بوجهه جانبا ومرر أصابع يده الأخرى في شعره الكث
للخلف ليرجع للتكدس أعلى جبينه وسار بها في اتجاه الممشى
الحجري خارجان من ذاك المكان كما دخلاه بل ليس كذلك تماما
فالقلب الذي دخله مفعما بالمشاعر خرج وهو محطم وبشكل
نهائي والمرأة التي سارت فوق أحجاره البيضاء تتبع ابتسامتها
خطواتها عليه خرجت تنعي تلك الابتسامة وهي تسير فوقه
جثة بلا روح ... حتى الدموع التي كان ذرفها أسهل ما تجود به
عيناها في وجوده تحجرت داخل تلك الأحداق تلسعهما كالسعير .
*
*
*
لم تنظر لتلك الجهة مطلقا تكاد تشعر بلحم كفيها يتمزق وأظافرها
المقصوصة تخترقة من كثرة شدها لقبضتيها فها هو عرف كيف
يفسد حفلها وعن جدارة وختم الأمر بدخوله كنجوم السينما ليحول
الأمر لحفل استقبال له بل لمهرجان سخيف وكل ذاك الجمع تحلق
حوله وكل واحد منهم يصافحه على حده ممسكا بيده بكلتا يديه
لوقت وسيل الترحيب لا ينقطع والبعض قد تذكر حتى بأن يرحب
به على أرض وطنه ولعودته لهم ، لم تكن ترى شيئا سوى الأرضية
الرخامية تحتها وهي تشيح بوجهها جانبا لم تعد تهتم ولا بالواقف
قربها لم يغادر مكانه ولم يتحرك لتلك الجهة فهو قد حضى بشرف
رؤيته وجها لوجه بسبب رتبته العسكرية ومكانته في جيش البلاد
ويفهم أي نظرة تلك التي يخصه بها في كل مرة ولولا يقينه من أنه
رجل لا تتحكم الأمور الشخصية في قيادته للبلاد لكان فقد رتبته
العسكرية منذ حديثه ذاك وأمامه عن خطبته للواقفة قربه الآن ،
كان يعلم بأن تلك النظرة الصقرية لن تخطئه أبدا وذلك ما حدث
فمن بين كل تلك الرؤوس المتحركة كان ثمة مجال لتشتبك نظراتهما
ولتبدأ تلك الحرب الصامتة رغم أنه فقد فريسته منذ قليل ما أن رأى
ذاك الخاتم في أصبعها ولا يستبعد أن يكون خصمه فقد المعركة أيضا
إلا إن كانت غسق شراع صنوان وليس دجى الحالك باتت أضعف من
أن تنتصر على رجل سرق ماضيها وتركها للتكهنات والأقاويل بل
وقتل أمومتها بأبشع صورة كانت .
لم يزح نظره عن عينيه وهو يجتاز ذاك التجمع حوله رافعا كفه
كاعتذار على انسحابه وقد تكفل حرسه بالمهمة وهم يقفون حاجزا
بينه وبين من تركهم خلفه مجبرين الجميع على العودة لطاولاتهم
وأماكنهم بينما تحرك هو بخطوات واسعة رشيقة يده اليمنى في
جيب بنطلون بذلته الرمادية الفاخرة والتي تفجر معها جسده
القوي أناقة ورجولة ويده الأخرى لازال يمسك فيها الأوراق التي
دخل بها مجتازا المسؤلات هناك عن تنظيم ما فقدن زمام الأمور
فيه ما أن دخل هذا الرجل وكل واحدة منهن تتبعه بنظرها ما أن
يجتازها مثلما تتصيد تلك الكاميرات حركته فاتحا المجال أمامهم
ولأول مرة لتوثيق حدث مشابه تواجدت فيه مديرة جمعية تلك
المملكة التي حرصت دائما أن لا يكون لها أي ظهور اعلامي
من أي نوع كان عدى اللقاءات الصحفية النادرة جدا ، وصل
عندهما واختار أن يستقر بجانب الواقفة أمام من لم تتركه
نظراته بل من لم يترك هو نظراته تخطئه حتى وقف ملاصقا للتي
لازالت تختار الأرضية الرخاميه عن كليهما .
تحولت نظرات الواقف أمامهما وبسرعة جهة خصرها النحيل
المحاط بسترة سوداء بقماش فاخر ترسم حدوده ومعالمه بحرفية ...
بل لليد التي التفت حوله وللخاتم الفضي الرجولي في أصبع يده
تلك ليتضح له النصف المفقود من الصورة بل وللجميع وهو يؤكد
ما بدأ يشاع بين الناس وبعضهم صدقه والآخر استنكره .. فها
هو مطر شاهين عاد ليس ليسترجع حق البلاد الذي بدأ يسلب
منها فقط بل وما كان حق له وحده وبقي ولازال .
ارتفعت زاوية فمه بابتسامة ساخرة وهو يراقب نظراته التي
ارتفعت من يده المطوقة لخصرها لوجهها .. لوجه التي كانت
تغمض عينيها ورأسها للأسفل وذاك حالها منذ رأت أيضا ما فعله
الذي لو كان بيده حينها لاقتلع تلك العينين المحدقة بوجهها
وكأنه ينتظر أن تنكر ذلك ، فليعلم الجميع إذا بأنها له وملكه ولن
يسمح لأي كان بالاقتراب منها وأولهم هذا الذي كان أجرأ من
غيره وهو يطلبها من نفسها ثم من عمها وأمامه ، عادت نظراته
له وتبادلا تلك النظرة الطويلة التي لا يفهمها في ذاك المكان غيرهما
قبل أن يستدير موليا ظهره لهما ويغادر في صمت لحظة أن اقترب
منهما أحد من لا سلطة لحرسه عليه لمكانته في البلاد ومن قال
مبتسما
" يمكننا مناقشة أمور الجمعية الآن ، أتختارين المنصة أم إحدى
الطاولات سيد.... "
" شكرا لكن باب التبرعات والإعانة اغلق "
قالتها بجمود محدقة بعينيه .. أليس هذا من أكثر من كانوا يعولون
عليهم في هذا الحفل ؟ أليس هو من قال منذ قليل متشدقا بأن سياسة
جمعيتهم ليست حيادية أبدا !
ألم يغير من أرائه ما أن علم بوجود ذاك الخاتم في أصبعها فما
جعله يتنازل الآن ؟
رفع كفيه باسطا لهما وقال مبتسما
" أردنا المساندة لكن لا بأس "
قال مطر حينها
" هذه المملكة ليست بحاجة لداعمين بعد اليوم "
أشار بيده مبتسما وقال يأخذ كأس عصير من التي وقفت لإشارته
" هي كانت مساعدة رمزية فقط وبما أن السلطة العليا في البلاد
في صفكم فلن تحتاجوها "
أخفضت رأسها ورفعت يدها تمسد بأطراف أناملها على جبينها فقد
بدأت تشعر بالصداع يجتاح تلك الجهة تحديدا فشد بذراعه على
خصرها أكثر وكأنه يذكرها بما لم تنساه اليوم أبدا .. بأنه لا حليف
لها في عالم المال وأن المرأة الحسناء لا صديق لها سوى جمالها
كما أنه عدوها أكثر من غيره .
" أبي "
التفت برأسه للواقفة خلفه قبل أن يبتعد مبعدا يده عن ذاك الخصر
النحيل ودار بكامل جسده للتي ارتمت في حضنه هامسة
" اشتقت لك "
طوقها بذراعيه وقد انتقل نظره للواقف هناك عند الجدار يتكئ
بظهره عليه مكتفا ذراعه لصدره ونظره مركز على المرتميه في
حضنه فابتسم وهو يبعدها عنه ونظر لعينيها وقال ماسحا بإبهامه
على خدها
" كيف حالك يا تيما ؟ "
أومأت له برأسها هامسة بابتسامة
" بخير "
لامس جانب وجهها بيده وقبل خدها ثم استدار للجهة الأخرى
وحيث التي لازالت تختار النظر لكل شيء عداه أمسك وجهها
بيديه ورفعه له ناظرا لتلك الأحداق السوداء الواسعة وقبل جبينها
قبلة عميقة طويلة ثم تركها وصعد المنصة على صوت التصفيق
الذي بدأ يرتفع تدريجيا بحماس قبل أن يهدأ كل ذلك بمجرد أن
أمسك بالميكرفون ورفع درجة الصوت فيه مما نجم عنه صوت
صرير مرتفع جعل جميع الجالسين حول تلك الطاولات ينتبهون
في صمت لذاك الصوت الجهوري المبحوح وذاك الجسد والوقفة
الرجولية الواثقة والملامح الجذابة الجادة وكأن الزمن عاد بالجميع
للوراء لذاك الخطاب الذي ألقاه في ذاك الاجتماع العربي وفضح فيه
جميع الجرائم البشعة ضد شعبه ، تنقل بنظره بينهم ليثبت على سيدات
تلك الجمعية تحديدا حين قال
" قبل أربعة عشر عاما كانت هذه المدينة مجرد أشجار وجبال
وطبيعة لا يستفيد منها سوى الصيادين ، مطمع لكل زعيم حرب
لأنها تقع في قلب البلاد وتربط شرقه بغربه وبجنوبه ، سلمتها
لمديرة جمعيتكم على العهد بأن لا تقام فيها أي منشأة عسكرية
وكانت عند وعدها تماما بل وحولتها لقلب ينبض بالحياة ، دافعت
عن أسمى قضية وهي المرأة ... الأم الشقيقة الزوجة والإبنة ، من
إن صلحت صلح مجتمعنا بأكمله لأنها من تربي الأجيال ... تضحي
بكل شيء من أجل من تحبهم وهم بحاجة لها "
رفع يده مظهرا الأوراق التي يمسكها وقال ناظرا للجميع
" بدأنا بتغيير القوانين الوضعية للبلاد وهنا في هذه الأوراق تكمن
البنود التي تخص المرأة والقضايا التي تم تقديمها للقضاء من جمعية
الغسق وتم رفضها بتكرار والآن تم تحقيق أغلبها وسنناقش البقية
بما يرضيكن ، وابتداءا من الغد ستتولى خزينة الدولة دعمكم وإتمام
مشاريع الجمعية المتوقفة"
علا التصفيق والصرخات الحماسية للحاضرات ممن دعمتهم تلك
الجمعية ودافعت عن حقوقهن ومن قدن تلك المملكة بجد وتفاني
وإخلاص لأعوام طويلة .
نقل نظره للتي كانت تصفق له بحماس وتمسح دموعها بين الحين
والآخر مبتسمة بحب وفخر قبل أن يستقر على الواقفة بجانبها تنظر
للفراغ أمامها حيث باقات الأزهار التي تزين المكان أسفل تلك المنصة
بملامح جامدة خالية من أي تعبير رغم هدوئها وسكونها قبل أن
ترفعه له ببطء بارتفاع رأسها مع نظرها حين قال بهدوء ونظره
لازال معلقا بملامحها
" جميعنا لم نعلم قيمة المرأة في حياتنا ... جميعنا جرحنا احداهن
يوما ما وبعنف ... وأنا أولكم "
تحولت الانظار حينها وبصدمة جهة الواقفة في الأسفل أمامه
مباشرة ونظراتها لازالت معلقة به تتفس بقوة فشد قبضته على
الميكرفون مسدلا جفنيه على تلك الأحداق السوداء مخفيا صورة
تلك الفاتنة عنه كي لا يضعف فيما يريد قوله وتنفس بعمق وقد
رفع نظره للبعيد قبل أن يتابع بابتسامة ساخرة
" بسبب عبث رجولي ونزوة سخيفة "
تعالت شهقات الاستنكار والصدمة والجميع يحاول التقاط ردة فعل
التي امتلأت حدقتاها السوداء بالدموع ولازالت لم تفارق ملامحه
رغم أنها تمسكت بأصابع يد ابنتها كي لا تفقد توازنها .. صغيرتها
التي لم تفق من صدمتها بعد تمسك فمها بيدها والدموع تسقي تلك
الأنامل تنظر للواقف في الأعلى ... طيش رجولي و.... نزوة !
يعترف وأمام الجميع بل وأمام شاشات التلفاز !
لكن كيف ومتى وهي من عاشت معه هناك وعرفته أكثر من غيرها ؟
تبعته بنظرها وهو ينزل السلالم الآخر للمنصة ويغادر ورجاله خلفه
آخذا كل شيء معه .. أجل تشعر به أخذ كل ما في الواقفة بجانبها
ورحل به ، نظرت لها بعينان دامعة وهي تنزل بنظرها للأسفل تكاد
تلك الدمعة أن تفارق رموشها فأدارتها جهتها فورا وانساقت هي
لها وكأنها جماد لم تعد تشعر بشيء حولها فأخفت بحركتها تلك
وجهها عن كل التلك الكاميرات المترصدة لردة فعلها ومسحت
دمعتها سريعها هامسة
" أمي أقسم لك أنه و..... "
" اصمتي يا تيما "
أوقفها صوتها الأجوف رغم نبرته الحازمة الآمرة وقد تابعت وهي
تبتعد مجتازة لها
" لتعلمي فقط من أي نوع الرجال يكون والدك "
فنزلت دموعها مجددا ولم تستطع هذه المرة كتم شهقاتها الباكية
وهي تراها تغادر أيضا ومن باب آخر وفي اتجاه آخر وكأنها تثبت
لها أكثر بأن طرقهما لا تجتمع أبدا .
نظرت بذهول للأشخاص الذين هرعوا جهتها من يمسك جهاز
تسجيل في يده يمده نحوها ومن يمسك ميكرفون لقناة ما ومنهم
من يمسك بهاتفه المحمول والأسئلة من كثرتها لم يعد يمكنها
فهمها وكل واحد يريد معرفة الأمر من وجهة نظرها وبطريقته
بحكم أنها من عاشت مع ذاك الرجل سنوات اغترابه تلك جميعها ،
كانت تتراجع للخلف مما يزيدهم اقترابا منها ونظراتها الدامعة
التائهة لازالت تحدق فيهم بضياع إلى أن شعرت بجسدها اصطدم
بشيء ما خلفها ويدان أمسكتا بكتفيها فاستدارت فورا نحو صاحب
ذاك العطر الذي لا تخطئه أبدا ونزلت دموعها مجددا ما أن وقع
نظرها على عينيه فأمسك وجهها بيديه ومسح بإبهاميه وجنتيها
ثم أمسك يدها وخرج بها من هناك يجتاز بها كل ذاك الحشد يطوق
كتفيها بذراعه يبعد من يعترض طريقهما بيده الأخرى يردد ذات الكلمة
" معذرة منكم "
حتى وصل بها للخارج وسارا عبر الطريق مسرعين
*
*
*
|