كاتب الموضوع :
ـ سَراب ،
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: فأنت الجحيم الذي استقر وأين المفرُ وأنت المفرّ
البــارت : الســـادس ..
:
:
:
/
الفصل السادس
" الليلة فقط.. كنت اريد ان اتحدث معك..
وارقص معك..
واثمل معك..
اريد ان اعود الى جننونا القديم..
في مدينة باريس..
تحت سقف الغيوم ، وعبارات الثورة التي كانت معلقة على الجدران...
اريد ان اراقب اياك بصمت سيناريو هذا الحرب..
اريد ان يكتب لنا التاريخ انتصارنا معا...
احبك هل تعلمين؟..
اخشى ان اموت قبل ان استطيع تقبيلك...
اخشى ان تضطري لجمع اشلائي وحرقها في مقابر المانيا..
اصبح هتلر يحرث الناس كثيران الحراثة..
لم يبقى شيء..
سوى القمح... والماء المتعفن..
آدم ستيفينز"
:
:
:
صباح يوم جديد بروما...
بعد يوم امس اللي كان متعب ومرهق جدا...
لانهم راحوا للفندق واشرفوا على الاثاث مرة ثانية..
وكتبوا تقارير بالاحتياجات اللي يبيها الفندق...
شيكوا على كل حاجة وحطوا تاريخ معين للافتتاح ..
اللي ممكن يكون بعد شهر...
رجعوا مرهقين كلهم...بس هي كانت مصدومة من ذياب اللي فعلا تحسه ماينام...
رجع وبدا يشتغل على جهازه ويراجع الشركة..
كلهم كانوا تعبانين...ماعداه...
بس شخص متعود مثله شيء طبيعي انه راح يتاقلم مع التعب...
ماتنكر انها جلست بصداع اليوم ...
بس واخيرًا مر يوم امس على خير...مع انه كان الاصعب عليهم بالشغل...
حتى اول يوم ...اللي كان يوم الاجتماع...ماتعبوا فيه مثل امس..
لانهم طول اليوم واقفين على رجولهم...
لما طلعت انتبهت لامجاد جالسة لوحدها وتشرب قهوة ...كانت تكلم شخص ..والاكيد انها وحدة...
وكانت تقول لها انها فشلتها قدام ولد اخوها..
وان ذياب بيتوطاها لانها ضيعت الاسهم...
ماهتمت ولافهمت شنو اللي يصير...
لما كانت بتمشي لبرا نادتها امجاد بسرعة ...
راحت بهدوء لامجاد وجلست امامها بالطاولة...
امجاد وهي تشيل سماعات الاذن من اذنها وتناظر بمهره بطريقة غريبه...
كانت ساكته ومهره خافت من نظرات امجاد...
غمضت مهره عيونها وهي تكلم امجاد :
( عندك شيء تقولينه قوليه...
لاتطالعيني كذا...خوفتيني)
ابتسمت امجاد بهدوء وبتساؤل :
( لاتخافين...كانت مجرد نظرة تفحص..)
سكتت بهدوء تنتظر امجاد تستكمل كلامها :
( كيــفك مع الشغل؟...
مبسوطة من شغلك!؟؟..)
هزت راسها بمجاملة :
( الحمدلله..)
امجاد تنهدت :
( انا ادري ان ذياب يشد احيانا عليك بالشغل ...
بس صدقيني ماهو عليك بس..
انا عمته وماسلمت منه...
وهذا هو بيرجع بكره وبيكفر في اخته لارجع..لانها سوت مصيبة بالشغل.. )
مهره تستمع لامجاد بهدوء وبالفعل كانت امجاد على حق اردفت ببرود :
( لا عادي...ماني مشتكية من جدية ذياب بالشغل...
اشتغلت مع شركات ثانية وحصلت نفس الشيء..)
امجاد ترجع لنظرة التفحص اللي قبل قليل وبارتباك :
( بس ... اللي اشوفه انه فيه شيء غير الشغل...
يخليك تكرهين ذياب...)
رفعت عيونها بصدمة ..سمعتها تكمل كلامها :
( انا مادري وش هو ...يمكن اني اتخيل...
بس انا حاسة بانه في مسألة شخصية بينك وبين ذياب...)
مستحيل... هل معقولة امجاد حاسة بشيء...
الى هالدرجة ماني قادرة امسك اعصابي...
ناظرت امجاد اللي تتكلم :
( انا استغليت هالفرصة لانه ذياب مو موجود مع عثمان...
فنقدر نتكلم براحتنا... قولي لي...
سوى لك ذياب شيء؟؟!..)
بلعت غصتها بارتباك وخوف ونزلت عيونها بحزن...
وش باقي ماسوى يا امجاد...
وش تنتظرينه يسوي..
اكثر من سرقته لحياة امي وابوي...
في شيء ثاني يقدر يسويه؟؟!...
سوى الكثير الكثير...
وترك فيني هم وحزن اكثر...
لا تسأليني...لان لو جاوبتك ممكن اختنق ...
ممكن تموت كل الاجابات بصدري...
وانا اللي اضيع بين اوجــاعي..
رفعت كتوفها باستسلام وهي تبتسم :
( ابدا مافي اي مسألة شخصية بيني وبين ذياب...)
بلعت غصتها وبصعوبة اكملت بتمثيل :
( ذ..ذيآ..ذيـــــاب...ماضرنـــي!...)
لما لمحت امجاد الربكة في صوتها رفعت عيونها لها ..
تداركت الوضع وهي تضبط نبرتها :
( بس للامانة...حقدت عليه اول مرة لما هزأني بالاجتماع ...وطلب وقت غير وقت شغلي .. ممكن هالشيء خلاني اتاثر وماتقبله.. )
امجاد بابتسامة وراحة :
( الحمدلله.. اهم شيء انه ماضرك.. )
لمعت عيونها وانجرحت...
كيف ماجرحني..لاتقولي ماجرحني...
ولد اخوك ذبحني...
بس بصمت..
مضطرة اكذب واقولك لا..
والحقيقة تعاكس كلامي..
ومن صمتــها المجروح..
وحبسها للعبرة..
نظرت لباب الفندق لتراه يدخل مع عثمان...
كان يتحدث معــه...
بمجرد ان رأى عينيها..
ترك الانتباه لعثمــان...
وراح يقرأ عينيهــا...
فهو متفنن في قراءة تلك العينين ..
وقفت بهدوء من امام امجاد :
( عن اذنك...)
مشت باتجاه عثمان للخارج وبتساؤل :
( فيه شغل عثمان الحين ولالا؟!...)
عثمان يهز رأسه :
( لا ...الحين مافيه..بس على حسب الجدول الساعة 4 لازم نكمل شغل ..)
هزت رأسها بهدوء وباحترام :
( يعطيك العافية..)
وامام انظاره...غادرت لحديقة الفندق...
وبمجرد مغادرتها...تقوست شفايفها تلقائيا...
عضت شفايفها السفلية بأسنانها ...
تحبس العبرة والدموع...
لكن بدون خيار منها...
نزلت دموعها وهي تبكي بوجع :
( يقولون ماضرني يبـــه...
بس سحب منك الروح...خلاك بيوم من الايام جثة هامدة...
وبكل وقاحة ارسلك لي..
وكأنه يتبارك بحزني.. )
بلعت غصتها وهي تلمحه طالع من الفندق مع احد عاملات الفندق اللي تتكلم معه...
مسحت دموعها ووقفت تلقائيًا لما شافتهم يتوجهون ناحيتها...
ماناظرت بعيونه...
ماتبي تناظر...ماتبي تؤمن بوجودها بجوار قاتل امها ووابوها...
بمجرد تفكيرها بـ هالشيء يخليها تنهار...
حاولت ولو للحظة من الزمن...
حتى تخلي خطتها ماشية...تتناساه...او تتناسى وجوده...
لما قربوا منها سمعته يتكلم مع العاملة بالايطالي وكان الموضوع جدي...
اشرت العاملة عليها...مهره عقدت حاجبها بقلق...
المشكلة انها ماتفهم ايطالي...
قربوا منها اكثر ولفت عليها العاملة وبدأت تتكلم بالايطالي بكلام مافهمته :
( لق لق لق لق.....)
حاولت مهره تكلمها بالانجليزي...بس فهمت ان العاملة ماتتكلم انجليزي...
لما عجزت مهره من الاستيعاب اردفت بقهر :
( شتبين انتي هالحين..؟؟؟!..)
لازاالت العاملة تتكلم بكلام ايطالي مو مفهوم..
عجزت من فهمها وهي تعقد حاجبها محاولة لفهمها ..
كانت تأشر بيدينها اشارات وكانت معصبة وهي تتكلم...
لما سكتت مهره ناظرتها بتسليك :
( ايه مايخالف...)
مات ذياب ضحك عليها... طالعته بقهر لانه يضحك :
( خير وش اللي يضحك..؟!..)
ذياب يحبس ضحكته وهو يكلم العاملة المعصبة...وراحت من المكان...
ذياب :
( انتي شنو اللي فهمتيه؟!..)
مهره باعتراف:
(مافهمت غير انها معصبة..وماعرف ليه؟!..)
ابتسم ذياب :
( كويــس مافهمتي..)
مهره فتحت عيونها وبقلق وهي تطالع فيه :
( شنو قالت؟؟؟...سبتني صح؟؟)
ذياب باستمتاع :
( واذا سبتك...شبتسوين؟!)
مهره بغضب :
( والله ادوسها واتوطاها وانا بنت ابوي..)
ذياب بتلاعب :
( راح تتعاقبين على استخدام العنف في مثل هالدول يامتوحشة..)
مهره ناظرته بحده :
( الاشخاص اللي ماعندهم احترام لنفسهم يستاهلون الوحشية..)
وبهمسة خافته :
(امثالك وامثال غيرك..)
ماسمعها ذياب بس عرف انها تتمتم والاكيد..
انه كان المقصود..
كان بيمشي لكن وقفته باصرار :
( شـ كانت تبي؟؟)
ذياب يلتفت لها وهو يحبس ضحكته :
( بروح ادفع للفندق ضرايب افعالك يامهملة...
تشغلين المدفأة اللي بالغرفة وماتعرفين لها..
بدل ماتقصرين عليها طولتي ...
والظاهر انها شبت بس لحقوا عليها..)
شهقت بغير ادراك وهي تتذكر انها فعلا سوت هالشيء...بس ماكانت تدري...كان المؤشر مو واضح ...وكانت بتقصر عليها لما كانت بتنام...
هزت راسها باحراج :
( والله ماكنت ادري...مانتبهت...
انا ماعرف لنظام التدفئة المعفن حقهم..)
ذياب يناظرها وبتلاعب يثير اعصابها :
( اكتشفت اكتشاف..)
رفعت عيونها تبي يكمل كلامه..
ذياب بممازحة:
( اكتشفت ان ماوراك الا الخساير...)
حست بفشلة وهي تلحقه ومن الاحراج قالت بقهر :
( لا تدفعه...انا اللي خربته...
انا اللي بدفعه..شكرا ماحتاج خدماتك..)
ذياب وهو يوقف عند العاملة وهي تطلع له جهاز الدفع وبنظرة مباشرة لعيونها ...
( ماني مشتكي من هالشيء... )
دفع بهدوء بينما هي ظلت تترجاه انه مايدفع ليما خزها بعصبية ومشت عنه وهي توعده انها راح تدفع له...
مستحيل تقبل انه يدفع لها ثمن اخطائها...
لما مشت شافت امجاد ميتة ضحك..وبقهر
: ( لا تموتين علينا ...
وولد اخوك هذا محد جبره يدفع...
الحين اسحب فلوس وادفع له..)
امجاد تمسكها وتمشيها :
( اقول يابنت الناس امشي...
والله لو تسوي له هالحركة بيدوسك دوس...
اشتري سلامتك ولا تناقشيه..
دامه متكفل وبيدفع فمعناها انه ماعنده مانع يسوي هالشيء...)
مهره بعدم اقتناع قررت انها تسكت..
لكنها بالنهاية راح ترسل له الفلوس...
هي مؤمنة ايمان تام بان ذياب قال كلامه لها مزح...
شخص مثله الفلوس اللي مثل كذا ما تأثر عليه بشيء...
لكن ومن داخل كرامتها...
مارضت ..
ولازالت على موقفها..
بتدفع له الفلوس..
وبياخذه غصب عنه...
حتى لو اضطرت تدخل الفلوس في عينه..
*
بعـــد يومين من اجراء الفحوصات...
رسل لها سيف انه بيجي ياخذ ولده وبيوديه لاهله يشوفوه...
صحيح تخاف منه... بس من يوم شافته بالمستشفى مع ولدها...عرفت انه مو ممكن يضرها...
جهزت كل شيء لولدها...
سبحته ولبسته... وجهزت شنطته...وكل حاجة...
حتى انها رسلت لمياسة مواعيد ادويته...
ماهي الا دقايق حتى وصل سيف قدام باب البيت ...
سمعت جوالها يرن... توجهت له بسرعة وهي ترفعه :
( السلام عليكم...)
سيف يرد بهدوء :
( وعليكم السلام... انا عند الباب.. اذا تقدرين تسوين طريق اخذ فهد واطلع)
حنين بهدوء :
( مو مشكلة تفضل..)
لبست عبايتها وحجابها... سمعت طرق على الباب...وايقنت انه مافي غيره على الباب..
حملت فهد بيد وشنطته على كتفها...
لما فتحت الباب شافته يبتسم تلقائيًا لفهد ولده اللي ابتسم بفرحه يوم شافه ابوه...
مدت له شنطته وهي تقول :
( هذي شنطته وفيها ادويته...بعد ساعتين لازم ياخذ الدواء...
ياليت تنتبهوا لدواه...)
سيف بهدوء هز راسه :
( ولا يهمك.. تامرين على شيء؟!)
حنين بارتباك تهز راسها :
( لا..)
طلع سيف مع فهد وركب به السيارة...
كان مجهز له مقعد ورا...ركبه فيه وربط حزام الامان...
مانسى احتياطه لما جى بياخذ طفله وشرا له هالمقعد...
حط شنطته بالمقعد اللي جنبه...
وبدا يلاعب طفله وهو بالسيارة...
كان يسمع صوت سواليف طفله الغير مفهومه وهو يبتسم..
: ( رجال ياولد ابوك...من عمرك هذا تعرف سلوم الرجاجيل..)
لازال صوت ولده اللي يسولف يخترق مسامعه...
ماهو غريب عليه يتأخر بالنطق...
لسانه ماتعود يقول كلمة بابا... فأغلب نداءه يكون بكلمة ماما...
ركن سيارته بعد ماوصل بالمواقف وحمل طفله لداخل...
دخل لبيتهم بالحديقه كانوا مجتمعين...
اكثر من لمح الفرحة على وجهه ابوه اللي كان مبتسم...
وبمجرد ماشاف حفيده وقف وهو ياخذه من ابوه :
( هلا بالشيخ... هلا بولد آل زيد..)
ابتسمت نجلاء بسعادة :
( ياقلبي قلباااااه...والله انه احلى من الصور اللي رسلتوها...
واخيرا عندنا بزر نقطة يكسر حالة الصمت اللي في البيت..)
مسفر يهز راسه بمزح :
( ومن قالك ان عندنا حالة صمت؟...
لاتنسين ان عندنا بزرين مشغلين راسنا..)
نجلاء بشهقة :
( انا بزر ؟؟؟..)
مسفر يضحك : ( ولا لك لوا...)
سلمان يبتسم لسيف :
( وش شعورك وانت عندك ولد؟؟)
سيف يهز راسه بسعادة وعيونه على طفله اللي بحضن ابوه :
( شعور ماينوصف... لاكبرت اعلمك..)
سلمان بفشلة :
( اححح... من جدكم انتم؟...جبهتي نسفتوها ليما قلتوا بس..
بشتكي عليكم عند منظمة حقوق الانسان...)
ابوه بحده يهزبه :
( انت انجح باختبار المحاماة وبعدها اشتكي مثل ماتبي...)
سلمان بابتسامة :
( واذا مانجحت يبه؟؟!)
بو مسفر :
( وقتها ممكن انك ماتقدر تشتكي لمنظمة حقوق الانسان...
لانك راح تكون مكفن..)
ام مسفر باعتراض وعدم رضى :
( بسم الله على ولدي...
طول بالك يابو مسفر عليه.. ان جينا للحق
دراسته ماهي سهلة..)
سلمان يبتسم لامه بحب :
( تدرين يمه انا بدونك اضيع في هالعائلة الظالمة..
ساعات احس اني انا ساندريلا ..وهم زوجة ابوي الظالمة )
مياسة بضحك :
(هههههههههههههههههههه اخخ بموت...
هذي نهاية المراجل...ساندريلا..ههههههههههه)
كلهم ضحكوا على سلمان وهباله ...
سلمان باعتراض يطالع بابوه :
( الحين انا لو جبت ولد ماراح تسوي له مثل ماتسوي لفهد ولد اخوي..اسمح لي اقولك يبه انت عنصري)
بو مسفر بممازحة :
( انت جيب ولد وبعدين نتفاهم...
انتاجك كله قرود..)
سلمان يطالع بامه وهو يخفي ضحكته ويمثل الحزن :
( اححح يمة احح...
شفتي زوجك؟؟ ... ماراح تدافعين عني خلاص..)
ابتسمت ام مسفر وهي تهز راسها :
( يارب يجي اليوم اللي اشوفك معرس واشوف عيالك..)
نجلاء بتصحيح ضحكت :
( قصدك قروده ههههههههههههه)
سلمان تجاهل نجلاء وطالع بابوه :
( طيب يايبه مايصير تسلفني ولد اخوي شوي...
ابيه بكلمة راس..)
بو مسفر يطالع بسيف بحدة :
( لا تخلي ولدك يجلس مع هذا لوحدهم...
اذا انت مو بايع ولدك وماتبيه يصير خبل...مثل عمه..)
سيف يضحك : ( ماني بايع ولدي..)
اخذ سيف فهد من ذراع ابوه وسلمه لسلمان اللي بممازحة قال :
( هلا بالسكني ولد السكني...)
سيف بقوة :
( خذ عمك وعم عيالك..)
ضحكت مياسة : ( هههههههههههههههه لا جديا الوضع يحتاج الى منظمة حقوق الانسان..)
سلمان يطالع باخته وهو يلاعب فهد اللي يضحك :
( شفتي ؟ ...
الله ع الظالم...)
لعب مع ولد اخوه وهو مبسوط...
كلهم كانوا مبسوطين...
والاهم من هالشيء...ان هالطفل واخيرا حس بسعادة العائلة ووجودها..
بعد ايام طويلة من المعاناة...
رغم انه مريض...الا انه لازال يبتسم...
وهذا اهم ما بالأمر..
*
بعد غروب الشمس وفي السيارة المتوجهة للمطار...
كان الصمت سيد الموقف...
كانت تفكر بهدوء مسندة راسها على الطاقة...
وكأن دماغها ماتعب من التفكير..
وكأن كل دقائقها اللي تقضيها بأي مكان مرتبط مع آل زيد..
ماتخليها توقف عن التفكير...
وكان صوت تفكيرها مؤلم ..
هل سيكســرني الصمت يوم؟
هل ســأخبرك واواجهك؟!...
يا الله كيف ستكون تلك المواجهة؟!...
كيف ستنظر في عيني بعد ان اخبرك بأني اعرف بأنك قاتل امي وابي...
بأنك الشخص الذي ارسل تهديدات لوالدي قبل ان يقتله...
وفعل فعلته ماضيًا...
مكملا حياته...تاركًا يتيمة تصارع في كل مواجهات الحياة...
حينمــا نأتي للواقع.. أنت جردتني من عائلتي ذياب...
أنت ارسلت جثثهم اليّ لكي تخبرني بأنك اكثر الناس ظلمًا ووحشية...
ترى بأي ذنب قتلت والدي وامي؟!...
بأي ذنب فعلت ذلك؟!...
وبأي ذنب تركتني يتيمة؟!..
بلعت غصتها وشدت على يدينها اللي ترتجف...
لمت معطفها لما نزلت من السيارة بسبب الهواء...
ومشت بهدوء الى طيارته الخاصة ...
كانت قطرات المطر تغسل دموعها...وتبرد لهيبها...
كل اللي تسويه انها تبعد عيونها عن انظاره..
لانها مؤمنـة تمــاماً ، بأن كل قوانين الاحتمال تنتهي بمجرد ان تشوف عيونه ...
تناظرها بكل ثقة...
تخترق اسرارها...
تحس بأنه يقرأها بشكل ثابت..
بدون مايهتز أي شيء فيه...
ومن بين دخولها للطائرة..كانت انظاره موجهة عليها...
وكأنه يتفحصها...لانها طول اليومين الماضيين...
كانت ملتزمة الصمت...
على عكس نقاشاتها معه...
على عكس اول يوم وصلوا فيه روما وهلوستها امامه...
ماكان مصدق ان هالبنت الواثقة ممكن يطلع منها هذا الجنون...
كان يشوف الشخصية القوية والواثقة من اول دخولها للشركة...
بس بعد اول يوم من روما...عرف انه جروح اللي ما بعد تلتئم..
كانت تحركها في معاكسات المشاعر...
كثير يشوف احمرار عيونها...
ويشوف الدموع اللي تحاول تخفيها...
ارتباك يدينها وارتجافها ...رعشة جسدها...
واحمرار انفها...
عضها المتكرر لشفايفها وكانها بهذي الطريقة ممكن تحبس العبرة...
حزينة كثير...بس باقي قوية...
مهدووومة مليوووووووون...
بس باقي قوية...
مهدودة الحييييييييل...
ضعيييييييفة...
ضعييييييفة...
بس باقي قوية...
جلوسها بالطيارة الصامت...حيرهـ وكثير..
اول ما بدأ الاقلاع...
حكمها خوفها انها تتمسك بالمقعد بخوف...
اغمضت عيونها وما ابدت اي ردة فعل ثانية...
لاحظ رجولها اللي ترتجف..
واياديها المحمرة من اثر شدها على مقعدها
وكأنها بالطريقة هذي تحبس خوفها اللي ماتبيه يشوفه...
ماتبي يشوف ضعفها ...
التفتت عليها امجاد بهدوء بعد مافتحت عيونها :
( أنتِــي بخير؟!..)
هزت راسها ورفعت راسها تلقائيا بعد مانتبهت لذياب اللي يطالعها :
( بــخير..)
لازال يكلم ويتبع الشغل...
ياترى شنو راح يصير لو تنازلت عن ساديتك بالشغل...
تحكم الشغل وكأنك تحكم مملكة...
وكأنك بمراقبتك لها كل الوقت قاعد تحميها..
قاعد تبعد عنها كل يد ماتبيها تمتد لها...
بس كيف ابسحب عنك السجاد ياذياب؟؟؟
كيف وانت ما تترك شغلك ولو لحظة...
اطلقت تنهيدة ضيق ...وطالعت النافذة هذه المرة...وسمحت لنفسها تطالع ابداع الخالق..
كانت تسبح الله باعجاب...
وكأن هالشيء قدر يداوي بعض من جروحها اللي تجرعتها من ذياب بـ هالرحلة...
*
حل المساء وبانت انوار مدينة الرياض من المدينة الصغيرة...
انتبه لها جلست بعد ماغفت لساعتين ..بآخر الرحلة...
كانت طول الوقت تعاند نفسها وتقاوم النوم..
ليما استسلمت بالاخير بعد معاناة النعاس...
وقف بهدوء وكلم عثمان يخلص كم شغله بعد مايرتاح بكرة من الصباح...
يدري ان عنده شغل متراكم لانه ترك الشركة لمدة اسبوع...
حتى وان حل مسفر محله...فالاجتماعات ماتنتهي...
والتقارير اليومية اللي توصل كل يوم وتحتاج توقيعه لازالت تحتاجه الى توقيعه...
نزلوا من الطائرة بهدوء...وانتبهت لسايقها اللي تبع الشركة موجود..لانها من قبل لا تقلع الطائرة بروما ارسلت له انه مايتأخر وعطته الموعد...
حمدت الله وهي تمشي الى سيارتها ...
بعد مالبست عبايتها السوداء...
بمجرد ماركبت السيارة وصلتها رسائل كثير...
من منار... من ربعها...
ومن الشغل...
الشغل اللي مايموت..
بينما هو ناظر بابتعاد سيارتها واطلق تنهيدة ،..
التفت لامجاد اللي تناظره بارهاق :
( لاتقولي انك بترجع وبتشتغل؟...تكفى ماعاد به حيل بعد..)
ذياب يبتسم :
( وان قلت ان فيه شغل...شبتسوين؟!..)
امجاد تهز رأسها :
( مو راح انتحر... اللي بـــعده..)
هز راسه مبتسم وهو يفتح لها بنفسه باب السيارة...
ركب معها وطلب من السايق انه يمشي...
طول الطريق كان يتواصل مع مسفر اللي كان باجتماع في نفس هذا الوقت مع شركة آل غانم اللي استلموا الاسهم واشتروها...بالمناقصة اللي صارت قبل كم يوم...
اسند راسه للخلف وانتبه لامجاد :
( ذياب.. يصير أسألك..)
فتح عيونه تلقائيا وناظرها ببرود :
( اسألي...)
امجاد بقلق : ( ياربي لا تواخذني..
بس اكيد انت تحس باللي احسه...
بنت الناصر... مهره..
شصاير لك معها؟..)
ذياب فهم ان امجاد ممكن حست..
ومايبيها تحس..فهو كالعادة يفضل ان يخوض هذا الوجع لوحده..
تنهد يهز راسه :
( غير اني معاقبها بالشغل وغاثها ...مافيه..)
وكأن هذا يعطيه الحق انه يعاقبها بالشغل بس امجاد اطمئنت انه مو اكثر من كذا..
امجاد بتوتر :( متأكد؟..)
ذياب رفع حاجبه باستنكار :
( ليــه هالتحقيق؟!..)
امجاد تحك راسها :
( بس... يعني حسيت ان فيه شيء بالبنت..
كل ماتشوفك تصد عنك...
وتحاول انها ماتلتقي بك..يعني شف كم مرة حنا نطلع وهي ماتبي.. )
ذياب يهز راسه يحاول يبعد الشك عن راسها :
( السؤال يقول ليه محولة هالشيء لموضوع شخصي...
ممكن البنت جتها ردة فعل بعد ما قسيت عليها اول فترة شغل..)
امجاد هزت راسها بتأييد :
( معك حق...فجعت المسكينة..
الحين بتظل طول عمرها تكره تشتغل معك..)
ذياب بغموض :( وهذي الحقيقة..)
اكيد بتكرهه..
هي ما تمتلك الا حقيقة وحدة...
انه قاتلها ...بقتله لاهلها...
وبأن سر وجودها...
حتى تنتـــقم منه...
انتبه للسيارة تدخل في وسط حديقة المنزل...
نزل من السيارة مع امجاد ...
وتوجهوا للداخل... سلموا على امهم وشيماء ..
اما عبير فكانت تسلم على ذياب بخوف وقلق...
ناظرها ذياب بوعيد :
( حسابك بعدين...)
جلسوا على العشا بهدوء وبدوا يتناقشوا عن السفرة...
وعدهم انه السفرة الجاية راح ياخذهم لما يفتتحون الفندق بروما...
وراح يسوي يوم افتتاح كبير وتغطية اعلامية...
امجاد بتعب :
( والله يا هالفندق بيطلع عيوني...
ماجانا من وراه الا المصايب..)
عبير بخوف مضحك وتأييد :
( ايه والله..)
طالعها ذياب حتى ماتت من الخوف وناظرتها امجاد بنص عين تحبس ضحكته :
( عاد انتي اللي من جد في مصيبة...)
طالعت في ذياب وهي تغمز له:
( اذا ماتوطيت في بطنها فاسمح لي ياولد اخوي...
بدوسها دوس... اجل تفشل مسفر قدام العالم؟؟؟..
هذي يبي لها تكفيخ.. )
ام ذياب تطالع عبير بقوة :
( لا تخافون... عطيتها اللي تستاهله واكثر..
بس ماهنا على كلمة ذياب كلمة..)
هز ذياب رأسه لامه :
( ولا فوق كلمتك يام ذياب كلمه..
بس السموحــة ) طالع عبير بحدة..
( الناس اللي تتصرف في الشغل بشخصنة تستحق عقابها...
واتوقع ان مثل ما ضيعت الاسهم ...
راح ترجعها للشركة.. )
عبير فتحت عيونها بصدمة :
( كيـــف؟؟؟!...
من جدك ذياب... ؟!)
ذياب يوقف بعد ماشبع متجه لمكتبه :
( الحقيني على مكتبي...
ابيك بكلمة راس..)
عبير طالعت في امها بخوف بعد ماغادر ذياب ..وطالعت بامجاد اللي تبي تنقذها لكن امجاد استندت على الكرسي لورا :
( والله يابنت اخوي اسمحي لي...
مقدر اتوسط لك ... اخوك وتعرفينه...
طول ماحنا بروما بعد ما درى عنك كان معصب وحالف انه يكفر فيك.. خبز خبزتيــه يالرفله اكليــه..)
عبير بقهر :
( اذا رضيت اصير بدالك في شغلة مرة ثانية...
فأنا حقييييييرة.. )
ضحكت امجاد على قهر عبير :
( انتي خربتي شغلي يا امي..
روحي رقعيه باللي تقدري عليه...
واذا اقنعتي ذياب هاتي ماعندك وكلميني..
اشوفك على خير بنت اخوي العزيزة )
ام ذياب وشيماء ضحكوا على جنون امجاد واغاضتها لعبير اللي مشت تتحلطم...
اما امجاد استأذنتهم وصعدت لغرفتها بتعب...
تحاول فيه تسيطر على كمية النعاس اللي اجتاحتها من بعد الاكل...
دخلت الحمام وتروشت ...
كلها مجرد دقايق حتى طلعت من الحمام..
واستلقت بروب السباحة على سريرها..
ومن الاسفل بين ماهو جالس بمكتبه يتكلم مع مدير اعماله يأكد عليه كم شغله ... دخلت بخوف بعد ما طرقت على الباب اكثر من مرة ..
بخطوات بطيئة وخوف جلست امامه...
تعرف انها غلطانة...بس ماتدري وش السبب اللي خلاها تسوي هالمصيبه...
غير انــه مســفر...وتبـــي ترد اعتبارها منــه...
ماتكلمت...
ولا نطـــقــت ...
انتظرته لحتى ينتهي من المكالمة...
اصلاً ماكان عندها القوة الكافية تطالع فيه...
حست فيه يسكر السماعة...
وكعادته اللي مايتركها...
يحب يخلي الشخص اللي يخاف منه يتعذب نفسيا بالخوف...
يظل يراقبه لعدة دقايق وكانه يقرأه...
ذياب :
( ايـــه؟؟.. ماعندك اي شيء تقوليه...)
رفعت عيونها بفشلة ... حطت نفسها بموقف تافه بسبب هالشيء ماهي قادرة حتى تحط عينها بعينه..
ذياب بحدة :
( أسافر انا وامجاد...واكلفك على شغل بكل ثقة..
لكن بكل بساطة تفشليني قدام مسفر...)
لارد...كانها ابتلعت لسانها..
اكمل كلامه لها :
( ولو توقعتي اني بتسامح معك في هالشيء فهذا مستحيل...
لما اكلفك بشيء..تسويه مثل ما ابي...
بأي حق وبأي جرأة تمشي الموضوع على كيفك؟؟..
حتى لو كانت الاسهم ماتمثل اي شيء للشركة...
ولا تأثر عليها..
ممكن يجي يوم وترتفع وتزيد من ميزانية الشركة...)
عبير باحراج تهز راسها بتأييد :
( معك حق ..
ووالله ماعيدها...بس انا عصبت فجأة وماقدرت اتصرف بشكل صحيح..يمكن لاني مو متعودة على الشغل...
وهذي اول مرة ادخل مجلس مناقصة بالشركة..)
ذياب بنبرة حادة :
( تصرفتي مثل البزر...
دخلتي المشاكل الشخصية حتى تردين اعتبارك..
لو كان مسفر مأثر عليك بيوم من الايام...
كوني اقوى منه.. والله لايحل من يلومك...
انتي اخت ذياب..)
عبير تهز راسها وهي تكاد تنفجر :
( اوعدك ماتتكرر... انت بس هدي واوعدك اني ماكررها..)
ذياب باستسلام لخوفها منه:
( مابيك تخافي ولا ابي اعيدها واضطر اني اخانقك ...
من بكرة ترجعين للشركة وتتفقين مع المالية على الاسهم...
مسفر اليوم راح اجتماع عشان يتفق مع الشركة اللي اخذت الاسهم ويشتري منها الاسهم من جديد..
اذا مارجعت...بوكلك تراب..)
ماحبت تناقش ولاتقول شيء...اكثر من كذا وش تقدر تقول...
الحق مع ذياب...والغلط راكبها من راسها لرجولها...
ماتقدر تتكلم وتعارض وتقول انها ماتبي ترجع وتشوف مسفر قدام وجهها...
بس هي اللي حطت نفسها بالموقف هذا...
وتستاهل اللي يجيها...
رحمها ذياب لما شافها بتبكي..
وقف واحتضنها...
لحتى انصدم لما سمعها تبكي...
عرف سر وجعها...
عرف انها مقهورة بضمير من ولد عمه وعضيده مسفر...
بس محد يعرف شنو اسباب مسفر...
غيره هو...
ومستحيل انه يقول لاخته هالشيء ببساطة...
ترك الامر للايام...يمكن تصلح هالحطام...
ذياب بحنية :
( ادري انه زعلك كثيـــر...
بس ربي بيعوض عليك ... وان زاد بجرحه لك..والله ماخليه )
بعدت راسها عن حضن ذياب تلقائيًا وهي تمسح دموعها :
( والله لو ماوجودك كان ضعت...)
ذياب يمسح على راسها :
( روحي غسلي وجهك ونامي...
من بكرة بتجلسين الصبح..
ومابي اي تأخير..)
عبير تهز رأسها بهدوء ثم تغادر...
توجهت بسرعة لغرفتها...
مهما قابلت النكران وعاندت...
يظل محفور جرحه في العمييييييييق...
مستحييييييل تنسى كيف جاها وفجعها...
طاحت قدامه برجا وهي تقول له لااا...لاتروح عني...
مابي غيرك وانت تدري بالشيء هذا....
مارد عليها وهو يقول لها الله يعوضك...
مشى بكل قسوة بدون حتى مايلتفت عليها...
اهتز جسمها بمجرد تذكر هذا اليوم
انقلبت على جنبها وبحسرة :
( مهما كذبت على نفسي وقلت نسيتك...
ربي يدري اني اكذب على نفسي...)
غمضت عيونها مستسلمة للنوم..
تدعي ربها ماتجمعها بكرة اي صدفة بمسفر..
*
حطت المفتاح بالباب وادارت المزلاج...
صوت سكون في منزلهم الصغير....نســمة باردة...
ريــاح تعاكس رياح روما اللي كانت قبل اسبوع....
غمضت عيونها ورفعت راسها للسماء...
تطرده من خيالها واحلامها ...والاهم...من كوابيسها...
استنشقت من عبير الرياض...
سمحت لرئتها بأنها تسحب كل حيز هوا حولها لحتى يبرد من الجحيم اللي داخلها...
ماتعرف تبدأ من وين ولا تنتهي من وين...
لان مافرقت معي ياذياب...
البداية في عيوني معك كأنها النهاية...
في هالرحلة تأكدت من شيء واحد... بأنك شخص مايمتلك ضمير...
شخص خالي من الانسانية...
عايش حياته مبسوط...بدون مايفكر بجثتين ارسلهم لي...قبل سنين...
امثالك مايخافوا من غضب ربي...
ولا يهابون جحيمه...
بلعت غصتها ولازال وجهها مرفوع للاعلى تناجي رب العالمين..
وشنطة سفرها الصغيرة جنبها...
وبكل مقاييس الالم دعت رب العالمين يبرد تراب امها وابوها...
تحاملت على الدمع...
ماهو وقته يامهره...
وقت تكونين اقوى وتوقفين بوجهه...
وقت تصيري اكبر من همجيته...وقسوته...
مايحق له الظالم يتهنى...
مايحق له يتهنى وانا هنا.......
ماقدرت تكمل كلامها وهي تبلع حسرتها وعبرتها...
مشت باتجاه الداخل...تسحب شنطتها خلفها...
ومن بين دموعها اللي ماسمحت بنزولها ...
سمعت صوت من غرفتها...
صوت طفل... ابتسمت بسعادة لما تذكرت وجودهم في بيتهم...
مشت بسرعة لداخل غرفتها وهي تشوف منار تستقبلها مع طفلها خالد اللي كان يشهق عليها لما شافها :
( ياووووووووويل حالي اللي يشهق...
ياجعلني فدى لـ هالبلاعيم....
ابووووووي اللي مبسووووط..)
حملته من بين يدين امه وهي تقبله وتبوسه وتوزع اصابعها على بطنه عشان يضحك ..ومن ضحكه قبلته في بطنه بحب :
( كذا يالحرامي تخليني اشتاق لك انت وامك المعفنة؟!...
تدرون اني احبكم وتخلوني اعاني من الشوق فوق شوقي...)
ضحكت منار بحب وهي تجلس معها على السرير وخالد الصغير كان مستلقي ومبسوط ...
سمعت منار تبتسم باحتجاج : ( اشوفك سحبتي على امه؟!..)
ضحكت مهره بلعانة : ( حد يشوف هالزين ويذكرك ؟!... )
منار تهز رأسها بضحكة :
( هههههههههههههه انتي جاية بطاقة استلعان..
هاتي ماعندك اشوف... طمنيني وش صار عليك؟؟؟!!...)
مهره صمتت بهدوء وهي تبتسم بأسى وتلاعب خالد الصغير...ومن صمتها اكتشفت منار ان صاحبتها واختها مو بخير.. وعارفة انها لو بمكان مهره ممكن انها توطت ببطن ذياب من زمان..بس كيف تسويها وهي لها حقوق..ومطالبتها لـ هذي الحقوق ممكن تخول مصيرها مثل مصير امها وابوها...من صمت مهره اللي طال ابتسمت مهره بتهرب وهي تناظر منار :
( ماعليك مني انتي هالحين...قولي لي وش صار عليك...
كيف طلعتــي من البيت قولي لي؟!..)
منار وهي تطالعها في ولدها الصغير بحب وبوجع :
( ماطلعني الا ابوي علي...
مالي غيره...تعبت كثير وانا اشوف خلودي يعاني...
عرفت اني مامتلك اي خيار ثاني غيره...
يومي رحت لابوي وطلبته ردني...
بل كان بيضربني... بس يوم جيت لابوك يامهره ماتركني...
وهذا اللي وجعني..)
مهره تهز رأسها وهي تربت على يد منار بحب ومواساة :
( ليه تنوجعيــن؟!...
ابوي علي ابوك... وماسويتي شيء غلط يوم جيتيه...
اصلا انتي متأخرة كثيييييير... كان من زمان مفروض تخلي ابوي يطلعك... انا قلت لك بيجيك اليوم اللي تحتاجي انك تطلعي وابوي علي ماهو مرخصك...
بس انتي ظليتي تكابري ومارضيتي...ابوي ومدري ايش...
والضحية في هذا كله ولدك...)
منار تبتسم بوجع : ( كنت ارحم ابوي يامهره...
ماهان علي اترككه واخليه لوحده... مع انه يستاهل ... بس بالنهاية هو ابوي ومالي غيره...
بس طلع فيـــه غيره.. فيه من يعزني ويحسسني بقيمتي مهره ..
يحسسني ان حياة طفلي مهمة مثل ماحياتي مهمة بالنسبة له...)
مهره تحتضنها : ( لا تضايقين نفسك..
عــارفة ابوك ومايهون عليك.. بس اذا انتي هنتي عنده وش له باقي ترحميـه؟!..
اذا مارحم هالطفل الصغير اللي بحضنك وش له تفكري فيه..
يوم فكرتي فيه سرق من ايامك وحياتك الكثير...
ماخلاك تعيشيها بسعادة وهناء...حتى ماسمح لك تطلعي من بيته وكأنك عبدة عنده مو بنته...
بس خلاص... سبق السيف العذل...لاتضحين اكثر من كذا..
وان فكرتي مرة ثانية ترجعين لماضي ضيمك..
انا اللي بدوسك هالمرة..)
ضحكت منار على غضب مهره من معاملة ابوها لها...
ياما كانت مهره تكره معاملته لبنته..من وهم بالثانوي حتى لما تروح عندهم كان يحطها بموقف محرج قدام مهره...
تضطر فيه مهره انها تطلع من بيتهم تاركة منار في نيران مواجهتها لابوها...
وبظنها انه لو كان يستحق الرحمة كان رحم طفلها الصغير...
وجى الوقت اللي تشوف منار فيه نفسها وحياتها وحياة طفلها...
منار بتنهيدة وحب ويدها بيد طفلها المستلقي ويسولف :
( الحمدلله اني قدرت الحق واوديه المستشفى...
الحمدلله على وجودكم في حياتي..)
مهره بحب تبتسم وهي تحمل خالد الصغير مرة ثانية وتحطه على رجولها بعد ما استندت للخلف وهي ترفعه وتقبله :
( ولا يحرمني منك ومن هالشيخ... )
منار تطالعها بتفحص ...ومنها عرفت مهره ان منار مستحيل تسكت ليما تعرف شنو اللي مسكتها ومخليها تتهرب عن الموضوع..
مهره بابتسامة اسف :
( يعني لازم تستجوبيني ؟!..
مافيه شيء لله..)
ضحكت منار بحب :
( الذيب مايهرول عبث..)
مهره بابتسامة وهي تلاعب خالد :
( مابي اعكر مزاجي بذكره...
تدرين كيف يوجعني لما اتكلم به..
فكيف الحين بعد ماشفته وكلمته...
كل ماشفته حسيته يسحب خناجر من صدري ويتركني انزف بقوة...)
منار بحب تستلقي بجوار صديقتها العزيزة على قلبها ...
حضنتها بحب :
( كل اللي ابيه انك تفضفضي...
واذا كان هالشيء يضايقك لاتتكلمين به..
بس حسيتك موجوعة ومحتاجة تتكلمين مع احد...)
هزت راسها وهي تطالع منار :
( كل اللي شفته منه انه انسان بدون مشاعر...
ولو ربي راح يحاسبه راح يحاسبه على فقدانه لضميره...
صحيح انه مابعد يعرف اني انا ادري به...
بس مو معناته انه يتجرد من مشاعره بهذي الطريقة وكأنه ماقتل انسان..
ذبــــحنـــي يامنار ذبحنـــي ...فجعني لما شفته عايش حياته ومبسوط وناسي افعاله...
آمنت انه خالي من الضمير يوم رحت المكتبه بهذاك اليوم وقعد ينصحني اقرا كتاب... وكان ربي ساقني لـ هالكتاب حتى يشمت علي ذياب..)
منار بهدوء تستمع لصديقتها المجروحة...
التي تشد شفتها السفلية حتى تحبس غصاتها..
اكملت مهره بلا شعور :
( كان هالكتاب عن بنت فقدت امها وابوها بسبب شخص كانت تحبه هو اللي تسبب بقتلهم...)
منار بشهقة : ( الى هالدرجة ؟!...الى هالمرحلة وصل هذا الرجال اللي ماعنده مشاعر ولا احاسيس؟!...
ينطق بـ هالكلام قدامك؟!... حتى لو ماكان يعرف انك تدري باللي سواه... بس هو يعرف ان هلك مقتولين...
ليه يقول هالكلام قدامك؟؟!..بأي حق..)
مهره تطالعها بعيون ذابلة :
( شفتي لأي درجة هذا الانسان ماعاد عنده مشاعر...
بس مايهمني... دامه مايعرف اني اعرف عنه كل شيء...
فهذي فرصتي... ومصيره مثل ماكان فوق...
ينزل تحت... الدنيا مو كل ايامها له..)
منار تنظر بهدوء لملامح مهره اللي تيبست على ذكرى مرت بها...وماتدري شنو هالذكرى؟...
هل هي ذكرى اول يوم بروما لما هلوست امامه؟؟!...
ولا المكتبه؟!...
ولا يوم تاكل وتطيح قدامه...
ولا قبل لايمشون بكم يوم لما دفع عنها ...
كل هذي المواقف حتى ولو كانت مو كلها بكت فيها...
تكرهها... تكرهها لانها تذكرها بانها عاشت جزء من حياتها مع قاتل ابوها...
لكن فجأة استفاقت مهره من صمتها وهي تناظر منار بعيون دامعة وبقوة :
( واللي خلق راس امي وابوي...
مااسكت له... مثل ماشوه ايامي..
بأشوه ايامه...)
حضنتها منار ...ونامت بتعب في حضن صديقتها وخالد كان يلعب بحضنها... لما حست بتعب صديقتها ...
سحبت خالد الصغير من حضنها بهدوء...
وغطتها باللحاف... قللت الاضاءة...
ونومت طفلها وظلت تراقب مهره...
تعرف انها كعادتها بتجلس بعد دقايق وهي تصيح لانها شافت جثمان ابوها يدخل بكابوس قاسي عليهم بالبيت مغطى بالدم...
وبتضطر انها تبتلع من حبوبها المنوم...
اللي يخليها تنام براحة..
*
صباحين مختلفين...
من مكانين مختلفين... من شخصين مختلفين...
جمعتهم الحياة...وبينهم حسابات متراكمة...
حسابات لها سنين...
وايام ...من المعاناة...
كلاهما نسى النوم...
احدهم اختار ان يستسلم للعقاقير الطبية...
والاخر اختار ان يتغطرس في عمله...
احدهم لازال يبكي وجعًا وهما...
والاخر قرر ان يصمت... دون ان يتلاعب مع الحكايات القديمة...
الكثير من الذي لايعلمه احدهم...
والكثييييير الذي يعلمه الشخص الاخر...
الصباح الاول...
تستيقظ من نومها على خالد اللي يحط فمه على خدها ويقبلها بطريقة مضحكة...لما حست فيه انتبهت لمنار اللي واقفة على راسها وتضحك ...
فتحت عيونها بسعادة وهي توقف وتهجم عليه بالقبلات ...
ليما مات من الضحك على هجومها...
ناظرت منار بحب وهي تنطق :
( اجمل صباح والله..)
ابتسمت منار بهدوء وهي تجلس جنبها وتمسح على كتفها :
( كيفك الحين؟...عسى ارتحتي بالنوم...)
مهره بابتسامة :
( دامي جلست بنص الليل وطلبت حبوب..
اعرفي اني بارتاح...لان من غيره ماعرف الراحة..)
منار بضحكة :
( ياليت تسمعين هلوستك وانتي نايمة...
كأنك عجوز...ماظل شيء ماتحلطمتي عليه...
الشغل والمدير والاوراق وامجاد...
مافهمت شنو تقولين..
وشنو اللي بتدفعيه؟!..كنت تقولي بدخل الفلوس في عيونه..
مافهمتك وربي...بس خوفتيني عليك ههههههههههههه...)
حست بالاحراج من نفسها :
( خرتها صح؟!..)
ضحكت منار وهي تغمز لها :
( شويتين..)
اخذت طفلها من يدين مهره ثم طالعتها:( قومي غسلي وجهك واطلعي...ترا جهزت الفطور... بس انتظر ابوي علي يجيب الخبز..)
مهره ترسل لها قبلات في الهواء لها ولطفلها :
( الله لا يحرمني منك ياخي..)
وصلها صوت منار اللي كانت طالعه للمطبخ مع طفلها :
( قووووومي من فراشك وتعالي ساعديني..)
مهره وهي تدخل الحمام
( جايتك هالحين...)
غسلت وجهها...
الصباح هذا كأنه بداية جديدة...
كأنها تبي تنسى بها روما... وكل ايام روما...
فرشت اسنانها وطلعت من دورة المياه...
طلعت لها ملابس وتروشت ع السريع عشان لازم تطلع الشغل...
لبست بنطلون جينز هادئ وجزمة اديداس ...
مع قميص كحلي عادي...
تعطرت بعطرها المفضل جيفينشي...
وطلعت من شنطة سفرها الملفات اللي تحتاجها بالشغل...
حملت شنطتها وعبايتها وهي تشوف رسالة من ابوها علي
يخبرها ان بيرسل الخبز مع ولد جيرانهم ويبيهم يفطرون بدونه لان شافوه رجال ولزموا عليه يجي يفطر معهم...
راحت للحديقة وفتحت الباب لولد جيرانهم الصغير واخذت منه الخبز وهي تمد الفلوس ...
ولد جيرانهم ينفخ نفسه :
( ابد والله ماخذ... خليهم عندك يا بنت الحلال)
ضحكت عليه وهي تعبث بشعره :
( والله انك رجال ولد رجال...
بس لايمنع ياولد الناس خذ الفلوس...
وسوي فيها اللي تبيه...
اعتبرها هدية مني..)
هز رأسه برفض قاطع : ( ماني ماخذه...خليه وعليكم بالعافية..)
مهره بخبث :( افا يعني ترد بنت حلوة مثلي من صباح الله خير؟!..)
توهق بفشلة وسمعت صوت منار من داخل المطبخ :
( هههههههههههههههه وهقتي الادمي...)
حطت الفلوس في جيبه وهي تغمز له :
( خذ الفلوس يارجال...الحق مافيه عيب..
المرة الجاية لو عطيتك سطرني...
بس الحين اخذها ..)
طالعها باستسلام وطلع بهدوء...
انتبهت للساعة...كانت الساعة 7 ونص...
وعثمان ارسل لهم مخطط الشغل اللي كان بالفعل طويل...
وماتدري متى بتخلصه...
سكرت ايميلها وراحت تجهز الفطور مع منار وتحمل خالد وتطلع به بالحديقه الصغيرة...
حطوا الفطور على الطاولة...بدأت تشرب من الشاي حقها وهي مستعجلة ...ناظرتها منار بفجعة :
( شفيك يابنت الناس...اجلسي اكلي مثل الاوادم..)
هزت راسها مهره وهي توقف بدون ماتاكل وتاخذ قطعة من الخبز الساخن وتمضغها بهدوء بينما كانت تلبس عبايتها وحجابها :
( لازم اطلع الحين..السواق برا والشغل لفوق راسي...)
منار توقف :( طيب اخذي لك شيء اكليه بالطريق على الاقل...لاتروحين كذا وانتي توك جاية من سفر...بتتعبين..)
ابتسمت لها مهره وهي تقبلها وتقبل خالد :
( ان شاء الله... جهزي حالك الليلة احتمال اخلي السواق يطلعنا انا وياك ..)
منار ابتسمت :
( يالله روحي لاتتأخري على السواق...بعدين نتفاهم على الطلعة..)
غادرت مهره وهي تركض لبرا...
مشت باتجاه سيارة السايق...وركبت منطلقة لشغلها...
*
صباح ثاني...
في حي آخر من احياء الرياض...
حي مختلف لا يشابه الحي الآخر...
يستيقظ من نومه بهدوء ويبدأ روتينه الصباحي...
توجه لخزانة الملابس يسحب ثوبه وشماغه وكبكاته...ومانسى ياخذ احد اقلامه الثمينة المرصوصة في علبة مخملية كبيرة...
توجه ناحية السماعة اللي بغرفته وطلب منهم تجهيز قهوه سوداء له...
دخل يتروش بالحمام... وهو بكل مايملك يحاول ماينسى كل ذكرى مضت في روما بذاك الاسبوع...
يحاول يبقيها ثابته بعقله وهو يقرا ويحلل كل ردة فعل وتصرف منها بروما...
وهو واثق ان اول قرار اتخذته بالصباح...
انها تتناسى رحلة روما بكل مافيها من ذكريات ...ماعدا الشغل...
طلع من دورة المياه بمنشفة على خصره...
وسحب جواله يطالع جدول دوامه الطويل اللي بيكون اليوم...
تنهد بهدوء وتوجه يلبس ثوبه وشماغه...
ويرتب هندامه...
سحب احد عطور العود اللي عنده...
ماهي الا دقائق حتى دخلت الخادمة وهي تدخل له البخور ...
تبخر بهدوء بعد خروج الخادمة وتواصل مع الشركة يرتبون له التقارير كلها على مكتبه قبل يوصل...
سكر السماعة وانتهى من البخور...
نزل للاسفل وشاف امه ..قبل راسها بحب
ذياب : ( صبحك الله بالخير يالغالية..)
ام ذياب : ( صبحك الله بالنور... ارتحت يمه؟!..)
ذياب بغموض : ( ماعلى راحة الايام راحة...
انا بخير يمه... )
ام ذياب بصمت تناظر ذياب وتراقب فيه معالم مختلفه...
جلس بهدوء جنب امه ووصلت قهوته وبدا يشربها وفي يده احدى الملفات...
التفتت لامه وهو يناظرها :
( امجاد وعبير طبعا ماجلسوا صح؟!..)
ام ذياب : ( باقي ماجلسوا..بعد نص ساعة بجلسهم..)
ذياب يوقف : ( لا يتأخرون ..هذا اهم ماعندي...
اهم شيء عبير...لا تتأخر..)
ام ذياب : ( ان شاء الله... انتبه لنفسك يمه..)
قبل راسها مرة اخرى...
وغادر المكان متوجه لحديقة المنزل الضخمة...
يفتح له السواق باب السيارة لكنه توجه لمقعد السائق بهدوء : ( انا اللي راح اسوق..)
هز السايق راسه وابتعد عن طريق سيده...
ماهي الا دقائق حتى طلع من المنزل...
متوجه فيها الى الشركة...
بادي اول صباحاته برؤيتها تنزل من السيارة بشرود...
تمشي للداخل بدون ماتنتبه له...
نزل من سيارته بعد ثوانٍ...توجه للداخل حتى شاف عثمان يستقبله وهو يطلع له ملف :
( استاذ ذياب اليوم عندك 3 اجتماعات بس اضطريت ااجل لك احد هالاجتماعات لان عندك تقارير كثير لازم تطلع عليها...
وبالنسبة للمالية...نحتاج خطة جديدة عشان الفنادق الجديدة... )
كان عثمان يماشي بطريقه للمصعد...هز راسه بهدوء وهو معه بداخل المصعد :
( سوي اللي تشوفه صح عثمان...
اهم شيء مايختل اي شيء بالشغل..)
ربت على كتف عثمان وبامتنان :
( انا اثق بك عثمان..)
عثمان بابتسامة :
( رايك يهمني...طال عمرك..)
ابتسم حتى انفتح باب المصعد وطلع من المصعد وهو يمشي للداخل وبدون مايلتفت على عثمان:
( لازلت عند رأيي ..كلامي لك مايعني اني راح ارحمك بالشغل اليوم..)
عثمان بتوهيقه هز راسه :
( كل اللي تامر به راح يصير..)
ذياب توجه لمكتبه ... ولاحظ الملفات والتقارير المتراكمة...
بعضها كانت خطابات من موظفي الشركة وبعض المطالب اللي لازمته بالشركة...
وبعضها كانت تقارير من المالية واحصائات عن الاموال اللي صرفوها باخر مشروع...وهو فندق روما...
بدا يشتغل فيها تلقائيًا....وهو يدعي الله انه يخلص ولو ثلث منها...
انتبه لمسفر يدخل ...وقف من مكتبه وتوجه لمسفر يصافحه :
( يالله حيهم..)
ذياب يبتسم : ( ربي يحيك... )
ترك كرسي مكتبه وفضل انه يجلس امام مسفر في الكرسي المقابل له..
ذياب : ( وش صار؟!..)
مسفر هز رأسه بعجز :
( تقدر تقول سويت اللي اقدر عليه...
بس شركة آل غــانم لازالوا رافضين انهم يبيعون الاسهم في الفترة الحالية...
يعني خسرنا هالاسهم الى الان بفضل دهاء اختك..)
ذياب وتصرف ال غانم ماعجبه :
( وعرضت عليهم المبالغ اللي قلت لك عليها؟!..)
مسفر هز راسه :
( عرضت... بس قالوا انهم ماراح يستغنوا عن الاسهم...
واذا نبي الاسهم لازم ننتظر لحتى يفكروا انهم يسووا مجلس مناقصة بشركتهم ونشتريها..)
ذياب يرفع حاجبه باستنكار :
( توقعت انهم يتنازلون عنها بسهولة بعد المبلغ اللي عرضته..)
مسفر بنفي : ( انت تدري شنو اللي صدمني يوم سمعت سعود آل غانم...؟؟
كان يقول لي اسهم شركة ال زيد محد يقدر يوصلها...ودامها وصلت ليدنا فحنا مو مستغنين عنها لو بمليون...)
ذياب هز رأسه بهدوء :
( خلهم عنك...لما يصير اي مجلس مناقصة بشركتهم بلغني...
عبير غصب عن خشمها بتروح وبتشوف لي طريقة ترجع لي الاسهم فيها..
وان مارجعت...وقتها انا بتصرف بنفسي...)
مسفر بعدم فهم : ( انت ليه مصر على الاسهم الى هذي الدرجة ذياب؟!..)
ذياب بهدوء صمت لثوان...
بعد ماطال صمته ناظر بمسفر بنظرة يفهمها :
( لأنها مو لــي...
هذي اسهم عبد الله الناصر..)
مسفر بصدمة :
( من جدك؟!... )
ذياب يهز رأسه :
( ايه...عشان كذا انا حرقتك وحرقت عبير...
اذا مارجعت هالاسهم لنا..
اعرف اني بأقوم الحرب على آل غانم...
بس اتوقع ان سعود فاهم ومشتري سلامته...
مابي احولها لحرب نفسيه عليهم مثل ماسويتها على اللي قبلهم..)
مسفر بتفهم : ( والله معك حق... انا ماكنت ادري انها له..)
صمتت لثواني...ثم نطق بنبرة قوية :
( اصلا لو كنت ادري كنت توطيت باختك..)
ذياب يرفع حاجبه وكان كلام مسفر مو عاجبه :
( بتتوطى في بطنها واجد يامسفر؟؟...
كان ماوراها ذياب..)
ابتسم مسفر بنرفزة : ( اختك تجيب هالشيء لنفسها..)
ذياب : ( انا مارضى على اختي...جرب تقربها واتوطاك...
يكفي اللي صار من قبــل..)
مسفر بقهر يطالع بذياب :
( يرحم امك ذياب...انت عارف وفاهم ليه سويت هالشيء..)
ذياب يهز رأسه بهدوء :
( طيب ماهنا خلاف...
اليوم عبير جاية وبوكلها تراب...
وبتاخذ ضريبة افعالها...بس انت شيك لي على الشغل من وراها..
انا قلت لسيف انه مايفتح لها مجال كبير في المالية ليما تتعلم الشغل صح... وان اي مبلغ تطلبه لاي مشروع يبلغني به..)
مسفر يوقف بهدوء :
( خلاص مو مشكلة...
لاتنسى الاجتماع اليوم الساعة 2 ...بعد استراحة الغدا..
نبي نخلص من الخطة الجديدة تبع الفنادق..)
ذياب يوقف ويتوجه للكرسي اللي بمكتبه :
( طيب... بس تطلع لغرفة الاجتماع بلغني..)
ابتسم مسفر ثم خرج...
ومن خروجه...انتبه لدخول امجاد وعبير..
قرر يتجاهلها بهدوء بعد ماسلم على عمته ومشى باتجاه الطابق اللي تحت...الطابق اللي يشتغل فيه هو واخوه سيف...
طابق المالية...حتى يراجع بعض الحسابات مع اخوه..
*
في وسط الشغل اللي اخذ منها الكثير... كانت جسمها يرتعش بين كل ثانية واخرى...لانها ما اكلت شيء..
تجاهلت هالشعور...اللي بالفعل خلاها بطيئة حيل بالشغل وكان ذياب بين كل دقيقة وثانية يتصل على مكتبها يطلب منها ترفع التقارير...وكل مرة تقول له ماخلصت...
تفهمها بالبداية انها ماخلصت بسبب الشغل كثير اللي مو قادرين يلحقوا عليه...بس استغرب ان الكل سلم اشغاله له الا هي كانت بطيئة على عكس عادتها...
ماكان متوقع انها تكون بطيئة الى هذي الدرجة... خلصت اغلب التقارير لكن بقى لها تقارير كثير ماخلصتها...
لما حست بالتعب يتسلل لاصابيعها وعيونها المركزة على شاشة الكمبيوتر...تراخت وهي ترفع يدينها للاعلى وتتمدد بنعاس...
انتظرت الطابعة اللي جنبها تطبع التقارير...
لكن بلا شعور حست بتعب... وحطت راسها على المكتب ...وبلا وعي منها نامت...
كانت الساعة 7 المغرب...
ومن الساعة المغرب نامت لحتى الساعة 11...
صحيح انها نامت اكثر من 4 ساعات...بس لو بدون هالنومة ماتدري ايش ممكن يصير فيها...
نست اوامر ذياب والحاح عثمان وقلق امجاد...نست كل شيء في سبيل نومها وتعبها اللي خلاها غصب عنها تنام ...
صحيح انها نامت بعد مارجعت من السفر...
بس نومها ماكفاها...
أسبــوع كامل كوابيس وصور لجثث ماتركتها...
نومها متقطع كانت كل يوم تحاول تقاوم الحبوب...
لكن ع الساعة 3 الفجر باستسلام تبلع الحبوب وتغوص في عميق النوم...
وبدون اي معالم للادراك نامت...
ونامت بعمق...
وماصحت الا على صوت جوالها...
انتبهت لجوالها ...وبكل التعب والحرارة اللي تحسها ابر بعيونها رفعت تنتبه للجوال ...كان سايقها...
ماستوعبت ولا حاجة من اللي هي فيها...
قامت بارهاق...وطلعت بصعوبة من المكتب...
جسمها يرتجف...رجولها ماهي حاملتها...
اكلها ونومها المتقطع ماساعدها...
وكأن الحرارة اللي بجسمها اخترقت كل معايير الاحتمال..
مشت متجهة للمصعد بدون ماتركز بشيء...
كانت الانوار اللي بالشركة مطفية ...
ظلام...مافيه الا ظلام...
وانارة النوافذ...
كناية عن عدم وجود اي مخلوق غيرها بالشركة...
او مثل ماتعتقد...
طلبت المصعد والتوت للامام لما حست ان جسمها مايحملها...
حاولت تقاوم التعب والهبوط المفاجئ اللي جاها...
بس ماقدرت...اغمضت عيونها وعقدت حواجبها...
كررت حركتها والتوت للامام...
ركبها ماتقدر تحمل ثقل جسمهاا...
صارت تلتوي بهزل...
وبعد محاولات متكررة من المقاومة...
استسلمت واغمضت عيونها...
وطاحت مغمي عليها...
|