ضحكت بيترا :
- قد تخيب املنا جميعاً ونقنع برجل خارج هذا الوسط , لكنها الآن تعيش اوج سعادتها دون ان تتألم او تسبب الألم لأحد, وعائلتها من أفضل العائلات هنا.
- لكنني احب المايجور و زوجته , فكلاهما لايتوقع من شاب ان يكون مكتملاً , وقد تكون نصائحهما إنتقادية, لكنها بناءة.. على فكرة , قلت لهما بالامس انك ستزورينهما قريباً. واقترح ان نذهب هذا المساء , لكن سينكلير قد يكون هناك واذا احببت إذهبي إليهما صباحاً بالسيارة فلن احتاجها.منتديات ليلاس
- وهل ستسمح لي باستخدامها؟
- بالطبع , قلت لسينكلير انك معتادة على استخدام السيارات. وقال إنك يجب ان تستبقي الجواد المخصي لك , وتستخدمي سيارة الستايش متى شئت, وهذا كرم منه , اليس كذلك.
- بكل تأكيد والى ان تصل السيدة يورنغتون , سأبقى العنصر الفريد هنا. وصحيح انه لم يعطني الأذن الكامل ببدء اصلاحات بيتك , لكنني سأفعل , فستحب ان نبتعد عن انظاره المباشرة عليك في اسرع وقت ممكن , أليس كذلك؟
كشر وجهه:
- وكيف؟ العيش معه هنا يجعل الحياة كلها عمل , والامر مختلف بالنسبة لك.
- بوجود السيدة يورنغتون , لن احس انني تحت رحمته مباشرة واتمنى لو اعرف متى ستصل.ريحانة
وتحققت امنيتها هذه في اليوم التالي حين قال سينكلير انه ذاهب الى جورجتاون يوم السبت, ليعود ومعه هيلين يوم الاحد.
بعد ظهر ذلك اليوم قضته مع تشارلز في الكوخ المخصص له يخططانه وينظفانه , وعبر تشارلز عن رغبته في الانتقال اليه في أسرع وقت ممكن . على ان يتابع العاملان الدهان وهو يسكن فيه. وأكدت له بيترا ان غرفة الجلوس وإحدى غرفتي النوم ستكونا جاهزتين بين الثلاثاء والاربعاء, وابلغته انها حضرت له خادماً صغيراً, من القرية المجاورة , نصحها به اصحاب المخزن هناك, وسيقوم بالطبخ له والغسل وادارة المنزل ووعدت بأن تشتري له مايريد كذلك من المؤنة.
ذلك المساء, ذهبا الى حفلة آل داي للعشاء والرقص. وتأكد لبيترا ان شقيقها بالفعل يشابه بيني داي , فهي نحيلة كلها حيوية , شعرها الاسود اللماع قصير, له تجعدات قصيرة, تعيش حياتها بإستمتاع , دون عبث, دون غيرة , ربما لأنها تعي ان المرأة الجميلة التي تملك دخلاً يكفيها , لا حاجة لها ان تقلق من ركودها في سوق الزواج.
في الصباح التالي ذهبت بيترا باالسيارة الى منزل المايجور وتقبل تشارلز حفلة غداء للغراب عن النادي , منزل المايجوركان مزرعة صغيرة , متناسبة تماماً لتقاعده , وحديقته زاهرة وبفضل عناية زوجته , كان عالمهما جميلاً , قديم الطراز , مع انهما لا يبعدان كثيرا عن مواضيع الساعة المهمة.

غادرت منزل المايجور عند الساعة الثالثة لتقود في طريق طويلة الى المزرعة , الطقس دافئ جميل, ووجدت سيارات عدة واقفة هنا وهناك قرب النهر , والمخيمات الصغيرة منتشرة تحت ظلال الاشجار .
ادخلت الستايشن الى الكراج , كانت تتطلع قدما لساعتين وحدها في غرفتها, ولاحظت ان الكراج الآخر مقفل, وقررت ان تأتي بالمفتاح لتفتحه, وفكرة يائسة تتملكها , بأن هذا هو آخر نهاية اسبوع لها من الحرية.ريحانة
دخلت شاحبة الوجه لأفكارها , لتجد سترة من الحرير الازرق الباهت اللون على مؤخرة احد الكراسي, وكيس مشتريات على مقعد آخر . فتوترت اعصابها حين لاحظت باب غرفة الجلوس مفتوحاً , وخرج نيل:
- سمعتك قادمة, ماذا حدث لك؟
هزت رأسها بإبتسامة رسمية:منتديات ليلاس
- لا شيء, لم أكن اظن أنك ستعود باكراً.ريحانة
اصبحت الآن امام الباب فشاهدت كعب قدم, وحذاء عالي الكعبين , بلون عاجي , وطرف تنورة زرقاء تماثل السترة التي على الكرسي , فاضافت بسرعة :
- احس بقليل من التعب, هلا عذرتني؟
- حسناً, اغتسلي قليلاً , لكن عودي بسرعة , إريدك ان تلتقي بهيلين.
كان يبتسم بغير تحفظ , يبتسم , كما تراءى لها , لشيء يمكن انه قبل منذ لحظات , خلف الباب الموصد. فهزت له رأسها وتابعت سيرها الى غرفتها .
إذن, وصلت المرأة , فماذا تتوقع منها؟ والأكثر , ماذا يتوقع نيل؟ وهي ترتب شعرها , كانت تحس ان معركة على وشك ان تبدأ.

نهاية الفصل

الفصل الثالث.. البداية

هيلين يورنغتون كان إمرأة ممن يستطعن إختراع هالة من المظاهر الخداعة الهشة حولها, اول ما شاهدتها بيترا, كانت ملقية رأسها على مقعد عميق بذراعين , وجهها شاحب , بنقطتين شاحبتين زاهريتين على عظام خديها. عيناها كانتا زرقاوين بلون الصين الازرق بأهداب كثيفة طويلة . وفم مدهون بالاحمر له زوايا ضيقة, شعرها افتح من اللون البني الاحمر, لماع, يتموج كهبات الريح.منتديات ليلاس
وقال نيل بسهولة :
- بيترا كاميرون , إبنة عمي هيلين يورنغتون, وكلاكما تعرفان الكثير عن بعضكما.
رددت بيترا بأدب :
- كيف حالك؟
وتلقت رداً مهذباً كذلك. وجلست في مقعد اشار اليه نيل, واخذت سيكارة من العلبة التي قدمها لها, ومالت نحو ولاعته لتشعلها , ثم استوت , منتظرة ماقد يأتي , وتحدثت هيلين بصوت اجش:
- انت كندية , أليس كذلك آنسة كاميرون؟
- اجل, من هاليفاكس, لكن امي من كويبك.
- عائلتي في الواقع من اواسط انكلترا. سكنت اواسط كندا , أليس كذلك نيل؟ قبل زواجي كان اسم عائلتي اوفريد , وهي الفرع الكندي للعائلة , ونيل له علاقة بفرع اميركا من العائلة , لكن الجيد ان تعرف ان اصلنا واحد ولو من بعيد , لكنني لا اذكر إسم عائلة كاميرون.
- أنا واثقة انك لم تسمعي بها, فوالدي كان يعمل في مصرف في لوقا سكوتيا , ثم اشترينا فيلا في هاليفاكس بعد ان تقاعد , وعمل اخواي في مصنع البان واجبان.
- آه , أنت فتاة ريف إذن؟ كنت اظن فتيات الريف كبيرات الاجسام .
تدخل نيل:
- بيترا كانت تمسك بحسابات المزرعة , واعتقد انها بارعة بهذا جداً انها مؤهلة من الدرجة الاولى لهذا العمل, اعلم ان هناك مخاطرة في رمي امرأتين مختلفتين معاً, بعد تعرف قصير , لكن عليكما شق طريقكما معاً, وحسب ماترغبان , وهذا افضل ما استطعت إيجاده لكيلكما.

ابتسمت هيلين برقة:
- لا تقلق حبيبي , فأنا سهلة المعشر , واذا حدث أي إنزعاج فلن يكون بسببي . وأنا ممتنة لك بمجيئك بي الى هنا , كان هذا بالضبط ما احتاج اليه , وفي هذه الاجواء , سأنسى كل بشاعة السنوات الفائتة , ولا حاجة لك لتغيير نمط حياتك لأجلي, استمر كما أنت وكأنني غير موجودة.ريحانة
نظرت بيترا بسرعة الى نيل, لتجده هادئاً بارداً كعادته , واذا كان قد جاء بهيلين لاسباب خاصة, فلن يعرف احد ما هي , لكن مامن شك ان منظرها مستلقية هنا في المقعد المريح كان يسعده جداً.
بقية اليوم كان طويلاً, وغريباً . بعد الشاي ذهبت الى غرفتها , لكنها لم تستطع التركيز على كتابة رسالة الى امها , بل وجدت نفسها تصغي الى تمتمة الصوتين البعيدين عنها في غرفة الجلوس, ثم ضحكة نيل المختصرة. فشعرت بأسنانها تشتد فوق بعضها , وهذا امر غير طبيعي.
بعد العشاء, سنحت لها فرصة الحديث لوحدها مع هيلين يورنغتون بعد خروج نيل لتفقد أبقار المزرعة.منتديات ليلاس
- اتظنين نيل سيتأخر؟
- ربما يتأخر ساعة.
- كم ان حياة المزراع متعبة, الزراعة ليست سيئة , لكن تربية الحيوانات ! لماذا لا يقوم شقيقك عنه بهذا العمل؟
- يوم الاحد, يوم عطلته. لكن, حتى ولو انه موجود , لذهب السيد سينكلير بنفسه.
- اظن من الغباء القيام بعمل المرء الاجر لشخص آخر للقيام به . وهذا يذكرني بشيء يجب ذكره , قبل ان نعرف بعضنا أكثر , أنت وأنا . اشعر ان علينا توضيح شروط إقامتك هنا , ماهو المرتب الذي سيدفعه لك نيل؟
بأدب ردت بيترا :منتديات ليلاس
- لم نذكر الراتب, فلدي غرفة رائعة , واحصل على طعام وفي المقابل اعطي بعض الاهتمام لإبنة عم السيد سينكلير , وهذا كل شيء.
- اخشى ان لا يناسبني هذا, سأدفع لك مرتباً صغيراً , هل انت بارعة في اعمال الإبرة؟
لا يجب ان تغضب لأمر كهذا, وكتمت بيتر غيظها:
- بشكل مقبول.
- مسرورة لهذا . لقد اشتريت قماشاً هندياً في جورجتان لثياب النوم , إنها افضل من النايلون , هل قمت من قبل بشيء من التمريض؟
- عدا رشح اخي , وروماتيزم عند كلب مسن , لا اعرف شيئاً. لكن لدي المعلومات العادية. واستطيع تدليك رأس مصاب بالصداع.ريحانة
ضاقت عينا هيلين غضباً, لكن صوتها كان هادئاً.
- تحدثت ونيل بالأمر , لكنه بالنسبة لشؤون النساء لا يفهم شيئاً , فترك الامر لي , انا لم يعجبني مطلقاً عادة تكليف الشبان بإدخال شاي الصباح الى غرفة النوم, او تركهم ينظفون الفراش ويرتبونه , وغسيل الثياب وكويها , اريدك انت ان تفعلي كل هذا لي. في الصباح , اريد الفطار في السرير عند الثامنة والنصف تماماً. والحمام عند التاسعة والنصف , خلال النهار لن احتاج الى رفقتك , وسيكون لديك وقت طويل لتغسلي ثيابي وتكويها وتخيطي لي الثياب الجديدة.
والشيء الوحيد الذي .. منذ .. مرض , لم تسمح لي اعصابي بقيادة سيارة. لذلك سأحتاجك لتأخذيني الى البلدة حين لا يكون نيل موجوداً.

صممت بيترا ان تتسلى بدل ان تغضب, فقالت :
- انت تعرفين بالطبع انه مسموح لي بإستخدام سيارة الستايشن فقط؟
- اووه , حسناً , سنرى , انتيبا على كل الاحوال قرية مملة كالحة, ولن احتاج للذهاب الى هناك كثيراً , لكن ما اود التشديد لك عليه هو ...
ردت بيترا بسرعة :
- لست مضطرة لهذا , انت بحاجة الى خادمة , لكنني لست متوفرة لهذا العمل, السيد سينكلير طلب مني البقاء هنا لأنك لن تستطيعي البقاء اذا لم يكن هناك إمرأة اخرى في المنزل . واقترح عليك البدء بالتفتيش عن غيري, وسأنتقل للعيش مع اخي واتركك لوحدك.
ارتفع حاجبا هيلين الرفيعين , واتسعت عيناها الزرقاء , بطريقة لاشك تؤثر على الرجال:
- اوه , هيا الآن , لم اقصد إهانتك , فمنذ اشهر حصل لي تجربة مرعبة, واعصابي تحطمت , حسناً , يجب ان يكون عندي من يقوم عني باشياء كثيرة , اترين .. خسرت زوجي في ظروف مأساوية ..
وارتجف صوتها وكأنها على وشك البكاء, فردت بيترا خجلة :
- اعرف هذا, واخشى ان اكون نسيت مامررت به , وسأفعل مابوسعي لأجلك.
- كنت متأكدة من هذا .
صوتها فقد خشونته , واصبح رفيعاً هشاً ضعيفاً وهي تسند رأسها الى ظهر الكرسي:
- ويجب ان ادفع راتباً صغيراً, وإلا لن اجد نفسي قادرة على استخدامك, وسنتفق جيداً .. سترين.
في الصباح التالي, مر على بيترا لحظات كادت تبكي فيها. ان تتلقى الاوامر , ولو بلطف هذا او ذاك في منزل اعتادت ان تعتبره منزلها , كان تجربة مذلة وتبعث الى الغثيان. وكانت هيلين بغيضة و أكثر. وطلبت سيلاً لا ينتهي من الامور السخيفة الصغيرة . تغيير وسادة مقعد هنا , مسند للقدمين هنا .. يالله .. نسيت نظارتها الشمسية في غرفة النوم! شكراً لك.. أهناك ورق للكتابة عندكم .. وهكذا وهكذا..
حضر نيل الى الغداء دون تشارلز , بعد الغداء انشغلت هيلين بقراءة كتاب , ونظر نيل الى بيترا :
- بدوت متجهمة عند الغداء , فهل حدث شيء؟
- لا شيء يذكر , قلت للسيدة انني سأرسل لها رسائلها بالبريد.
- هل انت ذاهبة الى البلدة ؟
- اظن هذا فالستايشن موجودة.