كاتب الموضوع :
نغم الغروب
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: آنسة الشاي الأبيض
أغلقت باب المطبخ وراءها و هي تتمنى لو كان هناك باب آخر تغلقه على ذلك الفصل التعيس من حياتها.
مضت في خطواتها مسرعة كأنها تهرب من ذكرياتها و من عقلها الذي بدأ يقلب صفحات من ماض لا تريد التفكير فيه.
فقط حين احتوتها جدران غرفتها شعرت بالدموع تبلل وجنتيها، رفعت كفها المرتعشة تطردها في قسوة ثم نزعت خفيها بسرعة و ألقتهما بعصبية و رمت نفسها بهمومها و حيرتها على السرير الواسع الفارغ الذي استقبل جسدها الخفيف دون اعتراض كبير.
بحكم العادة و دون أن تفطن لنفسها توسطت السرير فهكذا كانت تنام لفترة طويلة من حياتها ، بين شقيقتيها لذلك لم يتسنى لها أن تعرف أي جانب من السرير تفضل.
- خير الأمور أوسطها ، تمتمت لنفسها و هي تنير ضوء المصباح المجاور للسرير.
ترقرق النور الخافت ليغمر أنحاء الغرفة و يتراقص قليلا على الدمعة اليتيمة التي انفصلت عن رموشها لتتابع طريقها في نعومة نحو شفتيها المنفرجتين في آهة صامتة.
تتابعت الدقات الرتيبة تهاجم صمتها و سكونها.
تك ، تك ، تك ، دقات الساعة ، دقات قلبها ، دقات حملتها بعيدا إلي ليلة أخرى و انتظار من نوع آخر.
ليلة زفافها الغير متوقعة ، ليلة زفاف خالية من الألم الذي تخافه و رغم ذلك تنتظره كل عروس.
و تحولت الليلة إلى ليال أخرى ثم إلى أسابيع حتى أصبحت ستة أشهر كاملة، كلها خالية من ذلك الألم. و للدهشة عدم قدوم ذلك الألم كان ألما في حد ذاته.
كم أفتقدك يا كاميليا ، كم أحتاجك يا حبيبتي
و أخيرا نامت
نوما ثقيلا دون أحلام ربما لأنه لم تعد هناك أحلام من أجلها
و من مكان بعيد بدأت تسمع لحنا رقيقا يتكرر باستمرار.
لحنا قصيرا
ليس لحنا على الإطلاق بل رنين هاتفها
طفت إلي عالم اليقظة و هي تردد أذكارها.
مرة أخرى تكرر الرنين و مدت يدها في تراخ إلى هاتفها ،
كم الساعة الآن ، الثامنة صباحا ، هل يعقل أن تكون نامت كل هذا الوقت ؟
ثم من يكون هذا الذي يتصل بها في يوم العطلة و في أول ساعات الصباح؟
نظرت للاسم في كسل ثم في لحظة استوت جالسة مستقيمة الضهر و هي تمرر أصابعها في شعرها ترجع خصلاته الثائرة إلى الخلف.
طبعا من يكون غيره : ماهر بك ، من غيره يجد لديه كل المبررات كي يوقظ مساعدة زوجته الراحلة.
ضغطت على زر قبول المكالمة و للمرة الثالثة في الأربعة شهور التي تلت موت كاميليا تسمع صوته و قد ضبط نبرته كعادته على الوضع الجاف.
- آنسة ليلى أرغب في التحدث معك بخصوص موضوع ما ، الساعة العاشرة وقت مناسب جدا لو كنت تستطيعين الحضور
- لكن اليوم هو يوم عطلة و أنا ..
- و أنت لديك خطط أخرى ، جاء صوته باترا باردا ، لا بأس ، إذن فليكن غدا الساعة الرابعة بعد انصرافك من وظيفتك
هذه المرة فشلت تماما في إيجاد رد مناسب أو أي رد
يعتقد أنها لا تستطيع القدوم لأن لديها خطط أخرى ، لا يبدو عليه إطلاقا أنه يستوعب وضعهما : هي شابة مطلقة و هو رجل أرمل و الأهم أنه لديها أب لا تستطيع أن تلغيه من حسبانها
في المرة السابقة طلبت الإذن من أمها لأنها تعرف أن والدها يستحيل أن يوافق و هذه المرة تكاد تقسم أنه حتى والدتها لن تسمح لها بالذهاب
- آنسة ليلى ، هل عدت إلى النوم؟
تجاهلت سخريته الباردة و هي تسرق نظرة إلى المرآة تتفقد مظهرها قبل أن تجيبه بتلعثم :
- ألا يمكن أن تخبرني عن هذا الموضوع في الهاتف ، لا أعتقد أني أستطيع القدوم
- إنه موضوع حساس و أنا أكره الحديث المطول في الهاتف
- و أنا فعلا لا أستطيع القدوم
- غريب موقفك الآن يا آنسة خاصة أني أذكر بوضوح حين تقابلنا بعد أيام قليلة من وفاة كاميليا أنك قلت أنك على استعداد دائم للمساعدة لأجل خاطرها ، ألم تكن هذه كلماتك
- نعم أذكر و لكن
صمتت و هي لا تعرف ما التصرف المناسب ، لا تدري ما الذي استبد بها يومها حتى تلفظت بتلك الكلمات.
و الآن ها هو يطلب منها التشبث بذلك الوعد السخيف كأنها هي الوحيدة في العالم التي ليس من حقها أن تعد و تُخْلِف.
لا ينقصها إلا هو و مواضيعه الحساسة ، تأففت في سرها ، لماذا لا يتركها و شأنها ؟
- سأحاول القدوم و لكن ...
- و أنا سأكون بانتظارك في غرفة المكتب كالعادة
هذه المرة عندما أنهى المكالمة دون تحية لم تنتبه لأن ذهنها كان مشغولا في إيجاد مبرر قوي جدا يجعل والدتها تسمح لها بالذهاب.
تنهدت و هي تسند جبينها إلى كفها ، لا تريد أن تكذب على أهلها من أجله .
|