كان صوت أختها فرح هو من أخرجها أخيرا من دنيا ذكرياتها و أعادها إليهم . صوت أختها تقول بمرح:
- إلى أين ذهبت لتوك ، يا ليلى ؟
ابتسمت بشرود و هي تقول :
- إلى مكان لا تستطيعون أن تتبعوني إليه
- كنت تفكرين في كاميليا ، هكذا استنتجت أمها بصوت العارف بالأمور
- كنت أفكر في كاميليا ، اعترفت باستسلام
............................................................ .................................
و بعد ثلاثة أيام كانت ماتزال تفكر في كاميليا حين اتصل بها زوجها أو من كان زوجها
و للمرة الثانية منذ عرفته يأتيها صوته عبر الهاتف ، عميقا بعيدا قويا و واثقا
و بعد الآلو المرتعشة التي فارقت شفتيها في تردد و حيرة ظلت تنتظر كلماته في صمت تخللته دقات قلبها
- آنسة ليلى ، قال أخيرا ، أحتاج مساعدتك في شيء ما ، إن كنت لا تمانعين بالطبع
- سيكون من دواعي سروري يا سيد ماهر ، قالتها بسرعة و ندمت من فورها على لهفتها الزائدة
- إذن أنتظرك اليوم الساعة الرابعة ، لا تتأخري من فضلك فعلي أن أكون في المطار الساعة السابعة
فتحت فمها لتقول تحية ما لكنه كما في المرة الماضية أغلق المكالمة في وجهها
طوال الساعات التي تلت ، فكرت جديا و أكثر من مرة في أن تتجاهله كليا و لا تذهب و مع ذلك في تمام الساعة الرابعة إلا عشر دقائق كانت تطرق باب غرفة مكتبه.
لثواني ظلت تنتظر أمره بالدخول الذي لم يأت فامتدت يدها ببطء إلى مقبض الباب لتفاجأ به يفتح في نفس اللحظة و يبدو لها سيد البيت من خلاله طويلا خاليا من العيوب ككل شيء يحيط به
بدا لها متفاجئا هو الآخر قبل أن يبتسم تلك الابتسامة التي لا تصل أبدا إلى عينيه و يقول
- هل انتظرت لوقت طويل؟
هزت رأسها نافية و هي تتمتم تحية مبهمة ثم سمحت لنفسها بالجلوس أمام مكتبه قبل أن يأتيها إذنه
تجاوزها ليجلس مقابلا لها و هو يشبك ذراعيه و يسندهما على سطح المكتب
- آنسة ليلى ، أنوي استخدام سكرتير شخصي بشكل مؤقت و بما أنك لديك فكرة أكثر من وافية عما سأحتاجه منه بالتحديد أرجو أن تكتبي له جدولا مفصلا للمهام اليومية التي سيكون عليه القيام بها ، لو كان وقتك يسمح طبعا
تفضلي ، قال و هو يقرب جهازه المحمول من متناول يدها ، سأتركك على راحتك فلدي بعض المكالمات لأجريها
ظلت تنظر إليه من تحت رموشها و هو يأخذ هاتفه و عجرفته و يغادر
جملة " لو كان وقتك يسمح " كانت مجرد اكسسوار يغطي به لهجة الأمر الواضحة في كلماته
زفرت بعمق و هي تفتح الجهاز و تبدأ في الكتابة
بعد ربع ساعة تقريبا ، كان عقلها و نظرها مركزين على الشاشة عندما شعرت به يدخل الغرفة و يجلس على كرسيه يفعل شيئا ما بهاتفه
- آنسة ليلى ، من هو أكرم ؟ سألها بطريقة عرضية كأنه يستفسر عن الوقت
بذهن نصف منشغل بالجدول الذي تكتبه بدأت شفتاها بالرد عليه :
- أكرم هو الرجل الذي كان...
ثم توقفت وقد شحب وجهها ، رفعت إليه عينين مضطربتين فوجدته ينظر إليها بترقب و ذقنه مستندة على قبضة يده ، بعد ثواني من الصمت المشترك قال يحثها :
- أكرم هو الرجل الذي كان ماذا ؟
في اللحظات التي تلت بدا لها أن الكون بأكمله قد أخذ نفسا عميقا في انتظار إجابتها و رغم أن عينيها استقرتا على الزر المذهب الذي يزين كم قميصه إلا أنها شعرت بوقع نظراته عليها
كان يراقبها مضيقا عينيه متسائلا أي مخرج ستجده بعد أن حشرت في هذه الزاوية. ارتفع حاجباه قليلا و هو يشاهدها تفارق جمودها تدريجيا و تعود للكتابة و ارتفعا أكثر حين سمعها تقول له بمنتهى البساطة :
- لا أعرف أي رجل يدعى أكرم
لمدة دقيقة ظل ينظر إليها بعدم تصديق و ظلت هي تكتب كأنما لم تكذب لتوها ، تكذب في وجهه و هي تعلم أنه يعلم أنها تكذب ، لا بد و أن عينها قوية على حد تعبير أمه.
و هكذا هي مساعدتك يا كاميليا ، امرأة تكذب كما تتنفس و نعم الاختيار
قال و هو يواصل تفحصها بنظراته الفوقية :
- إذن فأنت لا تعرفين أي شخص يدعى أكرم مع أني متأكد أني سمعتك تنطقين اسمه بوضوح
أجابته و هي تصر على تجنب عينيه :
- أنا آسفة ، سألتني و أنا مشغولة لذلك ظننت أنك قلت أدهم
- و أدهم هو ؟
- أدهم هو المسؤول عن الحسابات في جمعية كاميليا رحمها الله ، قالتها بسرعة كتلميذ يخشى أن ينسى إجابته
ظل ينقر بقلمه على سطح المكتب نقرات متوترة ثم قال بهدوء و هو يقف :
- حان وقت ذهابي الآن
ما إن غادرتها نظراته حتى سمحت لرئتيها بإخراج الأنفاس المكتومة بداخلها لكن استرخاءها لم يدم طويلا فحين وصل إلى الباب قال و ظهره إليها :
- آنسة ليلى
- نعم سيد ماهر
- لو كنت حقا لا تميزين بين اسمي أكرم و أدهم فأقترح عليك التوجه لطبيب مختص