كاتب الموضوع :
لَحَّنْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: آمالٌ كفيفة / بقلمي
*
- 6-
العـاشر من ذُو الحجة لعـام 1436 / الرياض .
صباحُ عيد الاضحى .
صباحٌ أقبلتْ معهُ الأفراحُ والبشرى , صباحٌ لفَ وشاحهُ الأغر على المُهجاتِ والكونِ .
الأرضُ ترقصُ فرحاً بنورِ الضيف المُقبلِ , ضيفٌ لا يأتي الا بالسعدِ و الفرحِ .
ضيفٌ أنيسٌ لا يأتي الا بالمسراتِ والحب .
حتى الفجرُ اليوم ضاحكٌ من هنَاءة , لا صوتٌ سوى " الله اكبرُ الله اكبرُ"
لاحَ في الأفقِ البعيدِ ومُتَبعُ " وللهِ الحمد "
يا حبذا حلواهُ في شفاهِ طفلٍ , لذيذٌ من السعدِ والبهجة .
ترىَ بُشراهُ على مُحيا كهلٍ قد ازدانتْ روحهُ بانشراحِ الضحكة .
عائدٌ الآن من صلاةِ العيد برفقة ابناء اعمامي
و متوجهين إلى منزل جدي حيثُ يكون الاجتماع عادةً واستقبال الضيوف .
اثناء ذلك باغتني اتصالٌ مُفاجئ من فيصل ابهجني
-" هلا بالقاطع ! "
سمعتُ قهقهتهُ واردف
-" مدري حقيقةً من قطع الثاني لكن تمون "
لم استطع كبح ابتسامتِي الواسعة
-" وينك انت ! "
-" جايك بالطريق اذا فاضي ! "
-" خلاص انتظرك في بيت جدي "
-
رائحةُ البخور والطيِب تفوحُ بين الجنبات , وحديقةُ منزل جدِي المُبجل
مُفعمة بأجواءٍ صاخبة , والصغارُ اليوم أكثر من يفوز بفرحة العيد .
نظرتُ إلى سلطان ابن عمي الذي اقبل برفقةِ بعض الصبيةِ من اقاربي
والموازينَ لهُ في عمره , لقد كانَ الحماسُ مُتقداً بينهم لدرجةٍ تلفتُ الانتباه .
سرحتُ في ذلك فعلاً ! كأنهُ شيءٌ ما ومرَ سريعاً
اعتقدُ انهُ طيفُ ذكرى .
حسننا لن اقول ليتني " اعودُ للوراء وأغدو صبياً "
لأنني أعلمُ جيداً كيف كُنت ذات يوم , شبابي لا يختلفُ كثيراً عن طفولتي والصبا .
كلاً من قيديَّ عُمري يتشابهان , إن الافكار التي كانت تحشو رأسي
حينما كنت صغيراً هي نفسُ الافكارِ التي ترافقنِي الآن
إن الأمرَ فقط بينهما هُو أن كُل يوم أكبر فيه تكبرُ معي تلك الافكار ويزيدُ يقيني بـ " مُعتقداتي العقلية والنفسية "
هذا بالإضافة اني لا اريد أن اعودَ كبشَ فداء لكُل من ريم وريان
ففِي جزءٍ ما داخل عقلي يوُجد مشاهد
أكون فيها واجهةَ ريان حينما يرتكبُ بعض الحماقات
وكذلك الأمر بالنسبةِ لريم
لطالما كُنت امثلُ دور الجسور الشجاع فأقفز لإنقاذها من سخط أمي
واتحملُ انا بغبائي تلك العقوبات النكراء .
ومن جانبٍ آخر إن الفكرة التِي تُؤرقني حيالَ أمرِ " الإكراهِ والإرغام "
هي أمرٌ قديمٌ ليسَ بجديد فكثيرٌ من ابناء العائلة الكِبار ذاقوا مرارةَ ذلك ولحقهم الأخيرُ
ريان . ولكن لطالما كُنتُ ارمي هذا الأمر خلفي مُعتقداً أنها كذبة وستختفي مع الزمان ,
ومن ثمَ امضي ركضاً لأني اعلمُ جيداً ان تلك الكذبة البلهاء تجري خلفي لحظتها
وكأنها وحشٌ اسود سينقضُ على قلبي ليقطعهُ بقسوة .
وفعلاً هذا ما حدث .
لقد استولى ذلك الكابوسُ المشؤوم تماماً علي , أي أنَ
رُعب الصبي الصغير قد تحقق .
لذلك لن اقول ليتني " أعود للوراء وأغدو صبيا " .
-
رأيتُ سيارةَ أحدهم تدخل الباحةَ الفسيحة , انشرحت ملامحِي نتيجة رؤيتي لـالذي ترجَل منها
وأقبل ضاحكاً سعيداً ومُعانقاً لي وكأنما سنينٌ بيننا حالت .
بعدَ برهةٍ من تجاذُب اطراف الحديث بيني وبين فيصل ونحنُ في نفسِ موضعنا واقفين
أتى ابناء عمي عبدُ الرحمن وعبدُ الإله المُرحبان برفيقي .
شدنِي في هذا شخصيةُ فيصل المرنة والاجتماعية , فعندما ألتقي رفاقهُ في مراتٍ نادرة
لا يصدرُ مني كُل هذه البشاشة والرحابة فبطبعي هادئٌ قليلُ الكلام
و أميل للعزلة واختيار رفاقي بحذر وأكتفي بالابتسامِ فقط حيال الأمور التي تسعدني .
بينما ما أراهُ الآن هُو سعةُ بالٍ طويلة عند فيصل لدرجة أنهُ يعرفُ جميع ابناء عائلتي فرداً
فرداً , وروحِ الحماسةِ عندهُ دائماً عالية خصوصاً عند لقائهِ اصدقائهُ واحبائه .
-
بعد ان دخلنا مجلس جدي المُفعم بالضيوف الدالفيِن والمُولين , جلسنا في ركنٍ قاصٍ وبعيد
لنتبادل فيه الحوار حول أمور شتى .
لا أعلم كم مضى من الوقت ونحن نتحاور ! , لم اشعُر بكمية الزمن التي استنزفناها
خلال حديثنا , واعتقد بأن السبب يعود إلى ان من يمكُث معي الان هُو " فيصل "
رفيق عمري وصديقُ حياتي .
الصداقة هي هبة إلهية مُنزلة لكُل روحٍ بائسة لتُهديها رغدَ الحياة
وتُريها جانبها المٌشرق , ولتُعطيها الأمل ولتغدقهُا بالسعادة وترويها من ينبوعٍ
كريمٍ اثِر .
مع صديقي لن أكِل ولن أمِل وليتني أطلبُ من عجلة الزمن ان تقفَ عند لقائي
بصديقي .
فطوبى لمن لديهِ " صديقٌ صدوقٌ صادق " .
مضينا ناحية سيارتهِ بعد حين , أي ان وقت ذهابهِ حان
ولكنني استوقفتهُ قبل ركوبه السيارة لأن امراً ما طرى بذهني
-" اسمع بقولك شيء ! "
ألتفتَ لي مُقطباً حاجبيه لأُردف
-" بقول لأبوي وامي بخصوص حنين لأني ناوي اخطبها حقيقةً "
توسعت عيناهُ بتفاجئ ليبتسم بعد ذلك لافظاً
-" خطوة حلوة والله يا رياض "
ثم أردف " بس تبغى رايي فيه هالموضوع ؟ "
تنهدتُ بضيق
-" يا ليت ! " .
-" قول لأبوك بالأول لا تجي للأثنين مع بعض , على الأقل ابوك احس فيه رجا لو كلمته باللين والحِلم ولو وافق أمك ما راح يكون لها راي قوي "
زفرَ عن صدرهِ بعض القلق الواضح واتبعَ
-" رياض ! الموضوع مو هين ترى , امك راح تكون جدار قوي بكثير , حتترصد لك "
ضغطتُ على شفتِي السفلىَ كابحاً جموحي
-" فاهمك "
-" البنت ما شاء الله بنت تاجر معروف في جدة وصاحب معارض . اعتقد راح تكون نقطة فارقه عند ابوك كثير , بينما الوالدة راح تكون
نظرتها لكونك قبيلي وهي لا "
تأففت بملل حيال هذا الأمرِ الكريه والذي هُو شرط رئيسي لعقود النكاح
في عائلتِي العظيمة .
-" انا بكلم ريم بالأول , يعني ماراح اكلم ابوي وامي بسرعة بشوف وش تقولي "
اومأ بالموافقة وابدا اعجابهُ قائلاً
-" بالضبط , كلم ريم بالأول راح تكون نقطة مهمة في اقناع الوالد بالتحديد "
شتتَ نظراتهِ بتوتر لا زال مُتجلياً على مُحياه
-" وحتى لو وافق ابوك الله يستر من تدخلات اللي حولك "
بلعتُ ريقي ومحاولاً ضبط توازن انفعالاتِي الداخلية
-" اللي بيعترض اعتراضه لا يودي ولا يجيب هاذي حياتي انا وحر في اتخاذ قرارتي فيها "
ربتَ على كتفي راسماً على وجههِ ابتسامة هادئة
-" علمني بعدين وش صار معاك "
-" إن شاء الله "
يتبع !
|