كاتب الموضوع :
لَحَّنْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: آمالٌ كفيفة / بقلمي
*
-4-
قبلَ أكثَر مِن عام .
ذات مرة بينما كُنت أجالسُ شخصاً ما أعرفه
واثناء مُكوثنا سوياً اخبرنِي عن أحدى فلسفاتهِ فالحياة .
يقول " أتدري يا رياض أن هذه الحياة عبارة عن خريطةِ كنز شائكة غيرِ واضحةِ الملامح ، مرسُومٌ عليها طريقٌ يؤدي بكَ إلى حُلمك الذي ترنُوا إليه ..
خلال رحلةِ بحثك عن هذا الكنز ستواجهُ عثرات قاهِرة ستُسقطكَ فِي قاعٍ عميق وعليكَ أنت أن تجّد السبيل للنجاةِ والوصول فلا مُغامرة بلا مصاعب "
ضحكتُ حينها وبملل اردفت " ليسَ لديّ حُلمٌ ما ! أحلامي مُقتصرة علىَ أن اصبحَ طبيباً ذاتَ يوم والحمد لله يا صديقي لم أواجه أي تخبطات وذلك يعُود للهِ ثم لاجتهادي ! "
-" أ أحلامُك محصورةٌ على هكذا ؟ "
- " نعم "
-" ليكُن إذن ! ولكن لتعَلم اذا لم ترى صعباً اليوم فستراهُ غداً لأن لا شيء في هذه الحياةِ قد اكتمل وما خُلقنا إلا في كبد " .
-
بينّ سبابةِ وابهام اليُمنى وسبابةِ وابهام اليُسرى قلمِي الرصاصُ يدور ، عُدت للشُرود في حديثِ ذلك الرفيق .
منذٌ أن تجاذبنا أطراف الحديثِ ذاك ودماغِي لم يبرح التفكير فيه .
تمتمتُ بالحمدُ لله ودائماً سأحمدهُ تعالى , فحياتِي أنا قنوعٌ بها
ولم أرى حتى هذه اللحظة شقاءً فيها ..
أجالسُ مكتبِي وكتَابي , لا شيء يُضني خافقِي
سوى بضعُ حكايا بين خلجاتِ فؤادي , ونصفُها " دراسةٌ وفقط "
اعبثٌ بحبرِ قلمِي على صفحاتِ الكتاب وبينَ برهةٍ وأخرى
أسرحُ في أمرٍ ما داخل عقلِي
ليُترجمهُ الحبرُ على زاويةٍ ما في الصفحةِ أمامي
أبصرتُ الساعةَ المُعلقة على الحائط لأعلم حينها أنِي أمضيتُ أكثر من ساعتين
جالساً أدرس لامتحاني الذي أقترب موعده
واريتُ الصفحةَ خلفَ الصفحة سريعاً لأعبسَ بوجومٍ بعدها
فلا زال أمامِي الكثير لم أنتهِي منه .
سميتُ بالله لأستهل من جديدٍ في المُذاكرة
ولم ألبث إلا سطراً حتى أرتطمَ بابُ غرفتي بقوةٍ في الجدار
لألتفتَ بسرعةٍ مذعُوراً
فإذا بها ريمٌ تلهثُ خوفاً
-" ريــاض ألحق !! "
وقفت بخوف يُضاهِي خوفها
-" وش فيك !! "
-" امي وريان يتهاوشون "
قطبتُ حاجبيَ بقلق لأتقدمَ عدواً لصالةِ حيثُ يكمُن هُناك صوت كُلٍ مِن أمي وأخي ريان الغاضب .
يقتربُ من مسامعِي شيئاً فشيئاً حديثهُما المُبهم .
إلى أن وصلتُ إلى حيثُ لم ينسىَ عقلي يوماً ذلك المشهد
أمي تجلسُ على الأريكةِ الفاخرة بوجهٍ غيرِ مُبالي وريانٌ واقفٌ يتأجج منهُ غضبٌ كاسح .
هتفتُ عالياً بعدمِ فهم
-" وش فيك يا ريان !! ليه تصرخ!! "
أجزمتُ من نبرتهِ أن بهِ غُصة قهرٍ دامية !
أدمَت قلبِي معها لحَال ما وصل .
-" تدري أمي وش مســويه !! تـــدري !!! "
ارتجفتْ أطرافِي وبوادِرُ " لا " بانت على مُحيا ملامحِي .
لتحَّتد نبرةُ والدتِي وتصَّر على أسنانها
-" خفض صوتك يا ريان وأحترم جلستِي قدامك ! "
لكن رياناً لم يُصغي وأخذ يزمجرُ الغضب الذي به رامياً بصراخِه كلاماً بهُتتْ رُوحي لسماعه
-" أمي رايحه تخطب لي بنت وحدة من صديقاتها ومعطيتهم الكلمة وأنا هنا زي الجدار
لا لي راي ولا لي كلمة وشور !!! "
شعورُ الضعف وقلةِ الحيلة قاسٍ !
قاسٍ بالقدر الذي يقتلُ فؤادي حينها وكأنما سكينٌ اخترقت صدري سريعاً ورحلت .
بهدُوء بارد مُعتاد من والدتِي في نبرةِ حديثها
وملامحَ جافةٍ برزت على تقاسيم وجهها
-" أنا ادرى في مصلحتك ومين المُناسبة لك "
لينفجرَ ريانُ بجموح
-" الموضوع مو موضوع مصلحة أو لا , الموضوع اني من أصله غير مستعد لزواج
ولدخول وحدة في حياتِي "
ولا زالت الجالسةُ أمامنا تُحافظ على برودةِ أعصابها
-" ما شاء الله عليك قربت الـ 29 من عمرك وأنا ابي افرح فيك واشوف عيالك , وبنت عبد الله ما عليها كلام .. حسب ونسب وجمال ودلال .. يكفي أن أمها بدرية وأبوها عبد الله ! "
ضرب بكفيهِ وجههُ بقلةِ صبر
-" يمـــــه !! , انا ما يهمني مين هي ولا كيف .. أنا اللي يهمني ويعنيني أن ما ودي بالعرس , ما ودي فيه ! تبين تظلمين بنت الناس معي ؟؟؟ "
-" ما عليه الآن بتقول كذا بس يوم تشوف فرحتنا وفرحة أهلك وأحبابك وتشوفها هي بعد بتغير رايك وكثير مثلك وشوفهم الآن بعيالهم "
لا !
لا يا أمي لا !
لا تأخُذي الأمر هكذا عبثاً !
لا تهدمِي أبناءك خلفَ رغباتكِ أنتِ !
لا ترمِي بهم في اليّم خلفَ ما ترينهُ أنتِ !
إن الذي أمامِي الآن وكأنما سيأخذون رُوحهُ بعد دقائق قسراً .
إن الذي أمامي الآن سيُصاب بجنونِ القهرِ حتمًا .
وآسفِي على الذي أمامِي الآن
ماتَ مِن الغُبن حقاً .
تدخلتُ أخيراً في محاولة لتغيير رأي والدتِي ومُناصرةً لأخي
-" يمه الله يخليك لنا .. ريان ما يبي ليه تجبرينه ! "
-" أنا ما اجبر أحد , انا ادور مصلحته ومصلحتكم كلكم . "
ليقهقه ريانُ بسُخرية وازدراء على حاله ويُردف بأسى
-" تدور مصلحتي قال !! .. محد يعرف مصلحة الانسان الا نفسه "
لترمُق والدتي ريانٌ بغضب
-" للمرة الثانية أقولك تأدب ! "
هُنا اندفعت ريمٌ بسرعة مؤيدة رأي ريان وكلامٌ عميق
آثار فضُولي نحو معرفة سرهِ
-" أيه وهو صادق يمه هو ادرى بمتى يعرس ومن يبــي مو لازم بنت بدرية ! "
لتُقاطعها والدتي بصرخة أفزعتنا جميعاً
-" أنتِ تسكتين وما تدخلين فأي شيء فاهمه !! , لو أكتشف أنك تدخلتي في هالسالفة
ليكُون حسابي معاك عسير ساعتها "
جحظت عينَا ريمٌ بذعُر لتُردف بعدها أمي بسخرية
-" تظنيني ما اعرف أنك ما تحبين بناتها ! .. "
طأطأت الأختُ ناظريها بتوتر ليهتف من جديد ريانٌ
-" بتخليني أعرس على بنت ما تحبها اختي !! "
هُنا بدأت أمي تشتطُ توتراً وحنقاً مِنا جميعاً
-" أنت اللي بتعرس ولا ريم !! , وكلام أختك لا يودي ولا يجيب معروفة غيرة البنات اللي بعمرها "
أعتلت شهقةٌ من ريم لتُردف ببطءٍ بعدها
-" أنا أغار ؟ , أغار على وشو يا يمه !! على وشو !! "
لتقف أمي بعدها صارخةً بسخط علينا
-" لا تخلوني أغضب عليكم !! , وش عندكم اليوم ! كل واحد فيكم نسى مين أنا !
لا يكون أصغر عيالكم بس ؟ "
لأتقدمَ مُقبلاً رأسها ومحاولاً امتصاصَ حنقها
-" محشومة يا يمه "
لكَن رياناً نسفَ كُل ما فعلتهُ عندما قال بإصرار
-" يمه انا ماني معرس واللي قلتيه لهم انهيه بأي صرفة وخلاص ! "
-" بتعصيني يا ريان !!! تبغى تحرجني بعد ما اعطيتهم الكلمة "
شتت أخي ناظريه بضياع من نبرةِ أمي التِي مُلئت صدمةً
-" انا ما قلت لك اخطبي لي ! انتِ الله يهديك تسرعتي "
في لحظةٍ ما من ذلك الوقت انقلبت صالةُ منزلنا العريق
لساحةِ معركة ساخطةِ جامحة . .
أطرافها
والدتِي " هيـا بنتُ عبدالله " وأخِي " ريــانُ بن تركي "
لا أعلم كم من الزمنِ مضينا أنا وريم واقفين نبصُر بأسى
الحال الذي وصلَوا إليه .
قلبِي يؤلمنِي بشدة !
أشعرُ بضعفٍ كاسح يُضنِي جنباتِ خاطري
أشُعر بضياعٍ يقتلُ كُل خليةٍ في عقلي
لا أعلمُ مع من سأقف ومَن سأنصُر
هِي أمي ! وهُو أخي !
أمي ارتكبتَ خطيئةَ " الإكراه "
وأخي ارتكب خطيئةَ " العصيان ".
أحتدَ النقاشُ وأحتد ولا زالَ الصمتُ صديقي
الخُوف من الدقيقةِ القادمة
أصبحَ رعُباً ارتداهُ فؤادي
" ماهِي الخطُوة القادمة التِي ستأتي بها أيها القدر ! "
امتزجت الأصواتِ من حولي بكلامٍ خاوٍ فارغ في نظري
كلامٌ محتواه "ثورةٌ وتمرد " !
|