معلش بنات سامحوني اتاخرت بالتنزيل لان اللاب بتاعي بايض مابعرف بيحصلو ايه
يلله نبدا بسم الله
الفصل الثالث عشر
..................................................
الفصل الثالث عشر:
أحلام وكوابيس تنتابه بكثرة في الفترة الأخيرة .. سيارة تحترق طريق مظلم اغاني وهمهمات معينه دائما يسمعها , اصوات تطارده , ليستيقظ ويجد نفسه يتصبب عرقاً ولهاثه يعلو ويعلو كأنه يجري مئات الاميال.
جلس على طرف الفراش وهو يمسح جبينه المتعرق بتعب احس بجفاف حاد في حلقه , امسك بقنينة الماء البارد من على الطاولة المجاورة لسريره , يتجرعه دفعة واحدة وكأنه عاد من صحراء قاحلة , ارتدى قميصه وهو يتوجه الى الخارج يفكر في وضعه الى متى يبقى هكذا لا يعرف شيئا عن ماضيه يشعر بالضياع , لم لم يعلنو عن اختفائه في الجرائد!! ربما ليس له ابوين .. ربما لا يمتلك اهلاً ربما هو فرد من افراد عصابة ! او ممكن ان يكون تاجراً للمخدرات ! نفى تلك الافكار من راسه وهو يفكر بسره كلا.. كلا.. مستحيل ان اكون كذلك , تخمينات وتخمينات لا تنتهي لقد تعب من كثرة التفكير وما زاد من نقمه هو هذا الصداع الذي لا ينفك يداهمه بضراوة في الفترة الاخيرة , عاد ليتسائل من هي نور وما علاقته بها ولما دائما ما يراها تنظر له من خلف حاجز ضبابي لا يرى سوى عينيها الزرقاويتين , جلس على الكرسي المقابل للبوابة الخارجية , ليلة صيفية هادئة السماء كأنها ارتدت رداءاً اسود تناثرة النجوم البراقة هنا وهناك فاصبحت كلوحة بديعة تبعث على الهدوء والطمأنينة , بينما راحت اصوات حفيف الأشجار وهي تتحرك ببطئ مع النسيم ذهاباً واياباً تنساب على مسامعه بعذوبة وخفة , زفر بضيق وهو يتمتم مغمض العينين
- ياللهي ماهذه الدوامة التي لاتنتهي
الوقت يسير ببطئ شديد ,لو كان مجيد معه لقضي سريعاً بحديثة المشوق وطرفة المضحكة التي لا تنتهي , فلقد ذهب الى بيته منذ يومين لأنه رزق بمولدة بعد ان فقدا الأمل على الأنجاب لسنين طويلة , كان من عادته ان يذهب الى منزله في الصباح ليعود في المساء لكن ومع ولادة زوجته هو يعذره فلم تكن تسعه الأرض من شدة سعادته , لايزال يتذكر تلك اللمعة التي ظهرت بعينيه عندما قال بشوق كبير وهو يشرع بفتح حقيبته ليضع فيها حاجياته البسيطة التي يجلبها معه
- لو تراها يا وحيد كم هي ناعمة وجميلة ,تشبه الدمية الصغيرة عيناها كانهما زرين اسودين , فمها صغير وبكاءها يشبه مواء القطط الصغيرة , لها رائحة تشبه رائحة الزهور الربيعية , اتعلم شيئاً !! سأسميها امل اجل امل أتعلم لما ؟ لأنها ادخلت السعاد والأمل الى المنزل بعد ان كنا قد يأسنا من الأنجاب , الحمدلله ..الحمدلله.. السيد خليل اعطاني مكافأة مجزية كما وسمح لي باجازة مفتوحة لكنني لن اتاخر ان شاءلله يومين او ثلاثة فقط املئ عيني من وجهها الجميل واعود , اكمل وهو يلتقط ملابسه ويضعها في حقيبة صغيرة
- يا اللهي للأن انا لا اصدق اني اصبحت اباً , سأذبح خروفاً وافرقه على الفقراء والمساكين
كان محمد يراقب حركاتة وعلى وجهه ابتسامة دافئة فقد اصبحا صديقين بسرعة قياسية , كان مجيد طيب الخلق حسن المعشر لم يتطرق في يوم الى ماضيه او سبب فقدانه لذاكرته , كان عكس ذلك تماماً , دائما ما يتجنب السؤال وهو يشجعه على الكلام والأندماج مع الأخرين .
اصوات جلبه وهمهمات من الجهة الخلفية للمصنع هي من اخرجته من لجة افكاره , قطب جبينه وهو يهب واقفا يسير ببط شديد متجهاً لناحيه الصوت.. لتتسع عيناه مما يرى امامه
رجلان ملثمان يحاولان فتح البوابة الخلفية , مما بدا كانا يتشاجران على شيء ما , احدهما ضخم الجثة بطريقة مقززه والثاني ضئيل الحجم وهزيل الجسد , يبدو ان الرجل الضخم غير راضي الى ما يفعله الثاني فكان يعنفه بفحيح هامس وهما يحملان ادوات او ما شابه .. وفي الأرض حقيبة مملؤة بمعدات غريبة يبدو انها خاصة للسرقة .
تراجع بخفه وهو يفكر بسرعه فيما يفعله وكيف يتصرف , توجه الى غرفته واخرج سلاحه الذي حصل عليه عندما بدا العمل والذي اصر السيد خليل على الاحتفاظ به , لكنه لم يكن يعلم باهميته ان ذاك وان الرجل المسن على حق فقد قال له وقتها
-يا بني احتفظ فيه فمن يدري لعلك تحتاجه في يوم ما , لن يضرك لو وضعته في داخل الدرج
الان فقط عرف قيمة كلامه , اجرى اتصالا سريعا ليبلغ الشرطه ويملي عليهم العنوان , تاكد من حشوه سلاحه بالرصاص , ليخرج بتمهل ويجدهما مازالا على حالهما يحاولان فتح القفل بلا نتيجة , وجه فوهه مسدسه نحوهما وهو يقول بصوت ثابت وقوي
- ابتعدا عن الباب وارفعا يديكما الى اعلى واستديرا ببط
تجمدا بمكانهما بينما سقط العده من يد الرجل الهزيل الذي بدا بالأتجاف والدوران نحوه وشرع برفع يديه وهو يقول بصوت مرتجف مرتبك
- انااااا انااااا ليست لدي علاقة بكل ذلك لقد اخبرته ان يعدل عن هذه الفكرة الشنيعه لكنه لم يستمع لي , ارجوك انا لي زوجة و اولاد ارعاهم ولا اريد الموت .
بينما الرجل الضخم يلتفت ببطئ وعلى وجهه الكثير من القطب والغرز التي تدل على عدائيته كانت نظرت عيناه باردتين وميتتين وكانهما بلا روح , لم يبدو عليه الخوف وهو يندفع كثور هائج وبيده مدية فضية , غير عابئ للسلاح المصوب نحوه , ارتبك محمد ولم يعرف ماذا يفعل هل يضغط على الزناد ام لا فهو اراد اخافتهما فقط , جرى شباك عنيف بينهما وهو يحاول التقاط المسدس من يده , لايسمع سوى صوت الصراخ الحاد وصوت الرجل الهزيل يولول ويندب كما النساء , ماقطع تلك المشادة بينهم صوت اطلاق النار ليتجمدا ويتوقف صوت الصراخ ويعلو اصوات سيارة الشرطة .
***************************************************
سقط الرجل ذو البنية الضخمة مضرجاً بدمائه فقد اصابته الرصاصة في كتفه الايمن بينما وقف محمد بصعوبة وهو يمسك ذراعه التي جرحت جرحاً عميقاً , بفعل الاشتباك الذي جرى بينهما طوقت الشرطة المكان , بسرعة وتم القاء القبض عليهما بينما نقل محمد والرجل ذو الجثة الضخمة الى المشفى .
............................................................ ................
كانت تقف خلف الباب المؤدي لمكتب والدها وهي تستمع وقلبها يعتصر الماً , لم تستطع تمالك دموعها التي انهمرت بغزارة وشهقات مكتومة , احتضنتها سلمى بحنان وهي تعود بها الى حجرتها قبل ان يخرج والدها ويراها بهذه الحالة , كانت تهدئها بكلمات رقيقة فهي تعلم بما تكنه من مشاعر والتي لم تكن راضية عنها ابدا فكم نصحتها بالأبتعاد عنه ونسيانه , لأنها تعلم ان نهايتها الفشل لا تريد لها التعلق بوهم , لكنها لم تكن تستمع لكلامها وهي تعيش في عالمها الوردي , قالت ساره من بين شهقاتها المتقطعه
-اريد رؤيته سلمى لا استطيع الانتظار يجب ان اراه الان وحالاً .
قالت لها سلمى تنبهها بلطف
-هل جننتي !! أتعلمين كم الساعة الأن , غدا ان شاء لله سنختلق عذرا ما للذهاب اليه نامي وكل شي سيكون على ما يرام.
اجابت بصوت متقطع
-كلا انت تكذبين
قالت سلمى بتذمر
- ولما اكذب عليك !!
نظرت لها بعينين دامعتين
- حسناً اذن عديني بانك ستساعديني على الذهاب
تنهدت سلمى باستسلام وهي تقول
-اعدك بذلك ثقي بي.
هدأت قليلا وهي تومئ براسها كطفلة صغيرة , ساعدتها لتنام بعد معاناة طويلة لايقاف فيضان الدموع المنهمرة .. مسحت شعرها بحنان , وقلبها غير مطمئن من تعلقها بهذا المدعو وحيد .
............................................................ ..............
ذهبا في صباح اليوم التالي الى المشفى بعد ان أستاذنت والدها بحجة الذهاب الى احدى صديقاتها , كانت تشعر بالذنب لأنها وللمرة الاولى تكذب عليه وتخون ثقته التي اولاها لها, لكن ماذا ستفعل هي تعلم انه لن يسمح لها بالذهاب .. تتسائل لما دائما يمنعها من الحديث معه , قلبها يعتصر بقوة عندما تتذكر غضبه وتقريعه لها في المرة الماضية ما ان علم بذهابها الى المصنع عندما اصابته وعكة صحيه اقعدته في الفراش ليومين متتالين , انها كذبة بيضاء والله يعلم بذلك تمتمت بهذه الكلمات لتسكت ضميرها الذي يؤنبها بشدة .
دلفت الى المشفى وهي مسرعة الخطى لتسائل عن غرفته , انطلقت تعدو الدرجات حتى دون ان تنتظر وصول المصعد , لكنها توقفت فجأة عندما شاهدت والدها يقف عند باب الغرفة يكلم الطبيب اختبات بسرعه خلف الجدار وقلبها يخفق بجنون عيناها وانفها حمراويتين من اثر البكاء , دقائق ولحقت بها سلمى تلهث بتعب وهي تضع يدها على قلبها تقول بانفاس متقطعه
- ماذا افعل معك ! لما انت عنيدة هكذا ؟ الاتاخذين بمشورة احد ابدا دائما ستظلين متهورة , والان هيا بنا لما انت وقفه هكذا كاللصوص الم تصدعي راسي منذ البارحة بالبكاء والتوسل للقدوم هنا .
همت بالتحرك الى الأمام لكن سارة امسكتها بقوة لتمنعها وهي تقول
-انتظري ايتها الغبية ابي يقف هناك انظري
نظرت سلمى لتجد خالها يقف مع الطبيب ويبدو انهما يتحدثان بشيء مهم , قالت وهي تختلس النظر نحوهم
- حسنا سننتظر قليلا ربما يغادر, اومات ساره وهي تسند راسها الى الحائط باستسلام وقلبها يتمزق الماً من اجله .
............................................................ ............
-حسنا ايها الطبيب طمئني عن حاله كيف هو جرحه
قال الطبيب بجدية ومهنية
-لا تقلق سيدي كل شيء على مايرام فقط بضعه غرز في ذراعه لن تسبب له الكثير من الالم فهو شاب قوي البنية والجرح ليس عميقا كما كنا نظن , اسبوع او اسبوعان ويصبح بخير ان شاءلله , كما وانه يستطيع الخروج غدا ً فلا حاجة لبقائه .
قال خليل وهو يشعر بالامتنان لهذا الشاب الشهم الذي لولا شجاعته , لايعلم ماذا كان ليحصل لمصنعه
- ان شاءلله , شكرا بني , لقد اتعبتك معي
اجاب الطبيب وهو يبتسم ببشاشة
- العفو سيد خليل هذا واجبي كما اني اعتبرك بمثابة والدي اذ لم يضايقك ذلك
قال خليل وهو يربت على كتفه بامتنان
- طبعا بني لي الشرف ان اكون اباً لشاب خلوق مثلك
استطرد كلامه قائلا
- هل استطيع الدخول اليه
اجابه الطبيب
- كلا افضل ان تراه فيما بعد .. فهو نائم الان لقد اعطيته مهدئاً وسيستيقظ بعد قليل تفضل الى مكتبي لترتاح قليلا , انت ايضا ارهقت نفسك كثير اليوم وهذا يضر بصحتك .
............................................................ ...............
قالت سلمى وهي تراقب ابتعادهم
-هيا ساره لقد ذهبا هيا بسرعة
اعتدلت ساره بوقفتها وهي تقول بلهفة
- حقا !! هل ذهبا ؟
اجابت سلمى وهي تلوي شفتها وتكتف ذراعيها على صدرها
-كلا انا امزح معك .. مجنونة اذهبي بسرعة وانا انتظر خارجاً ان رايتهم اطرق الباب مرتين اتفقنا
قالت ساره بامتنان
- شكرا لك سلمى لن انسى لك معروفك هذا ابداً
قالت سلمى وهي تشيح يديها بغرور
- اذهبي الان بسرعة , ولا حاجة لاذكرك بكم الديون التي برقبتك لي سيحين وقت الدفع قريباً
دلفت الى الغرفة بهدوء لتراه نائم توهج وجهها احمراراً وهي تلمح عضلات صدره النافرة , بينما جالت عليه عيناها بلهفة وقد تبعثر شعره على جبينه بينما لفت ذراعه اليسرى بالضمادات , كان يبدو عليه الألم ملامحة عابسه ومرهقة , اقتربت من السرير وهي دامعة العينين الم حاد مزق احشائها لرؤيته وهو بهذا الشكل المحزن وضعت يدها على فمها لتمنع خروج شقة بكاء , كأنما شعر بوجودها فتح عينيه ببطئ لتصطدم بعينيها اللوزية , ابتسم بخفة زادته وسامة وخطفت منها دقات قلبها المتالم وارجعت له الحياة من جديد بقيا فترة من الزمن يحدقان ببعضهما عيناهما تقولان الف كلمة وكلمة , قال بصوت خافت ليقطع الصمت
- اهلاً
اجابت بهمس وهي تبتلع غصة مؤلمة
- هل تتالم ؟!
اجابها بصوت دافئ
- كنت اتألم لكنني اصبحت بخير الان
احمرت وجنتاها بشده هي تتنبه الى ما يرمي اليه
قالت وقد غامت عيناها بالدموع
-لقد قلقت عليك كثيرا كنت اريد الحضور منذ البارحة لكنني لم استطع
باغتها فجأة وهو يمسك احدى يديها ويقبلها بخفة سحبتها من يده بسرعه ووجهها يتحول لثمرة ناضجة , قالت بتعلثم وقلبها يخفق بجنون بينما عينها تتجنب النظر اليه
-سأذهب الأن واتي اليك غدا ان شاءلله
قال بابتسامة وصوت اجش
-كلا سارة انا بخير قد اخرج اليوم من هنا لذا لا تتعبي نفسك بالحضور كما اني اخاف عليكي من قيادتك المتهورة
قالت وهي تدعي الغضب
- هكذا اذن انا قيادتي متهورة شكرا على حسن ظنك .
اجابها بحنان جارف
- ساره انت تعرفين مدى حبي واشتياقي لك لكنني لا اريد منك التسرع صدقيني سوف اخرج اليوم او غدا عندها انا ساتصل بك .
لم تجبه بشئ وهي تستمع لأعترافه للمرة الثانية بحبه لها .. لتتعالي ضربات قلبها من جديد بقوة معلنته استسلامها له , اكمل وهو يقول بصبر كأنما يخاطب طفلة صغيرة
-اذن !! اتفقنا
اومات بطفولية ليبتسم بحب وهو يقول
- هيا الان اذهبي رافقتك السلامة
عند خروجها من المشفى كانت بحال مغايرة تمام عن حال دخولها قالت لها سلمى وهي تهز راسها بحيرة
- سوف تفقديني صوابي وينتهي بي المطاف في مشفى للمجانين اكلم الحائط
لم تجبها ساره وهي تدندن لحناً عذباً وتسير بخفة الفراشة .
نظرت لها سلمى وقد توسعت عيناها دهشة من مزاجها المتغير فتبعتها وهي تضرب يداً بيد وتهز راسها بأسف
-شفاك الله مما انت فيه يا ابنة خالي المجنونة
............................................................ .....
بعد خروجه من المشفى بعدة ايام اصر خليل على عمل مأدبة في منزلة تكريما له وعرفانا لجميلة حاول محمد تثنيته وهو يقول
- انا لم افعل شيئاً لتشكرني عليه ياعمي .. كما اني لا انسى معروفك معي
ليجيبه وهو يربت على كتفه بحنان ابوي
- كلا يا ولدي هذا ليس لا شكرك بل لانك فرد من افراد العائلة فهل تريد ان تخجلني
قال محمد بسرعه وحرج
- كلا بالتاكيد انت بمثابت والدي وسيشرفني ان اكون ضيف من ضيوفك
المنزل كان كبيراً جداً وواسع يشبه القصور القديمة لكنه بطراز حديث .. كل شيء منظم ومرتب جالت عيناه بلمحة سريعه عله يراها قليلا فبعد زيارتها الاخيرة للمشفى لم يرها ابدا , كان هناك الكثير من الضيوف بعضهم ممن يعمل بالمصنع وبعضهم من اصدقائهم واقربائهم , من ضمن المدعوين الطبيب طارق الذي عالجة في المشفى ما ان راى محمد حتى تقدم منه وهو يقول بمودة
-كيف حالك ايها البطل طمئني عنك
اجاب محمد بحرج
- بخير والحمدلله ... شكرا لك على اهتمامك كيف حالك انت
بابتسامه هادئة
-الحمدلله , لقد كان السيد خليل قلقاً جدا عنك
اومأ محمد براسه وهو يشعر بالألم المفاجأ الذي داهمه مرة اخرى حاول التركيز على كلامه لكنه لم يستطع ليس مع كل هذه الضوضاء التي تؤثر فيه فتشوش عليه تفكيره اكثر قرر الخروج الى الحديقة ليستنشق الهواء لعل هذا الصداع الذي يفتك براسه يهدا قليلا استاذن بادب وتوجه الى الخارج بخطوات واسعه .. وهو عابس الوجه متعرق الجبيين .
جال طارق بعينيه هنا وهناك بملل ليشاهد فتاة يبدو عليها الانزعاج رقيقة جداً ترتدي فستاناً نبيذي اللون وشعرها الاسود يتدلى على كتفها الايسر بضفيرة متوسطة الطول بشرتها بيضاء وعينيها سوداويين وجه مستدير, اشبه بتلميذه مدرسة حتى حذائها الذي ترتديه لم يكن عالي الكعبين بل كان صندلا بسيط يحتضن قدمها الصغيرة , قصيرة جدا خمن ان طولها لايتعدى 150سم , لم تكن من نوع الفتيات اللواتي اعتاد على رؤيتهم كانت بسيطة وغير متكلفة حتى وجهها الرقيق خالي من مساحيق التجميل , كل شيء فيها طبيعي وجذاب كانت تمسك بيدها طبق مملوء بالحلويات المختلفة وهي تاكل ببطئ وتتمتم بكلمات خافته , اقترب منها قليلا وهو يضع يديه بجيبي بنطاله
- مرحبا
نظرت له ببرود وادارت وجهها الى الناحية الاخرى
شعر بالتسلية فقرر ان يمزح معها قليلا قال لها بمرح
- هل تعلمين ان اكل الحلويات بكثرة تضر بالصحه
ادارت وجهها تنظر لهذا المتطفل بتعجب لوت شفتيها بامتعاض عله يشعر بانه غير مرغوب بوجوده , الا انه لم يكترث وهو يكمل
- اجل صدقيني فهي تسبب السمنة وتسوس الاسنان ...لا اعتقد انك من الفتيات اللواتي يفضلن السمنة لذلك خذي بنصيحتي واتركي الطبق فقد اكلت الكثير
رمقته بتعجب من الاسفل الى الاعلى وهي تتعمد اظهار برودها و ازدرائها
يبدو شاب في اواخر العشرينيات من عمره وسيم نوعاً ما وما يزيد من جاذبيته هذه الابتسامة العابثة .. عيناه مائلة الى اللون الاخضر بشرة برونزية جذابة وبدلة فاخرة مصنوعة من اجود انواع الاقمشة التي تدل على ثراء صاحبه , تبا لك ساره اين ذهبت وتركتيني لوحدي مع هذا المتطفل المغرور سمعت صوته يقول
- ساعرفك على نفسي انا طارق , اعمل طبيبا , ابلغ من العمر 29عاماً السيد خليل يكون صديقا لوالدي.
اكمل كلامه
- والان دورك ما اسمك يا صغيرة
لم تجبه بشيء وهي تزفر بضيق وتتململ بوقفتها استطرد يكمل وكأنه يكلم نفسه
- لكنني لا اعرفك هذه هي المرة الاولى التي اراك فيها هل انت ابنة السيد خليل ؟
نظرت له بنفاذ صبر قبل ان تبتعد قليلا وتقف عند الشرفة التي تطل على الحديقة الجانبية
لحق بها وهو يقول بخفوت
- اممم هل انت بكماء ؟ او ربما صماء ! حسنا ممكن ان اتكلم معك بلغه الأشارة انا اجيدها جيدا
في ثواني كان يلوح بيديه باشارات ورموز غريبة , خفق قلبها لاول مرة في حياتها لا تعرف ماهية هذا الشعور الذي شعرت به انزعاج ممزوج بالاعجاب بقيت فترة من الزمن تنظر لحركة يديه , اخيرا قالت وهي تكبح ابتسامتها من الظهور
- وما شأنك انت بمن اكون ؟
ابتسم وهو يتنهد براحة ويضع يده على صدره بطريقة مضحكة
-الحمدلله لست بكماء ولا صماء
اجابت بتعجب
- عفوا !!
قال بسرعة
- هل انت الأنسة ساره ؟
اجابت بنفاذ صبر وحده لا تلق بفتاة رقيقة مثلها
-لا شان لك ويكفي ارجوك لا تتبعني من مكان لاخر والا سأصرخ وافتعل لك فضيحة , استدارت لتنصرف بسرعه وخفة وهي تدب الأرض بقوة بقديها الصغيرتين وقف يراقب ابتعادها عنه بأبتسامة حملت الكثير من التوعد و........ الأعجاب .
............................................................ ...................................
بينما كان يتجه الى خارج المنزل وهو شارد الملامح اصطدم بجسد رقيق له رائحة الياسمين التي ذكرته مباشرة بموقف مشابه مر به , امسكها من ذراعيها وهو يقول بعفوية
- اسف نور
نظرت له ساره وقد اتسعت عيناها دهشة وتعجباً وهي تتسائل
- من هي نور ؟
في لحظة واحدة تذكر كل شي كأنه شريط سينمائي يمر امام عينيه .. والديه ..نور والحادث زيارته الاخيرة لنور وكيفيه وداعها له والطريق الذي اتخذه ليصل الى المدينة , عاوده الم راسه مجددا مسد جبينه وهو ينظر لسارة وكأنه يراها للمرة الاولى اراد الكلام .. اراد ان يخبرها لكنه لم يستطع ان ينطق , شيئ ما الجم لسانه , كل ما استطاع فعله هو الخروج بسرعه من المنزل وكأنه مطارد من قبل شيئاً ما
شعور غريب اكتنفه سعادة لا توصف بانه اخيرا تذكر هويته.. اهله.. وبلدته .. لكن لما لم يشعر بهذا الانقباض عندما تذكر نور , اليس من المفترض انها خطيبته وهو يحبها لم لا يشعر بالسعاده لما !!
قادته قدماه الى الشاطئ وهو مشوش التفكير لا يعرف كيف يستقبل كل هذا الكم من المعلومات لكن ما يعرفه انه سيتوجه في الحال الى اهله .. والديه يالهي ماهو حالهم الان بدونه امه المسكينة مالذي حل بها .. ونور كيف عسى ان يتصرف معها يجب ان يجد حلاً لهذه المعضله فهو يعشق ساره وشعوره نحوها حقيقي , لو كان يحمل في قلبه الحب لنور لكان الان يطير فرحا وسعاده .. لكنه عكس هذا تماما يشعر بالانقباض كلما تذكرها هو لايريد غير ساره فقط عقد العزم على السفر في الصباح الباكر فهو لا يطيق صبرا للقاء والديه .
............................................................ .................
ظهور محمد كانت مفاجأة لم يستطع احد استيعابها كانت السعاده هي الشيء الوحيد الذي اقتسموه بينهم صحيح هو لم ياتي لزيارتهم لكن الفرحة الصادقة قد عمت ارجاء المنزل .
نور تملكها شعور غريب بالراحة وكأن حملا ثقيلا قد انزاح عن اكتافها خاصة وانها كانت تشعر بالمسؤؤلية على ماجرى له , لكنها تقف عاجزة عن اتخاذ اي قرار فمشاعرها باتت مضطربه لا تريد ظلمه مرة اخرى لا تعرف كيف تتكلم معه وتخبره بالحقيقة دون التسبب بجرحه او احراجه من جديد
- يالهي كيف السبيل لاخبره
تمتمت بذالك وهي تسير بارتباك في حجرتها تفرك يديها بتوتر , لتسمع صوت الهاتف وهو يرن بالحاح وكان المتصل محمد ارتعدت اوصالها وهي تمسك الهاتف بيد مرتجفه لتجيبه بعد ان اخذت نفساً عميقا تهدأ به ثورتها الداخلية
- السلام عليكم
لياتيها صوته الدافئ الذي لم تسمعه منذ وقت طويل والذي اشعرها بالذنب مجددا ً.. وهو يطلب لقائها لأمر ضروري قالت بنبرة مرتبكه متعثرة وهي تتخيل انه يريد ان يكلمها بمعاد عقد القران
- حسنا ... تستطيع الحضور الى المنزل وتتكلم بما تريد
اجاب بصوت ثابت
- كلا نور اريد ان اتحدث معك عن امر هام ولا اريده ان يكون في المنزل هل من الممكن ان نلتقي في مقهى او اي مكان يعجبك .. اذا لم يزعجك ذلك
ارتبكت وتلكأت بالرد ماذا تقول , لا تعرف كيف خطرت ببالها هذه الفكرة المجنونة .. قالت بعد تردد بسيط
- تستطيع الحضور الى الشركة التي اعمل بها
اجاب بارتياح
- حسنا هذا مناسب جداً اعطني العنوان من فضلك
املت عليه العنوان لكن هناك شيئا ما في قلبها غير مطمئن لما قامت به شعرت بأن هناك شيئ ما سيحصل .
ابتلعت ريقها بصعوبه وهي تودعه وتغلق الهاتف وضعت يدها على قلبها لتهدء من ضرباته الخائفه وهي تتسائل
- ترى مالذي يريده مني ؟!
............................................................ .............
والداه لم يعارضا قراره كان فرحة رجوعه تطغى على اي شيء اخر حتى انهما وافقا بسرعه عندما فاتحهما بموضوع خطبته لساره قال والده بحنان وعيناه تتأملان ولده وكأنه لا يصدق انه حي يرزق امامه
- افعل ما يريحك يا ولدي وانا متأكد ان رافت سيكون متفهما فكل شيء قسمة ونصيب , وما دامت هذه الفتاة تعجبك فتوكل على الله وساخطبها لك
فرحة عارمة اجتاحت كيانه وهو يقوم من مكانه ويتوجه ليقبل راس والده
بينما والدته عارضت قليلا في البدايه لترجع وتستسلم لرغبات ابنها الوحيد فهي بالنهاية لا تريد له ألا السعاده..
............................................................ ......
في صباح اليوم التالي توجه الى الشركة وهو عازم ومتخذ قراره على اخبارها لكنه سيحاول ان ينقل لها الخبر بافضل طريقة ممكنه لكي لا يسبب لها اهانة او جرحاً لمشاعرها , دلف الى الشركة وهو يسأل عنها عند وصوله الى المكتبها وقبل ان يطرق الباب الذي كان مفتوحا على مصرعيه , نظر لها مليأ دون ان تشعر بوجوده اجل لقد تاكد من مشاعره الصادقه تجاه ساره لو كان فعلا يحبها لنور لكان الان شعر بالالفة او التقارب , لكن لاشيء ابدا لم تحرك رؤيتها داخل قلبه اي مشاعر سلبية كانت ام ايجابية هو لا ينكر جمالها .. لكنه يرى ساره امامه اينما ذهب .. مع ساره كل شيئ مختلف تماما عندما يراها يشعر وكأنه ملك الدنيا بين يديه .. شعور اقرب الى الكمال والاكتفاء نعم فقد اكتفى بها عن كل نساء الارض جميعاً , استفاق من شروده وهو يطرق الباب بخفة , سمعها تأذن له بالدخول .. كانت مرتبكة ومتوترة وهي ترد على سلامه بتعلثم واضح اشفق عليها مما يريد ان يخبرها به لكن يجب عليه ان يكون صادقا وواضحا تجاهها , جلس على الكرسي المجاور لمكتبها وهي ينظر لها بتمعن قال لها اخيرا بعد فترة قصيرة من الصمت
- كيف حالك نور
اجابت وهي مطرقة الراس قلبها يخفق بشده وهي تنتظر بخوف ما يريد قوله
- الحمدلله كيف حالك انت وحمدلله على سلامتك
اجاب بابتسامه هادئه
- انا بخير شكرا على سؤالك
قالت بخجل
- ماذا ترغب ان تشرب
هز راسه نفياً وهو يرفع يده ويقول
- لا داعي لذلك لقد اتيت لاكلمك بشيء ضروري ومصيري يهمنا نحن الاثنان
احتبست انفاسها وهي تنظر له بعينان حائرتان مرتبكتان زاد من صعوبة ماجاء لاجله , تنحنح بحرج لا يعرف كيف يبدا معها حديثه بشكل لا يجرح مشاعرها او يشعرها بانه قد هجرها وفضل اخرى عليها فبالنهايه هي انثى والانثى تبقى متحفظة بهذا الشان
- كنت اريد ان اتكلم معك بشان خطبتنا
ابتلعت ريقها بصعوبه وهي تقول بخفوت
- تفضل محمد انا اسمعك
قال بصوت حاول ان يخرجه هادئاً ومشجعاً لها
-حسنا نور انت فتاة يتمنى اي شاب ان يرتبط بها وانا فعلا كنت لاكون محظوظا لو تزوجتك ..لكن
رفعت عينيها تنظر له على استحياء وقلبها يتقافز فرحاً وهي تفكر بسرها
- يا الهي مالذي اسمعه هل يريد انهاء الخطبة
قالت بنعومه لتجنبه الاحراج الذي يبدو جلياً على تقاسيم وجهه
- لكن ماذا محمد .. اكمل ارجوك وانا ساكون متفهمة جدا
ادار وجهه ناحيتها بسرعه بعد ان كان ينظر الى الجهة الاخرى ليقول بامل
- هل انتِ جادة نور هل ماساقوله لن يؤثر عليكِ سلباً
اجابت تشجعه ليكمل كلامه
- بالتاكيد محمد فكل شي قسمة ونصيب اليس كذلك ؟!
اجاب بلهفة
- اجل اجل بالتاكيد قسمة ونصيب اذن انت فهمت فحوى ما اريد قوله
اجابت بثبات
- تريد انهاء الخطبة !!
-----------
اومأ برأسه وهو يدرس ملامحها عله يعرف قليلا بما تشعر
قالت بصوت رصين عكس مدى تفهمها وتعقلها , بعث الأعجاب لدى محمد لو لم يكن يحبها بصدق وعمق لساره لما تردد بالزواج منها لكن للقلب اختياراته
- لا داعي للحرج يا محمد انا متفهمة جدا قرارك كما وان هذا زواج وحياة باكملها لذلك لا يجب ان تكون هناك مجاملات فيما بيننا او شعور بالذنب او حتى ردا للجميل انا اثق بان كل شي مقدر ومكتوب ومن الواضح اننا ليس مقدراً لنا ان نكمل معاً لذلك ارجو لك حياة سعيده مع من احببت
نظر لها بدهشه وتعجب وهو يقول
- وكيف عرفت اني احببت اخرى
اجابت بتفهم
- الأمر يبدو واضحاً محمد ارجو ان تجد السعاده المفقودة التي تتمناها
بهذا الكلام انهت الحوار وهي تخلع خاتمه من اصبعها وتضعه امامه , فهي ما ان علمت برجوعه عاودت ارتدائه من جديد .
............................................................ .............
كان يذرع مكتبة ذهباً واياباً بغضب .. يشعر بالغيرة تتأكله كما تتأكل النار قطع الخشب .. منذ ان علم بعودة محمد وهو غير مطمئن يتسائل بترقب ترى مالذي سيحصل هل ستعود الية مرة اخرى .. لايعرف ما سيفعل لكن الاكيد انه لن يسكت سيقلب الدنيا راساً على عقب قبل ان يتزوجها ذاك البائس .. وما زاد من غضبه اضعافا عندما اخبره الساعي بدخول شاب يراه لاول مره الى مكتب نور .. تعرف عليه مباشرة عندما وصفه له انه محمد .. ضم قبضته بقوة حتى ابيضت مفاصل يده وهو يضرب بها سطح المكتب بعنف غير مبالي بالألم الذي شعر به
قال بصوت غاضب ومتوعد
- حسنا نور هل وصلت بك الجراءة لتحضريه الى هنا وامامي ايضاً حسنا سترين ما سأفعله بهذا المدعو محمد
انطلق كالأعصار الهائج لا يرى امامه من شده غضبه وهو يحمل بيده عدة ملفات حتى لم ينظر ماذا تحتوي كل ما اراده هو الذهاب اليهما وبسرعة , من حسن حضهما ان الباب كان مفتوحاً .. فقد اقسم على ارتكاب جريمة لو كان مغلقاً .. دخل حتى دون استذأن وهو يرمى الملفات بحده امامها , نظرت له بتعجب وحرج من تصرفه الخالي من الذوق حتى انه لم يلقي السلام عليهما عند دخوله الأهوج
قال بصوت بارد
- اريد هذه الملفات أن تترجم في الحال
نظر الى محمد وعاد ينظرلها من جديد وهو يقول بسخرية
- اظن انه من غير اللائق ان تتخذو المكتب مكان لمناقشة الامور الشخصية اليس كذلك
لم تعرف نور بما ترد عليه المفاجاة الجمت لسانها نظرت له بارتباك وهي تزيغ عينيها بينهما بحيرة , غير ان محمد وقف امامه وهو يقول بصوت هادئ
- ارجو المعذرة لكن نور لا شأن لها انا الذي طلبت رؤيتها لمناقشة شي ضروري
امسك به من مقدمة قميصه وهو يهزه بقوة ويقول
- ايها البأس الحقير الا تملك ادنى احترام لتدخل الى بيتهم وتطلب ان تكلمها امام عائلتها , ابعد محمد يديه عن قميصه بصعوبه وهو يقول بحده
- لما تقحم نفسك بشيء لا يخصك ثم ما شانك انت هل انت وصي عليها ام ماذا ؟
لم يتمالك حازم نفسه وهو يسدد لكمه قوية على انفه ارتد بها محمد الى الوراء .. بثانيه واحد جرى اشتباك بينهما ونور تذرف الدموع لا تعرف ماذا تفعل , تجمع باقي الموظفين حولهم وهم يحاولون فض النزاع , بعد جهد تمكنو من تخليص محمد من براثن حازم المتوحشة
قال محمد لنور بسرعه واسف صادق وهو يمسح الدم المتدفق من طرف شفته السفلى
- اعتذر بشدة عما جرى لك بسببي لكن تأكدي نور بانني سأبقى لك الاخ والصديق دوماً وان احتجتي لشيئ ما لا تترددي في طلبه
قال حازم هو يتقدم للأمام بغضب
- الازلت هنا اخرج قبل اقتلك واقسم باني جاد بكلامي
نظر له محمد نظرة تنم على الأستهزاء والشفقة فقد بات واضحاً امامه انه يحبها وهو لن ياخذ كلامه على محمل الجد فما هو الا رجل عاشق وغيور, لم يقل شيئاً وهو يلتفت و يغادر بهدوء تاركاً نور تذرف دموع الخجل والذل بصمت .. بعد ان هداء حازم قليلا طلب من الموظفين بحده وصرامة ان ينصرف كلٍ الى عمله .. غادر الجميع وهم يرمقون نور بفضول واستغراب يتسائلون عن سبب هذه المشاجرة العنيفة التي حدثت عند باب مكتبها , التفت لها حازم وهو يغلق الباب بعنف ويتقدم من مكان وقوفها بينما اخذت نور بالتراجع وهي تنظر له بغضب ممزوج بالخوف , قال لها بفحيح
- مالذي اراده منك بالضبط
اجابت بتحدي وعيناها تلمعان كجمرتين زرقاويتين
- وما شأنك انت
اجاب وهو يصر على اسنانه ويضرب سطح المكتب بقوة اجفلتها
- لا تختبري صبري نور
قالت بثبات رغم الخوف الذي احتل اوصالها
- قلت لك ليس من شانك الا تفهم , ابتعد عني اريد المرور
خفق قلبها بقوة وهي ترى اقترابه منها بصورة خطرة ليقول بفحيح هامس
- تكلمي نور
لا تعلم مالذي جعلها تنظر له بتحدي واضح كأنها قطة متوثبة في مواجه اسد مفترس , تعمدت السكوت
اقترب منها أكثر ليمسك ذراعها بعنف وهو يهزها بقوة
- تكلمي والأ اقسم ان افعل شي لن يعجبك ابداً
ابتلعت ريقها بصعوبه وهي تجاهد لتخرج الكلمات من فمها المطبق قائلة باستسلام مذل
- لقد فسخ الخطبة
اتسعت عيناه دهشة وهو ينظر لها بعدم تصديق ليتسلل داخله شعور غريب بالراحة كأنه ارتاح من عناء سفر طويل .. ابتسامة عريضه ظهرت بوجهه بعثت داخلها بالانزعاج وهي تجاهد لتخلص ذراعها من قسوة يده المطبقه عليها بقوة والتي تعلم جيدا انها ستترك علامات حمراء على بشرتها الشفافة قالت بحده وهي تسير مبتعده عنه بعدما سمح لها هو بذلك
- ها قد علمت اتركني وشأني واخرج من هنا حالا
قال بصوت خافت وهو يبتسم بتسليه بينما ارتفع حاجبه الايسر بعجرفة
- حسنا نور ساجعله شاني وقريبا جدا وسوف ترين , نظر لها لعدة دقائق ثم استدار ليذهب من المكتب بهدوء بينما نور كانت ترتجف بقوة وهي تفكر بمعنى كلامه
............................................................ ........
بعد المواجهه الاخيرة بينهما اصبحت تتجنبه قدر استطاعتها تنهي ما عليها من اعمال وتسلمه لسكرتيرته بسرعة , لاتعلم هل هي مازالت تحبه ام لا ... قلبها يخفق بعنف ما ان تراه لكن تصرفاته الاخيرة وثقته العالية بنفسه باتت تزعجها جداً ... لم تنسى لحد الان وقاحته وهمجيته المتوحشة وما تسببه من فضيحة لها امام كل العاملين .
تنهدت بخفوت وهي تحمل بيدها عدة ملفات لتتوجه الى مكتب حازم تعطيها لسكرتيرته وبينما هما تتناقشان فتح الباب ليخرج برفقة فتاة رائعة الجمال ذات جسد متناسق طويلة بعض الشيء , شعرها مسرح بطريقة انيقة وعصرية , ملابسها ضيقة التصقت بمنحنياتها وكانه جلدٍ ثانٍ بينما رائحة عطرها ملأت ارجاء المكتب , كانت تتكلم بخفوت وحازم يبتسم لها ببشاشة .. احس بنظراتها المندهشة المصوبه نحوهما ادعى اللامبالاة واستغل هذه الفرصة لاثارة غيرتها فحسب .. كانت زبونة تطلب المساعدة لتصميم فيلتها لتفأجا زوجها ما ان يعود من سفره .. تلك الشقية لقد اشتاق لها فعلا وهي تحرمه حتى من مجرد النظر لعينيها لمده دقيقة واحده .. دائمة الانزواء بمكتبها كأنها تعاقبه وقد نجحت بذلك فلا عقاب اقسى من عدم مشاهدت وجهها الصبوح كل يوم , وقف يملئ تعليماته على سكرتيرته من غير ان يلتفت لها او يعطيها ادنى اهتمام , ثم غادرا بهدوء.
............................................................ ................................................
تجمعت الدموع بعينيها وهي تجلس على الكرسي بمكتبها بعدما اغلقت الباب بعنف , احتضنت راسها بيديها وهي زائغة العينين قلبها يؤلمها بشدة صدرها يعلو ويهبط بتنفس سريع ومتقطع , نزلت عبراتها رغماً عنها لتجرح خديها الناعمتان اعتدلت بجلستها وهي تقف وتتوجه الى النافذه لتريح راسها على الزجاج , همست بصوت متحشرج هل عدنا من جديد الم يكفي ماحصل مع ياسمين هل سيعيد الزمن نفسه مرة اخرى , اجابت نفسها بتهكم وما شائني انا لما ابكي لما اتألم الم يقسم قلبي على نسيانه فليتزوج بمن يشاء .. طعنه حادة اخترقت صدرها بقوة وهي تفكر باحتمالية خطبته من اخرى ..للمرة الثانيه تؤلمني يا حازم وتتطعنني بنفس البرود.
تنهدت باستسلام وتهدلت اكتافها وهي تعترف لنفسها بمرارة وخجل
انا مازلت احبه رغم كل شي , اشعر بالغيرة اجل انها الغيرة , لماذا يا حازم تصر على التمادي وتجريحي مرة بعد مرة , لما قلبي الخائن ما ان يراك حتى يفز هاربا من مكانه لياتي اليك طائعاً ومستسلماً اي قوة تلك التي تملكها علي واي سحر ذلك الذي يشدني اليك .
............................................................ .....................................
كانت تجلس على الكرسي الهزاز باسترخاء وهي تضع الوسادات خلف ظهرها بينما يديها تحيك بمهارة وتركيز جورباً صوفياً ازرق اللون على شفتيها ابتسامة رقيقة لقد بدات بحياكته قبل عدة اسابيع ليكون جاهزاً في فصل الشتاء , ربما من يراها يظنها مجنونة اجل هي مجنونة بحب طفلها ولا يهمها ما يفكره الناس بها , تذكر مشاكسات حسن وهو يسخر منها ويقول
- يا الهي مريم انت تقومين بحياكة جورباً صوفياً ونحن في الصيف ارحميني ارجوك
لتبتسم ببرود محبب وهي ترفع حاجبيها وتقول
- لا تتدخل بيني وبين ابني ثم اني احيكه منذ الان ليكون جاهزا في الشتاء فلا تتذمر ارجوك
اكملت وهي تنظر له بطرف عينها
-ام انك تشعر بالغيرة !!
ابتسم بدفئ يقترب منها ليحيط بذراعيه بطنها المنتفخ
- اجل اشعر بالغيرة فانا فقط من احضى باهتمامك هذا الولد الشقي سوف يستاثر على كل شيء
ضحكت برقه وهي تلمس فكه بنعومة وتطبع قبلة على وجنته .. تحب هذا الرجل الذي يشعرها دائما انه طفلها الكبير من يرى ضخامة جثته لا يفكر بكم المشاعر الدافئة التي يحملها بداخلة والتي لا تظهر الا امامها فقط .. استطردت تقول بصوت هامس
-لا احد ياخذ مكانك انتما الاثنان داخل قلبي للابد
عادت من شرودها على صوت الباب وهو يفتح ليدخل حسن وهو يرمي سترته بتعب على السرير لكن ما ان راها حتى انفرجت اساريره وهو يتجه نحوها وعلى شفتيه ابتسامته دافئة
قال بمزاح وهو ياخذ من بين يديها الصوف ليضعه جانبا ويساعدها على الوقوف امامه
- كيف حال ام برعي
قالت بتذمر
-قلت لك لا اريد ان اسميه هذا الاسم انه ليس جميلا
ابتسم يقربها منه اكثر ليطبع قبلة طويلة على شفتيها الكرزيتين ثم ابتعد وهو يقول بمشاكسة
- اجل هذا هو اسمه فالاسم الذي اخترتيه يليق بالفتيات
نظرت له هي مقطبة الجبين بطريقة طفولية ولم تقل شيئا , احست بتلك الركلات والانقباضات التي كانت تشعر بها منذ الصباح تجاهلت الامر ظناً منها انه امر طبيعي لكنه يزداد سوءا مع مرور الوقت
لاحظ ملامحها الحبيبة وهي تتغضن بالم فقال لها باهتمام وهو يلمس وجنتها برقة
-ماذا هناك مريم هل تشعرين بشيء ما
قالت مبتسمة وهي تحتضن يده التي تلمس وجهها
- مجرد انقباضات عاديه تحصل لي كل يوم , الطبيبة قالت الولادة ستحصل ربما بعد اسبوع او اسبوعين لا تشغل بالك , اذهب لتستحم ريثما اعد لك العشاء
اجاب برقة وهو يقبل جبينها
- لا اريد ان اكل شيئا فقط سأستحم وانام فانا اشعر بالتعب الشديد
اومأت تراقب خطواته وهو يختفي من امامها لتتوجهت الى السرير وهي تسير ببطئ بينما تضع يدها اسفل بطنها وهي تفكر بسرها ربما هي تعبه من كثرة جلوسها على الكرسي لساعات طويلة , اجل ربما هذا هو السبب تحتاج الى الراحة قليلا استلقت على السرير وهي تعض شفتها بقوة تتمتم بخفوت
- ياللهي امن الممكن ان تكون هذه من اعراض الولادة .
............................................................ ..............................
استيقظت عند الثالثة فجراً وهي تتلوى من الالم جبينها متعرق بشدة كانت تتقلب باستمرار لم يغمض لها جفن لا تستطيع تجاهل الامر بعد الان
كان حسن ينام بعمق وهو يحتضنها بذراعيه .. ابعدت ذراعه لتعتدل و تجلس بصعوبه وهي تلهث من التعب , التفت الى حسن تهزة ليستيقظ قالت بصوت مختنق
- حسن .. حسن
همهم وهو يسحبها لاحضانه من جديد
- همممممم ..نامي ..حبيبتي
قالت بتعب وهي على وشك البكاء
- استيقظ حسن اعتقد اني سوف الد
ما ان سمع هذه الكلمة حتى فتح عينيه وهو يجلس بسرعه
- ماذا هناك مريم
قالت بصوت باكي كانها طفلة صغيرة
- الم رهيب يمزق ظهري واسفل بطني لم اعد احتمل
هب واقفاً وهو يتجه نحو الباب ليوقظ والدته ونور غير منتبه الى انه يسير عاري الصدر حافي القدمين كان يتصرف كالمجنون ليصبح المنزل خلال دقيقة واحدة في حالة استنفار تام لا يعلم كيف ارتدى ملابسه ولا كيف وصل الى المشفى وهو ينظر لها طوال الطريق عبر المرآة , كانت تتلوى الماً ودموعها تنزل على قلبه فتمزقه قلقاً وخوفاً عليها , عند وصوله الى المشفى كان كما الاعصار المدمر وهو يصرخ على الممرضات والكادر الطبي لكي يخففون من الآمها بينما مريم تستنجد به وتمسك يده بقوة وهي تقول بصوت باكي
- حسن ارجوك لا تتركني انا خائفة
قبل جبينها المتعرق بعمق فيما التمعت عيناه بدموع حبيسة حسرة على حال زوجته
- انا هنا معك حبيبتي لن اتركك ابدا
بهذه الكلمات ادخلوها الى غرفه العمليات لا يسمع غير صراخها المستمر وهو يسيرذهاباً واياباً لا يعرف ماذا يفعل هل يقتحم الغرفة ليدخل وليحدث ما يحدث ام يبقى متسمرا هنا وعاجز عن مساعدتها , كانت نور تحاول ان تهدئه لكن بلا فائدة اما والدته فكانت تجلس على المقعد تقراء القران وقلبها يلهج بالدعاء لها
لحظات مرت وكانها دهر من الزمن وهو يفكر ويعد نفسه بان هذا سيكون اخر طفل لن يؤذيها بعد الان لن يسمح لها بالانجاب هو يحبها ولا يستطيع ان يتصور حياته بدونها اذا كانت الولاده بهذه الصعوبة فكلا لا يريد اكثر من طفل واحد راحتها وصحتها اهم شيء لديه .. قطع عليه سيل استرساله بالافكار صوت الطفل وهو يصرخ معلناً خروجه الى هذا العالم الرحب ..خرجت الممرضة بعد عدة لحظات وهي تحمل بيدها طفل صغير لف بملائة بيضاء , حملته والدته بيديها وهي تذرف دموع الفرح برؤية حفيدها الاول الذي طال انتظاره .. قال حسن للممرضه بلهفة غير عابئ بطفله الصغير القلبع باحضان والدته
-كيف هي حالها
قالت الممرضه ببشاشة
- هي بخير دقائق وتستطيعون رؤيتها
عندها فقط شعر بالراحة والتفت ليتلقف ولده بين ذراعيه وهو قبل جبينه ويتمتم بايات الحمد
............................................................ .......................
كانت مستلقيه على السرير تحتضنه بحب لاتصدق بان هذا المخلوق الصغير هو ابنها الذي انتظرته شهورا بدت كانها سنين طويلة ما ان راته حتى نسيت كل ما مرت به من تعب والم , كان حسن يجلس قربها وهو يلف كتفها بذراعه ينظر لولده بدفئ وحنان جارف شعور مختلف يشعر به وهو يراقب وجه طفله النائم بسكينة , كان يشبهه كثيراً وكأنه ينظر لصورة مصغرة منه بينما مريم تتوهج سعادة كانها جوهرة براقة رغم ملامحها الشاحبة , كانت الغرفة تعج بالضيوف والديها الذان حضرا ونور الجالسة تنظر لهم وعلى شفتيها ابتسامة سعادة لهذا الطفل الصغير الذي اتى ليزرع البهجة في نفوسهم جميعاً ..اتجهت نحو مريم وهي تقول
- هل من الممكن ان احمله قليلا
قالت مريم برقه
- بالتاكيد نور لكن كوني حذرة
حملته نور وهي تسمي بالله وتقول
- كم هو وسيم وجميل سيكون مطارد من قبل الفتيات انا متاكده من ذلك
قال حسن بغرور
- بالتاكيد تماماً كوالده
نظرت له مريم وهي ترفع حاجيها ببرود
- هكذا اذن !؟
قربها ليضمها اليه اكثر وهو يشير الى موضع قلبه
- لكن لم تخلق من استطاعت ان تدخل لهذا القلب سوى امراة واحدة فقط
غزا الاحمرار وجهها الشاحب وهي تبتسم بخجل لتقول بصوت هامس لم يسمعه غيرة
- لا حرمني الله منك حبيبي
قبل جبينها دون ان يشعر بالحرج من الحاضرين الذين كانو يرمقونهم بابتسامة سعادة ورضى بينما هي تكاد تذوب خجلا من تصرفاته الجريئة
والدة حسن لاتصدق انها اخيرا حضيت بحفيد كانت تحمله وتضمه لصدرها وهي تستنشق عطر ولدها عبر حفيدها الذي قررو ان يسموه مصطفى , كان الاجداد يتشاجرون فيما بينهم وهم يتناوبون حمله وكأنه دمية صغيرة .
سمعو صوت طرقات خافته على الباب وقد كان حازم , لبست مريم حجابها بسرعه
وحسن يتوجه للباب ليرحب بحازم الذي ما ان دخل الى الغرفه حتى احست نور بامتلاء المكان به وكانه استحوذ عليه باكمله نظر لها بطرف عينه وهو يبارك لحسن ومريم , كانت جميلة ورقيقة جداً وهي تحمل الطفل بين ذراعيها , لا يدري لما تخيلها وهي تحمل طفلهما ليسري داخله شعور رائع بالسعادة وهو يفكر بسره هل من الممكن ان يحدث ذلك يوما ما , كانت تتحاشى النظر له وهي تتظاهر بمادعبة الطفل تارة او التكلم مع والدتها ومريم تارة اخرى , قلبها يخفق بشدة لدرجة المتها وهي تراه بهذه الجاذبية المدمرة لاعصابها الا يكفيه ما فعله في المكتب الا يكفي اعترافها امام نفسها بانها مازالت تحبه وتعشقه , يتجاهلها ولا ينظر لها الى متى ستبقى تدور بهذه الدائرة المفرغة التي لا طائل منها سوى الالم .
استاذن حازم بعد فترة قصيرة وهو يقول
- هل من الممكن ان اتكلم معك قليلا يا حسن
قال حسن وهو يرافقه الى الخارج
-بالتاكيد
توجها الى خارج الغرفة ونور تتسائل ماذا يريد منه قلبها يغزها بقوة لاتعلم لما تشعر بانها هي من ستكون مصدر حديثة
عاد حسن بعد فترة قصيرة وعلى شفتيه ابتسامة سعادة وهو يرمق نور بنظرات غامضة بين حين واخر..
............................................................ .....................................
-
ثلاثة ايام منذ اختفاءه ودموعها لم تتوقف عن التساقط , هل كذب عليها .. هل تلاعب بمشاعرها الوليدة تجاهه .. لتعود وتنفي كل ذلك فهي متاكده من صدق نواياه .. اذن اين ذهب ولما لم يتصل بها ليخبرها عن مكانه .. امن المعقول ان يكون مكروها قد اصابه ... اعتصر قلبها الم مفاجاء وهي تتخيل ابشع الصور والاحتمالات التي تخطر ببالها .
دخلت سلمى الغرفة وهي تنظر لها بقلت حيلة فطالما نصحتها بالابتعاد عنه الا انها لم تستمع لكلامها وها هي النتيجة تركها بين ليلة وضحاها دون سابق انذار , لتبكي منذ ذلك اليوم المشؤم بدون توقف .. شحب وجهها حتى بات كزهرة ذابلة بعد ان كانت تتوهج مرحاً وشقاوة
اقتربت منها وهي تجلس بجانبها على الفراش .. قالت لها برقة
- مالذي جرى لك ساره .
لم تجبها وهي مطرقة الراس تبكي بصمت لتعاود سلمى بصوت هامس
- ربما له عذر انتظري لنرى مالذي حصل له متاكده من ان هناك تفسيرا ما
رفعت لها عينان حمراويتين ووجنتان غائرتان وهي تقول بالم
- كان من الممكن ان يتصل لكنه لم يفعل اذن اما انه كذب علي وهرب ام ان مكروها اصابه
احتضنتها سلمى وهي تشاركها دموعها وتقبل راسها لا تعرف ما تقول فهي معها حق بكل ما قالته .. لما فعلت ذلك وحيد او اي كان اسمك قالتها سلمى بسرها وهي مكبلة اليدين عاجزه عن مساعدتها .
............................................................ ..........
نهاية الفصل