كاتب الموضوع :
نجمه الصباح
المنتدى :
رومانسيات عربية - القصص المكتملة
رد: رواية .. خفقات هاربة .. بقلمي .. رقية سعيد .. الفصل التاسع
الفصل العاشر
كانت تقود سيارتها وهي تدندن بعذوبة بينما راحت أصابعها تنقر بخفه على المقود مع موسيقى تشايكوفسكي الشهيرة بحيرة البجع التي كانت تصدح بصوت مرتفع نسبياً لتبعد عن عينيها شبح النعاس وشعرها الأسود الغجري يتطاير بخفة بفعل الهواء القادم من نافذة سيارتها الحمراء الحديثة
التفتت تنظر بعينيها اللوزية ذات الرموش الكثيفة الى سلمى ابنة عمتها ذات الخمس وعشرون ربيعاً التي كانت تنام بعمق شديد وهي تستند باسترخاء على مقعد وكأنها تنام بأفخم الفنادق الراقية ..لاحت على شفتيها الكرزيتان ابتسامة حانية لطالما كانت لها الأخت والسند وبئر أسرارها ولكم تلقت التوبيخ بدلاً عنها بروح مرحة بدون تذمر ..سلمى تكبرها عاماً واحداً تعيش معهم بعد ان توفيا والداها اثر حادث بشع وهي مازالت صغيرة لم تتعدى مرحلة المراهقة ..شاء لله ان يموتا والداها على الفور فيما خرجت سلمى من الحادث برضوض بسيطة وسطحية و كانت برغم سنها الصغير أكثر تعقلاً وحكمةً منها فهي معروف عنها التسرع في اتخاذ قرارها بالإضافة الى التهور والفضول التي دائما ما توقعها بمشاكل عدة ..
أعادت انتباهها الى الطريق المظلم الخالي من السيارات .. الذي لا يصله الا ضوء فضي خافت من القمر مع الضوء الصادر من انارة سيارتها , الهدوء والسكينة الذي يعم المكان بالإضافة الى الهواء المنعش الذي يهب بين فينة وأخرى في الجو فُيحدث صفيراً قد تبدو لسامعها مرعبة .. لكن بالنسبة لفتاة كساره كانت تشعر كأنها الحان شجية تنساب على مسامعها لتزيد الطمأنينة الى قلبها ..
السماء الصافية ممتدة الى ما لانهاية بلونها الأسود الكاحل إضافة الى النجوم المتلألئة المبعثرة عليها هنا وهناك والتي ظهرت بوضوح في هذه الليلة الصافية أضفت جواً شاعريا يبعث على التأمل والاسترخاء ..
اقترحت عليها سلمى ان تتخذ الطريق الرئيسي المؤدي الى البلدة لكنها فضلت هذا الطريق المختصر لتصل بسرعة ..عادت بذاكرتها الى الحوار الذي دار مع أبيها صباحاً حين طلبت منه السماح لها بالذهاب الى إحدى معارض الرسم التي تقام في البلدة المجاورة..
قال والدها وهو يطوي الجريدة ويضعها على المنضدة التي رصت عليها أطباق الجبن والقشطة ومربى الفراولة التي تعشقها سارة والتي تحرص مربيتها على وضعها يومياً على مائدة الفطور
كانوا يجلسون في الشرفة.. التي كانت تطل على منظر بديع لحديقة فيلتهم التي زرعت بأنواع متعددة من الزهور العبقة , كانت أشجار الزينة تقف بشموخ في أركان الحديقة لتزيدها جمال فيما افترش الأرض العشب الأخضر الزاهي.. وأصوات البلابل تغرد بنشاط في مثل هذا الوقت من الصباح
-كلا انسي هذا الأمر ولا تكرريه ثانيه ..ان المسافة طويلة ..وانا سأكون قلق عليكما طول الوقت
أجابت بغنج وهي تحيط عنق والدها بذراعيها من الخلف وتقبل وجنته
-أرجوك ابي انه معرض كبير حيث سيحضر فيه عدد كبير من الرسامين المحترفين ولا أريد ان تفوتني هذه الفرصة ثم لقد سبق وان سافرت وحدي
قاطعها والدها بحنان وهو يربت على يديها المتشابكة بعنقه
-لكن ليس بهذا البعد
قالت بمرح وهي تجثو على ركبتها وتمسك يده
-أرجوك ابي أعدك ان تكون المرة الأخيرة ..ارجووووك
تنهد بقلة حيلة وقد بدا يضعف امام توسلاتها ..لم يكن يستطيع ان يرفض لها طلبا خصوصاً انها ابنته الوحيدة التي رزق بها بعد عناء طويل وسلسلة من العلاجات التي خضعت له زوجته الحبيبة خديجة لكن فرحتهم لم تكتمل حيث توفيت زوجته قبل عدة سنوات اثر مرض عضال أصيبت به في القلب .. تاركة خلفها فتاة صغيرة في فترة مراهقة ..ولكم ألحت عليه شقيقته حليمة بأن يتخذ زوجة تعينه على تربيتها والاعتناء بها وبشئون المنزل ..الا انه رفض ذلك وبشدة و لم يعطها اذاناً صاغية مهما ألحت عليه
فضل ان يربيها وحده وقد كان لها نعم الاب ..بعد فترة قصيرة توفيت شقيقته الصغرى سلوى والتي كان لها معزة خاصة في قلبه ..فأخذ على عاتقه تربيت ابنتها سلمى لتأتي وتملأ عليهما المنزل وتزيده بهجة وتكون بمثابة أختا لسارة , فأصبح الأب والأم لهما يعاملهما ويحبهما بنفس المقدار.
-حسناً اسمح لك بالذهاب لكن بشرط
قبلت وجنته وهي تصفق بيديه كطفلة صغيرة وقالت
- انت أروع أب في الدنيا ..كل شروطك مجابة سيدي
قال لها وهو يدعي الصرامة التي ابداً لم تكن تليق به
-عديني ان تتوخي الحذر ..وتبتعدي عن التدخل فيما لا يعنيك
قالت وهي ترفع يدها بطريقة مسرحية
-أعدك أبي
التفتت تنظر الى سلمى المنهمكة بالأكل بنهم .. قالت وهي تضع يديها على خصرها
-هي ...انت الم تنتهي من الأكل بعد..لا اعرف كيف يبقى جسدك رشيقا مع كل كمية الطعام المتنوع الذي تأكلينه يومياً
اجابت سلمى وهي ترتشف جرعات من الشاي
-وما شأنك انت أيتها الفضولية .. اذهبي و دعيني أكمل وجبتي براحة
ضحكت بمرح وهي تسحبها من ذراعها
-هيا أيتها النهمة مازال أمامنا سفر طويل ..وعلينا الاستعداد لذلك .........
أعادها من شرودها منظر غريب استرعى انتباهها .. كانت سيارة تحترق على جانب الطريق بمسافة ليست بعيدة ..وقد ارتطمت بجذع شجرة وعلى بعد عدة أمتار منها كان هناك شخص ملقى يبدو انه فاقد للوعي ..!
لم تستطع تجاهل الأمر وقد استيقظت جميع حواسها وبدأت بالعمل كرادار آلي ..
ركنت سيارتها والفضول يكاد ينهشها نهشاً.
ترجلت وهي تلتفت حولها بريبة شعرت بالخوف يتسلل لقلبها لوهلة وهي تفكر ماذا لو كان قاطع طريق او .. عضو في عصابة للخطف او .. تزاحمت برأسها الأفكار المأساوية ..لكنها نفت كل ذلك وهي تقترب من الرجل ببطء و تنظر له بفضول ...
اتسعت عيناها بقوة وقد هالها ما رأت فقد كانت الدماء تغطي وجهه بالكامل بينما ملابسه ممزقة ومتسخة وكأنه كان يصارع شيئا ما ..انحنت قليلا بتردد وهي تقول بخفوت بينما قلبها يرتجف خوفا وهي تفكر فقط لو يعلم والدها بعملها هذا
-سيدي...سيدي..هل أنت بخير ؟
لم تسمع منه سوى أنفاسه الضعيفة
أعادت الكره مرة ثانية وهي تلمس كتفه بسبابتها
-سيدي ..سيدي
أيضا لم تجد جواباً وقفت وعقلها يعمل بسرعة قصوى وهي تعود أدراجها لتذهب وتفتح الباب الأمامي لسيارتها توقظ سلمى بصوت مرتجف
-سلمى..سلمى..
همهمت وهي تبعد يدها وتقول
-دعيني أنام قليلاً أرجوك يا لك من مستبدة
لوت شفتيها بنفاذ صبر وشرعت تهزها بعنف
-أفيقي ايتها الكسولة هيا بسرعة ..لقد حدثت مصيبة
ما ان سمعت هذه الكلمة حتى فتحت عينيها بسرعة واعتدلت بجلستها وهي تقول
-ماذا ؟ ماذا هناك ؟ ثم انتبهت الى إنهم يقفون في مكان مقفر فأكملت وهي تتوجس خيفة بينما عيناها تجول في المكان بخوف وريبة
-ثم لما نحن واقفون هنا ؟!
قالت سارة وهي تسير مبتعدة
-هيا الان سأشرح لك فيما بعد ، هيا انهضي الرجل سيموت
قالت وهي تفتح عينيها على اتساعها
-عن اي رجل تتكلمين ! يا الهي .. انا التي سأموت وانا مازلت في عز شبابي من تهورك
عادت لها من جديد وهي تسحبها بجزع وتقول
-فقط تعالي معي وأغلقي فمك قليلاً
ترجلت وهي تمسك ذراعها بخوف تتمتم بخفوت
-يا الهي انت فعلا مجنونة اعتقد إنني سأتبرأ منك قريبا وأهاجر الي بلدةٍ أخرى
حين وصلتا الى المكان..قالت سارة بنشاط وهي تشمر عن ساعديها
-هيا ساعديني
تخصرت سلمى وهي تقول
-انتظري قليلا ..
أجابت بنفاذ صبر
-ماذا الان ..؟
قالت بشك
-ما الذي تريدين فعله بالضبط ؟
أجابت مؤكدة لها
-وماذا تظنين ؟ سآخذه الى المشفى طبعا ، انه يموت هيا الان
همت بالاعتراض
-لكن .....
الا ان سارة أوقفت اعتراضها وهي تقول
-هيـــــــــا
لم تجد سلمى بد غير ان تساعدها بسحب هذا الرجل ذو البنية الضخمة ولكم كان أمرا صعباً على فتاتين برقتهما ..كانتا تسحبانه قليلا ثم تتوقفا لالتقاط أنفاسهما
أدخلتاه بعد تعب وعناء شديد في المقعد الخلفي وهما متقطعتا الأنفاس
قالت سلمى وهي متكأه على باب السيارة تلهث بتعب
-والآن ماذا ؟
أجابت سارة وهي تستدير لتتخذ مكانها خلف المقود
-الآن سنذهب الى المشفى هيا بسرعة ..لما تحبين الكلام الكثير !
فتحت سلمى ذراعيها بقلة حيلة وهي تقول
-لا اعرف ما الذي يجبرني لأجاريك بهذا الجنون !
قالت سلمى وهي تسترق النظر الي المقعد الخلفي تراقب تنفسه بين الحين والآخر
-انتِ فعلا مجنونة ما كان يجب ان أوافقك على تهورك هذا
قالت سارة وهي تركز بصرها الى الأمام, بينما راحت عجلات السيارة تنهب الطريق نهباً
-كيف تريدين ان أتصرف وانا أشاهد رجلاً بحاجه الى المساعدة وهو يصارع الموت ؟؟
حكت سلمى شعرها بطريقة مضحكه وهي تغمغم وتقول
- حسناً معك حق في ذلك
قالت ساره بتساؤل
-ماذا تقولين لا أسمعك ؟
أجابت وهي تعاود الالتفات بجذعها للمقعد الخلفي
-قلت قدر الله وما شاء فعل
ابتسمت سارة وهي تقول
-كم احبك وانت متفهمة وتسمعين الكلام هكذا كطفلة مطيعة
وصلتا الى المشفى بعد عناء طويل ..ترجلت سارة من السيارة وهي تهرول الى الداخل و تنادي الممرضين بسرعة لمساعدته ..و ما هي الا دقائق قليلة وكان محمد يرقد في غرفة العمليات .
كانتا تجلسان في مقعد الانتظار تنتظران خروج الطبيب , قالت سلمى بتعب وهي تسند رأسها على كتف ساره
-هيا لنذهب الم تنفذي كل ما تريدين وعملت واجبك وأكثر !
نظرت لها سارة وهي تبعدها عن كتفها وقد اتسعت عينها
-ما الذي تتفوهين به ؟ المسكين يجب ان نطمئن عليه ونتصل بعائلته لإبلاغهم ,الا تملكين ذرة من الرحمة في قلبك الصغير.!
همت بالرد الا ان خروج الطبيب أسكتها
اتجهت سارة للطبيب بسرعة وهي تقول
-كيف هي حالة دكتور ؟
أجاب بمهنية
-يبدو ان الضربة التي تلقاها كانت عنيفة جدا وقد سببت له ارتجاج في المخ بالإضافة لوجود كسر في الساق و رضوض في أماكن متفرقة من جسده , عدا ذلك فأن كل شيء على ما يرام يمكنكم الدخول له بعد ان يتم نقله الى غرفة أخرى.. سيستفيق ما ان يزول مفعول المخدر ..
مشى قليلا لكنه توقف وكأنه تذكر شيئاً
-هل من الممكن ان تملئي البيانات المطلوبة للمريض ؟
تلعثمت وقد احمرت وجنتيها وهي تقول
-الحقيقة دكتور انا..انا..وجدته ملقى على قارعة الطريق وقد احترقت سيارته .. كانت حالة إنسانية وقد تصرفت بما يمليه علي ضميري
أجاب الطبيب وهو يؤمئ متفهما
-انها مسؤولية كبيره هل تعرفين ذلك آنستي ..لكنني سابقيه على مسؤوليتي الشخصية وسأقوم بابلاغ الشرطة لاجراء اللازم
أومأت وهي تراقب ابتعاده بوجل تقدمت منها سلمى وهي تضع يدها على كتفها و تقول
-الم اقل لك انك ستورطيننا بمصيبة في يوما ما ..تفضل و تحملي ما جنته يداك فقط لو خالي يعرف بالأمر
قالت لها وهي تستدير وتسير مبتعدة بسرعة
-لن تجرئي على إخباره ، فهمتي ؟
هزت كتفيها بنفاذ صبر وهي تلحق بها وتتمتم فليستر الله من القادم
*******************************************************
استقل سيارته وهو يفكر بشرود عن سبب استدعائه ..للمشفى الذي ترقد فيه عبير فلا يوجد اي صله او علاقه تربطها به حتى انه كان يلقي عليها السلام العابر عند مشاهدتها مع ياسمين ..يشعر ان هناك لغز متصل بالحادث الذي تعرضت له عبير ، قطب وهو يتنهد بضيق حسنا سيعرف كل شيء بعد قليل ..
نظر الى ساعته وجدها تشير الى الواحدة ظهراً .. كانت الشوارع مزدحمه في هذا الوقت من النهار لذلك تاخر قليلا بالوصول ..
دلف الى غرفة الطبيب وهو يلقي السلام الذي ما ان راه حتى وقف مرحباً به وهو يمد يده يبادله السلام ويقول
- عليكم السلام اهلا وسهلا بك سيد حازم
قال حازم هو و يجلس في الكرسي المقابل له
- لقد طلبت رؤيتي بما استطيع مساعدتك دكتور ؟
اجاب الطبيب وهو يتخذ مكانه خلف المكتب باسترخاء ويشبك اصابعه على طاوله
- في الحقيقة سيد حازم لقد طلبت منك الحضور اليوم لان الآنسة عبير استفاقت من الغيبوبه قبل عدة ايام وهي تطلب بان تراك انت على وجه الخصوص .
استغرب طلبها ، فيما تريده وهما لم يسبق لهما الكلام مطلقاً ! لكنه لم يعلق على كلامه , اومأ بشرود وهو يضيق عينيه وقد بدات شكوكه تراوده مرة اخرى ..
استدعى الطبيب الممرضه وطلب منها ان ترشده الى الغرفة فتبعها بصمت ..
طرق الباب بخفوت فسمع صوتا اذن له بالدخول ..عندما دلف الى الداخل كانت والدتها تساعدها على الجلوس وهي تعدل من وضع الوسائد خلف ظهرها كانت شاحبة الوجه , هزيلة الجسد يبدو الانكسار جليا في عمق عينيها السوداء القى السلام بهدوء وهو يتقدم عدة خطوات و يقول
-كيف حالك انسة عبير ؟ حمدلله على سلامتك
قالت بانهاك وهي مطرقة الراس فيما راحت اصابعها تعبث بطرف الشراشف البيضاء التي شابهت لون وجهها الشاحب
-الحمد لله على كل حال شكرا لك على تلبيه طلبي ، اسفة اذا كنت اسبب لك الازعاج لكنني كنت....
ابتلعت ريقها واكملت بخفوت
-كنت اريد التحدث معك في امر مهم
اجاب ببشاشة وهو يتقدم عدة خطوات ويجلس في الكرسي المقابل لسريرها
- لا يوجد اي ازعاج اعتبريني بمثابة اخيك الاكبر , تفضلي وقولي ما تشائين اذا كنت بحاجة الى الما...
قاطعته بأشاره من يدها وهي تقول بانهاك
-ليس للامر علاقه بالمال لكن ...
التفتت الى والدتها التي كانت تتابع بصمت وقالت وكأنها تذكرت شيئاً مهماً فهي لا تريد ان تعرف والدتها باعمالها المخجلة التي كانت تقوم بها
-امي الن تقدمي واجب الضيافه للاستاذ حازم ؟
وقفت والدتها وقد احست ان ابنتها تريد ان تتكلم بشيء لا رغبة لديها بان تسمعها هي فقررت ان تريحها من الاحراج فهي سعيده ولا تصدق عيناها ان ابنتها الوحيده امامها سليمة معافاه وقد مرت تلك التجربه الاليمة والايام المشئومة بسلام فقالت وجهها يشع سعاده
-حاضر حبيبتي ثواني وسيكون العصير قادم
اجاب حازم بابتسامه عفويه وقد شعر بالاحراج
-لا داعي لتتعبي نفسك سيدتي ساغادر فورا
الا انها لم تصغي لحديثه بل توجهت الى الخارج وهي تقول
-لا يوجد تعب بني دقائق والعصير يكون جاهز
التفت ينظر لها بفضول وهو يقول
-بماذا استطيع خدمتك انسه عبير ؟
اجابت بصوت مبحوح وقد ترقرقت العبرات بعينها
-لا اريد منك ايه خدمه ..انا..انا..اريد فقط ..ان اريح ضميري
تغضنت ملامحه ونظر لها بتركيز وهو يضيق عينيه
-ماذا هناك انسه ؟ عبير افرغي كل ما بجعبتك فكلي آذانٌ صاغية.
ترددت عدة دقائق وهي تشعر بالحيرة ، اتخبره ام لا ؟ لقد اتصلت بياسمين وطلبت منها الحضور لكي تعترف بكل شيء لكنها قابلتها ببرود وحده الى الان كلماتها القاسية التي لازلت لاتصدق انها صدرت من اعز صديقاتها ترن بأذنيها
- اسمعي عبير لاتلقي على عاتقي اخطائك , فانا لاعلاقة لي بهذا الامر
ردت عبير بهمس حار
- لكنك انت من نصحتني بذلك
اجابت ياسمين بتعجرف
- لن يصدقك احد ثم من قال لك ان تنفذي اوامري ..
اكملت بفحيح مخيف
- لاتتصلي مرة اخرى لا اريد ان اعرفك واعتبري صداقتنا انتهت
تنهدت بصوت مرتجف وهي تفرك يدها بتوتر ... تخشى من عواقب الامور لكن خوفها من الله اكبر ، لقد ندمت وتابت لربها وهي تستغفره ليلاً ونهاراً عله يسامحها ويغفر لها قليلاً من ذنوبها ..تريد ان تبدأ بداية جديدة بعيداً عن كل ماضيها المشوه ..
حسمت أمرها واتخذت قرارها بدأت بسرد كل ما حصل ابتداءً من لحظه تعرفها بياسمين الى لحظه دخول فراس عليها في المنزل ..وعند انتهائها من الكلام عم صمت طويل الى ان كسره حازم وهو يحاول ان يهدأ من اعصابه الثائره فيما قبض يده بقوه حتى ابيضت اصابعه وهو يقول من بغضب مكتوم
-وما الذي جعلك تعترفين الان بكل هذا ؟
ابتلعت ريقها بصعوبه بينما بدأت عبراتها تسيل على وجنتيها الغائرة
-لانني ندمت على كل ما اقترفته واشعر ان الله اعادني للحياه لكي اصلح اخطائي ..وقد اعترفت للشرطه بكل شيء عن فراس ونفيت التهمة تماما عن احمد ارجو ان يسامحني ، ليس لدي القدرة على مواجهته ارجوك ان تبلغه ندمي واعتذاري ..
ثم بدأت بالبكاء بنشيج متقطع وهي تغطي وجهها بيديها ...
قال بهدوء معاكس لما يشعر به بعد كم المعلومات التي عرفها
-اتفهم رغبتك وارجو من الله ان يتقبل توبتك وان لا تعودي لما كنت عليه لاجل والدتك المسكينة ..ولا تقلقي سابلغ احمد باسفك وندمك لعله يسامحك.
بتلك الكلمات تركها و خرج وهو يستشيط غضباً ، فقد شعر انه كالمغفل او كاللعبة بين يدي ياسمين ..لقد كان لديه هاجس يلح عليه بوجود يد لياسمين بهذه الحادثه لكنه ابدا لم يتصور ان تصل بها الجراءة والاستهتار لهذه الدرجه المقززة , اتخذ قراره بفسخ الخطبه ولو جاء هذا القرار متاخراً لكنه عقد العزم على اخبارك زياد بذلك خلال اليومين القادمين ..لكن يبدو انه قد تاخر جدا بادراك تلك الحقيقة لكم تساهل معها وتجاهل مشاعره الجامحة تجاه نور ..اه يا نور شتان بين الثرى والثريا . . لكن لا والف لا الى هنا وكفى لقد تعدت ياسمين جميع الخطوط الحمراء وسيشرع بتصحيح الامور وفي الحال.
اتجه مباشرة الى مكتبه واعطى أومره لسكرتيرته بعدم ازعاجه ..اتصل بها على الفور وطلب حضورها لامر مهم جدا احتاج مجهودا جبارا ليظهر نبرة صوته عادية وهادئة لكن رغم ذلك خرجت باردة وحادة.
***
صوته لا ينبئ بخير ابدا هذا ما فكرت فيه ياسمين وهي تمشط شعرها وتضع لمسات من عطرها النفاذ ، ترى ما سبب استدعائه ؟ هل اكتشف شيئاً ؟ هل للامر علاقة بعبير ؟ هل ...... , الاف الافكار والهواجس مرت بمخيلتها لكنها نفضتها بسرعه وهي تلتقطت حقيبتها وتخرج متوجة الى والدتها الجالسة في الصالة ، اخبرتها ان حازم يريد مقابلتها ..
رحبت والدتها بالامر فقد شعرت تلك الاخيرة بفتور العلاقة بينهما وسعدت بهذه البادرة عل المياه تعود لمجاريها ..
استقلت سيارتها وقلبها يخفق بشده لا تعرف لما !
عند دخولها المكتب وقفت السكرتيره فورا وهي تقول بأدب
-السيد حازم بانتظارك آنسه ياسمين تفضلي بالدخول
ابتلعت ريقها بصعوبه وهي تتوجه لفتح الباب ثم دخلت بخطوات مهزوزة تنظر له بارتباك
عيناه بدتا كشعلتين ملتهبتين فيما كانت نظراته الحاده تخترق روحها لتعريها فيتزايد الشك في قلبها اكثر ، بدات الكلام وهي تجلس في المقعد المجاور
-كيف حالك حازم ؟
لم تجد جوابا بل بقي يطالعها بنظراته الغامضه اكملت
-لقد طلبت رؤيتي
اجاب باقتضاب ليقرع قلبها كالطبول بينما شحب وجهها بشده
-لقد استفاقت عبير من الغيبوبة
قالت بابتسامه باهته وهي تحاول التماسك
-لم..لم..اكن اعرف هذا خبر رائع من كان يتصور ان تستفيق بعد كل تلك المده
ضحكت ببلاهه وهي لا تجد ما تقول
سأل وهو يرفع حاجبيه ببرود
-اليست صديقتك الحميمة ؟ الن تقومي بزيارتها ؟
اجابت بسرعة وارتباك
-اجل اجل بالتاكيد
صمت فتره من الزمن وهو يلاحظ شحوبها ونظراتها الزائغة..قال اخيراً وهو يتكأ على ذراع المقعد الجلدي بهدوء مخيف اثار القشعريرة داخلها
-ياسمين ..لقد عرفت كل شيء
اجابت بصوت خرج مهزوزا رغم محاولتها اظهار العكس فيما عينيها تنظر له بقوة
-لا افهم ما تقصده ما الذي فهمته بالضبط ؟
اجاب وهو يترك مقعده ويستدير ليكون امامها
-لا داعي لادعاء الغباء ..لقد اخبرتني عبير كل شيء.
قالت وهي تقف لتواجهه وهي تنفي كلامه بقوة
-كل ما تقوله هو مجرد افتراء لا تصدق
امسكها من ذراعها يهزها بقوه
-و تدعين الكذب ايضا ! يالك من ماكره مراوغة..لكن ما الذي انتظره من فتاه مثلك انتهازية ..مغرورة ..وصولية ..ما كان يجب ان استدعيك انتِ.. كان يجب ان اتوجه بالحديث ل.....
قالت له بسرعه وقد خانتها دموعها بينما هزت راسها بعنف
-زياد .. لا ..ارجوك ..
اجاب بصوت خشن وهو يترك ذراعها باشمئزاز ويتوجه ليقف امام النافذه يوليها ظهره فقد شعر بالنفور من مجرد لمسهٌ لذراعها ولا يريد حتى النظر لوجهها
-حسنا هذه اخر مرة اراك فيها ، لا اريد ان اشاهدك لا من قريب ولا من بعيد فهمتي ؟ وبلغي اخاك ان خطوبتنا قد فسخت وانك انتي التي طلبت ذلك ..ولتعلمي ان هذا كرم مني امثالك لا يستحقونه ... و فقط من اجل الصداقة التي تربطني باخيك لن اخبره عن مخططك الدنيء ..
لم تجد ما تقوله ، بماذا تجيب وكل ما يقوله صواب !
اكمل بحدة اجفلتها دون ان يلتفت لها
-والان اخرجي و كفى ما الحقتي بنا من اذى جراء تصرفاتك المجنونة ، اخرجي ولا تعودي ثانية
هزت راسها بسرعه وهي تلتقط حقيبتها وتنطلق بسرعة جنونية غير عابئة بالنظرات التي كانت ترمقها باستغراب.
************************************************************ ***
لم يستطع زياد فهم شيء من شقيقته التي كانت تبكي بشهقات متتاليه ، قال بجفاف
-انا لا افهم شيئاً مما قلتي , اجلسي واحكي كل شيء على مهلك ..
جلست وهي تزدرد ريقها بصعوبه
-لقد طلبت من حازم فسخ الخطوبه وقد وافق على ذلك
اجاب زياد بحده
-اجننت ؟! ما السبب الذي جعلك تطلبين هذا الطلب الغبي ؟
وقفت وهي تدير ظهرها له بينما كانت تفرك يديها ببعضها بشده
-لا شيء غير اني اكتشفت اننا لا نلائم بعضنا البعض ..اظن ان ذلك ليس جرماً , ثم ان فترة الخطوبه اثبتت ان ميولنا لا تتلائم ..نحن نسير بطريقين مختلفين
اجاب بامتعاض
-هكذا فجاة اكتشفت هذا الاكتشاف المذهل !
اجابت بخفوت وهي تبتلع ريقها
-اجل ارجوك زياد لا تضغط علي اكثر من ذلك ..
اكملت وهي تستدير لتواجهه , فيما امتلأت عيناها بالدموع
-لو كان ابي على قيد الحياة لما استطعت ان تفعل كل ذلك بي
رق قلبه لها وقد آلمته دموعها وهو يفكر ، الهذه الدرجه كنت اقسو عليها لم افكر برغباتها كل ما اردتة هو طريقة للتخلص من حكم واستبداد عمنا سامحه الله ! تنفس بعمق ليهدأ من نفسه قليلا ثم توجه الى الأريكة حيث تجلس عليها والدته التي بدات متجهمة الوجه تراقب ابنتها بحزن نظر لها باستسلام وهو يقول بهدوء
-حسنا ياسمين اذهبي لغرفتك الان ..ولن يحدث الا ما ترغبين به حتى لو كان على حساب صداقتي مع حازم.
لم تجرؤ على مناقشته او الالتفات له ، استدارت بسرعة وهي تخرج متجه الى غرفتها لتداري خيبتها وخجلها بينما دموعها تجري على خديها كالمطر .
التفت الى والدته التي كانت تتابع بصمت و جلس جانبها بتعب
-ما رايك امي هل يعجبك تصرف ابنتك ؟
اجابت بصوت واهن
-هذه الخطبة بدأت من الاساس بصورة خاطئة لكنك كنت عنيداً ولم تستمع لنصيحتي لقد علمت منذ البدايه ان مصير ارتباطهما هو الفشل و احمد الله انه حدث الانفصال قبل الزواج
اجاب بشرود وقد اقنع بكلام والدته
-وماذا سافعل اذا رجع عمي ليطلبها مرة ثانية
قالت بيأس
-لا اعرف يا ولدي فكر بطريقه نتخلص بها من ظلمه وجبروته
صمتت قليلا ثم هتفت
-نغير سكننا ونذهب الى منطقة اخرى ، ما رايك ؟
اجاب زياد بياس
-وهل تعتقدين انه سيصعب عليه ايجادنا ؟
فكر قليلاً ثم التفت اليها وقد التمعت عيناه
-وجدتها امي
قالت وقد بدا الامل يدب بقلبها
-ماذا ؟ اخبرني بسرعه بني
وقف وهو يقبل جبينها ويقول
-لا تقلقي امي سيكون كل شيء على ما يرام فقط ثقي بي
تركها وهو يتوجه لغرفته فيما تابعته والدته بعينيها وهي تدعو الله بان تنتهي المشكلة بسرعة
............................................................ ..................................
دخلت ساره و سلمى الى غرفة محمد بهدوء ، نظرت له ساره بتركيز ..كان مغمض العينين يتنفس بهدوء بينما لف راسه بالضمادات الطبيه ..ساقه معلقه وقد جبرت له ..همست سلمى بخفوت وهي تقرب راسها من اذن ساره
-يبدو انه مازال تحت تاثير المخدر..فلنذهب ونعود في وقت اخر
اجابتها بعناد وهي تجيب بنفس الهمس
-كلا لن ابارح المكان حتى يستفيق ونتحدث معه ، تعالي لنجلس
توجهت الى المقعد المجاور للسرير وهي تتفحص تقاسيم وجهه فلاحظت وسامته الظاهرة..احمرت وجنتاها وهي تفكر بسرها .. ما الذي اصابني ! الرجل يرقد وهو مكسر العظام وانا افكر بوسامته يا لي من بلهاء..سمعت صوت همهمته ..فاقتربت منه بسرعه وهي تقول
-حمداً لله على سلامتك سيدي لقد كنت على مشارف الموت والله قد كتب لك النجاة على يدي ، بالتاكيد انا لا انتظر منك شكر لكن لا مانع لدي ان كنت تريد ذلك
فتح عينيه بإنهاك وهو ينظر الى سقف الغرفة بتشوش ثم قال بصوت متعب وقد احس بالصداع من ثرثرتها
- اين انا ..
اجابت ببشاشه
- انت في المشفى .. سأعرفك بنفسي انا ساره التي وجدتك على قارعة الطريق
ثم اشارت باصبعها
-وتلك الواقفه عند النافذة هناك هي سلمى ابنة عمتي
قال بصوت مبحوح مرتبك لا يعرف مالذي يجري له كل شيء مشوش وغامض
-شكرا لكما
اجابت بابتسامه
-لا شكر على واجب يا سيد... امممم ما هو اسمك سيدي ؟
قطب محمد جبينه وهو يفكر بتركيز اسمه ماهو اسمه فكر بتاني لكن لاشيء وكان راسه مجرد ورقة بيضاء فارغة ... احس بالدوران يلفه وهو يقول بصوت مرتجف قبل ان يعود لسباته مرة اخرى
- انا... انا........لا اذكر اسمي .....
بهتت ساره وقد اتسعت عيناها وهي تسارع بالوقوف والتراجع للوراء فيما كانت سلمى واقفه تطالعهما ببلاهه وقد كتفت ذراعيها على صدرها قالت سارة بصوت منخفض هامس
-هل سمعت ما سمعت ؟
اجابت سلمى بخفوت وهي تقلب شفتيها
-اجل يبدو ان الضربة التي تلقاها اثرت على مركز الذاكرة في راسه بالتالي ادى ذلك الى فقدانه للذاكره وقد يكون فقدان دائمي او موقت حسب الحالة
نظرت لها ساره بذهول واندهاش وهي تميل راسها قليلا وهمت بسؤلها لكنها قاطعتها بصوت منخفض
-لا تساليني كيف عرفت ذلك لانني انا نفسي لا اعرف شيئاً لكنني شاهدتها باحد الافلام الاجنبية عندما تلقى البطل الضرب على راسه واصيب بفقدان الذاكره مثل الاخ الراقد هناك
قالت ساره وهي تقضم شفتها بتوتر
-ساذهب واخبر الطبيب تعالي معي
امسكت يدها وهما يتجهان الى الخارج قالت سلمى
-اريد الذهاب الى الكافتريا لاحضر قدح من القهوه
اجابت ساره بغيض
- وهل هذا وقته تعالي لنذهب للطبيب
قالت باصرار وهي تضرب الارض بقدمها الصغيرة
- كلا انا اريد القهوة الان فانا لم انم منذ ساعات وساحضر قدحاً لك ايضا
قالت ساره باستسلام فهي محقة فيما تقول فركت جبينها بقوة
-اجل احتاج الى شرب القهوة فانا اشعر بالصداع ، شكرا لك سلمى لا اعرف كيف اتصرف بدونك
اومات سلمى وهي تبتسم بخبث ثم همست بخفوت" اجل لن تعرفي كيف تتصرفين الا بوجودي انا منقذتك من اخطاءك الفادحه التي ترميها بوجهي وانا على اصلاحها لك .. مجنونة " ..ثم توجهت الى الاسفل تنوي الاتصال بخالها واخباره بكل ما جرى.
............................................................ ...............................................
دلف الى المشفى وهو بحالة عصبية شديدة فمنذ ان اتصلت به سلمى واخبرته بكل ما حصل معهما والبطولات التي قامت بها ابنته المجنونة و قدمه لا تستطيع حمله في عقلهُ تدور الاف الافكار... اتجه من فورة الى العنوان الذي املته عليه وهو يتوعد تلك المشاغبة التي لا تنفك من ايقاع قلبه الضعيف في مطبات عنيفه بسبب تهورها واندفاعها المستمر.. اتصل بسلمى ليعلمها بوصوله فاخبرته بصوت خافت انهما في الكافتريا الخاصه بالمشفى .. تلك البنت ستقوده يوماً ما الى الجنون ..
وجدهما تجلسان وهما تحتسيان القهوه و تتحدثان وكأن شيئاً لم يكن
سمعت صوت والدها وهو يلقي السلام بصوت حمل نوعا من السخرية .. ابتلعت ريقها بصعوبة و رفعت نظراتها لتلتقي مع نظرات والدها الصارمه وهو يرفع حاجبه ببرود نظرت لسلمى التي ردت السلام بخفوت وهي تتكأ على ذراعها واضعه راحة يدها على خدها تنقل بصرها بينهما بفضول وكأنها تشاهد فلما كوميدياً ممتعاً ..توعدتها بسرها فلقد فعلتها تلك الثرثارة واخبرته .. متى اتصلت به وكيف لم تفطن لها .. وقفت تتطلع لوجه ابيها الغاضب , رسمت على وجهها ابتسامه عريضة وقد قررت ان تتخذ طريق المراوغه لكسب عطفه قالت بمرح
-ابي !! تفضل بالجلوس واهدأ قليلا وانا سأحكي لك كل شيء فقط لا تنظر لي بتلك الطريقة
لم ينطق بكلمة واحدة لانه يعلم ان الكلام لا طائل منه مع راس عنيد ومتحجر كابنته التي تشابهه في عنادها , جلس على الكرسي المقابل لها وهو يهز ساقه بتوتر
ويقول بنفاذ صبر
-الان ساره ....الان ستعترفين بكل شيء بدون زياده او نقصان
اجلت حنجرتها وهي تسبل اهدابها الكثيفة ..بدأت بسرد كل ما جرى و لا يخفى عليها التغيرات التي تطرأ على وجه والدها مع كل كلمه تلقيها على مسامعه.. وعند انتهائها قال بدهشه ممزوجه بالفخر لتصرف ابنته النبيل وان كان تصرفاً محفوفاً بالكثير من المخاطر التي ما ان يفكر بها حتى يقشعر بدنه وهو يتخيل ما يمكن ان يحصل لها ولسلمى بتلك المنطقه النائيه والخالية من اي تواصل بشري.. لكنه ابقى ملامحهُ باردة وهو يقول بحدة
-هذا كله يحصل وانا اخر من يعلم ..ثم كيف تقفين في مكان كهذا في منتصف الليل ؟ الا يوجد نهايه لتهورك ! الا تفكرين ولو قليلا بنتيجة افعالك المجنونة التي لا تنتهي !
تنهد بضيق واضاف
-ماذا افعل معك ؟ هل اقيدك بالسرير وامنعك من الخروج ؟ ام اعين لك حارسا شخصيا يرافقك الى حيث تذهبين ؟ فلنفترض ان شيئا سيئا قد حدث لكما او ان عصابة ما قد تهجمت عليكم ماذا كنت سافعل وقتها ؟!
اضاف بتوسل رجل ضعيف بعث الدموع لعينيها الجميلتين
-يا بنتي ..ارحمي ضعفي وكبر سني فانا اعاني من الضغط اذ كنت لا تخشين على نفسك اخشي على انا ، من اجلي ارجوك ابتعدي عن المشاكل ..هل تريدينني ان اموت بسكته قلبية ؟
عند نطقه بهذه الكلمه اسرعت تجثو امامه بركبتيها .. غير عابئه بالنظرات التي توجهت صوبهم وهي تقبل يده وتقول بصوت مرتجف ومتوسل
-بعيد الشر عنك ابي ..انا اسفه.. اسفه جدا لانني دوما اسبب لك القلق .. لكنني لم استطع ان اشاهد احد بحاجه للمساعده وانا لا اقدمها له انت لم تنشئني على ذلك لقد كنت دائما تحثني وترشدني على تقديم المساعدة لكل شخص يحتاج اليها.. سامحني ابي
كانت سلمى تراقب المشهد وهي تشاركهم دمعاتها التي ترقرقت بمقلتيها ..فقالت وهي تعتدل بجلستها تحاول ان تهدأ الاجواء وتلطفها
-حسنا خالي سامحها هذه المرة فقط من أجل خاطري فلقد قصدت به عملاً انسانيا ولم تتعمد اثارت المشاكل
نظرت لها ساره وهي مازالت مطرقة براسها بينما تحرك شفاهها وتتوعدها بصوت مكتوم .. لكن سلمى استطاعت فهمها جيدا
لم تهتم لها وهي تمط شفتيها بعدم مبالاة .. بينما تحرك كتفها بمعني ماذا فعلت ؟.. قطع عليهم سيل الحرب الصامته التي تدور بينهما صوت ابيها وهو يبعدها بلطف و يهم بالوقوف
-حسنا هذا الكلام سابق لآوانه فلنذهب ونرى حال هذا الرجل الذي انقذتيه ما كان اسمه
اجابت ساره بسرعة وهي تحاول اللحاق بخطوات والدها
-لا يعرف اعتقد انه فقد الذاكره
اجاب والدها بياس وهو يتوقف عن السير
-يا الهي هذا ما كان ينقصني يفقد ذاكرته ايضاً
لم تجبه بشيء وهي تلحق به مع سلمى وهما تتهامسان وكل منهما تلقي اللوم على الاخرى
************************************************************ **************
كان يستمع الى كلام الطبيب بتركيز شديد وهو يخبرهم ان حالة كانت واردة جدا مع الضربة القوية التي تلقاها براسه وان من الممكن ان تعود له ذاكرتهٌ , لكن يحتاج الى فترة من الراحة النفسية والجسدية وسيستعيدها خلال الفتره القادمة وبصوره تدريجية .. وانه يحتاج الى اجواء نقية وهادئه تساعده على رجوع ذاكرته بسرعة
قالت ساره لابيها عند خروجهم من غرفة الطبيب
-ابي ما الذي ستفعله ؟ الرجل لا يتذكر شيئاً ولا يوجد مكان يذهب اليه وعلينا ان نقدم له المساعده باعتبار انني انا المسئوله عنه لانني من وجده واشعر فعلا فعلا بالمسئوليه ابي انا افكر ب........
ابتلعت كلماتها وهي تلاحظ نظرات والدها وهو يرمقها بدهشه ويقول
-اكملي يا استاذة العباقره ماذا تأمرين ايضا ؟
قالت بخجل وهي تبتسم
-اسفة ابي انت الذي تامر وانا انفذ كان مجرد اقتراح
استغربت ساره من ردة فعلها ودفاعها عن هذا الغريب لكن هي صادقه فعلا تشعر بالمسؤوليه تجاهه لا تعرف لما كأنه طفلها الذي تبنته ... فمنذ ان شاهدته مرمياً في الشارع رق قلبها له كثيراً وجهه الوسيم استرخاء ملامحه يجعل قلبها يخفق بجنون ..تجهم وجهها وعقدت حاجيها وهي تتذكر خاتم الخطبة ، هل هو خاطب؟ اف طبعا خاطب ايتها البلهاء ترى من تكون وكيف شكلها اكيد ستكون جميلة وفاتنة ..يا الهي ما الذي اصابني وبماذا اهذي وما شأني انا ان كان مرتبط ام لا ! لكزتها سلمى بكتفها لتقطع عليها سيل افكارها المجنونه وهي تتمتم
-خالي يحدثك ايتها البلهاء
اجابت بمرح
-نعم ابي ماذ كنت تقول ؟
اجاب والدها وهو يهز راسه بيأس
-كنت اقول سنجد حل لهذه المشكله التي وضعتينا فيها والان هيا امامي لنعود الى المنزل ثم نفكر فيما سنفعله لمساعدة هذا الشخص
............................................................ .
شعر والده بالم غريب وانقباضه تعتصر قلبه بقوة لا يعرف مصدرها لكن الذي يعرفه بان هناك شيء سيئ على وشك الحدوث فلطالما كان حدسه مصيبا ابتلع ريقه بصعوبة يكمل تسبيحه بخفوت وهو جالس على سجادة الصلاه يدعو ربه بخشوع ..محمد له يومان لم يتصل وهذه ليست عادته كما ان والدته بدات بالبكاء والنواح وهذا لا يساعده على التفكير .. لا يعرف كيفية التصرف اتصل بالفندق الذي حجز فيه فاخبروه بسفره قبل عدة ايام الامر الي زاد شدة الانقباض في قلبه.. مؤلم ذاك الشعور بانك تعجز عن القيام بشيء كأن يديك مربوطتان بقيد من حديد لكن ماذا يمكنه ان يفعل ..
اتصل بالشرطه بمساعده حسن واحمد اللذان لم يتركاه ابدا وقد شعرا بالقهر الحقيقي على محمد الشاب السمح المتواضع الذي يكنان له كل التقدير والاحترام حتى قبل خطبته لنور.... كانا مع الحاج عبد الرحمن خطوة بخطوه بكل طيبة خاطر ..بدات الشرطة بسلسلة من الإجراءات للبحث عنه لكن بلا نتيجه الى ان ابلغوه ان ولده يعد مفقودا او ربما تعرض لحادث في احدى الطرق المهجورة البعيدة التي لا يصلها الناس لان الطريق المؤدي لتلك المنطقة كثيرة التشعبات والتفرعات وبعضها يصعب ايجادها الا لو بلغو بذلك من مراكز الشرطة المنتشرة في تلك القرى والنواحي ...
دخلت والدته الى المشفى فورا بعد ان وقعت مغشي عليها فيما حاول الحاج عبد الرحمن التماسك ولو كان تماسكه ظاهريا فقط.. لكنه لم يستطع ان يمنع نزول عبراته الساخنه على لحيته البيضاء بصمت ..محمد لم يكن ولده فقط بل كان سنده وثغره كان نعم الولد البار الملتزم وماذا ستنفع الدموع والقلب ينزف على فراقه , جلس يتطلع الى الفراغ وفي داخلهُ كان يتقلب على الجمر حزناً وكمداً على ولده الوحيد وقرة عينه لكن رغم كل المحاولات التي بأت بالفشل كان لايزال يتمسك بذاك الامل الضئيل الذي يخترق قلبه النازف ولن يمل من الانتظار ابدا ..
............................................................ ....................................
شيء مؤلم ان تشعر بالظلم
والمؤلم بصورة اشد الشعور بتأنيب الضمير
لا تستطيع اخمادا النار المشتعلة
التي تكاد تلتهم روحك التهاما
ولا تستطيع اسكات ذلك الصوت الهادر بداخلك
بصدى قوي يكاد يصم اذنيك
ويكتم انفاسك مانعاً عنك وصول الهواء
ينغص عليك اسعد اوقاتك
ويجعل ايامك بائسة وتعيسة
تتمنى فرصة اخرى للرجوع
لاصلاح الذي افسدته
ولكن هيهات ان يعود الذي مضى ....
انسلت دمعه يتيمة على خدها وقد احست بشعور رهيب بالذنب ..
تدفقت الذكريات تنكب بمخيلتها وتطاردها بضراوة ..كيف كان يحاول ان يكسب حبها ويتقرب لها باي طريقه ، محاولاته التي باءت جميعها بالفشل ، همساته ونظراته الهائمة التي كانت تطاردها بشوق اينما ذهبت ..
تذكرت اخر لقاء جمع بينهما عندما اخبرها بكل حب بأنه ما ان يعود من سفره سيفاتح والدها بأمر زواجهما ، ليتها ترجته الا يذهب ، ليتها ابتسمت بوجهه مرة واحده .. لكن كيف وهذا القلب الخائن الذي يابى النسيان ..هو السبب ، قست عيناها حتى بدتا كجمرتين من اللهيب الازرق اجل فلولاه لما حصل كل ذلك شعور بالمرارة تصاعد طعمه لفمها .. لكم كانت ظالمه ومجحفة بحقه لم تعطيه الفرصه لم تسمح لقلبها بان يحاول مجرد محاوله بان يتجاوب معه ..
تساقطت العبرات التي تفجرت كالطوفان لتغسل روحها الشفافة علها تخمد ذاك الصوت الذي يصرخ بداخلها حتى يكاد يصم اذنيها وهو يردد دون هداوة ..انتِ السبب.. انتِ السبب.
ان تمنحك الايام فرصة جديدة
هذا اقصى ما تتمناه
حتى لو كانت ستبني سعادتك
على حساب شخص اخر
اذا واتتك الفرصة تشبث بها ولا تتركها تتسرب من بين
يديك كالرمال
فتعيش البقية الباقية من عمرك
تتحسر وتلوم نفسك
عندما علم حازم بخبر احتمال موت محمد شعر بالحزن فلم يكن يريد تلك النهاية له ... وفي نفس الوقت تجدد الامل بداخلة فها قد اصبح الطريق ممهدا للارتباط بحبيبة قلبه التى امضى شهوراً يناجي طيفها .. هو بالنهايه رجل عاشق وقد ادرك عمق مشاعره تجاه من ملكت قلبه وتسللت تحت مسام جلده حتى اضحت كالهواء الذي يتنفسهُ..يحبها اجل يحبها وسيحارب بكل ما اوتي من قوة ليفوز بها الم يقولوا كل شيء مباح في الحب والحرب وهذا ما سيفعله ، سيحطم كل من يقف بوجهه او يردعه عن تحقيق ما يصبو اليه هو في حياته لم يتمنى شيئا لنفسه كما تمناها ..دائما كان يفضل سعادة الاخرين على سعادته ويضحى من اجلهم واليوم فقط وجد سعادة الضائعة وسيتمسك بها .. وسيحصل عليها اجلا ام عاجلا .. ولكن عليه اولا ان يكسب قلب مليكته ومعذبته الاولى و الاخيرة نور.
......................................................
نهاية الفصل
|