جنون المطر (( الجزء الأول ))
الفصل السادس عشر
المدخل ~
بقلم الغالية : همس الريح
ايا غسق ..
قلبي بكي
دمعي سخا
روحي تئن
له المشتكى
ايا غسق ..
مطر اتى
قال لنا
هي معي
اين الفدا
ايا غسق
قلبي هوى
صمتا بكا
قلت اتركوني
روحي الفدا
ايا غسق
كيف اللقا
اين النجا
و انتِ هناك
عند العدا
ايا غسق
قلبي يئن
عقلي يجن
و انت هناك
لبي الندا
من جبران الي غسق
*********
لم يكن واثقا من قرارهم ولا موافقا عليه لكن صمته قرئ
عندهم بالتردد أو الاتجاه للموافقة فقال أحد رجاله والهواء
يتلاعب بشعره الكثيف المموج " ثق بنا سيدي , نريد أن
ندك حصون خماصة ليلة دخولك بعروسك , نريدها هدية
زواجك ولتكن تلك الليلة أكثر تميزا "
وحرك آخر رأسه بطريقة كوميدية وقال مبتسما بسخرية
" لنوصل رسالة جميلة لشراع صنوان ليلة زواج ابنته "
وضحك الجميع عدى من اكتفى بابتسامة بسيطة على شفتيه ولم
يعلق على تلك العبارة رغم أن كل شيء من تدبيره وأنه موقن من
أن بعض رجاله لا يوافق ذاك الزواج وإن كانوا لم يعارضوه
ولم تنبس شفاههم بكلمة في وجوده أو في غيابه
هز رأسه بحسنا مستسلما لإصرارهم العنيد فبعد التحرك المريب
للهازان عند تلك الحدود علموا أنهم يدبرون لشن هجوم عليهم ومن
مراقبتهم لهم وجدوا أن الثغر في صفوف جيوشهم كبيرة والتنسيق
معدوم جدا وكأنه عمل فردي وغير منظم , وبعد القذيفة التي سقطت
بينهم هنا فجر اليوم علموا أنهم يناورون ويناوشونهم مستفزين لهم
لذلك قرر مطر التحرك نحوهم قبل أن يبدأ الهازان بعادته الدائمة
وهي القتل الفردي لرجاله قرب الحدود والسخرية منه
جال بنظره بين أعينهم خاصة وقال بحزم المسيطر على
كل شيء حوله " لن أكرر ما أقوله دائما وما في حضوري
سيكون في غيابي , لا تحرقوا منزلا ولا حقلا ولا شجرة
ومن وجدتموه هناك تعطوه الأمان التام ما لم يقاومكم "
هزوا رؤوسهم بالطاعة فتابع " وعليكم أخذ الحيطة منهم
فقد تكون خدعة جديدة فتيقظوا "
ثم أمسك بكتف الواقف بجانبه وربت عليه وقال مغادرا من
عندهم " أنا أعتمد عليكم "
وابتعد مخرجا هاتفه وأجرى اتصالا لم يطل الطرف الآخر في
الجواب عليه فقال وهو يركب سيارته " هل غادر عمي ؟ "
جاءه الرد الأنثوي البارد قائلا " أجل منذ وقت "
سحب الباب مغلقا له خلفه وقال وقد تحرك بسرعة كبيرة
مثيرا الغبار حوله بشدة " صليني بمنزل العمال "
ولم يسمع تعليقا منها وكانت ستضغط الزر وتنقطع
مكالمتهما قبل أن يوقفها صوته الحازم الجاد
" جوزاء "
ليتصلب إصبعها في مكانه وتنفست بقوة وصلته بوضوح
فتابع ونظره على الطريق المعبد الذي وصله منطلقا فوقه
بسرعة جنونية " لا أريد ازدحام نساء الليلة ويتحول
المنزل لفوضى "
قالت من فورها " وهل نطرد الناس يا مطر وهم جاءوا
لحضور زواج زعيم قبائلهم ! أم نتركهم في الشارع "
قال ببرود قاطع " تصرفي "
خرج صوتها الحاد المتضايق " مطر هل ستجعلنا
سخرية للناس أكثر من ذلك "
وأعقب حديثها صمت مميت بعدما انفلت لسانها لأول مرة بدون
أن تكترث لردة فعله ولا لفظاعة ما تقول وهي تتهم قراراته
بالفوضوية فهمست من فورها " آسفة كنت أقصد أن ... "
فقاطعها بحزم " لتغادر النساء قبل حضوري يا جوزاء أو لن
أنزل بها هناك وهذا أمر "
فانقطع الاتصال بينهما مصدرا صفيرا لتغير مجرى المكالمة
وأجابه أحد العمال من فوره قائلا " الخيام والذبائح وكل شيء
جاهز , هل تأمرنا بشيء آخر سيدي ؟ "
*
*
راقبت الرؤوس الصغيرة التي تراءت لها من الباب الذي خرجت
منه المرأة للتو فما أن ينفتح ذاك الباب لأي سبب كان تبدأ تلك
الأعين الصغيرة بالتلصص على ما يوجد بالداخل حيث تصلها
همهمتهم الطفولية وهمسهم بوضوح .
نقلت نظرها منهم ليدها في حجرها تراقب الأزهار المرسومة
بالحناء من بداية أصبعها البنصر متتالية تباعا مجتازة كفها وكأنها
أزهار قرنفل غامقة تناثرت فوق قطعة جليد نقية وصولا لساعدها
لتلتف بطريقة متناسقة حتى تنتهي بأعلى ذراعها , وهناك تنهدت
بأسى وأغمضت عينيها بقوة , مر أسبوع تقريبا منذ زفوا لها ذاك
الخبر المفجع ومرت ثلاثة أيام منذ استفاقت من تلك الإغماءة
التي تشبه الغيبوبة ولا تعلم ما حدث لها فيها وما فعلت أو قالت
ومر نصف يوم منذ وجدت نفسها هنا في بلدة حجور الحدودية
مع صنوان حيث أمسكوا بها تلك الليلة , بعدما جلبها عمه في
سيارته وبسرية تامة ولم تسأله عن شيء كما لم يتحدث هوا
معها في شيء سوا جملة واحدة قالها لها ما أن انطلقا فجرا
من هناك " هذا من أجل مصلحتك يا ابنة شراع كي لا
تتقاذفك الألسن إن علموا أنك لم تدخلي اليوم من حدود
قبائلك "
ووجدت نفسها في هذا المنزل الشبيه بغرفة واسعة جدا لها باب
بنقوش وزخارف إسلامية مدهشة وامرأتان تقومان بتجهيزها وهي
كالدمية المبرمجة على تنفيذ الأوامر كالمخدرة أو الميتة , فكل ما
تذكره أنها أصيبت بصدمة حولت منها لبكماء , لا تعلم من هول
الخبر عليها أم من تزاحم الأفكار في رأسها ( لما وافق والدي
شراع كل هذا ؟ كيف سلمني لمن قد يكون عدو حرب له في أي
وقت فوق عداوتهم الحالية ؟ كيف يختار أن يمضي يومه دون
أن يراني كما كان يقول ؟ ما الذي فعله مطر شاهين جعله ينصاع
هكذا ؟ والأهم لما لم يخبره أني لست ابنته ويكسر عنفوانه وكل
مخططاته من وراء هذا الزواج الغير معقول وألا منطقي !! )
وهذا ما زاد من خرسها يقينها من أن شراع صنوان لم يصمت
عن حقيقتها عبثا وإن تحدثت هي الآن كما كادت تفعلها من يومين
وأفشت السر قد تضره لأنه ما سكت إلا لأمر مهم ويعلم جيدا أنها
ستفهم بأنه لا يريد أن تتحدث عن ذلك أبدا , لكن فكرة أن لا تخرج
من هنا ! أن لا ترجع لمنزلها !! لوالدها وعمتها وأخوتها وأن تكون
زوجة لذاك الرجل الذي لم تعرف وتسمع عنه سوا الموت والقتل
والتصلب للرأي مهما كان أمور لم يستطع عقلها استيعابها وأشياء
ما كانت تتخيلها ولا في نومها , فكيف تنقلب حياتها هكذا بعد تلك
الليلة التي دخلت فيها حدودهم من أجل أمر لم تنوي به ضررا لأحد
لما الجميع يدخلون ويخرجون ويخالفون القوانين الحدودية وحين
فعلتها هي عوقبت كل هذا العقاب القاسي ؟؟!! أسئلة ما كانت لتلقى
لها جوابا كما لم يلقاه غيرها ولا حتى والدها ولا المقربين ممن
قرر هذا القرار وربطها به برباط قد يدوم للأبد وقد يخلف
تراكمات وجراح للأبد .
لا توجد بذاكرتها سوا تلك الكلمات التي سمعتها من عمته أول ما
أفاقت وفتحت عينيها لتجدها بجوارها وكأنها لم تتحرك منذ ذاك
اليوم والوقت وهي تزيد من ذبحها بما قالته بقلة حيلة وبنبرة
المغلوب على أمره " هذا قراره يا غسق لا أحد يمكنه مناقشته
فيه ولا مجرد النقاش ليحاول أحدنا تغييره فذاك ضرب من
المحال , أعلم أن الإجبار على الأمر شيء سيء جدا لكن
تأكدي من أنه لن يظلمك أبدا وهو ابن شقيقي وأعرفه "
وكانت كمن يذر الملح على الجرح المفتوح , جعلتها كلماتها
تلك تغمض عينيها بألم لتتسرب منها أول وآخر دمعاتها
هامسة لنفسها ( كل هذا ولم يظلمني ولا يعرف الظلم !! )
كانت بجملتها تلك لتنهي أي باب للنقاش معها لتعلم أنه أي
اعتراض أو رجاء لها لتحاول عذله عن قراره سيكون دون
جدوى وأن لا تفكر أبدا في استمالتها وكسب تعاطفها , ليزيد
ذلك من بشاعة ذاك الرجل في نظرها , وتسلطه حتى على
أقرب المقربين منه وقررت أن لا تنكسر أن لا تعطيها له أن لا
ينتصر على والدها بها مهما حدث وطال الوقت والزمن فإن لم
يوجد من يناقش ذاك الرجل ومن لا يغير قراراته ومن لا يقف في
وجهه فستكون هي مهما بعد ذاك اليوم ومهما كلفها الثمن غاليا .
انقطع حبل أفكارها الطويل وانفتحت عيناها حين سمعت ركض
الصغيرات في الخارج لحظة دخول المرأة التي خرجت منذ قليل
وعادت ناحيتها بذات ملامحها الجامدة وصمتها الموحش , لا تفهم
لما جلبوها هنا تحديدا ولهذا المنزل دون غيره ولم تسأل ولا تناقش
لأنها تعلم أن ذلك بلا جدوى ولن تجلب سوا الأقاويل لنفسها ولوالدها
قبلها , وصلت عندها تحمل في يدها صحنا خزفيا صغيرا وضعته
على الطاولة بجانبها ومدت أصابعها لذقنها الصغير ورفعته لها برفق
ليرتفع رأسها للأعلى مقابلا لها وانحنت جانبا حيث وصلت يدها لذاك
الصحن وهمست مسمية بالله وبدأت بوضع ذاك السائل بشيء يشبه
عود الشجر في شكل نقاط ابتداء من أعلى حاجبها الأيمن تحفه بهم
حتى وصلت منتصف خدها لتصنع شكلا يشبه الزهرة بوريقات
صغيرة وكان سائلا شديد البياض متوسط الكثافة سريع الجفاف
تساعده بنفخها البسيط له من حين لآخر متمسكة بصمتها المميت
سوى من همسها كلما نظرت لوجه الجالسة أمامها نظرة
متفحصة تقيم بها ما وصلت له في عملها لتهمس
" بسم الله مشاء الله "
دون أن تتبادل معها أطراف الحديث ولا أن تسألها عن شيء من
أحداث هذا الزواج الغريب لدى الجميع , جمعت كفيها ومررتهما
برفق فوق ذراعيها العاريان فلا شيء يغطي جسدها سوا القميص
الذي ألبسوه لها من الحرير الخالص باللون الأبيض العاجي كماه
قصيران بالكاد يغطيان أعلى الذراعين تحفهما نقوش زرقاء رقيقة
تمر بالكتفين وصولا لياقته المفتوحة الواسعة لتلتف حولها في شكل
زهرات ووريقات صغيرة جدا , وتنساب تلك النقوش الدقيقة عند
جانبيه مرورا بخصره وحتى نهايته عند منتصف الفخذين وما أن
جلست حتى كان أعلاهما ولولا القطعة الحريرية التي ناولوها لها
لتغطيهم بها لما سُتر منها شيء أمامهم , وليست تفهم ما نفع هذا
القميص وما دوره وما معنى ما يفعلون لها فهي لم تعرف هذه
التقوس والعادات أبدا لديهم وبحكم انقسام بلادهم فهم يجهلون
معنى أن تختلف العادات والتقاليد من طرف البلاد لحدودها
الأخرى كما هو الحال في كل مكان .
وضعت العود في الصحن وخرجت كلماتها الهامسة
" أغمضي لي عينيك "
فانصاعت فورا متنهدة بأسى واستسلام لا تعلم ما نهاية كل هذه
المسرحية التي تشعر أنها تؤدي فيها دورا سينتهي في أي وقت
لتجد أن كل هذا مجرد حلم وانتهى , شعرت بكف تلك المرأة يتكئ
على خدها وبملمس بعض أصابعها والسائل البارد الذي انساب على
جفنها عند الرموش , اعتادت سابقا أن تضع كحلا رطبا خفيف اللون
جدا كما هو الحال عند جميع الفتيات في صنوان حين يتزين لحضور
حفلات الزفاف أو أيام العيد لكن هذا النوع من كحل العينين لم تكن
تستخدمه إلا النسوة المتزوجات ولم تضعه يوما , شعرت بالهواء
يهف على وجهها وهمس تلك المرأة يصلها مجددا قائلة
" لا تفتحي عينيك "
وما هي إلا لحظات وانفتح باب الغرفة وأطلت منه المرأة الأخرى
لتخبرها أن رجلا كان بسم غريب صعُب على غسق فهم نطقه
ومعناه قد وصل مما جعلها تنفض يديها فورا وأسرعت نحوها
فتتبعتهما بنظرات حائرة وتلك تصل لها والأخرى قد همست
بحزم " لما زينتها قبل وصوله ؟ ألا تعلمي أنه لا يجوز
وعقابنا قد يكون وخيما "
فخرجت في صمت والأخرى تتبعها تاركين خلفهم تلك العينان
السوداء الواسعة التي اصطبغ أعلى جفونها فقط باللون الأسود
اللامع الثقيل ليزيدهما حسنا وغرابة تتبعهما باستغراب حتى اختفتا
خلف الباب المفتوح , وما هي إلا لحظات وعادت تلك الهمسات
الصغيرة والضحكات الناعمة واندفع الباب هذه المرة ليكشف عن
ثلاث طفلات لم تتجاوزن الستة أعوام تتقدمهن واحدة لفتت نظرها
على الفور بعينيها العسلية الواسعة وغرتها البنية الناعمة ونظرتها
الحزينة البريئة فابتسمت لها رغم كل ما مرت وتمر به وانفرجت
شفتاها عن ابتسامة صادقة ما أن وقع نظرها عليهن , طفلات من
بلادها تربطهم وحدة الدم والانتماء والوطن وإن كانت الحواجز
فصلت بينهم لعقود وأزمان طويلة , هم مرتبطون بها تشعر بذلك
وبقوة جارفة مصدرها القلب مهما حاولت البشر أن تغير تلك
الحقيقة وتشوهها ومهما فرقت بينهم الدماء والحروب .
شجعت ابتسامتها تلك أقدامهم الصغيرة للتحرك بخطوات وجلة
بطيئة نحوها , كانت أول مخلوقات صغيرة تراها هنا منذ دخولها
أراضي الحالك , بل أول نظرات بريئة وابتسامات صافية نقية
فهي لم ترى أحدا غير ساكني ذاك المنزل وعيني تلك العمة الطيبة
وقد ارتسم الحزن وأمور كثيرة تجهلها في معالمها حتى حول
نظرتها لشيء يشبه الانكسار الذي تعجز السنين عن مداواته .
وصلن عندها يلتفتن للخلف كل حين وقد عادت إحداهن راكضة
بعدما يئست من محاولاتها لثنيهن عن التقدم والعودة معها ووصلتا
الأخيرتين حتى وقفتا أمامها وجمعت عسلية العينين كفيها أمام فمها
الصغير الزهري وقالت بدهشة براءة وعينيها تتوهج لمعانا
محدقة بالجالسة أمامها " كم أنتي جميلة !! "
لتزداد ابتسامتها وتشتد حربها مع الدموع التي كانت تخوضها
مع عينيها من أيام كي لا تبكي وتنحب وتنكسر ويظهر ضعفها
أمام أي شخص هنا , مسحت أسفل عينيها بظهر كفها بقوة
وقالت ببحة " ما أسمك يا جميلة ؟ "
لتنفرج شفتاها الصغيرة بابتسامة واسعة وكأن معجزة ما حدثت
بتحدثها معها وقالت من فورها " ماريه ... اسمي ماريه
هل أنتي حقا زوجة الزعيم مطر ؟ "
لتموت تلك الابتسامة على أعتاب شفتيها وينحرها ذاك الحزن
الذي خيم على ملامحها حين ذكرتها بواقع مرير لم تنساه أبدا
كانت تتمنى أن تجد لها إجابة غير الحقيقة بل وتنتظر معجزة ما
لتغير كل هذا فيبقى ثمة بصيص نور في النفق الطويل المظلم
لكن تلك السيدة أنقدتها من ثقل تلك الإجابة حين دخلت ولوحت
بيدها محدثة لهن بسخط " أخرجا هيا من سمح لكما بالدخول
يا مشاغبات "
لتتراكض خطواتهما متراقصة مع نغمات ضحكاتهم الصغيرة
ودخلت المرأة الأخرى ضاحكة على ركضهن ثم توجهتا نحوها
وأوقفتها إحداهما لتسقط قطعة القماش للأرض كاشفة عن فستانها
القصير بحريره الأبيض ونظرت لما انكشف من فخذيها وحاولت
سحبه قليل بيديها رغم أنه لم يكن ضيقا لينشد للأسفل لكنها لم تعتد
يوما على مثل هذا القصر في الملابس ، ورغم ملمسه الناعم كانت
تشعر به كالأشواك على بشرتها الرقيقة منذ أدركت أنه جزء من
ثوب العروس الرسمي لديهم ولن تنزعه قبل ذهابها من هنا .
نقلت نظرها للتي انحنت لصندوق آخر وفتحته وأخرجت منه ثوبا
لو كانت في ظروف أخرى لأبدت انبهارها الشديد به ، وكان
عبارة عن القطعة الملحقة بالتي تلبسها الآن , كان كعباءة طويلة
بأكمام طويلة وتأخذ الشكل القمعي عند فتحتها بينما تضيق جهة
الذراع وكان مكونا من طبقتين السفلية من الحرير الأبيض السميك
والعلوية عبارة عن شيفون نيلي اللون فاتح يكاد يكون ببياض الحرير
تحته , مطرز باليد بعناية بنقوش تشبه تلك التي تحف فستانها الذي
ترديه لكن هذه أكثر سمكا وأعرض من النقوش البسيطة تلك .
ألبستاها إياه بحذر منصاعة دون أن تسأل أو تتحدث فآخر ما تريده
أن يعلم الناس هنا أنها مجبرة على كل هذا فلا تريد لأحد أن يفرح
بانتصاره على والدها شراع ولا ذاك الرجل نفسه والمدعو
(مطر شاهين )
ما أن انسدلت تلك العباءة على جسدها حتى اكتشفت أكثر روعتها
وفخامتها وكيف أنها سترت جسدها بالكامل وحتى حناء يديها اختفت
تحت كميها واسعا الفتحتين ، وقفت إحدى المرأتين أمامها تتأكد من
المشابك الكريستالية البسيطة الممتدة على طولها من الأمام لتكتشف
حينها أنها تشبه الأزرار لتلك العباءة وحارت لما ألبسوها لها من
الرأس دون فتحها ! فسبقت تلك المرأة أفكارها وهي تقول بعدما
استوت واقفة وتأكدت من أنها مقفلة تماما " حاذري من أن
تنفتح أو تفتحيها أنتي "
تبعتها بنظراتها المستغربة حيث تابعت تلك وهي تعدل لها ياقتها
ونظرها على ما تفعل " لا ينزعها إلا الزوج , تلك هي أعرافنا
وأضنك تجهلينها "
أرجفت تلك الكلمات جسدها بوضوح شعرت به في كل جزء منه
ولم يكن سببه تلميحها الأول منذ وجودها هنا صباحا بأنها ليست من
هذه الأرض ولا تعرف شيئا عنها بل بسبب ..... ! أغمضت عينيها
بقوة وشدت بقبضتها على طرف القماش وعقلها يترجم معنى أن ذاك
الرجل وحده من يحق له نزعها من عليها ، ولعبت الطبول بضربات
قلبها وهي تدرك سبب ذاك الفستان القصير وأنها ستقف أمامه به
فتحت عينيها سريعا حين شعرت بإحداهما تسحب شيئا ما على رأسها
ووجهها لتكتشف أنه جزء من تلك العباءة موصولا بظهرها محاطا
بالنقوش أيضا وقد غطى كامل وجهها وصدرها وكتفيها في قصة
دائرية تشبه القبعة الكبيرة وليست بقبعة في الوقت ذاته لأن الأرض
تحتها بقت مكشوفة لها وأدركت ذلك ما أن شعرت بيد على ظهرها
والأخرى تمسك بيدها تحثانها على السير وصوت المرأة السمحة
بشوشة الوجه بينهما قائلة " هيا فسنخرج الآن
سيدتي "
وسقطت حينها الدمعة التي كانت تكابدها منذ أيام فتلك الكلمات كان
وقعه عليها أكبر من أن تتحمله ومن أن تقاومه دموعها فمنذ الصباح
كانت تناديها بآنستي كلما لزم الأمر وتغير الكلمة الآن علمت أن له
معنا واحد أنها أصبحت زوجة لذاك الرجل , حقيقة لم يقنعها بها
لا ما مرت به خلال الأيام الماضية ولا وجودها هنا طوال النهار
كمن يعيش تمثيلية ستنتهي في أي وقت وكانت كلماتها تلك
كانقشاع لذاك الضباب لتنجلي لها الحقيقة التي كانت
تحاول تجاهلها منذ وقت .
*
*
حركت يديها وساعديها الصغيران الأبيضان المدوران أمام نحول
جسدها وقد احتضن كل واحد منهما سوار أصفر دائري وهي لا
تتوقف عن التحدث للجالسة على السرير أمامها تبتسم لها بحب
مستمعة لحديثها تحكي لها عن حوراء وأنها من أعطاهم الأساور
هي وابنتي عمها الثالث ثم ضمت يديها لصدرها وقالت بابتسامة
واسعة وسعادة وقد عادت لموضوعها الأول والأساسي
" ما أجملها عمتي لو أنك رأيتها فقط "
ثم عادت تصف بيديها قائلة " شعرها هكذا طويييل وأسسود "
ثم أمسكت وجهها بيديها وقالت " ووجهها عمتي هكذا ... إنه ... "
وحين عجز لسانها المبهور عن الوصف قفزت وقالت " ما أجملها
لم أرى واحدة بجمالها أبدا , وقالت لي أني جميلة تصوري ! "
فضحكت الجالسة هناك ومدت يدها لها قائلة " وأنتي جميلة
فعلا وستكبرين وتصبحين أجمل "
ركضت ناحيتها وصعدت السرير ونامت برأسها الصغير على
صدرها تمسح لها على شعرها البني الناعم فأغمضت عينيها
العسلية الواسعة وقالت بحالمية " حين أكبر أريد أن أصبح
مثلها وأن يتزوجني الزعيم مطر "
لتخرج حينها الضحكة الساخرة من الجالس جانبا ولم يشارك في
الحديث منذ البداية كعادته فنظرت جهته بعين واحدة مفتوحة
وهمست " انظري عمتي إنه يسخر مني مجددا "
مسحت على شعرها بحنان وقالت " لا تكترثي له , هذه
أحلامك أنتي لا أحد له بها دخل "
ابتعدت عنها وجلست معتدلة وقالت ناظرة لها بحيرة
" كيف هي من صنوان وتزوجها هنا ؟!! "
تنهدت وقالت " لا أعلم بنيتي ولا أحد يعرف إلا أن
العروس ابنة شراع صنوان "
وضعت أصبعها الصغير على فمها ونظرت للأعلى قليلا بتفكير
ثم نظرت لها وقالت مبتسمة " لابد وأنها فعلت كما فعل عمي
شاهر حين خرج من الهازان وجاء هنا وتزوجك "
لم تستطع تلك إمساك ضحكتها وقالت " يالا مخيلتك ماريه !! ما
الذي سيدخلها هنا ومنزلها يبعد عنا أميالا كثيرة ؟ "
خرج حينها المتكئ فوق السرير الآخر ينظر للسقف فقط من صمته
وقال ببرود " غبية وستدفع الثمن غاليا تلك الحمقاء "
نظرت له والدته بحزن وقالت " قد يكون يريدها وتزوجها
لما تكون غبية ؟ "
ابتسم بسخرية ولم يعلق ولسان حاله يقول ( لن يرحمها أحد وهي
ابنة صنوان وليست منهم ) ووالدته تفهم صمته ذاك وكلامه جيدا
وقد يئست تماما من أن يغير فكرة أنه ليس من هنا وأنها أخطئت
في زواجها من والده ، قفز من السرير على طوله حين علا صوت
المغرب مخترقا غرفتهم الصغيرة وخرج ويديه في جيوب بنطاله
متمسكا بصمته وبروده قاصدا المسجد القريب منهم كما علمه والده
وحرصت عليه والدته من بعده ، ما أن توارى عن نظرها نظرت
للجالسة معها على السرير ونظرها كان أيضا على الباب الذي
خرج منه للتو ثم نظرت لها وقالت بحيرة " لما هو
غاضب لأن الزعيم مطر تزوجها !! "
تنهدت بحزن عميق وقالت ماسحة على وجهها " اتركينا منه
الآن وأخبريني لماذا غبت عني الأسبوع الماضي , هل كنت
مريضة ؟ "
هزت رأسها الصغير نفيا وقالت بعبوس " كنت غاضبة من تيم "
خرجت ضحكتها متقطعة بسبب تنفسها فضمت يدها أما شفتيها
وسعلت قليلا ثم قالت " لم أعرف قلبك قويا علينا هكذا ماريه ! "
أبعدت غرتها من أمام عينها بيدها الصغيرة وقالت مبتسمة
" بلى خاصمته حتى وعدني وتصالحنا "
ثم نظرت لساعدها ولسوارها الأصفر اللامع وقالت بعبوس قبل
أن تترك المجال للجالسة أمامها أن تستفسر عن ذاك الوعد
" حتى أنه لم يقل لي أن أساوري جميلة رغم أنه أول
من أريته إياها "
خرجت ضحكة صغيرة من الجالسة أمامها وقالت مبتسمة
" لا تتأملي من الرجال كثيرا يا ابنتي خاصة من نوع هذا
الغاضب دائما فسيكون رجلا متعبا جدا لك "
عادت علامات الاستفهام للدوران فوق رأسها فابتسمت لها
وقالت " هيا ناولني ثوب الصلاة لأصلي فتيم يبدوا اعتمد
عليك ولم يحظره لي "
نزلت من السرير من فورها قائلة " أجل وسأحضر
ثوبي أيضا ونصلي معا هنا "
*
*
تنهد بأسى ونظره لازال معلقا بالأفق البعيد وهو ينسلخ من حمرته
للابيضاض ليدخل آخر مراحل شفق هذا اليوم ، منذ عاد من الصلاة
وهذا هو مكانه عند أحد نوافذ وسط الطابق الأرضي من منزله وقد
غطى الوجوم على ملامحه مظهرا تلك الخطوط حول فمه وعينيه
لا يعرف بما يصف حاله في تلك اللحظة وما يجب فعله ليرتاح
قلبه الذي يعتصر ألما منذ ساعات النهار الأولى .
نظر جانبا حين شعر بكف يد أحدهم على كتفه لتلتقي عيناه بالعينين
التي لم يخفى عنه احمرارهما من البكاء الذي لم يشهده أحد ثم عاد
بنظره للأفق البعيد فوصله صوتها المنخفض قائلة بحزن
" هذا لن يجدي في شيء يا شراع ، انظر لصحتك
كيف أصبحت تتردى منذ .... "
ولم تستطع متابعة حديثها وقول تلك الكلمات التي ستذكره بالحقيقة
التي لم ينساها أحد في ذاك المنزل ، تنهدت بعجز وقالت بهدوء
" ما كان بوسعك فعل شيء يا أخي وغسق تعلم ذاك جيد و .... "
قاطعها بحزن " أصبحت زوجته اليوم وأنا واقف أتفرج يا جويرية
حتى أني لست من وقّع عقد زواجها ولا سلمتها لزوجها بنفسي
خذلت والدتها بي وخذلتها هي أيضا وانتهى كل شيء "
نزلت بيدها من كتفه ليده وشدت عليها بقوة وقالت بجدية ونظرها
لازال معلقا بجانب وجهه " اللوم لا يقع عليك يا شراع ، والدتها
أوصت أن تزوجوها لأحد رجال قبيلتها وحدث وإن رغما عن
الجميع وغسق لن تلقي باللوم عليك أبدا وأنت أكثر من يعرف
مدى حبها لك ، وليست بالفتاة الغبية التي قد يفوتها
أن تحلل الأمور وتفهمها جيدا "
قال مركزا على نقطة واحدة من حديثها وكأنه لم يسمع بقيته
" قالت لي زوّجها من قبيلتها لكنها لم تقل ابن شاهين بل
طلبت أن لا يصل خبر المولود له "
مسحت على ذراعه بيدها الأخرى وقالت تجاهد عبرتها من
الخروج " تمنى لها السعادة يا أخي فلو لوم النفس يجدي شيئا
لعادت من كثرة ما لمت نفسي ولازلت أعض أصابعي
ندما حتى اللحظة "
تنهد بأسى وأنزل رأسه ونظره للأسفل فمسحت الواقفة بجانبه
عينيها قبل أن تخونها دموعها أمامه وتزيده على ما به وقالت
" هل كان وقع الخبر على مجلس كبار القبائل سيئا ؟ أرى
غمك يفوق واقع زواجها منه ! "
قال ورأسه لازال مطأطأ للأسفل وكأنه يفرغ ما به " البعض شجعوا
الأمر ظناً منهم أني ضحيت بها من أجل المهادنة ومصلحة صنوان
جميعها وهم يجهلون حقيقة أنه لم يراهن بالمهادنة أبدا ، والبعض
ضنوا أنه حاصرني بالمهادنة وأراد أخذها ليجعلها نقطة ضعف لي
وغفلوا عن أنه آخر رجل قد يفعلها , فإن اتخذها فعلا كورقة ضغط
يشهرها كلما ادعت الحاجة سيكون أظهر ضعفا بذلك فالضعفاء
فقط من ينهجون ذاك المنهاج المخزي وهو أبعد من أن
يضع نفسه في ذاك الموضع "
رفع نظره للنافدة مجددا وتابع " أبناء أخوالها أمسكوهم بالقوة
يريدون الإغارة عليهم واستردادها وإن كان المقابل حربا ولا
يعلمون أنهم بذلك يخدمونه خدمة العمر بعدما وضع ذاك القانون
بأن يأخذ مقابل كل قتيل من رجاله مساحة شاسعة من حقولنا خلف
الحدود ، ذاك الرجل درس كل شيء قبل أن يقدم على أي خطوة .
لقد حاصرنا حتى أشقائها عرف كيف يكبلهم بتلك النقطة التي ضن
الجميع أنها بادرة خير منه وتخدم مصلحتنا جميعا بينما هي تخدم
مصالحه وحده ولن يتجرأ أحد على مس رجل من رجاله
لأنه الكاسب الوحيد حينها "
ثم قبض يده بقوة وقد أظلمت نظرته بأسى شديد وهمس من
بين أسنانه " سحقا له ، له عقل ثعلب وقلب أسد ومناورة
نمر , لقد هزمني في لحظة دون حتى قتال "
نظرت له بتوجس وقالت " وما كان وقع ذلك على الحالك ؟ "
هز رأسه نفيا وقال " أنتي تعلمي أن الأخبار منقطعة عن بعضنا
منذ ولدنا في هذه البلاد سوا ما يتسرب عن الحروب والموت
والقنوات الإخبارية لم يتحدث فيها أحد منهم عن تحليله للسبب
جميعهم يتحدثون عن انتصاراته وخططه وأفكاره وكأنهم
راضين تماما عما فعل ويثقون به حد أن يضنوا أنه
استغل زواجه بها لصالحه وصالحهم "
ثم أردف بسخرية مؤلمة " البعض هنا ممن علموا عن وجود
غسق في توز من فترة بدئوا يتناقلون الشائعات بأنها تجولت
في الحقول وأنه رآها عند الحدود وافتتن بها ولم يستطع
مقاومتها فتحايل بالمهادنة كي يتزوجها رغما عنا "
ضربت كفيها ببعض هازة رأسها بأسى وقالت " ولما تزوجها إذا
إن كانت جميع تخميناتنا عن السبب مستحيلة وإن كان لن يجلب
له هذا الزواج إلا القيل والقال وهو يدرك ذلك جيدا بالتأكيد ؟؟ "
ابتسم حينها بسخرية معلقا " اتركي الأيام تخبرنا كما لمح
هو يا جويرية "
تنهدت بعجز وتمتمت مغادرة من عنده " بت أنا الآن التي تتمنى
أن يتحقق باقي رؤيا قطاط ذاك وأن تكون رؤيا فعلا لعل هزيمته
النكراء تكون على يد امرأة منهم ونصفها من صنوان أيضا "
وغابت بعيدا بكلماتها التي لا يسمعها أحد سواها تاركة إياه خلفها
ولازال نظره معانقا ذاك الأفق وصورة تلك الطفلة التي رباها
على يديه حتى كبرت لا تفارقه لحظة , ولولا شرط المهادنة
ذاك ومصلحة قبائلهم ما توانى لحظة عن الهجوم عليهم
فإما أن يعيدها أو أن يموت دون ذلك .
*
*
أرّقها كثرة تقلبه في السرير بل ومفارقة النوم لعينيه مما جعلها
تسهد أيضا فجلست أخيرا ونظرت لساعة هاتفها التي كانت تشير
لدنوا وقت الفجر لديهم فوضعت الهاتف ونظرت لظهره الذي
يوليه لها وقالت بهدوء " سلطان ما بك ؟ "
فاكتفى بالتنهد دون أن يجيب ، هي الأقرب إليه من بين زوجاته
الثلاثة بل هي الأفضل خلقا بينهن ولولا جنون والده بزيادة عدد
أحفاده ما تزوج غيرها بعد زوجته المتوفاة أم وقاص ، وليلته معها
تعد الليلة الساكنة الهادئة الوحيدة التي ينام فيها دون أن يسمع سيلا
من الشكاوي ألا مبررة ولا منطقية , لكنه الليلة ما كان ليرتاح ولا
لينام حتى هنا معها ، طال صمته ولاحظ أنها لازالت جالسة تنتظر
جوابه فهمس بصوت عميق كئيب " لا شيء يا رقية
نامي ولا تشغلي بالك "
لنور الخفيف بجانبها ونظرت له مجددا قائلة " كيف ا أضاءت
لا شيء وأنت لم تنم رغم شدة تعبك ! وتتقلب طوال الوقت
وكأنك تنام على الجمر "
همس مجددا وببرود " لن يعنيك ذلك حتى لو أخبرتك فنامي "
هزت رأسها بيأس منه وقالت " الهازان في الموضوع إذا ؟
هل أغار ابن شاهين على مدن جديدة ؟ "
لاذ بالصمت ولم يعلق فتأففت وقالت " سلطان إن أخبرك
أحدهم أني بلا قلب مطلقا فقد أخطأ "
قال ولازال موليا ظهره لها " وأنكري أنك تبتهجين بما يحدث
لهم هناك ؟ واطمئني فابن شاهين لم يغر عليهم ومن أين
سيجد لهم وقتا وزواجه الليلة "
قالت بضيق " ما أصاب عائلتي سببه ابن راكان هازان وقبيلة
كنعان وليس الهازان جميعها فلا تقسو عليا في حكمك وضع نفسك
مكاني وقبيلتك تسلم والدك وأخوتك وأبناء أعمامك لابن راكان بدم
بارد ليقتلوهم جهارا أمام العلن بتهمة هم أبعد عن التفكير فيها "
اكتفى بالصمت ولم يعلق فهزت رأسها بيأس وقالت
" حسنا أخبرني ما يؤرقك على الأقل ؟ "
قال هاربا من استجوابها " ابن خالي توفي في اقتتال بين
مجموعة , كانت رصاصة طائشة "
فتنهدت بحزن متمتمة بالدعاء له بالرحمة وما تجهله أنه توفي
منذ يومين وما كان ليفعل فيه ذاك الخبر ما يحدث معه الآن
وضع إحدى الوسائد على رأسه ممسكا لها يعصرها بقبضته
بقوة وهمس بخفوت من بين أسنانه " سحقا لسياستك يا
ابن راكان "
*
*
وبينما كانت قوات الحالك تقف عند أقرب نقطة من حدود خماصة
داخل الهازان كانت الخيام المنصوبة في وسط حوران تعج بأصوات
الرجال والطعام وركض الأطفال وقد نصبت غيرها وبعيدا قليلا عنها
واحدة كبيرة من أجل النساء , والجميع كان مدعوا تلك الليلة والجميع
مبتهج سواء من أيد ذاك الزواج ومن رفضه ومن تحفظ بشأنه , أما
ذاك المنزل الواسع وحسب الأوامر فقد اكتفوا بتنظيفه وتعطيره
وإخلائه من الجميع كما طلب منهم .
التفت برأسه ونظر من فوق كتفه لأحد أقرب رجاله حين أمسك كتفه
بيده وكان ممن اختاروا أن يكونوا معه الليلة وترك مثله جبهة القتال
قال له مبتسما " لما لا تترك عنك هذا الهاتف واعتمد عليهم فعمك
اقترب بالعروس من حوران وسيدخلون المدينة قريبا "
التفت له بجسده ووقف مقابلا له وأعاد الهاتف على أذنه مجددا
وقال لمن في الطرف الآخر " صلني ببشر حالا "
فابتسم المقابل له هازا رأسه بيأس منه وتمتم هامسا
" من الخطأ اختيارهم هذه الليلة لشن ذاك الهجوم "
وما أن أنهى كلامه حتى رن هاتفه فرفعه لأذنه واستمع لمن في
الطرف الآخر دون أن يجيب ثم عاد ووضعه في جيبه ومد يده
للهاتف الذي على أذن الواقف أمامه وسحبه من يده قائلا بابتسامة
" السيارات دخلت حوران ورجال المدينة جميعهم خرجوا فهيا
لنزفك وعروسك واترك عنك هذا الهاتف الليلة فلن أعطيه لك
قبل الصباح "
تركه يأخذه منه دون أن يعلق بشيء وتحرك أمامه جهة الخيام
المصفوفة وقد هب كل من كان فيها واقفا في الخارج ما أن سمعوا
باقتراب السيارات التي جاءت بالعروس من جهة الحدود حيث أنه
وحسب ظن الجميع أنها دخلت من توز في صنوان لقرية حجور
الحدودية لديهم فجر اليوم , وكما يتوقع الجميع فهم يعزون أن جميع
أفعال زعيمهم وقراراته لا يتخذها إلا لأنها تخدم مصالحهم ومستقبلهم
خاصة أنه لم يفصح عن السبب وراء كل هذا , ولأنها ليست عادته
أساسا , ولأنهم أعلم بغيرهم عن مدى تجلده اتجاه كل ما يخص النساء
ومنذ صغره وحتى حين صار فتيا رجحوا أن السبب تكتيك حربي وإن
على المدى البعيد وأعدوها صفقة حرب ناجحة وكأن كل فرد منهم
لا يريد أن يضع ذاك الزعيم موضعا أقل مما يرونه فيه ويلتمسوا
له الأعذار وإن لم يقدمها بنفسه ولم يهتم .
ودخلت السيارات العشرة شوارع حوران بأصوات أبواقها العالية
وأضواءها المتغيرة في ظلمة تلك الشوارع التي لا يزينها سوى الأضواء
الخفيفة للمنازل ليقف من لم يحظر هناك متفرجا من باب أو نافذة منزله
وتلك السيارات تعبر ببطء وكأنها ترقص فوق تلك الأرصفة على لحن
أبواقها حتى اقتربوا من تلك الخيام التي نصبت قريبا من منزل زعيمهم
وقد اصطف الرجال واقفين خارجها بمختلف أعمارهم يراقبون صاحب
الخطوات الواثقة الثابتة وهو يتوجه جهة السيارات التي لاحت لهم من
بعيد متقدمة نحوهم ببطء وثلاثة من أقرب رجاله يسيرون خلفه مثل ظله
خطواتهم تتسم أيضا بتك القوة والثقة ورغم ذلك لازال هو صاحب الهيبة
الأقوى والحركة الأشد ثقة وقد احتضن جسده القوي الصلب تلك البذلة
العاجية التي تميزه عن غيره في هذا اليوم وهو الزي الخاص بالزوج
لديهم بسترته المخصرة الطويلة بعض الشيء منقوشة الأطراف بطابع
رجولي فخم وباللون الأزرق الفاتح , قد عكس بياضها على لون شعره
الأسود اللامع ولحيته المشذبة بعناية وبياض عنقه وعظمة ترقوته التي
قد لفحها حر الشمس معطيا لها لونا متناغما مع شخصيته وصلابته
يسير وهم خلفه لتنقشع تماما صورة ذاك الزعيم وهو يتقدم من سيارة
عروسه في ليلة زواجه وحيدا لا أب لا أخوة لا أعمام ولا أبنائهم
ولا حتى جد , وقفوا أربعتهم دون أن يلحق بهم أحد ما أن وقفت
السيارات تتقدمهم سيارة عمه صقر الذي فتح بابها ونزل منه ونظر
لابن شقيقه مبتسما وقد سقط نظر المقابل له فورا على الجالسة في
الكرسي الخلفي لا يظهر منها شيء سوا الثوب الذي تلبسه مظهرا
هيئة جسدها الأنثوي وكان واضحا إنزالها لرأسها للأسفل من هيئة
جلوسها وإن كانت مستقيمة الظهر , ركز نظره على يديها وقد خانته
توقعاته فلم تكن تقبض أصابعها ببعض بقوة ولا تقبض على قماش
ثوبها بتوتر وخوف بل كانتا مفرودتان على فخذيها لاحظ ذلك واضحا
بانكشاف إحداهما من تحت كميها الطويلان وقد ظهرت أصابعها البيضاء
تزينها أزهار الحناء بلونها الأحمر الغامق في تناسق غريب بينهما , ولم
يفهم أهو مكابرة منها في هذا الوضع الذي تتوتر فيه أي فتاة وتخاف أم
أنها فعلا لا تأبه بشيء !! رفع نظره منها لعمه الواقف في الجانب الآخر
من السيارة ثم رفع يده في إشارة فهمها من حوله على الفور فتراجع
رجاله الثلاثة للخلف في خطوة واحدة وتراجعت معهم تلك السيارات
مسافة تكفي لإدخال سيارتين بينهم وتقدم حينها المسافة التي
كانت تفصله عن السيارة ومد يده للباب الخلفي وفتحه
المخرج ~
بقلم الغالية : انجوانا
على لسان جبران
قلبي بحبك يتغنى ....والان انكسر
من يجبر ذلك ويشفي جرحي ويعالج الضرر..
حلمت بكِ ليالي عمري والدهر . . ..
والان بعد كل شي بدات افقدك فهل من صبر ...
انصفوني من كل هذا يابشر.....
قلبي تحطم وانتهى الامر ....
مالي قدره للتحمل او الصبر ...
اعيدو بلسم روحي قبل ان انتحر ..
هكذا بكل بساطه يأتي غيري وينتصر
اريدك انتي لا غيرك من البشر .....
انا جبران وهو مطر ...من المنتصر . .
******
نهاية الفصل
موعدنا القادم مساء الأربعاء إن شاء الله