جنون المطر (( الجزء الأول ))
الفصل الثالث عشر
المدخل~
بقلم / الغالية انجوانا
آه على وطني .....مايحدث حاليا
آه على وطني تجرأ الاغراب عليه ...فدخلوه ودمرو كل ما فيه ...
قالوا اتينا نحميكم من التخلف ...وهم من زادوه ونشرو التيه ...
حرضونا على بعضنا وقسمو بلدنا ونهبو خيراتنا واثارنا فيه
حسبي عليهم رب العباد يرى وسينصرنا قريبا نحن ومن فيه ...
شردو اناسنا وغربوهم .... لنا الله املنا فيه وتوكلنا عليه ..
****
ومرت أيام ذاك الشهر متعاقبة على تلك البلاد كخرزات مسبحة
في يد عابد يحركها بتأني ووقار , شهر جديد نزلت فيه سيارات
ودبابات الحالك أراضي الجبال الفسيحة لتبدأ عملية إخلاء كل شبر
منها من تلك الجماعات الإرهابية وهي تحاصر فلولهم الهاربة
والمتحصنة بين تلك الجبال ورغم ما خسروه من رجال لم
يعدوه الناس هناك خسارة أبدا ولازالوا يطمحون للمزيد .
صنوان كانت تعمل على استقرارها وتفتيت الخلايا النائمة والحد
من المشاكل والاضطرابات قدر الإمكان حتى يتوصلوا لحل ولو
دوليا لإيقاف ما يعرف لديهم بـ ( زحف ابن شاهين على قبائل بلاده )
أما الهازان فكان لها النصيب الأوفر من النزاعات والاضطرابات
والمشاكل تتراكم ولا تحل , النقص في كل شيء والناس أصبح
أغلبها في العراء , الذعر والخوف والترقب والانشقاقات
والحروب مع الموالين لهم , وتجميع ما يمكن جمعه من
الآراء الدولية المساندة لهم مهما كان ثمن ذلك .
* * *
وضع الشريط اللاصق على طرف الشاش ليثبته جيدا ونظر
لها وقال مبتسما " أصبح لا يحتاج لأكثر من تغييرين أسبوعيا "
أبعدت نظرها عنه لساقها وقالت بعبوس " شهر كامل على
هذا الحال ! ما هذا الجرح ؟ "
ضحك وقال " لا تنسي أنه كان عميقا ونزف كثيرا وملتهبا
أيضا , ثم هو من عشرة أيام حاله ممتاز "
تنهدت بقهر ولم تعلق فهي رغم كل ذلك لم تغادر هذه الغرفة البائسة
سئمت من وجودها هنا من نظرات تلك المرأة التي تكاد تقتلها بها
ومن الخادمات اللاتي يطبقن القوانين فقط ولا تراهن إلا وقت
وجبات الطعام , لا هاتف لا مذياع ولا تعلم ما يجري حولها فلا
شيء هنا سوا نافذة تسمع منها لعب بعض الأطفال بعيدا وحديث
لرجال يصرخ أحدهم مناديا للآخر , أصوات بعيدة جدا تدل على
كبر مساحة حديقة المنزل الذي لم ترى منه إلا غرفتها الواسعة
بأثاثها الكبير الفخم والغريب مثلها , شعرت بشيء تحرك على
الجرح فنظرت للطبيب سريعا فهي تتحاشى النظر له بشكل لاحظه
بنفسه وأصبح يحسب له حسابا , وكرهت اليوم تحديدا خلوته بها
على غير العادة وهذا ما لم تعتد عليه حياتها سوا مع أشقائها الذين
لم يعاملوها أقل من شقيقة لهم , وجدته يكتب بقلمه عليه فسحبت
ساقها وقالت بتألم " ماذا تفعل ؟ إنه يؤلمني "
نظر لها وقال مبتسما " جربت أن أوقع لك عليه باسمي ونجح الأمر "
قالت ناظرة لساقها تثنيها للداخل حيث الكتابة " ولما فعلت ذلك ؟ "
ضحك وقال وهوا يجمع أشيائه " لأرى إن كنتِ تنزعينه
بعدي أو لا "
تمتمت بعبوس " لكني لن أنزعها "
نظر لها مجددا وبدون أي تحفظات ككل مرة فخروج جوزاء
المفاجئ اليوم شجعه لأنّ نصف تحاشيه النظر والحديث معها
سببه وجودها ووجومها الدائم , قال بابتسامة واسعة " حسنا
قد تضيعين وحين يجدونك ويرون اسمي يحضرونك لي "
أبعدت نظرها عنه ككل مرة وقالت ببرود " ما هذا ! أنا
لست بكماء وسأخبرهم باسمي حينها "
فانطلقت ضحكته العالية بشكل استغربته هي تنظر له مصدومة
" جوزااااااء "
ارتجف جسدها بأكمله ووقف ذاك الشاب من فوره ورفع الحقيبة
التي وقعت منه بلا شعور فلم يفت أي منهما أن ذاك الصوت ليس
صوت صقر , رجل المنزل الوحيد الذي لم يُسمع صوته مرتفعا
وغاضبا هكذا وكان الصوت يدل على قربه من مكانهما , ولم تفت
غسق البحة الواضحة فيه والنبرة التي ميزتها بسهولة وإن كانت
تختلف عن المذياع , وعلمت أنه الغائب الغير منتظر ومن
ظنت أنها ستغادر قبل عودته
عدّل من معطفه الطبي بتوتر واضح وثبت قلمه في جيبه وغادر من
أمامها فورا وما أن تكرر ندائه الصارخ لشقيقته مجددا كان يفتح
الباب بتوجس ورهبة أما هي فقد اختبأت من فورها تحت اللحاف
وكأنه بهذا لن يراها أو أنه لا يعلم مسبقا عن وجودها .
ما أن خرج وأغلق الباب خلفه حتى نظر للواقف على بعد خطوات
منه ينظر له بنظرة قاسية حادة يقف بكل هيبته بلباسه العسكري ويده
تقبض بقوة على القبعة المصنوعة من نفس القماش , في موقف آخر
كان ليتمنى أن يبدي إعجابه به وأنه لطالما تمنى أن يقابله لكن الآن
وهنا كان يعلم شيئا واحدا أنه أجرم جرما لا يعلم مداه , وكل ما فكر
فيه أنه سمع صوت الضحك خارجا من الغرفة وأن المدعوة جوزاء
ليست معهما وهنا ستكون الكارثة , بلع ريقه وقال محاولا إخفاء
توتره قدر الإمكان " سررت بلقائك سيدي , قريبتك أصبح جرحها
أفضل ويمكننا تغيير الشاش وتعقيمه مرة أو اثنتين أسبوعيا "
أشار له بيده دون أن يتحدث ليغادر فكانت كفرصة النجاة التي يبحث
عنها في السماء ووجدها في الأرض فتحرك من فوره وزادت خطواته
سرعة حين أدرك أنه تحرك خلفه وشعر وكأن الباب يبتعد عنه كلما
اقترب منه أكثر , وما أن وصل عنده سمعه قال من خلفه وبكلمات
حازمة حادة شعر أنها سترميه خارجا " أخبر الطبيب الذي
أرسلك هنا يأتيني ما أن تصل إليه "
فهز رأسه بحسنا دون أن يلتفت له وتابع طريقه مسرعا وعلم أن
الأمر قد ازداد سوءا , وما أن أصبح خارج المنزل حتى دوى
صوت الباب الذي ضربه خلفه بقوة مما وتر خطواته وتمتم متابعا
طريقه " يا إلهي ما هذا ! ما الذي سيفعله بتلك الفتاة في حالته هذه ؟ "
وتابع سيره بخطوات شبه راكضة مخافة أن يغير رأيه ويوقفه
( فليتحمل الطبيب الذي أرسلني , ما علاقتي أنا )
*
*
التفت للتي اقتربت منه بخطوات وجلة وملامح متوجسة
وقالت " مرحبا مطر , حمدا لله على سلامتك "
قال من فوره وبحدة " ما هذه المهزلة هنا ؟هل لي أن افهم "
فتحت فمها لتتحدث فقاطعها بحدة أشد " أغادر وقد نبهت على
أمرها جيدا وأرجع لأجد كلامي مضروبا عرض الحائط
وضحكات ذاك الفأر تشق جدران المنزل "
بلعت ريقها من غضبه الشديد وقد كرهت فكرة أن يكون تضايق
من وجود ذاك الشاب معها وضحكه وأن يكون شعر بالغيرة منه
فقالت بهدوء محاولة تهدئة غضبه " كنت معهما دائما لكني
اضطررت للخروج هذه المرة ولم تكن لها سابقة "
قال بصرامة " ليس هذا أعني "
تنفست بقوة وقالت بتوجس وفي محاولة جديدة لاحتواء غضبه
" حسنا هو شاب وأعلم أنه قد تخونه نفسه أمام امرأة مثلهـ .... "
وسكتت تلعن نفسها حين اكتشفت أنها ستزيد الأمور سوءا بالتحدث
عنها ونظرت لملامحه التي لازالت مشدودة ونظرته الغاضبة
وقالت متشهدة على نفسها " الخطأ عليهما في هذا الاستهتار "
قال بحدة أكبر " قلت أني لا أتحدث عن هذا يا جوزاء "
قالت باستغراب " عن ماذا إذا ؟ "
رمى يده القابضة على القبعة بقوة وقال بغضب " حين غادرت قلت
وبالحرف الواحد أن الطبيب سمعان من سيشرف عليها لأنه يمكن
تدارك تسريب الأمر معه , وأرجع وأجد طبيبا آخر هنا , وأمر
الفتاة لا أحد يفترض أن يعلم به "
نظرت له بصدمة بسبب كلامه الذي قاله ولم تنكر النشوة التي شعرت
بها حتى كادت تبتسم فرحا في وجهه لولا غضبه العاصف فقد خاب
ظنها في تضايقه من وجوده معها وحدهما وصوت الضحك خارجا
من غرفتها ( ابن والدك يا شقيقي , قلبك متحجر مثله تماما )
تنفست بعدها بارتياح وقالت " حسنا هو على علم بأنها
قريبة لنا ولن يسبب الأمر أي شكوك يا مطر "
صرخ مجددا وقد ضاق صبرا بلامبالاتها
" جميل يظنها قريبتنا , ولاحقا ؟ "
نظرت له باستغراب ولم تفهم ما عناه بذلك وهي ترمش ناظرة
لعينيه بحيرة فتأفف بقوة وغادر من عندها جهة السلالم وقال
صاعدا منه " حين يأتي عمي أخبريني ولا يغادر حتى أراه "
وصعد من فوره فهفت بيدها على وجهها وتمتمت مغادرة
" أعان الله من ستتزوجك عليك يا شقيقي , هذا إن فكرت
أن تتزوج أساسا "
*
*
فتح الباب الشبه مغلق ودخل للمنزل الذي يعمه الصمت ليقع نظره
على شقيقته الصغيرة الوحيدة واقفة عند باب غرفة والديهم ممسكة
بإطار الباب , من تركها من قبل أكثر من شهرين حين غادر وهي
تحبوا وها هو عاد ليجدها واقفة على قدميها , ابتسمت له وتحركت
نحوه بخطوات مترنحة فأغلق الباب ومد يديه مستقبلا لها وحملها
وقذفها للأعلى على صوت ضحكاتها المبتهجة ثم حضنها وقبلها
بقوة وشوق لحظة ما خرجت والدته متسائلة عن سبب ضحك ابنتها
القوي فوقفت مكانها مصدومة وهي ترى ابنها الوحيد بعد كل هذه
المدة وانقطاع أخباره تنتظر خبر موته في أي لحظة , انتبه لوجودها
ونظر لها مبتسما فامتلأت عينيها بالدموع وهي تراه واقفا أمامها ببذلته
العسكرية فاتجهت نحوه من فورها وضمته بقوة وصوت بكائها ملأ
المكان وهي تقبل وجهه وتتفقد جسده كله فضحك وأنزل شقيقته
وقال " أمي لم ينقص مني شيء أنا كامل أمامك "
عادت لاحتضانه مجددا وقالت ببكاء " ظافر يا قلب والدتك
حمدا لله أنك عدت سالما بني , كان ظلما في حقك أن
تدخل حربا وأنت بهذا السن "
كان سيتحدث لولا قاطعه رؤيته للتي خرجت من غرفة أخرى
ونظرت له بعينيها العسلية الواسعة وشق وجهها الصغير البريء
ابتسامة واسعة وركضت نحوه قائلة بسعادة " ظافر أنت عدت ؟ "
وصلت عنده تنظر له فوقها مبتسمة فوضع يده على شعرها
وحركه قائلا بابتسامة " ماريه كيف حالك يا مشاغبة "
هزت رأسها مبتسمة بمعنى بخير وأمسكت والدته بذراعه وسحبته
معها وأجلسته على الأريكة وجلست بجواره ممسكة بيده وقالت
ودمعتها لازالت في رموشها " ماذا حدث معك بني ؟ أين
أخذوكم وما واجهتم ؟ "
قال مبتسما وقد رفع شقيقته ووضعها في حجره " لقد كنت في
الصفوف الأخيرة حيث من هم في سني وأقل وقمنا بعمليات
التمشيط للمناطق ونقل الجرحى من هناك فقط لكن في
القادم سيتركوننا نقاتل ولو جزئيا "
شهقت بصدمة وقالت " مرة قادمة !! وهل ستكون هناك مرة
قادمة ؟ لا لن أسمح بهذا مجددا ولا على جثماني "
ضحك وقال " أمي أنا لم أعد طفلا وكثيرين في سني وأكبر مني
بعامين أو ثلاثة فقط يحاربون في خطوط متقدمة , هل تريدي أن
تضحك الناس علي لأني هربت من هناك ؟ ثم أنا أريد فعلا
القتال معهم "
نفضت يديها ووقفت قائلة بضيق " قلت لن تغادر مجددا
يعني لن تغادر "
وتابعت مغادرة جهة المطبخ " استحم سريعا وغير هذه الملابس
المشؤمة لأعد لك شيئا تأكله "
راقبها مبتسما ثم نظر لشقيقته التي تلعب بأزرار سترته وأبعد يدها
وقبلها ثم نظر للواقفة بجانبه تمسك طرف الأريكة بيديها البيضاء
الصغيرة وتنظر له مبتسمة وقال بابتسامة مرحة
" كيف الدراسة معك ؟ "
قالت بحماس " انتهت من شهر ونحن في إجازة نلعب فقط "
ضحك ووقف وأنزل شقيقته وتوجه لغرفته قائلا بصوت مرتفع
" أمي سأنام أولا أتركي الطعام حتى أستيقظ "
*
*
" ما الذي حدث في أمر ابن شاهين "
رفع شراع نظره من الأوراق التي كان يناقشها معهما ونظر لأعينهم
المحدقة فيه بانتظار وفضول وتنهد وقال " تحدثت مع أحد مساعديه من
عشرة أيام تقريبا وقال بأن ابن شاهين يريد ترتيب لقاء بيننا في أحد
الدول المجاورة وأنه لم يحدد الوقت بعد "
تنفس كاسر بقوة وقال " ولما يطلبها هو قبلنا ! أليس الأمر مريبا
ونحن من يفترض به أن يطلب لقائه من أجل المهادنة ؟! "
وضع شراع القلم من يده وقال " الأمر يعنيه أيضا وهو يعلم أن
المهادنة ومناقشة أمرها سيتم بطلب من الطرفين , وإن كانوا الحلقة
الأقوى حاليا فهم أيضا يهمهم أن تبقى حدودهم معنا على استقرار
حالي , ولا تنسى أن لنا حدودا مشتركة مع الهازان أيضا وأن
مدينة العمران ضمن حدودنا ونقطة خطر كبير علينا ومنطقة
حساسة عليه أيضا "
قال رعد ببرود " وغسق ؟ أين هي من كل هذا ؟ "
فرك الجالس خلف الطاولة جبينه بأصابعه وقال بتفكير " ستكون
النقطة الأهم في لقائنا بالتأكيد وسنعرف سبب احتجازه لها كل
هذا الوقت وما يريد مقابلا لإعادتها "
قال كاسر بصدمة " مقابل !! هل هي سلعة لديه ؟ "
قال رعد سريعا " ما نعرفه عنه أنه أي امرأة يمسكونها على الحدود
يحتجزون الرجل لكن هي يرجعوها فورا ولم تكن سياسته المساومة
بالنساء أبدا وعلى امتداد أعوام فما تغير الآن ؟ "
قال الكاسر بسخرية " تغير أنه يعتقد أنها ابنة زعيم صنوان ومتأكد
من أن والدي سيقدم له أي شيء مقابل أن لا يشيع خبر وجودها
لديه فأول ما ستؤلفه الناس بأنها فرت ودخلت الحدود ذاهبة
له قصدا "
قبض شراع أصابعه بقوة وقال " لم أستطع حتى وضع احتمالات
لما سيطلب ! وهذا جل ما أخشاه أفكار ذاك الرجل وغموضه "
قال رعد " أخبره أنها ليست ابنتك إذاً وأحرق ورقته الرابحة "
قال شراع من فوره " إياكم وفعلها مع أي أحد من طرفه فهذا
سيضرنا أكثر فسيبحث حينها عن سبب دخولها ولن يفوته أبدا
أنها تبحث عن عائلتها وقد يجعلها تعترف عن السبب ويبدوا
أنها حتى الآن لم تقل شيئا "
قال كاسر بضيق " والحل مع هذا الحال ؟ الفتاة ابنة خالتها قضت
شهرها مع جدتها وعليها العودة لمنزلهم ولن تنطلي حينها على
الناس كذبة أنها ما تزال هناك معها , وابن شاهين أراه مسترخ
جدا ولا يفكر بأمر مناقشتكم للأمر "
لم يعلق والده سوى بتنهيدة قوية وقال رعد " وجبران ؟ "
نظر له شراع وقال " اتصل بي وهو عند حدود الحالك الآن
وقال سيرجع متى ما رأى أنه يريد العودة ولم أعارضه
فحتى الحدود تحتاج لأحدكم "
وقف الكاسر وقال بقهر " لا أعلم من الملام في كل هذا ؟
غسق أم ابن شاهين أو نحن ؟ "
ثم تمتم مغادرا " سحقا لكل ذلك "
وخرج تاركا خلفه صمتا مميتا وشخصان لا يمكنهما نكران ما قال
فجميع الأطراف أصبحت ملامة في ذلك , غسق وجنونها وتهورها
فيما فعلت ومطر واحتجازه لها لأسباب لا يعلم أحد إن كانت حربية
أم شخصية , وهم الذين أخبروها بالحقيقة التي اضطرتها لفعل ما
فعلت وغفلوا عن انجرافها خلف التقصي عنها , وقد لعب
القدر لعبته , والحكم في النهاية لأقدار الله طبعا
*
*
مر بجانب السياج المبني من الأسلاك الشائكة المرتفعة وهو يراقب
بعض الأهالي هناك وقد بدأالجميع بقطاف محاصيل الرمان وخلال شهر
تقريبا ستتحول هذه المساحات الشاسعة من الأشجار المثقلة بالثمار
فارغة لا شيء فيها سو أوراق الأشجار الخضراء وسيفقد مورد
طعام والدته , خاصة والطبيب ألزم عليهم أن تأكل من أجل الدواء
والطعام الذي يعطونه لهم لا يكفي شيئا ومضطر في كل يوم أن
يتحجج بحجة ما ليترك لها النصيب الأكبر منه , وحبتي الرمان
يعدهما وجبة يومية لها كان يعلم بأنه سيفقدها مهما طال الوقت فقد
تأخروا هذا العام في قطافه لأن أوامر ابن شاهين لم تصلهم إلا الآن
تنفس بقوة ووقف ينظر لهم وهم متعلقون بالأشجار يقطفون الثمار
ويرمونها لمن في الأسفل لجمعها في خيش كبيرة لتنقل تباعا من هنا
لحوران قبل أن يتم توزيعها ومؤكد هذا العام سيذهب أغلبها للرجال
عند الجبهات والباقي سيتم عصره ككل موسم , تابع سيره ونظره
للأسفل يفكر في البدائل لذلك ولا حل أمامه فلا أحد من أهل القرية
يرضى أن يعمل لديه ولو في رفع الأشياء الثقيلة مقابل المال لأنه
لازال يعامل ابن الهازان وحتى من لا يضره بلسانه يتجنبه كي لا
يضروه الآخرين بألسنتهم , وذاك الطبيب لا يستطيع أن يطلب منه
أن يعمل لديه مجددا وهوا يعطيه الدواء مقابل عمله الذي لم يعد يعمله
وعليه الآن بعدما انتهت المدرسة أن يرجع للعمل لديه مقابل علاج
والدته الذي أصبح يأخذه مجانا , وقف مجددا وهوا ينظر باستغراب
للجهة من الحقول التي يسيجها الحراس هنا بسياج بلاستيكي بشكل
شبكة ليفصلوها عن باقي الأشجار فاقترب أكثر من السياج الشائك
ووقف ينظر لهم بفضول وسأل أقربهم قائلا " لما هذا تفصلونه
عن البقية ؟ "
نظر له ثم عاد لربط السلك الحديدي وقال " هذا الجزء منع
الزعيم ابن شاهين قطافه ولن يقطف أبدا "
قال بصدمة " ولماذا !! ألن يفسد مع حرارة منتف الصيف ؟ "
حرك كتفيه وقال ولازال منشغلا بما يفعل " تلك هي الأوامر
ولا شيء لدينا سوا التنفيذ "
شعر بسعادة غامرة فمخاوفه تبددت , هذه الجهة تحفها أشجار السرو
التي تتخذ لحماية الحقول من الرياح القوية المغبرة , والشمس لا
تكون قوية فيها كما باقي الحقول والثمار على الأشجار ستصمد
لوقت لا بأس به وسيكون لديه فرصة أطول لأخذ الرمان منها لوالدته
هوا يجهل تماما سبب اتخاذ ابن شاهين قرارا غريبا كهذا لم يسبق له
أن اتخذه طيلة سنوات حكمه للحالك لكنه لم يحاول التفكير فيه فما يعنيه
الآن أن وجبة الرمان لوالدته لن تختفي حتى تسقط هذه الرمانات في
الأرض فاسدة , ضحك أحد الواقفين بعيدا وقال بصوت مرتفع للذي
كان تيم يتحدث معه وكأنه يقصد ذلك " قد يكون تركها للصوص
حقول الرمان ليستمتعوا ببقيتها "
وبادله الآخر الضحك ينظران له فنظر لهم نظرة باردة وغادر دون
أن يكلف نفسه عناء أن يفكر إن كان هو المعني أم لصوص كثر
يدخلون غيره , ولا يعلم أنه تم التبليغ عنه وأنه ثمة من
تغاضى عن ذلك عمدا
*
*
" مطر "
التفت من فوره وقد كان متوجها من السلالم لباب المنزل فورا
ولم ينتبه لوجودها وسط صالة المنزل الواسعة على كرسيها
المتحرك فتوجه نحوها من فوره وفي صمت تنظر له مبتسمة
بحنان , شعره لازال مبللا دليل أنه خرج من الحمام ونزل فورا
يرتدي بنطلونا وقميص أهمل تفاصيله , أزاره العلوية مفتوحة
وكماه أحدهما مرفوع ومثني لمرفقه والآخر لنصف ساعده
تقريبا , وصل عندها وقبل رأسها وقال هامسا بنبرته
المبحوحة " عمتي ... كيف حالك ؟ "
نظرت له للأعلى وقالت مبتسمة " بخير بني وزادني
رؤيتك سالما "
ابتسم لها دون تعليق ويده لازالت على كتفها فقالت ونظرها
معلق به " ماذا حدث بشأن ما طلبته منك ؟ أنت لم تخبرني
ما حدث معك حين جئت قبل شهر "
تنفس بقوة وشرد بنظره للبعيد وقال ببعض الضيق
" خرجت لصنوان عمتي , فرت من هنا "
نظرت له بصدمة وقالت " لصنوان !! "
نظر لها وقال بجدية " ما الأمر الذي تريدين معرفته منها ؟
ما قصة المرأة أميمه وما الذي تعرفه تلك العجوز ولن تخبر
غيري به ! في الأمر مولود بنسب مجهول أليس كذلك ؟ "
حركت حدقتيها بعشوائية بعيدا عنه وفكرت للحظة ثم قررت أن
لا يعلم فالأمر مجرد فرضيات وحتى إن كان صحيحا فالوقت ليس
مواتيا ليعلم والبلاد في تلك الحالة فلا تريد للمشاكل مع صنوان أن
تبدأ من الآن وهي على يقين من أنه إن صدقت ظنونها وتلك المرأة
كانت بالفعل متزوجة بشقيقها دجى وأنجبت منه فالواقف فوقها لن
يقف مكتوف اليدين وسيتقصى عنها وأين أصبحت الآن وما ولدت
ولن يغفر لصنوان ذلك أبدا خاصة إن كان أمرها معلوما ويخفونه
ثم ما حدث مع دجى قبل موته سيدفع ذاك المولود ثمنه الآن
" عمتي هل كل هذا تفكير في الجواب ؟ "
نظرت له مجددا وقالت مبتسمة " لا بني سرحت فقط في تلك
العجوز أما السبب فليس بتلك الأهمية فهي امرأة طلبت مني
معرفة أمر منها لن تقوله لغيرك وأنا رحمت حالها "
نظر لملاحها بشك فقالت بذات ابتسامتها " لا تشغل بالك
بالأمر بني , لو كان ذا أهمية لأخبرتك به "
قال بهمس غاضب " لماذا هربت ؟ ومما تخشى ؟ "
أمسكت يده بقوة وقالت " قد تكون مشاكل في قريتها , أنت تعلم
أنها كانت تولد النساء لأعوام طويلة وأنهم على الحدود فقد مرت
عليها نساء كثر ولدن من رجال خارج حدودهم وقد يكون أحدهم
يهدد حياتها , ولا شيء يبقى متسترا طوال العمر ولابد
للأمور أن تكشف "
هز رأسه بحسنا دون تعليق فقالت قبل أن يغادر
" وماذا عن الفتاة يا مطر ؟ "
نظر لها بصمت لبرهة ثم قال ببرود " ما بها ؟ "
تنفست بقوة وقالت بهدوء " لن تكون ابن شقيقي الذي أعرفه
وحملته بين ذراعاي رضيعا إن كنت ستساوم بسمعتها وأن
تجعلها أداة ضغط على والدها , فلما تبقى هنا حتى هذا
الوقت وجوزاء قالت أن جرحها تماثل للشفاء وأصبح
بإمكانها التحرك "
قال ونظره مركزا على عينيها وبنبرة ثابتة يشوبها بعض
الجدية " أمرها يخصني وحدي عمتي , لا أحد يقرر فيه "
غضنت جبينها عاقدة حاجبيها الأسودان الرقيقان وقالت
" مطر أنا لم أطلب منك أن تخبرني ما تخطط له وأعلم أنه ليس
بطبعك ولا تحب ذلك , أنا أذكرك فقط بأنها فتاة ولا دخل لها فيما
بينك وبين قبائلها , وإن كانت ابنتك أو شقيقتك ما رضيت لها بهذا "
وضع يديه في جيوبه وقال ببرود " أنا لم أطلب منها دخول حدودي "
هزت رأسها بيأس منه وقالت " أملي فقط بأنك مطر شاهين
ذاته ومبادئك لم تتغير "
قال وقد هم بالمغادرة " لا تقلقي لم تتغير عمتي "
قالت قبل أن يبتعد مغادرا " هل يمكنني رؤيتها الآن بعدما أتيت
فجوزاء أخبرتني سابقا أنك طلبت أن لا يحتك بها أحد إلا
للضرورة "
تابع سيره في صمت وقال حين وصل باب المنزل " كما تريدين "
وخرج من المنزل ونظراتها تراقبه حتى اختفى ثم تنهدت بحيرة
وحركت عجلات كرسيها باتجاه ممر الغرف الشرقية ومرت
بها إحدى الخادمات في طريقها ووقفت وقالت مبتسمة
" هل أساعدك
سيدتي ؟ "
قالت مبادلة لها الابتسامة ولم توقف تحريك عجلاتها
" لا شكرا يا حبيبة أكاد أصل لوجهتي "
وتابعت سيرها به حتى وصلت باب الغرفة وطرقته طرقات خفيفة
ووقفت تنتظر ولم تفتح الباب وحين لم يصلها أي رد طرقته مجددا
فخرج لها الصوت الرقيق الناعم من الداخل " تفضلي الباب مفتوح "
فابتسمت ورفعت يدها لمقبضه ( هذه الفتاة من أخبرها أني امرأة ! أم
أنها تريد أن يفهم من في الخارج أنه إن كان رجلا فهوا غير مرحب
به ) فتحت الباب ببطء ودخلت لتستقبلها نظرات الجالسة على السرير
المستغربة للداخلة وهي تنظر لها مبتسمة تتفحص ملامحها وهي تحرك
كرسيها للداخل , تبدوا لها ازدادت حسنا عن حسنها الفائق ذاك حين
رأتها من أربعة أعوام , وحتى عينيها تراهما يحملان بريقا مختلفا
زادهما توهجا أسودا ولمعانا أخاذا , اقتربت منها حتى وصلت
لسريرها وقالت مبتسمة " مرحبا يا غسق , كيف أصبحت
ساقك الآن ؟ "
تخطت غسق استغرابها لهذه المرأة التي لم تراها من قبل
ولرحابتها وابتسامتها عكس سابقتها ثم قالت هامسة برقة
وابتسامة " أفضل , شكرا لك "
ابتسمت لها تتنقل بنظرها في ملامحها الفاتنة وشعرها المنسدل
على كتفيها كستائر ليل شديد السواد , فستانها الزهري الصيفي
البسيط بأكمامه القصيرة كاشفة عن ذراعيها شديدا البياض متناغما
مع اللون الزهري لخديها , كطفلة مستيقظة من نومها خرجت من
كتب الخرافات القديمة ( من يشبع من هذا الحسن إلا شخص لا
عقل له ) خرجت منها ضحكة صغيرة بسبب أفكارها تلك وهي
ترى نظرات غسق الحائرة وقالت مبتسمة " لو فقط رآك
لنعلم من صدق منا أنا أو ابنة شقيقي "
زادت نظرات الحيرة وعدم الفهم في عيني غسق فضحكت
المقابلة لها مجددا وقالت " خرف عجائز ليس إلا فلا
تعبئي به , أنا عمة جوزاء يا غسق "
رسمت غسق ابتسامة صغيرة مغصوبة ودست بضع خصلات
خلف أذنها وقالت بأدب " سررت بمعرفتك سيدتي "
قالت من فورها " وأنا كذلك فنادني عمتي , أتمنى أن
يكون طاب لك المقام معنا "
هربت من عينيها ونظرت ليديها في حجرها وقالت بحزن
" كرمكم معي منقطع النظير لكني أشعر حقا بأني طائر
مسجون في غير وطنه "
تنقلت بنظراتها في ملامحها وقالت مبتسمة " لن يلومك أحد
على شعورك هذا , لكن ألا ترين أنه وطنك جميعه ؟ "
رفعت نظرها بها سريعا وقالت " بلى ولطالما كرهت
التقسيم الجائر له "
هزت لها رأسها بنعم دون تعليق فتابعت غسق بحزن وقد اقترب
حاجبيها الرقيقان وتألمت ملامحها " لكني بعيدة عن عائلتي هناك
والدي وأشقائي وعمتي , وقد اشتقت لهم كثيرا "
تنهدت المقابلة لها بعجز ولم تعلق فقالت غسق " متى يمكنني
الرحيل من هنا والعودة لهم ؟ "
هزت رأسها بحيرة ولم تعرف بما تجيب وقالت حين لاحظت
في ملامحها أنها مصرة أن تسمع الجواب أي كان " مطر عاد
للتو من جبال أرياح وهوا من سيقرر ذلك "
شعرت بتلك القشعريرة في جسدها وكأن الدم في عروقها تحول لمياه
باردة درجة التجمد سرت فيه بالتدريج لسماعها اسمه فقط وتأكيدهم
لعودته فلم تتخيل يوما أن تكون قريبة منه درجة أن لا يفصلها عنه
سوا جدران حجرية وأن تسمع صوته وكأنه أمامها وأن تعلم عن أخبار
غيابه وعودته , هذا أشبه بكابوس تنتظر في كل لحظة أن ستستفيق
منه , قالت بتوجس " لكن السيدة جوزاء أخبرتني أنه ما أن تشفى
ساقي سيقوم عمها بإرجاعي للحدود , والطبيب من أسبوع سمح
لي بالتحرك عليها "
نظرت لها مستغربة وقالت " هي قالت لك ذلك ؟ حد
علمي أن القرار لمطر "
أنزلت رأسها للأسفل وعضت شفتها السفلى بقوة وكرهت ما تشعر
به وهي تسمع اسمه دون أن ينسب لوالده كما تعودت أن تقول وتسمع
( ابن شاهين ) وعجزت عن فهم هذه المشاعر بين الرهبة والخوف
والفضول المبهم , لكن ما أرعبها وقتها أكثر ربط مصيرها هنا به
وبقراره هو , فلما يعتبرها غنيمة وجدها وهوا من يقرر مصيرها ؟
منذ متى كانت النساء في بلادهم تعامل هكذا ! فعلى امتداد أزمان
كان للمرأة احتراما وقدسية ولا يسمح لا بأخذها أسيرة ولا غنيمة
حرب ولا سجنها ولا اختطافها , كلها تعد جرائم في قوانينهم العرفية
والقبلية , رفعت نظرها بها حين سمعت صوتها قائلة " طوال الشهر
الماضي كان منشغلا في حرب الجبال وبعد عودته مؤكد سيقرر
في أمرك فمؤكد سيغادر قريبا وسيطول غيابه "
قالت بذعر " لا يا الهي وماذا إن لم يقرر ؟ "
خرجت ضحكتها رغما عنها وقالت " لا تقلقي مؤكد سيرجعك
لعائلتك قبل ذهابه فاستغلال النساء لم يكن طبعه يوما
وأخبريني الآن ما أدخلك لنا يا مشاغبة ؟ "
أبعدت نظرها عنها وأشاحت بوجهها بعيدا فهذا السؤال يبدوا
لن تتخلص منه أبدا ولن يتوقفوا عن إلقائه حتى يعلموا السبب
قالت ولا تزال متحاشية النظر لها " دخلت من أجل صديقة
مقربة جدا لي "
وعضت لسانها مجددا وليست تعلم كم كذبة ستقولها هنا وكم مرة
ستعضه حتى تحوله لقطع فهي منذ قررت الدخول هنا والبحث عن
تلك العجوز وكذباتها على من حولها تتالى , ضحكت المقابلة لها
وقالت " لا تقولي أنها متزوجة من أحد جنود الحدود واختفى
وانقطعت أخباره ودخلتِ لتبحثي لها عنه أو عن خبره ؟ "
نظرت لها مستغربة من تقبلها للأمر وقالت بتوجس
" شيء من هذا القبيل "
هزت تلك رأسها بحيرة وقالت " ما أحب البعض للإثارة
في حياته "
قالت غسق بعد تردد " ما قصة هذه الزيجات ؟ "
أجابتها مبتسمة " عند مقرات الحدود ينتشر الجنود مراقبين الأراضي
حوله ولا يستغرب أحد رؤيتهم عند نقاط قريبة جدا من حقول الطرف
الآخر حيث تعمل النساء هناك وحينها يصبح لا مانع من نظرة
ثم ابتسامة فموعد فزواج "
نظرت لها بصدمة وقالت " وكيف يُسمح لهم بذلك ! كنت أعتقد
أن الأمر له علاقة بهروب أحدهم ودخوله لحدود الآخر والعيش
فيه والزواج هناك وليس زواجا على الحدود !! "
قالت بابتسامة " لا يا غسق زيجات كثيرة حدثت بذلك الشكل ولم
يمنعها أحد لا من طرفنا ولا من طرفكم وذاك كان ضمن اتفاق
كي لا تصبح زواجا عرفياً فهي ستحدث لا محالة مهما
أصدروا من قوانين تمنعها "
قالت بعبوس وحزن وقد تذكرت وضعها " لكنه ظلم لأبنائهم
فيما بعد وسيبقون بلا نسب "
هزت رأسها بلا وقالت " صحيح أنها زيجات في الخفاء ومعرضة
للانهيار دائما وتشتت الأبناء لكنها شرعية وشيخ من طرفنا أو طرفكم
من يكتبها ويختم عليها وكما تعلمين في بلادنا ووضعها هذا لا توجد
محاكم توثق مثل هذه الأوراق والقبيلة هي الحكم والتشريع , وإن لم
نتساهل قليلا في أمر مثل هكذا زيجات سنصبح كالحيوانات
نتزاوج دون نظام ولا شرع , هل فهمت ذلك الآن ؟ "
هزت رأسها بنعم وهمست بأسى " فهمت لكن عليهم إيجاد حل
لتنظيم ذلك ليعرف على الأقل أطفالهم من أين ينتسبون "
قالت مبتسمة " لكنهم يعلمون يا غسق فلا الأم ستخفي عن
ابنها ذلك ولا الوالد سينكره رغم أنه كان سرا عن الجميع "
نظرت لها بحيرة وعجز فلن تستطيع أن تقول لها ولما أنا لا ؟
لماذا لم يخبرني أحد وأخفوه عني وعن الجميع ! قالت بأسى
" وفي النهاية الأب يأخذ ابنه والأم لا يحق لها أن تعترض "
هزت رأسها بنعم وقالت " هكذا هي الأعراف هنا وفي كل شبر
من هذه البلاد والمرأة من قبل أن تتزوج تعلم ذلك جيدا "
ثم قالت مبتسمة " وفي النهاية نحن أبناء وطن واحد يا غسق
أتمنى أن لا تكوني من متعصبي الرأي في هذا "
هزت رأسها بلا بقوة وقالت " أنا مثلك وأبادلك ذات الشعور لكن ... "
ثم أبعدت نظرها عنها متابعة بتردد " لكن السيدة جوزاء أراها
لا تتفق معنا "
ضحكت المقابلة لها من فورها فرفعت نظرها بها مستغربة فقالت
" تعجبني صراحتك , جوزاء ليست مثلي ومثلك يا غسق , هي
حالة مختلفة عنا لن يشعر بما تشعر به إلا من كان في مثل
وضعها وأتمنى أن لا تجربيه يوما يا صغيرة "
فتحت فمها ثم عادت وأغلقته مجددا فلا يحق لها أن تسأل مالم
تقل هي ذلك بنفسها لكنها احتارت فعلا في ذاك السبب وفي قصة
المرأة التي لا ترى الود في عينيها اتجاهها أبدا , انفتح الباب حينها
ودخلت منه جوزاء التي نظرت لعمتها من فورها وهي التفتت لها
على صوتها قائلة " أنتي هنا عمتي وأنا أبحث عنك من وقت ؟
لم أفكر أن تكوني هنا ! "
دارت لها بكرسيها وقالت مبتسمة " لقد تحدثت مع مطر ولم يمانع "
نظرت غسق لهما مستغربة ولم تفهم شيئا ووصلت جوزاء عندها
وقالت وهي تمسك يدا الكرسي " لم أجده في غرفته , أخذت له
طعاما لكنه كعادته إن لم تمسكيه لا يسأل عن شيء "
قالت ناظرة لها فوقها " خرج منذ قليل وحتى شعره كان ما يزال
مبللا أي نزل من حمامه للأسفل مباشرة لذلك لم تجديه , كان
عليك إخباره أنك ستأخذينه له قبل ذلك "
قالت وهي تسحب الكرسي بها جهة الباب " وهل ترك لي مجالا
لأقول شيئا , نفث نيران غضبه بي وصعد لغرفته , يخطئ
غيري وأتحمل أنا النتائج "
وخرجتا مخلفتين ورائهما عينان لازالت تتبعهما وقلب ضرباته كالطبول
فوضعت يديها على أذنيها وأغمضت عينيها بقوة وهمست بتعب من كل
شيء يحدث معها " لما يتحدثون عنه ؟ لماذا يذكرون اسمه ؟ لا أريد
أن يكون هذا الرجال في عالمي , لا أريد أن أراه ولا أن أسمع عنه
لماذا لا يتوقفون عن ذلك "
ثم سرعان ما اندست تحت لحافها مجددا وهي تفكر في كلامها عن
غضبه وعن أن غيرها السبب فيه فلن يكون أحد غيرها بالتأكيد
أغمضت عينيها بقوة تريد الهرب من كل هذا للنوم فلا حل سواه
*
*
وصل للسيارة التي توقفت بقربه ونزل منها رجل وركض ناحيته
لافا حول السيارة من فوره وفتح الباب وأنزل الرجل الموجود فيها
مربوط اليدين خلف ظهره وأوقفه أمامه فمد مطر يده لياقة قميصه
وشده جهته بقوة وقال بغيظ " ضرغام حجاج أين العجوز عزيرة تكلم "
ارتجفت أواصره جميعها حتى ظهر الخوف جليا في ارتجاف حدقتيه
السوداء فلم يتوقع أن خروجها سيصله بسرعة هكذا وأن يسعى ورائها
هزه بقوة وقال بحزم أظهر بحة صوته أكثر " تكلم يا ضرغام حالا "
أصبح جسده ينتفض من ارتعاده وهوا يرى الشرر الأسود المتطاير من
عيني الممسك به بقوة وهوا من سمع عنه من الحكايات الكثير وعلم عن
غضبه كيف يكون , فرجل شارك في الحروب والقتل بدم بارد مؤكد
سيخبره عقله أنه سيقتله دون أن يرف له جفت ( سحقا لتلك العجوز
وزوج ابنتها لقد ورطوني ووشوا بي ) قال بخوف وكلمات
مرتجفة " خـ خـ خرجت من الحدود سـ ـسـ سيدي "
شد على ياقته أكثر وقال بهمس غاضب " كم تتقاضى من
الناس ثمنا لذلك يا ضرغام ؟ "
هز رأسه بقوة وقال بصوت مخنوق " لا أفعل سيدي أقسم
لك ولم آخذ منها ولا من أحد "
قال مطر بحزم " لماذا فرت هناك ؟ ما السبب ؟ "
هز رأسه بلا من فوره وقد احمر وجهه بسبب اختناقه فتركه
بقوة وقال " لن أرحمك إن علمت أنك تعلم "
أمسك عنقه بيده وقال " لا علم لي سيدي أقسم لك , ما قالته
لابنتها أمامي أنه عليها أن تخرج قبل أن تصل أنت لها
وهذا كل شيء "
لمعت عينيه بقوة ومض كبرق في سماء سوداء مغيمة وقال وكأنه
يتحدث مع نفسه " هي تعلم أني قادم لها إذا !! "
ثم أشار لهم بيده وقال " احتجزوه عليا التحقق معه أكثر والتأكد
من صدق كلامه أولا "
فأمسكا بذراعيه وسحباه معهما دون أن يعترض ولا حيلة له في
ذلك وأعادوه للسيارة التي غادرت كما جاءت ونظراته تتبعها وكل
تفكيره في السبب الذي جعل تلك العجوز تفر منه درجة أن تدخل
صنوان تاركة قبائلها وأهلها ومؤكد قررت أنها لن ترجع لهم
التفت للخلف ما أن سمع الخطوات التي اقتربت تسير باتجاهه ولم
يكن سوا ضحيته الأخرى وهوا الطبيب سمعان الذي أرسل في طلبه
وما أن وصل عنده وهوا يراقب ملامحه التي بدا الضيق جليا عليها
فهم أنه سيقابله في مزاج سيئ للغاية , وقد سبق وتقابل معه كثيرا
ويعرف أي نوع من الرجال هو وغضبه كيف يكون , قال باحترام
" مرحبا سيدي كم سرني رؤيتك سالما , أخبرني رشيد
أنك طلبت رؤيتي "
وضع يديه في جيوب بنطاله وقال بجفاف وبرود " هل لي أن
أفهم سبب إرسالك له نيابة عنك ؟ أم أن أوامري لا تعجبكم "
قال من فوره وبلهجة ثابتة خبير في التحكم فيها كأي طبيب متمرس
" أبدا سيدي لقد اضطررت للمغادرة وكان الأمر رغما عني ورأيت
أن أرسله هو أفضل وقد تغيبت لأكثر من أسبوعين وحين عدت قال
أن جرحها تحسن كثيرا ولم تعد تحتاج لعناية مكثفة كالسابق
فتركت له المرات القليلة الباقية يكملها هو "
شد على فكيه بقوة كادت تحطم أسنانه وقال من بينها " وهل أخبرك
عما حدث عند وصولي , أم أجعله يطلعك على الأمر بطريقتي "
بلع ريقه بسرعة وقال " بلى أخبرني سيدي , الشاب مرعوب من
أن تقرر شيئا سيئا يخصه وشرح لي ما حدث وقال أن الفتاة كانت
شديدة الاحترام والحشمة معه طوال الوقت والأمر كان عفويا "
قال وملامحه لا تزداد إلا قسوة " وصلت قبل خروجه بقليل وقسما
إن لم أكن سمعت ضحكته فقط وهي لا لما خرج من منزلي بساقيه
كليهما ولحمل لسانه في يده ليعلم معنى العبث في منزل زعيمه
ذاك الفتى ينتقل مع الأطقم الطبية في الجبهات فورا ولا يرجع إلا
بأمر مني وتخبره حالا أن الفتاة سافرت خارج البلاد , إن شممت
فقط أنه أخبر أحدا عن التي رآها هنا انتهى عمره على يدي
وأنت تفهم باقي الأمر يا سمعان "
هز رأسه بحسنا بسرعة وقال " أوامرك سيدي اعتبره لم يراها
أبدا , لقد أرسلته لظني أنك سترجعها لصنوان وهوا لا يعلم من
تكون ولن يتسرب الأمر "
خرج حينها من هدوئه البارد الجاد وقال بحدة وحزم " هل دخلت
دماغي أم قررت عني ؟ لا أريد لتلميذك ذاك أن يفسد ما سيحدث
قريبا أو سيدفن تحت التراب ليموت الأمر معه "
هز رأسه بالطاعة من فوره وقال " سأتصرف في الأمر بمعرفتي
وسأعيده لخارج البلاد إن أحببت ولن يؤثر فيما تريد فعله أي
كان سيدي تأكد "
أشار له بيده وقال بشبه همس " يمكنك المغادرة "
فغادر من فوره وهوا يراقبه وتنفسه يخرج بقوة بسبب انفعاله القوي
وهمس من بين أسنانه " ما أسهل عليكم تدمير كل شيء يا حمقى "
ثم أخرج هاتفه الذي يعمل عن طريق الأقمار من حزام بنطاله المثبت
فيه وأجرى اتصالا سريعا ووضعه على أذنه ونظر للأعلى حيث السماء
الزرقاء الصافية لينعكس لمعانها في حدقتيه الواسعة شديدة السواد ولترمي
ببريق شمسها على سواد لحيته المشذبة بعناية وتلاعب النسيم بخصلات
شعره الأسود القصير اللامع وقال ما أن انفتح الخط " أعطوا خبرا
لزعيم صنوان أن اجتماعنا سيكون نهاية الأسبوع القادم ورتبوا
معهم كل شيء "
المخرج~
بقلم/ الغالية همس الريح
جبران ..
مطر مطر ......مطر مطر
كنت صغيرا ...اهوي المطر
حتي كبرت ... اهوي المطر
ليت الحياه .... بلا مطر
شر اشر ....هذا المطر
اخذ غسق ...تبا لمطر
غسق ..
مطر مطر ...اهوي المطر
حتي بيوم....اسرني مطر
رجل عظيم ...رجل المطر
لكن الحروب ...جنون مطر
اين السلام ..يا ابن المطر
كل الحروب ...مات المطر
مطر..
مطر مطر ..انا مطر
منذ الصغر ..اري المطر
مطر هطل ...حرب مطر
مطر يصب ...جرحي مطر
كل البشر ..مطر مطر
حملي ثقيل ..و انا مطر
******
نهاية الفصل ..........
موعدنا القادم مساء الأربعاء إن شاء الله