الخاتمة
خاطره بقلم الغالية : سما 23
يا زعيم الحالك .... اليوم كيف حالك
هل طاب كتفك .... هل التأم جرحك
مطر
جرح جسدي ... جرح وطني
أنا لا أشعر بجرح جسدي .. لأنه يحتويني جرح أعمق (جرح وطني)
متى أستطيع تحقيق حلمك يا وطني ... بأن تكون واحداً .. بأن تكون آمناً
من أجل ضيغم وتضحيته .... من أجل جيشي وبطولته
ستلتأم الجراح ... ستعم الأفــــــراح
سنوحد الهازان والحالك وصنوان
ستكون وطني قوياً يهابك الأعداء .... ستكون وطني عصياً بأبنائك الأوفياء
بشر وحيدر وتميم .... وعكرمة بقلبه الرحيم
اعدك يا وطني ويا أبناء وطني .... فادعوا الله أن يحقق حلمكم وحلمي
******
آخر ما تذكره ضرب تلك المرأة لها على خدها بقوة صارخة
" لا تفقدي وعيك يا ابنتي وادفعي أكثر ... لا تقتلي طفلك "
ثم دموعها وأنينها المتواصل وأخيرا صوت ذالك البكاء يملأ
الغرفة حولها ... صرخة طفلها الذي عاش في أحشائها تسعة
أشهر وأسبوعين ... من بقدر ما انتظرت رؤيته تمنت أن
لا تراه كي لا تبدأ مأساتها الجديدة بعد رؤيته .
شعرت غريزيا بالحنان لذاك الصوت وابتسمت رغم كل ما
تشعر به حينها وليست تعلم فرحا باستقباله أم حزنا لأنها تودعه
بخروجه من أحشائها ؟؟ وعند ذاك الصوت غابت عن الواقع
وما حولها تماما , لم ترى شيئا بعدها ولم تسمع شيئا ولم تشعر
سوى بأن ذاك الألم الذي لا يمكن وصفه يختفي من جسدها
بالتدريج لتنتهي لعالم النوم وكأنها لم تنم من سنوات طوال
حتى أن الممرضات من حولها ضنوا أنها غابت عن الوعي
أو حتى ماتت لولا ضحكة تلك القابلة التي لفت الطفلة جيدا
قائلة " والدتك حرمت نفسها من رؤية هذا الوجه الجميل
ونامت يا حفيدة شراع صنوان , يا حفيدة رئيس البلاد
الجديدة "
*
*
لم يصدق أنه سمع صوت بكاء الطفل أخيرا مما يعني أن كل
تلك المرحلة من العذاب انتهت وكل ذاك الترقب والقلق اختفى
كانت الأعين الستة محدقة بالباب بترقب حين فتح جزء بسيط
منه وخرجت التي تلقتها أسئلتهم فورا " كيف حالها ؟ "
فضحكت قائلة " مهلكم اسألوا ما أنجبت على الأقل ألا يعنيكم
إلا والدة المولود ؟ "
قال المقابل لها بلهفة " ماذا أنجبت وما حالتهما ؟ "
قالت مبتسمة " ابنة لا أجمل منها سوى والدتها , حمدا لله
على سلامتها يا شراع "
*
*
قالوا أن الكثرة تغلب الشجاعة وأن البقاء للأقوى وأن عقل
رجل واحد قد يهزم جيشا بأكمله لكن يبقى ما هو فوق
كل ذلك ونسوه ( قدر الله وما شاء فعل )
فمخطئ من ظن أن مطر شاهين بشر لا يمكن أن يُهزم , لا
يحلم حلما لا يدرك تحقيق أغلبه ولا تنقلب الطاولة على من
كان يديرها بذكاء وثبات .
* * * * * * * * مـــــاضي يحكي ما كان * * * * * * * *
ركضت جهة أنوار السيارة من قبل أن تتوقف تنظر بعينين وجلة
للذي نزل منها ضاربا بابها واقترب حتى وقف أمامها قائلا
" غسق ما يخرجك من المنزل هذا الوقت المتأخر
وما يوقظك حتى الآن ؟ "
أمسكت يده وقالت بصوت مرتجف وعينان ممتلئة بالدموع
" أين مطر يا عمي ؟ هو أكد لي أنه قادم الليلة فلما تأخر لكل
هذا الوقت ؟ اتصل به أرجوك فالفجر اقترب "
لم تسمع منه أي رد وقد علت نبضات قلبها بجنون وهي تراقب
ملامحه ونظراته لعينيها وكأنه يحمل فاجعة ما سيلقيها عليها
ولا يعلم من أي جهة يرميها بها , همست بصعوبة
" عمي صقر قل شيــ... "
قاطعها ناظرا للأرض يشد قبضتيها بقوة " جهزي جميع
أغراضك يا غسق سأآخذك للحدود آذان الفجر والدك
في انتظارك هناك "
*
*
وقف على طوله يحدق بالجالسين حول تلك الطاولة البيضاوية
الكبيرة وقال ناقلا نظره بينهم " ليلة غد تبدأ ساعة الصفر وتنفذون
باقي الخطوات تباعا ولا تشرق عليكم شمس الصباح إلا وأنتم في
صنوان , سيتم الاتفاق مع شراع فخمسة من رجالي على اجتماع به
الآن , لا أريد لتعبي أن يضيع هدرا ولا أريد لما عاناه شعب بلادي
أن يتكرر وبأضعاف هذه المرة , هم خبثاء لكننا لسنا جبناء ولن
نخضع لهم وجميع الخيارات التي سيقدمونها سيكون نهايتها دمار
البلاد , أريد أن أعتمد عليكم أن تحتووا غضب الناس أن تقلصوا
رفضهم فالمهم هو تحقيق الهدف , أمامنا مشوار طويل جدا
لن أكون معكم فيه لكني سأكون حولكم لا تنسوا ذلك أبدا "
ثم قبض أصبع يده ورفع صوته الجهوري القوي الثابت ليملأ
أرجاء تلك القاعة التي يجتمع فيها بكبار رؤوس قبيلتي الحالك
والهازان " الوطن يحتاجنا يحتاج عزيمتكم ووقفتكم يدا واحدة
ويحتاج أن نثبت له الآن حقا أننا نفديه بأي شيء وبكل شيء
حتى أرواحنا أحبائنا ومستقبلنا , لن نسمح لأحد باللعب بنا
ثم الضحك علينا ونحن نقاتل بعضنا البعض , قفوا اليوم
معا يداً واحدة لتجدوا الغد والمستقبل "
*
*
أبعد نظره عن عينيه وقال بجمود نطقت عيناه التي يخفيها
عنه بعكسه تماما " أعلم ما تود قوله فوفره رجاءا وقدم
مصلحة الجميع على عواطفك "
تنفس صقر بقوة وقال " قرارك ولك فيه الخيار ولن أسامحك
لحرماني من ابنة شقيقي وإرجاعها لصنوان حتى إن أصبح
يمكنني العيش في المنزل المجاور لمنزلهم هناك "
رفع الواقف أمامه نظره به وكان سيتحدث فسبقه قائلا بضيق
" لعلمك فقط يا مطر أني أخبرتها وأخرجتها من هناك وأنزلتها
عند الحدود واستقبلها شراع وأخذها معه ولم تنبس شفتاها بكلمة
ولا دمعة ولا سألت لماذا وكيف ولم تهتم للأمر "
رمى باقي كلامه في وجهه كالقذائف ينظر لعينيه المحدقة فيه
" قتلت نفسك في داخلها إن كان ذاك يعنيك حقا يا ابن شاهين "
وغادر من عنده قائلا وهو يبتعد " أعلم أن ما تفعله عين الصواب
لكنك لم تظلم أحدا بذلك إلا هي يا مطر فلا تفكر في الرجوع
والبحث عنها يوما "
وابتعد لا يسمع سوى خطوات قدميه يعصر قبضتيه داخل جيبي
معطفه بقوة ويشعر بقلبه يعتصر معهما فبقدر ما يكره ما حدث لابنة
شقيقه يحزن على ما وجد ابن شقيقه نفسه فيه ويعلم أن التضحيات
ليست بالأمر السهل وأنه لا يسعى خلفها أحد إلا مكرها وقد
داس على قلبه وآلمه ألف مرة قبل أن يفكر فيها .
*
*
قفز من خلف الطاولة قفزا وهرول جهة الباب صارخا بالذي
تركه خلفه " مصيبة يا رماح مصيبة "
فركض ذاك خلفه صارخا " رعد والدي من وافق كل ذلك
وبجمع من مشايخ القبائل عد ولا تتهور "
التفت له واقفا وسط بهو ذاك المنزل الواسع وصرخ بعنف
" هل تعي معنى ما فعله ابن شاهين ووافق والدي عليه ؟ هل
فكرت في تبعات كل ذلك يا رماح ؟ فكر الجميع في البلاد
وما سيحدث لها وتجاهلوها هي ... تجاهل ابنة عمه
زوجته وأم طفله وتركها ورحل "
أنهى جملته تلك وصعد السلالم فلحقه ذاك راكضا خلفه
" انتظر سأخبرها أنا , مهد الأمر لها يا رجل يكفيها ما
وصلت له "
تجاهل كلامه وندائه وهو يصعد ليقف مكانه ما أن رأى التي
كانت تقف على رأس السلالم في الأعلى تحضن الشال الصوفي
المنسدل على كتفيها وقالت ناظرة لعينيه " لا تخبرني بشيء يا
رعد فأنا أعلم منكم بأن ذلك كان سيحدث "
وتابعت وقد عادت أدراجها " لا أحد يموت لأن أحدهم تركه
خلفه وكأنه أمر لا يعنيه "
*
*
أمسكت وجه الجالسة أمامها بيديها المرتجفة تكابد دموعها التي
فشلت في إخفائها وهي ترى دموع ابنة شقيقها تتساقط كالمطر
قائلة بعبرة وشفاه مرتجفة " عمتي ليشرح لي أحدكم ما ينوي
مطر فعله , عمتي هو شقيقي الوحيد ومن لي في هذه الحياة
كيف يقتلنا جميعا معه عمتي ؟ "
ضمتها لحضنها بقوة تشاركها تلك العبرات بنشيج باكي عجزت
عن إخفائه قائلة بعبرة " ليلهمنا الله صبرا على فراقه يا جوزاء
هو اختار هذا وما كان ليستمع لرأي أحد وهو يترك حتى
زوجته الحامل حبيبته وأم طفله "
*
*
أمسك بيده وقال بحزم " لن تدخل لها يا جبران "
استل ذاك يده منه بقوة وقال بضيق " ولما وغيري بلى ؟ "
دفعه من صدره قائلا بحدة " إن جهل غيري ما فعلت وما حاولت
فعله مع ابن شاهين فأنا لا وما سكتُّ عن ذلك إلا كي لا نخسرك
وأنت تعلم أن والدي عند كلمته وقسمه مهما كلفه الثمن , ويوم فقط
أعلم أنك اقتربت منها وحاولت الضغط عليها كالسابق لتوافق عليك
أو اتخذت أي أسلوب ملتوي معها أقسم أن أخبره بكل ما حدث
وما فعلت وأن أخبرها هي قبله وسيكون ذاك كفيلا
بجعلها تكرهك مدى الحياة "
قال ذاك بسخرية " هه كرهته هو قبلي وذاك وحده ما سيجعلها
توافق وسأعوضها عن كل يوم أساء لها فيه ذاك المغرور النكرة
فهو لم يعرف يوما أن يحبها ويقدر قيمتها ومن الجيد أنها علمت
ذلك الآن ومقتنعة به تماما وهي ترفض حتى سماع اسمه "
كانت ابتسامة رعد لا تقل سخرية عنه وهو يرميه بالحقيقة التي لا
يمكنه نكرانها " يبدوا لي أنك تعرف حقا معنى الحب يا جبران
وأن يسكن أحدهم قلبك فلا يمكنك أن تكرهه ما حييت "
همس ذاك من بين أسنانه " بلى أعلم وأعلم أيضا معنى خذلانه
لها وتركها هنا واختفائه المبهم وأعرف قلب غسق ورقته "
صاح فيه رعد بعنف " وتعرف أن اجتماعه بوالدي كان سريا و
لم يصرح منه عن شيء وثمة حقائق مخفية خلف اختفائه يا
جبران يرفضون إظهارها للعلن فلا تنسى ذلك "
تجاهل كل ما قال وغادر من هناك متمتما بكره " لم يستحقها
يوما لعرف قيمتها "
وابتعد ونظرات رعد تتبعه وقد همس بإصرار " لن أسمح لك
بإتعاسها فوق تعاستها يا جبران فيكفيها كل ما أكرهت
عليه حتى الآن "
*
*
أمسكه من كتفيه يمنعه من التحرك وقال ونظره مركزا على
عينيه " لا تفقد سيطرتك على نفسك يا تميم فالجميع يحتاجنا
ولا تنسى ما وعدنا به الزعيم مطر يوم جعلنا الزمرة
المقربة له "
أبعد يديه عنه بعنف قائلا بقهر المغبون " وقال أنه لن يتركنا
إلا ميتا , قال أننا سنحقق الحلم معا وقال أنه سيكون أمامنا
دائما يا بِشر "
هز ذاك رأسه برفض وقال بلمحة حزن عجز عن إخفائها " أنت كنت
معنا يوم وصلتنا تلك الأخبار المفجعة وتقول هذا فما سيقول غيرك ؟
اللعبة أكبر مما تصورنا يا تميم ولطالما قال الزعيم مطر أن الغرب
لا مأمن لهم وكان يتوخى الحذر في كل شيء لكنهم يلعبونها بدقة
ولولا كشف داوود لما يحدث في بدايته لكانت المياه تجري من تحت
أقدامنا ولسنا نعلم حتى يوجهوا لنا الضربة التي لن نستطيع تفاديها
كما الآن مهما حاولنا ومهما فعل الزعيم مطر "
أمسك رأسه بيديه وقال بضياع " لن يستوعب عقلي كل ما قرره
يا بِشر ! كيف يترك كل شيء ويختفي في لحظة ؟ من هذا
الذي يحتاجه أكثر من الوطن ؟ "
أمسك كتفه وقال بإصرار " يحتاجه الوطن يا تميم هو من
يحتاجه وفعل ما فعل من أجله تأكد من ذلك "
*
*
فتح الباب بقوة فارتفعت الرؤوس ناظرة له فورا وقد قال بجزع
" الحالك تنتفض رفضا لانسحاب الزعيم مطر والهازان تتخبط
بسبب خوفها من عواقب تركه لهم والناس جزعت عند الحدود
من توجيه صنوان ضربة لهم "
وقف من كان خلف الطاولة وركض جهته مقصده الباب صارخا
والبقية خلفه " لا تدمروا ما صنعه الزعيم مطر لا تتركوهم
يهدمون ما حلم به دائما ومات الكثير من أجله "
*
*
كان جبران من وقف ليغادر فقال شراع بحزم " اجلس فهناك
ما على الجميع سماعه "
جلس على مضض كارها جلستهم تلك بما فيها ونظر الجالس
خلف طاولة المكتب لأبنائه الثلاثة وشقيقته الجالسين أمامه ومن
اجتمعوا بأمر منه وقال يمسك بيديه ذاك المغلف الذي فتحه قبل
قليل وأطلعهم على محتواه " هناك شروط على الجميع التقيد
بها وقد وضعها ابن شاهين كشروط أساسية لما فعله من أجل
توحيد أقطار البلاد وتسليمها لي وتأسيس مجلس الشورى من
أقطارها الثلاث , كل تلك البنود التي تركها والخطط التي يعجز
عقل بشري عن فعلها في مدة قصيرة وتقيد الجميع بشروطه
وعلينا نحن فعل ذلك كالبقية فثمة بنود تخص عائلتنا فقط "
حدق الجميع فيه بترقب وهو يتابع بجدية " أولها غسق لا تعلم
عما وصلنا عن عائلتها وابنة من تكون حتى تُحل قضية
الثأر وذاك لمصلحتها قبل الجميع "
لم يعلق أي منهم فتابع " ثانيا وكتبها بالحرف الواحد ( امرأة
نامت في حضن ابن شاهين لا تنام في حضن غيره ) "
سقوط قوي لذاك الكرسي جعل الجميع ينتبه جهة صاحبه الذي
وقف بعنف وقد تابع شراع دون أن يكترث لردة فعله " ثالثا طفله
من حقه ما أن يولد , وهذه الشروط مسلم بها من خالفها
سيواجهني أنا قبله "
*
*
سحبت الكرسي وصعدت عليه حتى وصلت النافذة وتسلقتها
وجلست فيها تلعب بقدميها الصغيرتان في الهواء تراقب السماء
التي تزهوا بألوانها بعدما استقبلت تلك البلاد بداية أشهر الصيف
وانصرمت تلك الأشهر القاسية بكل ما حملت من تقلبات وأحداث
جديدة شهدوها فيها , سندت يديها على حافة النافذة بجانبي جسدها
ولازالت تراقب السماء وحركت رأسها تغني فلا أحد لها مع كل
هذه الوحدة في هذا المنزل الواسع الذي لا أحد يكترث لها فيه حتى
إن غابت ليوم كامل داخل غرفتها ما سألا عنها وقد تولت الخادمة
جميع أمورها من طعامها لملابسها لنومها ولم تكن سوى تمثال
جليدي آخر تشبه سيداها في كل شيء فلم تجد فيها الأنيس ولا
الملجئ فاعتادت أن تصاحب السماء عبر نافذتها لتتحدث عن كل
ما يؤلمها يزعجها ويحزنها وكانت صديقتها التي لم تهتم حتى
أنها لا تجيب عليها بشيء فالمهم لديها أنها لن تتركها يوما كما
فعل جميع من أحبتهم ومهما تكلمت وغنت لها لن تضجر
منها وتسأم ولن تشعر هي أنها وحيدة .
أنزلت رأسها وقد توقفت عن غنائها الطفولي البريء حين رأت
الحجر الصغير الذي وقع قرب نافذتها وجالت بعينيها في المكان
ولم تجد أحدا فحركت كتفيها بعدم اكتراث ورفعت نظرها مجددا
لتلك الصفحة الزرقاء وتابعت غنائها ليوقفها الحجر الذي
ضرب قدمها هذه المرة فقالت بفزع " من هنا ؟ "
وعيناها تتنقلان في كل مكان حولها حتى خرج ذاك الصوت
من خلف السور الذي يفصل منزلهم عن منزل الجيران
" هذه أنا ما أسمك ؟ "
نظرت فورا لأعلى الجدار ولليدين الصغيرتان التي ظهرت أعلاه
تمسك به بقوة حتى ظهر لها ذاك الوجه الدائري والعينان السوداء
الواسعة والشعر الأسود المقصوص حتى أذنيها لفتاة بلغت من
العمر حوالي سبع سنين وقالت مبتسمة " صوتك جميل أنا
أحب هذه الأغنية كثيرا "
نظرت لها بريبة وقالت " من أنتي ؟ "
قالت تلك مبتسمة " اسمي زهور وأعيش هنا مع والدتي
وزوجها "
وتابعت بحزن " والدي مات في الحرب عند الحدود مع
الهازان "
قالت بحزن شاركتها فيه " واسمي ماريه أعيش مع عمي
وزوجته ولا أب ولا أم لي وحتى تيم تركني ورحل "
قالت تلك مبتسمة " ومن يكون تيم هل هو شقيق ؟ "
هزت رأسها بلا وقالت " هل أنتي وحيدة أيضا ولا أشقاء لك "
هزت تلك رأسها بنعم فقالت مبتسمة " هل نكون صديقتين إذا
ولا أتحدث مع السماء مجددا لأنها لا تجيب "
*
*
مسحت بيدها على كتفه فانتفض ونظر لها فقالت مبتسمة
" لو أعلم ما سر شرودك دائما جهة مشرق الشمس هناك
يا رعد !! "
قال مبتسما يشاكسها " أفكر حين تغيب الشمس أين تذهب "
تغلبت عليها تلك الضحكة الصغيرة فوضعت يدها على
بطنها قائلة " قل شيئا يصدقه العقل "
عاد بنظره هناك وهمس بشرود حزين " أفكر في المكان الذي
انفصل وحده عن البلاد ... في القرى التي وكأنها اتفقت عليا
يا غسق واختارت استقلالها مهددة بنزع الاستقرار معها
وأحرقت آخر أمل لي فيها "
ثم نظر لبطنها البارز وقال مبتسما قبل أن تسأل " بقي شهر
واحد ونرى المنتظر ما يكون "
أنزلت رأسها بخجل خالطه الكثير من الحزن ولم تعلق فشعرت
بيده على كتفها ووصلها صوته الهادئ " جميعنا لنا أحلام لم
نحققها يا غسق , قد يضننا البعض تخلينا عنهم لكن ذلك لم
يحدث ونتمنى فقط أن يلتمسوا لنا العذر "
أشاحت بوجهها جانبا وهمست بجمود " لا عذر لمن لم يقدم
عذره يا رعد , ثم أنا ما يحزني فراق صغيري الذي لم
أراه بعد وليس لسبب آخر "
كره فتحه لذاك الموضوع من أساسه وقلبه لمزاجها الذي تحاول
تعديله من أجلهم متسلحة بتلك القوة التي استغربها الجميع حولها
وقال محاولا تغيير ذاك الجو المشحون " إن كانت فتاة أنا
من أسميها "
رفعت نظرها له وقالت تجبر نفسها على الابتسام وإن من أجله
" ونعرف اسم المجهولة التي تحدث الشمس عنها كل يوم ؟ "
ضحك من فوره فلم يتوقع أن تقول ذلك وقال ما أن أنهى ضحكه
" لن ترضي باسمها أبدا يا غسق ووالدي أول من سيضربني
على رأسي لأني فكرت فقط في نطقه "
قالت تبحث في عينيه " ما قصتك يا رعد ؟ لما أشعر أن حلمك
ذاك صعب المنال وأنت الآن ابن الرئيس المؤقت للبلاد "
نظر حيث الأفق البعيد وهمس بحزن " اتركي ما في القلب في
القلب يا غسق فليس كل ما يتمناه المرء يدركه وإن كان
الرئيس نفسه "
*
*
" أريد ابنتي "
لم تكن تلك المرة الأولى التي تقول فيها تلك الجملة لكنها في
كل مرة ترى ملامح وجهه وكأنها أول مرة تقولها له , صرخ
بعنف " وما تريديه بابنتك ؟ لا نفع من ورائها ولا بعد أن
انقشع ابن شاهين من الوجود فما نصنع بها ؟ "
قالت بضيق " ابنتي وأريدها لا أريد أرضا ولا منزلا
بل ابنتي "
تأفف وقال من بين أسنانه " وما الذي رقق قلبك عليها
الآن ها ؟ لم تذكريها من قبل "
قالت تكابد حسرتها " كانت لحظة تهور وكنت أضن أني أحتاج
زوجا فقط وأنها ستكون عائقا لسعادتي لكني أخطأت "
أمسك وسطه بيديه وقال بحدة " وقولي أنك ضننت أنك ستنجبين
أبناء أصحاء معي وتكونين عائلة وتنسيها وحين لم يحدث ذلك
وظهر أن هذا الزوج عقيم تذكرتها , لما تلفقين الحقائق ؟ "
قالت باعتراض " لا تتهمني بأفكارك وما يقول عقلك أنت
ابنتي أريدها وإن كان لي عشرة أبناء غيرها "
تحرك من هناك قائلا بغضب " إن تركوها لك أحضريها يا أم
ابنتك وتذكري فقط أني لست مسؤلا عنها ولا بقرش "
وضرب باب الغرفة خلفه بقوة أرجفتها فتحركت أيضا متمتمة
" اصنع ما شئت فلن أرتاح حتى ترجع لي زيزفون من جديد "
* * * * * حــــاضر يتحدث * * * * *
ملأ صوته الجهوري الواثق الحازم بنبرته المبحوحة التي
زادته قوة أرجاء تلك الغرفة خارجا من ذاك الجهاز
( شعب بلادي العظيم ... مطر شاهين ليس المجد ليس المستقبل بل
أنتم ... أنتم اليوم وأنتم الغد , وقفتكم معا تبنيه حجرا حجرا وتشتتكم
يدمره , تركت فيكم رجالا كانوا سبب ما وصلنا له اليوم , تركت مطر
شاهين في قلب وعقل كل واحد منهم , لا تجعلوا منا سخرية للعالم من
جديد , مدو أيديكم وتعاونوا فالحرية أثمن شيء في الوجود , والعيش
بكرامة كنز لم تجربوه لفعلتم كل شيء من أجله , لن تحكم هذه البلاد
الحالك ولا الهازان ولا حتى صنوان بل سيحكمها الجميع يدا واحدة
وعين شراع صنوان ترعاكم لأنها عين والد لكل واحد منكم لن يحب
أبنائه أكثر من كل فرد في البلاد , كونوا يدا واحدة ليس من أجل مطر
بل من أجل البلاد فهي الآن تحتاج منك للكثير لتسير خطواتها الأولى
للأمام , لن نسمح لأحد بتدمير حلمنا ونحن ندنو من تحقيقه فالأرض
أرضنا والحلم حلمنا والمستقبل لنا ومن أجلنا فلا تجعلوه دماءا ودمار
أكثر مما كان , لا تخذلوني فيكم وأنهوا ما بدأه مطر شاهين ولا
تسألوا أين يكون لأنه بينكم معكم وفي كل مكان طالما تسلحتم
بمبادئه وسرتم على ما خطط لكم .... )
رفع نظره بصاحب اليد التي ضغطت الزر وأوقفت ذاك الصوت و
من لم ينتبه لدخوله واقترابه , جلس أمامه وقال " ألن تكتفي من
سماع هذا الخطاب ؟ أجزم أنك بت تحفظه "
نظر لآلة التسجيل بشرود وقال " أريد أن أفهم ما الذي قاله
جعل فورة الناس تلك تخمد ؟ ما السحر الذي يلقيه ذاك
الرجل على قلوب الناس وعقولها "
ابتسم الجالس أمامه وقال " الثقة يا رماح إنها ثقتهم القوية به , ذاك
الشعور الذي غرسه فيهم على مدى أعوام جعلهم يفعلون ما يقول
وأعينهم مغمضة , لن ينساه أحد ولن تتوقف الناس عن ذكره
والتساؤل عن سبب تركه لكل شيء واختفائه لأنه عرف
كيف يدخل قلوبهم ويستوطن فيها "
همس رعد بشرود " غريب حقا ذاك الرجل وغريب ما
يفكر فيه ويقرره "
*
*
رفع حقيبة الطفل الجاهزة بعدما ألقى نظرة على النائمة فيها بسلام
ونظر خلفه نظرة تمنى أن لا تكون أخيرة وجملة واحدة مرت أمامه
وقتها قالها له شاهر كنعان نفسه ذاك اليوم في لندن (( لو كان الأمر
بيدي ما تركت ابني ولا زوجتي , أحيانا تضطرك الحياة لأمور
تكرهها وتتمنى ألف مرة أن مت قبلها , أتمنى أن لا تجرب ذلك
يا مطر شاهين لكني أتمنى أن تفهم معنى ذاك الشعور لتعذرني
فلا أحد يتخلى عن شيء يسري كالدماء في عروقه إلا وهو
مكره وقد كره حتى نفسه ولن يجد حلا غيره مهما حاول ))
ابتسم بمرارة وأدار ظهره لكل شيء تركه ورائه وتحرك بخطوات
سريعة ثابتة ورفع معصمه ينظر للساعة فيه ووقف حيث وصل
والتفت حوله حتى ظهر له الاثنان الواقفان هناك وما أن رأياه
حتى توجها نحوه ووقفا عنده وقال أحدهما مبتسما ويده على
رأس الواقف بجانبه " وصلتك الأمانة ؟ "
نظر للأسفل حيث الذي يرفع رأسه ونظره به وقال
" نعم وصلت شكرا لك يا عمير "
ضرب له ذاك التحية وقال متراجعا للوراء " أراك قريبا
يا زعيم ولن أقول وداعا أخير "
ابتسم له بحزن وهو يبتعد حتى توارى خلف تلك الأعمدة ثم
نظر للواقف أمامه وقال " جاهز للرحيل يا تيم ؟ "
هز ذاك رأسه بنعم فوضع يده على رأسه ماسحا بها على
شعره وتحرك دافعا له معه وقال " البلاد تحتاجنا يا تيم
ولن نخذلها أليس كذلك ؟ "
نظر له فوقه سائرا بجانبه وقال " أجل لن نخذلها لكن ما
الذي سأفعله أنا لأجلها ؟ "
نظر له مبتسما ثم عاد بنظره لطريقهما وهمس" ستخدمها يا تيم بل
وكثيرا فحربنا بدأت الآن الحرب الحقيقية التي لا تحتاج لسلاح"
قال من فوره ونظره لازال معلقا به " سنسافر لكنك لن تأخذني
لأحد أقاربي أليس كذلك ؟ "
نظر له وهز رأسه بلا فابتسم ذاك برضا ونظر للذي يحمله
السائر بجانبه في يده الأخرى وقال " من يكون ذاك الطفل ؟ "
نقل نظره لها بدوره وهمس " ابنتي ... هذه ابنتي تيما "
* * * * * * * * * * * * * *
لن نقول عند هنا انتهت قصتنا ولن نقول أنها نهاية تعيسة
ولن نقف في صف أحدهم ضد الآخر فللحكاية فصول أخرى
وحقائق أخرى مخفية وسنعلم إن كانت هزيمة تلك لمطر
شاهين أم نصرا وإن انتهى دوره أم لم يغب عنهم يوما
( مطر شاهين ) شخصية بنيتها وجسدت فيها أحلامي أحلامكم
وحلم كل شخص شعر يوما بتشتت وطنه وضياعه , حلم كل
عربي عانى الظلم في بلاده , حلم كل من هاجر وخرج منها
مكرها , وحلم كل من رأى وطنه يتشتت ويقسم والوحوش
البشرية تنهشه كالفريسة
( مطر شاهين ) ليس مجرد شخصية في رواية ولم يكن شخصية
فيها أكثر من كونه تجسيد لذاك الحلم الذي نغمض أعيننا كل
ليلة نتمناه ونحلم به قبل أن ننام فهل ينتهي الحلم هنا ؟
هل سيتحقق الحلم بعده أم هل سيرجع يوما لتحقيقه , من
خسر في كل هذا ومن الكاسب ومن الذي كان جلادا للآخر
حقائق سيكشفها الجزء الثاني من روايتنا
* * * * * * * * * * * * *
مقتطفات من الجزء الثاني من ( جنون المطر) )
* * * * * * * * * *
تيم & ماريه
ثبت السماعة في أذنه بأطراف أصبعيه يستمع لمن في الطرف
الآخر ونظره على كل ما يتحرك حوله , أدخل يده الأخرى تحت
سترته يضغط بأصابعها على الجرح النازف الذي بدأ ألمه يفتك
به , لن يتركه يضعفه ويتوانى في تنفيذ المهمة عليه أن يخرج
من هنا بوعيه بعدما ينفذ ما طلب منه ثم يتفرغ لتلك الرصاصة
التي اخترقت كتفه , همس من بين أسنانه يحدّث من يسمعه
على بعد أميال بواسطة تلك السماعات " كل شيء يسير
على ما يرام سأتحرك الآن فالوضع مطمئن وهي
فرصتي الوحيدة "
* * * *
أبعدت نظرها عن عينيها فهي تكره حديثها عن ذاك الأمر وفي
كل مرة تعيد على مسمعها ذات العبارة " حتى متى يا ماريه ؟
إنها أربعة عشرة عاما منذ توحدت البلاد وغادر "
تنهدت بعجز وأبعدت خصلة شعرها البني عن وجهها خلف أذنها
وقالت " أخبريني يا زهور من الذي يوثق عقد زواجنا كل أربعة
أعوام كي لا يلغى حسب قوانين البلاد الوضعية ؟ من الذي من
مصلحته أن أبقى زوجته بل ومن غيره يستطيع فعلها وإن
لم يظهر ولم يأتي ؟ تيم وعدني يوما وسيفي بوعود ذاك
أنا أكيدة "
* * * *
قال بريبة " متأكد أنت من ذلك ؟ "
نقل نظره للواقف بعيدا متكئا بمرفقيه على سياج الجسر يتلاعب
الهواء بشعره الأسود الكثيف ونظره شارد للأفق وقال بثقة " لا
تقلق سنوكل المهمة للرجل المناسب ولا تنسى أنه أفضل فرد
في مجموعة العمليات بأكملها , إن صوب سلاحه جهة
ذبابة تطير أصابها مباشرة , ولا يهاب ولا الموت "
* * * *
نظرت غير مصدقة للواقف هناك من كان الزمن كفيلا بتغييره
وصنع منه رجلا لم تتصوره أبدا , لم تتخيل أن ذاك الفتى يتحول
للشاب الواقف عند الباب ينظر لعمها ولم تتحرك عيناه لتنظر لغيره
ولا لها هي الواقفة بعيدا , كل شيء فيه تضاعف كحجمه وبنيته
وملامحه فحتى نظرة عينيه التي يرمق بها الواقف أمامه ازدادت
أضعافا في حدتها وقوتها وصوته ازداد برودا يوازي جهورية
وخشونة نبرته حينما سأله عمها " ما الذي جئت تريده ؟ "
وأجاب بكل ثقة " زوجتي "
* * * *
رمى يده بعيدا وأمسك بياقته وشده منها قائلا من بين أسنانه " قد
أسامحك على كل ما فعلته لي ولوالدتي وليس من أجلك بل من
أجلها لأنها طلبت مني ذلك قبل موتها بساعات أما ما حدث لماريه
لن أسامحك عليه أبدا ومالها سآخذه منك وتنتهي للشارع وقل تيم
كنعان قالها "
* * * *
رمت ما كان على تلك الطاولة صارخة " من قال أني أريد
أن يخرجني من البلاد ويأتي بي هنا ويتركني , إن كان
الخيار لي كما يقول فلما لم يسألني لأختار "
* * * *
شدها من يدها ناحيته ونظر لحدقتيها العسلية الواسعة وهمس
" ماريه ستبقي معي هنا لا خيار لك في هذا وتنسي العبارة
تلك فهي لا تعنيني "
* * * *
فغرت فاها مصدومة وهي تنظر للبالون الذي انفجر فوق رأسها
والزينة التي تطايرت منه ونظرت لصرخات من حولها حين
تحولت لفريسة للرقص حسب عادات احتفالهم ذاك وشهقت
بفزع حين شعرت باليد الذي سحبتها بعيدا عن ذاك المكان
قبل أن تتلقفها أيدي أولئك الرجال
* * * *
مرر إصبعه على الكلمات فوق تلك الورقة الصغيرة المفرودة
على فخذها ونظر لعينيها قائلا بابتسامة ساخرة " ما رأيك أن
ألبي لك طلبا مقابل كل ترجمة لكل كلمة كتبتها هنا سابقا "
* * * *
قرب وجهها من وجهه وهمس ببرود " قد أكون كل ما نعتني
به ماريه لكني لن أتركك تبتعدي عني افهمي هذا "
* * * * * * * * * * * *
وقاص & زيزفون
قال بشيء من البرود " تعلم كما يعلم شقيقك ذاك أني لم
أكن راض عن كل ما فعلتموه وما خطط له "
قال الجالس بجانبه مباشرة " لكنك لم تعترض يا وقاص والصمت
يعني الموافقة وأنت أكثر من يعلم ذلك "
علت ملامحه ابتسامة متهكمة ساخرة وقال " لو كنت تحدثت لضن
شقيقك الأحمق ذاك أني أفعلها عمدا لأخسره جولة قد ترفع مكانته
كما يتخيل , منذ البداية أخبرتكم أن تنسوا أمر تلك الفتاة وتتركوها
في غرفتها وعالمها المجهول لكن نجيب كعادته دائما لا يرتاح
ما لم يعكر مزاج جميع سكان المنزل "
* * * *
مرر ذراعيه حول خصرها في حركة جعلت جسدها تيبس مكانه
بين تلك الذراعين القوية التي شدتها لذاك الجسد الصلب ومال
برأسه داسا وجهه في عطر وشاحها القوي الغريب عنه كعادتها
تعشق تغيير كل شيء ويراه هذه المرة أروع من كل سابقاتها
برائحة الزهور وليس عطرا فاخرا كعادتها , همس ولازال تحت
وقع خدره باستنشاق عطرها وتحسس جسدها الطري " جيد
فعلتها في غيابي وكنتِ عاقلة , أرأيتِ أن الأمر لا يحتاج
لتلك العملية لتنحفي هكذا "
تجمدت بعدها أطرافه وأنفاسه حين لم يرى منها أي استجابة ولم
يسمع صوتها ولا شيء سوى أنفاسها المتلاحقة التي تحولت لأنين
خافت يشبه البكاء أو هو بكاء مكتوم بالفعل فأرخى ذراعيه وفكرة
واحدة تعصف بعقله وكادت تدمره ( من تكون هذه إن لم
تكن زوجته تلك ؟؟ )
* * * *
رمته بسخرية لاذعة " لا تنسى أنك متزوج يا وقاص
وأنها زوجة شقيقك "
* * * *
رفعت ذقنها وواجهته قائلة بثبات " مرحا يا رجل القانون تدافع
عن قاتلة ستقدم للعدالة ! لا تنسى ما درست وتفوقت فيه "
وجه لها ضربة أقسى من ضربتها ومباشرة " ولا تنسي أنتي
يا زوجة والدي أن القانون لا يقاضي مجنونة خرساء أم
ستنكرون هذا "
* * * *
قفز جالسا من نومه حين رأى اسمها في شاشة هاتفه وأجاب
فورا لترتسم تلك الابتسامة على شفتيه ما أن وصله صوتها
الناعم المنخفض " وقاص أين أنت الآن ؟ "
نظر للأعلى وعض طرف شفته يمسك تلك الابتسامة ثم همس
" لا يا زيزفون ليست صحيحة لا تقوليها هكذا "
أغمض عينيه لبرهة وهو يستمع لأنفاسها وصمتها الذي يقرأه
جيدا ثم قال " زيزفون أين أنتي ؟ "
وصله صوتها الرقيق " ما أقول إذا ؟ "
اتسعت ابتسامته أكثر وهمس مجددا " قولي افتقدتك قولي
أحتاجك لا تقولي أين أنت فهي تقتل المشاعر "
عادت للصمت الذي يقتله في كل مرة فقال " زيزفون قولي
أي شيء "
وصله همسها هذه المرة " أريد أن أراك الآن وقاص "
همس بحماس وهو يرمى الهاتف " yes "
وقفز خارج السرير
* * * * * * * * * * * *
تيما & قاسم
تمسكت بحقيبتها بقوة ولم تستطع إزاحة نظرها عن الواقف هناك
رغم التحرك البطيء للقطار , شعرت بنبضات قلبها تتسارع بجنون
بسبب نظرته الغريبة تلك لها وعيناه لم تنزاح عن عينيها أبدا , لم
يغير مكانه ولا وقفته واتكاءه على العمود خلفه يداه في جيوبه
لم تتوقع أن تقابله مجددا بعد تلك الليلة التي جل ما تتمناه أن
تمحى من ذاكرتها ورؤيته الآن أعادت لها كل تلك الصور
في ذاك الملهى الليلي وإنقاذه لها من ذاك الرجل
انكمشت على نفسها ما أن تحرك القطار مسرعا وهمست تخبئ
وجهها في تلك الحقيبة القماشية " لابد وأنه عرفني وسيستغرب
أني بالحجاب الآن , يا إلهي لما ألتقي به مجددا ؟ "
* * * * * * * * * * * *
مطر & غسق
" لا يمكن يا رجل أنت لم تدخل مملكة الغسق بعد وتراها إنها
أقوى جمعية نسائية في البلاد وفي أجمل مدينة فيها , النساء
داخلها يشعرنك أنك لا شيء "
* * * *
لم تستطع الحراك ولا التنفس وهي ترى الفتاة التي خرجت من
خلفه واقتربت منها مسرعة تهمس بشفاه مبتسمة وعينان
دامعة " أمــــي "
لا تصدق أنها هنا أمامها طفلتها التي لم تراها أبدا ولا بعد ولادتها
ورفضت أن تتعلق بها وهي لن تكون لها , رفضت رؤيتها وقلبها
يتمزق عليها أشلاء وتمنت مع مرور الأيام لو فقط خزنت لها
صورة في ذاكرتها لأنها كانت تتعذب في الحالتين , وصلت عندها
وحضنتها بقوة وهي لازالت جامدة مكانها يداها مرميتان جانبها
وما أن سمعت همسها الباكي " أمي كم اشتقت لأن أراك "
سالت تلك الدمعة من عينيها المغمضتان بقوة , لا تصدق هذا
أيعقل أنها ابنتها فلذة كبدها ! لا لم تتخيلها هكذا امرأة ناضجة
وكأنها ابنة العشرين عاما وليست في بداية الخامسة عشرة
* * * *
صرخت بغضب " لا لن أسمح بذلك أبدا لن يزوج ابنتي
وهي في هذا السن من رجل يكبرها بكثير , أنا والدتها
أيضا ولي رأي في ذلك "
* * * *
نظرت لعينيه بحزن وأشارت على قلبها وقالت بوجع
" انكسر هذا يا كاسر انكسر شيء هنا يصعب تجبيره
مهما طالت السنين بني "
* * * *
قال مبتسما " إن رأيتها رأيت أمامك تقف أجمل امرأة لبست
السواد كاملا على وجه الأرض , تخيلت ابنتي في كل الصور
لكني لم أتخيلها هكذا جمعت حسن والدتها وجدتها معا
وكأني لا أرى أمامي امرأة قاربت منتصف الثلاثين
من العمر بل وكأنها شقيقة ابنتها "
* * * *
" أحذرك مطر شاهين فالمرأة التي تركتها هنا من أربعة عشر
عاما ليست من توجد في تلك المملكة البيضاء الآن , إنها
أقوى وأصلب من مملكتها تلك بكثير "
* * * *
" أنت لم ترجع من أجلي أنت عدت لأن الوطن يحتاجك
يا مطر مثلما غادرت لأنك لم تعد تحتاجه "
* * * *
قالت بحزن " غسق عليك أن تنزعي هذا السواد فالحزن لم
يرجع ميتا يوما يا ابنتي "
* * * *
كل ما كانت تحاول تجنبه النظر للجالس عند يمين الطاولة تُرسَل
له جميع أوراق ما يناقشونه وكأن الرأي الأول والأخير له وحده
هي من بنت هذه المملكة ومن جعلتها قوية راسخة ولن ترضى
أن تكون تحت إمرته مهما كلف الأمر , ستلغي كل ما نوقش
في هذا الاجتماع الذي اكتسحه بلا استئذان وتعيد صياغة
القرارات من جديد وليفعل ما يحلو له
* * * *
أمسكت يدها وقالت برجاء " أمي جربي فقط أن تفكري في
الأمر , أنتي لست بحاجة لأحد غيره "
تجاهلتها وقد سحبت يدها وسرعان ما نظرت لها بصدمة
حين قالت ببرود " أريد أشقاء لي لن أعيش وحيدة هكذا "
كادت تصفعها على ما قالت لولا جمدت مكانها من الصوت الذي
جاء من خلفها قائلا " وأنا أيضا فلا أحد غيرك سينجب لي شقيقا "
نظرت خلفها للكاسر الذي يكتف يديه لصدره ثم وقفت وقالت مغادرة
من هناك " كلاكما شقيق الآخر وهذا يكفيكما , إن سمعت حديثا
في الأمر مجددا طردكما كليكما من هنا هل فهمتما "
~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~
وعند هنا كانت آخر أسطر فصول الجزء الأول من روايتنا ( جنون المطر ) رواية لم أتعب في الكتابة كتعبي في كتابتها استنزفت كل مجهود عندي وأرهقتي حد الارهاق لكن كل ذلك كان يتلاشى ما أن أرى أسمائكم وأقرأ تعليقاتكم وحماسكم كنتم نعم الأخوات وكان لي عظيم الشرف بمعرفتكم
. أول وخالص وعظيم شكري لأختي الغالية ( فيتامين سي ) من مهما شكرت وكتبت لن أوفيها حقها إنسانة بصدر رحب وقلب واسع محب تأخذ من نفسها لتعطي غيرها وبلا حدود ، هي شريكتي في هذه الرواية شاركتني كل شيء فيها دعمتني وشجعتني وساعدتني لتكون كما هي الآن أسأل الله أن يجازيها أجرا واحسان .
كما وأشكر الغاليتين ( لامارا وبلومي ) لما قدمتاه للرواية والأخت ( بحر الندى ) على الغلاف الرائع للرواية تستحق لقب ملكة التصميم .
كما وأشكر كل من خطت أنامله كلمة شكر أو تعليق أخوات غاليات كنتم أكبر داعم لسفينتنا للمضي في سيرها لبر الأمان .
لن أطيل الكلام ولن نقول أنه الوداع الأخير فثمة لقاء قريب يجمعنا إن شاء الله وإن لن يكون قريبا جدا لأني أحتاج لفترة راحة واستجماع لأفكاري ولكتابة قدر لا بأس به من فصول الجزء كي لا أكرر خطأ السابق فأتعب وتتعبوا معي.
إن شاء الله على أول فبراير إما أن أنزل أول فصل أو أكتب لكم عن الموعد في قسم المواضيع الجانبية
أعتذر إن قصرت يوما أو أخطأت في حق أحد منكم فأنا في النهاية بشر أخطئ بقدر ما أصيب ولا تتوقعوا من روايتي الكمال لأني لم أصل لذاك المستوى بعد .
اخترت أن يكون الفترة ما بعد اختفاء مطر على هيئة مقتطفات كي لا يطول الشرح والسرد الممل أما الجزء الثاني فسينقلنا للمستقبل فورا لذلك اخترت عرض شخصيات أبطاله كأطفال في هذا الجزء كي لا نرجع للوراء ولكي يجدوا في قلوبكم المكانة التي حضو بها الآن وأتمنى أن يكون جزأها الثاني فاق الأول جمالا وأن تقل فيه الأخطاء السابقة ..... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته