لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-10-16, 03:56 PM   المشاركة رقم: 931
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Apr 2010
العضوية: 160301
المشاركات: 63
الجنس أنثى
معدل التقييم: مانسيتكـ عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 55

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مانسيتكـ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 

" اتركها يا مطر ستهدأ من نفسها وسيخفف عليها كثيرا رؤيتها

له ستستوعب الأمر وصدمتها الآن أكثر فأصعب ما يمر به الإنسان

هو التصديق فابتعد عنها كي لا يكون نهاية كل هذا شجار بينكما

####

فنظرت له عمته للأعلى وقالت " هل ستتركه هنا طويلا ؟ "

####




أصعب ما يمر به الإنسان هو التصديق>> هل التصديق هنا هو رؤية الكاسر؟؟؟

 
 

 

عرض البوم صور مانسيتكـ   رد مع اقتباس
قديم 06-10-16, 06:49 PM   المشاركة رقم: 932
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قاريء مميز


البيانات
التسجيل: Dec 2014
العضوية: 285617
المشاركات: 759
الجنس أنثى
معدل التقييم: مملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1593

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مملكة الغيوم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 

مقتطفات تحمس فيتو الحقينا بالفصل اثابك الله ميشو مخليانا فى حالة استنفار وترقب دائمين

 
 

 

عرض البوم صور مملكة الغيوم   رد مع اقتباس
قديم 06-10-16, 06:55 PM   المشاركة رقم: 933
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قاريء مميز


البيانات
التسجيل: Jul 2009
العضوية: 147465
المشاركات: 585
الجنس أنثى
معدل التقييم: دودي وبس عضو جوهرة التقييمدودي وبس عضو جوهرة التقييمدودي وبس عضو جوهرة التقييمدودي وبس عضو جوهرة التقييمدودي وبس عضو جوهرة التقييمدودي وبس عضو جوهرة التقييمدودي وبس عضو جوهرة التقييمدودي وبس عضو جوهرة التقييمدودي وبس عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1271

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
دودي وبس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيتامين سي مشاهدة المشاركة
  


ياحلوات أنا غلطانه البارت موعده الجمعه

آسفه من كثر الدوشه اللي أنا فيها خبصت
سوري ميشو زين إني أول مره أخبص في الموعد
ولا لما أغلط في صالحكم أقدم ههههههه
والحلوات ساكتات ولا وحده نبهتني وقالت البارت تقدم
ولا بعد كمان ودهن أنزله قبل الليل
عاد هالحين عندكن خيارين ممكن اتمم كلامي وأنزله الليله
لكن الفصل 27 بينزل يوم الجمعه الأسبوع القادم
حتى مانضغط على ميشو ولا تقولن المدة طالت
أو أنزل الفصل بكره بدل الليله
الخيار لكن أشوف رأيكن أنا خارجه هالحين وبعد العشاء
أشوف أيش قررتن أنزله الليله والا بكره لكن يكون في بالكن
الفصل القادم يوم الجمعه الأسبوع القادم
وآسفه مره ثانيه على الخطأ
بعد العشاء أشوف رأي الأغلبيه
سلام






هههههههههههههههه
وانا ع بالي مفاجاه انه تقدم .. يااحلو اغلااطك يافيتو ليتها دايما ههههههه

انا من رايي ينزل الليله قدنا تحمسنا وجالسيين نستنى والمقطتفات لعبت براسنا << فييس يكسر الخاطر


وش فرق اليوم عن بكرا .. فعشان كذا نزليه اليوم وعادي يصير البارت الجاي الجمعه الجايه << يمكن وقتها تغلطيين نفس الغلطة 😂





 
 

 

عرض البوم صور دودي وبس   رد مع اقتباس
قديم 06-10-16, 08:51 PM   المشاركة رقم: 934
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 



جنون المطر ( الجزء الأول)
الفصل السادس والعشرون


المدخل ~

بقلم الغالية : Reeo

من مطر لغسق...

ارفقي بي ياذات الشعر الأسود
يافاتنة دكت الحصن العتيق للأسد
ولا أدري كم سابقى وكم سأصمد
لكني رجل يحب الاستبداد
والفوز بكل حرب أدخلها بالإجتهاد
فانا لكي يا أبنة شراع فكوني على أستعداد
فقد تركتك نصب عيناي وانا صياد
وانتي لي الفريسة وسأضع على يدها الاصفاد...

~~~~~~~~~~

بقلم الغالية : لامارا

من مطر لـ غسق.... والعكس....

روحي تنادي روحك
أناملي تناجي خدك
قلبي يخفق لأجلك

غسق يا ابنة عمي
يا أبدي يا عمري
يا شفائي يا جرحي

هلمي إلي واسقيني
من شفتيك إرويني
في حضنك أدفئيني

مطر يا ابن الحالك
أزلني من بالك
وارحل في حالك

فك قيدي أطلقني
من طلبك اعتقني
من أسرك حررني

غسق أنا وأنتِ اثنان
ستُحكى قصتنا عبر الأزمان
بين قوم الحالك والصنوان

مطر أنا وأنتَ إثنان
لن نلتقي مهما طال الزمان
فهل يجتمع الماء بالنيران ؟

غسق يا فتاةً عابثة
يا آسرة يا مهلكة
يا حسناءً مُعَذِبة

مطر يا فارساً مغوار
يا بطلاً بالسيف بتار
يا رافع راية الانتصار

غسق

مطر

تعالي

لا

لما ؟؟

أخاف

مني ؟؟

أجل

لما ؟؟

لا أعرف

غسق تعالي

.....

غسق....

إن دنوت منك ماذا ستفعل بي ؟؟

لا شيء

كاذب

هههههه تعالي غسق أنا لن أوذيك ثقي بي

~~~~~~~~

نظرتا له بصدمة تتراجعان للخلف وقد همست تلك للتي خلفها

" ينظر لنا ! لقد فتح عينيه "

كانت مختبئة خلفها ولم يكن يظهر له سوى صاحبة الشعر العسلي

المموج الذي وصل لخاصرتها وذات العينين العسلية التي تلمع كالذهب

بفستانها الطويل عارية الذراعين والكتفين بيضاء البشرة , لا يعلم أين

هو الآن وما جلبه هنا فآخر ما يذكره أن سيارة جنود طاردته لمسافة

طويلة قبل أن تصيبه تلك الرصاصة التي لم يعرف أين كانت من انتشار

الألم في كامل جسده وهو يقاومه محاولا التحكم في سرعته وثبات قيادته

حتى فقد وعيه لكن أين ومتى هذا مالا يعلمه ولا يذكره ! حاول النهوض

مستندا بمرفقه لتخرج صرخته المتألمة ما أن رفع جسده ووضع ثقله

عليه فقفزت تلك جهته مسرعة وأمسكت ذراعها برفق وقالت تعيده

مكانه " صدرك مصاب وجسدك به أكثر من كسر لا تتحرك يا هذا "

دفعها بيده الأخرى وقد سقط جسده على السرير وقال بألم

" من أنتي وأين أنا ؟ "

كشرت في وجهه وقالت بحنق " لا داعي للشكر على سهري بجانبك

وسقيي لك الماء عشرة مرات في اليوم وعلى تحميمي لك وتغيير

ثيابك يا أخرق , تعلّم كيف تتحدث مع من أنقذوا حياتك "

نظر للسقف يشعر بضباب كثيف يغلف الرؤية أمامه وبصداع قاتل

في رأسه وألم لا يطاق في أكثر من جهة في جسده ليؤكد له ما

سمع منها , أغمض عينيه وهمس بخفوت " أين أنا ؟ "

لم يصله الرد من أي منهما وقد انخرطتا في حديث بلغة لم يفهم منها

شيئا سوى أن إحداهما كانت مستاءة والأخرى توبخها بضيق فلم يزدد

رأسه إلا صداعا من حديثهما الغريب عنه ومن التفكير في هويتهما

فهو متأكد أنه كان داخل الحالك لم يخرج منها فما جاء بهما هنا ؟

( ليستا عربيتان ... ليستا عربيتان ) هذا ما كرره عقله مرارا

حتى فتح عينيه مجددا ناظرا للسقف وهمس بصدمة

" تنانيتان !! "

صرخت به الواقفة هناك وشقيقتها تسحبها معها وهي ترفض

الخروج " أجل تنانيتان ألا نعجبك ؟ أم علينا أن نكون

عربا لتتقبلنا "

أغمض عينيه مجددا وقد تغلب عليه إعياء جسده ولم يسمع سوى

خطواتهما قبل أن يغيب عن عالمهم مجددا فلم يتخيل أن يكون

وصل للحدود الغربية للحالك


*

*


كانت تعلم أمرا واحدا وهي تنزل تلك العتبات ببطء وهو أن فاجعة

ما في انتظارها وعمته من اختار أن تكون معها لكن ما لم تفهمه

من يكون هذا الذي في الأسفل ! كانت تنزل ببطء مستندة بسياج

السلالم وما أن وصلت منتصفه ونظرت للجالسين في الأسفل حتى

تيبست قدماها وتسمرت نظراتها على صاحب السترة الرمادية

والقميص الأبيض , ذو الشعر الأسود والعيان التي فاقته سوادا

فعلى تنفسها وهبط بسرعة كبيرة ونظرها ارتكز على ما يحمل

في ذراعيه المرتاحتان في حجره , تركز نظرها على تلك اليد

الصغيرة جدا التي كانت تخرج من ذاك الشيء الأبيض الملفوف

بعناية , كان شال قطني وكانت اليد لطفل لمولود صغير ومن

يحمله كان نائما معها البارحة !!

رفعت نظرها لعينيه المحدقة بها في صمت ثم حولته بسرعة لعمته

التي كانت تجلس قريبا منه ونظرها عليها أيضا فعادت ونظرت لذاك

المخلوق الغريب مجددا , لن تتهور وتفكر وتتصرف بجنون كالسابق

لن تعاود ذات الخطأ في قصة الطفلة من خماصة ووالدتها , ثم هو من

طلب نزولها أي أن تراه علنا , نزلت باقي العتبات ونظرها لازال على

ما يحمل في ذراعيه حتى وصلت عنده فوقف حينها عيناه على نظراتها

التي لم تفارق ذاك الشال السميك وتلك اليد الصغيرة التي تتحرك أصابعها

بعشوائية خارجة منه , نظرت لوجه ذاك المولود الذي لازال يحمل آثار

الولادة في انتفاخ عينيه ولون شفتيه الجافة قليلا وكاد تنفسها يقف حين

نظرت لوجهه بشكل عام ولملامحه , ملأت الدموع عينيها قبل أن

ترفعهما بالذي لازال ينظر لها بهدوء وقد قال وتلك الدمعة تسللت

لرموشها " والدته توفيت فجر اليوم , كان الحادث قويا وأثر عليها

سلبا , فعل الأطباء ما في وسعهم ولم تعش أكثر من هاذين

الأسبوعين بعد أن ولدته "

مدت يديها وخطفته من يديه بسرعة ودسته في حضنها وانطلق

بكائها وعبراتها فأبعد شعرها بأصابعه قائلا بضيق " غسق لو

كنت أعلم أن هذا ما سيحدث ما جلبته لك "

ابتعدت ولازال وجهها مدفون في وجهه تبكي بحرقة وركضت به

جهة السلالم وصعدت , كان سيتحرك خلفها لولا أوقفه صوت عمته

قائلة " اتركها يا مطر ستهدأ من نفسها وسيخفف عليها كثيرا رؤيتها

له ستستوعب الأمر وصدمتها الآن أكثر فأصعب ما يمر به الإنسان

هو التصديق فابتعد عنها كي لا يكون نهاية كل هذا شجار بينكما "

جلس منصاعا لرأيها وطلبها رغم أنه لم يكن مقتنعا فمن يعلم ما حالها

الآن وما قد تفعل بنفسها أو بالطفل دون قصد منها , كانت تلك الأفكار

تنهش دماغه ولم يرحمه منها سوى من كانت تفهم ما يدور في داخله

ونظره لازال معلقا بأعلى السلالم وقالت للواقفة بعيدا " حبيبة

اصعدي لها وكوني قربها ولا تحادثيها بشيء فقط كوني معها "

نظرت تلك من فورها للجالس بجانب عمته وكأنها تخشى أن يكون

رأيه مغايرا وهي تعلم جيدا كرهه لدخولهن هناك فأومأ لها برأسه

موافقا دون أن تنتبه الجالسة بجواره فصعدت من فورها ووقف هو

فنظرت له عمته للأعلى وقالت " هل ستتركه هنا طويلا ؟ "

هز رأسه بلا وقال مغادرا " سأسلمه لجده أنتي تعلمي قوانين

القبائل وأعرافها في الأنساب "

وغادر من عندها خارجا من باب المنزل حيث وجد عمه ينتظره

قرب السيارة التي طلب من العمال تجهيزها له وكان مكتفا يديه

لصدره متكئ على بابها بظهره وقال ما أن اقترب منه

" ألن تغير رأيك ؟ "

هز رأسه بلا دون أن يعلق وفتح باب صندوق السيارة الأمامي

فقال ذاك بضيق " مطر يكفي أنها لم تحضر عزائه ارحمها

قليلا لن يأكلها أحد هناك إن زارتهم ليوم أو يومين "

انشغل بالكشف عن زيت السيارة متجاهلا الرد عليه فقال بذات

الضيق " ليست حجة أن يخبروها بأصلها وعائلتها بلغهم يحرصوا

على ذلك ولن يحدث شيء وأعتقد أنك لا تخشى الحالك وما سيقول

الناس وهي تدخل صنوان ومنزل والدها الذي يعتقد الجميع

أنها ابنته "

رفع رأسه وأغلق باب صندوق السيارة بقوة وقال ببرود " قررت

وانتهى عمي دخولها صنوان ليس في صالحها ففكر في

مصلحتها كما تفكر في مشاعرها "

ابتعد ذاك عن السيارة قائلا بسخرية " أقنع نفسك بهذا لكن

أنا لا "

نظر له نظرة يفهمها ذاك جيدا فتجاهلها وقال مبتعدا " سأقولها

وافعل ما شئت , أنت تخشى إن دخلت لا تخرج لك ولن

تستطيع إخراجها حينها ولا بالقوة "

وابتعد وكلماته تلحقه حتى احتفى فضرب الباب الذي كان قد فتحه

الآن وعاد جهة المنزل متمتما " قال ادخلها صنوان قال ! ما

صدقت أن خرجت منهم لأعيدها لهم "

دخل المنزل وصعد السلالم فورا وصل الغرفة وما أن دخل حتى

وقفت التي كانت تجلس معها على طرف السرير وخرجت من فورها

وبقي هو مكانه يراقب التي لازالت تمسك ذاك الرضيع تتحسس يده

الصغيرة وتقبلها ودموعها تتقاطر من رموشها على ثيابه ثم ضمته

لحضنها بقوة وقد أخفى شعرها وجهها ما أن مالت برأسها عليه ولم

يعد يخرج منها سوى صوت بكائها , اقترب منها وجلس وبجوارها

ومسح على شعرها رافعا له عن وجهها وقال " يكفي يا غسق لقد

أبكيتي الطفل لا تجعلني أندم على جلبه لك "

رفعت رأسها ترفع غرتها عن وجهها بأصابعها ونظرها على الطفل

الذي بدأ بالبكاء بصوت منخفض كعمر أيامه التي بالكاد بلغ فيها نصف

شهر , ضمته لصدرها بحنان تحاول إسكاته حتى هدأ ثم اتكأت برأسها

على كتف الجالس ملاصقا لها وقد طوقها بذراعه وقبل رأسها وهمس

" جهزي نفسك لنأخذه معنا , الرحلة ستأخذ وقتا وعلينا المغادرة الآن "

ابتعدت عنه ورفعت وجهها له وقالت باستغراب " نذهب به أين ؟ "

قال ماسحا بظهار أصابعه الدموع عن خديها " نأخذه لجده ألم

تطلبي رؤيته ؟ "

علت الصدمة ملامحها وقالت بعبرة " أرى والدي ! "


قبل جبينها ونظر لعينيها وقال " إن توقفت عن البكاء حالا ستريه

وستأخذين حفيده له بنفسك فاستعدي بسرعة , كل ما يحتاجه الطفل

وضعه العمال في السيارة سنرجع اليوم فلا تأخذي معك شيئا سوى

معطف فالجو يبرد ليلا حد التجمد في بعض المناطق وغطي

الصغير جيدا "


*

*


" هيه تيم هل تسمع ما أقول لك ؟ "

رمش بعينيه قليلا في وجهه ثم قال بضيق " لقد أفزعتني

ألا ترى أني شردت قليلا "

اتكئ ذاك بمرفقه على كتفه وقال مبتسما بمكر " وفي من تفكر

وتتركني أبلبل كالببغاء ؟ هذه أول مرة لا تكون فيها منتبها لي "

سحب كتفه ليبتعد عنه وقال ببرود " لا علاقة لك بما كنت أفكر "

ضحك ضحكة عالية ينظر له بخبث فتجاهله تماما كعادته , لا ينكر أنه

شرد بتفكيره وأن أمرا يشغل باله لكن ليس كما يتخيل ذاك , فرغم صغر

سنه وجهله بأغلب الأمور لكنه ليس من الغباء أن لا يلحظ ما يحدث

حوله ولا يفهمه ولا يعلم عنه والعديد من الأسئلة لم يجد لها إجابات حتى

الآن , لماذا يصر ابن عم والدته أن يبقيه عندهم وأن لا يدخل ورثه تحت

وصاية ابن شاهين ؟ ويتردد على شيخ القبيلة دائما كي لا يبلغ عن حالته

ويقنعه بأنه هكذا سيكون بوضع أفضل خاصة مع حالته ووضعه كفرد

ليس من الحالك ! لماذا كان يرفضه سابقا ووالدته معه رغم أن حصتها

كانت أكثر من حصته الآن ؟ هو لا يفهم شيئا ولن يسأل طبعا لأنه

لا يزال مستهجنا في محيطه ذاك أجمعه , أخرجه من أفكاره

صوت عمير قائلا بهدوء " لما لا تفتح قلبك لي يا تيم ؟

يمكنني مساعدتك في أي شيء تحتاجه "

نظر له بصمت لوقت ثم قال " حقا تساعدني إن احتجتك ؟ "

هز ذاك رأسه بنعم ونظرته كلها إصرار وتأكيد على كلامه فقال تيم

بريبة " حتى إن طلبت منك أخذي من هنا ولا يكون مصيري

قبائل الهازان "

نظر له باستغراب لبرهة ثم قال " أفعلها دون تردد فقط أخبرني

ما حدث معك ولما تريد ذلك ؟ "


أنزل نظره وشرد في الأرض يفكر في وصية والدته وفي إصرارها

على أن لا يترك ماريه وحدها وأن لا يتركها لظلمهم وقد أوصته وأمنته

عليها فإن غادر الآن لن يستطيع أخذها معه ولن يستطيع تركها ولا يعلم

ما قد يفعلوه بها فقط ليأخذوا المال الكثير الذي تركه لها والديها , هزة

خفيفة لكتفه انتشلته من أفكاره مجددا وقد قال الجالس بجواره بجدية

" أخبرني ما هي مشكلتك يا تيم ؟ أنت محاط بعين ترعاك يمكنها

ردع أي شر أو سوء عنك ومعاقبة الفاعل فأخبرني ما بك "

نظر له باستغراب وقال " عين من هذه التي ترعاني وستحميني ؟ "

هز ذاك رأسه قائلا " اتركنا من هذا وأخبرني الآن عن أي مشكلة

تواجهك وستفهم كل شيء لاحقا فما ستحكيه لي سيشكل فرقا كبيرا

يا تيم وأنا أنتظر دائما أن تخرج من صمتك المميت ذاك

حتى يئست منك "

هرب بنظره منه للبعيد , لا يمكنه قول شيء لا يمكنه تركها ولا أن

يتسبب في أي ضرر لها يعلم أنهما لن يتوانيا عن إلحاقه بها إن

حدث شيء لا يعجبهما , عاد بنظره له وقال " لا شيء أنا كنت

أسأل فقط من أجل المستقبل "

هز ذاك رأسه بحسنا وقال " وأنا جاهز متى ما أردت قول أي شيء

وتأكد أنه ثمة من سيساعدك ولن يخشى أحدا "

وتابع متجاهلا نظرات التساؤل في عيني الجالس بقربه " هيا

حاول أن تعيد تركيبه مجددا لآخر مرة اليوم "

أمسكه منه قائلا بضيق " معقد جدا لقد يئست منه "

ضحك ذاك وقال " ألم أقل أنك لست طبيعيا اليوم فحتى اليأس والملل

لم يكونا من صفاتك , هيا فأمامنا واحد آخر وسننتقل بعدها لأجهزة

التصنت الصغيرة وتلك ستأخذ وقتا طويلا جدا معنا "


*

*

كان الصمت يغلف رحلتهما وهذا ما توقعه منها من رحلتهما السابقة

ولم ينتظر خلافه , كان يعلم أن تلك الرحلة طويلة ومتعبة لها وللصغير

وحتى له هو لكن لا خيار آخر أمامه فتلك المنطقة الوحيدة الفارغة

تماماالتي تربطهم بصنوان فلا يريد شوشرة وأقاويل حول ذاك اللقاء

ولا يريد أن تضرها الألسن تحديدا خاصة وأن عمته أخبرته أن بعض

النسوة زاروا منزلهم لتعزيتها في شقيقها , خطف نظره لها ثم عاد به

للطريق وهي على حالتها تلك عيناها لم تفارق الصغير الذي لم تبعده

لحظة عن حجرها ولا نظرها ولم تشبع من النظر له ومن ملامسة

وجهه وشعره بسبابتها طوال الوقت وتمسح عينيها كلما غلبتها

دموعها , تمنت أن تركوه لها تمنت أن ربته بنفسها قطعة من شقيقها

الذي فقدته للأبد لكن ذلك كان مستحيلا آخر من ضمن أحلامها التي

باتت تراها أصعب من المستحيل ذاته , عودتها لعائلتها .. توقف

الحروب والدماء في بلادها معرفتها لنسبها ووالدها وإرجاع الزمن
للوراء , جميعها أمور تعلم أنها سواء لا يمكن أن تتحقق مثل أن

الجالس بجوارها الآن خلف مقود سيارته لن يكون لها للأبد , وإن

تركته الحروب لن يتركه قدرهما المتضارب مهما كان واقعهما الآن

مختلفا , لا تنكر أنها صدمت برجل لم تتوقعه ولم تعرفه ومهما كان

غير موجود ويقدم كل شيء على عائلته وعليها لكنه ما أن تكون بقربه

لا يبخسها من حقها شيئا

لا كزوجة ولا كأنثى لكنها تدرك أنهما من عالمين مختلفين أن ثمة

أمور قد تزعزع استقرارهما للأبد وكم باتت تشعر بدنوها وتخشاه

وهي متأكدة من أنه كاسمه تماما إن أعطى أعطى بعنف وإن أخذ أخذ

بعنف وأيضا إن غضب ثار بعنف لذلك هو إن عشق يعشق بعنف وهذا

ما لا تعتقد أنها ستحصل عليه منه يوما وهو من ذكر لها ذلك بوضوح

وبأنه لا يفكر ولا يريد شيئا سوى توحيد بلاده أي أن باقي الأمور هو

على استعداد للتنازل عنها من أجل تحقيق ذلك ومهما كانت وتكون .

رفعت نظرها ولأول مرة ونظرت له .. لجانب وجهه لشعره الذي تراه

لأول مرة أطول من المعتاد ولم يزده إلا وسامة وهيبة , للحيته التي لم

يهملها يوما ولملامحه التي لا تعرف خلقت له تحديدا أم خلق هو لها

نظر لها وهي في تأملها الهادئ الصامت ذاك لوجهه فرفعت يدها

ولامست بها خده ولحيته وترقرقت الدموع في عينيها وكم تمنت أن

سألته حينها ( لو علمت أنه بموت لوالدي شراع بسببك تموت أنت

بداخلي هل ستهتم ؟ ) لكن كلماتها تلك لم تصله وتعلم أنه لن يفهمها

ويصعب عليها نطقها أمامه كما أوصتها عمته سابقا , رفع يده

من يد السرعة وأمسك يدها وقبلها وقال وقد عاد بنظره للطريق

" هل نام أخيرا ؟ "

سحبت يدها من يده ونظرت للنائم في حجرها وقالت وهي تعدل

له الشال الملفوف فيه بعناية " أجل ... يبدوا لي معدته لم تعتد

الحليب وهي سبب بكائه لكل ذاك الوقت , أعتقد أن جميع

المواليد الجدد يشتكون من هذه الحالة "

قال ونظره لازال على الطريق " هي مسألة وقت حتى يتأقلم

مع محيطه الجديد فهو خرج من عالم مختلف تماما "

رفعت نظرها به مجددا وقالت بابتسامة صغيرة كسرت ذاك

الحزن الذي أذبل ملامحها الجميلة " هل قرأت عن هذا أيضا ؟ "

انطلقت ضحكته مالئة صمت تلك السيارة وجوها الكئيب ثم

نظر لها وقال مبتسما " هل تخشي أن أكون أبا فاشلا ؟ "

هربت بنظرها وابتسامتها وحيائها منه تتأمل أناملها التي تلعب

بخيوط ذاك الشال العاجي اللون وهمست تهرب من الحديث

في الأمر الذي لم تتوقع أن يثيره " متى قررت تغيير

تسريحة شعرك ؟ "

خرجت منه ضحكة مكتومة وقال " كم أنتي بارعة في الهرب

حسنا أنا لم أقرر ذلك , هل هو سيء لهذا الحد ؟ "

نقلت نظرها لنافذتها وقالت ببرود " لا قطعا لكن عليك

قصه من جديد ليرجع كما كان "

ابتسم ينظر لوجهها الذي لم يعد يظهر منه إلا القليل ثم عاد بنظره

للطريق وقال " وأنا كنت أنوي فعل ذلك لكني انشغلت عنه فلم

أعتد عليه هكذا , هو فعلا يضايقني فيجب أن يكون مرتبا

طوال الوقت "

كان نظرها لازال جهة نافذتها على الأرض التي تتراكض

بسبب سرعتهم وتمتمت ببرود وصله بوضوح " أعلم أنك

لن تفعلها من أجلي ولأني طلبتها "

نظر لها وقد اتسعت ابتسامته قائلا بنعومة " أكان سيرضيك

أن أقصه بطلب منك وليس برغبة مني ؟ "

نظرت له وقد عضت طرف شفتها متوعدة في حركتها وابتسامتها

من مقصد كلامه بينما ضحك هو وضرب طرف أنفها بإصبعه

فحتى في أوج حزنها لازالت هذه الأمور تخرج منها تلك الفتاة

المدافعة بشراسة , رفعت سبابتها وصوبتها على صدره جهتها

حيث قلبه وقالت متوعدة " أقتلك إن فكرت في اللعب

بأعصابي مجددا "

فضحك بتسلية وتمنى لحظتها لو لم يكن يجلس خلف مقود

السيارة وأن حركتها تعتمد على يديه وتركيزه , ولم يسعفه

الوقت ليعلق على ما قالت بسبب بكاء الصغير الذي ملأ

المكان حولهما فحضنته فورا تحاول إسكاته ثم قالت

" أوقف السيارة مطر يبدوا عليا تغيير حفاظته "



*

*

وقف خلفه وهو ينظر لصور الأشعة المعقدة بين يديه يقلبها ويتمعن

فيها بتركيز حتى قال عكرمة " ما النتيجة أيها الطبيب لا تتعب

أعصابي أكثر "

وضع ذاك الصور وقال ناظرا للذي استدار وعاد للجلوس على الكرسي

أمامه وخلف طاولته " ثمة بقعة ظاهرة بوضوح في الصور المقطعية

وهي كما توقع طبيبها السابق في آخر الجزء الغربي من الدماغ

وحجمها فيما يقارب الثلاثة سنتيمترات وهي سبب حالتها تلك "

قال ذاك بترقب " وما تكون تلك ؟ "

حرك الطبيب كتفيه قائلا " إما كيس مائي أو التهاب في العصب

أو ضمور في المخ أو ورم بأحد نوعيه "

بهتت ملامحه بوضوح وهمس بصعوبة " وأيها أقرب وأيها الأيسر ؟ "

قال من فوره " معلومات تقاريرها السابقة تؤكد أن الحالة ملازمة لها

منذ ولادتها تقريبا لأنه قبل العام لا يمكن ملاحظة الأعراض ولا فكرة

لدينا إن كان حجمها ازداد أم ثابتا والأرجح أنه لم يزداد أو كان ببطء

شديد جدا أي أن الأورام مستبعدة لكان تغير حجمه وأثر على

حواسها خاصة إن كان خبيثا "

همس عكرمة " لكان قتلها من زمن "

هز ذاك رأسه بنعم وقال " الأكياس المائية تفعل ذلك أيضا ومنها

ما يكون خلقيا وهذه حالات قليلة وهو أيسر الاحتمالات "

قال الجالس أمامه " والحل الآن ؟ "

جمع ذاك يديه أمامه وقال " عملية جراحية هي الحل في

مثل هذا الوضع والظروف "

شعر بقلبه انتفض بين أضلعه وهو يتخيل أن تجرى جراحة لدماغ

تلك الصغيرة البريئة الجميلة قد تفقد حياتها فيها , قال بصعوبة

" وما نسبة نجاحها ؟ "

أنزل الطبيب نظرة للدفتر أمامه وقال بعد برهة " هنا خمسون بالمئة

في الخارج ثمانون لتسعين بالمئة وقد لا تحتاج لها أساسا إن

عرفوا ما يكون ذاك الشيء "

قبض على يده بقوة وقال " وإن فشلت الجراحة ؟ "

رفع نظره به وتنهد قائلا " تفقد حواسها أو بعضا منها "

وقف دون شعور منه ما أن سمع ما قال وتخيل أن تعيش لا ترى ولا

تسمع ولا تتكلم ووقتها ما سينقده من ندمه وسيتمنى لو لم يجريها

لها وتركها كما هي , قال الطبيب " اجلس يا رجل نحن

نتحدث فقط والقرار لك "

جلس على مضض وقال " خمسون بالمئة نسبة قليلة لن نغامر

فبقائها هكذا أفضل لها "

هز ذاك رأسه موافقا وقال " إن حالفها الحظ ولم تتطور

حالتها أو تتفاقم "

قال عكرمة بحيرة " هل ستفقد حواسها في الحالتين ؟ "

قال الطبيب من فوره " لا ليس ضروريا وبما أننا استبعدنا الأورام

فهي ابتعدت عن الخطر بنسبة لا بأس بها فهي لا تشتكي من

مشاكل عقلية كما شرحت لي "

هز رأسه بلا وقال " هي فقط تتلقى المعلومات ببطء وصعوبة فحين

تتحدث بسرعة لا تفهمك وإن تأنيت وكررت الجملة تفهما بشكل سليم

جدا لكن بعد وقت وهذا ما لاحظه طبيبها السابق نسبة تعلمها ليست

بطيئة أبدا هي تعرف كل شيء وتفهم كل شيء لكنها تحتاج لوقت

وتركيز مضاعف عن أي طفل في سنها "

قال الطبيب " ولازلتم تداومون على أدويته والطعام الذي

وصفه ؟ "

هز رأسه بنعم وقال " لم نوقفه عنها أبدا "

كتب شيئا في الورقة تحته وقال " ثمة علاج سيفيدها كثيرا إن لم توقفه

ووفرته لها باستمرار سأكتب لك اسمه لن تجده في بلادكم هنا فإن

استطعت توفيره يكون أفضل وستتحسن ولو قليلا وبالتدريج

وستلاحظ ذلك بنفسك "

أخذ منه الورقة وكله إصرار على إحضاره ومهما دفع من مال لأجله

وإن باع قطعتي الأرض التي يملك بل وحتى منزله , غادر من عنده

وقابله صف الأشخاص الجالسين ينتظرون دورهم للدخول ولم يكره

وضعهم وحال بلادهم كما كرهه حينها فما ينقصهم عن غيرهم من

البلدان ليكون الطب لديهم بذاك الحال المزرية , استغفر الله هامسا

وهو يطوي الورقة ويضعها في جيبه وركب سيارته وغادر من هناك


*

*

استغرقت الرحلة منهما سبع ساعات بدلا من الست بسبب توقفهما

لأكثر من مرة لأجل الطفل وحرصها على عدم فتح الباب لمدة

طويلة كي لا تتسلل البرودة للسيارة ويتغير جوها عليه ويمرض

توقفت السيارة في مكان باتت تعرفه جيدا وتذكره من زيارتهما

السابقة له لكن شعورها كان مختلفا حياله هذه المرة فلم تصدق

بعد أن هذه المنطقة الواسعة الرائعة الجمال أصبحت ملكا لها لا

يفصلها عنها سوى أن تتوحد البلاد ذاك الحلم الذي كانت تراه مستحيلا

وباتت تخشى أيضا من تحققه , هذه المدينة أصبحت تحمل معان كثيرة

في قلبها أكثر من روعتها وجمالها فهي حوت ذكريات حميمة عميقة

حفرت في قلبها للأبد وستزداد الآن برؤية والدها الذي رباها وسط

أحضان طبيعتها , فتح بابه ونزل مغلقا له خلفه ثم توجه لبابها فتحه

وقال وهو يأخذ الصغير منها " انزلي هيا فالجو معتدل هنا لم

أتخيل أن يكون أفضل من المناطق الكثيفة السحب الماطرة

التي مررنا بها "

أمسكت بيده التي مدها لها وقفزت ونظرت حولها للصمت التام

وقالت " مطر هل أنت متأكد أنني سأراه وأنه سيأتي ؟ "

ونظرت لعينيه برجاء صامت أن لا يقول أن أمرا ما منعه وأنه لن

يكون هنا بسبب آخر مكالمة تلقاها ولم تفهم منها شيئا لأنه لم يتحدث

مع من كان في الطرف الآخر , قال مبتسما " ارفعي رأسك

للأعلى وأغمضي عينيك واسمعي جيدا "

فعلت ما طلب منها وقلبها سيخرج من مكانه من توترها وعدم

تصديقها وهي تسمع بوضوح هدير السيارة الذي بات يقترب شيئا

فشيئا فأنزلت رأسها وفتحت عينيها تمسحهما بظهر كفها تحجب

دمعتها وهمست بصعوبة " أجل اسمع سيارته "

وتابعت بأسى حزين هامسة ونظرها معلق في البعيد

" كم اشتقت له يا مطر كم اشتقت "

وتوقف قلبها وهي ترى السيارة السوداء المظللة التي تقترب من

هناك وأمسكت بكم سترة الواقف بجانبها بقوة وهي تراها تتوقف

على مبعدة منهما وكله كان حسب أوامره فبما أن شراع لا يمكنه

القيادة لمسافة طويلة حاليا واللقاء سري كان على رماح جلبه وفي

ذات الوقت لا يقترب منها ولا يسلم عليها فكان أحرص لهم ولمن

لا تعلم أنه يعلمه عن نسبها وأصلها أن يكون داخل تلك السيارة

التي لن تعرف أنه فيها رغم أن نظره كان معلقا بها من بعيد فكم

يشتاق لها ويحترم أيضا رأي زوجها وابن عمها فيكفيهم أن سمح

لها برؤية والده , تلك بادرة لم تعرف عنه وهو من يفعل الشيء

إما أن يفعله للجميع أو يمنعه عن الجميع , انفتح باب السيارة ويدها

تقبض على كم قميصه أكثر وهي ترى قدمه التي نزلت للأرض

وحدائه الأسود اللامع والعصا السوداء التي لحقتها قبل أن تنزل قدمه

الأخرى ويخرج من خلف ذاك الباب واقفا على استقامته ينظر لها

بابتسامة ملئها حب وحزن وشوق وفقد ومعان لم يعرفها يوما , ينظر

لوجه صغيرته التي رباها وأحبها أكثر من أبنائه الذين أنجب من

صلبه , لمدللته التي لم يتضايقوا يوما من تدليله لها وتفضيلها عليهم

كانت بعيدة عنه لكن دموعها انعكست في عينيه وحرقت قلبه وهو

من حرص طوال حياته أن لا تنزل على خديها , نسي وجود ذاك

بجانبها وحفيده الذي يمسكه في يديه ولم يعلم عنه إلا اليوم منه

وهو يرى من تقدمت بخطواتها تمسح دموعها التي عبثا كانت

تحاول إيقافها فتحرك نحوها بخطوات بطيئة وركضت هي حينها

له وقفزت لصدره العريض وتعلقت بعنقه وقد طوقها بذراعه الحرة

وبكت بوجع بحرقة بشوق بلهفة تتعلق به بشدة تدفن وجهها بين

ذراعها وعنقه تخرج آهاتها المتوجعة مع بكائها وهي تسمع

همسه الخافت ماسحا على ظهرها " كيف أنتي يا غسق ؟

اشتقت لك بنيتي اشتقت لك كثيرا "

تمسكت به أكثر ودفنت وجهها في عنقه أكثر وهمست بوجع وحرقة

من بين عبراتها المتلاحقة " ليثني مت وما أغضبتك مني يوما

سامحني يا أبي سامحني أرجوك أقسم ما ندمت على

شي كندمي على تهوري ذاك "

قبل كتفها ورفع يده الممسكة لعصاه ومسح بظهر كفها عينيه

والدمعة التي ملأتهما قائلا " قدر الله يا غسق , أنا لم

أغضب منك بنيتي المهم أنك بخير "

ابتعدت عنه قبلت جبينه فكتفه ثم يده فسحبها منها ومسح بها على

طرف وجهها وخدها الذي بللته دموعها فأمسكت يده بين يديها

واتكأت عليها بشفتيها قائلة ببكاء مر " مات الكاسر يا أبي , ليثني

رأيته فقط وطلبت منه أن يسامحني , يا حرقة قلبي عليه التي

لن تخمد أبدا "

مسح بيده الأخرى على شعرها الذي انكشف من حجابها الذي

انزلق عنه وقال بحزن يكتم دموعه " لم يغضب منك لتعتذري

منه يا غسق كان أكثر من جن وغضب لعجزي عن إرجاعك "

اتكأت على كتفه متمسكة بسترته وهو يمسح على شعرها بحنان

وقد رفع نظره بالذي تحرك من هناك ناحيتهما وقال " وكيف

هي أحوالك وزوجك وعائلته ؟ "

مسحت دموعها بكفها قائلة ببحة " بخير المهم أنك بخير

كيف هي عمتي ورماح ورعد وكل العائلة هناك "

قبل رأسها وقال " جميعهم بخير والجميع يسأل عنك "

رفعت وجهها له قائلة " أبي هل أطلب منك طلبا تفعله

من أجلي ؟ "

مسح بأصابعه على وجنتيها وقال " قولي كل ما في نفسك

يا غسق كم ابنة عندي ؟ هي واحدة فقط "

نزلت دموعها من جديد وأمسكت يده وقبلتها واندمجا في حديث

هامس قبل أن يصل الذي ما أن وقف حتى مد له شراع ذراعه

وأمسك بها الصغير الذي وضعه له ممسكا له بعناية محترف

بذراع واحدة اعتاد ذلك وتربى أبنائه الخمسة على يده , ويده

الأخرى لازالت تحتضن النائمة على كتفه متمسكة به بقوة

دفن وجهه فيه يقبله بحنان فابتعدت عنه سامحة له بإمساكه جيدا

تنظر لهما وتمسح دموعها التي لم تتوقف فرفع الواقف بجانبها

حجابها وغطى به شعرها يجمع غرتها المتطايرة تحته فرفع

شراع رأسه ونظر له وقال بعرفان " شكرا لك مطر

شاهين لن أنسى ما فعلت اليوم أبدا "

ابتسامة صغيرة ارتسمت على شفتيه ويده ترتاح على كتف الواقفة

جانبه وقال " المولود يتبع والده وعائلته , تلك هي أعراف الناس

يا شراع , حتى إن عاشت والدته فهو من حقكم فكيف وهي قد

أفضت لبارئها "

ابتسم له شراع وغاب بنظره للتي تعلقت عيناها المحبة به ورغم أنه

متيقن من أن الواقف أمامه لم يعني بكلامه تذكيره بأنهم أخذوا ابنتهم

وهي من حقهم إلا أنه شعر بعظم ذلك وتمنى لو سلمها لهم كما فعل

هو مع حفيده اليوم لكن وصية والدتها هي ما قيده , رفع نظره به

مجددا حين قال " واعتبر بقيتها ردا لمعروفك مع عائلات الهازان التي

دخلت عبركم لأراضينا , أعلم أن الكثيرين في صنوان عارضوا ذلك

ولم يرضخوا إلا لضغطك عليهم "

هز شراع رأسه بتفهم وقال " تلك من أجل أبناء وطني يا مطر ما

كنت أنتظر عليها ردا منك أبدا ولن يشرفني أن أكون زعيمهم

إن طردوا تلك الناس الضعيفة المذعورة عند الحدود "

ثم نقل نظره للواقفة ملاصقة له وقال " كيف ابنتي معك ؟ هي

تحتاج للشدة أحيانا أعترف أني أفرضت في تدليلها "

خرجت تلك من صمتها محتجة بملامح عابسة " أبيييي !!! "

فضحك رغم حزن ملامحه وضمها ذاك لكتفه وقبل رأسها وقال

" لم تقصر في تربيتها يا شراع فلتسامح أنت شدتي عليها أحيانا "

عجزت الكلمات على شفتيه أن تعبر عما يريد قوله حينها فرغم علم

الواقف أمامه أنها ليست ابنته وأن والدها عمه وأنها لا تقرب له ولم

تحل له إلا لأن والدتها تزوجته ولكان عامله كشقيقها الجالس في

السيارة هناك لا يريده أن يرى حتى شعرها الذي انكشف من حجابها

بل وعامله كوالدها فعلا ولا يزال يراه يستحق تلك المكانة , نظر

لعينيه بامتنان بالغ يعلم أنه سيفهمه من دون أن يعبر عنه بالكلمات

وقال " لن أوصيك عليها يا مطر وأعلم أنك سترعاها أكثر مني , ابنتي

ضعيفة جدا إن تعلق الأمر بأهلها والموت والحروب فلا تجعل من ذلك

هلاكا لزواجكما وحياتكما معا "

ثم نقل نظره لها ولعينيها الدامعة المعلقة به وهي تتكئ على ذاك

الكتف العريض وقال " وأنتي يا غسق زوجك هو مستقبلك فلا

تدمري ذاك المستقبل بيديك "

أغلقت فمها بيدها تكتم عبرتها وهزت رأسها بلا هزة خفيفة ودموعها

عادت للجريان على خديها وهي تستوعب معنى ما قال وعادت كلماته

للتسرب لأذنيها وهو يقول " رضا زوجك من رضا ربك عليك يا

غسق والموت لا يمسكه أحد مهما تعددت الأسباب "

وراقبت خطواته وهو يبتعد بعدما ودعها بتلك الكلمات التي كانت

أشد على قلبها من الواقع الذي تحكيه , تودعه دموعها وعبراتها

حتى ركب السيارة واختفى عنها , تقدمت خطوتين وعيناها معلقتان

حيث اختفى تشعر به استل قلبها وحمله معه , التفتت لصاحب

الخطوات التي اقتربت خلفها وارتمت في حضنه تبكي بصمت ، كم

تتمنى لو تحصل عليهما كليهما , لو يجتمعا في عالمها معا لكنها تعلم

أن ذلك ما لن يحدث أبدا فبوجود أحدهما سيختفي الآخر وحين تكون

مع واحد منهما ستكون خسرت الآخر تماما ولن تراه ، ابتعدت عنه

تمسح دموعها بطرف كم كنزتها الصوفية الخفيفة فقال ممررا

إبهامه على خدها " نغادر أم تودين البقاء أكثر ؟ "

نظرت لعينيه لبرهة قبل أن تبعد نظرها عنهما وهمست " قد

تكون متعبا من القيادة وتود أن ترتاح قليلا قبل أن نغادر "

رفع نظره للشمس وهي تدنوا من جهة الغرب وقال " أنا معتاد

على القيادة لساعات أطول من هذه فالخيار لك وليس لي "

ثم عاد بنظره لها وهي تنظر حولها ولأبعاد المكان البعيدة رموشها

لازالت مبللة بدموعها وهمست ببحة " الخيار لي حقا ؟ "

ابتسم مراقبا ملامحها وجوابها الذي لن تحتاج أن تذكره ليعرفه

وقال " أجل لك فنحن سنصل حوران ليلا في كل الأحوال "

نظرت لعينيه وقالت بابتسامة صغيرة فاتنة رغم حزن ملامحها

وعينيها المرهقة من البكاء " لو اخترت زيارة جداول الماء

لن توافق أليس كذلك ؟ "

خرجت منه ضحكة صغيرة وقال " لن أمانع لكن أن تسيري

فيها حافية القدمين وتلعبي بمياهها ممنوع قطعا "

مسحت طرف عينها بأناملها وقالت مبتسمة

" نذهب لجبل الغضنفر إذا "

ضمها له من كتفيها بذراعه القوية وقال متوجهان جهة السيارة

" وهناك الجو يبرد كثيرا لارتفاعه لكني لن أردك مرتين بما

أن معطفك السميك هنا "


*

*


انفتح باب الغرفة قليلا وأطل منه نصف ذاك الوجه الدائري وعين

واحدة عسلية واسعة نظرت ناحيته وذاك الشعر المموج الطويل

وأصابعها البيضاء تمسك بذاك الباب ، رفع نظره منها للسقف

وقال بصوت متعب خرجت معه الكلمات بصعوبة " هل لي

بجرعة ماء أم لازلت غاضبة مني ؟ "

قالت ولازالت تنظر له بعينها الواحدة تلك

" إن اعتذرت أعطيك إياه "

ابتسامة صغيرة شقت ملامحه المتعبة وشفتيه الجافة وقال ولازال

نظره للأعلى " أنتي من فهم الأمر خطأ أنا صدمت فقط من

وصولي هنا لأراضيكم "

دفعت الباب أكثر ودخلت وتوجهت فورا لإبريق الماء سكبت منه

في كأس وهو يراقبها مستغربا أنها لم تسأله من أين جاء ، اقتربت

منه وجلست عند رأسه على طرف السرير ومررت يدها تحت

رأسه قائلة " ساعدني قليلا ولا تحرك يديك ولا مرفقيك

الطبيب حذر من ذلك "

رفع رأسه بمساعدتها يشعر باحتكاك جسدها بوجهه , لم يقترب من

فتاة هكذا تحت أي ظرف كان ولا يفهم لما لا تتوتر وتخاف وخمن

أنها معتادة على هذا وقد تكون ممرضة ، شرب قليلا ورمى رأسه

للخلف على الوسادة بتنهيدة متعبة فمسحت فمه وذقنه بالمنديل

سريعا قائلة " لم تشرب شيئا ؟ "

قال بتنفس متقطع من ذاك المجهود البسيط " أشعر بها تحرق

حلقي وكأنه ليس ماء "

وقفت قائلة " هذا بسبب ما حدث معك وتضرر جسدك "

وتابعت وهي تجلس على الكرسي قرب السرير " يا لك من شاب

متهور كيف تقود سيارتك جريحا ؟ حين اصطدمت بإحدى منازلنا

ضننا أنه أحدهم أغار علينا , كدت تفقد حياتك يا مجنون "

قال بشبه همس ونظره للسقف " فقدت الوعي .. لقد قدت كثيرا "

حركت يدها أمام وجهها قائلة ببرود " مادمت تعلم أنك بطل لما

لم تفكر أنه سيغمى عليك بسبب نزيف جرحك "

أرخى رأسه جانبا ناظرا لها فلم يكن ينقصه الآن فضول

مراهقات , همس " كنت مطاردا يا ذكية "

وضعت يدها على فمها شاهقة بصدمة وقالت " أصمت يا

أحمق إن علم والدي سلمك فورا لهم "

عاد بنظره للسقف وقال مغمضا عينيه بقوة وألم " ما سبب كل

هذه الآلام التي تذهب وترجع "

وقفت وتوجهت جهة خزانة في الغرفة قائلة " وكيف لن تتألم مع ما

قد أصابك ! المسكنات لا تعطى إلا أول ثلاثة أيام فكنت أنا من

أعطيها لك بعدها دون علم أحد ولا يمكنني إعطائها لك دائما

لو يمسكوا بي سأعاقب "

وعادت جهته وحقنت أعلى ذراعه بحقنة مسكن قائلة " إن جاء

والدي فلا تخبره أنه ثمة من يطاردك حتى تتماثل للشفاء كي لا

يسلموك إن كنت مطلوبا فمؤكد تعرف وضع التنانيون الحساس

في البلاد "

همس شاكرا لها وهو يشعر بالألم الفتاك ذاك يخف بسرعة وقالت

وهي تفصل رأس الحقنة وتدسها كاملة في فستانها جهة صدرها

لترميها بعيدا ما أن تخرج " هل ستخبرني ما أسمك ؟ "

نظر لوجهها وقال بصوت منخفض " رعد "

ضحكت وضمت يديها أمام صدرها قائلة " رائع أسمك

كسرعتك وأنت قادم لنا "

لم يستطع كتم ضحكة شعر بها ضربت في ضلوع صدره كالمطرقة

فأن متألما فأمسكت فمها قائلة بجزع " أنا آسفة هل تأذيت ؟ "

هز رأسه بلا وهمس بصعوبة " ليس كثيرا ، والبرق هو

السريع ليس الرعد "

حركت يدها بعدم اهتمام فقال " ما أسمك أنتي ؟ "

قالت مبتسمة " أستريا ومعناه بالعربية المرأة التي لا أعلم تقولون

عنها أنها تكون غير مفهومة أو صعبة الفهم "

همس مبتسما بتعب " غامضة أي أسمك معناه غموض "

قالت مبتسمة " أجل هو كذلك لكني لا أراه يعبر عني أبدا فأنا

لست معقدة وغير مفهومة "

كتم ضحكته وتحرك صدره بسعال بسيط متألم ونظر للسقف

قائلا بابتسامة " بل هو جميل يا أستريا بالعربية وبلغتكم "

قالت بحماس " حقا أعجبك ؟ الجميع يقول أنه سيء حتى أن

أغلبهم يناديني آستي وهو أحد أسماء ضوء بداية الفجر "

انفتح باب الغرفة ودخلت منه شقيقتها قائلة " أستريا أنتي لا

تتوبين عن الثرثرة أبدا ألم يقل الطبيب لا تكثروا معه الكلام

لتأثر ضلوعه ؟ لكان والدي من تحدث معه وليس أنتي "

توجهت نحوها قائلة بضيق " توقفي عن وصفي بالثرثارة , كنت

قلتها بلغتنا على الأقل , هو يعلم أني سيئة بدون أن توضحي له "

وخرجتا معا وقد أغمض عينيه ببطء ونظره عليها وقد بدأ مفعول

ذاك المسكن يسحبه لعالم النوم بقوة


*

*


وصل بها لنقطة أخرى في ذاك الجبل المرتفع وقال

" من هنا تري جداول الماء الثلاثة "

جلست على الصخور البارزة حيث وصلا تنظر لذاك المشهد الرائع

وقد جلس بجانبها في صمت محترما صمتها يعلم أن ما مرت به اليوم

لم يكن سهلا رغم تيقنه من تحسن نفسيتها كثيرا بعد رؤيتهما وخاصة

والدها الذي رباها , اتكأ بيده للخلف قليلا ينظر لوجهها ولنظرتها المتأملة

بشرود وانسجام تام ثم مد يده الأخرى لحجابها وأزاله في حركة واحدة

مفلتا غرتها وخصلاته التي تطايرت مع الريح الباردة فنظرت له فورا

وقد قال وهو يربط به شعرها كما فعلت سابقا " إن شعرت بالبرد

أخبريني ننزل من هنا اتفقنا ؟ "

هزت رأسها بحسنا وعادت بنظرها للبعيد وأرخت ذقنها على ذراعيها

المحتضنة لساقيها وقالت بشرود " مطر هل تحن لوالديك أحيانا ؟ "

ابتسم ولازال يراقب ملامحها ولون وجنتيها الذي أصبح يزداد توهجا

بسبب لفح الهواء البارد لهما وقال " من قال لك أني لست مخلوقا

بشريا ؟ "

اتكأت بجنب وجهها على ذراعها بحيث نظرت لوجهه وقالت

" أنت لم ترى والدتك ومثلي تماما لا تذكرها أليس كذلك ؟ أنا

أحن لها دائما هل تشعر أنت بذلك ؟ "

مد يده للخصلة التي علقت في طرف شفتيها وأبعدها قائلا

" لا أحد لا يحن لوالدته يا غسق , فقط ذاك يختلف بين

الرجال والنساء "

امتلأت عينيها بالدموع وقالت " لو كانتا معنا الآن كانت أشياء

كثيرة تغيرت أليس كذلك ؟ "

مسح بكفه على شعرها مبعدا غرتها واتكأ على وجهها مقبلا خدها

وهمس " غسق تعوذي من الشيطان فكل هذه الأفكار بسببه "

ثم ابتعد عنها بعدما قبل خدها مجددا على صوت همسها متعوذة بالله

من همزه ولمزه ثم رفعت رأسها ونظرت للبعيد مجددا قائلة " أحيانا

أتمنى لو أني رأيتها لو أملك من ملامحها أي شيء في ذاكرتي والآن

أحمد الله أني لم أعرفها لسنوات كثيرة ثم ذهبت وتركت لي ذكريات

ستعذبني حتى أموت "

وسالت تلك الدمعة على خدها وهي تذكر شقيقها الذي لن تنساه يوما

ولن يعذبها شيء كذكرياتها معه , دمعة شعرت بها حرقت جفنيها قبل

أن تلسع وجنتها برودتها والريح الباردة تضربها بقوة , شدها لكتفه

ودس وجهها فيه قائلا " غسق يكفي تعذيبا لنفسك فلن يجدي ذلك

في شيء ولن يضر غيرك "

لم تعلق تدس وجهها أكثر في طيات صدره تخفي دموعها الصامتة

ويدها تمسك بمعطفه بقوة فقبل رأسها واتكأ عليه بذقنه وقال ونظره

على ذاك الأفق البعيد " حين مات والدي كنت في الرابعة والعشرين

كنت رجلا كما يريده , لقد صنع مني ما لن يصنعه أحد ولا نفسي أنا

علمني كيف أكون قويا كيف أكون ذكيا كيف أقود وآمر , قربني من

كل أمور الدنيا ولم يبعدني شبرا عن الله وعن أمور الآخرة , ويوم

مات كنت بجانبه كنت أراه وهو يفقد كل ارتباطه بالحياة وما حوله

سمعه بصره نطقه , مشهد ما ضننت أنه سيحفر في ذاكرتي لأعوام

وأني سأتمنى يوما أني لم أراه , بعد موته بعام تسلمت زعامة الحالك

باختيار كبار قبائلها دون حتى أن أطلب ذلك أو أقترحه , رباني لسنوات

طوال لأكون زعيما ولم يكن ذلك إلا بعد موته , صنع شيئا لم يراه ولم

يشهد نجاحه , لم أستطع قول أن موته كان في وقت خاطئ فالله وحده

يعلم الخير في الأمر والشر فيه , والدتي لم أعرفها لم أعرف عنها

سوى أنها امرأة فقدت حياتها لأعيش , فتاة أجبرت على الزواج من

رجل أكبر منها بكثير ولم يغرها ماله وجاهه بين قبيلته , طفلة عاشت

يتيمة الأم وحيدة والدها , تمنيت فعلا أن رأيتها أن ربتني مع والدي

أن علمتني ككل أم كيف أعطي أكثر من كل هذا فلم يعلمني

والدي إلا الأخذ "

رفعت وجهها فأبعد ذقنه ونظرت له وقالت " لكنك لا تأخذ

فقط يا مطر أنت تجهل نفسك حقا "

هز رأسه بلا وعاد بنظره للأفق البعيد وقال بشرود " أنتي التي لا

تعرفينني يا غسق , أنا تربيت على ذلك أنا لست ملاكا ثمة عيوب

بي أعلم أنها تخسرني الكثير لكني لا أستطيع التخلص منها "

نظرت لوجهه ولنظرته تلك بضياع ولم تفهم مغزى كل ما قال وجل

ما تخشاه أن تعيشه يوما لتفهمه , شدت قبضتها على ياقة معطفه أكثر

وقالت بحيرة " هل تعني أنك تعطي لتأخذ يا مطر ؟ تتحايل حتى

على مشاعـ ... "

نظر لها وقال بحزم " لا يا غسق لا تفهمي كلامي كما يحلو لك

لا تجعليني أندم على التحدث ولأول مرة عن أمور لم يكن يعلم

عنها أحد "

رطبت شفتيها بلسانها وهمست " أنا آسفة "

مرر أصابعه في خصلات غرتها عند أذنها وقال ناظرا لعينيها

" هل ننهي الحديث عن كل تلك الأمور وعن الأموات ؟ "

هزت رأسها بحسنا هزة خفيفة وقالت " أخبرني فقط عن اسمها

أريد أن أعرفه "

قال فورا " تيما "

ابتسمت بحزن قائلة " تيما !! كم هو جميل كاسم زوجة الكاسر

رحمهما الله , كان سيكون أميمه هو على نفس وزنه "

خرجت منه ضحكة صغيرة وانحنى لشفتيها قبلها قبلة صغيرة

وهمس " لا تشابه في وزنهما أبدا يبدوا فقط أنك تخشين أن

اسمي ابنتنا على والدتي قبل والدتك ؟ "

هربت من عينيه مبتسمة فها هو يفتح ذلك الموضوع من جديد

رفعت نظرها به مجددا حين همس ضاحكا " جبانة "

عضت طرف شفتها ناظرة لعينيه تلك النظرة التي يعشق , نظرة

مشاكسة متوعدة عنيدة ومحاربة فضحك هامسا وقد أمال جسدها

للخلف ببطء منحن فوقها " أتبتي العكس إذا "

و شعرت بالحجارة وظهرها يتكئ عليها للخلف وشفتيه توزع قبلاتها

على شفتيها فتعلقت بعنقه وغابا في ذاك الشغف أصابعها تتغلغل في

شعره تشده لها أكثر , عالم كان كفيلا بأن نسي معه كل واحد منهما

أحزانه وذكرياته المدفونة , أبعد شفتيه وأنفاسهما المتلاحقة قد اختلط

بلهاث ولم تزدهما سوى رغبة بتكرار كل ذلك وهي تشده لها مجددا

يرويا عطش كل تلك الأيام التي ابتعد فيها , شعرت بيده وملمس

أصابعه وهوا يسحب كنزتها لأعلى خصرها فابتعدت عنه مجفلة

وهمست " مطر لا تنسى أين نحن "

أبعد يده وجلس مبتعدا عنها فجلست تعدل ثيابها فوقف قائلا

" لننزل إذا سنصلي ونغادر لأدرك رجلا سنمر بمنزله

قرب حوران "

وقفت تنفض التراب عنها ثم نزلا توضئا وصليا معا كباقي الفروض

وانطلقا من هناك عائدين الطريق التي سلكاها قدوما , وبعد ساعة

ونصف تقريبا توقفا من أجل صلاة العشاء ثم انطلقا مجددا وقد

غابت عيناها في نوم سريع لم تستطع مقاومته ولا التغلب عليه

تشد معطفها على نفسها ولم تشعر بكل تلك الطريق ولا بحركة

السيارة على بعض الطرق الترابية الوعرة ولا في أي وضع

كانت تنام حتى شعرت بيده على خدها يضربه برفق

قائلا " غسق هيا استيقظي ما كل هذا النوم ! "

فتحت عينيها لتكتشف أنها كانت تنام على كتفه وليست تعلم كم مر

من الوقت وهي في هذا الوضع ؟ وفوق عناء القيادة والتعب كان

يتحمل ثقل وزنها عليه , مسحت عينيها تتثاءب وقالت " هل

وصلنا ؟ لما لم توقظني أبتعد عنك لتقود مرتاحا "

فتح بابه وقال " لا لم نصل بعد سأنزل لصاحب هذا المنزل

قليلا , حوران أصبحت قريبة لا تنامي "

ونزل وأغلق بابه خلفه وعيناها تتبعه وهو يقترب من باب المنزل

المعلق فوقه مصباح صغير قد صنع بقعة ضوء حوله وسط ذاك

الظلام الذي يغطي المكان في ليلة كان قمرها هلالا وانعدم النور

فيها بعدما أطفأ أضواء السيارة , راقبته وقد انفتح الباب ما أن

اقترب منه ودون أن يطرقه فهمست بعبوس " هل كنت ميتة

لهذا الحد حتى أن مكالمته لم توقظني ؟ "

استوت في جلستها وأنزلت زجاج النافذة لمنتصفه مطمئنة للظلام الذي

كان يحجب السيارة عنهما ما أن رأت الذي خرج من المنزل يحمل

طفلة سقطت فورا على صدر مطر ضاحكة ما أن رأته واستقبلها

هو من فوره وقال الرجل ضاحكا " لا تتقبل شخصا غيري

وزوجتي إلا أنت بل وتخصك بترحيب لم نحض نحن به "

ضحك مطر ومسح على شعرها قائلا " كيف حالك يا

زيزفون ؟ "

وكرر بتأني " هل أنتي بخير ؟ "

هزت له تلك رأسها بنعم قائلة " بخير "

نظر حينها للواقف أمامه وقال " كيف كانت زيارتك

للطبيب ؟ "

قال عكرمة " لقد ظهرت صور الأشعة اليوم "

وانخرط يشرح له ما قال ورأيه فيه حتى قال مطر " سأوفر لها

ذاك العلاج لا تفكر في أمره وسأعرضه على متخصص آخر خارجا

لأخذ رأيه فيه قبل أن نعطيه لها , لا نريد أن نضرها بغباء "

هز ذاك رأسه بموافقة وقال " وهو عين الصواب على الأقل نعلم

ما يكون وما نفعه , أو هي في غنى عنه "

مدها له وأخذها ذاك منه قائلا " متى ستزورها زيارة أطول من

الوقوف عند الباب ؟ واجلب زوجتك معك "

ثم ضحك متابعا " زيارة اجتماعية أعني كما يقول بِشر "

ضحك مطر وقال مبتعدا جهة السيارة " لا تعلم قد يكون قريبا

تصبح على خير ولن أوصيكما عليها "

أغلقت نافذتها ما أن خرج من تلك المساحة المضيئة وتبعته بنظرها

حتى ركب بجانبها ( تلك إذا الطفلة من خماصة هو يزورها ويطمئن

عليها ومخلوق بشري آخر يعتمد عليه وعلى حمايته له ) نظرت لوجهه

ما أن انطلقا ولم تستطع إبعاد نظرها عنه , أشهر هي التي عرفته فيها

ورأت كم يعطي الناس حتى وقته صحته راحة باله حياته مع أسرته

فلما يقول أنه لا يعطي بل يأخذ !! لم تستطع تفسير ذلك ولا فهمه

وكانت تعلم أن الغوص فيه أكثر لن يزيدها إلا ألما , نظر لها

وقال وقد عاد بنظره للطريق " كنت أريد أن تنزلي لزوجته

وتتعرفي على تلك الصغيرة لولا كان الوقت متأخرا "

قالت بهدوء ونظرها لازال على جانب وجهه " إن كبرت

تلك الطفلة ألن تلومك على أخذها من أهلها "

قال بسخرية ناظرا للطريق " أهلها من ؟ جدها الذي تخلى عنها

وسافر وأنكر والدها الذي يكون ابنه وتركه بلا نسب ؟ أم والدتها

التي كانت تستغلها فقط لتحصل على منزل جدتها وقطعة الأرض

متجاهلة أن رؤية تلك الطفلة لذاك المنزل مجددا وحدها كفيلة

بأن تجعلها تفقد عقلها , هم لم يستحقوها يا غسق وحين

تكبر وتشفى يمكنها أن تقرر بنفسها "

همست وقد أبعدت نظرها عنه " كم أتمنى أن تنتقم منهم

جميعا وقتها "

نظر لها وقال مبتسما " هل لديك نزعة انتقام دائمة ؟ "

نظرت له بضيق وقالت " طبعا وحاذر أن تجربني "

تلاشت الابتسامة عن شفتيه وقال شاردا بنظره في طريق حوران

التي دخلاها للتو " فلنأمل ألا أجربها يوما ما "

ارتجف قلبها بقوة وعادت كل تلك الأمور للتشكل أمام عينيها

وهمست برجاء " مطر لا تقل هذا أنا كنت أمزح فقط "

نظر لها وابتسم ولم يعلق وقد عاد بنظره للبوابة التي فتحها العمال

أمام سيارتهما ودخلا منها وقالت وهي تنزل قافزة من بابها تنظر

له متوجها ناحية باب المنزل " هل اعد لك شيئا تأكله قبل أن

أصعد "

قال وهو يفتح باب المنزل " ألم أخبرك أني لا أحب الأكل وقت

وصولي ؟ ثم الوجبة التي أعدتها الخادمات وأخذناها معنا

لازالت في معدتي حتى الآن "

ودخل وهي تتبعه وقالت وهما يصعدان السلالم " خسارة لو لم

نصل متأخران كنا حضينا بوجبة عشاء جميعنا معا "

ضحك ووقف والتفت لها شد يدها حتى كانت بجانبه وطوق كتفيها

بذراعه قائلا " نعوضها وقت الفطور هل يرضيك هذا ؟ "

قبلت أسفل خده وهمست " أجل يرضيني "

وتابعا صعودهما حتى كانا في غرفتهما وابتعد عنها جهة طاولة

التزيين يفرغ جيوبه ويضع ما فيها عليها ونزعت هي معطفها تراقبه

وهو ينزع سترته وقد أتبعها قميصه فالقميص الداخلي وأخذ المنشفة

ودخل الحمام فورا فأخذت ثيابا لها ونزلت لغرفتها في الأسفل استحمت

هناك وصعدت مسرعة تركض تحسبا من أن يراها أحد بذاك القميص

القصير بحملاته الرقيقة رغم يقينها من أن ساكني ذاك المنزل جميعهم

ينامون مبكرا والوقت الآن تجاوز منتصف الليل , دخلت الغرفة وأغلقت

الباب خلفها ونظرت للذي كان يجلس على السرير ببنطلونه القصير فقط

يستعد للنوم ثم توجهت لثيابه المرمية أرضا وما أن انحنت لها حتى

ناداها مادا يده " تعالي واتركيها للصباح من سيهتم لأمرها

الآن والجميع نيام "

جمعتها سريعا ووضعتها على الكرسي وتوجهت للسرير صعدته

واندست في حضنه وقد غطاها معه بالغطاء السميك وقبل خدها

قائلا " لن تنامي في طرف السرير الليلة فقد ينتهي حطب المدفأة

ليلا في أي وقت وتتجمد الغرفة ولن ينتبه العمال له ولن أنتبه أنا

لك وأنتي ترمي الغطاء تحت قدميك دون شعور "

اندست في حضنه أكثر قائلة بضحكة صغيرة " أخشى أن أرميه

عنك وعني , ثم هل ستتحمل الليلة إزعاج شعري الطويل ؟ "

ضحك وعاد لتوزيع قبلاته على خدها ودس وجهه في شعرها

وهمس " تبدين لي في مزاج أفضل من ليلة أمس "

مررت أصابعها على قفا عنقه وبين شعره تشعر بقبلاته على

عنقها وهمست بحزن " أفضل بكثير ... كثير جدا "

ابتعد عنها ونظر لعينيها فأشارت بسبابتها على قلبها وقالت وقد سالت

دمعة يتيمة واحدة من جانب عينها " هنا كان ثمة شيء يشتعل وخمد

اليوم , لن تتصور يا مطر كم أسعدني أن والدي لم يكن غاضبا مني

لتهوري وما فعلت , أنه لم يرفض رؤيتي ولم يستقبلني غاضبا وأنا

أكثر من يعرفه حين يغضب وقد يتبرأ حتى من دمه وصلبه

رغم أنه لم يغضب مني يوما "

قبّل مكان دمعتها عند صدغها برقة وهمس في أذنها مبتسما

" وما الذي قلتماه عني وأنا بعيد عنكما ؟ "

ضحكت ومررت أناملها بنعومة على كتفه وظهره العاري وقبلت

عنقه هامسة بابتسامة " ترجيته أن يأخذني بعيدا عنك ولم يوافق "

ضحك وابتعد عنها ونظر لعينيها وقال " إن كنت تريدين النوم

بعيدا عني الليلة أيضا فلن أجبرك يا غسق لا أريد لهذا الأمر

أن يحدث بيننا مجبرة أو كارهة "

عضت طرف شفتها تمسك ضحكتها هامسة لنفسها ( هل هو

جاهل في النساء هكذا أم يتغابى ؟ ) طوقت عنقه بذراعيها

وقربته لها هامسة " لا أريد أن أتجمد ليلا وأنا هناك لا

تعلم عني "

*

*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 06-10-16, 08:57 PM   المشاركة رقم: 935
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 



*

*

غضن جبينه وهو ينظر للواقفة في الممر وما أن وصل عندها

حتى همس " عمتي ما تفعلين هنا ؟ ألم تنامي بعد ! "

أمسكت فمها بيدها وقالت بحزن تمسك عبرتها " والدك لم يخرج

من غرفته حتى الآن ولا أخرج الصغير ، سمعت بكائه لبعض

الوقت ثم توقف ، ما به يسجن نفسه معه يا رماح ؟

علينا أن نطمئن عليه "

نظر لباب الغرفة هناك وقال بحزن " اتركيه عمتي حين يريد الخروج

سيخرج من نفسه ، لقد كان صامدا منذ تلقى خبر موت الكاسر ورغم

أن وجهه كان لا يمكن وصفه حينها إلا أنه صامد ولم تنبس شفتاه بكلمة

سوى بـ ( اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها ) ووقف على

قدميه فورا وقاد القبائل وجمع كلمتها مجددا فلنترك له هذه اللحظات

يختلي فيها بحزنه يعبر عنه بما يريد ، ثم لا تنسي أنه كان أبا عطوفا

ساعد حتى والدتي رحمها الله في الاعتناء بنا خاصة ليلا وهي أنجبتنا

متعاقبين , كما أنه من اعتني بغسق بعد وفاة والدتها وقبلك مجيئك لنا

عناية لن تجدها في والدتها التي أنجبتها فلن يعجز الآن مع هذا الصغير

اتركيه يطفئ ناره التي لم تخرج ويصدق على الأقل أن ابنه مات

فأنا ما صدقت ذلك حتى رأيت ابنه اليوم "

مسحت دموعا غلبتها وقالت " وماذا علمتم أيضا عن ملابسات

حادث موته , أقسم أني لا أصدق ذلك حتى الآن ، ليتهم تركوني

رأيته على الأقل لأرتاح "

أطرق برأسه للأسفل وتنهد بحزن قائلا " حالي ليس أفضل منك

عمتي لكنه واقع علينا تقبله , لقد دفنه رعد وأعمامي ورأوه

بأعينهم بل وغسلوه بأنفسهم "

مسحت دموعها ترتشف عبرتها وقالت " وكيف هي غسق ؟

ما حالها ووضعها ؟ والدك لم يجبني عن شيء ولم

يسمع شيئا مما كنت أقول "

رفع رأسه ماسحا الدموع التي غلبته وقال بضيق " لم أراها عمتي

ولم أتحدث معها , زوجها ذاك منعني عنها ولم أنزل من تلك السيارة

البائسة معتمة النوافذ حتى غادرنا , حتى شعرها ما أن انكشف من

حجابها أسرع لتغطيته , لم يتركني أسلم عليها ولا من بعيد "

هزت رأسها بحيرة وقالت " كيف يتركك تسلم عليها من بعيد وهي

تعتقد أنه لا يعلم أنكم لستم أخوتها ؟ ثم لا تنسى بأنه يعلم بذلك هل

كنت تفعلها أنت لو كنت مكانه ؟ "

خرجت الحروف من بين أسنانه " لكنها شقيقتنا تربت معنا كشقيقة

لنا منذ صغرها , لن يفهم ذاك المغرور ذلك أبدا "

مسحت بيدها على ذراعه قائلة بهدوء " لا تنسى أنه سلمنا ابن شقيقك

كما تغاضى عن أضرار الحادث وبنفسه دفع الدية لأهل الرجل الذي

مات في الحادث وترك والدك يرى ابنة عمه والآن ينظم دورية

للبحث عن رعد داخل حدوده , هذه أمور ما كان يفعلها أبدا

قبل أن يتزوج بها "

قال بسخرية تنطق مرارة " ذاك الرجل لا يفعل دون مقابل عمتي

لا يعطي ما لم يأخذ , هو يرد جميلا سابقا أو لاحقا تأكدي من ذلك "

تنهدت بحيرة من عجزها فهم ما قال وقالت " وما قال والدك عنها ؟

هل سألته ؟ "

قال بضيق مغادرا " قال لن تكون بحال أفضل إن كانت هنا

معنا وأنها وصلت مكانها الصحيح "

واختفى وتركها في حيرتها وظنونها ، توجهت جهة غرفتها متمتمة

" ترى هل أخبر ابن شاهين شراع عن السبب الحقيقي لهروب

أميمه بها ؟ "

*

*


مررت أناملها في شعره الرطب وهمست " مطر "

" اممم "

تلك الهمهمة المرتخية فقط ما صدر عنه وعيناه مغمضتان

فقالت بعبوس " مطر هل ستنام ؟ "

تحركت شفتيه هامسا ببحة أعمق من بحة صوته ودون أن

يفتح عينيه " وما الذي سأفعله برأيك غسق ؟ "

هزت كتفه هزة خفيفة قائلة بضيق " افتح عينيك هيا

أنا لا أشعر بالنعاس "

همس بخدر وصوت مرتخي " وما ذنبي أنا إن نمت لخمس

ساعات متواصلة ، حاولي هيا وستنامين "

تأففت بضيق وقالت ناظرة لوجهه القريب منها " لا أشعر بذرة

نعاس فكيف سأنام ؟ بل كيف سأبقى وحدي في هذا الليل

مستيقظة ؟ هيا مطر افتح عينيك لنتحدث حتى أنعس "

فتح عين واحدة ناظرا لها بها وقال " اتركيني أنام يا مدللة ألا

تعلمي أني متعب وقدت السيارة لثلاثة عشرة ساعة متواصلة "

لكمت صدره العاري بقبضتها وقالت بضيق " أفلح والدي حقا فيما

أخبرك عني ، ثم أنت قلت بنفسك أنك معتاد على القيادة لوقت أطول "

أغمض عينه مجددا دون أن يعلق على كلامها فعضت شفتها حنقا

منه ثم ابتسمت بمكر وهي تمرر يدها على عنقه وقبلت شفتيه

هامسة من بين قبلاتها تلك " لن تنام وتتركني لا تحلم بها "

شد يده على خصرها أكثر مقربا لجسدها منه وفتح عينيه بتكاسل

وقال ناظرا لعينيها " أنتي من سيكون الخاسر بسبب هذا العبث

يا مشاغبة وستجدين نفسك في الحمام مجددا "

عضت طرف شفتها تمسك ابتسامة عابثة وقبلت شفتيه مجددا

وهمست " لا مانع لدي بما أن المقابل أن لا تنام "

سحب الغطاء بقوة مبعدا له عن جسدها فصرخت ضاحكة

" مطر انتظر قليلا "

قال بتوعد " كنت أريد الهرب بالنوم عن تحطيم عظامك

الليلة لكنك من جلب هذا لنفسك "

*

*

أغلق حاسوبه متأففا فكل ما حصل عليه من قريب والدته ذاك

لن يفيده في شيء ( عمرها أربعة أعوام أسم والدها إسحاق والدتها

زهراء ومن الحويصاء ومطر شاهين منعها من رؤيتها وأخذها ، لن

يستفيد شيئا من هذه المعلومات إن لم يعرف اسم الفتاة التي كان يتحدث

عنها جده ووالده أو اسم والدها ، غادر الغرفة يديه في جيوبه عابرا

الممر الطويل المطلي جدرانه بالأبيض الناصع تزينه تلك الإضاءة

المخفية وبساط أحمر فاخر ممتد على طوله وكأنه ممر في أحد أفخم

الفنادق ، تابع سيره قاصدا غرفة مكتب والده فهو في هذا الوقت يكون

هنا ووحده من سيملك أي معلومة قد تفيده متأملا أن لا يكون متشددا

ناحية موضوعها كجده ، قطع الممر الآخر فانفتح الباب وخرجت

منه يد سحبته لداخلها فسحب يده وقال بضيق يتدارك توازنه كي

لا يقع " رواح يا أحمق كدت توقعني , يا لك من همجي "

لكمه في كتفه قائلا " مرحا بالأرستقراطي وقاص سلطان ضرار

سلطان ... مهلك علينا يا رجل "

ثم ألصق جسده جانبا بالجدار وقال يمرر يده أعلى رأسه

" انظر لقد زاد طولي ، سأصل لك قريبا "

ضحك ذاك وقال وقد وقف بجانبه " وأنا ازداد طولي يا

ذكي , هل وحدك من ينمو ؟ "

دفعه بيده مبعدا له خطوة عن المقياس الذي يعلقه هناك وقال بضيق

" والدتي قالت بأن طولك سيتوقف في مرحلة عمرية ما بينما

أنا لا وسيستمر لأربع سنوات بعدك فلا تفرح كثيرا "

ضحك وقاص ولم يعلق فتوجه ذاك حيث الشاشة الكبيرة المسطحة

جلس أمامها وأمسك يد اللعبة الالكترونية وقال " تعال نلعب

شوطا سأغلبك هذه المرة "

اتكأ لظهره على الجدار وقال " لا وقت لدي للعب عليا العودة

لدراستي ، وأنت أبعد عنك هذه التفاهات الآن , إن رسبت

لن يرحمك جدي "

حرك يده دون أن يلتفت له وقال " نجيب فعلها قبلي لا بأس إن

شاركته التوبيخ مرة ، من باب التعاون الأخوي أعني "

ضحك وابتعد عن الجدار وتوجه نحوه جلس بجانبه على الأرض

وأمسك اليد الأخرى للعبة وقال " هو شوط واحد فقط إن هزمتك

لن نعيد "

قال رواح مدخلا قرص اللعبة " سأختار فريقك الذي تأخذه دائما

وسأفوز عليك فلا تطلب أنت هذه المرة شوطا آخر "

اكتفى وقاص بضحكة صغيرة ولم يعلق فقال رواح والفرق

تعرض أمامهما " ما قصتك وجدي والطفلة ؟ "

نظر له بصدمة وقال " أي طفلة ؟ "

حرك ذاك كتفه قائلا ونظره على الشاشة أمامه " أنت من

يجيب عن هذا السؤال وليس أنا "

قال ناظرا لملامحه بحيرة " من أخبرك أنت ؟ "

نظر له رواح وقال " لم يخبرني أحد هو حديث دار بين والدي

وجدي وكنت قريبا منهما ولم يهتما لوجودي , يبدوا لعلمهما

أني لا أعلم عن الأمر "

وتابع وقد عاد بنظره للشاشة " سأل جدي والدي إن كنت تحدثت معه

في موضوع الطفلة ولم يذكر اسما أو من تكون وإن كنت سألته عن

أي شيء يخصها فنفى والدي أن ذلك قد حدث فأخبره أن لايخبرك إن

فعلت وأن يغلق الموضوع فورا إن فتحته معه "

غاب بنظره في الشاشة أيضا ولم يعلق فقال رواح " من تكون

هذه وما قصتك معها ؟ "

لم يجبه وقد صرخ ذاك قائلا بحماس " هدف هدف نظيف

هههههه سأتغلب عليك "

فرمى يد اللعبة من يده ووقف مغادرا بضيق فصاح به رواح

" هيه تعال يا جبان كنت سأهزمك "

فخرج ولم يلتفت له لأن ذهنه أساسا لم يكن مع ما يقول يفكر في السر

الذي يجعل جده يتهرب من الحديث عنها !! دخل غرفته مغلقا الباب

خلفه وتوجه للدرج في مكتبه الدراسي أخرج أحد كتبه وورقه وأخرج

منه قصاصة الصحيفة التي تحمل صورتها ورفعها ينظر لها بتمعن

وسؤال واحد يدور في ذهنه ( لما يريد جدي إبعادها وإقصائها عن

العائلة وما طبيعة مرضها ذاك ؟ )

*

*

سمع أصوات خشخشة من خلفه فالتفت بسرعة وريبة وقال مستغربا

" ماريه !! ماذا تفعلين هنا وفي هذا الوقت ؟ "

اقتربت منه وجلست بجانبه حيث السياج الصخري لتلك الجهة من

فناء المنزل الخلفي وقالت تراقب السلحفاة الصغيرة التي كانت

تأكل أوراق الخس الفاسدة التي وضعها لها " اليوم جمعة ولا

مدرسة لدينا وزوجة عمي غادرت المنزل لا أعلم أين

وعمي نائم لا يستيقظ قبل مقربة الظهيرة "

عاد بنظره للسلحفاة وتمتمت ببرود " فوق شره كسله "

خرجت ضحكة رقيقة من الجالسة بجانبه تمسك فمها بيدها الصغيرة

فنظر لها وقال " ألم يقل لك سابقا أن لا تلعبي معي هنا ؟ ماذا إن

زاره النشاط فجأة وجاء هنا ؟ "

حركت كتفيها وقالت بلامبالاة " يضربني وأبكي حتى يختفي ألم

ضربته وانتهى كل شيء المهم ألعب معك وأكون معك , ثم هو

سمح لي بالذهاب معك لأي مكان وقال لي ذلك بنفسه حتى

لغرفتك ووالدتك رحمها الله "

هز رأسه بيأس منها وعاد وشرد بنظره في ذاك المخلوق الصغير

الحذر الذي شعر بالأمان لوجودهما وأصواتهما التي اعتاد عليها

لا يفهم سبب هذا التغير في ذاك الرجل !! لكن عقله ومهما كان

ذكيا فسنه لن يساعده ليفهم كل ما قد يجول في عقل كذاك العقل

الذي فاقه بأعوام , خبأ نصف وجهه في ذراعيه الملتفة حول

ساقيه وقال " ماريه ما الذي سمعته أيضا من حديثهما غير

كلمة زواج قسري "

نظرت له باستغراب وقالت " ومن أخبرك أني سمعتها منهما ! "

قال بضيق " السلحفاة أخبرتني , تكلمي هيا "

نظرت لها وقالت موبخة " سلحفاة سيئة هل تتجسسين على النوافذ "

ثم ما لبثت أن ونظرت له بصدمة وقالت " لكنها لا تتكلم ! "

نظر لها وقال بضيق " ماريه تكلمي هيا لا أحد لديك غيرهما

تسمعينه وتتجسسين عليه سهلة لا تحتاج لذكاء "

ضربت قدمها بالأرض وقالت " لم أتجسس عليهما كنت في غرفتي

والباب مفتوح وهما في وسط المنزل ليس ذنبي إن ضنا أني نائمة

هل كنت تريد أن أصرخ بهما كي يسكتا لأني أسمعهما "

تنهد بقلة صبر وقال " موشح طويل ككل مرة والنتيجة صفر

هيا قولي ما الذي سمعته "

عبست ملامحها ونظرت للسلحفاة وقالت " لم أفهم كثيرا كانا يتحدثان

عني قالت زوجة عمي ( ألست تعلم أن الزواج القسري يلغى في محاكم

بعض الدول وبلادنا قد يتغير حالها قريبا وتكون فيها قوانين جديدة

تنظمها ) فقال لها ( وقتها يكون كل شيء بيدنا نحن نتحكم فيه )

فقط هذا ما سمعته "

نظر لملامحها بتفكير يتذكر كلام عمير حين سأله عن معنى تلك

الكلمة وأخبره أنها تعني في المحاكم زواج الفتاة مرغمة دون موافقتها

وبالفعل أخبره أنه في بلدان كثيرة ترفع قضايا ضده من قبل الزوجة

ويلغى , عاد بنظره حيت كانت تنظر هي وعاد عقله لذات تلك الدوامة

( هل يفكرون من الآن في تزويجها مجبرة ؟ لكن ذلك لا يمكن أن يحدث

من سيسمح لهم به ؟؟ أم يتحدثان عن المستقبل فهما إن كان المال في

المقابل بعد نظرهما لألف عام , هل سيزوجونها لأحد أبناء عمها

ليأخذوا مالها ؟ لكن من سيوافق لهم هي طفلة في الخامسة ولم

أرى من قبل واحدة تتزوج في سنها )

تنقل بنظراته في تقاسيم وجهها الدائري الصغير ويدها البيضاء

الصغيرة تبعد خصلات شعرها المتطايرة على عينيها وفكر في كل

كلام والدته في وصاياها له وفي الوعود التي قطعها لها وجميعها

تخصها ( ترى ما عنت والدتي حين قالت لا تجعل ما يرجعك هنا

لها ندم على أمر لا يمكن إصلاحه لا تشاركهم في تحويلها لبقايا

امرأة ويكون نصف اللوم عليك فالمرأة إن أحبت تحب بعنف

وإن جرحت تكره بعنف وإن كان على حساب مشاعرها )

أبعد نظره عنها ونظر عاليا للغيوم المتجمعة في السماء وهمس

" قد أفهم ذلك يوما يا أمي إن لم يتحقق قبل أن أفهمه "


*

*

لم تتركه هذه المرة يستيقظ قبلها ويغادر دون أن تعلم بل غادرت السرير

معه ما أن شعرت بحركته وسحبه لذراعه من تحتها , وتبعا لذلك أصبح

مجبرا على تناول إفطاره مع باقي العائلة وحتى عمته التي كانت تناولت

فطورها وقت الفجر لتأخذ علاجها عادت وأفطرت معهم مجددا ما أن

أصدرت ذاك القانون ( لن نتناول الوجبات إلا معا وإن كنا اثنين فقط )

أما الغائب دائما فرأى أنها رحمته وخففت قانون العقوبات عنه بأن

يتناول أي وجبة يكون فيها موجودا في المنزل معهم وأن يخصص

ساعة من وقته للجلوس وسماع ما يتردد في مجلس منزلهم , وأكثر

من أسعدته تلك القوانين الجديدة كان عمها صقر الذي قال بسعادة وهو

يتناول معهم وجبة الإفطار ( الله أكبر يا ابنة شراع أخيرا سأمارس

شيئا من حقي المهضوم ) جملة لم يفهم معناها إلا من ملئت ضحكته

الجهورية المبحوحة تلك الغرفة الواسعة على نظرات النسوة الثلاث

المستغربة له وإن كانت الأسباب عدة , نظرة من لم تفهم من ذاك

الحديث شيئا ونظرة من تستغرب ضحكته العالية التي لم يقيدها

بصلابة شخصيته كالسابق .

نظرت من زجاج نافذة السيارة في الجانب الأيمن وهي تقف خارجها

للواقف في الجهة الأخرى يعصر قطعة الإسفنج الكبيرة بيديه وشعره

الذي قصه كما كان في السابق وكانت المرة الوحيدة التي خرج فيها

من المنزل صباحا ليقصه , كانت تراقبه مبتسمة تنفض قطعة القماش

في يدها ثم رمتها على النافذة سريعا حين نظر جهتها وأمسك بها

فقال بضحكة " ماذا حدث معك ؟ لا أسمع أي صوت من جهتك "

نزلت للأسفل مستندة على قدميها وأدخلت تلك القطعة في إناء

الماء قائلة بصوت مرتفع ليصله " الأمور لدي جيدة لا تأتي

حتى ننتهي , لا تتدخل في جهتي أبدا "

جوابه كان ضحكة صغيرة ولم يعلق وعاد لتنظيف تلك الجهة من

السيارة من الأتربة التي التصقت بهيكلها الخارجي بسبب الأمطار

وقد اختارت أن تساعده وعليه أن يرضى بقوانينها مادام في المنزل

ولن يتحرر إلا بمغادرته لذلك أخذ هو جانبا وهي الآخر لينظفاها

بعدما رفضت اقتراحه بتنظيفها معا , رفعت رأسها ووجدته بدأ

بتنظيف زجاج النوافذ فوقفت أيضا وبدأت بتنظيفها مثله وفي النافذة

التي تقابل نافذته خصيصا فنظر لها مبتسما وهي تقلد حركته السريعة

في تلميع الزجاج تمسك ضحكتها بِعضها لطرف شفتها , أكمام كنزتها

الشتوية مرفوعان لفوق مرفقيها وكذلك بنطلونها الجينز لأكثر من

نصف ساقيها , انتقل للنافذة الأخرى ففعلت ذات الشيء فقال ضاحكا

ونظره على وجهها " تلك النافذة لم تنظفيها جيدا فارجعي هناك فورا "

قفزت لتنظف مثله الجزء العلوي من إطار الباب حول تلك النافذة

وقالت " لا تتدخل في جهتي ألم أقل لك ذلك سابقا "

رمى المنشفة في الإناء وتحرك من هناك فصرخت هاربة ما أن علمت

عن نيته وقد ركض خلفها ودارت حول السيارة تصرخ ضاحكة وما أن

وصل عندها ممسكا ذراعها من قبل أن يصلها حتى وقفا مكانهما وسحبها

فورا خلف ظهره يخفيها هناك ما أن اقترب صوت ذاك العامل وصوت

امرأة صارخة وأخرى باكية فاختبأت خلفه مخبئة حتى ساقيها خلف

ساقيه كي لا يظهر منها شيء مستغربة قدوم ذاك العامل وهو من طلب

أن لا يدخل منهم أحد ! اقتربت الأصوات التي لا ترى من أصحابها

شيئا بينما انكشفوا للوقف أمامها يخفيها عنهم وكانت امرأة وفتاة وقال

العامل بخجل من موقفه " آسف سيدي لم أسطع منع هذه

المرأة التي قالت أنها تريد التحدث معك "

قالت تلك ناظرة له برجاء " حلفتك بالله يا زعيم أن تستمع لي فقط

وتنصفني وابنتي , لا أحد لنا بعد الله غيرك وأنت عادل ويحتمي

الضعيف بك دائما "

نقل نظره بين تلك السيدة التي تجاوزت الستين عاما والأخرى التي

تقف بجانبها تنكس رأسها في الأرض وتمسح دموعها بكفها ولم يتبين

لا ملامحها ولا سنها ومن جسدها وهيئتها تبدوا صغيرة , عاد بنظره

لتلك وقال " بما أخدمكما ؟ "

أمسكت كتف الواقفة بجانبها وقالت ودموعها شقت طريقها في خديها

" ابنتي سيدي اجتمع أعمامها وأبنائهم يريدون قتلها يتهمونها بالخروج

من منزلنا ليلا وتلطيخ سمعتهم بالعار وهي ابنتي وأعرفها لا تفارقني

لحظة , فقط لأنه لا رجل لنا يرد شرهم عنا خاصة لرفضها الزواج

من أحدهم لغرض ضم أرض والدها لأرضه الملاصقة لها لتتحول

لأرض كبيرة وهو سيء الخلق سيء المعشر لكنت زوجتها به

دون أن يجبرها "

ثم رفعت يديها للسماء ودعت عليهم باكية ثم نظرت له وقالت تدفعها

من ظهرها بقوة حتى تقدمت للأمام خطوتين وكادت تقع " ابنتي حلالٌ

لك يا زعيم لتكن زوجة خادمة أمة , احمها منهم لا رد الله لك طلبا

فلن يجدي معهم ولا التهديد فهم هددوا بقتلها وإن خلسة "

لم يستطع إمساك الابتسامة التي تغلبت على شفتيه بالقوة بسبب التي

التصقت بجسده في الخلف يشعر بقبضتيها تمسك قميصه بقوة وبوجهها

الذي دفنته بين كتفيه العريضان ثم لكمت ظهره بقبضتها هامسة

" إن وافقت قتلتك يا مطر فهمت "

لكن تلك الابتسامة قرأتها الواقفة أمامه أمرا آخر وأنه وافق على

عرضها ورحب به وستخلص ابنتها منهم وتكون زوجة الزعيم في

آن وهذا ما لم تتخيله , دبت السعادة فيها وتقدمت جهة ابنتها التي

لازالت تنكس وجهها في الأرض باكية وشدت غطاء رأسها عنها بقوة

حتى تناثر شعرها الأسود الناعم وشدت طرف عباءتها لتكشف عن

كتفها الأبيض وبشرته الصافية ورفعت وجهها له من ذقنها قائلة

" انظر لها ليس ينقصها حسن ولا بهاء وفوق كل ذلك مطيعة

وقليلة كلام ولن آخذ مهرا لها شيئا وأرضها لك أيضا "

أشار بيده للعامل الذي كانت عيناه ستخرجان من الموقف أمامه

أن يذهب وقد غادر ذاك فورا وقال هو بجمود " استري ابنتك "

فتحركت حينها التي كانت خلفه وظهرت لهما تنظر بصدمة للمشهد

المعروض أمامه للفتاة ذات الوجه الأبيض والعينان السوداء الواسعة

قد أرهقها البكاء ولشعرها الحريري شديد السواد قد وصل لآخر كتفيها

وتلك العجوز تبادلها ذات تلك النظرة وقد علمت فورا من ستكون , إنها

الزوجة التي سمعت عنها لكنها تجدها فاقت وصفهن لها ورغم إهمالها

لمظهرها وشعرها المرفوع والمجموع بعشوائية إلا أنها فاقت ابنتها

الحسناء بكثير , عادت بنظرها لمطر وقالت " هي خادمة لك

ولزوجتك حللها لك وعاملها كما تريد أنصفنا أنصفك الله "

نقل نظره منها للواقفة بجانبه وكانت تنظر له بعينان مصدومة وأنفاس

متوترة كمن تنتظر أجلها , أمال ابتسامته ونظر لها تلك النظرة التي

تقول ( ما رأيك أنتي في الأمر ) فرمت المنشفة وغادرت من هناك

راكضة قبل أن تفضحها دموعها أو تملأ المكان بصراخها الغاضب

المحتج فماذا حدث للنساء كل واحدة تريد أن تأخذه بطريقة , وصلت

لغرفتها السابقة في الأسفل لا تعلم كيف ولما اختارتها خصيصا حتى

وجدت نفسها داخلها وقد أغلقت بابها بالمفتاح تشعر بالنار تشتعل داخلها

كالسعير وتقاطرت الدموع من عينيها وقد أخرجت المشبك من شعرها

ورمته بطول يدها ليتناثر ذاك الشعر الحريري الطويل حول جسدها

وضربت الجدار براحة يدها بقوة متمتمة ببكاء " سحقا لك وله

بل سحقا لكل النساء , لما لا يتركونه لي ؟ ألا رجال غيره ؟ "

طرقات قوية على الباب جعلتها توقف ضربها لذاك الجدار الأصم

تلاها صوته المرتفع قائلا " غسق افتحي الباب "

لم تجبه وقد مسحت عينيها بقوة بكميها بعدما أنزلتهما , وما أن

تكرر طرقه له ومناداته لها حتى صرخت " لن أفتحه ولا أريد

رؤية أحد "

وما أن سمعت خطواته مغادرا جلست منكمشة على نفسها فوق

السرير تدس وجهها في ركبتيها تمسح عينيها فيهما بقوة لا تريد أن

تبكي أكثر .. لن تبكي , لعنت نفسها مرارا وتكرارا على شعور التملك

الذي فاق مخيلتها تشعر به ناحيته , كان يفترض بها أن كانت قوية أن

قالت أي جملة تعبر عن لا مبالاتها ، أن تحدثت ببرود وغادرت بثقة

لكنها فقد عقلها وجن جنونها ما أن سمعت كلام تلك المرأة وزاده أن

رأت عرضها لابنتها أمامه ، كانت ستلوم نفسها لو أنها تحدثت بعدم

لباقة مع تلك التي في عمر والدتها بل ويزيد بكثير ولكان لامها هو

أيضا وهي زوجة زعيمهم وتُظهر قلة تهذيب أمامه وأمام من

استجارت به مهما كانت نواياها ، لكن صمتها لم يفدها سوى أن زاد

اشتعالها وكادت تجن ، رفعت رأسها سريعا ما أن سمعت صوت قفل

الباب يدور فقفزت واقفة فوق السرير ونزلت خلفه من الجهة الأخرى

ما أن انفتح الباب ودخل منه من تعلم أنه وحده يملك مفتاحا آخر للغرفة

توجه نحوها فورا فالتصقت بالجدار خلفها وهي تنظر لملامحه التي لم

تكن تحمل أي تعبير تفهمه ونظرته التي لم تستطع تفسيرها ولم تهتم

سوى بأنها لم تكن نظرة غاضبة ولا حانقة ، وصل عندها ووقف أمامها

وأمسك وجهها بيديه عينيه تنظر لعينيها التي شاب جفنيها احمرار طفيف

من فركها لهما بقوة وهي تمسح دموعها ورموشها لازالت مبللة بدموعها

تزم شفتيها كي لا يفضحها ارتجافهما ، شعرت بأن كل تلك الأشياء
التي وبخت بها نفسها طارت أدراج الرياح ما أن رأته أمامها بكل

وسامته تلك ورجولته المدمرة وتخيلت فقط أن تشاركها فيه امرأة

أخرى ، أن تنام في حضنه وأن يعطيها مما يخصها بها هي وحدها ،

أغمضت عينيها ببطء

وهمست بألم " إن كنت ستتزوجها فطلقني وأرجعني لوالدي لن

تشاركني فيك امرأة أبدا "

وما أن أخذت نفسها الذي شعرت به خرج مع كلماتها حتى جفت

رئتيها انفتحت عينها بصدمة حين قبلها بعنف قبلة لم تفهم ما توقيتها

وسببها بل وحرارتها التي لم تعرفها بهذا الشكل ! شدت بيدها على

قميصه بقوة جهة صدره فأبعد حينها شفتيه وما كانت تلقفت أنفاسها

حتى عاد وقبلها مجددا بحرارة أشد ملصقا جسده بجسدها الذي

شعرت به سيسقط الجدار خلفها فتمسكت بعنقه وتحول كل ذلك

لقبلات شغوفة شاركته فيها ولم تعد تشعر ولا بتألم جسدها

من ضغطه عليه

" سيـــ ..... "

ابتعد عنها سريعا في خطوة واحدة ونظر للواقفة عند الباب وقد يبست

مكانها أناملها على فمها وملامحها لا يمكن وصفها سوى بجسد دخلته

الموت للتو قد اختفى الدم من وجهها ولم تستطع ولا إبعاد نظرها عن

تلك الجهة بسبب تيبس جميع ما فيها وحتى حواسها ، بل ولم تستطع

ولا الحراك ولو قليلا لتبتعد حين مر بجانبها خارجا من هناك ونظرت

للتي ما تزال هناك وقد أخفت عينيها في راحة يدها ورأسها للأسفل

منذ أن ابتعد عنها ووعت للسبب ، استطاعت تحريك شفتيها أخير

وهمهمت بصعوبة " ما هذا الذي فعلته ؟ "

وكان كل ما تريده وقتها الهرب من هناك بل ومن المنزل بأكمله

وما أن التفتت مغادرة حتى شدتها يد غسق وأدخلتها الغرفة

وضربت بابها قائلة " انتظري يا حبيبة أريدك في أمر "

ضربت تلك خديها بيديها بقوة صارخة وعينيها ستخرج من

مكانها " قتل الله حبيبة ليثني مت قبل هذا اليوم "

شدتها غسق من كمها تحاول الحديث معها وتهدئتها لكنها لم تكن

تسمعها وسط صراخها مكررة ولازالت تلطم خديها بقوة

" قتلك الله يا حبيبة قتلك الله "

تأففت منها وصرخت " حبيبة يكفي ما حدث قد حدث

هل ستفقدين عقلك ؟ "

نظرت لها بوجه شاحب قد اختفى أي لون فيه وقالت ضاربة بيديها

فوق رأسها " فقدت عقلي من حين جئت هنا ، لم أتوقع أنه معك في

الغرفة , لقد رأيته منذ قليل متوجها لمكتبه ، ويحي ماذا سأفعل

الآن ؟ ويحي ... ويحي ... ويحي "

توجهت تلك لقارورة الماء سكبت منها في كوب ومدته لها قائلة

" اشربي هيا قبل أن تموتي لا ينقصني فقد وأموات ، ما حدث

حدث لا يمكن تغييره ولا حل سوى أن ننساه جميعنا "

أخذت منها كوب الماء وشربته دفعة واحدة لا تتخيل أنها قد تنسى

ذلك أو أن ذاك الرجل قد ينساه وليست تستغرب أن يصرفها من

العمل هنا ما أن يراها ، وضعت يدها على قلبها وقالت ناظرة

بشحوب للواقفة أمامها " أخبريه أني لم أرى شيئا

أرجوك سيدتي "

هزت رأسها متأففة وقالت " ما هذا لم تري شيئا ! طفل هو

نضحك عليه ؟ ثم وجهك كان يكفي ليعلم ، هذا وأنتي هكذا

كيف تتصرفين لو كنت مكاني أنا ؟ "

شهقت بقوة ضاربة على صدرها فأمسكت غسق رأسها وقالت

" آخ منك يا حبيبة زوجين وأخطأنا في تقدير المكان والزمان

وقدرك ساقك لنا فهلا نسينا ذلك فثمة ما هو أهم منه "

نظرت لها باستفهام ويدها لازالت على قلبها تستشعر دقاته المجنونة

فقالت غسق " ثمة امرأة وابنتها خارج المنزل تريدان مطر اذهبي

وانظري أين ذهبتا ، عليا أن أعلم قبل أن أفقد أنا عقلي

وليس أنتي "

شهقت فيها حبيبة بقوة وقالت مغادرة جهة الباب " تريدين أن

أذهب حيث يكون ؟ لا لن أفعلها ولا على قطع عنقي

ولن أقابل وجهه قبل شهر "

وخرجت تاركة الباب خلفها مفتوحا تردد " ما هذا الذنب الذي

ارتكبته هذا الصباح أعاقب عليه هكذا ؟ استغفر الله العظيم

من كل ذنب عظيم "

ولم يختفي صوتها إلا باختفائها من كل ذاك الممر فتأففت الواقفة

هناك وغادرت الغرفة متمتمة " والحل الآن في كل هذا ؟ "

توجهت للمطبخ فورا وقفت عند الباب وكانتا حفصة وعزيزة

هناك فقالت " أين حبيبة ؟ "

قالت عزيزة من فورها " أخذت حبوب وخافض حرارة وقالت

أنها ذاهبة لغرفتها ، تبدوا متعبة قد تكون نزلة برد "

أمسكت ضحكتها بصعوبة وقالت مغادرة من هناك

" حفصة تعالي أريدك قليلا "

فتبعتها تلك من فورها حتى ابتعدتا قليلا ودخلتا في حديث هامس

ثم غادرت حفصة جهة باب المنزل وبقيت هي واقفة مكانها عينيها

على السلالم فإن كان في الأعلى ورأت قدميه تفر هاربة من هناك

مرت اللحظات أعواما عليها حتى عادت حفصة ودخلت مغلقة الباب

خلفها فتوجهت نحوها من قبل أن تأتيها وهمست تلك " قال أحد

العمال أنه غادر المنزل ولم أجد أحدا ولم يذكر أن أحدا كان معه "

وضعت يدها على فمها وتمتمت " أين ستكونان إذا ؟ لابد غادر

معهما لكن أين ؟ وقد يكون أخذهما معه في سيارته "

عضت شفتها بقوة من جنون أفكرها التي سيطرت عليها ونظرت

للخادمة التي كانت تنظر لها بحيرة لم تفهم شيئا من همهمتها تلك

فهمست محركة يدها أمام وجهها " شكرا لك يا حفصة يمكنك

المغادرة "

فغادرت تلك من فورها وصعدت هي لغرفتها استحمت مطولا تحاول

طرد كل تلك الأفكار ثم خرجت للغرفة لبست ثيابها وجلست على

طرف السرير تجفف شعرها بالمنشفة وقدمها كانت تضرب الأرض

لا إراديا من توترها وما ضنت أنها ستنساه في الحمام أو تتناساها

لم يتركها دقيقة وهي تكاد تجن ، رمت المنشفة مع ثيابها ووقفت

وبدأت بالدوران في الغرفة كالتائهة تتمتم وهي تقضم ظفر سبابتها

" من أين سأعلم إن صرفهما أم لا وإن خرج من أجلهما أم لا ؟ "

بعد وقت قضت أغلبه جهة النافذة تنظر إن عاد نزلت من غرفتها

وتوجهت فورا لغرفة عمتها طرقت الباب ودخلت ما أن أذنت لها

فقابلتها بابتسامة قائلة " جيد أنك أتيت لنقضي الوقت معا حتى

صلاة الظهر "

فاقتربت منها تبادلها لابتسامة وفكرت أنها فكرة جيدة تشغل بها

عقلها قبل أن تفقده , وليست تعلم كيف مر عليها ذاك اليوم الذي

لم يرجع فيه ولم تعلم عنه شيئا وقد فعلتها ولأول مرة وطلبت من

عمه ما أن غابت شمس ذاك النهار أن يتصل به ويعلم منه إن كان

سيرجع الليلة ومن دون أن يخبره أنها من طلب ذلك ، ونام أهل ذاك

المنزل ما أن تناصف المساء وهي وحدها من جافاها النوم بل ولم

تسعها أرض تلك الغرفة وقد جلست على عتبات السلالم تنتظره حتى

غلبها النعاس دون شعور منها يحتضن جسدها برودة المكان وصمته

المميت ولم تشعر بباب المنزل وهو يفتح ولا بدخول الذي انتظرته

طوال النهار وقد اقترب من السلالم ينظر لها باستغراب حتى وصل

عندها ونزل مستندا بقدميه ولمس خدها البارد فأجفلت جالسة

وهمست تمسح عينيها بباطن كفها " مطر ؟ "

قال مبعد خصلات غرتها عن وجهها " ماذا تفعلين هنا ؟ "

تعلق نظرها بوجهه وملامحه في الضوء الخفيف للمنزل وقالت

" أين كنت حتى هذا الوقت ؟ شغلتني عليك "

أمسك يدها وقال موقفا لها معه " زرت بعض المناطق القريبة

فثمة أمور عليا انجازها مادمت هنا "

وتابع وقد لف ذراعه حول كتفيها وصعد بها عتبات السلالم

" ثم هذه ليست أول مرة أتأخر فيها , ما كان عليك النوم هنا

ألم أخبرك أن التدفئة في المنزل قد تتوقف في أي وقت دون

أن يعلم عنها أحد "

وقفت فأوقف خطواته لوقوفها والتفتت ناحيتها وقد اتكأت بظهرها

على جدار السلالم وهمست ونظراتها معلقة في عينيه

" هل تزوجتها ؟ "

نظر لها باستغراب وقال " تزوجت من ! "

ضربت قبضتها بالجدار خلفها ضربة خفيفة وقالت بضيق

" تلك الفتاة من برأيك ؟ أم من كثرة العروض لم تعد

تفرق بينها ؟ "

رفع يديه جانبا وقال بضيق مماثل " بربك غسق هل سأحل

مشكلة كل امرأة في الحالك بزواجي بها ! حتى الشرع حلل

لي أربعة فقط "

نظرت لعينيها بأسى وهمست " أنت إذا لم تتزوجها ؟ "

ابتسم بسبب نظرتها تلك وكلماتها وقال " لا طبعا ولا أريد الزواج

لا بها ولا بغيرها ، حللت لها مشكلتها وذهبت في حال سبيلها "

مدت يديها لكتفيه مسحت عليهما وطوقت عنقه بذراعيها وحضنته

بقوة تشعر بذراعيه تلتف على خصرها وتشدها له ، لن يعنيها ما

فهم وما سيفهمه فلن يشعر أحد بما شعرت به أو يجربه إلا عذرها

وصلها همسه ويده تمسح على ظهرها " ظننتك فهمت ردي

عليهما ما أن دخلت عليك الغرفة صباحا "

عضت طرف شفتها مبتسمة وقد زادت من تعلقها به هامسة

" أنت لي وحدي مطر ... لي أنا وحدي فهمت؟

خرجت ضحكته مكتومة وابتعد عنها وأمسك وجهها وهمس تداعب

قبلاته الخفيفة شفتيها " حقا ! "

فدفعته من صدره بيدها قائلة بضيق " مطر لا تنسى أين نحن

وإن كان الوقت متأخرا , أم تريد لموقف الصباح أن يتكرر ؟

المسكينة كادت تفقد عقلها ومرضت بسببك "

ضحك ورفعها عن الأرض بين ذراعيه وقال صاعدا بها باقي

العتبات " بل أنتي السبب في كل ذلك "

ضربت صدره بقبضتها بينما الأخرى ملتفة حول عنقه وقالت

" أجل فأنا من فتحت لك باب الغرفة وطلبت منك أن تفعل

ما فعلت "

دخل بها الغرفة دافعا الباب بقدمه ووضعها على السرير منحن

بها برفق قائلا " بلى أنتي سبب كل ذلك "

تعلقت بعنقه وقالت بابتسامة فاتنة " ما سبب هذا التغيير ! لم

ترمني هذه المرة على السرير وكأني وسادة "

قال مميلا ابتسامته " خشيت إن فعلتها قلبت ليلتنا لدموع بسببي "

أرخت يديها عن عنقه وماتت ابتسامتها وتحولت لحزن ما أن أدركت

سببه ذاك وتلك الذكرى في ذاك الموقف ، أمسك وجهها ووزع

قبلاته عليه وهمس " غسق ما بك ؟ "

هزت رأسها بلا هامسة ببحة " لا شيء "

وتابعت ناظرة لعينيه بحنان " شكرا لك مطر "

عاد لنثر قبلاته على شفتيها بنعومة ثم نظر لعينيها قائلا " أنت

من طلب ذاك الأمر من شراع ؟ "

هزت رأسها بنعم وهمست برجاء " لا ترفض ذلك مطر أرجوك "

ابتعد عنها وقال متوجها جهة باب الحمام " لم أرفض بل

وسيدخلون صباح الغد يا غسق "

ودخل معلقا الباب خلفه بهدوء ونظراتها تتبعه وهمست تمسح

دمعتها من طرف عينها " لا حرمني الله منك يا قلب غسق "

*

*

دفعت الباب بهدوء وخرجت متسترة بالظلام ثم أغلقته وما أن

تحركت حتى قفزت تكتم صرختها المذعورة بيدها تنظر لوجه

الشخص الذي ظهر أمامها وقالت بعدما استرجعت أنفاسها

" أنجوانا !! "

قالت تلك بسخرية " بل جوانا , ماذا تفعلين هنا آستي ؟ "

قالت بضيق " وأنا أدعى أستريا وليس لك علاقة بي وبما

أفعل "

نزلت بنظرها ليدها التي تحاول إخفائها وقالت ساخرة

" هل تسرقين من أجل مريضك ذاك ؟ "

وتابعت وقد عادت بنظرها لوجهها " هو صحيح إذا أن والدك

كلفك بالعناية به أم هي أكذوبة تغطي بها على الحقيقة ؟ "

تجاهلتها وكانت ستغادر فأوقفتها كلماتها قائلة " ترى ما سيكون

رأي الجميع هنا إن علموا أن ابنة زعيمهم تسرق الأدوية

وتخترق القوانين "

التفتت لها وقالت بضيق " سيكون أخف من رأيهم بك إن قلت

ما أعلم فحاذري من اللعب معي أنجوانا "

ابتسمت بسخرية وغادرت قائلة " أنتظر إذا اليوم الذي ستشهرين

فيه رغبتك بدخول الإسلام من أجل عربي يا خليفة أنجوانا "

وغادرت ضاحكة على اشتعال من تركتها خلفها وهي أكثر من كان

يسخر من أفعالها مع الرجال وخاصة الزعيم مطر درجة أن أعلنت

اعتناقها الإسلام من أجله إن طلب أن يتزوجها ، غادرت من هناك

ودخلت المنزل المخصص لمريضهم مجهول الهوية حتى الآن ودخلت

غرفته على صوت أنينه المتألم الذي كان يصلها منذ دخلت من باب

المنزل ، حقنته بالمسكن الذي أحضرته معها وقد خف أنينه حتى

اختفى وهمس حينها بصوت متعب مغمضا عينيه

" أستريا "

اقتربت منه ومسحت على شعره قائلة " نعم يا رعد "

همس بصعوبة أكبر " أنا ابــ ن شراع صـ ـنوان عليك

مـ ــساعدتي لأغادر من الحالك "

فانفتحت عيناها من الصدمة وتراجعت للخلف


*

*


قفز من فوق سريره ما أن سمع بكائها الذي لم يسمعه هكذا من

قبل وصوت عمها ذاك مزمجرا فخرج راكضا من الغرفة وأصواتهما

تقترب منه وصعق لرؤيته يسحبها من شعرها والدماء تزف من أنفها

قد شوهت فستانها فشعر بذاك الغضب يتصاعد في رأسه كالبركان وكان

سيتحدث لولا أوقفه صوتها الباكي صارخة " اهرب يا تيم غادر

من هنا أرجوك "

لتسكتها تلك اليد التي ضربت فمها بقوة أنزلت الدم من شفتها

الصغيرة ليزداد بكائها وقد وصل عنده وشده من قميصه بقوة

قائلا " تحدث أو افعل شيئا وسأضربك معها "

حاول الفكاك منه قائلا بغضب " توقف يا مجرم يا عديم

الرحمة ما الذي فعلته تضربها هكذا "

سحبه بقوة أكبر واضعا كل طاقته فيها بما أن تلك تتبعه منصاعة

لأن شعرها في يده وقال خارجا بهما من باب المنزل " بات عودك

يشتد سريعا يا فضلة الهازان , لن أستغرب أن تقتل رجلا بعد عام "

حاول أن يتخلص من قبضته ومن سحبه القوي له ولم ينجح ولم ينقدهما

من بطشه ولا من مروا بهم ورأوا بأعينهم ما يفعل ، وانصاع له نهاية

الأمر لأنه كلما قاوم أكثر كلما تأذت التي شعرها في يده أكثر ، وصل

بهما لمنزل شيخ قبيلتهم تلك وقد لحق بهم من لم يتركه فضوله يحدق

فقط وما أن دخل بهما مجلسه وقف على طوله مصعوقا هو ومن

كان معه هناك , رماهما أرضا وقال " جدوا حلا لفضيحته في

ابنتنا ولعبث وفضول من نضنه طفلا "

لتنفتح الأعين المحدقة به بصدمة ولم يغب عنهم معنى ما قال

وانتقل نظرهم للتي لوثت الدماء ثيابها تبكي بنحيب موجع والذي

كان جاثيا على ركبتيه ويديه ينظر للأرض في حالة ذهول لم يفق

منها بعد وقد علا همس المتجمعين عند الباب خلفهم ، قال شيخ

القبيلة " هدئ من روع الصغيرة يا قيس وأفهمني ما حدث "

صرخ راميا يده " ما الذي سأشرحه أكثر مما قلت فجد لنا

حلا في هذه المصيبة "

اقترب ذاك منها وأوقفها يمسح الدم من وجهها بطرف فستانها

وقال " اهدئي يا ماريه واحكي لي ما حدث ، هل صحيح

ما قاله عمك "

كانت عبراتها تخرج دون توقف وصرخ الواقف فوقها " هل

تقصد بأني أكذب وتريد شهادة طفلة ؟ تكلمي الآن يا ماريه

وقولي الحقيقة "

مسح ذاك الرجل على وجهها بعدما صرخ في عمها أن يصمت

حتى يفهم ما تريد قوله وما أن خفت عبراتها وشهقاتها قليلا حتى

قالت بنحيب متجاهلة قدم عمها التي كانت تكز قدميها بقوة متوعدا

" لا تيم لـ.... "

" بلى حدث "

كان ذاك الصوت الذي أسكت الجميع وحتى صوت بكائها الذي اختفى

من ذاك المكان وقد انتقلت الأنظار جميعها للجالس على ركبتيه يديه

على فخذيه ينظر لهما وقد قبضهما بقوة ، من كان يرى وحده إشارة

عمها التي يتوعدها بها وبالويلات إن هي أنكرت كلامه , ولم يفته

أنها ما طلبت منه هناك أن يهرب إلا وهذا الرجل قد هددها من

قبل خروجه بها من منزله , ومن سيصدقه هو ويكذب عمها

بل من سينقذها هي إن أنقذته فلم يكن ثمة خيار غيره أمامه


*

*

ما أن أبعد الهاتف عن أذنه حتى قالت بلهفة

" هل وصلوا ؟ "

ضحك وقال يدس هاتفه في جيب سترته " خمس دقائق

ويكونا عند باب المنزل "

فركضت مغادرة من الغرفة ونزلت السلالم وهو يتبعها مبتسما على

حماسها وكأن الزائر يخصها هي ، توجه للباب وفتحه بينما تابعت

هي ركضها حتى وصلت غرفة جوزاء وفتحتها دون طرق ما أن

سمعت صوتها وعمتها في الداخل وقد سكتتا ونظرتا لها باستغراب

من طريقة دخولها التي لم يعرفوها عنها سابقا ومن دخولها غرفة

جوزاء تحديدا ! أمسكت يدها وسحبتها معها قائلة " عمتي

الحقي بنا عند بهو المنزل "

وخرجت وتلك تتبعها بخطوات مسرعة لتدرك خطواتها الراكضة

حتى وقفت بها حيث يقف شقيقها عند باب المنزل المفتوح وقد علت

نبضاتها بشكل جنوني حين قال محدثا أحدهم في الخارج

" ادخلا هيا والدتكما هنا في الداخل "

لم يستطع عقلها استيعاب ما قال ! فمن هنا تكون والدة غيرها وعمتها

وعمتها لها ابن وليس اثنان ! شعرت بهوان ساقيها ولم تعودا تحملانها

ونظراتها معلقة بالباب وقد غشت الدموع رؤيتها تخشى أن تكون مخطئة

أنها فهمت أمرا لا وجود له فمن هذا الذي قد يأتي بهما لها ؟ وما أن ظهر

لها أول الداخلان الفتى ذو الإحدى عشر عاما من حمل من سماتها الكثير

عيناها لون شعرها وابتسامتها التي ظهرت على شفتيه فورا ما أن رآها

وسرعان ما وقف خلفه الفتى الآخر الذي لم يكن يكبره سوى بعام ونيف

من كانت ملامحه أخذت من والده الكثير , انهارت على ركبتيها ما أن

ركضا جهتها ومدت يديها المرتجفة لهما ودموعها تستقبلهما من قبل أن

يصلا , دموع القهر والحرمان دموع كم سكبتها على فراقهما وشوقها

الذي لم يرتوي لأعوام برؤيتهما , دموع لو حكت ما سكتت أبدا .

وما أن ارتميا في حضنها حتى ملأ المكان صوت نحيبها الموجع وهي

تضمهما لحضنها بقوة , لم تصدق يوما أن حلمها هذا سيتحول لحقيقة

أنه ستشرق عليها شمس صباح ترى فيها ابنيها ولا حتى بعد توحيد

البلاد , كم كبرا وكم تغيرا بحجم ما حرمت من رؤية ذلك أمامها وبقدر

ما دعت الله أن يجمعها بهما ولو ليوم واحد , كانت تمسك وجه أحدهما

وتقبله في كل مكان فيه لتتركه وتمسك الآخر ثم تعود وتدسهما في

حضنها وكأنه حلم تخشى الاستيقاظ منه أو أن يسرق منها , كان

مشهدا لن ينساه أهل ذاك المنزل ما عاشوا , الواقفة فوقها تبكي معها

وكأنها هي وعمتها التي وقفت خلفها لم تتوقف عن مسح دموعها

بينما الواقف عند الباب حتى الآن قد رفع رأسه للأعلى وهمس

مغمضا عينيه " حمدا لك يا رب "

فلطالما كان وجع شقيقته سكين في قلبه عجز عن نزعه أو مداواته

جلست تلك معهم على الأرض وحضنتها وابنيها بذراعيها تبكي كبكائهم

ثلاثتهم فهي من عاشت في عائلة ليست عائلتها عاشت محرومة من أهلها

ومن معرفتهم وتعلم جيدا معنى الفقد بعدما فقدت أحد أعز الناس على قلبها

ولن تراه , بعدما ودعت بالأمس والدها الذي رباها كما استقبلته وليست تعلم

متى ستراه مجددا وإن كانت ستجمعها الحياة به من جديد أم لا , تقدر شعور

الأم وإن لم تجربه ولا يمكنها أن تتصور أن تكون في مكانها ولا تفقد عقلها

من أعوام , اقترب الواقف هناك منهم ونزل عندهم مستندا على قدميه

ومسح على ظهر شقيقته قائلا " أقر الله عينك برؤيتهما يا جوزاء

سامحيني يا شقيقتي عجزت أنا وفعلها لك شراع صنوان اليوم "

ابتعدت مبعدة لهما عن حضنها وارتمت في حضنه فضمها بقوة وقبل

رأسها على كلماتها المختلطة ببكائها قائلة " لا حرمني الله منك يا

تاج رأسي وعزوتي , أعلم أنك سعيت جهدك وأعلم كم هو

معقدة هذا الأمر ومستحيل "

ثم نظرت للجالسة بجانبها في الطرف الآخر تمسح دموعها التي

ترفض التوقف وحضنتها بقوة في أول بادرة تقارب بينهما وفي أول

مرة تعاملها فيها برقة تساوي رقتها , قالت بنحيب ندمت فيه على كل

يوم كرهتها وآذتها فيه " لن أنسى لك هذا ما حييت يا ابنة شراع يا

زوجة شقيقي , لقد علمتني درسا لن أنساه في نبل الأخلاق "

مسحت على ظهرها قائلة بحزن " لا حرمك الله رؤيتهما يا جوزاء

لو كان الأمر بيدي لجمعتك بهم أبد الدهر وكل ما استطاع والدي

الحصول عليه هو تركهم لديك أسبوعا كل شهرين ولولا وقفة

والدهما في الأمر لكان أصعب بكثير "

ابتعدت عنها وعادت لضمهما لحضنها وللبكاء بوجع لا تعلم من

فرحتها بأن يكونا معها أسبوعا كاملا وإن كان مرة في العام وليس

لستة أسابيع فيه أم من حسرتها على الرجل الذي عاشت معه أربعة

أعوام لم ترى منه يوما شيئا سيئا تذكره له , من راعاها وعاملها

كواحدة من قبيلته كزوجة كأنثى كملكة على قلبه ومنزله , من يوم

طلقها سالت دمعته يطلب منها الصفح عنه وأنه كان مجبرا حاله

حال غيره , تحدثت التي نسيها الجميع في الخلف مادة يديها نحوهم

قائلة " وأنا ما نصيبي من كل هذا ؟ تعاليا يا قلب جدتكما تعاليا

أشبع منكما أيضا "


*

*

سار ورأسه في الأسفل لازال صوت بكاء السائرة بجانبه يصله رغم

كتمها له بعدما حقق السائر في الطرف الآخر منها ما سعي له وخطط

واجتمعوا على عقد ذاك الزواج الذي لم يكن ليقبله عقل ولا منطق

تحت حجة مدارة مصيبة ستدفع الطفلة ثمنها مستقبلا , وطبعا على

المذنب أن يتحمل العواقب وبذلك ستكون حجة عمها أن المال إن كبرا

سيأخذه ابن كنعان هازان ذاك لذلك هو عند عمها أفضل وأحوط

وأضمن , بل وسلبه حتى قطعة أرض والدته مهرا لها , مهر !! كلمة

لم يكن يعلم أنه سيرتبط بها في هكذا سن وبطريقة بشعة جشعة بل

وزوجة طفلة لازالت تركض في الشارع !! لو كانت بلادهم موحدة

يحكمها قانون ما كانوا استطاعوا فعل ما فعلوه , جملة تكررت في عقله
طوال تلك الطريق فلا يوجد قانون يزوج طفلة لم تتجاوز الرابعة من

عمرها بعد من فتى لم تظهر عليه ولا علامات البلوغ , ضربة على

كتفها من السائر بجانبها هناك

كادت توقعها وهو يصرخ بها " توقفي عن النحيب غبية منذ صغرك "

أمسك الآخر بيدها وسحبها في جانبه ليكون هو بينهما ونظر له فوقه

نظرة كالنار فهي أصبحت زوجته كما حكموا هم وجاروا وأخذ منها

ما يريد فلن يسمح له بضربها أكثر , ضحكة ساخرة خرجت منه ردا

على نظرته تلك وقال وقد تقدمهما " هنيئا لك بها يا فضلة الهازان

واحمد ربك ألف مرة أن زوجناك من الحالك , محظوظ كوالدك "

وسار أمامهما فقال ذاك ويده تقبض على يدها بقوة ونظره على

قفا السائر أمامهما " جدتها من الهازان "

التفت له بنصف وجهه وعلق بذات سخريته اللاذعة " ولم تأخذ منها

سوى لون شعرها البني المقزز وغبائها وجبنها ككل الهازان طبعا "

وسار متابعا طريقه ضاحكا بسخرية وانتصار للمنزل الذي لم يكن

يبعد كثيرا عن المكان الذي كانوا فيه وما أن دخلا المنزل خلفه

حتى التفت لهما وقال " واحمدا الله أن تجدا هنا المأوى والطعام

ويوم تكبر قليلا تخرج بها من هنا يا أم زوج "

وانطلقت ضحكته عاليه مقهقها فشد على أسنانه غيظا ينظر له بكره

إن وزع على العالم أجمع لفاض , صرخت حينها الصامتة طوال

الطريق وشعرها لازال مشعتا بسبب شده له ووجهها قد جفت

الدماء عليه " كاذب أنت كذبت عليهم "

لطمه من يده الضخمة على وجهها أسكتت كلماتها وأوقعتها أرضا

ولم تكن الأخيرة فقد انهال عليها ضربا متجاهلا سنها وبكائها العالي

المستنجد ولم تفلح جميع محاولات الذي كان يحاول أن يبعدها عنه

وهو يصرخ ويسب فيها فتوجه فورا لحجر كبير في ذاك الفناء ورفعه

بخفة بيدين اشتد عودهما بسبب كل ذاك التدريب وهوى به على رأسه

بقوة وغضب ليترنح ذاك الجسد قبل أن يتهاوى أرضا والدماء تنزف

من رأسه وهو ينظر له بصدمة وتلك تمسك فمها تنظر لوجهه الشاحب

بسبب صدمته قبل أن يرمي ذاك الحجر على صراخها الباكي

" قتلته يا تيم , أهرب بسرعة أهرب من هنا الآن "

ولم يشعر بنفسه إلا وساقاه تأخذانه للبعيد , للبعيد عن ذاك الجحيم

والمشهد ومنظر ذاك الرجل لا يفارق عينيه الباكية فما أشد ما يمر

ومر به فتى في عمره ووضعه وهو ينتهي للهاوية في كل مرة


*

*


اقتربت خلسة من ذاك المجلس في الهواء الطلق حيث يفضل والدها

أن يجلس وقت الظهيرة وما بعدها حيث دفئ الشمس في مثل هذا

الوقت من العام وكان في استقبال رجلين علمت فورا من يكونا من

لباسهما العسكري ( رجال ابن شاهين ) بل ومن أهم رجاله وأقربهم

اقتربت أكثر حتى وصل لمسمعها صوت أحدهما قائلا " الزعيم مطر

أرسلنا للبحث عنه وتركنا قراكم كآخر خياراتنا كي لا تضنوا أنكم

المتهم بكل شيء , إن كان لديكم نريده حيا وإن لم تروه فأبلغونا

إن علمتم أي معلومات عنه "

وضعت يدها على فمها من الصدمة وهمست " جاءوا يبحثون

عنه ! مصيبة "

قال والدها " اتركوني أتصل بالزعيم مطر وأرى الأمر معه "

قال أحدهما " ونحن مرسلان منه ألا تثق بما نقول ؟ "

قال من فوره " حاشا أن تكذبا وأنتم رجاله لكن كما قلتما قبل قليل

وضعنا حساس وحديثي معه يكون أفضل "

وقفا حينها وقال أحدهما " لا أعتقد أنك تستطيع الاتصال به اليوم

فلديه اجتماع طارئ خارج البلاد لا يعرف أحدا كم سيطول لكننا

سنبلغه بما قلت وقد يتصل هو بك فيبدوا ثمة معلومات لديك لا

تود قولها إلا له "


*

*

أبعد نظره عن المرآة وربطة عنقه التي كان يعدلها عليها للواقفة

بجانبه عابسة الملامح تنظر له بعتب فضحك وعاد بنظره هناك

يرتب ياقة قميصه الناصع البياض وقال " هل ثمة من تودع

زوجها المسافر بعبوسها هكذا ؟ "

رمت له السترة السوداء الفاخرة التي كانت تمسكه قائلة بضيق

" لأنك مخادع وضحكت عليا ككل مرة "

لبس السترة وأغلق أزرارها ثم توجه جهة معطفه الكشميري حمله

وتوجه ناحيتها , وقف أمامها وأبعد شعرها عن طرف خدها وقبله

هامسا " كان الأمر مستعجلا وأنتي تعلمين ذلك جيدا "

وعاد لتقبيله ثانية وثالثة وأصابعه تتخلل نعومة شعرها الكثيف

فابتدعت عنه مبعدة يده وتمتمت بعبوس ناظرة لعينيه بأسى

" محتال وجميعكم الرجال هكذا "

ثم عدت بأصابعها ونظرها عليها قائلة بضيق " وعدتني برحلة

لبينبان وللبحر هناك , بأن تأخذني في الغد لأتعرف على الصغيرة

من خماصة وبزيارة خالة والدتك وبأن تقضي هذا الأسبوع معنا هنا

ولن تذهب أبدا ولا للحدود , كلها أمور كان يفترض أن تفعلها وطارت

جميعها أدراج الرياح ولم تبقى حتى أنت , حتى ابنا شقيقتك لم

يريانك سوى تلك اللمحة حين وصلا "

توجه نحوها مجددا أمسك وجهها وقبلها بقوة وهمس من بين أسنانه

" لو فقط تتعلم هذه الشفتين أن تبقى رقيقة دائما قبل أن آكلها "

مدت شفتيها بعبوس طفولي فضحك وقال مغادرا جهة الباب بعدما

سحب حقيبته معه " لم يكن الأمر مخططا له يا غسق وأنتي

رأيت بنفسك أنه كان طارئا "

وخرج من الغرفة يسمع خطواتها الغاضبة تتبعه فقال نازلا السلالم

وهي خلفه " قولي ترجع لي سالما على الأقل يا منكدة "

لوحت بيدها تنظر لقفاه وقالت بضيق وكلماتها تتبع بعضها " أجل معك

حق أنا التي أعرف كيف أنكد عليك بينما أنت السبب في كل هذا

وتعلم ذلك جيدا لكن لا حل أمامك سوى أن ترمي باللوم علي "

لم يعلق وتابع نزوله مسرعا وقد لحقته منادية بضيق " مطر "

ولا مجيب فوقفت منادية له مجددا ما أن وصلت للأسفل

" مـــــــطر "

لكنه خرج من الباب ولم يلتفت لها فنظرت للجالسة هناك على

كرسيها تنظر لهما مبتسمة وقالت من بعيد " يا سعادتي بأن

رأيت زوجة لمطر تتبعه في سلالمه حتى يخرج "

تأففت ضاربة قدمها بالأرض واتجهت نحوها قائلة بحنق " ما

الذي يسعد في الأمر عمتي ؟ لقد خدعني ابن شقيقك وسيرى "

ضحكت ليس من كلامها بل من اقتراب ذاك من خلفها وهي تتابع

قائلة بذات حنقها " مخاذع وكاذب , مستعجل كثيرا للذهاب حيث

نــ... "

وكتمت كلماتها اليد الكبيرة التي أغلقت فمها وقد لف ذراعه حول رأسها

ليصل له وسار بها جهة عمته تحاول إبعاد يده دون جدوى وتتحدث

بصوت مكتوم غير مفهومة من تحت أصابعه حتى وصل عند التي

قالت ضاحكة " يرضيك أن تسافر وهي غاضبة منك ؟ "

نظر لوجهها ونظرتها الحانقة وكفه لازال على فمها وقال مبتسما

" أجل لأنها أجمل حين تغضب "

فأبعدت يده بقوة وغادرت عائدة جهة السلالم قائلة بغيظ

" وأنت أجمل وأنت غاضب وقررت أن أراك أجمل دائما "

وصعدت السلالم تتمتم بغضب فنظرت له عمته ونظره لازال معلقا

بها وقالت مبتسمة " لو كنت راضيتها بكلمتين قبل ذهابك "

نظر لها وقال " سترضى ما أن أرجع أنتي تعرفي رقة قلبها أكثر

مني , ما هي أخبار جوزاء لا أراك معها ولا أراها معك "

قالت بحنان " ناما ابنيها من تعبهما بسبب الرحلة ورفضت

أن تبتعد عنهما ولا دقيقة حتى وهما نائمان "

هز رأسه بحسنا مبتسما فقالت ونظرها معلق به " اصعد لها

وطيب خاطرها بكلمتين قبل ذهابك يا مطر لا تضع كل

اعتمادك على طبعها المسامح وكن عادلا "

قبل رأسها وقال " سأراضيها وأفعل ما تريد ما أن ارجع فكلامي

معها الآن لن يزيد الأمر إلا سوءا , استودعتكم الله "

وغادر جهة الباب متابعا " لن أوصيكم عمتي لتكن في أعينكم "

فتمتمت هامسة ونظرها معلق بخروجه وخطواته الثابتة الواثقة

" ليحفظك الله يا قلب عمتك ويحفظها لك "

وخرج وركب سيارته وغادر على نظرات أخرى محبة ودعوات

أحاطته من الواقفة قرب نافذة الغرفة في الأعلى تراقب سيارته حتى

اختفت وجل ما كان يحتاجه وقتها دعواتهما تلك في سفره الذي ما كان

مخططا له ولم يتوقعه أبدا , وما كان ثمة شيء قد يخرجه من حوران

بل ومن المنزل ذاك اليوم لو لم يكن بأهميته تلك , اجتماع طارئ

تحت مسمى ( التفاهم مع ابن شاهين في وضع الهازان )

عنوان زائف لاجتماع سري مستعجل لدول معينة مسماه الحقيقي

( التفاهم على طريقة لتسليم باقي الهازان سلما لمطر شاهين

وإخراج ابن راكان ومن حوله من البلاد وإن مرغما )

وكانت الرحلة للحدود أقصر مما تصور رغم طولها فقد قضاها بين

اتصالاته وأحاديثه مع مرافقيه متفائلا بما سيجري في ذاك الاجتماع

السري وكل اتصالاته تلك كانت تبشر بأن الأمور تسير في اتجاهها

السليم , خرجوا من البلاد ليستقبلهم الوفد الذي أوصلهم فورا حيث

الطائرة الخاصة التي كانت في انتظاره ليصل لبلاد ذاك الاجتماع

وكانت تلك الرحلة تكاد تكون بطول سابقتها رغم أنها كانت في طائرة

في الجو ليجدوا أنفسهم في تلك البلاد وتلك العاصمة ( لندن ) وفي

مبنى الاجتماعات بعد ساعتين من وصولهم قضى أغلبها في

اجتماعات قصيرة مع بعض المسئولين هناك .

دنى منه وهمس " ثمةرجال من صنوان في المبنى لم

يذكروا لنا ذلك !! "

عدل وقفته ونظر حوله وهمس " سندخل ثم نرى ما يكون هذا "

مر النادل بكؤوس الشراب في الصينية التي يحملها على راحة يده

وتعثرت قدماه أمامه لينسكب ذاك الشراب وسقطت الكؤوس وقد لوثت

قطرات كثيرة منه بنطلون بذلته فاستقام ذاك النادل يعتذر بخجل فأشار

له بيده أن يغادر وتحرك من هناك ليتحرك مرافقيه خلفه فورا فأشار

بيده موقفا لهم وتابع طريقه وتوجه حيث دورات المياه في ذاك المبنى

المحاط والمحصن أمنيا بحراسة مشددة , سلك الممر ووقف مكانه

ما أن عبره لتلك الردهة وما أن ظهر ذاك الشاب أمامه ووقف في

طريقه قاصدا فنظر له نظرة شاملة فهو يعرف هذا الوجه جيدا

( ابن شراع صنوان الأكبر ويده اليمنى في الداخل , من تواترت

الأخبار عن هجره لمنزل والده من أشهر والسبب مجهول )

عاد بنظره لوجهه ثم جال به في السقف وغضن جبينه مفكرا في

السبب الذي جعله يخرج له ويوقفه هنا تحديدا ؟ وفكر سريعا أنه لا

توجد مراقبة هنا وعاد وفكر في ذاك النادل واصطدامه به !! وخمن

أمكانية أن يكون صداما متعمدا ليكون في هذا المكان تحديدا ؟! عاد

بنظره لوجه الواقف أمامه , الوجه الذي حملت ملامحه كل أنواع

الحقد والكره وقد قال بجمود " هل سأحتاج لقطع كل هذه المسافة

لأقابلك وجها لوجه يا ابن شاهين ؟ "

عاد نظره لتقييمه من وجهه لقدميه صعودا لوجهه مجددا وقال

ببرود " أعتقد أني لم أهرب منك وأنه لا شيء لك عندي يجعلك

تتعب نفسك وتلاحقني "

علت ابتسامة ساخرة شفتا الواقف أمامه وقال وقد أدخل يده في

جيب بنطلونه " بلى لدي عندك شيء بل وشيء مهم جدا "

وتابع وابتسامته تلك تتحول للقهر والمرارة " خطيبتي وحبيبتي

التي كان زواجي منها وقت سرقتها أنت لتفسده علينا "

المخرج ~

بقلم الغالية : ام الانس

كل شيء يحول بيني وبينك
بيتنا بلاد واوطان ظننا انها تغرقنا
والخوف من الحب يشتتنا يبعثرنا
أخشى آلام الحب الذي درسنا
فلاحظي قيس بليلى ولاسعدا
ولا انا منذ دق قلبي لرؤياك هدءا
أحبك وكل شيء يحول بيني وبينك
أخاف الحب واوجاعه
أخاف الشوق ونيرانه
أخاف الحنين ولوعاته
كل شيء يحول بيني وبينك
انا لست أكمل البشر
قد يشعرني الفراق بالقهر
وأحيانا أخشى أن أقول أحكي عن الحب باللجهر
لكن أتمنى أن يعم السلام وتسقط راء الحرب
ويبقى الحب بلا اوجاع ولا أحزان مدى العمر
#خربشاتي بقلمي # كل الشكر والتقدير لك ميشو يامبدعة

~~~~~~~~

بقلم الغالية : عبق حروفي


أتتجرأ ؟! ..

إذا ضع عينگ بعيني ..
وانتظر ما سيأتي ..

أتتجرأ ؟! ..

إذا ابعد الإبتسامة ..
وتحدى بضرامة ..

أتتجرأ ؟! ..

إذا اشعل النار ..
وتحمل الأضرار ..

أتتجرأ ؟! ..

إذا تلحف بكفني ..
واسبقني لضريحي ..

أتتجرأ ؟! ..

إذا كُل العلقم ..
و تجرع السقم ..

أتتجرأ ؟! ..

إذا دع العناد ..
فجسورك ستهد كالرماد ..

أتتجرأ ؟! ..

إذا اعلن الحرب ..
وتسلح بالحب ..


نهاية الفصل ... موعدنا القادم مساء الجمعة إن شاء الله

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المشاعر, المطر, بقلمي, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 07:38 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية