لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-09-16, 08:54 PM   المشاركة رقم: 876
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 



جنون المطر ( الجزء الأول )


الفصل الخامس والعشرون



المدخل ~

بقلم الغالية : سما23


اعتراف مطر:

يا ابنة عمي .. أنت همي ..
عندما أُصبْت .. عندما فكرت أنه دنا أجلي .. فكرتُ بك .. لا بل أنت دائماً في عقلي .. بل في قلبي..
متى فقط تتنازلين عن عنادك وتعترفي بأنني في قلبك .. وتتنازلي عن مهرك لتنامي في حضني .. يا ابنة عمي .. اعترف لك .. عنادك يستهويني .. ذكاؤك يبهرني .. قربك يغريني ..
ملكتِ قلبي ... أنت حبي


اعتراف غسق:

كنتَ صوتاً عبر المذياع
كنتَ حديثاً في كل اجتماع
كان ذكرك يعني الحروب
كان اسمك يرعب القلوب
صرت لي أقرب إنسان
صار قربك يعني لي الأمان
اعترف لك .. لمساتك تضعفني .. نظراتك تفتنني .. قبلاتك تسقيني
ملكتَ قلبي ... صرتَ حبي



********
أمسكت ياقة قميصه بقبضتيها بقوة وقالت بعبرة وعيناها الدامعة

معلقة بعينيه " من يا مطر ؟ من فقدت من عائلتي دون أن

أراه لآخر مرة وأستسمح منه "

انزلقت يداه من وجهها وأنزل نظره ورأسه للأسفل هربا لا يعلم من

عينيها أم من دموعها , كم كره هذه المواقف كم تجلد وأجبر نفسه

على الصمود من أجل من ينقلها لهم ولا يعلم لماذا يضعه قدره في

مثلها دائما , نظر ليديها وأصابعها البيضاء الرقيقة حين هزته

من ياقته ووصله صوتها الأشبه بأنين ضبيه جريحة

" من يا مطر من ؟ "

أغمض عينيه ببطء وألم وهمس " كاسر "

فلم يسمع سوى صرختها وفتح عينيه ليجد أن يداها اختفت من أمامه

فنظر لها بسرعة وكانت منحنية للأسفل رأسها بين فخذيها تمسكه

بيديها وفي صرخة واحدة فأمسك بذراعها رافعا لها وقال بحزم

" غسق هذا قضاء الله لا تسمحي للشيطان أن يستغل صدمتك "

لكنها لم تكن تسمعه لم تكن تسمع شيئا ولا تشعر بشيء سوى بتمزق

قلبها لشطرين وبذاك الصوت القوي في رأسها وهو يكرر جملة

واحدة ( مات الكاسر مات شقيقك الوحيد ولن تريه مجددا )

حاول رفع رأسها حاول أن يتحدث وتسمعه لكنها كانت في حالة لا

وعي ولا شيء سوى صراخها المرتفع والدموع التي ترسلها عينيها

متلاحقة وبغزارة , شدها من ذراعها جهته أكثر ودفنها في حضنه

يكتم صرخاتها فيه يسمع بوضوح الركض على السلالم والأصوات

المتداخلة في الخارج , دفن وجهها في صدره أكثر يقبل رأسها

ويضمها له بقوة ولا شيء آخر يمكنه فعله لها فلطالما كره اللحظات

التي يعجز فيها عن مساعدة من يحتاجه لكن الموت لا يمسكه أحد

وواقع لا يغيره أحد مهما كان وفعل , ابتعدت عن حضنه وأمسكت

قميصه مجددا بقبضتيها بقوة وقالت بعبرة ناظرة لعينيه " قل أنه

كذب يا مطر قل أنها ليست حقيقة "

أمسك وجهها بيديه وقال " استرجعي بالله يا غسق واستخلفي به "

لكمت صدره بقبضتها بقوة صارخة ببكاء موجع " ماذا

سيخلفني عن شقيقي ماذا ؟ "

وانزلقت من بين يديه خارجة من السرير فوقف قافزا خلفها وأمسكها

بقوة صارخا " غسق توقفي عن الجنون "

عادت لضربه في أي مكان وصلته يديها صارخة فيه من بين بكائها

" أتركني أذهب له , أنت السبب أنت من حرمتني منهم من رؤيته

لآخر مرة في حياتي .... أنت يا ظالم يا متجبر "

هزها بقوة من ذراعيها صارخا فيها بعنف " غسق يكفي واذكري

الله , ما حرمتك منهم إلا كي لا نحرم جميعنا منك "

لكن عباراته تلك لم تجدي شيئا , كانت تتسرب لأي مكان وتصله إلا

أذنيها وعقلها فلا أقسى من أن تدرك أن شخصا تحبه كنفسك غاب

ولن يعود .. لن تجمعك به الحياة مهما امتدت .. لن تراه ولن تسمع

صوته والأقسى لن تطلب منه أن يسامحك حتى إن لم تخطئ

في حقه فكيف إن رأيت نفسك مخطئ


*

*

*



حضن ساقيه يدفن وجهه فيهما أكثر لا يشعر بالظلام حوله لا يشعر

ببرد الليل الخريفي وهو جالس مكانه خلف سور المنزل من الخارج

منذ ساعات طويلة ... لا يشعر بأي شيء سوى ألم قلبه الصغير من

حين عاد للمنزل واكتشف أنها لم تكن تحتاج طبيبا , نسي لحطتها أنها

لم تطلبه من قبل مهما اشتدت حالتها سوءا , هي أرادت فقط أن تبعده

عنها أن لا يراها تموت ويراهم يحملونها ويخرجون بها ويأخذوها

حيث لن ترجع أبدا , فبينما وصل المقر وأحضر الطبيب الذي

استجاب لطلبه فورا وقطع المسافة رجوعا ووصل كان كل شيء

انتهى كانت قد اختفت وهو من حرمته من البقاء بجانبها وهي

تفارق الحياة , حتى ماريه الطفلة كانت بجانبها ولم تختر غيره

ليكون بعيدا عنها , كانت متيقنة من أن تلك الصورة قد تمحى من

أذهان الجميع إلا هو , سيتجاوز جميعهم الحزن والصدمة إلا ذاك

فلذة كبدها من فعل الكثير من أجلها وما لم يكن يفعله ... سرق

وكد وتعب وتحمل أقربائها فاختارت أن تعفيه من أكبر مهمة

كانت تنتظره ولا يتمناها ويهرب حتى من التفكير فيها .. أن

يراها تموت تذهب وتتركه وحيدا .

شد ذراعيه على ركبتيه أكثر وهو يتذكر كلماتها بالأمس وهي

تشد من قبضتيها على يده وكأنها تعلم أنها لن تراه مجددا ( لا

تحقد عليهم يا تيم إن كان يعنيك رضائي عنك فلا تحقد عليهم

ولا تنتقم منهم يوما , لا تتحول لنسخة أخرى عنهم )

كان يستغرب حديثها ذاك فهي لأول مرة توصيه ! ويستغرب

أكثر أن قالت ما قالت في وجود ماريه وبطلب منها وهي تمسك

يدها مع يده وتنظر لعينيه قائلة ( ماريه أمانتك يا تيم مهما قست

الحياة عليك مهما أبعدتك لا تتخلى عنها لا تتركها لظلمهم لا

تخذلني ووالديها فيك يوم ألقاك عند الله بني )

" ماريه غادري "

صوت الخطوات البعيدة الخافتة كان ما أخرجه من صمته الذي

دام لساعات طويلة ولم يرفع رأسه أو يتحرك من مكانه وما أن عاد

صوت خطواتها الصغيرة للاقتراب حتى رفع رأسه ونظر جهة

خيالها الذي تراء له من بعيد رغم الظلام فصرخ بها بعنف

" عودي للمنزل حالا ماريه "

خرجت كلماتها الصغيرة مختلطة بعبرتها " ادخل أنت

أيضا تيم "

صرخ مجددا وبمرارة " لا مكان لي في ذاك المنزل فعودي

للداخل قبل أن يفتقدوك وتعاقبي "


كان يرى بوضوح هزها لرأسها الصغير رفضا فعاد لأمرها

بعنف كي تستجيب ولا تلقى منهم ما لا يحب " لن أدخل

فعودي أو ضربتك "

كانت خطواتها تقترب ببطء متجاهلة غضبه وتهديده فصرخ

بها وقد ظهر له وجهها ودموعها بسبب اقترابها أكثر

" مـــــاريه "

لكن ذلك لم يزدها إلا إصرارا وقد ركضت ناحيته وارتمت في

حضنه تتمسك بثيابه بقوة وقالت ببكاء " لا تذهب أنت أيضا

كعمتي تيم لا تتركاني كلاكما "

ضمها بذراعه واتكأ برأسه على الجدار ناظرا للأعلى ، هو يعلم أن

فقدها لها يكاد يساوي فقده فهي من كانت تعني الحنان لهذه الطفلة

التي فقدت والديها , كانت تحتك بها أكثر من عائلة عمها الذين

تعيش معهم , ومن شدة حبها لها كانت لا ترفض لها طلبا تطلبه

حتى الطعام كانت تسرقه لأجلها وتساعدها في أمور كثيرة وقت

تواجده في مقر الجنود فهي مثله كانت تعني الصحة التي فقدتها

والدته ووجدتها فيهما وتعني القوت الذي حرموها منه أولئك

المتحجرين ، أبعدها عن حضنه وقال ماسحا دموعها بكفه

" عودي للمنزل يا ماريه هل تريدي أن يضربك عمك أو

زوجته ؟ أنا لن أغادر من هنا "

شدته من يده قائلة " بل تدخل معي ، عمي قيس أخبر شيخ القبيلة

أنه سيترك تعيش في غرفة والدتك , لقد قال له ذلك أمامي "

قال بسخرية تنطق مرارة " قاله فقط أمامه , هو لن يقبل بي بعد

الآن وكان يتحمل وجودي مرغما "

وقفت وقالت تسحبه من يده " بل أخبره الشيخ أن لك أرث والدتك

في المنزل والمزرعة وأن عليهم دفعه ليدخل تحت وصاية ابن

شاهين وأن يتناقشوا مع الزعيم مطر في أمر سكنك فقال أنه لا

مكان لك وستعيش معنا ، هيا يا تيم فلن أدخل إلا معك حتى

إن قتلوني "

وقف ينفض التراب عن ثيابه متمتما بضيق " حمقاء

ما الذي تستفيدين منه إن قتلوك "

سحبته سائرا خلفها ولم تكترث لما قال وذهنه مع السبب الذي

يجعل ابن عم والدته يستقبله في منزله وإن كان لجدهم ! وفكر أن

إرثه قد يكون السبب فوالدته الابنة الوحيدة لعمهم الوحيد وهم ثلاث

أبناء أي أن لها نصيبا يساوي نصيبهم تقريبا , ما أن وصلا لسور

المنزل ودخلاه وقف وقال " اذهبي الآن فها قد دخلت , عودي

للمنزل قبل أن يشعروا بخروجك "

قالت وعيناها معلقة بوجهه " هل أحضر لك طعاما ؟

يوجد خبز في الخزانة "

هز رأسه بلا وقال بعبوس " لا أريد شيئا سوى أن تغادري

ماريه قبل أن تعاقبي بسببي "

هزت رأسها بحسنا وغادرت من هناك راكضة حتى سمع صوت


باب المنزل يغلق برفق فتوجه جهة غرفته ووالدته , الغرفة التي

لم يكن يريد دخولها مجددا ويراها فارغة لا تنام معه فيها , لأول

مرة تتركه وحده فلم يكن يتحملها إلا لأنها تتنفس وسط جدرانها

وصل للباب وما أن وقع نظره على سريرها الخالي حتى ركض

جهته وارتمى عليه ونزلت الدموع التي ظن أنها جفت من

ساعات لتروي لتلك الأغطية البالية الكئيبة آخر فصول

حنان والدته الذي غاب معها

*

*


نظرت بحزن للنائمة على السرير لا تعلم عما يجري حولها شيئا

خداها محمران بشدة ورموشها لازالت مبللة بالدموع وتنفسها لم

ينتظم حتى الآن فلم تكن ليلة تلك التي مروا بها ولأول مرة تحمد

الله أن مطر هو من نقل خبر موت أحدهم وما كانت لتعلم كيف

سيتصرفون إن لم يكن هنا , نقلت نظرها له جالسا على الكرسي

في صمت ينظر للأرض يسند مرفقيه بركبتيه وهذا حاله وتلك

جلسته منذ أن أنزلها هناك بطلب منها لأنها لن تستطيع صعود

السلالم , قالت بهدوء " ألن تؤثر عليها الحقنة يا مطر ؟ "

هز رأسه بلا وهمس من دون أن يرفع رأسه ونظره

" هو مهدئ فقط عمتي "

عادت بنظرها لها وقالت بحزن " كانت صدمتها شديدة ضننت

أنها ستفقد عقلها ما أن سمعت الصراخ "

قالت جوزاء من خلفها والتي رابطت في الغرفة معهما

" كيف مات ؟ "

قال مطر بعد صمت لحظة " حادث سيارة داخل الحدود "

شهقة قوية من كليهما كانت ردة الفعل الأولى وقد قالت عمته

بصدمة " داخل الحالك !! "

هز رأسه بنعم دون كلام فقالت ناظرة له بتوجس

" هل كن مطاردا يا مطر ؟ "

مرر أصابعه في شعره وقال " لا ... اصطدمت

سيارته بشجرة "

حركت جوزاء رأسها بأسى وقالت " ومن سيصدق ذلك ؟

سنتهم بقتله بالتأكيد "

رن هاتفه مالئا الغرفة بضجيجه مجددا فنظرت له عمته وقالت

" أجب عليه يا مطر أو اذهب لهم ستكون بخير وسنكون

بجانبها لا تقلق "



بقي على حاله لبرهة ثم وقف حاملا سترته معه وقال مغادرا

جهة الباب " اتصلوا بي بهاتف عمي إن لزم الأمر "

وغادر من هناك مجيبا على هاتفه وقد قال مباشرة " قادم لكم

جهزوا تقرير الطبيب الشرعي واسحبوا السيارة للحدود

لنسلمها لهم مع جثته "

ركب سيارته وقد قال من في الطرف الآخر " لم نصل إلا

لشقيقه المدعو رعد , شراع في المستشفى من قرابة

اليومين بسبب جلطة دماغية "

مسح وجهه بكفه مستغفرا الله وهمس " وما حالته ؟ "

قال ذاك من فوره " ما وصلنا أنها جلطة خفيفة وقد يخرجوه

خارج البلاد اليوم للعناية به جيدا , سنسلم الجثة والسيارة

لشقيقه وأعمامه "

أنهى المكالمة معه ورمى الهاتف جانبا ومرر أصابعه في شعره

وهمس مغمضا عينيه " ليس وقت رحيلك يا شراع , صنوان

تحتاجك بشدة يا رجل "

استغفر الله مجددا وشغل سيارته وتحرك من هناك متمتما

" لا يصيب ذاك الرجل شيء وتجن لنا هذه الفتاة "

*

*


كان ينظر لمن حوله بضياع يشعر أنه في كابوس بل في حلم لم يفق

منه بعد , هل ذهب ليبحث عنه ليأتوا به هنا ويخبروه أنه مات !!

من هذا الذي مات ؟ من قال ذلك ؟ من هم ؟ هز رأسه بقوة ولو يعلم

من يتحدثون حوله دون توقف بحاله لرحموه من أصواتهم على الأقل

والده المريض شقيقاه اللذان اختفيا جهة الحدود والآن ..... الكاسر

مات !! هل قالت الحالك أنه مات داخل أراضيهم !! هل قالوا فعلا

أنه مات ! صرخ فوق أصواتهم جميعا " ليصمت الجميع يا رجال "

ليعم ذاك المجلس صمت تام وكأن جميع من فيه اختفوا ونقل نظره

من عمه الذي شحب وجهه بشكل لا يمكن تصوره لخاليه اللذان

لم يكن حالهما أفضل منه فعلم حينها أن ما سمعه حقيقة أن ما

حدث لم يكن مزحة من أحد , علا تنفسه وهبط بسرعة خاطفة

وقد تاهت عيناه في ذاك المكان المزدحم بوجوه الرجال , لا

يمكنه البكاء والنحيب الآن كالنساء لا يستطيع أن يعبر عما في

داخله فكل شيء يحتاجه ... لا يوجد من عائلة شراع صنوان

الآن غيره , الناس في حالة فوضى الهرج والشائعات , خرج

صوته أجوفا وكأنه يتهاوى لقعر بئر بحنجرة متصلبة وعينان

لمعت بوضوح من سجن الدموع قائلا بصوت وصل لجميع من

حوله " من اتصل بي كان أحد أقرب رجال ابن شاهين وقال أنه

حاول بنفسه الاتصال ليلة أمس وما قاله لا يستجلب كل هذه الجلبة

كان كلامه واضحا وبأنهم سيسلموننا جثته والسيارة أيضا وتقرير

طبيبهم الشرعي وسنعرضه على طبيب آخر في صنوان وسنتحقق

من كلامهم ومن أنه لم يمت مطاردا أو برصاص رجالهم , ثم لا

تنسوا أن ما حدث حدث داخل أراضيهم والكاسر تسلل

لها دون أذنهم "

علا صوت أحدهم معترضا فأسكته شقيق شراع الأوسط قائلا

" رعد معه حق دعونا نتأكد أولا من أن الحالك هي سبب موته

لا تؤججوا البلاد في وضع لا يحتاج تأجيجا , لو كان الزعيم

شراع بيننا الآن ما خالف رأيه رأي ابنه , وما نجحت الزعامات

لولا الحكمة والتروي فلا تجعلوا مصيرنا كمصير ابن راكان

يوم انساق ورجاله خلف تهورهم "

بدأ اللين يجتاح بعض ملامح المحيطين بهم وإن كانت الصدمة لم

تتخطى وجوه الجميع فتلك فاجعة مع حالة استثنائية وجميعهم يعلم

أن كسب هدوء ابن شاهين يعد غنيمة وأنهم إن أثاروا غضبه لن

يضمنوا ردة فعله , عاد رعد للحديث مجددا وإن كان تنفسه بدأ

يفقد اتزانه وقال بما استجلبه من حزم " لسنا أول من فقد ولا أول

من مات له فلا تحولوها لمجزرة قد نخرج نحن منها الخاسرين

ترووا يا رجال حتى نفهم الحقيقة , وإن صدق رسول ابن شاهين

يكون الذنب من طرفنا في تعدي أراضيهم من قبل ابن زعيم

صنوان فخذوا هذا في اعتباركم فهم لم يذكروا ذلك أبدا ولم

يلومونا فيه ولم يطالبوا بأرض مقابلا للرجل الذي مات

في الصدام وهو منهم "

تاهت نظرات رجال أكابر قبائلهم يتقاذفونها كالكرة بينهم وقال

أحدهم " والحل الآن هل نُنصب نائبا عن الزعيم شراع حتى

يستعيد عافيته لتجتمع كلمتنا في رأي واحد أم ماذا ؟ "

توجهت الأنظار له فورا فرفع كفه قائلا " أعفوني منها يا رجال

والدي حالته بدأت تستقر لن أكون ندا له أبدا دعونا نتحلى بالحكمة

والتروي حتى يرجع ليقف بيننا ولنأخذ الرأي السليم من أعقلنا في

كل مسألة , وإن أردتم تنصيب غيره كزعيم ثابت فلكم

ذلك ووالدي لم يعارضه يوما "

علت صيحات الاحتجاج فورا فرفع يده مسكتا لتلك الأصوات بكل

أدب وقال " القطر يحتاجنا جميعنا إذا وكما كان يفعل والدي جنبوا

أنفسكم القتال قدر الإمكان ولينب عمي وأخوالي عن مجلس

والدي وعزاء ابنه حتى أعود "

وخرج من عندهم فورا مسرعا الخطى يضرب بخطواته الأرض

وكأنه يستجدي منها تثبيت قدميه , توجه فورا للمنزل حيث صوت

البكاء الذي كان يتعالى تدريجيا مؤكدا له أكثر تلك الحقيقة المفجعة

دخل من المدخل الجانبي حتى كان في الردهة الصغيرة المطلة على

بهو المنزل الواسع وناد بصوته الجهوري مرتفعا فوق أصوات

بكاء النساء " عمتي "

وما هي إلا لحظات وخرجت له من خلف الباب الشبه مغلق وأغلقته

خلفها , وجهها احمر وشاحب وجنتاها المنتفختان ودموعها التي لازالت


تبلل خديها كل ذلك لم يزده إلا ضعفا وحزنا , توجهت نحوه مسرعة

وضمته بقوة مطلقة العنان لدموعها ونحيبها الموجع وقد لف ذراعيه

حولها ونزلت تلك الدموع التي يسجنها منذ تلقى ذاك الاتصال .

هنا يمكنه أن لا يكون رجلا قويا صلبا , هنا فقط يستطيع أن يعبر عما

يحرق فؤاده المذبوح لفقد شقيقه الأصغر , هنا لن يحاسبه أحد على تلك

الدموع التي سكبها على سواد شعر عمته ... واحدة من أكثر امرأتين فكر

في وضعهما بعد تلك الفاجعة ( عمته وغسق ) هذه يصل لها أما تلك فلن

يعلم بحالها غير خالقها وقد تكبلت يديه أن يطلب ذلك من ابن عمها ولو

أن يسمع صوتها في الهاتف بعدما علم أنه يعلم بأنها ليست شقيقتهم


مسح دموعه بكم قميصه حين انفتح الباب مجددا وخرج منه خالتاه

وابنة عم والده وزوجتي أخواله مقتربين منه يتلقى التعازي ولا شيء

يعزيه فقدهم فقد ودعوا ابنة وبالحياة ليلحقها شقيقه في ذات العام

ووالده مريض وشقيقاه الآخران لا خبر عنهما ففي ماذا سيعزونه !

*

*

نظرت بحب وحزن للجالسة في حجرها والتي بدأت شيئا فشيئا

تحتك بأبناء شقيقتها وإن بتحفظ وعن بعد بعدما كانت لا تتقبل

وجودهم أبدا , فبعد نصيحة الطبيب لهم بدمجها مع أقرانها من

الأطفال بدأت بالمحاولة تدريجيا , ومن الرفض القاطع لهم

أصبحت تشاهدهم من بعيد وهم يلعبون ويضحكون وبعد وقت

أصبحت تظهر ابتسامتها الجميلة عند بعض المواقف المضحكة

إن سقط أحدهم أو ضحكوا من أمر ما وكل ذلك كان وهي تجلس

في حجرها ومتمسكة بها بقوة لا أحد منهم يقترب منها لا يكلمها

ولا يلمسها , أما الآن أصبحت أحيانا تترك حجرها لتجلب إحدى

لعبهم اليدوية وترجع للجلوس فيه وذاك كما قال الطبيب تحسن

ملحوظ جدا وما عليهم إلا الصبر والمثابرة .

مسحت على شعرها بحنان وقبلت رأسها برقة فقد فقدت الأمل

للحظات حين أخبرها عكرمة أن والدتها وزوجها في الطريق

لمنزلهم وعليها تسليمها لهم فور وصولهما ثم كادت تفقدها حين

قرر مطر أخذها منهما لغضبه لما حدث وقد خرجت له بنفسها

وترجته أن لا يفعل بما أنه لن يسلمها لوالدتها ووافق حينها على

الفور ولم تصدق عينيها وهي ترى تحول ملامحه من الغضب

للين ما أن رأى دموعها ورجائها الباكي ووافق على أن تبقى

معهما , ضمتها بذراعيها لصدرها بقوة لحظة جلوس شقيقتها

قائلة بابتسامة " ما أجملها من طفلة لا تشبعين من

النظر لوجهها وعينيها "

قبلت خدها بدفء وقالت مبتسمة " أجل ولا أتخيل كيف ستكون

وهي امرأة ناضجة , لا حرمني الله من رؤية هذا الوجه كل

صباح "

قالت تلك ونظرها على ذاك الوجه الصغير الدائري قد شابت

بياضه حمرة خفيفة كما عرف عن قبيلة جدتها " وماذا قررتما

بشأن مرضها وحالتها ؟ "

نظرت لها فاطمة وقالت تمسح بيدها على ذاك الشعر الحريري

المائل للشقار " عكرمة قال أن الزعيم مطر طلب طبيبا متخصصا

سيدخل الحالك قريبا مع بعض الأجهزة الحديثة وسيستلم حالات

كثيرة من ضمنها زيزفون وعمته فكما تعرفيه لن يجلب طبيبا

من أجلها فقط ولن يأخذها وحدها للعلاج خارج البلاد "

هزت تلك رأسها بموافقة وقالت " أعانه الله على حمل

الأمانة والعدل فيها "

رفعت تلك وجهها الصغير ونظرت بعينيها الزرقاء الواسعة

للأعلى حيث وجه الجالسة في حجرها وقالت بصوتها الرقيق

المنخفض " ماما طعام "

ضمتها بقوة مقبلة خدها وقالت تقف موقفة لها معها " حبيبة

ماما الآن حالا نأكل "

*

*
رفع رأسه الذي كان يدفنه في ركبتيه جالسا فوق سرير والدته ما

أن سمع صوت باب الغرفة يتحرك فها قد تناصف النهار واقترب

المساء ولم يرى أحدا لم يزره أحد ولا يعلمون حيا كان أو ميتا ومرة

وحيدة تلك التي سمع فيها صوت زوجة ابن عم والدته حوراء تناديه

من الخارج فأولى الباب ظهره ومثل النوم لا يريد رؤية أحد منهم ولا

التحدث معهم فجميعهم في نظره أهملوا والدته حتى فقدها , كان ذاك

صباحا ومنذ ذلك الوقت لم يتحرك باب الغرفة إلا الآن كاشفا عن الجسد

الصغير الذي ترفعه على رؤوس أصابعها ممسكة بمقبض الباب المرتفع

بالنسبة لطولها تحمل في يدها الأخرى كيسا بلاستيكيا صغيرا , دخلت

تنظر مبتسمة للجالس هناك رغم عبوس ملامحه ووجوم وجهه الكئيب

اقتربت من السرير وصعدت له تدفع نفسها فوقه وجلست مقابلة له

وفتحت الكيس قائلة وهي تخرج ما فيه " لقد أحضرت لك خبزا

وجبنا وطماطم أيضا , لم يذهب النسوة إلا الآن لأدخل للمطبخ "

أشاح بوجهه جانبا وقال بهمس وبرود " لا أريد ماريه شكرا "

رفعت نظرها له وقالت بحزن " لكنك لم تأكل شيئا وزوجة

عمي طردتني حين طلبت منها أن آخذ لك من الغداء فلم آكل

أنا أيضا وسآكل معك الآن "

قال ونظره لازال عند باب الغرفة هناك " كلي أنتي أنا لا رغبة

لي في الأكل ولا تضربي عن الطعام من أجلي مجددا لأنك

وحدك من ستكونين الخاسرة "

مدت له رغيف الخبز متجاهلة كل ما قال قائلة " عمتي كانت

ستغضب منك إن بقيت دون طعام فهل تحب أن تغضبها "

نظر لركبتيه وذراعيه الملتفة حولهما يجاهد دموعه فوصله صوتها

مجددا " كل من أجلها يا يتم هي قالت لي مرارا أنها تريدك أن

تكبر وتصبح رجلا يفخر به الجميع وأولهم هي "

مد يده وأخذ منها رغيف الخبز وقد قبض عليه في يده بقوة حتى

كاد يفتته بين أصابعه ثم قضم منه قضمة صغيرة شعر بها كالحجر

في فمه وكالعلقم في حلقه يأكله ببطء كي تأكل الجالسة أمامه وهي

تمد له الجبن والطماطم كل حين كي لا يأكل الخبز جافا , نظرت

لمسبحة والدته التي يلفها حول معصمه وأنزلت يدها والخبز فيها

لحجرها ونظرها عليه وقالت بحزن تجاهد عبرتها " ألن نرى

عمتي مجددا تيم ؟ هل غابت مع والداي حقا ؟ "

مسح عينيه بظهر كفه بقوة ماسحا الدمعة التي غلبته وهمس بأسى

" نعم فها قد أصبحنا متساويين أنا وأنتي "

هزت رأسها بلا وقد نزلت دموعها وخرج صوتها مختنقا

" أنا فقدت والداي وعمتي , فقدت كل شيء أنت لست مثلي "

ابتسم بمرارة ومد يده يمسح دموعها قائلا " يكفي بكاء أو غادري

الآن أنا مثلك لا أحد لي ومثلك حتى من وجد حيا وكأنه ميت لقد

تخلوا عن والدتي سابقا جميعهم من كان هنا أو خارج البلاد

ولن أعترف بهم أبدا "

*

*

ما أن دخل ووقف أمامهما حتى نظر لهما بصمت ينتظر ما

سيقولانه دون سؤال وذاك ما حدث فعلا فقد قال تميم من

فوره " سلمناهما لشقيقه وبعض رجالهم وجنودهم عند

حدود حجور "

عقب عمير مباشرة " لم يبدر منهم أي كلام ولا اتهام حتى

أنهم لم يسألوا عن شيء ! "

هز رأسه موافقا وقال بهدوء " رعد يشبه أبيه , أكثر من يتحلى

بحكمته وفهمه للأمور وهدوئه من بين أبنائه , ما كنت لأتوقع

منه غير ما قلته "

ثم تابع ونظره على عينيه " ماذا يجري مع متدربك هنا

هل الأمور على ما يرام ؟ "

ضحك عمير وقال " في الأسلحة وحفظ المعلومات جهاز حاسوب

متطور لكن في الأمور الأخرى أعند من الصخر ولا يمكن تدريبه

على اكتساب أقل خبرة في النساء ويبدوا غضب مني فلم يأتي

اليوم "

أدخل مطر يده في جيبه وقال ببرود " أبعد النساء وأمورهن عنه

هو يحتاج لخبرتك لا أن تحلل نفسيته "

حرك عمير كتفه مبتسما وقال " أنا أخشى فقط أن تهزمه مستقبلا

امرأة وبكل سهولة ويذهب كل تعبنا هباء "

قال بابتسامة ساخرة " لا تخف عليه تلك الأمور فطرية

لن تعلمها له أنت "

وتابع وقد نقل نظره بينهما " سأغادر أنا الآن لحوران إن جد

شيء اتصلوا بي وليس إلا الضروري فقط كما اتفقنا "

هزا رأسيهما بالموافقة وكان تميم سيتحدث لكنهم التفتوا ثلاثتهم في

حركة واحدة جهة الباب لصوت ركض الجنود في الخارج والأصوات

المريبة والمتداخلة للأحاديث فركضوا من هناك ثلاثتهم للخارج عبر

الممر الطويل وقد اقترب منهم أحد الجنود قائلا باندفاع

" سيدي الهازان إنها .... "

وضاعت الحروف في حنجرته من لهاثه والصدمة على ملامحه

فأمسك مطر بطرف ياقة سترته العسكرية المفتوحة وقال يستنطقه

بحزم " ما بها الهازان تحدث ؟ وما سر كل هذه الجلبة ؟ "

قال متلقفا أنفاسه " قبائل بطاح جميعها تمردت على ابن راكان

والحرب سجال بينهم وبين جنوده في الداخل ومدن بطاحة

الخمس تستجد باسمك في قنوات المذياع "

ترك ياقته بقوة وركض مسرعا هامسا من بين أسنانه

" لا تتقاتلوا لا يا الهازان لا تهدروا دماء أكثر "

ووصل سيارته في وقت قياسي ركبها وتميم وعمير معه وانطلقوا

وهاتفه على أذنه يصدر الأوامر لفصائله من قبل وصوله لهم آمرا

جميع جنوده بالتحرك للحدود واستجلاب باقي الوحدات في مقراتهم

عند حدود صنوان جميعهما بدون استثناء عدى الحراسة البسيطة فما

يفصلهم عن تلك القبائل ومناطقها حدود الخمس مدن والوصول لهم

لن يكون سهلا أبدا وعليهم التحرك سريعا وبقوة مضاعفة , لذلك

كانت وجهتهم محددة دون سابق تفكير ولا قرار و قد أسدل الليل

ستاره عليهم وهم يشقون تلك الطرقات وهدفهم حدودهم الجديدة

مع الهازان حيث ينتظره جنوده وقد شنوا أول هجوم لهم على

البلدتين الأقرب في مثلث الحدود معهم بأوامر منه ولا يزال

أمامهم المزيد


*

*

دفع باب المنزل ودخل مصدرا صريره الخفيف في صمت المكان


الواسع المظلم وكان سيتوجه لغرفته لولا أوقفه الخيال الذي ظهر في

أول الممر ولم تكن سوا عمته التي اقتربت منه وقالت ماسحة على

ذراعه ولازال صوتها متأثرا من بكائها لساعات طويلة

" رعد هل أحضر لك شيئا تأكله بني ؟ "

هز رأسه بلا وقال بهمس " أريد أن أنام قليلا فقط عمتي

هذا إن زار عيناي النوم "

مسحت الدموع التي تساقطت من عينيها وهي لم تهجرها إلا

من وقت قصير وقالت بعبرة " قضاء الله يا رعد ولا راد له

هل أخبرت والدك ؟ "

هز رأسه بلا وقال " كيف نفعلها وحالته في تحسن بطيء

الطبيب طمئننا كثيرا وحذرنا من إخباره , سننتظر حتى

تستقر حالته أولا لن نفقد اثنين معا بغباء عمتي "

هزت رأسها بحسنا وقالت " وماذا عن جبران ورماح ما

حدث بشأنهما ؟ "

قبض يده بقوة وقال بأسى " جبران حضر وقت الدفن وتلقى العزاء

في المقبرة كان سيغادر من فوره لولا أدركته وقال أنه فقد رماح

عند الخط الداخلي لحدود الحالك وقد باغتتهم دورية مراقبة

وخرج ولا يعلم عنه ولم يراه أحد "

وضعت يدها على فمها تمسك شهقتها وقالت ببكاء " هل سنتلقى

خبره من ابن شاهين أيضا ؟ لا تقلها يا رعد لن تفنى عائلة

شراع على حدود ذاك الرجل "

هز رأسه بحيرة وقال " لا أعلم عمتي ! لو أنهم قتلوه لكان أخبر

بذلك , هو لن يخاف أحدا ولن يتستر على جنوده , هما يومان

فقط إن لم يظهر سأذهب للبحث عنه بنفسي "

أمسكت ذراعه بقوة وقالت بحزم " ما هذا الجنون يا رعد ؟

أنت تقول هذا لا أصدق !! "

قال بضيق " عليا إيجاده عمتي , رجال ابن شاهين عادوا لضرب

حدود الهازان وقبائل بطاح تنتظر وصولهم وقد حذو حذو قبائل

جيروان وتمردوا على ابن راكان وهذه المرة لم يرحمهم ذاك

الرجل لذلك تحرك ابن شاهين وأخذ جميع جنود الحدود معنا

فالتسلل سيكون آمنا , عليا أن أجده عمتي فقد يكون مصابا

في مكان ما أو محتجزا وإلا ما اختفى هناك ولا وجود

له هنا "

ضربت كفيها ببعض وقالت بعبرة " حسرة قلبي عليكم يا أبناء

شقيقي , من هذا الذي أصابكم بعينه القوية شتتكم هكذا ؟ "

قال بضيق " عمتي ما هذا الهراء ؟ ألا وجود لشيء أسمه

أقدار الله "

قالت بضيق مماثل " والعين حق وما أراها إلا هي فتكت بكم

أربعة رجال حول والدكم لا ترفضون له طلبا ولا تردون له

أمرا تحكي بكم قبائل صنوان جميعها وتتمنى نسبكم "

هز رأسه بيأس منها وقال " عمتي رأسي يكاد ينفجر وأريد

أن أنام ورائي أمور كثيرة تنتظرني "

أمسكت يده وقالت " وما قال الطبيب بشأن سبب موته "

تنهد بقلة صبر وقال " موته كان بسبب الحادث والحادث كما

قال رجل ابن شاهين بسبب اصطدام السيارة بشجرة كبيرة بعد

انحرافها عن الطريق واصطدامها بسيارة أخرى , رجال

الحالك لم يمسوه بشيء "

جمعت كفيها عند فمها وقالت ببكاء " رحمك الله يا كاسر ليت

والدك تركك تحضر زوجتك وما تهورت هكذا وفقدناك "

ضمها لحضنه بقوة وقد نزلت دموعه رغما عنه وقال " قدر

الله وما شاء فعل عمتي فتعوذي من الشيطان "

ثم أبعدها عنه وقال " ثمة دم آخر في الكرسي بجانب

كرسيه عمتي "

قالت بصدمة ودموعها لازالت على خديها " هل كان

أحدا آخر معه ؟ هل هوا رماح ؟ "

هز رأسه بلا وقال " لكان سلمه ابن شاهين لنا أو قال بأنه مصاب

وموجود لديهم يبدوا أنه شخص منهم أمسكوه هم والله يعلم

حيا أو ميتا "

هزت رأسها وقالت بحيرة تمسح دموعها " هل تعني

أنها زوجته تلك ؟ "

هز رأسه بنعم وقال " لا احتمال آخر غيره عمتي "

غادرت من عنده تضرب كفيها متمتمة بحسرة وبكاء مؤلم حتى

اختفت فتحرك نحو غرفته يجر خطواته حتى كان مرتميا على

سريره يهرب من التفكير في من فقدوه بمن اختفى وعليه

إيجاده قبل أن يفقدوه هو أيضا



*

*


رمت اللحاف من على رأس النائم بجانبها وقالت بضيق " قيس

اجلس الآن وتحدث معي هل أتكلم مع الجدار ؟ "

شد اللحاف منها بقوة وغطى به رأسه قائلا " نامي يا امرأة أو

قسما نمت في منزل أهلك مطلقة "

نفضت يديها قائلة بغضب " مطلقة مطلقة أرحم لي من

هذا الحال "

جلس ورمى ذاك اللحاف عنه وقال بغضب مماثل " خلصيني

لأنام لقد تكسرت قدماي من الوقوف اليوم في العزاء لتستقبليني

هذا الاستقبال الحافل بدلا من أن ارتاح "

ضربت بطن كفها بظهر كف الأخرى ناظرة لهما وقالت " الآن

تخبرني لما قبلت بابن الهازان ذاك هنا ؟ والدته وانتقلت لبارئها

لما نحتفظ به لدينا ؟ هل سيتحول المنزل لمأوى للأيتام "

قال بحدة " وما كنت تريدين أن أفعل ؟ أدفع المال ثمنا لنصيب والدته

ونبيع الأرض ؟ هل هذا هوا الحل برأيك ؟ ثم المنزل لوالدي من جدي

أي لا يمكننا طرده منه سيلحظ الجميع ذلك ويقع اللوم عليا من ذاك
العجوز شيخ القبيلة فلم تري نظرته وهوا يخبرني بأنه سيناقش وضع

ذاك الفتى مع الزعيم مطر وكأنه يقول لي تحمل قراراته الحازمة التي

أنا أعلم منه أني سأكون الخاسر فيها فكان عليا إسكاته بتركه في تلك

الغرفة ويبقى نصيبه تحت الوصاية وهو في عهدتنا أفضل من أن

يضمه ابن شاهين لخزينة من هم في مثل وضعه يكفي نصيب

ماريه بين يدينا ولا ننتفع به "

نفضت اللحاف قائلة " لا أطيق رؤية ذاك الفتى أمامي يكفي أني

فقدت ابني وهو حي لا نفع منه , عليه أن يذهب للعيش في مدن

الهازان كغيره أنا لا أريده "

أمسك ذراعها وأدارها ناحيته حتى نظرت له وقال " حمقاء وطوال

حياتك تبقين حمقاء هل نسيت أن ظافر مات أي أن زواجه المستقبلي

من ماريه طار أدراج الرياح وكل ما تركه لها والدها وما ورثته من

والدتها سيضيع ما أن تكبر وتبلغ وتتزوج , سيطمع فيها الجميع حينها

وسيتقدمون لخطبتها ما أن تتجاوز العاشرة وسنبقى أنا وأنتي هنا

في منزل يملكه الجميع ولن يحدث شيء مما خططنا له "

قالت بضيق " ما هذا التخريف ؟ ما تقوله كان سيحتاج لسنين

ليحدث لتكبر هي ويكبر ظافر هل سننتظر كل تلك الأعوام ؟ "

قال بقهر المغبون " بل كنت أخطط لفعلها في سنهما هذا

لكن الموت كان أسبق له "

نظرت له بصدمة وقالت " كنت تخطط لتزويجها به وهي في

هذا السن ؟ من سيوافق على هذا ! هل تريد أن تأكل الناس

وجهينا يا قيس ؟ "

تأفف وقال " كنت سأجد لها حلا وها قد ضاع كل ذلك ولا

بديل إلا ذاك الفتى الكنعاني إن تزوجها رفعت الوصاية

عن أموالها وأخذنا كل شيء "

تنقلت بنظرها في ملامحه وكأنها تستمع لمجنون أمامها فقال

بجدية " فكري فيها جيدا ... لو عقد عليها طارت وصاية ابن

شاهين عليها ولن تسلمها له طبعا لأنها طفلة وسنتدبر أمر

سحبها جهتنا بحجتها هي هل فهمت الآن ؟ "

قالت بحيرة " ماذا سأفهم من ماذا ؟ كيف ستزوجها به وهما

في هذا السن يا قيس ! قل شيئا يستوعبه العقل "

اضطجع وقال ساحبا اللحاف فوق جسده " لدي طريقة ستحقق

ذلك نامي أنتي الآن واطمئني فذاك الفتى مفتاح ثروتها الوحيد

وانتقالنا من هذا الفقر المدقع ولن نفرط فيه حاليا "

*

*

*

فتحت الباب بهدوء كي لا يصدر أي صوت ونظرت من خلاله

للجالسة عند رأس النائمة على السرير وهمست " نامت ؟ "

هزت نصيرة رأسها بنعم وتحرك بالكرسي جهة الباب حتى خرجت

منه وأغلقته حبيبة بهدوء هامسة " سأنام أنا معها , سأحضر فراشا

وسأكون بقربها عليك أن ترتاحي أنتي في غرفتك وتنامي سيدتي "

هزت رأسها بحسنا وقالت بحزن " ما ضننت أنها ستنام , لقد بكت

حتى فطرت قلبي وما يزيدها سوءا أنها لم تراه من أشهر فكل ما

كانت تردده من بين نحيبها ( ليتني رأيته فقط وطلبت منه أن

يسامحني ( "

مسحت دموعا غلبتها وقالت بأسى " تبدوا متعلقة به كثيرا

رحمه الله وأسكنه جنته "

أممت تلك خلفها هامسة بحزن وتحركت بكرسيها قائلة " مطر أين

يكون ؟ هو من يفترض به أن يكون معها الآن , هي تحتاجه أكثر

ما تحتاجنا نحن وما تحتاجه مشاكل قبائله "

أمسكت حبيبة بمقبضي الكرسي تساعدها في سحبه قائلة باستغراب

" ألم تسمعي ما حدث سيدتي ؟ "

نظرت لها فوقا وقالت باستغراب أكبر " ما حدث في ماذا ؟

أنتي تعلمي أني لم أتحرك من عند غسق "

قالت حبيبة مندفعة " لقد تجدد القتال عند الحدود , بطاح من أكبر

قبائل الهازان تمردت على ابن راكان بعد موت ست شبان منهم في

غموض تام هو المتهم فيه وقد ضرب مدنهم بالدبابات وهم في منازلهم

واستنجدوا بالزعيم مطر وهو في زحف متواصل متجها نحوهم

والقتال محتدم منذ ساعات "

ضربت تلك كفيها ببعض وقالت بقلق " يا رب سترك يا رب سلم

خذيني لجناح صقر بسرعة يا حبيبة "

أوصلتها هناك فورا وتركتها عند الباب وغادرت فدخلت تدفع

كرسيها حتى وصلت باب غرفته وطرقت عليه وأذن لها بالدخول

فورا ففتحته ودخلت وكان يغير ثيابه يلبس سترته بعدما زرر

قميصه الأبيض فقالت بقلق " ما الأخبار لدى مطر يا صقر ؟ "

قال يعدل ياقة السترة باستعجال " وصلوا لخضوراء والمعركة في

صالحهم حتى الآن , ما أن أصلي الفجر سأغادر علينا أن نوفر لهم

الإمدادات هذه الحرب لم تكن في الحسبان رغم تحوطنا لها لكن ليس

خمس مدن دفعة واحدة هذا غير مدن بطاح الخمس خاصة وأنه

ثمة أراء دولية جعلت مطر يتريث قليلا ويوقف زحفه , لكن

الهازان يبدوا تآكلت من الداخل فعلا وأصبح مطر

خلاصهم وليس عدوا لهم "

همست بدعاء خافت من قلبها لشفتيها لرب السماء ثم قالت " متى

سنرتاح يا صقر في كل مرة يشغل بالنا عليه لأيام وزوجته إن

حدث له شيء قد تفقد عقلها من الصدمات المتتالية "

رفع ساعته وقال وهوا يلبسها " كيف هي الآن ؟ "

هزت رأسها بحزن وقالت " أفضل بقليل رغم أن حالها لا يسر "

همس بحزن مماثل " أسال الله أن يرحمه ويلهمها الصبر كل

الصدمات تحتاج لوقت ليتعايش معها الشخص "

هزت رأسها بموافقة دون أن تعلق وقد تحرك هو جهة الباب

فقالت ملتفتة مع حركته " طمئنا عنه وعنك يا صقر "

قال مجتازا الباب بسرعة " دعواتكم له يا نصيرة لا تنسوه "

وغادر ودعائها الصادق الحنون يتبع خطواته هامسة " ليحفظكم

الله ويرجعه سالما لزوجته ولنا "

وكان ذاك كل دعاء رددته شفتا كل امرأة غاب لها شخص في تلك

الليلة المقمرة الطويلة , دعاء ودعت به كل امرأة زوجها أو ابنها

أو شقيقها وهم يدفعون بأنفسهم للموت وهدفهم واحد هو تخليص

القبائل التي استنجدت بهم وإيقاف جنون ابن راكان وهوا يضرب

المنازل والعائلات فيها مروعا النساء والأطفال .

وهذا هو جنون كل من رفض ترك سلطته على من هم تحته من

كان ضده فعقابه الموت ولا يستحق الحياة ما لم يقبل بوجوده

فيها سيدا عليه

*

*


وكانت هي خمسة أيام متتالية من قتال لا توقف فيه , لا نوم ولا

راحة ولا شيء سوى صوت المدافع والرشاشات في زحف متواصل

وإن كان بطيئا من أجل من بقي من عائلات في تلك المدن وقد توافدت

عليهم من كل منفذ فتح لها حتى عبر صنوان , منهم من استقر فيها

ومنهم من طلب نقله للحالك حيث الرجال اللذين استقبلوهم ولم يرتح

لهم بال ولم تغمض لهم عين حتى وصلوا لمدن بطاحة وبدءوا بإخلائها

من ساكنيها رغم شدة القصف عليها ليكونوا في مأمن بعيدا عنها ورغم

الخسائر في الأرواح قبل العتاد ساندت الحالك بعضها وساندت من فر

لهم من الهازان حتى أن مناطق الحدود قدمت منازلها لبعض العائلات

لأن مناطقهم في خط النار أو شبه مدمرة بعد ذاك القتال العنيف الذي

يبدو أن ابن راكان استعد له جيدا ولم يكسبوا تلك المناطق التي مروا

بها بسهولة وقد دفعوا أثمانا غالية ولم يتراجعوا حتى وصل لآذانهم

صوت هتاف أهالي بطاح فرحين بقدومهم وبخلاصهم من عداد

الموت الذي أخذ منهم الكثير إما دفاعا من أجل رد رجال زعيمهم

أو ضحايا سقوط تلك القذائف المجنونة فوق منازل بعضهم .

وبعد خمس أيام أخر انتشرت جيوش الحالك في تلك المدن الخمس

بعدما أخذت خمسة قبلها وكانوا عشر مدن في عشرة أيام وعشرات

العشرات بين قتيل وجريح ومفقود فهكذا هي الحرب إن فتحت

فمها أكلت كل شيء في طريقها أخضرا كان أو يابسا .

وكانت تلك خسارة ابن راكان الجديدة خسر ليس الحرب فقط ولا مدن

أخرى ولا ثلث الهازان الذي أصبح تحت سيطرة وحكم مطر شاهين

بل خسر ثقة الكثيرين من قبائله وأصبح أسلوب الترهيب وتخويفهم بما

حدث لمدن بطاح وقبائلها قبل أن يصلهم مطر ورجاله هو سلاحه

الوحيد لإسكات الناس وتكبيلهم وانتقل لجمع المساندة الدولية متهما

مطر شاهين بالتسبب بكل ذلك وأن الهازان كانت بخير قبل

أن يبدأ زحفه المجنون عليها .


*
*
*



ابتعد عن أحاديثهم وتجمعهم ذاك وهم يناقشون أهم الأمور فيما

وصلوا له وأخذ مكانا متطرفا عن الجميع وأخرج هاتفه من حزام

بذلته العسكرية واتصل بالرقم الذي يطلبه يوميا في مثل هذا

الوقت ويصل له مرة بعد يومين أو ثلاث وبعد محاولات عدة

حتى يتصل بعمه ويسأله عنهم , وكان الحظ حليفه هذه المرة أن

رن الهاتف الأرضي وجاءه الصوت الأنثوي في الطرف الآخر

مجيبا بتحية الإسلام فقال من فوره " حبيبة من يوجد بقربك ؟ "

تلعثمت تلك من فورها ما أن علمت من يكون صاحب ذاك الصوت

الجهوري ونبرة البحة التي تميزه عن غيره من الأصوات ومدت

الهاتف فورا للتي اقتربت منها بكرسيها فأخذت السماعة منها

وأجابت فورا " مطر مرحبا بني "

قال ممررا أصابعه في شعره " مرحبا عمتي كيف حالكم ؟ "

قالت مبتسمة بحنان " بخير يا مطر كيف حالك أنت وما

الأمور لديكم ؟ "

قال باختصار " جيدة "

وتابع وهو يتكئ بظهره على الجدار خلفه ناظرا للجانب الآخر

" كيف هي غسق ؟ "

وصله صوتها الهادئ قائلة ببعض الحزن " أفضل بكثير أصبحت

تجود علينا ولو بابتسامة صغيرة حزينة ونحاول جهدنا أن لا نبقيها

وحدها تنفرد بحزنها , نلهيها طوال النهار وما أن يتناصف الليل

الأخير تترك غرفتكما وتنزل تنام في حضني تبكي لوقت الطويل

حتى يغلبها النوم , مطر أنت من تحتاجه لا أنا , تأخرت

عنها بني "

مسح قفا عنقه بيده ينظر للأرض وهمس " رغما عني عمتي

ما كان الأمر بيدي ولا خططت له , هل هي بقربك الآن ؟ "

قالت من فورها " نامت منذ قليل , هي تسأل عنك كل يوم

وتخجل من أن تطلب من عمك الاتصال بك لتكلمك , لا

تفجعها فيك أيضا يا مطر "


أغمض عينيه ضاغطا عليهما بأصابعه بقوة من شدة الإرهاق

فيهما وقال " الموت لا يمسكه أحد عمتي , اعتنوا بها جيدا

سأحاول أن أكون هناك في أقرب وقت "

قالت من فورها " ليحفظك الله بني وهي في أعيننا لا

تخشى شيئا كن أنت بخير فقط "

أنهى الاتصال معها وعاد جهتهم يدس هاتفه في حزام بذلته

وجلس معهم مجددا ونظر فورا لمن يعلم أن نظره عليه تحديدا

هذه المرة فقال ناظرا له بطرف عينه " أعلم ما تنوي قوله

وأجل أخذت الجرعة اليومية "

انطلقت ضحكة بِشر حينها وارتسمت الابتسامة على شفاه باقي

المتحلقين حول تلك النار التي تضيء سواد ليلتهم في تلك البلدة

المهجورة بعد حرب طاحنة انتهت فيها من أيام قليلة جدا , قال

بعدما أنهى ضحكه يقصده هو تحديدا " بالنسبة لي سأطلق زوجتي

فورا إن اعترف أحدهم يوما أن عشق امرأة ذهب بعقله "

ضحك مطر حينها ولم يعلق والتزم الجميع الصمت فقال بِشر

ناقلا نظره بينهم " لا تخافوا يا جبناء وراهنو هيا "

ضحك عكرمة وقال " أنا سأترك الحرب والقتال حينها

فلم يبقى لها رجال "

خرج صفير بعضهم وتأوه البعض بصوت مرتفع لرده ذاك والأنظار

جميعها على ذاك الذي اكتفى بالابتسام دون تعليق متصدرا جلستهم

الدائرية تلك وقال آخر مشيرا بإصبعه بجانب رأسه " أنا سأخرج

من الحالك وأعيش في صنوان "

وعلت ضحكاتهم لرهانه وخرج مطر من صمته قائلا ونظره على

النار التي تعكس لهيبها في سواد عينيه " إن حدث ذلك فأنا من

لن أكون هنا لتراهنوا من أساسه "

نظروا له باستغراب من قوله المبهم بالنسبة لهم ونظر له بِشر

قائلا بشك " لن تفعلها أليس كذلك ؟ لا تجعلني أطلق زوجتي يا

رجل "

ضحك ذاك ساخر رافعا نظره للأعلى ثم عاد به للنار قائلا

" من أجبرك على أن ترتهن "


*

*

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 30-09-16, 09:02 PM   المشاركة رقم: 877
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 



*

*

دخل المقر الشبه خالي الذي أصبحت حركة الجنود تدب فيه شيئا

فشيئا بعد دنو الأوضاع للاستقرار في الحدود الجديدة , تنقل بين

مبانيه يبحث عن الغائبان عنه منذ قرابة الأسبوعين وكأن الجميع

متفق على الاختفاء من حياته , والدته عمير وحتى الطبيب عيادته

خالية بعدما نقلوا جميع الأطباء جهة الجبهات وأصبح يرى بعدا

جديدا في عالمه وهوا الفقد , فقد كل ما بين يديه في لحظة ولم

تبقى له سوى ماريه التي لا يعلم متى ستختفي هي أيضا ليموت

وحيدا في تلك الغرفة ولا يدري عنه أحد , عاد أدراجه جهة باب

المقر الواسع ليعود من حيث أتى بعدما يئس منهما ثم استدار فجأة

حين سمع صوتا يعرفه جيدا ناداه من بعيد , نقل نظره باحثا في كل

مكان وابتسم ابتسامة واسعة صادقة كانت الأولى منذ وفاة والدته

وركض جهة الذي كان يقف عند أحد أبواب مباني المقر حتى

وصل عنده وقال " عمير أين ذهبت ؟ انتظرتك كثيرا حتى

ضننت أنك لن ترجع "

لعبت أصابعه بالشعر الكث الناعم للواقف تحته وقال مبتسما

" كنت في مهمة عاجلة وما كنت سأتركك أبدا وها قد عدت "

قال بتفاؤل " حقا لن تتركني ؟ "

هز رأسه بلا وقال ضاحكا " إلا إن تركتني أنت طبعا "

قال تيم من فوره " لن أتركك ولن أترك تدريبنا لا أحد

لي غيرك "

نظر له باستغراب وقال " ما معنى كلامك هذا وأين كنت لم

تأتي للتدريب ليومين قبل أن أغادر "

نظر للساحة بعيدا ثم نظر له وقال " هل سنتدرب اليوم ؟ "

ضحك ذاك وقال " أدفع كل ما أملك وأدخل هذا الرأس

وأعلم ما تخبئ فيه "

ثم تابع وهما يسيران معا " ها أخبرني الآن ألم تغير رأيك في

طموحك بشأن المستقبل "

هز رأسه بلا وقال بحزم ناظرا للأرض تحته " بل بت أكثر

إصرارا عليه , لا أريد أن أكبر أحتاج لأي أحد أريد أن أكون

نفسي أن لا أمد يدي طلبا لمساعدة أي كان "

وقف والتفت جهته موقفا له وأمسك كتفيه بقوة وقال بجدية ناظرا

لعينيه السوداء الحادة " تيم عليك أن تعلم أمرا مهما , مهنتنا هذه

ليست خطيرة فقط هي ستأخذك كلك يا تيم قد تخسر الكثير من

أجلها حين تكبر وتمتهنها , قد تخسر أناسا تحبهم بشدة لأنك لن

تستطيع أن تكون واضحا وصادقا معهم بشأن عملك السري

المبهم الغريب هل تفهمني ؟ "

هز رأسه برفض وقال " فهمت أو لم أفهم لا يعنيني سأتدرب

وأتدرب وأكبر وأكون تيم شاهر كنعان لا يناديني أحد

بقريب فلان ولن أكون تابعا لأحد "


*

*


فتحت الباب وشهقت من رؤية الذي أمامها ثم أمسكت وجهه

بيديها قائلة بصدمة " رماح !! "

نظر حوله وقال " نعم رماح أين هو والدي ؟ "


نزلت دموعها رغما عنها وقالت بشهقة بكاء " أين اختفيت يا

رماح هل ينقص والدك نكبات ؟ ما بكم تفعلون به كل هذا ؟ "

تحرك من هناك داخلا ولم يعلق بشيء فتبعته قائلة " رعد ذهب

في إثرك من خمسة أيام تقريبا هل هو من وجدك "

التفت لها وقال مستغربا " ذهب في إثري أين ؟ "

أبعدت يديها عن فمها وقالت بصدمة " ألم يجدك ؟ ألم

يخرجك هو من هناك ! "

أمسك كتفيها وقال بحزم " أخرجني من أين عمتي وأين ذهب ؟ "

قالت بصوت مرتجف بالكاد خرج هامسا " للحالك للحدود ظننا .... "

قاطعها هازا لها وقد صرخ بحدة " ومن أخبره أني داخل الحدود

من قال ذلك ؟ "

ضربت صدرها بكفها وقالت " وأين كنت أين اختفيت إذا ؟ "

هز رأسه برفض قوي ومرر أصابع يديه في شعره وقال بصدمة

" منذ خمسة أيام داخل الحدود هل جننتم أبناء شراع ؟ ألم يكفيكم

واحد مات هناك تأكل الناس لحمه حتى اليوم "

صرخت فيه بعنف " قولوها لأنفسكم يا أبناء شراع , من الذي

أعطى لحومكم للناس غيركم ؟ آخر ما وصلنا عنك وجبران أنكما

أشهرتما السلاح في وجه بعضكما ثم اختفيتما داخل خط الحدود ولم

ترجعا ليعود جبران وتختفي أنت ماذا كنت ستتوقع من رعد أن

يفعل ؟ "

صرب صدغيه براحتيه بقوة صارخا " لماذا يفعلها حتى إن كنت

فعلا ضعت هناك , ما به رعد العاقل الرزين الذي لم يتشاجر

حتى مع أحد طوال حياته يتهور هكذا "

" رماح أين كنت ؟ "

التفت فورا لجسد والده الذي ظهر من خلف عمود البهو الواسع يمسك

عصا سوداء برأس مذهب في يده يستند عليها وملامحه لازال يشوبها

بعض الشحوب وإن كان تماثل للشفاء تقريبا , قال بضياع " كنت

أراقب جبران دون علمه لذلك مثلت الاختفاء كي لا يشك بأمري

وأغلقت هاتفي , كان يحوم حول الحدود وهدد بأن يقتل ابن شاهين

أو يدمر حياته وغسق وكنت سأمنعه إن أقدم على ذلك لكنه لم يجتز

خط الحدود ولم أرجع حتى اطمأننت أنه أبعد الفكرة عن رأسه حاليا "

صوت نقر العصا على الأرضية وحده كان جواب شراع وهوا يقترب

منهما حتى وقف أمامه ودوى صوت تلك الصفعة المرتفعة مختلطا

بشهقة الواقفة بينهما ونظرات الصدمة على وجه رماح مركزة على

عيني والده الناظرة له بغضب وقد قال ببرود يعاكس ملامحه

الغاضبة المشدودة " إن حدث لرعد شيء فسيكون بسببك أنت

والآخر ذاك أنا بريء منه لا هو ابني ولا أعترف به وقسما إن

خدشت رصاصته جسد زوج ابنتي أن أهدر دمه في صنوان "

رفع رماح يده لخده الذي ظهر عليه أثر الأصابع من بين شعيرات

لحيته الخفيفة وقال بصدمة " تضربني يا أبي لأني خفت عليها

وعلى صنوان إن تهور جبران وقتله ! "

صرخ فيه شراع كاسرا ذاك الجبل الجليدي الذي تمسك به لبرهة

" ألم يفكر عقلك الصغير هذا ما سيحدث حين سنضن أنك اختفيت ؟

ألم تفكر بأنك لن تحمي ابن شاهين ولن تنقد حياة غسق ولن ترد

جبران عن تهوره بل ستفقدنا في ابن آخر خلف الحدود "

أبعد رماح يده عن وجهه بعنف وقال بضيق " كنت منعته

كنت عاملته باستنقاص مثلي الآن "

صرخ فيه مجددا " أمنعه كيف وكل من رآك قال أنك دخلت الحدود ؟

أمنعه كيف ودموعه على شقيقه تتقاطر يترجاني أن أتركه يذهب كي

لا نخسر غيره ؟ أمنعه لماذا يا ابن شراع وهو طلب إذني وموافقتي

ليذهب أو لن يفعلها مهما حدث "

دار رماح من فوره مغادرا فأوقفه بحزم " إلي أين تنوي الذهاب ؟ "

وقف عند الباب وقال ناظر له بنصف وجهه " أبحث عنه طبعا "

ضرب بعصاه الأرض بقوة قائلا بأمر " ارجع حالا هل جننت تدخل

أنت ليخرج هوا ثم يرجع لك ؟ لا تغادر المنزل ولا للحدود حتى ينتهي

ابن شاهين من حربه جهة بطاح ثم نرى كيف يمكنه إخراجه لنا

كسرتم ظهري يا أبناء شراع وأنزلتموني أمامه يا من ظننتكم

رجالا شددت بكم ظهري "

ثم غادر وعينا ذاك تراقبانه بنظرة كلها ألم وانكسار ثم تحرك من

هناك جهة غرفته هو أيضا تاركان خلفهما التي ضربت كفيها

ببعض متمتمة " ويل قلبي عليك يا شراع , ويل قلبي

عليك وعليهم "



*

*

نزل من السيارة وأغلق بابها يثبت مسدسه جيدا في مكانه ثم فتح

الباب الخلفي أنزل سلاحه الرشاش وضعه على كتفه الأيسر ممسكا

لحزامه الجلدي بيده وضرب الباب وتحرك جهة المنزل مخرجا هاتفه

من حزام بذلته وقد أنهى ذاك الاتصال سريعا بكلمات مختصرة مارا

تحت أغصان الأشجار التي فارقتها أوراقها معلنة دنو الشتاء بتوديعها

لهم , دخل المنزل وأغلق الباب خلفه ناظرا حوله وكان السكون يعمه

تماما وكأنه آخر الليل وليس وقت مغيب الشمس , صعد السلالم فورا

حتى كان عند باب غرفته وفتحه بهدوء وما أن دخل حتى وقع نظره

على التي أغلقت باب الخزانة للتو ونظرت جهته وتشابكت نظراتهما

في حديث عينين قصير صامت حتى اتكأت برأسها على راحة يدها

التي لازالت مكانها على باب الخزانة حيث أغلقته لترتسم ابتسامة

بطيئة خفيفة على شفتيها ظهرت صادقة دافئة رغم الحزن العميق

في عينيها السوداء الواسعة وخطوط وجهها الدقيقة وتقاسيمه الفاتنة

ابتسامة قرأ فيها الكثير وفهمه , قرأ فيها صفاء داخلها , قرأ فيها

احتياجها له وقرأ فيها أكثر لومها لغيابه المفاجئ عنها وهي في

أوج احتياجها لمن تتقوى به , رفعت يدها الأخرى ومسحت بظهر

أناملها برفق على وجنتها المتوردة قبل أن تتوجه نحوه مسرعة

ما أن فرد لها ذراعه اليمنى الحرة ولم تتوقف إلا وقد استقرت في

ذاك الحضن بين تلك الأضلع وسط ذاك الصدر العريض وقد

طوقت خصره بيديها تدفن وجهها حيث تسمع أنفاسه الهادئة

وضربات قلبه الثابتة وقد طوقها بذراعه .

يشدها لصدره بقوة مقبلا رأسها يستمع بوضوح لأنفاسها المتغيرة

ويعلم أنها تكابد وتجاهد نفسها على الصمود , كما عرفها دائما لن

تبكي إلا إن خسرت حربا ضروسا شديدة مع عينيها , تطمر حزنها

وبكائها وتدخره لساعات الليل الطويل , خرج له صوتها

الهامس ببحة " حمدا لله على سلامتك "

أبعد السلاح عن كتفه راميا له من حزامه وطوقها بذراعه الأخرى

أيضا يدفنها في حضنه أكثر وقال بهدوء " سلمك الله ... ضننت

أنك ستكونين في غرفتك في الأسفل , لم أتوقع أن أجدك هنا "

ابتعدت عنه ترتب ما تبعثر من خصلات شعرها وقد خلصها من

يديه ببطء وكأنها ترفض تركها وقالت ناظرة للأسفل تبعد

خصلات غرتها " لم أنزل لها منذ غادرت , هل كنت

تخطط للهرب مني ؟ "

خرجت منه ضحكة صغيرة وشدها لحضنه مجددا وقال مطوقا

لجسدها الصغير بذراعيه " بل كنت لأغضب منك وأكتمها في

نفسي إن وجدتك هناك لذلك لم أتوجه لها "

مسح بكفه على ظهرها بحنان وقبل رأسها وقال متكأ عليه

بذقنه " كيف أنتي الآن ؟ آسف يا غــ.... "

قاطعت كلماته بابتعادها عنه مجددا وانحنت لسلاحه ترفعه من

حزامه قائلة وهي تتوجه به للكرسي " هل أحضر لك شيئا

تأكله ما أن تستحم ؟ "

تتبع حركتها مبتسما ويعلم لما هربت من ذاك الحديث , نزع هاتفه

ومسدسه وقال يفك أزرار سترته العسكرية " لا رغبة لي في أكل

شيء بسبب كثرة القيادة لا تجعلني أجبر نفسي كما مع جوزاء "

ابتسمت بحزن وهي تعدل وقفتها وظهرها له تبعد شعرها خلف كتفيها

وكادت تضحك من حالهما ... يراعي شقيقته ولا يحب أن يرد طعامها

وإن أجبر نفسه عليه وتلك تتعب نفسها في كل مرة تضنه إن لم يطلب

الطعام وأخذته له سيرغب فيه , لكم تحار في فهم خبايا هذا الرجل وإن

لم تقترب منه كل هذا القرب ما علمت عنه شيئا , توجهت نحوه

وأخذت منه السترة وابتعدت بها قائلة وهي تفرغ ما في جيوبها

عند طاولة التزيين " لو كنت تجلس معها يا مطر ما كنت

مجبرا على تناوله ولا هي أتعبت نفسها "

خلع القميص الداخلي ناظرا لقفاها عند المرآة ولملاحها في صورتها

تنظر للأشياء التي تخرجها وترتبها هناك فتوجه نحوها وحضنها من

ظهرها ناظرا لوجهها وصورتها المقابلة له وقد رفعت نظرها لصورته

فيها وهمس ناظرا لانعكاس عينيها في المرآة " قولي كيف أنت ما حدث

معك ؟ قولي اشتقت لك وقلقت عليك ؟ تنتقديني مباشرة يا ظالمة "

ابتسمت بضحكة صغيرة خافتة وقد هربت من عينيه مسدلة رموشها

للأسفل وقالت وأناملها تلامس ذراعه العاري الملتف حول ذراعيها

" ها أنت أمامي بخير وأخبار انتصاركم هناك يعج به مجلس النساء

ألن أكون بلهاء إن سألت كل تلك الأسئلة ؟ "

ضحك وقد دفن وجهه في شعرها جهة عنقها ووزع قبلاته عليه

وعلى خدها وأذنها وهمس يشدها له أكثر " تغلبت عليا في هذه

وعليا أن أعترف بالهزيمة "

شدت أناملها على بشرة ذراعه دون شعور منها وقالت بهمس

خافت ولازال منشغلا بتوزيع قبلاته المتتالية " بما أنك

اعترفت فعليك أن تتلقى عقابا مشروطا "

ضحك وقد توقف عما كان يفعل وأدارها حتى قابلت وجهه

وأمسك وجهها بيديه قائلا بابتسامة " عقاب ومشروط أيضا !

ظالمة يا ابنة شراع "

أرخت نظرها ونظرت لكفها تمسح به برقة على عضلة صدره

العاري وهمست " كي لا تعترف مجددا ولا تعرض نفسك للهزيمة "

ضحك بخفوت وقد أمسك يدها من صدره ورفعها لشفتيه قبل باطنها

برفق ثم قال متوجها للحمام " رضيت شرط أن لا يخرجني

عقابك من المنزل ... أحتاج للراحة أسبوعا "

ودخل الحمام ساحبا بابه خلفه تراقبه بنظراتها الحزينة وقد ترقرقت

الدموع في عينيها فرفعت رأسها للأعلى تمنعها من النزول فلا

يمكنها تخيل أن تفقده أيضا , لقد جربت مرارة الفقد وتعلم أنها فيه

ستكون أعظم ولن يضاهيها إلا فقد والدها شراع , أنزلت رأسها

ومسحت عينيها بقوة مستغفرة الله بهمس ثم رفعت سترته وقميصه

الداخلي ونظرت خلفها لباب الحمام الذي لم يغلقه وصوت المياه في

الداخل فاقتربت منه ودفعته ببطء ودخلت وكما توقعت باقي ثيابه

مرمية على أرضيته , توجهت نحوها رفعتها ثم التفتت جهته وكان

موليا ظهره يسند ساعديه على الجدار لافا لهما حول بعض مرخيا


جبينه عليهما والماء ينهمر على جسده ورأسه , كانت وقفته تعبر

عن كم الإنهاك الذي يشعر به فعشرة أيام من القتال المستمر دون

توقف ولا نوم ثم أربعة أيام يسيّرون أمور مدنهم الجديدة تلك كانت

كافية بأن تفتت صخرا فكيف بجسد بشر , تحركت نحوه بخطوات

خافتة هادئة ومدت يدها تحت رذاذ الماء المندفع بقوة وغزارة

وغضنت جبينها باستهجان وهذا ما توقعته , مدت أناملها وحركت

صنبور دفع المياه وعدلت من حرارته لتعطي المياه دفئا بسيطا

يناسب الطقس الحالي ثم توجهت جهة الباب في صمتها ذاته

وحركتها الهادئة ذاتها حتى خرجت ففتح ذاك عينيه وأبعد جبينه

عن ساعديه والتفت خلفه يتأكد من أن التي كانت هنا هي فعلا !

وأثبت له ذلك اختفاء باقي ثيابه , لم يتخيل أن تفعلها ! كل ما كان

بينهما ليلة واحدة قضاها يهدئ بكائها الخافت وخوفها يطمئنها كل

حين أنه لن يؤذيها وأنها لن تتألم وقد فرت منه صباحا تتوعده

بأنها ليلة لن تتكرر , ابتسم ينفض المياه من شعره محركا أصابعه

فيه فقد زاد طوله وهو لم يعتد تركه ليصل لهذا الطول حتى يحف

أذنيه وتنزل خصلات مؤخرته على قفا عنقه , أوقف المياه التي

أصبح يشعر بها دافئة على بشرته ثم جذب المنشفة لفها حول

خصره ورمى الأخرى على كتفيه وخرج للغرفة يجفف شعره

بعشوائية بطرف تلك التي تدلت على ذراعيه ونظره على التي

ترمي ثيابه على السرير وهي تخرجها دون أن تنظر ناحيته ولا

للمكان الموجود فيه , رمت القميص الأزرق المسحب بدرجات

الرمادي قائلة " خذ ثيابك وللحمام فورا "

عض طرف شفته يمسك ضحكته وسحب ملابسه الداخلية من

فوق السرير الواسع وقال عائدا أدراجه " من يسمعك لا

يصدق أنك من دخل الحمام منذ قليل "

وصله ردها سريعا قبل أن تخطو قدمه داخل الباب " ظننتك

ممن يفضلون الاسترخاء في المياه والصابون وهم متعبون

فلا تذكرني بها كل حين "

ضحك وأغلق الباب خلفه دون أن يعلق وحين خرج للغرفة لم تكن

فيها لبس باقي ثيابه ووقف أمام المرآة وسرح شعره بمشطها , عليه

أن يقصه ما أن يخرج من المنزل لا يحب أن يكون طويلا هكذا رغم

أنه طول بسط ولم يفسد منظره مع كثافته وسواده الحالك , توجه

لخزانة أسلحته فتحها وأعاد فيها المسدس والرشاش ثم نزل على

قدميه فتح الدرج السفلي بمفتاح خاص به أخرج مجموعة أوراق

فرزها ورتبها وهو مكانه ثم وقف وأغلق الخزانة وعاد جهة

طاولة التزيين ووضعهم في أسفل أدراجها حيث لم يترك لها

سوى واحدا من بين أربعة أدراج واسعة والبقية فيها أهم الأوراق

التي لا يتركها في المكتب , أغلق الدرج لحظة دخولها للغرفة

وأستوى واقفا والتفت لها وقد توجهت نحوه ووقفت أمامه تعدل له

ياقة قميصه المثنية للداخل وقالت ونظرها عليها " أراك تحتاج

لأن ترتاح وتنام هل نؤجل العقاب أم مستعد له الآن ؟ "

ضحك وحضن وجهها بكفيه وألصق جبينه بجبينها الحركة التي يعشق

وكم اشتاق لفعلها ناظرا لعينيها المحدقة بعينيه , العينان التي كم يتمنى

أن تزول منهما لمحة الحزن التي لم يكن يراها فيهما , الحزن الذي لم

يظهر بهذا الشكل المؤلم ولا حين وجدت نفسها هنا وزوجة له دون أخذ

رأيها ولا موافقتها , حزن لن يستطيع مناقشتها فيه الآن ولا تخفيفه كي

لا يكسر اعتزازها بنفسها وكبريائها وهي تقاوم دموعها وكل ذكرى قد

تتسبب في جريانها , همس مبتسما وإبهاماه يختبران ثبات لون خديها

الزهري الغريب وكأنه يشك في كل مرة أنها حمرة صناعية

" لن يكون قاسيا أليس كذلك ؟ "

ابتسامة صغيرة ارتسمت على شفتيها الحزينة وقد رفعت كفها

ولامست به كفه المحتضنة لوجهها قائلة " بالنسبة لي شيء لا

يذكر , لديك أنت ....! "

ثم حركت كتفها برقة متابعة " قد يكون قاسيا جدا "

ضحك وقبل شفتيها قبلة صغيرة ثم أبعد يديه عن وجهها قائلا

" لديك الوقت حتى صلاة العشاء بعد ذلك لا شيء ينفع لي

سوى النوم "

نظرت للساعة الضخمة التي تتوسط أحد الجدران وقالت بعبوس

" صلاة العشاء بعد أقل من ساعة "

قال وهو يأخذ مفاتيحه ويدسها في الجيب الخلفي لبنطلونه

" كم تريدين إذا ؟ "

توجهت للطاولة أخذت هاتفه ووضعته في الدرج وأغلقته عليه على

نظراته مبتسما لما تفعل ثم أمسكت يده وسحبته منها جهة باب

الغرفة قائلة " ساعتين بعده والليل طويل ستنام حتى تشبع "

تبعها منصاعا فهو تكيف على أن يتعايش مع مقاومة جسده للتعب

والنوم والتركيز على ما حوله حتى يجد نفسه في السرير وينسلخ

حينها عن الواقع في وقت قياسي , شقت به ذاك البهو الواسع للمنزل

بعدما نزلا السلالم وهي تتوجه جهة مكان غضن جبينه فورا لرؤيته

فهو لم يزره من ....!! مدة لا يعلم كم تكون ؟ قد يكون من قبل وفاة

والده ... من قبل توليه زعامة الحالك ... لا يذكر حقا ! وقفت

عند الباب النصف مغلق والتفتت له وهمست ناظرة لعينيه

" لن تخرج من هنا إلا معي اتفقنا ؟ "

تنهد مبتسما وهمس مثلها " أوامرك سيدتي "

دفعت الباب بهدوء وقد تركت يدها يده ودخلت لتقابلها النظرات المترقبة

للجالستين هناك حول الطاولة البيضاوية المغطاة بمفرش أبيض حريري

قد حرصوا على الاهتمام به أكثر من استخدامهم للمكان , كان الطعام

موزعا فوق نصفها حيث تجلسان من استدعتهما الخادمات بطلب منها

لتكونا هناك وتنتظرانها , كانت نظرات جوزاء المصدومة في

استقبالهما بينما ضحكت عمتهما تخبئ فمها في يدها وقالت

" كيف وافق أن يأتي معك ؟ "

كان هو من تحرك هذه المرة وسحبها من يدها معه جهة الطاولة

قائلا " هل يمكنني الجلوس دون أن آكل أم عليا مشاركتكم ؟ "

سحبت الكرسي المجاور لكرسي عمتها التي كانت تجلس عند رأس

الطاولة وجوزاء على يمينها وجلست هي على يسارها بينما سحب

هو الكرسي بجانبها وجلس على كلماتها وهي تعدل صحنه أمامه

" يمكنك أن تجبر نفسك هذه المرة أو اشرب العصير على الأقل "

ثم وقفت ودارت خلف كرسيه ورفعت طبق الأرز الكبير

قائلة " عمتي هل اسكب لك منه ؟ "

قالت تلك مبتسمة " أجل "

انتقلت جهتها من فورها وسكبت لها في صحنها ثم نظرت

للجالسة بجانبها قائلة " جوزاء هل أسكب لك ؟ "

هزت تلك لها رأسها إيجابا دون أن تتحدث وعيناها لازالت تراقبها

باستغراب حتى سكبت لها في صحنها ثم عادت للدوران حول الطاولة

لتعيده مكانه وما أن مرت خلف ظهره نظر لها فوقه قائلا

" اسكبي لي قليلا "

سكبت له فورا ووضعت الطبق مكانه وعادت للجلوس مكانها وقد

قالت عمتها ضاحكة " وسكبت للجميع أين حصتك أنتي ؟ "

رفعت قطعة لحم خروف من أحد الأطباق ووضعتها في صحنها

قائلة " سأكتفي بهذه "

قال الجالس بجانبها وهو يملأ ملعقة بالأرز " ولنا تسكبين

الأرز فقط وأنتي تأكلين اللحم ؟ "

نظرت له بعبوس طفولي وقالت " اللحم أمامك "

وتبعت تقطع جزئا منها بيدها وتمدها لفمه " أم استحليت

حصتي ؟ خذ منها "

لم يرى غيره حينها عينا جوزاء التي كادت تخرج من مكانها وهي

تنظر ليدها الممدودة أمام فمه وعمته التي كانت تمسك ضحكتها بشق

الأنفس عن الخروج وعيناها على ذات المشهد فنظر ليدها ولقطعة

اللحم بين أصابعها وفتح فمه ملتقطا لها بأسنانه التي تعمد أن يقدمها

قليلا وهو يمسكها بهم فسحبت يدها وخرج صوتها لا إراديا بسبب

تألم أصبعها " أي ... مطر !! "

فوقفت حينها جوزاء وغادرت وكأنها تبحث عن مكان تخبئ فيه

وجهها وتحركت عمتها بالكرسي قائلة بابتسامة ونظرها على

التي اتجهت للباب " انتظري خذيني معك "

وقد عادت لها تلك وأمسكت بمقبضي كرسيها وأخرجتها معها تتحدثان

عن علاجها الذي يفترض بها أن تأخذه قبل أن تتناول طعامها ونسيتاه

كليهما واختفتا خلف الباب على نظرات الجالسة على كرسيها ملتفتة

للخلف وقد نادت تمسك عبرتها " عمتي لماذا ذهبتما ؟ "

كانت ستقف في إثرهما لكن يده أوقفتها وأعادتها للجلوس قائلا

" يريدان ترك المكان لنا ليس إلا ولن ترجعا "

نظرت لعينيه وقالت والدموع تلمع في عينيها الواسعة

" لم أقصد ما فهمتاه أنا فقط ..... "

وتاهت الحرف تخشى أن تخرج عبرتها معهم إن تحدثت فما لم تستطع

شرحه والبوح به أنها اعتادت هذا في منزل والدها حيث الفتاة المدللة بين

خمسة رجال أكبرهم عاملها كطفلة مهما تقدمت سنوات عمرها وعاملته

كوالد لم تكسبه فتاة غيرها حتى طعامه يأكل نصفه من يدها , وكم كانت

تدور حول الطاولة كلها لتصل لرماح وتضع حبة الزيتون في فمه لأنهما

يتشاركان في حبه وهي تأخذ الصحن جهتها كي تأكل منه متى تريد

وما غفلت عنه أن الذي يجلس بجوارها الآن هو أكثر من كان يفهمها

ويعلم أن تصرفها لم يكن سوى حنينا لتلك الأجواء والعائلة ... غسق

مدللة منزل شراع صنوان التي تغلبت عليها الآن , والسبب كان ذاك

الحزن العميق لفقدها لشقيقها , مسح بيده على طرف وجهها مبعدا

شعرها عنه وهي تنزل رأسها للأسفل فرفعت نظرها الكئيب به

وأبعدت شفتيها لتتحدث فسبقها قائلا بابتسامة " محضوض هو

شراع بابنة تطعمه بنفسها "

قفزت دمعتها من عينيها فجأة فخبأت وجهها سريعا في كتفه وقد

حوط كتفيها بذراعه مساحا بكفه الآخر على شعرها وقال " لست

بحاجة للشرح يا غسق أنا أفهمك وهما اعتقدتا فقط أنه من

حقنا أن نكون وحدنا هنا "

ابتعدت عنه ووقفت وقد مسحت عينيها سريعا تخفي بقايا آثار

دمعتها تلك فوقف أيضا حامدا لله بهمس ونظر للتي سبقته جهة

الباب قائلة " لم ينتهي العقاب بعد وحين ترجع من المسجد الحق

بنا في غرفة عمتي "

لم يعلق وقد راقب مبتسما خروجها وآخر خصلة من شعرها الحريري

الطويل تغادر خلفها ثم نظر للساعة في معصمه وكان بالفعل لم يتبقى

على وقت الصلاة الكثير فغادر من هناك وصعد السلالم على صوت

الأذان واختار أن يصلي في غرفته فإن خرج للمسجد سيوقفه مئة

شخص وسيجد نفسه منغمسا في مشاكل ومسائل كثيرة وسيحتاج

لأكثر من ساعة ليرجع للمنزل وستغضب لتأخره , ثم عظامه لم

تعد تتحمل الوقوف ولا لخمس دقائق أخرى , أنهى فرضه والنافلة

وأوتر أيضا وجلس حتى أتمتم تسبيح ما بعد الصلاة ثم وقف طوى

السجادة التي كان يستنشق عطرها فيها كلما سجد وأعادها مكانها

حيث لباس الصلاة الخاص بها وغادر جهة الباب ليوقفه مكانه

صوت رنين هاتفه في الدرج , كان سيتوجه له وتذكر أنها أبعدته

فتجاهله وخرج من الغرفة ساحبا بابها خلفه ليختفي صوت رنينه

المرتفع خلفه ما أن أغلقه ونزل السلالم وتوجه من فوره لغرفة

عمته فأمامه ساعتين أخريين كما اشترطت عليه ولن يمانع أو يماطل

فهو يعطي غيرهم أكثر من ذلك الوقت بكثير يعلم ذلك ويعيه جيدا

لكن وقته ليس ملكه ولم يعتد على أحاديث النساء ولا يعلم حتى فيما

يتحدثن إن اجتمعن , فتح باب الغرفة بهدوء وظهرن له من خلفه


حيث كانت جوزاء وعمته يتناقشان حول إحدى علب أدويتها وأنها

أنهت منه اثنتين وهذه الثالثة خلال الشهر المنصرم وعمته تصر

أنها ثاني علبة بينما تلك منشغلة بعلبة أخرى تقرأ ما كتب عليها

رفعن نظرهن به ما أن أغلق الباب خلفه وقال بابتسامة مائلة

" توقفا عن النظر لي هكذا وكأني مخلوق فضائي "

وتابع ونظره على الجالسة مقابلا لهما وهما المعنيتان بحديثه

" هل يمكنني مشاركتكم هذه الجلسة أم أنصرف من غير طرد "

وضعت غسق العلبة من يدها وتحدثت بما أن الطرفان المعنيان لم

تتخطيا الصدمة بعد وتعلم أنه قد يستغل الوضع ليهرب " بالطبع

يمكنك مشاركتنا دون سؤال "

اقترب وجلس بجوارها على الأريكة لا يفصله عنها شيء وقالت

عمته مبتسمة تنقل نظرها بينهما " ما هذا المساء العائلي السعيد ؟ "

بينما اكتفت جوزاء بالصمت فهي وإن أصبحت لا تعاملها بنفور

كالسابق لازال ذاك الحاجز لم يتلاشى بعد , قالت غسق مبتسمة

وقد نقلت نظرها منه لهما " أجل ما أجمل هذه الكلمة لا ينقصنا

سوى عمي صقر ليته كان هنا الليلة "

اتكأ مطر لظهر الأريكة خلفه فاردا ذراعها عليها من خلف شعرها

وقال " لو كان هنا ما وجد أحد منكم مجالا ليقول شيئا "

ضحكت نصيرة بينما وكزته غسق بمرفقها قائلة بحزن

" لا أغابه الله عنا وحفظه لكم "

تحدثت جوزاء هذه المرة ناظرة لشقيقها " مطر بما أنك وجدت

وقتا لتجلس معنا عليا أن أوصل لك رسالة إحدى النساء فهي

كلما أتت هنا سألتني إن أخبرتك "

أومأ لها برأسه لتتابع دون تعليق وحدث ما أرادته غسق حقا فلم يكن

ذاك الطلب الأول ولا المشكلة الأولى التي يناقشانها معه مما قد تم

مناقشته في مجلسهم وحتى مسألة دور تحفيظ القرآن للأميين وكبار

السن التي شرح سبب تقصيرهم فيها وما اقترحوا عليه وتناقشوا فيه

من سنوات والأسباب التي منعتهم من توفيرها ... المباني عدد حافظي

القرآن وتوزيعهم على المدارس وحتى أنه تناقش والمتخصصين في

توفير فصول لهم في المدارس الابتدائية وثمة مشاكل كثيرة عرقلت

ذلك , واكتشفت أنها لم تكن أول من عرض عليه الأمر وأنه ليس

كما توقعت تجاهله ولم يفكر فيه , وكل مسألة تطرحانها يكون لديه

ذات الإجابات كم هائل من التعقيدات التي يحاول شرح بعضها فقط

لهما مختصرا ليتأكد لهما أن مساهمة النساء فيها مستحيلة وأنه فكر

في كل ذلك ولم يهمله سابقا وليس كما تضن وظنوا , وكانت تكتفي

هي بالاستماع فقط لأنهما أدرى بمشاكلهم ومدنهم وإن كانت على

إلمام بأغلب تلك الأمور المتداولة في مجلسهم الشبه يومي مع

اختلاف الحاضرات فيه , غابت بنظرها للأرض في شرود حين

رأت أنهم لم يستفيدوا من تلك الجلسة شيئا سوى إرهاقه في الشرح

والحديث دون نتائج عدا أنهما فهمتا أسبابه لتجدا ما تقولانه حين تثار

هذه المواضيع في مجلسهم مجددا ولا يكون جوابهما الصمت التام .

إشارة من عمته نحوها جعلته ينظر جهتها ولسرحانها وشرودها

الحزين وكأنها لم تعد معهم ثم عاد بنظره لها وفي حركة من

حدقتيها ونظرتها عاقدة حاجبيها فهم أمرها له وتوبيخها فابتسم

لها ثم مال برأسه على رأس الجالسة ملاصقة له وهمس ناظرا

لجانب وجهها القريب منه " لما لا تشاركين بقول شيء ؟

هل الجلسة مملة لهذا الحد ؟ "

ابتسمت تنزل رأسها للأسفل وقد أخفت غرتها التي بدأت بالتساقط

ملامحها عنهما وهمست مثله " المهم أن لا تمل أنت , أعتقد

أنها تشبه جلساتك مع رجالك "

خرجت ضحكته رغما عنه عميقة مبحوحة رغم قصرها ورفع يده

عن ظهر الأريكة مبعدا بأصابعها خصلات غرتها مع بعض شعرها

في الجانب الآخر فوكزته هامسة بخفوت " مطر أبعد يدك هل

تريد أن تهربا مجددا "

خرجت منه ضحكة صغيرة وقد عدل جلسته وأبعد يده فوقفت

جوزاء وقالت " سأبلغها بما قلت على الأقل ترى لنفسها

حلا آخر وتيأس من طلبها واقتراحها "

قال ناظرا لها " أخبريها ترسل لي أحد رجال عائلتها وسأرى

ما يمكن فعله في أمرها لكن لا تعديها بالكثير يا جوزاء اتفقنا "

هزت رأسها بحسنا مبتسمة فهي وإن كرهت أن هذه المرأة وخلال

أشهر قليلة لها هنا استطاعت أن تظهر مطر آخر لا يعرفونه ولم

يستطيعوا إخراجه كل تلك الأعوام أو لم يحاولوا وذاك هو الواقع

إلا أنها أحبت أن أشركته الليلة أمسيتهم وبدلا من أن تستغل الوقت

لها في غرفتهما تنازلت عنه لهما ولا أحد يعلم هل تشرق عليه

شمس الصباح وهو هنا أم في الحدود وكم قد يغيب ولن تراه

غير الليلة , انحنت بعدها للطاولة وجمعت علب أدوية عمتها

في الكيس ووضعتهم في الدرج وقالت مغادرة " أنا تغلب

عليا النعاس تصبحون على خير "

وخرجت مغلقة الباب خلفها فنظر لها مطر وقال بابتسامة مائلة

" هل علينا انتظار عمتي أيضا حتى تنعس ؟ "

نظرت له بضيق وقالت " كلها ساعة وأصابك الملل ؟ كنت

تركت ما في قلبك ولم تقله أمامها "

ضحكت نصيرة وقالت " هذا إنجاز عظيم له قد يحتاج لليلتين

ليخرج أصواتنا من دماغه "

نظر لها هو بضيق هذه المرة وقال " يعجبك أن أصبحت

سخرية لها ؟ "

وقفت وقالت " لو كانت معتادة على جلوسك معها ما قالت ذلك "

وتابعت متجهة للباب " احمد الله أنها كانت ساعة فقط "

وخرجت تاركة الباب خلفها مفتوحا فوقف مبتسما ورفع عمته من

كرسيها واضعا لها على سريرها برفق وقال ساحبا الغطاء

السميك على جسدها " تريدين شيئا قبل مغادرتي ؟ "

قالت تعدل الغطاء على صدرها " شكرا بني "

وتابعت ونظرها معلق به فوقها " اذهب لزوجتك ولا تغضبها

الليلة مطر , عوضها عن بعدك عنها الأسبوعين الماضيين بني "

هز رأسه بحسنا دون كلام وقبل جبينها وغادر هامسا

" تصبحين على خير "

وأطفأ نور الغرفة وغادر مغلقا الباب خلفه برفق

*

*

دفعت الباب بهدوء واقتربت من الجالسة عند ذاك السرير وما

أن وصلت عندها حتى همست لها " يمكنك الذهاب سأبقى أنا

بجانبه باقي الليلة حتى الفجر "

وقفت تلك وباذلتها الهمس قائلة " بعد ربع ساعة حاولي أن تشربيه

بعض الماء وإن لم ينجح معك الأمر أخبريني "

هزت لها رأسها بحسنا فغادرت تلك مغلقة الباب خلفها وجلست هي

على الكرسي تراقب على ضوء الشموع الخفيف ملامح النائم على

ذاك السرير منذ يومين لا يعلم عما يحدث حوله وبالكاد يخرج منه

أنين متقطع بعض الأحيان ويهمس بأسماء لم يفهمها أحد , هم تعلموا

أن لا يشهروا كهذه الحالات بسهولة كي لا يُتهموا فيها ولن يستطيعوا

رد أذى البعض عنهم بسهولة لذلك كان عليهم معرفة هويته أولا

ولن يعرفوها ما لم يتحدث هو نفسه .

لا تعلم كم من الوقت مر وهي تتأمله في صمت فما أن تجلس هنا حتى

تنقطع عن كل شيء حولها وتتوه عيناها في ملامحه , رفعت يدها بتردد

ومدتها حتى لامست أطراف أناملها خده وشعرت لحيته التي بدأت بالنمو

أبعدت يدها توبخ نفسها فكأنها لم ترى رجلا من قبل ! لا هي لم ترى

رجلا غريبا لا يحمل ملامح رجالهم ذو شعر بني غامق هكذا يشبه لون

القهوة وبشرة سمراء بشكل ساحر أطفا عليه جاذبية مختلفة عن رجالهم

وقفت وجلست على طرف السرير عند رأسه ومررت يدها تحت عنقه

واستجلبت كل قواها لرفع رأسه قليلا وحملت كأس الماء وقربته من

شفتيه لتلامسها برودتها وهمست " هيا أشرب أيها الأسمر الوسيم

كي لا تموت لنا هنا ويأتي أهلك طلبا للثأر منا "

وبعد محاولات عدة حتى شعرت بالخدر في يدها وذراعها من رفعها

لرأسه تحرك فكه وشرب , أنزلت رأسه ومسحت له ما تسرب من

الماء على وجهه وعنقه هامسة بابتسامة " جيد شطفه صغيرة

لكنها أفضل من لا شيء "

ثم عادت للجلوس مكانها وعادت لتأمله تنتظر اللحظة التي سيفتح فيها

عينيه لترى إن كانت كلون شعره أم لا


*

*

فتح باب الغرفة ودخل وكانت تجلس على سجادتها مولية ظهرها

للباب فأغلقه وتوجه لمرآة التزيين فورا أخرج تلك الأوراق من

الدرج وجلس على طرف السرير يقلبها ثم فتح الدرج الأول

وأخرج منه صندوقا مسطحا وحديديا وما أن شعر بحركتها

خلفه في الغرفة قال " غسق تعالي "

وضعت لباس الصلاة واقتربت منه وجلست بجانبه تنظر باستغراب

للعلبة المفتوحة في يده والمساحة الزرقاء التي تغطيها , مد يده ليدها

وأمسك إبهامها وضغطه على تلك القطعة المشبعة بالحبر الأزرق

ورغم معرفتها بما يفعلون بها كانت تنظر لها وكأنها تراها لأول

مرة في حياتها , كرر ضغط إبهامها عليها أكثر من مرة حتى

أشبعه به ثم أغلقها ووضعها على فخذه وبدأ بأخذ الأوراق من

جانبه بالواحدة يضعها فوقها ويبصم لها بإبهامها عليها ولم تفهم

شيئا مما يجري تنظر لجانب وجهه منشغلا بالنظر لما يفعل ولم

تنظر لتلك الأوراق ولا ما تحوي وهو يبصم لها بإبهامها عليها

سريعا ويقلبها في الجانب الآخر حتى انتهت وترك يدها ورفع

تلك الأوراق يعدلها على فخذه مع بعضها فنظرت لإبهامها

الملطخ بذاك اللون ثم لوجهه وقد قال " هذه سأتركها لدي

حتى وقت معين لتصبح لك "

همست مستغربة " وما تكون هذه ؟ "

نظر لها ورفع يده ومرر أصابعه في غرتها رافعا لها للأعلى كاشفا

عن جبينها الصغير وقبله قبل طويلة ويده تنزل خلف رأسها وغرتها التي

تحررت من أصابعه تداعب وجهه مصطدمة به وقت عودتها , أنزل

رأسه ونظر لعينيها وقال " مهرك يا غسق أم نسيتِ ؟ "

فتحت فمها مصدومة ثم قالت " لكني تنازلت عنه وأنت تعلم

ذلك جيدا !! "

هز رأسه بنعم وقال ممرا إبهامه على جانب وجهها نزولا لخدها

ناظرا لعينيها الضائعة في عينيه بحيرة " أجل أعلم وأنا ما كنت

لأنام معك على سرير واحد دون مهر , كنت سأفعلها ذاك

اليوم لكنك تعلمين ما انتهت له تلك الليلة "

أرخت نظرها للأسفل وقد غطى الوجوم والحزن ملامحها تشعر

بمرارة تلك الليلة وكأنها الآن فمال برأسه جانب وجهها وقبَل

خدها ثم طرف فكها فعنقها ثم نظر لعينيها وهمس

" أعلم أنها ستكون لديك في يد أمينة "

هزت رأسها بعدم استيعاب وقالت " لكنك كنت رافضا !

و.... والناس هنا وصنوان أنـ.... "

أومأ برأسه متفهما ما تريد قوله ثم وقف حاملا الأوراق معه وقال

متوجها بها جهة خزانة الأسلحة " لن يعارض أحد أو يناقش يا غسق "

ثم تابع وقد نزل يفتح الدرج السفلي فيها " وثمة شرط بتحققه فقط

تصبح ملكا لك "

وقفت غير مصدقة ما تسمع وما فعل ونظرت له خلفها حيث وقف

يغلق باب الخزانة ثم التفت لها قائلا " لن تنتهي شروط ملكيتها

لك إلا بتوحيد البلاد وحينها لك حرية التصرف فيها وإن ببيعها

أو تركها كما هي لا يدخلها أحد "

تبعته بنظراتها المصدومة وهو يقترب منها حتى وقف أمامها ممسكا

لوجهها ناظرا لعينيها وقال " وستسقط هذه الأوراق قبل ذلك بمجرد موتي "

شعرت بقلبها ارتجف بقوة بين ضلوعها حتى شعرت بقوة ارتطامه

بهم وتلألأت الدموع في عينيها فاتكأت بجبينها على ذقنه وقد حرر

وجهها من يديه وطوقت هي عنقه بذراعيها هامسة برجاء تجاهد

عبرتها " لا تذكر الموت يا مطر , لا أريد العمران ولا أي شيء

كل ما أريده أن لا أفقد أحدا مجددا "

ضمها لحضنه بقوة مطوقا لها بذراعيه وقبّل رأسها قائلا " لا أحد

يمسك الموت , علينا أن نكون مستعدين له دائما فهو واقع لا

يغيره مال ولا سلطة ولا قوة "

ابتعدت عنه ووضعت أصابعها على شفتيه قائلة برجاء

" لا تذكره يا مطر توقف أرجوك "

أمسك كفها وقبله برقة فهمست بصعوبة ناظرة لعينيه

" وماذا إن طلقتني "

شعرت بالكلمات خرجت من قلبها كالأشواك حتى مرت بحلقها وبأن

تأثيرها على ملامحه لم يكن أقل من صفعة قوية وجهت لوجهه وقد

قال بحزم " لن أطلقك يا غسق كم مرة سأقولها "

أومأت برأسها بتفهم وهمست مجددا " إن فرضنا مثلا "

هز رأسه بلا عاقدا حاجبيه الطويلان المستقيمان وهمس بخشونة

" هو كالحديث عن الموت لديك يا غسق الخوض فيه ممنوع "

أنزلت رأسها للأسفل ولا تنكر أن ذاك الكلام أراحها , هي تخشى

حقا من حدوث ذلك ما أن تتكاثر الفجوات بين الحالك وصنوان

وبعدما ينتهوا من الهازان ويتفرغوا لها , وتعلم أي اضطرابات

قد تمر بها علاقتهما وقتها ومطر هذا سيختفي كما غسق أيضا

والله وحده يعلم من الخاسر والرابح حينها حرب السلاح

والقوة أم حرب المشاعر ؟؟

طرق احدهم باب الغرفة حينها طرقات خفيفة متتالية فنظرت له

باستغراب وقد تحرك جهته من فوره فتحه فكانت حفصة وقالت

بارتباك وتوتر ظاهرين " آسفة سيدي حقا أنـ .... "

قاطعها عاقدا حاجبيه مستغربا " ما بك يا حفصة ؟ "

تنفست بقوة وقالت " جاء أحد العمال وقال أنه ثمة رجل كان

يطرق باب المنزل الخارجي بقوة وقال أنه يريد رؤيتك لأمر

ضروري وأنه اتصل كثيرا ولم تجب , كان مصرا ورفض

المغادرة "

نظر خلفه للتي دارت حول السرير وأبعدت طرف اللحاف وجلست

تبدوا تنوي النوم أو توقعت أنه سيخرج ولن يرجع ثم خرج من

الغرفة مغلقا الباب خلفه ونزل للأسفل وخرج وتوجه للواقف يوليه

ظهره في عتمة ذاك المكان والتفت له ما أن شعر بخطواته فقال

باستغراب " تميم !! ما الذي جاء بك هنا ؟ "

قال ذاك من فوره " اتصلت بك كثيرا وقبلي شراع صنوان

فاتصل بمقرنا هناك "

قال مستغربا " شراع !! "

هز رأسه بنعم وقال " حين لم تجب على اتصاله اتصل بالمقر

وطلبني شخصيا وأمنني أن أوصل لك كلاما لا يصل لغيرك "

أومأ له برأسه ليتابع فقال بهدوء حذر " قال أن ابنه رعد داخل

حدودنا من خمسة أيام وقال أن دخوله كان سببه بحثه عن أحد

أشقائه ويطلب أي معلومات عنه وإن كان أسيرا لدينا "

مرر أصابعه في شعره ينظر له بضياع وعدم تصديق وقال

" هل هو متأكد من أنه هنا ؟ هل من معلومات عنه ؟ "

هز ذاك رأسه بلا وقال " لا شيء وصلنا عنه , أحد الجنود قال

أن دوريته وجدوا متسللا من أيام أطلقوا عليه الرصاص وأنت

تعلم الحدود كان الجنود فيها شبه معدومين , قال أنه كان يركب

سيارة وأنهم أصابوه وفقدوه بعدها ولا أحد يعرف هويته وإن

كان هو أو غيره "

التفت لا إراديا ونظر لنافذة غرفته العالية المغلقة فهي أول من

فكر فيه , عاد بنظره له وقال " حركوا دوريات للبحث عنه لا أحد

يتعرض له ولا تطلقوا عليه الرصاص وإن بادر هو بذلك

وأوصلوه للحدود فور أن تجدوه مفهوم يا تميم "

هز ذاك رأسه بالطاعة وغادر من فوره بعدما اعتذر عن إزعاجه له

هذا الوقت وعاد هو أدراجه يحمد الله أنه لم يصلهم خبر وجود جثته

كشقيقه , صعد السلالم متمتما بضيق " ما أصاب عقولكم يا أبناء

شراع ! هل سيفقد كل واحد منكم حياته للوصول للآخر ؟ "

دخل الغرفة ووقع نظره على النائمة مولية ظهرها للباب وقد

قالت ما أن أغلقه " هل ثمة مكروه ما ؟ "

همس يخلع قميصه متبعا له القميص الداخلي فلا يعرف ولم

يعتد إلا النوم هكذا " لا شيء خطير "

قالت بشبه همس " آسفة لأني جعلتك تسهر وأنت متعب

لكنهم يحتاجون وجودك ولو نادرا يا مطر "

ثم سحبت الغطاء لفوق رأسها مندسة تحته فأغلق النور ولم يبقي

سوى الإضاءة الخفيفة ودخل السرير أيضا ونام على ظهره ناظرا

للسقف ثم سرق نظره جهتها وهي على حالتها تلك ثم عاد به للسقف

وأراح ذراعه على عينيه , احتياجه الجارف كرجل أمام امرأة مثلها

يقوده لها بقوة ويعلم أنه إن طلب ذلك لن ترفضه لكنه احترم ابتعادها

وعزلتها وضغط مشاعرها بعد كل ما واجهته مؤخرا , لم يحتج لوقت

طويل ليسافر في النوم الذي سلب إرادته تماما , ورغم كل ذلك كان

نومه نوم محارب حذر وجس يشبه نوم جواد بري لا يستأمن حوله

شيئا فقد جلس بسرعة ما أن شعر بخطوات ما تحركت في الغرفة

وقد اصطدم صاحبها بشيء ثقيل لم يحركه , وقد احتاج لبعض

الوقت لأن يستجمع تركيزه ويتذكر أين هو الآن ليستوعب أنه

ليس في الحدود وأن الجسد الذي يتحرك جهة الباب جسد امرأة

فقفز مغادرا السرير راميا الغطاء عنه وأمسك ذراعها وأدارها

جهته قبل أن تفتحه هامسا " غسق أين تذهبين هذا الوقت ؟ "


مسحت عينيها بظهر كفها وكانت أيضا تحتج لبرهة لتتذكر أنه كان

نائما معها على ذات السرير , مسحتهما مجددا بقوة تخفي الدموع

التي نزلت منها فشدها لحضنه وطوقها بذراعيه بقوة قائلا

" أنا هنا غسق لما تنزلين لعمتي ؟ "

وزاد من احتضانه لها ما أن أطلقت عنان كل تلك الدموع التي كانت

تخفيها خلف حزنها وابتساماتها الصغيرة الكئيبة وخلف تلك القوة

الضعيفة الزائفة , خرج صوتها من بين أنينها الباكي برجاء كسير

" قل أنه لم يمت , قل أنها ليست حقيقة .. قلها وإن كذبا يا مطر "

ضمها أكثر يخفيها في حضنه وقبل رأسها قائلا " ادعي له

بالرحمة يا غسق كل هذا لن يفيده في شيء "

قالت ولم يخف بكائها شيئا " كم تأملت في عودتك وفي أن تنفي

كل ذلك ويظهر أنه لا حقيقة له لكنك لم تقل شيئا , تعاقبت

الساعات ولم ترحمني أبدا "

أبعدها عن حضنه وقال ماسحا لدموعها برفق " غسق أنتي

تؤذين نفسك وغيرك بهذا , لا تفقدي إيمانك لا تتركي نفسك

عرضة لوساوس الشيطان "

هزت رأسها بقوة ورفض وضربت بقبضتها على صدره العاري

وقالت بنحيب " كان الأقرب لي ... أنت لن تفهم ذلك أبدا يا مطر لم

نفترق منذ تعلمت المشي , كنا كالشخص وظله , حتى أني كنت أنام

غاضبة كل ليلة لأنه يرفض أن أنام معه في سريره , أنت لن تفهم

ذلك يا مطر لن تعلم ما يعنيه لي , كم جلسنا كم تسامرنا

كم كنا مقربين كالروح والجسد "

أمسك وجهها بيديه قبل شفتيها عينيها وجبينها ثم دسها في حضنه

مجددا وقال " شراع أصيب بجلطة دماغية وضنوا أنه سيموت

ونجاه الله واستعاد عافيته فاحمديه على ما يعطي لا تنظري

فقط لما أخذ "

ابتعدت عنه بقوة وصرخت بصدمة " والدي !! "

أمسك ذراعيها بقوة وقال " هو بخير يا غسق لـ.... "

دست وجهها في كفيها ولم تزدد إلا بكاءً ونحيبا فهزها قائلا

" غسق قلت ما قتلت لترحمي نفسك لا لتزيديها عذابا "

أبعدت يديها وأغلقت بهما أذنيها من فوق شعرها وقالت بعبرة

" إن مات أيضا فلا تقلها لي يا مطر أرجوك لا تذكرها أمامي

أقسم أن أموت بعده "

أبعد يديها وقال بحزم " قلت أنه بخير يا غسق ولا أحد يموت

بعد أحد , توقفي أنتي أيضا عن ذكر الموت "

هزت رأسها بقوة وقالت ببكاء " لا أحد يموت بعد أحد لكني

سأعيش بعده ميتة جسد بلا روح "

ثم وضعت كفها على صدره ناظرة لعينيه وقالت برجاء باكي

" اتركني أراه مطر , أسمع صوته على الأقل افعلها من أجلي

أرجوك , أعلم أن ذلك مستحيلا فاتركني أسمع ولو صوته "

ضمها لحضنه وقال بحنان ماسحا على ظهرها " حاضر

أعطني يومين أو ثلاثة , فقط توقفي عن البكاء "

*

*


خرج من غرفته ونظر حيث ذاك المنزل وصوت بكاء الطفلة

الخارج منه يعرف جيدا لمن يكون فضغط قبضته بقوة وهمس

من بين أسنانه " ألا يعلم هؤلاء البشر أن الأطفال يخطئون

أحيانا دون قصد منهم "

بقي واقفا مكانه حتى سمع باب المنزل يغلق بقوة وما هي إلا لحظات

وخرجت من بين الأشجار تحمل حقيبتها على كتفها واقتربت منه

تمسح دموعها وشهقاتها لازالت تتالى , المدارس تأخرت هذا العام

عن المعتاد بسبب ما يحدث عند الحدود وفتح المدارس في مدن

الهازان ونقص التكاليف فلم يدرسوا إلا نهاية الخريف , نظر لها

وهي تقترب وقال " لماذا ضربتك هذه المرة ؟ "

اجتازته قائلة بعبوس " لن أقول "

تبعها هازا رأسه بيأس منها وسار بجانبها فلازالت تتمسك بطبعها

القديم تأخذ الطعام له دون علمهم لأنهم لا يعطوه ما يأكل في المدرسة

وحين تمسك بها تلك تضربها وترفض أن تخبره عن السبب كي لا

يوبخها ويرفض الطعام لاحقا , سارا تحت أشجار البلوط الممتدة

تتمسك بصمتها تنظر للأرض بحزن وغاب نظره هو في أشجار

الحقول التي فقدت أوراقها وروعتها حتى وصله صوتها منخفضا

ولازال نظرها على حركة قدميها على التربة المبللة بسبب

أمطار البارحة " تيم ما يعني زواج قسري ؟ "

نظر لها باستغراب وقال " وما يدرني أنا , من أين سمعت

هذا ؟ "

رفعت نظرها للسماء التي لازالت تتجمع الغيوم الرمادية فيها

قائلة " أنت لا تعلم لما سأخبرك "

ثم نظرت له قائلة " لماذا يتزوج الناس ؟ "

نظر لها وقال بضيق " ماريه ما بك مع هذه الأسئلة ؟ ما يدرني

لماذا يتزوجون , قد تتزوج النساء ليثرثرن على رؤوس

الرجال طوال الوقت "

عبست ملامحها وقالت " ولما يتزوجوهن إذا كن سيثرثرن

على رؤوسهم "

قال ببرود ناظرا لباب المدرسة الذي ظهر لهما من بعيد

" حين أكبر أخبرك لما يتزوجهن أما الآن فلست أعلم "

حركت كتفيها بعدم اهتمام وما أن أوصلها لفصلها بنفسه غادر من

المدرسة , لا يريدها لا يحتاجها ولن ينتفع بها كما يرى , سار نزولا

من ذاك المرتفع بعدما ترك خلفه سور المدرسة الواسع ينظر للورقة

في يده وللأرقام والأسماء التي تركتها له والدته , ابتسم بسخرية ثم

رماها بعدما جعدها بين أنامله , لن يتصل بهم لن يبحث عنهم ولن

يترجاهم لأخذه معهم , لو أنهم فكروا فيه وفي والدته ما كانا هنا من

أساسه فلا عمه أو عمته ولا عم والدته حاولوا أن يصلوا لهم يوما

رغم أن ابن شاهين لم يكن ضد عائلة كنعان , وعم والدته لا أحد

كان سيمنعه من المجيء للحالك , تكفيه تلك الغرفة حتى يستغني

عنها بإرادته ... هي من حقه أرثه من والدته لا أحد يمن عليه

بالعيش فيها رغم أنه يستغرب صمتهما عنه حتى أنهما أصبحا

يرسلان له وجبتي طعام صغيرتين مع ماريه يوميا ! لم يعتد الود

والكرم منهما لكن لا حل آخر أمامه الآن وحتى حين يأمل أن لا

يكون بعيدا , وصل المقر ودخل من بوابته الواسعة تراقب عيناه

حركة وتدريبات الجنود حتى وقع نظره على باب عيادة الطبيب

المفتوحة فحتى ذاك الرجل رحل مع رحيل والدته فمنذ ذهب

للحدود لم يرجع وتم استبداله بطبيب شاب لأنهم يحتاجون

لدوي الخبرة هناك عند مدن الهازان الجديدة حيث الحالات

التي خلفتها الحرب الأخيرة , توجه لمكانه المعتاد خلف ذاك

المقر الواسع المقسم ووجده ينتظره هناك ككل يوم منشغلا بسلاح

في يده وحمد الله أنه لم ينقلوه أيضا ويحطموا كل أمل له في المستقبل

الذي بات يتمناه ويريده , ركض جهته حتى وصل عنده وانتبه ذاك

له ووقف وقال مبتسما يهرول في مكانه " ها قد وصلت , صباح

الخير يا بطل , هيا للتحميه الصباحية سأعلمك اليوم تسلق

الأماكن المرتفعة الملساء "

وبدأ بأول تمرين يومي لهما وهوا الدوران حول تلك الساحة

راكضين لخمسين دورة كاملة دون توقف

*

*

ما أن علم من عمته أن ضيفا والده غادرا مكتبه حتى توجه نحوه

طرق الباب ودخل فرفع المنكب على الأوراق هناك رأسه ونظر

له نظرة تحولت فورا لاستهجان رافضا لوجوده فتوجه نحوه

مسرعا متجاهلا نظرته تلك وأمسك يده قبلها وقبل رأسه قائلا

" أبي سامحني أرجوك يكفيك غضبا مني أقسم أنه على

قلبي أشد من الموت "

شد شراع على يده دون أن يعلق وعاد لأوراقه فارتاح ذاك من

حركته وإن لم يقل شيئا وقد انشغل عنه حتى شعر بإهماله لوجوده

وكان سيغادر لولا أوقفه صوته قائلا " وصلني رد رجل ابن

شاهين فجر اليوم "

التفت له من فوره وكان لا يزال منكبا على تلك الأوراق وكان

سيتحدث فسبقه شراع قائلا " قال أنه لا أخبار عنه وأنهم إن

علموا شيئا سيبلغوننا فورا ويسلموه لنا والكلام منقول

من زعيمه نفسه "

فتح رماح فمه من الصدمة ليس لانقطاع أخبار شقيقه داخل الحالك

بل لأمر آخر تماما جعله يقول بحيرة " قال يسلموه لنا !! كل متسلل

يمسكون به يؤخذ أسيرا مهما كانت مكانته وآخرهم ابن عمي ولم

يسلموه إلا بعشرة أسرى مقابل له وباجتماع دولي أيضا , كيف

تغير قانونه هذه المرة !! "

رفع شراع رأسه ووضع القلم من يده وقال ناظرا للفراغ بشرود

" ما يشغل بالي الآن أين يكون وما حدث معه بما أن ابن شاهين

ورجاله لم يروه ثم نفكر لما تغاضى عن تسلله وقبضهم عليه

إن أمسكوه "

هز رماح رأسه بحيرة وقال " إن لم يكن ميتا ولم يمسكوه ولم

يخرج من هناك فأين سيكون ! هـ "

رن هاتف شراع حينها فرفعه فورا وأجاب عليه مشيرا لابنه بيده

ليتريث وأجاب على صاحب الاتصال يستمع دون أن يعلق بشيء

وكأن من في الطرف الآخر لم يترك له المجال لذلك ثم أبعد الهاتف

عن أذنه وتحولت نظرته للضياع وهو يقف مغادرا من خلف مكتبه

وقد علت نبضات الواقف أمامه وهو يرى ملامح والده وقال

بصعوبة " هل الخبر عن رماح ؟ هل وجدوه ؟ "

هز ذاك رأسه بلا وخرج دون أن يريحه بأي شيء وهو متأكد

من أن الاتصال من الحالك أو من ابن شاهين نفسه



*

*

فتحت الباب ودخلت وضحكت بصمت على النائمة على طرف

السرير فوق ذراعيها بالقرب من رأس ذاك المجهول الذي لم

يفق حتى الآن , اقتربت منها حتى وصلت عندها وهزت كتفها

قائلة بضحكة " أستريا يا حمقاء هل تركتك هنا لتنامي ؟ هيا

يا كسولة لن أسمح لك بالتناوب عليا ليلا مرة أخرى "

رفعت تلك رأسها وأبعدت شعرها عن وجهها وتثاءبت تمسك

فمها بكفها قائلة " غلبي النعاس قليلا فقط "

ثم نظرت للنائم على السرير دون حراك وقالت " سيموت جوعا

على هذه الحالة , هل قرر أبي شيئا بخصوصه ؟ "

هزت تلك رأسها بلا قائلة " قال سننتظر حتى صباح الغد وإن

لم يفق سيبلغ الزعيم مطر عنه فوحده من يحمينا من أهله

إن ابتلونا بما أصابه "

قالت الجالسة قربه ونظرها لازال سارحا في وجهه " لا يحمل

ملامح الحالك بلون شعره وسمار بشرته ! هل يكون من

الهازان يا ترى ؟ "

اقتربت تلك من وجهه أيضا منحنية بجانب رأسها وقالت هامسة

" الهازان يتميزون كثيرا بالشعر الفاتح مثلنا ولقبائل كثيرة أعين

زرقاء ورمادية وحتى خضراء لكن لهم بشرة فاتحة بشكل

واضح وهذا اختلف عنهم في ذلك "

قالت أستريا بحيرة " قد يكون من الهازان أو من أعراق متداخلة

منهم فقليلون هم من تداخلت أنسابهم وإن قلوا كما يحكى عنهم "

ثم تابع وهي تقرب أصبعها ببطء من جفنه " لو أنه يفتح عينيه

لنتأكد من لونهما فإن لم يكونا سوداوان لن يكون من

الحالك أبـ ... "

وصرختا كليهما بصدمة مبتعدتان حين حدقت بهما تلك العينين

البنية النصف مفتوحة

*

*

رتبت السرير بعدما غيرت ملاءاته وأغلفة وسائده فلم تستيقظ إلا من

وقت قصير لتجد نفسها وحدها في ذاك السرير الواسع والذي غادر

فجرا بسبب اتصال آخر وصله يبدوا لم يرجع حتى الآن , لا هم

تركوه يرتاح ولا هي أيضا لأنها لم تنم إلا فجرا لم تترك حضنه ولم

تتوقف عن البكاء وبكت ما لم تبكيه ولا كل ليلة في حضن عمته , لا

تعلم لما تتلاشى كل تلك القوة التي تتسلح بها طوال النهار ما أن تنام

وترى شقيقها الراحل ذاك في نومها ليتحول صبرها وصمودها لضعف

مدمر حين تستفيق من ذاك الحلم لتكتشف الواقع المرير الذي يخبرها

أنها فقدته وللأبد , سوت وقفتها ومسحت عينيها بطرف باطن كفها

لحظة ما طرق أحدهم باب غرفتها ولم يفتحه حتى أذنت له فكانت

حبيبة التي لم تتقدم أكثر من خطوة للداخل وقالت تجمع كفيها

" سيدتي السيد مطر يطلبك في الأسفل "

نظرت لها باستغراب قائلة " هل هوا هنا من وقت ؟ "

هزت تلك رأسها بلا فقالت غسق بتوجس متمعنة في ملامحها

التي أصبحت تعلم تغيراتها جيدا " حبيبة ماذا هناك ! هل يوجد

أحد مع مطر ؟ "

قالت تلك بتلعثم " نعم ... آه لا .... أعــ.. أعني السيدة نصيرة و.... "

ثم اختفت من عند الباب قائلة " قال أن تنزلي له بسرعة "

ركضت في إثرها ولم تجد أحدا في الممر فرفعت غرتها بأصابعها

وتنفست بعمق وتابعت خطواتها مترددة فقد باتت أكثر من يخشى

من المجهول وما يحمل لها وحارت من يكون هذا الذي معه في

وجود عمته وفي المنزل !!!

المخرج ~

بقلم الغالية : سما23

من شراع

اشتقت لك بنيتي ... قلبي انفطر
ما كنت أعلم أنني ... أملك صبر
على مرور ساعتي ... فالصبر مر
فلم يمر بمسمعي ... عنك خبر
كيف أصبّر مقلتي ... دمعي هدر
وعمتك (أخيتي) ... تبكي العمر
وأخوتك حبيبتي ... ملئى الصدر
يحرقهم يحرقني ... حر الجمر
بنيتي حبيبتي ...ضوءَ النظر
كوني له بنيتي خير ذخر

مرارتي ولوعتي ... منك مطر
نزعت مني فرحتي ... ظهري انكسر
غسق كانت أمانتي ... طول العمر
ماذا أجيب سائلي: ... أين القمر؟
فكن كما وعدتني ... عدلاً أبر
دعني ارى بنيتي ... يمضي العمر


******

من غسق لشراع

فلتصمد يا أبي
رغم بعدي عنك ... رغم الخذلان
رغم خيبات الأمل في الكاسر وجبران
كن قوياً كما عرفتك يا زعيم الصنوان
أبي .. لا ترحل .. لا تموت
أريد أن أراك ..
أن أرتمي في حضنك أن أشعر بالحنان
أن أقبل رأسك الشامخ بعنفوان
أبي .. لا ترحل .. لا تغيب
فستغيب معك فرحتي التي بدأت الآن
أريدك أن تشهد معنا تحقق الأحلام
( بلادٌ واحدة.. وتعيشُ بسلام )
أرجوك ... لا ترحل فما آن الأوان



نهاية الفصل .... موعدنا القادم مساء الجمعة إن شاء الله


 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 30-09-16, 09:05 PM   المشاركة رقم: 878
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 138 ( الأعضاء 36 والزوار 102)
‏فيتامين سي, ‏طُعُوْن, ‏غير عن كل البشر, ‏اثير بنت الامير, ‏رين تريفي, ‏الام المثالية, ‏اروع الذكريات, ‏soumimi, ‏همس الوجووود, ‏مالي عزا من دونك, ‏حمرا, ‏نوره نوره نوره, ‏وافتخر اني عراقي, ‏الغاردينيا, ‏missliilam, ‏شمس الأفق, ‏Iman imi, ‏جوسيمر, ‏أم مروان, ‏أسووووم44, ‏الراجيه عفو ربها, ‏soma libya, ‏شيماء علي, ‏ملك جاسم, ‏ملاك الرووح, ‏معلمة مها, ‏rosemary.ea, ‏Electron, ‏عبق فرح, ‏زارا, ‏نور الغيد, ‏زهرةالاقصى, ‏sloomi, ‏vida.rose, ‏العفري2000, ‏Aya youo

قراءة ممتعة لكم ...... وردود ممتعة.......... لنا ولحبيبتنا برد المشاعر

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 30-09-16, 09:19 PM   المشاركة رقم: 879
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 160 ( الأعضاء 48 والزوار 112)
‏فيتامين سي, ‏Rromda, ‏طوطه1985, ‏الخاشعه, ‏لـؤلـؤه, ‏vida.rose, ‏مالي عزا من دونك, ‏عبق فرح, ‏اسير ليلا, ‏laamia, ‏نهىر, ‏اروع الذكريات, ‏اثير بنت الامير, ‏مملكة الغيوم, ‏منيتي رضاك, ‏sareeta michel, ‏ترووفه, ‏no0onah, ‏شيماء علي, ‏Aya youo, ‏طُعُوْن, ‏غزلان سلمى, ‏فاطمة بنت حمد, ‏بنيةبنغازي, ‏الام المثالية, ‏غير عن كل البشر, ‏رين تريفي, ‏soumimi, ‏همس الوجووود, ‏حمرا, ‏نوره نوره نوره, ‏وافتخر اني عراقي, ‏missliilam, ‏شمس الأفق, ‏Iman imi, ‏جوسيمر, ‏أم مروان, ‏أسووووم44, ‏الراجيه عفو ربها, ‏soma libya, ‏ملك جاسم, ‏ملاك الرووح, ‏معلمة مها, ‏rosemary.ea, ‏Electron, ‏زارا, ‏نور الغيد, ‏sloomi

ماشاء الله اللهم زد وبارك
تستاهل ميشو هذا الحضور المميز
قلم مميز والتزام

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 30-09-16, 10:27 PM   المشاركة رقم: 880
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قاريء مميز


البيانات
التسجيل: Jul 2009
العضوية: 147465
المشاركات: 585
الجنس أنثى
معدل التقييم: دودي وبس عضو جوهرة التقييمدودي وبس عضو جوهرة التقييمدودي وبس عضو جوهرة التقييمدودي وبس عضو جوهرة التقييمدودي وبس عضو جوهرة التقييمدودي وبس عضو جوهرة التقييمدودي وبس عضو جوهرة التقييمدودي وبس عضو جوهرة التقييمدودي وبس عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1271

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
دودي وبس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 





يااالله لييه ياابررد ..
مالقيتي الا كاسر هالضعيييف ..
ليته جبران المجنون ولا كاسر ليته جبران ولا كاسر ..
اكييد الخلف بولده مرت كاسر بتطلع حامل..

ماقريت الا كاسر وجتني غلقه 💔.. يارب تطلع كذبه

لي رجعه ان شاء الله





 
 

 

عرض البوم صور دودي وبس   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المشاعر, المطر, بقلمي, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:23 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية