لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-09-16, 06:55 PM   المشاركة رقم: 726
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2012
العضوية: 247971
المشاركات: 45
الجنس أنثى
معدل التقييم: الجابيه عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 39

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الجابيه غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فآرغه مشاهدة المشاركة
   مي نيم مو الكاسر اللي بيجيب العيد الا غسق اللي بتنكب نفسها .. وساعتها الكاسر مابيستحمل اخته تشتكي له وبيرتكب جريمه في مطر .. هذا اذا ماكان واحد ثاني اللي رد عليها مو الكاسر ... مثلاً جبران ...



تسجيل حضور ✋

اعتقد ماهي غسق الي اتصلت على الكاسر يمكن حبيبته 😁😁

 
 

 

عرض البوم صور الجابيه   رد مع اقتباس
قديم 18-09-16, 07:03 PM   المشاركة رقم: 727
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jan 2016
العضوية: 308892
المشاركات: 163
الجنس أنثى
معدل التقييم: مهره الفهد عضو على طريق الابداعمهره الفهد عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 157

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مهره الفهد غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 

مي نيم احب ابشرك انو باقي 27 دقيقه
هااانت🤕

 
 

 

عرض البوم صور مهره الفهد   رد مع اقتباس
قديم 18-09-16, 07:10 PM   المشاركة رقم: 728
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2016
العضوية: 319113
المشاركات: 40
الجنس أنثى
معدل التقييم: مي نيم عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 70

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مي نيم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مهره الفهد مشاهدة المشاركة
   مي نيم احب ابشرك انو باقي 27 دقيقه
هااانت🤕

> نكسر الخاطر واحنا نعد الوقت ""
فيتامين نزليه الان قبل لايخلص مفعول الحبوب """

 
 

 

عرض البوم صور مي نيم   رد مع اقتباس
قديم 18-09-16, 07:21 PM   المشاركة رقم: 729
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jan 2016
العضوية: 308892
المشاركات: 163
الجنس أنثى
معدل التقييم: مهره الفهد عضو على طريق الابداعمهره الفهد عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 157

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مهره الفهد غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 

فيتو توكلي على الله ونزلي البارت 😉

 
 

 

عرض البوم صور مهره الفهد   رد مع اقتباس
قديم 18-09-16, 07:32 PM   المشاركة رقم: 730
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


طابت أوقاتكم بكل حب أعزائي متابعي جنون المطر في كل أرض

وبلاد ومنتدى


النقاط التي ثم إثارتها هذه المرة قليل وانحصرت في موضوعات

معينة , كان النقاش محتد بين الحلوات عن معرفة مطر لغسق

وقرابتها منه وهالشيء بتعرفوه في البارت القادم إن شاء الله

أما سبب هروب أميمة وإخفائها الحقيقة عن شراع وزواج دجى

بيها بيتضح أيضا في الفصل وتعرفون من مطر تحديدا حل ألغاز

الحكاية المتشابكة وطبعا قربتوا منها في لحظات كثيرة لكن ترجعوا

تبتعدوا وما شاء الله عليكم ما تركتوا توقع ما قلتوه وأصبتوا في

بعض النقاط لكن الأغلب كان خطأ , بالنسبة لسؤال غسق أو طلبها

من مطر تشوف والدها وأخوانها فهي عارفة استحالة هذا الشيء مع

التنازعات والعاداوات القبلية وإنقطاع أخبار الجميع عن بعض ورسم

حدود مغلقة وبعدهم عنها ولا ننسى إن غسق تخشى من إمساك مطر

ليدها الي توجعها في مسألة العمران

الأخت الغالية أيلول تسأل ليش أهملت شراع وأبنائه في الأحداث

والفصول الأخيرة وطبعا غاليتي لأن غسق كانت بينهم فهل المطلوب

مني الآن نقل حي ومباشر لحياتهم اليومية في سيناريوا ممل ؟؟؟

بالتأكيد ما حد منكم بيحب يقرأ هالخربشات وقتها وابتعرفوا في

الجزء الثاني إن شاء الله ليش ما كان لرعد ورماح وحتى جبران

قصص في هالجزء وبطلات

بالنسبة لتيم وسبب إهتمام مطر بيه نعرف جوابه في الجزء الثاني

الي بيكشف لكم أسرار كثيرة , لي لي حبيبتي تستحقي تاج على تفاعلك

القوي حبيت جدا كل ردودك , وأشكركم جميعا على ردودكم وتعليقاتكم

الرائعة وتوقعاتكم كل حبيباتي إلي يسعدني رؤية أسمائهم في كل

فصل وكل الجدد الي شرفوني برؤية حروفهم ورايهم في روايتي

المتواضعة .... أحبكم في الله جميعا



جنون المطر ) الجزء الأول )



الفصل الثالث والعشرون


المدخل ~

بقلم الغالية : همس الريح

فديتني و كنت تتلهف لرؤيتي
و في يوم افترقنا و صار سلوتي بكائي
اهذا حبك لي ام انني احلم
ففراقك اصعب من حرب باوطاني
حلمت بان اكون لك عشا فيه تحتمي
و لكن بيوم حبست في مكاني
لن تنساني ابدا وعدتني
و قلت ستكتب في قلبك عنواني
اذا ضاقت بك الدنيا لحظةً
تاتي لحقلي كي تشكو حرماني
لن اغفر لمطر جرح قلبي
يا ليتني استطيع كيه بنيراني


من حبيبة / زوجة الكاسر


*****


تحركت من تحت تلك الشجرة ولازالت تحاول استيعاب ما قال !

نظرت لثيابها لبنطلونها الجينز الأنثوي وللقميص الأبيض المغلق

مع فتحات جانبية بسيطة وبه نقوش تحف حوافه جميعا وبذات

اللون وكان طوله لنصف فخذيها تقريبا , حمدت الله أنها لبست

هذه الثياب فيبدوا أنه جلب شيئا يريد أن تنزله هي تحديدا أو لعله

سيستخدمها كعامل لديه لذلك طلب أن تلف حجابها لوجود العمال

هناك ، كشرت بعبوس من تلك الفكرة وتخيلت أن يذلها بالفعل

أمام عمالهم , لكن ما أن اقتربت من السيارة المتوقفة في الباحة

الأمامية الواسعة اكتشفت أنه لا وجود ولا لعامل واحد أو لظله

حتى ولم يكن هناك سوا ذاك الرجل الذي يقف منحنيا على سيارته

فاتحا باب صندوقها الأمامي يتفقد شيئا ما فيها وكان بالقميص دون

السترة ، أبعدت نظرها عنه وتنفست بقوة فلم تفهم حتى الآن السبب

وراء وجودها هنا , وكم أصبحت تكره مواجهة هذا الرجل المنتصر

عليها دائما وإن بسخريته ، عدت بأصابعها ونظرها عليهم وهي

تقترب من جهته ثم فكرت بعبوس ... مرت عشرة أيام على

غيابه الأخير ولا تعلم ما قررت وما ستقول ولم تنجح في أي

شيء ولا في إقناع نفسها أن هذا الرجل آخر من قد تجرها

عاطفتها نحوه وأنها تكره وجودها في حياته .

وصلت السيارة وكان منشغلا تماما بها فاتكأت بظهرها على بابها

مكتفة يديها لصدرها تنظر لقدميها على الأرض وللحذاء المسطح

الذي تلبسه , كانت جميع حواسها منتبهة لوجوده لصوت تحريكه

لأي شيء ولذاك الهواء الذي ينفخه من شفتيه منظفا به جزء ما

من تلك القطع المعقدة في سيارته , قد تتجاهل أي شيء حتى

تفكيرها فيما قد يصلان له بسبب خلافهما لكن تجاهل حضور هذا

الرجل في وجوده ذاك ما لن تحلم بتحقيقه , عضت طرف شفتها

تنظر للجانب الآخر حيث الحديقة الواسعة ولعنت نفسها مئة

مرة على أفكارها السخيفة تلك , بعد وقت قصير قالت ونظرها

على حركة قدمها على الأرض " كيف أصبح جرحك الآن ؟ "

لم يصلها رده حتى خيل لها أنه لم يسمعها ثم قال وهوا يغلق

صندوق السيارة بضربة واحدة قوية " أفضل بكثير "

وتابع وقد تحرك نحوها " أم تريدين التأكد بنفسك ؟ "

نظرت له بغيظ من سخريته منها ولم تعلق لأنه لم ينظر لها بل مد

يده لمقبض الباب فابتعدت عنه حينها ففتحه ومد يده لرسغها وأمسكها

منه وسحبها جهته وهي تتحرك نحوه مستغربه فأمسك خصرها ورفعها

مجلسا لها على كرسي تلك السيارة المرتفعة وأغلق الباب بعدما عدلت

ساقيها تنظر له باستغراب فلم تتوقع أن يخرجا من المنزل ! لف هو

للكرسي الآخر وركبه مغلقا الباب خلفه قائلا " لم تأخذي

من صنوان سوا قصر قامتهم "

رمقته بنظرة جانبية حانقة وهوا يدير مفتاح السيارة وقالت بضيق

" دماء صنوان تجري في عروقي بأكملها , ثم لو أنك رأيت

قصر قامة نسائهم عني ما قلت هذا "

وضع يده وذراعه على ظهر كرسيها ينظر للخلف متراجعا

بالسيارة للوراء وقال " حسنا فقط لا تغضبي يا ابنة صنوان "

فتنفست بقوة ولم تعلق فهي ليست بمزاج شجار مع هذا الرجل

تحديدا , خرج بالسيارة حتى كانا خارج سور المنزل المرتفع وأدار

المقود بقوة في حركة سريعة ودار بالسيارة وانطلق جانبا وهمس

مسميا بالله ولم يفتها همسه بعدها بدعاء تعرفه جيدا وكم سمعت والدها

شراع يقوله كلما خرجا بالسيارة لمكان بعيد وعلمت فورا أنه دعاء

السفر رغم أنه كان يتمتم به بهمس خافت وهوا يعدل الكرسي وطريقة

جلوسه عليه ثم المرآة أمامه لكن حواسها المنتبهة له جيدا استطاعت

فهم تلك التمتمة الهامسة , نظرت جانبا حيت نافذتها المغلقة تفكر أين

يريد هذا الرجل أخذها ! وأين سيذهبان لمسافة بعيدة وهوا عاد من

حدودهم مع الهازان للتو ! بل لما هي تحديدا معه وإلى أين ؟

وما كانت طبعا لتوجه له هذا السؤال وهي تعلم جيدا رد الرجال عليه

فكم كانت تسمع تلك الردود من الكاسر ورماح كلما سألت ( أين

سنذهب ؟ ) ويكون الجواب دائما ( ستعلمين حين نصل أو اصبري

وستعرفين بنفسك ) لذلك فضلت الصمت على سماع إجابة مشابهة

منه , أو لعل قلبها الصغير المشتاق تمنى أن يكون فكر بأن يعيدها

لأهلها ولصنوان لأنه ذاق ذرعا منها ومن مهرها , قبضت أصابعها

دون شعور منها وهي تفكر أن يكون فكر فعلا في فعلها , أن يرميها

لهم لتتقاذف الألسن والدها وأشقائها هناك ولن يرحمهم أحد ولن يرحمها

هي , عبست مفكرة بوجوم ( هل هذا هوا سبب قلقك حقا يا غبية ؟ )

هزت رأسها تطرد منه تلك الأفكار وغابت بنظرها في مدينة حوران

وشوارعها التي لم تراها سابقا فهي قد جيء بها هنا لا تعي شيئا حولها

وخروجها الوحيد من ذاك المنزل كان يوم زواجها وقد أخرجها عمه

قبل بزوغ الفجر ودخلتها في الظلام ولا تذكر أنها رأت في ذلك

اليوم شيئا سوا ذاك الكابوس الذي أفاقت عليه .

سرقت نظرة سريعة جهته وكان نظره على الطريق أمامه فعادت

بنظرها للنافذة من جديد وبسبب احتكاكها بأشقائها الرجال هي تعلم

جيدا كم يبغضون ثرثرة النساء في السيارة وهي لا تحتاج لتوبيخ منه

أو لسخرية لاذعة يعرف كيف يرميها بها كالرصاصة الموجهة للقلب

مباشرة لذلك قررت الصمت والتمتع بمناظر الأشجار التي تحولت لما

يشبه قبب من الذهب المتوهج تحت الشمس وتلك الحمرة النحاسية ليعطيا

معا منظرا لا تنساه العقول بسهولة فالحالك رغم أنها كانت الأقل عمرانا

إلا أنها الأكثر خضرة والأوفر مياها في تلك البلاد بأكملها , أنزلت زجاج

النافذة سامحة للهواء بالدخول ولعينيها بالسفر في تلك المناظر الخلابة

دون عائق بما أن الطريق أصبح خال من المباني وقد خرجا من حوران

ومن مدينتين بعدها تشبهانها كثيرا وكأن يداً واحدة تلك التي بنت المنازل

جميعها , ورغم أن الحركة كانت شبه معدومة لأن الوقت كان مبكرا

جدا فقد فضلت أن لا تنزله حتى يخرجوا منها .

أما الجالس خلف ذاك المقود يسلك الطرق بمهارة من حفظها شبرا

شبرا وحتى الحفر فيها يتخطاها بمهارة لمعرفته لأمكنتها فقد كانت

تسبح أفكاره في ذات السياق وإن بشكل مختف فلم يتوقع صمتها

وأن لا تسأل عن وجهتهما وهما يجتازان حوران ومجاوراتها دون

توقف أو تخفيف في سرعة السيارة ولا شيء يصدر عنها سوا حركتها

الخفيفة وهي تثبت طرف وشاحها الذي كانت تتلاعب به الريح القوية

الداخلة من النافذة وهي في ذات الجلسة منذ وقت تنظر للخارج ولا

صوت ولا لأنفاسها مع ضجيج تلك الرياح في محيط السيارة .

لا ينكر أنه يعشق الصمت وهوا يقود وكم كان يسلك الطرق مجتازا

المناطق الواحدة تلو الأخرى ولا يمل من صمته وصمت كل شيء

حوله إلا إن كان معه أحد رجاله أو مجموعة منهم وكان حديثهم

طوال رحلاتهم تلك يدور حول مشاكل القبائل والحروب وخطط

المستقبل ولم يكن يرى ذاك الوضع مختلفا عن جلوسه وحيدا صامتا

خلف مقود السيارة فحتى في ذاك الوقت يستغل الهدوء والوحدة للتفكير

في أمور كثيرة ودراسة الخطط ومستجدات الأمور أما الآن ورغما

عنه لم يشعر بحاجته لذاك الهدوء والصمت لا يريد رفقة امرأة تثرثر

طوال الطريق بما يفيد ولا يفيد لكن صمتها المميت هذا لم يجده مريحا

ولم يعد يتخيل أن تستمر رحلتهما هكذا كل تلك المسافة مثلما لا يريد

أن يمضيها معها يتشاجران ويتعاندان في الرأي ... فما يريد إذا ؟

سؤال طرحه عليه عقله ولم يجد له جوابا فما سيتوقع من عنيدة جامحة

مثلها سوا أن تخالفه في رأيه وإن قال لها بأن الشمس تشرق من جهة

الشرق , أرخى مرفقه على حافة النافذة مخللا أصابعه في شعره ثم

حركهم فيه بعشوائية مشعتا له ثم سرعان ما عاد وسرحه بهم معيدا له

كما كان وأنزل يده مع الأخرى تمسكان المقود بقوة وثبات وما أن

لف يمينا حتى قال " المدينة التي سندخلها الآن تسمى في

مثل هذا العام بالمحرقة "

نظرت له باستغراب ليس بسبب ما قال بل لأنه قال شيئا أساسا

وهو من آثر الصمت طوال ذاك الوقت حتى شعرت وكأنها وحدها

في السيارة , تابع ونظره ما يزال على الطريق " ستري مساحات

شاسعة من حقول الشعير المحترقة "

وما هي إلا لحظات وشهقت بصدمة وهي تنظر من النافذة لما شرح

عنه منذ قليل وقد فاق ما وصف وهي ترى أرضا تمتد على طول النظر

وكلها سوداء متفحمة وكأنها قطعة من الليل , قالت بصدمة تمسك

إطار النافذة بيديها " كل هذا كان حقولا ؟ "

ظهرت ابتسامة صغيرة على طرف شفتيه فكما توقع هي تعلم بإحراق

الحقول بعد حصادها وقطع السيقان وما فاجأها فقط هوا تلك المساحة

الممتدة لكيلوا مترات طولا وعرضا , قال بنبرته المتزنة " نعم كل هذا

كان حقولا للشعير والقمح فهذه القرى هي رئة الحالك وهي الداعم

الأساسي لها لإنتاج الشعير والدقيق ونحن نستعد الآن لحرثها

وغرسها من جديد مع بداية الشتاء "

همست ونظرها لازال على تلك الأرض السوداء التي لم تنتهي بعد

" يا الله ما أوسعها ! كيف ستكون في الربيع ؟ "

نظر جانبا حيث تنظر ثم عاد بنظره للطريق وقال " تكون بساطا

أخضر يتمايل مع الريح ومشهدا رائعا "

كانت لتسأل ملايين الأسئلة كيف يزرعونها كلها وكيف يجنونها وكم

يكلفهم ذلك ولمن ترجع ملكيتها ؟ ووووو .... لكنها لن تفرح بمبادرته

بالحديث لتنطلق كالمذياع فلازالت تجهل هذا الرجل تجهل أغلب طباعه

ولازال يمثل ذاك الغامض بالنسبة لها ففضلت أن تكتفي بذاك القدر من

الأسئلة وتسبح في خيالها لمشهدها وكيف ستبدو فهي سبق ورأت مثل

ذاك المشهد لكن في مساحات معينة ومحدودة من الأراضي في طريق

مدرستها لكنها لم تكن بهذا القدر من الاتساع ولم يتم ضمها هكذا في

مدن كبيرة , أراحت ذراعها على النافذة المفتوحة واتكأت بذقنها عليها

وهامت بنظرها في تلك الحقول المحترقة وأولئك الأشخاص البعيدين

هناك حيث أنها لم تكن تستطيع تمييز ما يفعلونه من كبر المساحة

وسرعة السيارة , بعد مسافة كانا يشقان طريق ترابي لمنطقة أخرى

وقد مرا بمبنى لم يتبقى منه سوا نصفه وكان من الارتفاع والغرابة أن

رفعت نظرها له عاليا فوصلها صوته قائلا " هذا ما تبقى من قصر بني

بالطوب وهوا يعود للعهد العثماني وقد شيد منذ أكثر من أربعة قرون

وكان يسكن فيه فوق الثلاثة آلاف شخص يحوي حتى مستشفا بداخله

لكن ما تبقى منه مجرد أعمدة وهذا الجزء الذي لم يأكله الزمن "

نقلت نظرها من ذاك المبنى الطيني المغمور نصفه بالتراب للجالس

بجانبها حين تغيرت نبرته للسخرية المفعمة بالقهر ونظره على الطريق

أمامه قائلا " لو كان في بلاد غير بلادنا هذه لتم ترميمه منذ عقود ولم

يكن ليتهاوى هكذا مع مرور الزمن كحال الكثير من الآثار خاصة

مدن الساحل ولاجتذب السياح من كل مكان لكن لأننا أرض موبوءة

يرفضون حتى حماية هذه المباني التي أنشأوا جمعية خاصة من أجلها "

لم تعلم ما تقول وبما تعلق فهي لم تطلع كثيرا عن الحكم العثماني وتلك

الدولة الإسلامية العظيمة التي صمدت لقرون قبل أن تنهار , كانت

تتجنب كتب التاريخ والسياسة لبغضها للقراءة عن الدماء والحروب

ولا تعلم عنها إلا القليل ونبرة الأسى في صوته وحدها ما جعتها

تتأمل جانب وجهه في صمت كصمته وقد لاحظت اشتداد قبضتيه

على المقود بتلك اليدين القوية والأصابع الطويلة وكانا ساعداه مكشوفان

لأن كمي قميصه كانا مثنيان لمرفقيه , عادت بنظرها لأصابعه وقد

جمدت مكانها من الصدمة وهي تنظر لما في الأصبع البنصر ليده اليمنى

وكانت دبلة زواج رجالية من الفضة ! شيء لم تراه في يده سابقا ولا في

ذاك اليوم الذي عاد فيه مصابا ولا قبله ! وبدأ عقلها يتقاذف الأفكار , هل

تزوج ليلبسه الآن تحديدا أم تذكر الآن فقط أنه تزوج أم ما السبب ؟ رفعت

نظرها من يده لوجهه وكان لازال نظره على الطريق وقد عاد لصمته

اتكأت بظهرها على زاوية الكرسي بينه وبين باب السيارة بحيث كانت

جالسة وجانبه مقابلا لها تماما وكأنها تواجهه بنظراتها فخطف نظره

لها ثم عاد به للطريق وعلق بسخرية " هل مللت من مشاهدة

الطبيعة أخيرا ؟ "

لم تعلق على سخريته اللاذعة تلك حين عاد بنظره لها بل مدت يدها

اليسرى ليده الممسكة بالمقود ونظرها عليها وحركت الخاتم بسبابتها

ونقلت نظرها له وكان حينها ينظر لها لأن الطريق الممتد أمامهم كان

ترابيا مستقيما تقريبا , همست وهي تحركه بإصبعها للأمام والخلف

في مكانه " هل تزوجت أم تضعه للزينة فقط ؟ "

نقل نظره من وجهها ليده ولإصبعها الذي لازال على خاتمه الفضي

ثم نظر للطريق قائلا بسخرية " قد يكون لأحمي به نفسي من

نصف جيشي الأنثوي ذاك "

زمت شفتيها قهرا منه وقد أبعدت يدها تنظر له بحنق ( كم أتمنى

أن أخرج منه بجواب واحد مرة واحدة ويبعد كلمة قد هذه التي

يتهرب بها دائما وها هوا يسخر من كلامي يومها فهوا لن ينساها

لي أبدا ) عدلت جلستها وكتفت يديها لصدرها ونظرت جهة النافذة

قائلة ببرود صقيعي " أعتقد أنه لم يبقى شخص في الحالك لم يعلم

بزواجك الغريب من ابنة زعيم صنوان ولست بحاجة لخاتم لتؤكده "

قال متجاهلا كل ما كانت تقول " سندخل الآن لأحليل وهي إحدى

أكبر مدن الحالك فأغلقي النافذة "

عضت شفتها غيظا منه وأغلقتها بعنف متمتمة بصوت لم يصله

" ما أروعه من مرشد سياحي "

وغابت بنظرها تراقب المباني وحركة الناس رغم أن غبار السيارة

لم يتركها تستمتع بشيء وهي تسرع على ذاك الطريق الترابي الذي

يشق منتصف البلدة لكنها سرعان ما عادت تسرق نظرها ليده ولذاك

الخاتم الفضي المدور وأخذها عقلها لأفكار أخرى أشد فتكا من سابقتها

سافر بها ( للهزان ) للعائلات التي عادت لتدخل تحت حماه , لكل

الأحاديث التي سمعتها من النسوة اللاتي زرن مجلسهم وحديثهن

عما يفعل من أجل تلك المدن واللاجئين إليها وصيته الذي أصبح

يرن وسط تلك المدن كقطعة النقود على الأرضية الرخامية

عضت طرف شفتها بقوة وعينيها على ذاك الخاتم وتذكرت كلام

عمته عن زواجه بأخرى فماذا إن فعلها الآن وتركها هي لا زوج

ولا العمران وزد على ذلك كلام الناس حين يتزوج على ابنة شراع

فكيف إن كانت تلك الزوجة واحدة من الهازان وزواج شهامة !

حاولت كبت مشاعرها والسيطرة عليها مجددا فعليها أن لا تبالي

أن لا تعطيها له وأن لا تفرحه بذلها وانكسارها وانكسار والدها

لكن ذلك كان يذهب أدراج الرياح كمن شيد قصرا من رماد في

مواجهة الريح القوية , كانت تشعر به وكأنه خاتم من نار

يتدحرج في حجرات قلبها حتى سقط في قعر كبدها

" لا تفكري فيه كثيرا "

رفعت نظرها لوجهه بسرعة وصدمة فكان نظره على الطريق لم

يزحه أبدا وشعره يتمايل مع الريح رغم قصره بسبب النافذة النصف

مفتوحة , نظرت جهة نافذتها مجددا وقالت ببرود " لا أفكر فيه "

وغيرت سريعا مجرى الحديث قبل أن يرميها بتعليق لاذع

" حفظت المصحف في المدرسة أم في المنزل ؟ "

ابتسم ينظر للمرآة الجانبية قبل أن يعود بنظره للطريق قائلا

" ومن هذا الذي أخبرك أني أحفظه ؟ "

حركت كتفيها قائلة " لاحظت وحدي "

ففهم فورا أنه لم تخبرها عمته ولا شقيقته وكانت حركة واضحة

لتهرب من حديثهم السابق , همس لنفسه ( لا بأس بها كفكرة للخروج

من صمتها المميت ) قال باختصار " في الكتاتيب ثم والدي "

نظرت له وقالت باستغراب " هل كانت لديكم كتاتيب !

لما ألغيتها إذا ؟! "

قال بعد صمت برهة " لأني حرمت من الدراسة بسببها

واعتمدها والدي لأتعلم بدلا عنها "

فتحت فمها بصدمة ثم عادت وأغلقته حين عجزت عن الكلام

قبل أن تهمس " لم تدرس !! لا يبدوا لي ذلك "

خطف نظره لها ثم عاد به للطريق وقال " لم أدرس كثيرا كان

والدي يرى أني لا أحتاجها فاعتمدت مثلك السباحة في عالم

الكتب "

رمقته بنظرة باردة وقالت " فعلها عمك إذا ؟ "

فانطلقت ضحكته الجهورية المبحوحة مالئة السيارة فصرت أسنانها

بغيظ ثم قالت ببرود تنظر له بطرف عينها " أعتقد أن تفكيرك صائب

في أن تجنب الأطفال ما عانيته أنت لكن أن تحرم كبار السن من

حفظ القرآن أمر خاطئ "

نظر لها وقال بابتسامة جانبية " لن تنتقمي مني بهذه أبدا "

التفتت جهته بجسدها وقالت " ومن قال أنه انتقام , أنت لا تستمع

لمشاكل النساء ولا أحد يوصلها لك إنك منقطع تماما عن نصف

شعب قبائلك ولم تسمع حديثهن وهن يتمنين أن يدرسن في دور

تحفيظ القرآن فأين هذه المدرسة التي ستقبل بهن من أجل

تعلمه ؟ "

قال ونظره للطريق " رأي هذا أم أعتبره انتقادا لي ؟ "

تنهدت بضيق من سخريته وعادت لجلوسها السابق وقالت ناظرة

جهة النافذة " الحق علي أخبرتك "


*

*

فتحت باب الخزانة وأخرجت الصندوق من تحت الأغراض

المرتبة فوقه وفتحته ببطء بأصابع مرتجفة وكأنها لم تعرفه من

قبل ولم تحفظ تفاصيله التي تسكن حتى أحلامها رغم أنها لم تفتحه

منذ عام كامل .. منذ اثنا عشر شهرا بأيامها ولياليها , أخرجت منه

قطع الثياب التي لم تبلى مع مرور السنين وظلت مثل ذكراها تتجدد

كل عام , الجوارب الصغيرة والقفازات وتلك البذل ناعمة الملمس

ضمتهم لصدرها بقوة ونزلت تلك الدموع الواحدة تلحق الأخرى وهي

تدس وجهها فيهم وتكتم عبراتها بهم تستنشق رائحة ابنيها اللذان حرمت

منهما لإحدى عشر عاما وقد انتشلوهما من حضنها ليأخذوا معهما كل

شيء حتى ابتسامتها الصادقة وضحكتها النابعة من القلب , إحدى عشر

عاما لم ترى أو تسمع شيئا أو شخصا يبرد نار جوفها وإن بخبر عنهما

إحدى عشر عاما من الحرمان وقد أخذوهما وأحدهما حديث ولادة

والآخر تعلم المشي للتو , لا تعلم تبكي فقدها لهم أطفالا أم نموهما

بعيدا عنها , تتخيل كل ليلة كيف أصبحا ... ؟ كل عام تتساءل كيف

أصبح طولهما وشكلهما ؟ مسحت عينيها سريعا بتلك القطع الناعمة

الباردة كقلبها الذي تحول لقطعة جليد منذ فقدتهم وأعادتهم مكانهم

حين انفتح باب الغرفة دون طرق فوقفت تغلق باب الخزانة وتعلم

جيدا من الذي فتحه دون أن تلتفت للباب ولا أن تراه

" علمت أنك لن تنسي تعذيب نفسك بهم اليوم , ارحمي قلبك

يا جوزاء فما كتبه الله لنا لا مفر منه "

أغلقت الباب واتكأت عليه بيديها مرخية جبينها عليهما وقالت بعبرة

تساقطت معها دموعها مجددا " قلبي نار عليهما لا تزداد إلا اشتعالا

عاما بعد عام فكيف تريدين مني نسيانهما عمتي ؟ هل تنسي أنتي قاسم

وأنتي التي لا تعلمين إن كان حيا أو ميتا ؟ ما ستتوقعينه مني وأنا أعلم

أنهما موجودان في هذه الحياة ومحرومة حتى من سماع صوتهما وإن

من بعيد وإن كلمة واحدة فقط "

مسحت تلك عينيها والدموع التي غلبتها وقالت ببحة لم تستطع

إخفائها في صوتها " وكلي أمرك لله هو لن ينساك يا ابنتي "

حضنت وجهها بكفيها ولم تزدد إلا بكاء وعبرات وقد خرجت الكلمات

منها متقطعة بسبب بكائها الموجع " مثل اليوم عمتي .. مثل هذا اليوم

أخذوهم مني فلذة كبدي , قد أنسى أي شيء قد أتناسهم في أي وقت إلا

هذا , لما لم يراعوا تضحيتي بالزواج من ابنهم ؟ كانوا تركوني معهم

على الأقل وكنت سأعيش وأتحمل ذل صنوان جميعها ولا يبتعدا عن

حضني , كانوا راعوا قلب الأم لكنهم كالجدران وكالصوان "

تقدمت تلك بكرسيها وقد كرهت عجزها عن مواساتها على الأقل

عن احتضنها وتخفيف دموعها التي تحجبها عنهم دائما , قالت

بصوت مكسور كئيب ونظرها معلق بابنة شقيقها الباكية

" حلفتك بالله يكفي يا جوزاء أنتي تعذبين نفسك

وتعذبيني معك وبلا نتيجة "

مسحت عيناها وأنفها بكميها بقوة وتوجهت جهتها قبلت رأسها

وقالت بحزن " آسفة عمتي أعذري كلامي وما قلت لك "

مسحت نصيرة على يدها التي تمسك بها كتفها وقالت بحنان

" لا شيء تعتذري عنه يا جوزاء وأنا لست غاضبة منك

وأعلم شعورك جيدا وأقدره "

قالت متوجهة جهة سريرها وقد جلست على طرفه " لأنك

تعلمين شعوري وسبق وجربته مثلي ما كان عليا قول

ذلك فمصابنا واحد "

هزت عمتها رأسها متنهدة بحزن وقالت " أحمدي الله أنهما على

قيد الحياة والله قادر على جمعكما مجددا ولا أحد يعلم الغد

ما فيه يا ابنتي "

قالت وقد عادت دموعها للنزول رغما عنها " حتى إن مات

أحدهما فمن سيخبرنا ؟ الله وحده يعلم ما حدث معهما ولابد

وأن جدتهما لم تبقي جهدا لتكرههما بي هي لم تحبني يوما

ولم توافق زواج ابنها مني "

تقدمت نصيرة بكرسيها جهتها قائلة " وكنت تركت مطر تفاوض

معهم حين استلم الزعامة , لماذا عارضته في ذلك يا جوزاء ؟ "

مسحت تلك عينيها وهزت رأسها بأسى وقالت " ما كان سيكون

حلا عمتي أنتي تعلمي أن مطر لا يمكنه تفضيل شخص من أهله

على أي أحد في نفس وضعه من الحالك وكان سيفاوض على جميع

الأسر التي تعاني كمعاناتي ليكون عادلا بين الجميع وذاك يعني مقابلا

كبيرا جدا فلن يرضيهم أرضا أو أسرى مقابل ذلك وسيستغلون

الأمر وأعلم ما ستكون النتائج "

هزت نصيرة رأسها بتفهم وهمست " لنا الله يا ابنتي لنا الله "

فكت تلك شعرها وعادت لجمعها قائلة " عزيزة أخبرتني أن

مطر عاد , هل أخذت له زوجته فطوره أم أذهب لأراه ؟ "

قالت عمتها بهدوء " بل غادر ما أن استحم فقد زارني قبل ذهابه "

أنزلت جوزاء يديها من شعرها وقالت " تجدين أمورا عدة هنا في

انتظاره فهوا غائب عن حوران من أكثر من شهر "

هزت عمتها رأسها بلا وقالت " بل خرج خارجها وأخذ زوجته معه "

نظرت لها باستغراب وصدمة قائلة " خرج أين وأخذها لما ؟ "

حركت تلك كتفيها قائلة بلامبالاة " وما علاقتنا بذلك ؟ هوا قال لي

فقط أنهما خارجان من حوران ولن يعودا قبل يوم غد "

تنهدت تلك بضيق قائلة " ويخرج بها وهوا عاد للتو من

الحدود ومتعب ولم يأكل شيئا ؟ "

واجهتها نصيرة بذات ضيقها قائلة " زوجان ويفعلان ما يحلو

لهما ومن حقهما الخلو ببعض متى أرادا , جوزاء عليك أن

لا تنفثي نيران حقدك بالفتاة فهي لا ذنب لها لتكرهيها "

نفضت يديها قائلة بحنق " لست أكرهها عمتي فارحميني "

ثم تابعت بقهر وهي تمسك ياقة قميصها بقبضتها بقوة " اشعروا بي

وأنا أحترق أقسم أن جرحي ينفتح كلما رأيت أحدا من صنوان أمامي

تخيلي أن يقتل أحدا من الهازان ابنك قاسم أو تكتشفي أنهم

سبب اختفائه ما سيكون شعورك نحوهم ؟ "

تنهدت المقابلة لها بيأس منها وقالت " لن ألقي لومي على

الجميع مهما كان الأمر "

علقت تلك بحرقة " كلام عمتي ... مجرد كلام وأقسم أن يتغلب

عليك ذاك الشعور الحارق واسألي كل من فقدت لها شخصا

بسبب أي قبيلة كانت وإن في ذات بلدتهم "

تحركت بكرسيها للخلف قائلة " لكنها أصبحت زوجته عليك تقبلها

من أجله على الأقل فهي لا ذنب لها فيما حدث ولا تعلم حتى من

يكونا ابنيك أو أنك تزوجت من صنوان "

وخرجت مغادرة من حيث أتت تاركة خلفها التي تمسح وجهها

بكفيها ومررتهما على شعرها الأسود الحريري المجموع للخلف

متمتمة بأسى " ليتني أقدر عمتي يا ليت "


*

*


آخر ما تذكره تلك الطريق المعبدة المحفوفة بأشجار السرو والبلوط

والبساتين التي تخفيها على جانبيها وتلك المكالمات التي وردته ولم

يجب عن بعضها والبعض أخبرهم أنه خارج حوران ولن يرجع قبل

صباح الغد فعلمت أنها رحلة ستطول ليوم وليلة كاملة لا تعلم حتى إن

كانا سيقضيانها يسيران هكذا أم لا ؟ فقد سحبها النوم إليه بقوة ولم تفق

إلا على توقف السيارة وفتحت عينيها مبعدة رأسها عن زجاج النافذة

الذي كانت تتكئ عليها لتجد أن السيارة توقفت في مكان لم يمرا بمثله

في طريقهما الطويل ذاك وكانت تلفه الأشجار من كل جانب , لا طرق

ولا حتى ترابية لا مباني ولا بشر !! نظرت للجالس بجانبها وهو

يطفئ محرك السيارة وقد قال وهوا يفتح بابه " تنزلين وحدك

أم تحتاجين لمساعدة ؟ "

نظرت حولها وقالت " أين نحن ؟ "

أنزل إحدى قدميه في الهواء ونظر لها وقال مبتسما بسخرية

" هذا السؤال يفترض أنه كان منذ ست ساعات وليس الآن "

وتابع وهوا ينزل " انزلي وستعرفين بنفسك "

فتحت الباب ولا تفهم شيئا مما يجري حولها وأين هما وما يفعلان

هنا !! وفكرت أنها ست ساعات سيرا بالسيارة أي أن الوقت الآن

تجاوز الظهيرة بكثير , نظرت للأسفل ولارتفاع السيارة ثم بحثت

بنظرها عنه وكان في الجانب الآخر يبدوا يتفقد إحدى إطارات

سيارته منشغلا تماما عنها فعادت بنظرها للأرض وعضت طرف

شفتها , عليها أن تقفز الآن لن تطلب مساعدته أبدا فأقل ما قد يفعله

أن يسخر من قامتها التي كانت تحسدها عليها نساء صنوان وهو

يراها مثلهم !! ولن تتخيل أن يفكر أنها تتعمد فعل ذلك كي ينزلها

أغمضت عينيها وقفزت ووجدت نفسها أخيرا على الأرض وبسلام

فنظرت حولها وهي تغلق باب السيارة وقالت وصوت خطواته

تقترب من خلفها " لا أفهم أين نحن وما سر هذه الرحلة الطويلة ؟ "

كاد قلبها يقع من مكانه حين وضع كفيه على كتفيها وسار بها بضع

خطوات للأمام بين تلك الجذوع العالية للأشجار وقرب رأسه من

رأسها وهمس وطرف جبينه يتكأ على صدغها " أغمضي عينيك

وأصغي جيدا وستعلمين أين نحن "

أغمضت عينيها وبلعت ريقها بصعوبة لكن ليس لأجل ما طلب منها فلم

يكن بإمكانها سماع شيء سوا نبضات قلبها المجنونة تضرب في أذنيها

من اقترابه منها ومن ملامسة جبينه لها وهمسه الذي داعب أطراف خدها

أخذت نفسا طويلا وحاولت أن تسترخي وتتجاهل وجوده وأنفاسه وجسده

القريب من جسدها لتفعل ما طلب منها وتجنب نفسها كشفه لتوترها بقربها

منه , فتحت عينيها فجئه حين استطاعت سماع ذاك الخرير الرقيق

المنتظم للمياه وصرخت غير مصدقة وهي تلتفت جهته

" العمران !! "

هز رأسه هزة خفيفة بنعم وعلى طرف شفتيه ابتسامة صغيرة

ناظرا لعينيها فدارت حول نفسها تنظر لما حولها قائلة بغير

تصديق " قل قسما أنها العمران مطر وأني فيها الآن ؟ "

جاءها جوابه من خلفها قائلا بهدوء " بلى أنتي في العمران الآن "

ركضت دون شعور منها حيث كان يتناهى لها صوت خرير المياه

وتوقفت فجأة ثم التفتت للذي كان واقفا مكانه فقال وقد اتكأ بظهره

على السيارة خلفه مكتفا يديه لصدره " لا أحد هنا غيرنا , الجنود

جميعهم على حدودها جهة صنوان منذ البارحة "

ابتسمت له دون تعليق ولقراءته أفكارها وما خشيت ثم أولته ظهرها

وتقدمت مجددا تجتاز تلك الأشجار والشجيرات تتبع صوت الماء

القادم من جهة الشرق ويطمئنها صوت الخطوات التي كانت خلفها

وعلى مبعدة منها أي أنه هنا ولن تضيع وسط الأشجار ... العمران

حلم كم تمنت أن تراه حقيقة مجددا فهي لم تراها منذ تلك المرة

الوحيدة حين كانت في السادسة من عموها قبل أن تأخذها الهازان

لا تتذكر جميع تفاصيلها لكنها تذكر جيدا جمالها وروعتها وجداول

الماء العذب التي تشقها لتجتمع في تلك البحيرة التي تتلألأ تحت

ضوء الشمس كالألماس , تذكر أنها خضراء جميلة لم تعبث بجمالها

أيدي البشر وأنها تصلح لكل شيء كما كان يخبرها والدها فيمكن أن

تكون أراض زراعية في مساحات كبيرة منها حيث الخصوبة ويمكن

تحويلها لمدينة سكنية من حيت انبساط الأرض في أكثر من نصف

مساحتها , ولن يفسد جمالها حال بقيت كما هي هكذا , وصلت أخيرا

لذاك الجدول الصغير وابتسمت بسعادة ما أن وقعت عيناها على الماء

الذي يشق طريقه من بين الصخور المحفوف بها وعلمت من ارتفاعه

أن الأمطار زارتها لأكثر من مرة في بداية هذا الخريف فرش المطر

الخفيف بالكاد لا يتركها طوال العام وشتائها شديد الأمطار والضباب

رائعة بجمالها كما يعرفها جميع من في تلك البلاد فهي أجمل مدنها

على الإطلاق , اقتربت من المياه البيضاء النقية التي تظهر تفاصيل

الصخور المنحوتة من تحتها ثم التفتت للخلف حيث الواقف على بعد

خطوات منها يديه في جيوب بنطلونه وينظر لها بصمت وقال هذه

المرة أيضا وبدون أن تتحدث " يمكنك دخولها حافية لكن

حاذري فبعض الصخور زلقة "

ابتسامة أخرى صادقة نقية ما أهدتها له دون أن تتحرك شفتيها مطلقة

أي كلمة ورفعت يديها لوشاحها أولا ونزعته بما أنه لا أحد هنا كما قال

ومؤكد بأوامر منه أخلى الجميع المكان , فكت شعرها الذي كانت تجمعه

تحت ذاك الوشاح الحريري الناعم لينسدل على ظهرها ثم مررته من تحته

بينه وبين عنقها وعقدته به في الخلف تحت مؤخرة رقبتها ولم يبقى للريح

سوا خصلات غرتها تتلاعب بها بكل رقة , انحنت وخلعت حدائها فلم تعد

تستطيع مقاومة إغراء تلك المياه النقية التي لا يشوهها سوا بعض الوريقات

الصفراء التي تتراقص مع جريانها وكم من حكايات سمعتها عن مصادر

تجمع هذه المياه نقية هكذا عذبة تجري فوق أرض صخرية , أنزلت قدمها

وشعرت بدفء ذاك الماء بسبب شمس الظهيرة رغم أن الصخور كانت

باردة ترسل قشعريرة في الجسد تزيد الأمر روعة , سارت مع تيار الماء

ثم عكسه ونسيت كل شيء حولها تستمتع بصوته وغناء العصافير من

حولها , نزلت وغرفت من مياهه بيديها ورفعتها لوجهها ورشتها عليه

مبتسمة لن تبالي إن سخر منها مجددا بلعبها به ولم تتساءل حتى الآن

لما أحضرها هنا , ما تعلمه فقط ومتأكدة منه أنه إن أراد بهذا أن تغير

رأيها فهي برؤيتها لها لم تزدد إلا تعلقا بها , رفعت جسدها واستقامت

في وقفتها تنظر له حيث نزل مستندا بقدميه عند طرف الجدول على بعد

خطوات عديدة منها وبدأ بالوضوء بمياهه فتذكرت حينها أنهما لم يصليا

الظهر , تذكر أنه أوقف السيارة ونزل في طريقهما لكنها لم تنزل طوال

تلك الرحلة ولم تدخل الحمام , نظرت خلفها لامتداد جدول الماء واختفائه

بين الأشجار ثم عادت بنظرها له وكان يمسح رأسه فقالت " مطر "

نظر جهاتها فأبعدت نظرها عنه وقالت " سأبتعد قليلا فقط وأرجع

لأتوضأ ونصلي معا "

قال وهو ينزع فردة حدائه اليمنى " لا تبتعدي كثيرا ولا تتأخري أو

لحقت بك "

تحركت من فورها تكتم ابتسامتها وتلك الشهقة المصدومه وهي

تتخيل أن يلحق بها فعلا


*

*


جلس على مقدمة السيارة التي قربها من مكانهما بعدما أخرج سلاحه

ووضعه بجانبه يراقب التي لازالت لم تكتفي من تلك المياه تجلس

على حافة إحدى الصخور العالية وقدماها في الماء مولية ظهرها

له متكئة للخلف قليلا مسندة نفسها بيديها خلفها على الصخرة تراقب

كل شيء حولها ثم رفعت رأسها عليا ليظهر أنفها المستقيم الصغير

وجبينها ورموشها الكثيفة وأعلى جفنيها حين طارت غرتها للخلف

بسبب رفعها لرأسها تراقب حتى السماء التي رسمت فيها السحب

البيضاء مسارات طويلة مخفية أشعة الشمس القوية خلفها لتعطيها

جوا خريفيا معتدلا ورائعا , انزلق نظره نزولا من وجهها وغرتها

الحريرية المتطايرة لخصرها النحيل وشعرها الذي تلاعبت الريح

ببضع خصلات منه رغم أنها تربطه بوشاحها وقد تذكر حديث عمته

حين سألها عن سبب خروجها من مجلس الضيوف في تلك الحالة وقد

قالت له (( " الأحاديث كانت كثيرة ولا أعلم السبب الحقيقي فقد كنت

منشغلة مع شقيقة زوجي رحمه الله وهي تحكي لي عن وجود سليمان

مع من طوقوا حدود حجور ليلة هربت تلك العجوز ووجدتم فتى

مصاب هناك "

هز رأسه بحسنا دون أن يعلق وها قد علم ما يكون ذاك الخبر الذي

تحدثت عنه وتابعت عمته تنظر له بحيرة " هل من مشكلة يا مطر ؟ "

هز رأسه بلا ولم يعلق فتنهدت بحزن وقالت " هي سبق وخرجت فجأة

صباح زواجكما من مجلس الضيوف حين سمعت لأول مرة عن مذبحة

خماصة , الفتاة كتومة جدا ورقيقة لحد لا يمكنك تخيله يا مطر وأرى أن

ظروف زواجكما تؤثر عليها سلبا وإن لم تكن تظهر ذلك , هي بحاجة

لبعض الرقة والرفق مثلما بحاجة لبعض الوقت ولا تنخدع أنت مطر

الرجل بقوتها وعنادها فالمرأة تبقى امرأة مع بعض اللين تحصل

منها على ما تريد فراعي غربتها وبعدها عن أهلها بني " ))

أبعد نظره عنها وهز رأسه هزة خفيفة وكأنه يطرد فكرة ما من

رأسه وهمس بضيق " النساء النساء .... بل هذه تحديدا ! "

رفع سلاحه ومرر الرصاصة من المخزن بدفعة واحدة ورفعه متمتما

" شراع صنوان لو أنك لم تتهور في رعايتها منذ عامين ما كانت هنا

الآن وما اضطررتني لما فعلت وكنت أمسك نفسي عنه من أعوام "

ثم تأفف قافزا من فوق مقدمة السيارة واقفا وأعاد السلاح مكانه عليها

ثم اقترب منها حتى وقف بجانبها يديه في جيوبه ينظر جانبا لجريان

الماء وقد سوت هي جلستها تنظر للجانب الآخر وكأن كل واحد منهما

يتهرب من قول شيء ما , هي تخشى من فتحه للموضوع الذي لازالت

تتهرب منه وتخشاه وهو يفكر في شيء آخر مختلف تماما , خرج صوته

أخيرا منهيا ذاك الصمت وقال وقد عاد بنظره للجدول تحتهما ولقدميها

البيضاء الناعمة وسط مياهه " هذا المكان يشعرك بأنك بعيد

عن كل مشاكل البلاد ونزاعاتها "

رفعت نظرها له وعيناه لازالت شاردة مكانها فنظرت للأسفل أيضا

وهمست " نعم معك حق "

ثم عادت لرفع رأسها مجددا والنظر له فكان هذه المرة ينظر لذاك الجانب

مجددا فأبعدت نظراتها عنه تفكر في هذا الرجل الشديد الصمت والغموض

لا أحد ولا عائلته يعلمون شيئا عن خصوصياته ! ما يريد ؟ فيما يفكر ما هي

أحلامه الشخصية وطموحاته ؟ ما يقرر لأجل الغد ؟ ومن هو مطر القلب

والمشاعر وليس مطر العقل ؟ مررت أصابعها في غرتها ترفعها

للأعلى ثم أعادت يدها في حجرها وقالت ونظرها على

الماء تحتها " مطر "

جاءها رده في همهمة خافتة دلت على انخراط عقله في أفكار ما

فقالت ولم ترفع نظرها عن الأسفل " هل أسألك سؤالا وتجيبني عليه ؟ "

نظر لها تحته فكانت على حالها ذاك تنظر للماء تحتها فجلس أيضا

وكان لا يفصلهما سوا مسافة بسيطة جدا ناصبا إحدى ركبتيه ومنزلا

قدمه الأخرى للأسفل وقال بهدوء " إن كان لما تزوجتك فلا جواب

عندي عليه وغيره اسألي "

نظرت لجانب وجهه مستغربة وكان ينظر أماما للأشجار البعيدة قليلا في

الجانب الآخر يريح ذراعه على ركبته المنصوبة أما الأخرى التي في جهتها

فيسندها على الحجر الكبير الذي يجلسان عليه ولم تفهم لما هو على استعداد

للجواب عن أي سؤال دون خوف أو تردد بينما ذاك السؤال لا !!

قالت " لن أسأل عن ذلك لأني أعلم بأنك لن تجيب "

ثم أبعدت نظرها عنه ناظرة للأمام مثله عندما لم يعلق وقالت بهدوء

حذر " إلى من تحن أكثر ؟ لمنزلك وأنت في جبهات القتال أم

للجبهات وأنت في منزلك وسط عائلتك "

هو من نظر لجانب وجهها هذه المرة وكأنه يحاول فك رموز سؤالها ذاك

ومغزاها من طرحه فحركت قدميها في الماء بعشوائية ونظرها عليهما

وقالت " ليس لأي غاية في نفسي أطرح هذا السؤال يا مطر ولست

أعني الوقت الحاضر أيضا فلا تلعب الظنون بك "

أبعد نظره عنها وقد أراحته من نصف استنتاجاته عن سؤالها

ثم قال مبتسما " هوا الفضول إذا ؟ "

نظرت للجانب الآخر بعيدا عنه وقالت مبعدة خصلات غرتها لخلف

أذنيها " لما لا تسميه تعارف بين شخصين لا يعرفان بعضهما وهما

زوجان من أكثر من شهرين "

نظر مبتسما لجانب وجهها الذي لا يظهر منه إلا القليل لإبعاده عنه

وقال " ولن نلعب لعبة سؤال بمثله طبعا لأن سؤالي سيكون

لما دخلت أراضي متسللة ؟ "

شعرت بجسدها تيبس وتنفسها توقف وفكر عقلها بسرعة البرق بأنه

لم يطرح هذا السؤال سابقا رغم أنها كانت تتوقع أنه أول ما سيقوله

ما أن يراها ويتحدث معها , نظرت ليديها في حجرها ما أن اجتازت

صدمتها تلك وقالت بهدوء " لا فأنا لا أحب تلك اللعبة ولن أجيب

عن السؤال أيضا "

عض طرف شفته يمسك ابتسامته ورفع يده من على الصخرة وأمسك

بها يدها من حجرها متجاهلا ارتجافها من حركته المفاجئة وقال ناظرا

لأصابعها وهو يحركها بين أصابعه وكلاهما على فخذها " حين أكون

في منزلي أو في جبهات القتال , في نومي ويقظتي وفي أي مكان أكون

فيه لا أحن إلا لوطن واحد لبلاد لها حريتها وسيادتها ولشعب يعيش

فوق أرضه بكرامة وينام مرتاح البال , لا أحن إلا لمستقبل أفضل

لأبنائي لأهلي ولأبناء وطني , لا أحن يا غسق إلا لليوم الذي

أعيش فيه على هذه الأرض لا أسمع أخبارا عن الموت

والحروب والنزاعات القبلية "

ثم رفع نظره لوجهها ولعينيها التي لازالت معلقة بوجهه ولنظرة الحيرة

والضياع فيهما وقد تشابكت نظراتهما في حديث مبهم طويل وغامض

فرفع يده التي يرخيها على ركبته المنصوبة لوجهها مبعدا خصلات

غرتها جانبا وأصابعه قد لامست جانب خدها وصدغها ويده الأخرى

لازالت تمسك أطراف أصابعها ليبدأ قلبها بعزف سيمفونيته المعهودة

حين قرب وجهه من وجهها حتى اتكأ بجبينه على جبينها وتلامست

أنوفهما وأصابعه تتغلغل في شعرها تشعر بدفء كفه على خدها

وقد همس برقة " آسف يا غسق أعلم أنه جواب ما كانت لتحبه أي

امرأة من زوجها لكني لا أعرف قول غير الحقيقة ويوم تتوحد بلادي

ويعيش أهلها عليها بكرامة سأحن لأمور أعلم أنها أهم بكثير لدى

غيري من الحروب أما قبل ذلك فلا أستطيع مهما عاندتني نفسي "

أنزلت نظرها مرخية جفنيها للأسفل رغم أن وجهها ما يزال ملاصقا

لوجهه حتى أغمضتهما برفق وهمست " إذا أنت ملك للجميع إلا

أهلك يا مطر "

لم تفتح عينيها ولم تشعر سوا بأنفاسه على شفتيها حين همس مثلها

" لا تقارني يا غسق فلكل ذي حقٍ حقه "

فتحت عينيها ونظرت لعينيه مجددا فابتسم هامسا بخفوت أكثر

" مثلما من حقك أنتي وحدك أن أقول لك بأنك أجمل امرأة رأتها

عيني في هذه البلاد وخارجها "

هربت بنظرها منه مجددا وقالت مبتسمة " ألانها الحقيقة أم لأني

الأحق بسبب عقد الزواج والحلال والحرام يا ابن شاهين ؟ "

خرجت ضحكة صغيرة رغما عنه ورفع يده الأخرى تاركا أصابع

يدها وحضن بها وجهها أيضا وقال ضاغطا أنفه على أنفها مقربا

وجهيهما أكثر من قربهما القريب ذاك وقال مبتسما " الجواب

لديك طالما تنظرين للمرأة كل يوم يا ابنة شراع "

لم تستطع السيطرة على مشاعرها أكثر , كان قربه معذبا وموجعا والشعور

بأنفاسه كان يحرقها مهما هربت من النظر له , كانت تنجرف للهاوية ولا

يعلم ما يحدثه فيها بكل هذا , رفعت نظرها له مجددا ورفعت يدها في حركة

بطيئة ونظراتهما المتشابكة تحكي قصصا كثيرة من الصمت , لامست بها

جانب وجهه وما أن شعرت بملمس بشرته ولحيته نزلت سريعا بأصابعها

حتى عنقه وكأنها استفاقت لنفسها ولما فعلت ولم تكن من قرر فعله ولا

وافق عليه , أمال رأسه قليلا وأصبح أنفه ملامسا لخدها بدل أنفها وحركه

عليه برقة مقربا شفتيه من شفتيها وأشعرها ذاك التلامس الخفيف بينهما من

حركته تلك بتقلص أحشائها وقد نزلت يدها من عنقه ممسكة لياقة قميصه

بقوة وكأنها الشيء الوحيد الذي قد يساندها وقد تجد فيها العون والشجاعة

ارتخت يداه فجأة وأخرج أصابعه من شعرها وابتعد عنها حاملا معه أنفاسه

التي كانت ترتشفها حد الخدر ووقف فجأة وابتعدت خطواته عنها تاركا

جسدها يتلاشى من تلاطم مشاعرها المتقدة تلك وهي تصطدم بجدار هروبه

المفاجئ تتنفس بقوة ممررة يدها على عنقها تحت شعرها متمنية أن ترتفع

تلك المياه حتى تأخذها معها , لم تفهم لما فعل ذلك ! كانت تعلم ما كان يريد

فعله ولم ترفضه بل شجعته منساقة خلف ذاك الهيجان في مشاعرها , هو

لم يتراجع عن فعلها سابقا بل كان يقبلها دون حتى تردد فما حدث الآن !

ذات الأسئلة تلك التي كانت تدور في رأسها لحظتها حتى شعرت بأنه

يغلي كالبركان الذي لا تجد حممه فوهة تخرج منها , انحنت للماء فورا

وغرفت منه بيديها ورمت ذاك الماء على وجهها ومسحت بيديها على

شعرها للأعلى وأخرجت قدميها من الماء هامسة بسخرية قهر

" شرحها لك منذ قليل يا حمقاء لا تعنيه في شيء "

" غسق "

التفتت له من فورها برأسها فقط فكان عند مقدمة السيارة يمسك

سلاحه في يده وقال وهوا يصوبه جهة أعلى الأشجار " تعالي "

عادت برأسها للأمام مثبتة نفسها لتتصرف مثله وكأن ما كان قبل

قليل لم يكن ووقفت تمسح يديها ببعض ثم لبست حدائها دون أن تنزل

بنطلونها المثني لنصف ساقيها كي لا يتبلل بالماء منهما وتوجهت

نحوه فقال ولازال ينظر بعين واحدة من عين التصويب في سلاحه

للأعلى " الجو أصبح يبرد هنا والماء كذلك وبقاء قدميك

فيه سيمرضك "

هزت رأسها بحسنا وكأنه يراها وسرعان ما دوى صوت الرصاصة

في الأجواء ودون شعور منها أغلقت أذنيها صارخة بذعر فنظر

لوجهها الذي شحب وكأن الماء تجمد في عروقها ومد لها السلاح

قائلا " ستعتادين صوته هيا دورك سأريك كيف تستخدمينه "

نظرت له بصدمة ولازالت تغلق أذنيها بكفيها ثم هزت رأسها بلا

وقالت متراجعة خطوة للخلف " لا أستطيع ذلك ولا تفعلها

مجددا مطر أرجوك "

عقد حاجبيه وقال بضيق " هيا لا تكوني جبانة عليك أن تتعلميه "

حركت يدها أمام وجهها قائلة " لا ليس عليا ذلك أنا لا أحب تعلمه

ولا أريده ولست أحتاجه أيضا , أليس الرجال من يحمون النساء ؟ "

ولم تكن تستطيع شرح سبب خوفها منه , سبب كرهها لكل ما يربط

له بصلة وأنها أضعف ما يكون أمام الموت والقتل والدماء التي

تنزف من الناس فهل سيتخيل بأن تفعلها هي يوما !

تحرك ناحيتها وأمسك ذراعها قائلا بحزم " ليس عليك استخدامه

بل تعلمه للضرورة يا غسق فلا تعاندي وتغضبيني منك "

حاولت إفلات ذراعها منه قائلة بضيق " لا أريد , هل جلبتني

هنا من أجل هذا ؟ لو سألتني ما تركتك تتعب نفسك "

أفلت ذراعها بقوة وقال بغضب " لم أجلبك لأجله فالفضاء واسع

في مدن الحالك فاتركي عنادك جانبا يا امرأة "

شعرت بكلمته كالخنجر في صدرها رغم أنها ليست كلمة تهان بها

أي امرأة لكنها شعرت بها من فمه وكأنه يصفعها

بالنكرة وهوا من لم ينادها يوما إلا باسمها أو بابنة شراع , كم

كرهت ذاك الشعور وتلك المشاعر الخانقة فهل وصل بها الحال

أن تتضايق من نطقه لأي كلمة قد لا تعجبها وإن كانت عادية ؟

هل انجرفت خلف مشاعرها لهذا الحد ! سؤال لم تجد أي جواب

عليه ليتحول لعبرة تجمعت في حلقها وكأنها كتلة متحجرة كتمها

لها كان يكاد يفجر الدموع من عينيها وهي ترى نظرته الغاضبة

فخرج صوتها الناعم يائسا منخفضا تجاهد ملامحها التي تنذر

لوشوك انفجارها " مطر لا أستطيع "

حرك رأسه بقوة برفض قاطع وهوا يمد لها السلاح وقال بحزم

" لن تجدي معي هذه المرة نظرتك الساحرة هذه يا غسق

وستفعلينها وإن مرغمة "

صاحت باعتراض وقد ضربت قدمها بالأرض " ولما تجبرني على

ما لا أريد ؟ هل على كل امرأة في منزلك أن تحمل السلاح مثلك "

صر على أسنانه يستغفر الله هامسا وكانت تدرك أنه يمسك نفسه بصعوبة

عن ضربها بأخمس ذاك الرشاش أو رميها به وقد علا تنفسه الغاضب من

حركة أضلع صدره العريض من تحت ذاك القميص الأبيض الحريري

وخرجت الحروف من بين أسنانه " أنتي شيء آخر وعليك أن تتعلمي

الدفاع عن نفسك بأي طريقة ولا أفضل من السلاح في مثل هذه البلاد "

تراجعت خطوة أخرى للوراء تهز رأسها برفض وبدأت الدموع بالتجمع

في عينيها ولم تستطع فهم إصراره القوي لتتعلم هذا الشيء ومعنى كلامه

عن حاجتها للدفاع عن نفسها !! قالت بعناد أقوى " الله يدافع عني

دون قتل أو دماء , هو من يحمي البشر "

" غســـــــــــــق "

تلك الصرخة الغاضبة باسمها فجرت آخر حاجز وضعته لتلك الدموع

كي لا تتسرب من عينيها فتساقطت تباعا كحبات اللؤلؤ وقد زمت شفتيها

المرتجفة بسبب بكائها ذاك وقد لاحظت من خلال تلك الغشاوة والدموع

ملامحه التي بدأت تلين ببطء , ولم ترفع ولا يدها لمسح تلك الدموع

المتناثرة على وجنتيها وهمست بصوت ضعيف مرتجف " كنت أثق

في حماية والدي وأشقائي لي والآن أثق من أنه لن يمسني ظفر

إنسان وأنا تحت حمايتك فلما أتعلم هذا الشيء ؟ "

مرر أصابعه في شعره ناظرا للسماء وأخرج زفيرا قويا ثم أغمض

عينيه بقوة يتذكر كلام عمته مجددا عن اللين في التعامل معها لكنه

لم يعتد ذلك لم يعتد مخالفة ما يأمر به ولم يعرف بديلا أبدا عن

إلقاء الأوامر لكن هذه المرأة تعرف جيدا كيف تتسلل للنخاع حين

تريد شيئا أو ترفض شيئا ويعلم أن دموعها لا تنزل سدا فهي بالكاد

تتغلب عليها لتملأ محاجرها دون نزول , وضع السلاح على السيارة

وتوجه نحوها وهي تمسح دموعها بطرف كم قميصها , وهذا أمر

آخر يعجز عن التصرف فيه ... المرأة الباكية التي قد لا يسكتها

شيء , أمسك يدها وأبعدها عن وجهها هامسا " أش يكفي الآن "

ثم مسح بيده الأخرى على خدها مبعدا غرتها عنه وهي لازالت تسدل

رموشها للأسفل مبعدة نظرها عنه وقال مبعدا خصلات غرتها خلف

أذنها " ما السبب يا غسق ؟ أعتقد كان عليك ذكره من البداية "

أشاحت بوجهها جانبا فابتعدت يده عنه وقالت ببحة ووجنتين مشتعلتان

احمرارا " حين كان عمري سبع سنين استوقفتنا مجموعة مسلحة , كنا

في السيارة أنا ورماح والكاسر ووثاب وخالي وزوج خالتي , كنا صغارا

وقتها وكانوا رجالا مخيفين وبيدهم أسلحة , كانوا مجموعة وتشاجروا

أمامنا ورفعوا السلاح على خالي وكانوا سيقتلونه أمام أعيننا دون

اكتراث لصراخنا وبكائنا الهستيري "

ارتجفت يدها بوضوح شعر به من معصمها الذي لازال في قبضته

وتابعت وقد عادت دموعها للجريان على خديها تمسحها بيدها الأخرى

" اعترضهم مجموعة أخرى في الوقت المناسب لكانوا قتلوه لكن الأبشع

أنهم قتلوا رجلين منهم أمام عيني وبدم بارد ونجونا منهم بأعجوبة وقد

أصيب زوج خالتي ونزف طوال الطريق حتى كاد يموت , كان ذاك

الحدث سببا لكوابيسي لأعوام وأصبت بحالة هلع من أي موقف يستخدم

فيه السلاح وإن كان سلميا , وقد حرص والدي لأعوام أن لا أراه

في منزلنا حتى كبرت لكن خوفي منهم ومن القتل والدماء

لم أتخطاه لليوم "

تنفس حينها بتفهم وهز رأسه بحسنا وإن لم تكن تراه , ها قد علم

الآن سبب تلك النظرة حين رأت السلاح على كتفه وحين مده لها

لتحمله لغرفته , سار بها جهة السيارة يسحبها من رسغها قائلا

" لا بأس لن أطلب منك ذلك مجددا "

وتابع وهوا يفتح لها الباب " كان عليك إخباري من البداية

بدلا من أن تعاندي وتغضبيني "

لم تعلق وهذا ما توقعه منها فهي كانت ترفض إظهار ضعفها أمام

أي كان وكانت ستكتفي بالرفض فقط وما كانت لتتحدث لولا دموعها

التي استغرب حتى أن سمحت لها بالنزول أمامه , رفعها من خصرها

مجلسا لها على الكرسي وأخرج قارورة الماء من تحته ومدها لها

وأغلق الباب ما أن أخذتها منه ودار حولها وركب في كرسيه

وأدار مفتاحها فوصله همسها المبحوح قائلة

" أنا آسفة "

نظر لها وكان نظرها على القارورة في حجرها تقبض عليها بيديها

بقوة وقد أخفت غرتها أغلب ملامحها فتراجع بالسيارة للخلف قائلا

" كنت أريد ذلك من أجل مصلحتك يا غسق ولو أخبرتني بحالة

الخوف تلك ما عرضت عليك الأمر "

وتابع وقد انطلق بالسيارة في الطريق الذي شقته إطارات السيارات قبلها

في المكان " لن أتوانى عن حمايتك أبدا ولن يمسك أحد بسوء وأنا حي

أتنفس لكن المستقبل لا يضمنه أحد ولاحظت من ليلة زواجنا أنك لا

تتقنين استخدام السلاح وأنا من ضن أنك ستكونين تدربت

عليه جيدا في منزل والدك "

نظرت جهة النافذة وخرج صوتها خفيضا لازال يؤثر عليه بكائها

السابق وسجنها لعبرتها كل ذلك الوقت " علمني عليه الكاسر نظريا

وفي يديه هو دون أن ألمسه وقال أن الضرورة قد تجعلني أستخدمه

متغلبة على خوفي لكني لم أستطع إمساكه والرمي به مهما حاولت "

خطف نظره لها ثم عاد به للطريق الترابي الذي وصلاه أمامه وقال

" لكنك تصرفت بشجاعة وثبات يوم أصبت , ألم يذكرك ذلك بذاك

الموقف ؟ "

نظرت له سريعا فقال من قبل أن تتحدث " لا أقصد تكذيبك ولا

تستعجلي الحكم على كلامي فهذا مجرد سؤال "

نظرت ليديها في حجرها وهمست ببحة " قد يكون مما حكا عنه

الكاسر وكانت شجاعة لحظية فقط "

أغمض عينيه لبرهة متنفسها بضيق فكلامها يدل على أمر واحد أنها

قضت تلك الليلة تبكي , وصله صوتها مجددا " في منزل والدي لم

يكونوا يخبروني عن أي إصابة لأحد أشقائي ولا أراه إلا وجرحه

مضمد منذ حالات الهلع تلك في طفولتي , وأنا نفسي لم أتخيل أن

أتحمل منظر الدماء ورائحتها تلك الليلة "

وتابعت بهمس حزين " أنا أثق في حمايتك لي يا مطر وإن عجزت

أنت فالله يحميني وإن كنت أجهل سبب خوفك هذا "

لم يتحدث ولم يعلق على كلامها وقال وقد أوقف السيارة مجددا

" لننسى كل ذلك الآن فلم أجلبك هنا لأجله أنا فقط رأيت أن

المكان والوقت مناسبين "

وتابع وهو يفتح بابه " هيا انزلي أريد أن ريك شيئا مهما "

ونزل ونظرها يتبعه مستغربة ثم نظرت حولها وكانت تعلم أنهما لازالا

في العمران ولم يغادراها , فتحت الباب وقفزت مجددا تثبت نفسها بالتمسك

بحافة الباب ثم أغلقته ودارت حول السيارة حيث كان واقفا ينتظرها فأمسك

بيدها وقال يسحبها منها " لن تكرريها مجددا يا غسق وستخبرينني حين

يكون لديك مخاوف من أمر ما اتفقنا "

نظرت له سائرا أمامها ... لظهره وأكتافه العريضة لشعره الأسود

اللامع وتنهدت بأسى ( أعظم مخاوفي منك أنت يا مطر شاهين

فكيف أخبرك عنها بالله عليك ؟؟ )

صعد بها ذاك المرتفع الذي ظنته جبلا صغيرا لكنهما ما أن بدأ بتسلقه

حتى اكتشفت أنه ضخم ولن يصلا لنهايته , كانا يصعدان برفق ممسكا

بيدها ينظر كل حين لقدميها وحركتهما كي لا تنزلق , وما أن كانا

أعلاه ووقفت بجانبه حتى نظرت حولها بدهشة فاغرة فاها الصغير

الممتلئ وهمست بدهشة " ما هذا ؟ "

حيث كان بإمكانها رؤية تلك المنطقة من أعلاه وكأنها تركب طائرة

مروحية تطير بها فوقها , جلس حيث وصلا وقال ناظرا لها فوقه

" اجلسي لتستمتعي بالمشهد مسترخية فمن هنا يمكنك مشاهدة

كل شبر في العمران "

نظرت تحتها وجلست برفق لتكتشف أنها كانت تكاد تلتصق به ولم

تكن تستطيع الزحف بعيدا ستكون حركة سخيفة ومكشوفة , ضمت

ساقيها مطوقة لهما بذراعيها ونظرها يهيم في كل شيء أمامه وخصلات

شعرها وغرتها تتطاير مع ذاك الهواء الذي اشتد بسبب وجودهما على

ذاك الارتفاع , لم تستطع منع عينيها من التنقل في كل اتجاه انبهارا بما

ترى أمامها فحتى بحيرة رقراق كانت تراها من مكانها هناك , وبينما كان

نظرها يتنقل في كل شبر من المكان كان الجالس بجانبها يستند بإحدى يديه

خلفه مدققا النظر على ردة فعلها وملامحها من بين ذاك الشعر الحريري

الذي كان يعزف على وتر الرياح وهي تكاد تنسى كل شيء حولها وحتى

وجوده , نظر أمامه ثم عاد بنظره لها وقال " هذا الجبل يسميه البعض

بجبل غضنفر فقد اكتشف هذه النقطة فيه رجل كان يلقبه الناس بالغضنفر

لما يحكى عن شجاعته ومبارزته للحيوانات المفترسة حيث كان يرجع

في كل رحلة بحيوان منها مطعون بسكينه وكان يعشق حياة البراري "

أشارت بإصبعها لنقطة بعيدة وقالت هامسة " أنظر مطر تلك

المساحة جميعها منبسطة وكأنها بساط "

ابتسم لطريقتها الطفولية في وصف المشهد ورفع يده وأدارها حول

رأسها وسند مرفقه بكتفها وأشار بإصبعه على كل تلك المساحة قائلا

" تلك تسمى عينقوق إنها أرض خصبة بشكل لا يمكنك تصوره حتى

أن الأعشاب البرية الضارة والسامة لا تنبت فيها "

ثم حرك أصبعه يمينا وتابع " أما تلك الجهة المرتفعة قليلا فصخرية لا

تنفع إلا لتكون عمرانية وقد كانت الهازان تريد بناء مستعمرة عسكرية

في كل تلك المساحات حتى حيث الأشجار بمسح تلك الأرض أيضا

لتكون نقطة قوة لها لا يقهرها فيها أحد , كانوا يخططون لسحب حتى

مياه البحيرة ولإنشاء سد للمياه "

كانت تريد قول الكثير كانت لتعلق على كل ما قال لكن جسدها بأكمله

خانها وهو بهذا القرب منها بعدما وضع ذراعه على كتفها وأصبحت

شبه محتجزة في جسده , كانت تشعر بنبضاتها تتسرب في عروقها

حتى قدميها اللتان لم تعد تشعر بهما , لم تشعر سوا بجسده وبرائحته

وبأنفاسه وصوته القريب من أذنها , كانت تشعر بقربه فقط بقربه حد

الوجع المؤلم , وخشيت من تكرار موقف الجدول ذاك ومن ضعفها

وخيانة مشاعرها لها مجددا ومن هروبه وتركها تتهاوى للقاع مرة

أخرى , رطبت شفتيها التي جففتهما الرياح تحاول تنظيم ضربات

قلبها بالتحكم في أنفاسها المتوترة وخرجت منها تلك الكلمات

بصعوبة بالغة " كانوا يريدون تدمير هذه الطبيعة الخلابة ! "

أبعد ذراعه عن كتفها وأمسك ذراعها برفق مطوقا لكتفيها بذراعه قائلا

بهدوء " نعم كان مشروع قرار يتم مناقشته جديا لولا الطعن القوي الذي

قدمه شراع صنوان ولم أترك ذراعا لي في تلك البلاد لم أحركها لتساند

طعنه ذاك ليوقفوا جنون ابن راكان الذي يريد أن يطبقه على هذه

المنطقة منقطعة النظير والتي لا مثيل لها في كل بلادنا "

نظرت لوجهه القريب منها وقد تابع ونظره لازال هناك " هذا المكان

لن يكون جبهة قتال وأنا حي أتنفس ولن يفعلها رجالي من بعدي , لن

تراق الدماء فيها ولن تدمرها المدافع والصواريخ ولن تفسد تربتها تلك

السموم التي تنبعث من الأسلحة , العمران سقطت في يد الهازان سلما من

أعوام طويلة وأخذناها منهم دون إراقة نقطة دم واحدة منذ أشهر وستكون

هكذا دائما حتى تتوحد هذه البلاد وتتحول لمدينة تكون من أجمل مدنها "

كانت نظراتها تتعمق في عينيه ونظرته الحانية لتلك المروج والجداول

والأشجار , لم تتخيل أن يتشابه تفكيرهما هكذا ! هي كانت تعلم جيدا أن

العمران ليست سبيله الوحيد لصنوان فإن أراد الهجوم عليهم فسيكون

لديه حدود واسعة تجمعه بهم من جهة الحالك والهازان ولن يؤثر أخذها

منه في فعلها أبدا إن أراد لكنها أرادت ما قاله الآن أرادت حمايتها من

الجميع حتى من صنوان , تمنت أن تبقى محتفظة بجمالها ولا تشوهها

الحروب وتتحول لمستعمرات ولأرض بور وطبيعة محترقة وأسلاك

شائكة في كل مكان وأرض مليئة بالألغام لذلك أرادت أن تخرج من

ملكيته المؤقتة لها فلن تعترض صنوان إن أخذتها وهي ابنة زعيمهم

ولن تعارض الحالك لأنها أساسا ليست لهم وهو من أعطى الهازان

مدنهم مسلما لها لأهلها ما أن دخولها وهي تحت قبضته .

لم تفهم هل قال هذا عفويا أم أراد أن يوصل لها رسالة واضحة على

أن ما تخشاه لن يحدث أبدا وأنه قرأ أفكرها ككل مرة وعلم السبب وراء

اختيارها للعمران وإصرارها عليها ؟ فكرت في كل ما قال لها وكل ما

سمعته عنه من نساء قبائله , عن أهل مدن الهازان وما يفعل من أجلهم

رفعت نظرها لوجهه وهو ينظر للبعيد في صمت وترقرقت تلك

الدموع في عينيها وهي تراقب ملامحه الوسيمة التي تنطق رجولة

وحزما وصلابة وتمنت من كل قلبها أنه لا يحمل فكرة توحيد البلاد

في رأسه حد أنها تجري في شرايينه لتراه يقتل أهلها وقبائلها وأولهم

قبيلة والدتها التي تسكن مدينتين من حدوده , تمنت رجلا آخر غيره

من ينفذ ذلك فهي أيضا تريد للبلاد أن توحد لكنها لا تنكر أنها لا تريد

أن يكون ذلك على يدي هذا الرجل , أن لا يكسر صورته في أعماقها

تمنت أن كان رجلا عاديا يزرع الأرض ويرعى الأغنام لكانت ارتمت

الآن في حضنه تشكره على كل ما قال , لكنها وفي ذات الوقت لم

تستطع نكران إعجابها بما يقول , هو لم ينكر أن الطعن كان من والدها

وهو سانده فيه فقط , لم يفكر كابن راكان في تحويلها لمنشئة عسكرية

لحمايته ولتنفيذ هجماته , بل لا يفكر حتى في إنشاء مقر عسكري ولو

صغيرا على الحدود وترك جنوده يحمونها هكذا في الخيام وفي العراء

أبعدت نظرها عنه ومسحت عينيها بظهر كفها بقوة تشعر بتلك العبرة

تتجمع في حنجرتها مجددا لكنها لن تخرجها أبدا فلا عذر تقدمه له الآن

مسحت تلك الدموع ومسحت معها تلك الأفكار الغبية التي سمحت لها

أن تصل لعمق أن تتخيل حياتهما كزوجين طبيعيين , أن تجلس بجانبه

الآن ذراعيها حول خصره متكئة برأسها على كتفه ويتمازحان ويتبادلان

الكلام العاطفي , ضحكت على نفسها وأفكارها فذاك أبعد ما قد يفعله

هذا الرجل أو ما تتخيله .

شعرت بأصابعه ترتخي عن ذراعها حتى ابتعدت ذراعه عنها فأنزلت

يدها وسندت بها نفسها على الأرض وكأنها تحمي نفسها من الانهيار

وسؤال واحد يتكرر في ذهنها ( ما عذرك الآن لطلب العمران ؟ فها

قد قد سقط المهر يا غسق , المهر الذي تركك من نفسه تتمسكين به

وتضعيه حاجزا بينكما فهل ستتصرفين الآن كالأطفال وتعجزيه

بغيره ؟ )

علمت أنه لم يعد ذلك بإمكانها وأنها من ليلة غد ستكون لهذا الرجل

كاملة لتسلمه جسدها أيضا وطوعا ليمتلكها جميعها وهي من لا تملك

منه شيئا سوا أسمه بجانب اسمها في عقد زواجهما , رجل قد يسرقه

منها أي شيء وأولها الحروب والموت , انتفض جسدها بقوة حين

شعرت بملمس أصابعه على خدها ووصلها صوته منخفضا

" ما بك يا غسق ؟ هل تشعرين بشيء ؟ "

هزت رأسها بلا منزلة له للأسفل فلم تتخيل أن شحوب ملامحها

وتجهمها كان واضحا هكذا ! خرجت الكلمات منها بصعوبة وأصابعه

تبعد خصلات غرتها عن عينيها وقالت بهمس " أشعر ببعض

الدوار وقد يكون بسبب الريح "

وقف حينها موقفا لها من يدها قائلا " لننزل إذا فالهواء قوي وتنفسه

بدفعات كبيرة يسبب مثل هذه الحالة "

وقفت دون أن تعترض على كلامه أو تعلق عليه وسارا نزولا حيث كان

الأمر أسهل من الصعود وما أن كانا في الأسفل حتى ترك يدها وسبقها

جهة السيارة قائلا " لا تتعبي نفسك بالتفكير يا غسق أنا لم أقل ما قلت

لأقيدك وأحاصرك تأكدي من ذلك "

وقفت مكانها وعضت شفتها بقوة تخفي ملامحها في الأسفل تناشد المساندة

من غرتها لتخفيهم عنه فها هو علم فورا فيما كانت تفكر وسبب ردة فعلها تلك

وكما توقعت هو قال ما قاله ليبدد مخاوفها بشأن هذه المنطقة ويعلم بأن حجتها

ستسقط ما أن تعلم بكل ذلك وقد جلبها لترى الأمر بأم عينها وتتأكد من أنه

مصمم عليه وينفذه من الآن , تحركت حين سمعت صوت محرك السيارة

ووصلت لها تتجنب النظر له وهو يلف حولها وقد فتح لها الباب وساعدها

على صعودها ككل مرة لارتفاع بابها ولم تكن ثمة عتبة حديدية تساعد

على الصعود لها كما في سيارات أشقائها وهذه قد فاقتهم ارتفاعا بإطاراتها

المخيفة , ركب كرسيه وتحركا قائلا " كنت أود أن أصطاد أرنبا لتتناولي

شيئا لكني أعلم الآن أن ذلك مستحيل فهل يمكنك التحمل قليلا حتى وقت

العشاء لأنه ينتظرنا عشاء ضخم سيغنينا عن أكل باقي اليوم "

نظرت له مستغربة وهوا ينظر أمامه وفكرت ( هل سيغادران العمران

لمكان آخر قبل عودتهما أم ماذا ؟ ) قال والسيارة بدأت تتحول سرعتها

للجنونية " هل سبق وسمعت عن قبائل تنان الحدودية ؟ "

نظرت له بصدمة وهمست " التنانيون !! "


*

*
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المشاعر, المطر, بقلمي, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 07:35 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية