لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-09-16, 08:48 PM   المشاركة رقم: 641
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 



السلام عليكم ورحم الله وبركاته

كل عام وأنتم بألف خير وعافية وسعادة جميع متابعي روايتي الأعزاء
اسأل الله أن يجعل جميع أيامكم أعيادا وأن يجعل عيدنا في جنته وأن يتقبل منا ومنكم ويغفر لنا ولكم .

أرحب بكل الجدد الذين انضموا لركبنا وخرجوا من خلف الكواليس كان انضمامهم وكلامهم شرف كبير لي

وأرحب بعودة الغاليات أغاني الوفاء ووردة علي والأميرة البيضاء والحمد لله أنكم بخير
وكل من غاب ورجع لنا سالم وأساله الكريم أن يطمئنا عن كل من غاب أسمه عن روايتنا

كانت الردود رائعة بدون منازع والفصل حاز على رضاكم فوق توقعاتي وهذا كرم كبير منكم وأسال الله أن أكون عند حسن ظنكم دائما

طبعا من أهم النقاط التي تم مناقشتها هي تسليم العمران لغسق وهي أساسا ليست ملك لمطر وطبعا حسب ما أعرف في بلادي أن جميع المناطق تقسم وتملك للمواطنين بيعا وشراء ولا توجد منطقة كلها ملك للدولة وبالنسبة للعمران كانت منطقة متغيرة الملكية ومتنقلة بينهم ولم يتم تقسيمهاوتمليكها كما في باقي مناطقهم لذلك من الطبيعي أن تقسم وتملك ولا ننسى أن غسق تعد من صنوان في نظر أهل صنوان وأن مطر سلم حتى مناطق الهازان لأهلها وهذا ما استغلته غسق أكثر

النقطة الثانية هي تحذير مطر لغسق من وجود صقر وهذا أمر طبيعي بما إنها ليست على دراية بقرابته لها

والنقطة الثالثة هي عدة أميمه وهذا أمر طبيعي جدا ويمكن العقد عليها فور انتهائها بولادتها لأنه تزوجها بالفعل وباقي خبايا القصة ستعرفونه قريبا إن شاء الله

بالنسبة لدراسة غسق فهي سبق وذكرت أنها ستتقدم للامتحانات في صنوان قبل نهاية العام والجامعات طبعا لا وجود لها عندهم ومن يتعلم يخرج خارج البلاد

سبب ذكر غسق لعرين الأسد فكان مجرد سخرية من إسدائه للأوامر وفي فصل اليوم تفهموا أكثر إن شاء الله

بالنسبة لأعمار الأبطال فغسق 21 ومطر 34

الغالية ساريتا ميشيل تسأل عن زيزفون وساندرين وخلطها بينهم
زيزفون هي حفيدة ضرار تعيش حاليا في الحالك وهي الطفلة المريضة
أما ساندرين فهي ابنة عم والدة تيم وتعيش في بريطانيا أتمنى وضحت الفكرة

الغالية لامارا صورة ماريه كانت رائعة أصبتي كل شيء فيها إلا شعرها في مخيلتي أقصر ولون العيون ما كان واضح لكن ماريه لونهم عسلي باقي الملامح أصبتيها

لي لي حرام عليك ضيعت شخصية مطر بصورتك ههههه
بالنسبة لمعرفة مطر لأصل غسق فما أصابه أي أحد منكم لحد الآن

ولي لي وزارا توقعكم فشنك والرواية محمية بحقوق النشر هههه


أترككم مع الفصل وكل عام وأنتم بخير مرة أخرى


جنون المطر ) الجزء الأول )


الفصل الثاني والعشرون


المدخل ~

بقلم الغالية : دندنة روح

حبيبي انا وانا حبيبك
وما بين انا وانا
حب وعشق وله وأمل
حبيبي اسقني من عشقك
حتى الثمل
ولا تبعدني عنك مهما حصل
وارأف بحالي
فلا تراني كما الجبل
فانا احبك كما يحب
الزهر المطر
فكن لحبيبك حنونا كما المطر
ولا تكن قاسيا كألسنه كثير من البشر
من غسق الى مطر


*****


أبعدت خصلات غرتها عن وجهها بعدما بعثرتها الرياح الرطبة

التي كانت تدخل من النافذة المطلة على الحديقة الخلفية في غرفتها

تجلس تسند ساعديها على حافتها ومتكئة بذقنها عليهما تراقب أشجار

الحديقة التي بدأ يظهر عليها اكتئاب بداية الخريف رغم أنها لم تفقد

لونها الأخضر البراق بعد لكن الحزن كان باديا على ملامح كل وريقة

فيها وكأنها تودع خضرتها مبكرا , تنهدت بحزن عكسه تفكيرها في

تلك الأشجار ثم عدت بأصابعها وعبست بأسى مفكرة ( أيعقل

أني هنا منذ بداية الصيف !! )

دست وجهها في ذراعيها وأغمضت عينيها برفق تخفي الدمعة التي

سقطت من بين تلك الرموش ليرتشفها قماش فستانها بعطش , لكم

تشتاق لعائلتها ... لوالدها الذي رباها لإخوتها ولعمتها , لعائلة والدتها

جميعهم وخصوصا صديقتها جليلة , لم تتخيل يوما أن تفصلها المسافات

والحدود عنهم , كم تتوق لسماع ولو أصواتهم ورؤيتهم وإن من بعيد

رفعت رأسها ومسحت عينيها وسندت ذقنها بيدها ناصبه لمرفقها على

ساعدها الآخر وسافرت بنظرها للسماء الزرقاء التي عكر صفائها

بعض السحب البيضاء المتفرقة وتنهدت تخرج كل ذاك الهواء من

رئتيها وكأنها تعصرهما عصرا , كم تشعر بالممل أيضا في هذا

المنزل , سئمت من الوحدة ومن استقبال النساء والاستماع لهن فقط

دون حلول ولا نتائج , بل وحتى من زيارة غرفة ذاك الغائب منذ

أكثر من أسبوعين فهي مضطرة لتنظيفها وإن بمسح الغبار عن خشب

أثاثها فتجد نفسها في كل مرة منغمسة أكثر في تفاصيله ... حاجياته

البسيطة ملابسه وأحذيته وحتى الخزانة الزجاجية المغلقة التي يرتب

فيها أنواعا مختلفة من الأسلحة , عضت طرف شفتها بقهر وهي تتذكر

ذاك اليوم الذي غادر فيه حين استخدمت سلاح النساء الضعيف دائما

لكنه المفضل وهوا السخرية من طريقة الرجل في إسداء الأوامر على

من حوله وفرت هاربة منه للمنزل وراقبته من بعيد كي تتجنب الصعود

لغرفته إن رأته قادما كي لا يمسكها هناك وينتقم من سخريتها منه لكنه

توجه يسارا في تلك الحديقة ولم يقترب من المنزل بتاتا وخدعها بدخوله

من باب المطبخ الذي علمت من حبيبة سابقا أنه لا يستخدمه أبدا ولا

يدخل منه طبعا لأن أي مسلك يؤدي لهن يعتبره وباء لا يقترب منه

لذلك اطمأنت وضنت أنه توجه لمكان ما في تلك الحديقة الضخمة

المحيطة بكامل المنزل تحوي أماكن لا تعرفها , ولم تتخيل أنه صعد

بعدها بقليل ولم تشعر ولا بخطواته وهوا يدخل الغرفة وهي مختفية

عنه خلف باب الخزانة التي كانت تخرج منها ثيابه تمتمت بسخرية محدثة

نفسها وغافلة تماما عن أنه يستمع لكل حرف من كلماتها وهي تنتقده

ساخرة " لا أعلم ما يفعل بهذه الثياب جميعها ! ولما سيأخذ غير البذل

العسكرية ؟ هه لابد وأنه يستعرض بها أمام النساء , هذا إن لم يكن

نصف جيشه منهن "

ولم تعي للواقف وراء ذالك الباب المفتوح يسند يده على باب الخزانة

المجاورة لها حتى أغلقت الباب وفي يدها كومة ثياب لتشهق بقوة ما

أن رأته واقفا هناك ينظر لها بملامح رسمها بحرفية لتكون جادة جامدة

يخفي بها ابتسامته من طريقة تفكيرها به , ودون أدنى تفكير أو انتظار

رمت الثياب وفرت هاربة رغم أنها تعي جيدا أن محاولتها تلك فاشلة

ولا أمل فيها , ووجدت نفسها في قبضته بل خصرها النحيل في قبضة

ذراعيه القويتان مرتفعة عن الأرض وظهرها ملتصق بصدره وقد

صرخت بخوف " مطر أنزلني أو قسما ملأت المنزل بصراخي "

رماها على السرير دون اكتراث لتهديدها وما أن حاولت النهوض

من عليه حتى وجدت وجهها مقابلا لوجهه وقد أحكم قبضتيه على

ذراعيها منحن فوقها وكأن ليلة البارحة تعيد نفسها من جديد فقالت

بنفس منقطع تحاول التحرك وإفلات ذراعيها " أنت من بدأ

بالسخرية مني لا تنسى ذالك "

قال بكلمات متأنية زادت من فتنة ذالك الصوت الأبح ناظرا

لعينيها بمكر " لذلك عليك أن تعاقبي كي لا تعيديها مجددا "

أغمضت عينيها بقوة وكأنها تتوقع ما يرمي له وقالت

تجاهد ارتجافها " أعتقد أنه من يعتذر عن شيء يفترض

بأن لا يكرره كتوثيق لاعتذاره ذاك "

اتسعت ابتسامته وهمس وهوا يضغط على ذراعيها أكثر " ليس

مع واحدة مثلك , يبدوا أنه عليا أن أحذر ممن رباهم شراع

إن كانت الفتاة هكذا ودخلت الحدود وحدها فكيف بالرجال ! "

فتحت عينيها فجأة ليسرق نظره ذاك اللمعان الزجاجي الذي ظهر

فيهما مجددا وقالت بلمحة حزن " لا تدخل والدي في أي

حديث بيننا رجاءا وأبعده عن كل هذا "

غاب نظره في تلك العينين الفاتنة اللامعة فها هوا يرى لحظات ضعف

تلك الأحداق التي لا ترسل إلا القوة والفتنة , وطبعا لأن الأمر وصل

لوالدها الذي رباها ويعلم بأنها على استعداد لفعل أي شيء من أجله

ونسف كل شيء إن وصل الأمر لشراع صنوان , تركت يداه ذراعيها

وأمسك بهما وجهها وأنزل وجهه مقربا له لوجهها حتى بات لا يفصله

عنه سوا القليل وأنفاسها المتوترة تلفح بشرة وجهه وهمس مركزا نظره

على عينيها " قد أغيب لوقت لذلك أريدك أن تفكري مجددا وجيدا

في قرارك المجنون ذاك وتطلبي مهرا كغيرك ما أن أرجع "

تحولت ملامحها للضيق وقالت بجمود وإن ظاهريا فقط

" أنــ .... "

وقطع كلماتها تلك بقبلة مباغتة لشفتيها لم تستطع صده عن فعلها

رغم رفعها ليديها وإمساك كمي قميصه القصير بهما , ولا منع

أصابعه التي كانت تتحرك على جانبي وجهها وعنقها بكل أريحية

وكأنه يرسم حدوده وينسخها في دماغه حتى ابتعد من نفسه تاركا

تلك الشفاه ترتجف ارتجافا خفيفا ويداها لازالتا تمسكان كمي قميصه

بقبضتين قويتان وقد قال مميلا ابتسامة ساخرة " قلت لا حديث حتى

أرجع وتفكري جيدا , ولاحظي فقط أني لم أحارب مجددا لتغيير

رأيك بالقوة "

لم تستطع قول شيء لأنها تعلم النتيجة جيدا , انفكت قبضتاها عن

قميصه حين استوى واقفا مبتعدا عنها وقال وهوا يتوجه لحمام الغرفة

" ولن أعتذر عن هذه طبعا لأنك السبب فيها "

ودخل مغلقا الباب خلفه تاركا المرمية على سريره تقذفه بكل ما

جاء على لسانها بهمس لم يصله ولن يصله وهي تعي ذلك جيدا .

أغمضت عينيها وأخذت نفسا قويا وهي تعود من أفكارها تلك فها قد

مر عشرون يوما على غيابه عن المنزل ولم تقرر شيئا ولن تفعلها

رغم خوفها من تهديده الصريح بالضغط عليها مجددا لتغير قرارها

فهي ليست على استعداد لخوض تجربة أخرى كتلك التي أمام عمته

وشقيقته ولا تستبعد أن تكون القادمة أقوى وأمام عمه , وقفت وجمعت

شعرها وأمسكته بمشبك وإن كانت تفشل في جمعه به جيدا كما كانت

تفعل لها عمتها بسبب كثافته وطوله , خرجت من الغرفة بحثا عن
عمة زوجها فهي وإن كانا خاضا جميع أنواع الأحاديث تعدها مصدر
تسليتها الوحيد

بعد بحث طويل عنها أخبرتها حفصة أنها في الحديقة كعادتها

وجوزاء أغلب الأيام في وقت مغيب الشمس فقررت هذه المرة الخروج

لهما فهي رغم تجنب كل واحدة منهما للأخرى لا تنكر رغبتها في

محاولة فتح مجال للحديث الودي بينهما عل تلك الفجوة تتقلص ولو

قليلا فهي رغم أنها لا تؤذيها بلسانها إلا أنها تكره الجفاء الكبير

بينهما وهي شقيقة زوجها والله وحده يعلم كم ستعيشان معا

, فكرت وهي تخرج من باب المنزل ( ترى ما قصة أبنائها وأين هم ؟

فعمتها لم تتطرق للحديث عنهم بعد تلك المرة وأنا

لا أريد التدخل والتطفل وسؤالها فقد يكونوا متوفين وإلا ما ابتعدوا عنها

أو أن زوجها طلقها وأخذهما منها ) وصلت للطاولة القابعة تحت تجمع

الأشجار الخضراء المتشابكة بشكل رائع وهي لا تنكر ذكاء من جهز هذا

المكان واختاره لوفرة الظل فيه وقربه من أحواض نباتات النعناع والحبق

العطرية , ما أن وصلت عندهما حتى قالت مبتسمة وهي تسحب

الكرسي الثالث حول الطاولة الرخامية الثقيلة " مساء الخير "

فرفعت نصيرة وجهها لها مبتسمة وقالت " مساء النور , اجلسي

لتشربي القهوة فهي ما تزال ساخنة "

جلست تراقب بحزن وخيبة أمل التي وقفت مغادرة دون أن تتحدث

بشيء فتنهدت بيأس ثم نظرت للجالسة أمامها وقالت تحاول خلق

ابتسامة صغيرة " المكان هنا رائع , عيبه الوحيد أنه في ممر

باب المنزل وكل داخل لكم سيطل عليه "

ضحكت نصيرة وقالت وهي تسكب لها القهوة " بل ميزته أنه

برج مراقبة لا يفوت الجالس فيه شيء "

شاركتها الضحك وهي تأخذ فنجان القهوة منها وقالت بعدما رشفت

منه رشفة صغيرة ووضعته على الطاولة تحتها " يبدوا أن عمي

صقر لم يرجع حتى الآن , هل ثمة مكروه أصاب بلدة ما ؟ "

هزت نصيرة رأسها بلا وقالت " تحركه هذه الفترة ضروري

بسبب ما يحدث خلال هذه الأيام ومطر يعتمد عليه كثيرا "

نظرت لها لبرهة وقد علا التردد ملامحها قبل أن يخرج صوتها

حذرا وكأنها تجبر الأحرف على الخروج " وما هذا الذي يحدث

مع مطر ؟ "

لطالما كانت تتجنب السؤال أو الحديث عنه ولا تهتم لأخبار قتاله

ورجاله وحدوده ولا تعلم ما أفلت ذاك السؤال وتلك الكلمات من

شفتيها المرتبكة وتمنت أنها بلعت الحروف قبل أن تخرج وما

وجدت نفسها تواجه سؤالا قاسيا وجهه لها عقلها ( هل سؤالك

شوقا له أم افتقاد ! لأنه لن يكون فضولا أبدا )

هزت رأسها هزة خفيفة تمنع تلك الأفكار من التسرب له على

نظرات تلك المبتسمة تراقب تغير ملامح الجالسة أمامها وقد هربت

بنظرها عنها وشردت به بعيدا وتلك الحمرة التي تطفو على وجنتيها

الناعمتين تفضح مكنون أفكارها , فتجنبت إحراجها أكثر وقالت مبتسمة

" لو أنك لا تكرهين سماع المذياع لعلمتِ فهو طوال الأيام الماضية كان

يؤمن ممرات للناس في الهازان للعودة أو اللجوء للمدن التي أخذها

من ابن راكان , وتسيير الأمور هناك لن يكون بالأمر السهل "

رفعت نظرها المصدوم لها وأبعدت بضع خصلات طارت من غرتها

على عينيها وقالت " يؤمن دخول الناس من الهازان !! "

هزت تلك رأسها بنعم وقالت بابتسامة واسعة " وكثر دخلوا المناطق

من قبل زيارته السابقة لحوران هنا وهم في تزايد حسب الأخبار

ومطر ورجاله يسيّرون الأمور هناك من أجلهم وعملهم يبلي

حسنا حتى الآن "

لم تستوعب بعد ما سمعته ولم تصدقه فلم يخطر على بالها أن

يفكر هكذا وأن ينجح فيه حتى إن أقدم عليه !! قالت دون

تفكير " وحقا تركوا الهازان ودخلوا هناك ؟!! "

خرجت ضحكة طويلة من الجالسة أمامها وقالت وهي تضع فنجانها

في الصينية " بل خرجوا من مناطقهم لمناطقهم ومطر ورجاله يعاملوهم

كما يعاملون الناس في الحالك , وبأذني سمعت لقاءات كثيرة أجريت مع

البعض ممن انتقلوا هناك وما فهمته من صقر أن مطر كان ينتظر أمراً

مهما هذه الأيام جعله مرابطا هناك مع رجاله , والناس في وضع

استعداد لحرب جديدة وشيكة "

وقفت دون شعور منها وقالت بصوت مخنوق وعينان تبرق بوهج

الدموع الحبيسة " حرب من جديد ؟ هل سيغير على الهازان

مجددا أم هم من سيهاجمون ؟ "

أجابت تلك بتوجس من ملامح الواقفة فوقها " لما تسميها

بأنها إغارة ؟ "

قبضت قبضتيها بقوة وقالت بعبرة مكتومة " وبما

أسميها إذا ؟ فتوحات !! "

تنهدت الجالسة أمامها بعجز وقالت بهدوء " هذا كان سيحدث

يا غسق إن الآن أو في المستقبل وإن منا نحن أو من غيرنا

والهازان تحتاج بالفعل لتنقية ممن يفسدونها وغيرها "
صاحت باعتراض وقد سقطت أولى دمعاتها التي تمردت عليها

" ليس هكذا عمتي ليس بهذه الطريقة , ألا حلول أقل دموية وأكثر

سلما ؟ لما يشوه ابن شقيقك أفعاله الحسنة بأخرى تنسفها "

قالت نصيرة باستغراب " غسق !! "

لكنها لم تتوقف بل مسحت خدها وأنفها بظهر يدها بقوة وقالت بغيظ

وحقد " وماذا بعدها ؟ صنوان طبعا ؟ فهل ستبررون بأنه هناك

أيضا عليكم تخليصهم من شراع ورجاله المقربين "

لم تعلق تلك فخرجت عبرتها بشهقة وقالت مغادرة من هناك

" هل تزوجني لأرى ذلك يحدث أمامي ؟ هل لأجل هذا

اختار ابنة صنوان عن نساء الحالك ؟ "

وابتعدت بخطوات غاضبة فهزت نصيرة رأسها بأسى وحزن

وتمتمت محركة عجلات كرسيها " ولا أنا أفهم سبب زواجه

بك وهوا لم يفكر في ذاك اليوم أبدا كما يبدوا "

*

*


أمسك كتف الواقف جانبه بقوة وهوا يقبض على الأوراق مبتسما

بنصر وقال تميم بابتسامة واسعة " وصلت أخيرا "

أخذ بِشر الأوراق من يد مطر وقال وهوا يقلبها " أشعر بأني إن

بقيت أقرأها حتى يوم غد لن أصدق عيناي , ثلاث مناطق ترسل

خطابا بالتسليم السلمي والتأييد الكامل ما أن نصل لها !! "

قال مطر بذهن شارد " وعلينا التحرك سريعا فهم وحسب كلامهم

محاصرون تماما وممنوع عنهم كل شيء ولا تفصلنا عنهم

سوا منطقتين شمالا "

قال حيدر ناظرا لمطر " ألا تخشى أن يكون فخا منهم ؟ "

هز رأسه بلا وقال " لم أقرر الحراك إلا وأنا متيقن من صحة الأمر

وكنت أنتظره ومستعد للبقاء حتى الشتاء منتظرا له , هذه خطوة

مهمة في حربنا لهم يا رجال وعلينا استغلالها "

ثم توجه للباب خارجا بخطوات واسعة ببذلته العسكرية وهم خلفه

وقال وهوا يتوجه للمبنى الآخر " أطلبوا لي باقي القادة فورا سنجتمع

لوقت قد يطول فثمة أفكار كثيرة سأشرحها لكم قبل أن نحققها

على أرض الواقع "

تفرق اثنان عنهم وتبعهما ثلاثة آخرين لتنفيذ الأوامر بينما دخل هو

ومن تبقي منهم لغرفة معينة في ذاك المقر الواسع والتي كانت تحوي

على تلك الخارطة الكبيرة المشتملة لكل تفصيل دقيق في تلك البلاد

موضحا في خطوطها وتقاسيمها , ومن تلك الغرفة وذاك المكان بدأت

أولى خطواتهم بعدما أعطى كافة أوامره بتجهيز الفصائل والمعدات

للقتال , وهبت الحالك لمساندة أبنائها وجيوشها ككل مرة تقدم الأرواح

والأرزاق آملين في الغد الموعود الذي يرونه أكثر إشراقا وزهوا ولا

يريدون لأي شيء أن يؤخره أو يوقفه , ومن هناك دخل ذاك الليل حاملا

معه أحداث جدية تصرخ معبرة عن نفسها , أسوارا جديدة تدك وأرواح

جديدة تفارق الحياة ودماء تسفك من أجل قضية كم تمنى الجميع

أن تنتهي بسلام أبدي وليس بدماء لن تتوقف وستراق للأبد.


*

*

جلست متأففة ثم نزلت من السرير وليس لأنها دخلته مبكرا من بعد

صلاة العشاء جافاها النوم بل لأن ثمة أمر يشغل بالها ولن ترتاح قبل

أن تزيل همه من على كاهلها ولن تنتظر حتى الصباح كما كانت قد

قررت , خرجت من الغرفة ومشت وسط ممرات المنزل الشبه خالي

من كثرة السكون فيه , بفستانها القصير الواسع بزهراته الصغيرة

المنتشرة على طوله وشعرها الحريري الطويل يغطي كتفيها

وذراعيها كطفلة هربت من غرفة نومها .

وصلت باب الغرفة التي قصدتها تحديدا وطرقته طرقات خفيفة

لتتأكد من أن الموجودة خلفه لازالت مستيقظة , وتأكد لها ذلك حين

وصلها صوتها آذنة لها بالدخول ففتحت الباب ببطء ودفعته للداخل

فانفتح كاشفا عن الجالسة على سريرها والمصحف في يدها ومظهرا

الواقفة عند إطاره وقد اتكأت على حافته بيدها وأرخت خدها وجانب

وجهها عليه ناظرة للجالسة هناك بحزن وقالت بنبرة رقيقة بائسة

وحزينة " عمتي أنا آسفة , هلا سامحتني ؟ "

ابتسمت لها تلك من فورها وقالت " هل تتبعين هذه الطريقة مع كل

من تريدين الاعتذار منه ؟ أجزم أنه هكذا لن يغضب منك أحد

ولن يستطيع إلا مسامحتك "

كررت غسق وقد أبعدت وجهها عن يدها " ما كان عليا قول

ما قلته , اعذريني عمتي أنا آسفة حقا "

وضعت تلك المصحف جانبا بعدما أغلقته وقالت " تعالي يا

غسق ادخلي وأغلقي الباب خلفك "

قالت ولم تتحرك من مكانها " لن أدخل حتى تسامحيني "

ابتسمت لها نصيرة بحب وقالت " لم أغضب منك يا غسق

لأسامحك فأدخلي "

أطاعتها من فورها ودخلت وأغلقت الباب خلفها وتوجهت نحوها

وقبلت رأسها قائلة " أستحق قطع لساني فاعذري ما بقلبي

لأنه لا يشعر به أحد "

نظرت لها فوقها وقالت بتفهم " أفهمك يا غسق وأعذرك فاجلسي هيا "

جلست على الكرسي القريب جدا من سريرها فقالت نصيرة من فورها

" اسمعيني للنهاية يا غسق واحتفظي بما سأقوله لك واعملي به يا

ابنتي كي لا تندمي مجددا كما اليوم وقد يكون الأوان حينها قد

فات على الندم ولن يجدي شيء ولا الاعتذار "
نظرت لها باستغراب تمسح بأطراف أنامل يدها اليمنى على ذراعها

الأيسر وتابعت تلك بجدية " لا مقارنة بين الهازان وصنوان يا غسق

ولا بين ابن راكان ووالدك شراع فشراع لا يستطيع أحد قول شيء

سيء عنه ولا وسط الحالك تأكدي من ذلك ومطر نفسه قد صرح مرة

بإعجابه بعقل والدك وحسن تدبيره للأمور وترويه وتفكيره فيما فيه

صالح قبائله فلا تستعجلي الحكم على أي شيء قبل أوانه , لا تنهاري

وتخرجي غضبك في وجه أي أحد وأولهم زوجك بسبب أمر قد يحتاج

لوقت طويل ليحدث , اصبري حتى يحدث ذلك ثم أبدي رأيك فيه فقد

لا يحدث أبدا فلا تخلقي فجوات أكبر بينك وبين مطر فهوا متريث

وحكيم في كل شيء إلا الحرب ولا يحب أن ينتقده أو يناقشه فيها

أحد أو يتهمه بشيء خاصة إن لم يكن قد قرر أو فكر في فعله

ولا مجرد التفكير "

سكتت قليلا فعلمت الجالسة أمامها أن حديثها انتهى فهمست بحزن

" لكنه صرح في خطابه أنه من أرادها سلما أو كانت الحرب "

تنهدت تلك بحيرة وقالت " وإن يكن فالمستقبل سيحكم وحديث صقر

كان عن أن مطر لم يذكر يوما أفكاره حول صنوان فلا تسبقي

الأحداث يا ابنتي وحاذري من مناقشة الأمر معه "

غابت غسق بنظرها للأرض وشعرت بأن ذلك مستحيل , كيف تنسى

الأمر الذي يشغلها طوال الوقت ؟ كيف تنسى كوابيسها كل ليلة بأنهم

قتلوا والدها وأخوتها وقبائلهم هناك وكل من عرفته ؟ كيف تتجاهل أن

يكون زوجها ومن قد يكون والد أبنائها هوا قاتلهم وعليها أن تصمت

وتصبر وكأن الأمر لم يكن !! وقفت دون أن تعلق بشيء فقالت نصيرة

ناظرة لها وبرجاء " فكري جيدا في كلامي يا غسق ولا تدمري

حياتك قبل قبائل أهلك التي قد لا يحدث لها شيء وتخرجي

أنتي وحدك الخاسرة "

لا تعلم لما شعرت حينها بقلبها يعتصر بقوة من تفكيرها فيما

قالت فهزت رأسها هامسة " سأحاول "

وخرجت من هناك بهم جديد جاثم على قلبها وعادت لغرفتها

واندست تحت اللحاف تفكر في كل ما قالته لها متسائلة ( ترى

أأخسر أنا وتكسب صنوان ؟ هل يضعني مطر في خيار بينه

وبينهم قبل أن أضعه أنا في الخيار بينهم وبيني ؟؟ أم كما

قالت عمته قد لا يحدث من ذلك أي شيء !! )

وعلى تلك الأفكار غلبها النعاس ونامت

*

*


فتح باب الغرفة بقوة ودون طرق وتوجه من فوره للمذياع المغلق

على النظرات المستغربة للجالس على السرير يمسك كتابا في يده

شغّل رعد المذياع فورا قائلا بصوت مرتبك لاهث " انفجرت

حدود الهازان من جديد يا كاسر "

رمى الكاسر الكتاب من يده وقفز خارج السرير وتوجه جهة المذياع

حيث الجاثي على ركبتيه أمامه وعلقت نظراتهما ببعض , نظرات

مصدومة من الكاسر تقابلها تلك الضائعة من رعد وهما يستمعان

للنقل المباشر من أرض المعركة حيث صوت القذائف المدوي

وصراخ الرجال بالتكبير والحماس ، همس الكاسر بصوت

مصدوم " شنوا هجومهم على ماذا تحديدا ؟ "

خرجت الكلمات من حنجرة رعد جوفاء جافة قائلا بخفوت

" من ريسوان ومنها لثَرْوان ثم لمدن قبائل جيروان الثلاثة وهم

في انتظارهم وقد صرحوا بولائهم التام والتسليم لابن شاهين

ولا تستغرب أن يقوموا بالتفاف عليهم مساندين له في حربه "

هز الكاسر رأسه بلا وهمس مرعيا سمعه للمذياع " مستحيل أنت


تعرف سياسة ابن شاهين جيدا , هو لا يقحم أحدا في حرب ضد


قبائله مهما كانت الظروف "

ثم جلس على طرف السرير ودوي تلك الأصوات بدأ يخف مدموجا

مع صوت أحد المحللين العسكريين موصولا بالقناة عن طريق الأقمار

الاصطناعية قائلا بصوت جهوري واثق مما يدلي به " الحرب حرب

قوة والتكتيك الحربي لابن شاهين ورجاله أصبح أمرا مسلما به فمن

كان سيتخيل طريقة التفافه على جنود ابن راكان وهم ينتظرون

أن يهاجم من بلدة الريسوان , هذا إن بقي لابن راكان ما يسمى

بجنود بعد تخلي الكثيرين عنه ومن لم يقف ضده أصبح يقف

في حياد "

قاطعه المذيع قائلا " لكن ثمة أخبار عن استعانة الهازان بقوات

خارجية ولا تنسى أنه مثلما لابن شاهين مناصرين فله أعداء أيضا "

قال ذاك من فوره " وعود كاذبة وسترى ذلك بأم عينك , والحقائق ها

هي أمام الجميع من التواجد الصحفي الضخم في جبهات القتال في قطر

ابن شاهين ، وابن راكان لن يحصل على أكثر من دعم لوجيستي

ضعيف قد يضره أكثر مما ينفعه , والمدن الخمس ستكون في حوزة

مطر شاهين خلال ساعات وهي مسألة وقت ليس إلا "

مررا الكاسر أصابعه في شعره دافنا رأسه بين يديه وهمس من

بين أسنانه " أين يريد أن يصل ذاك الرجل بالتحديد ؟ "

وقف رعد على طوله بعدما أخفض صوت المذياع وقال ناظرا للجالس

أمامه " أهالي منطقتي ريسوان وثروان فروا من الممر الآمن لريهوة

وصولا للحويصاء ثم لمدن جبال أرياح ليكونوا تحت حمى ذاك الرجل

فتخيل كيف يلجئون لعدو يشن حربا على مدنهم ويتركون زعيمهم

وقبائلهم !! "

رفع الكاسر رأسه وقال مكرها على الاعتراف " فروا لمن وعدهم

بالأمان وحققه لغيرهم أمام أعينهم أم تريدهم أن يفروا لحمى ابن

راكان بعد فعلته في خماصة ليضحي بهم من أجل حربه ؟ وزد عليه

يقينهم من أن ابن شاهين سيسلمهم مناطقهم ومنازلهم ما أن يؤمنها

أي أنهم الكاسبون في صفه الخاسرين المشردين في صف

ابن راكان فما ستتوقع منهم ؟ "


ثم وقف وقال متوجها للخزانة ليخرج ثيابه " على أحدنا أن يكون

مع والدي سألحق أنا به وأنت اتصل برماح لينتقل جهة حدود

الهازان والحق به أيضا "


*

*


ومن تلك الليلة السوداء الغائمة المنذرة بدنو فصل الشتاء منذ بداية

أيام ذاك الخريف اشتعلت الحرب محرقة كل شيء أمامها , ورغم

أن الكفتان كانتا غير متساويتان ولا متكافئتان لكن الدماء كانت كثيرة

الصراخ والبكاء والنحيب , حتى من فروا منها فروا وجلين خائفين

اختلط صوت بكاء بعض نسائهم ببكاء الأطفال المذعورين وبعضهن

صرخن بعويل ( أوقفوا الدماء والنار ) فالحرب تشبه الحب تماما

تدخلها الناس طوعا أغلب الأحيان ثم يصرخوا رافضين لها

طالبين الغوث منها .

مر يومان تقدمت فيهما جيوش الحالك ببطء متعمد سامحين لمن

لم يوفقه الحظ للهروب بأن ينجوا بنفسه , وكي لا تتكرر مذبحة

خماصة درسوا تحركهم هذه المرة دراسة شاملة وقد ساعدهم من

خرج من هناك لاجئ لهم بمعلومات مهمة عن مدنهم أفادتهم كثيرا

فلا أحد يعرف القرى كساكنيها خاصة في بلاد قسمت لأقطار من

أجيال بعيدة لا أحد زار قطر غيره ولا يعرف عنه سوا ما رسم

على تلك الخرائط التي صنعتها أساسا أيادي الغرب , وخلال يومان

آخران سقطت ريسوان لتلحقها ثروان ووصلت جيوشهم لمدن قبائل

جيروان الثلاثة ولم يدخلوها بأوامر من قائدهم الأعلى بل وقفوا على

تخومها كي لا يرعبوا أهلها الذين سلموهم مدنهم وأنفسهم , طوقوها

لحمايتها من الخارج فكما توقع حاولت جيوش الهازان شن هجومها

عليها وهي التي لم تفعلها طوال حصارهم لها لكن بعد وقوعها في

قبضة ابن شاهين استباحوها أيضا ومن فيها , لكن هجومهم ذاك لم

يفلح في شيء ولا في إرعاب الناس كي لا يسلم له غيرهم كما كانوا

يخططون ولم تسقط ولا قذيفة في أراضيهم , ضمن لهم مطر سلامتهم

وسلموا هم سلاحهم وعتادهم الخفيف الذي اشتروه من مالهم لحماية

أنفسهم حال قرر ابن راكان الانتقام منهم وقت قرروا السلم والتسليم

ولولا المراقبة الدولية التي خنقته لكان فعلها دون تراجع فهم في

حسبة الخونة لديه والخائن عقابه الموت كما عرف عنه سابقا

*

*

وضعت صينية الطعام أمامه وجلست مقابلة له وقالت بهدوء

" أين أنتم يا شراع ؟ يومين لا تفكرون ولا في الاتصال لأطمئن

عليكم , قلبي كان يشتعل ولم أجد حلا لأعلم "

رفع الملعقة لفمه قائلا " كنت عند حدودنا مع الهازان وفوجئت

برعد والكاسر وحتى رماح لحقوا بي "

ثم تابع وهوا يمضغ الأرز " هناك كانت الأوضاع تحتاج

وجودي وكان رأيهم سليما في اللحاق بي "

شعرت بنبضات قلبها تتوتر بخوف خاصة مع وجوم الجالس

أمامها وقالت بتوجس " هل ساءت الأمور جهتنا هكذا ؟ "

شرب دفعة كبيرة من العصير ووضع الكوب قائلا " حدودنا مع

الهازان هشة جدا هذه الفترة فالهازان تتحطم من الداخل شيئا فشيئا

خاصة بعد دخول بعضهم لحمى ابن شاهين وتسليم قبائل جيروان

له , ثمة أشخاص دخلوا لحدودنا طالبين العون يريدون أن يعبروا

للحالك وثمة أسر وأطفال فالأخبار داخل الهازان لا تسر أبدا

وبعضهم تحدث عن أن ابن راكان قام بإجبار بعض الرجال

للقتال وبعضهم هددوه بعائلته , والناس جزعة من

الحقيقة ومن غيرها "

هزت رأسها بحيرة وقالت بضياع " ولما لم يدخلوا الحالك

وجاءوا هنا ؟ أليس أمرا غريبا !! "

مسح يديه بالمنديل حامدا الله بهمس وقال " البعض قد لا يتوفر له معبر

غيرنا , سنحاول احتواء العائلات ومن أراد الذهاب للحالك ذاك خياره

سنوصله للحدود ويدخلونه هناك فابن شاهين يملك مناطقهم ومنازلهم

وأراضيهم ما سيفعلون لدينا هنا ونحن نستعين بمنازل بعض العائلات

الصغيرة لتضمهم لها أو مخيمات مؤقتة لا توفر أي عناية للأطفال

وكبار السن , إن استمر ابن شاهين في زحفه على الهازان

سيستمر توافد العائلات علينا والحدود تحتاج

لتكثيف جهود منا "

نظرت له وهو يقف وقالت " هل وافق أهالي صنوان على كل هذا ؟

هل يرضوا بأن يكونوا ممرا لابن شاهين لينفذ باقي مخططه "

قال وهوا ينزع سترته الخريفية الخفيفة " رغما عنهم فلن أترك

العائلات تشرد على الحدود أو أرفض إدخالها , فإما أن يوافقوا

هذا أو سأترك لهم الزعامة برمتها فأولئك الناس أبناء وطننا من

دمنا ولحمنا مهما حدث بيننا في الماضي , ولن يلجأ لنا إلا

من لم يكن له أي ضلع في تلك الحرب "

وقفت أيضا وقالت " وغسق يا شراع ؟ أنت لم توضح لي معنى

ما قلته يومها وتركت الأفكار تنهشني , كيف علمت أنه يعلم

عنها وكيف يصمت هكذا إن كان يعلم فعلا ؟! "

فك أزرار قميصه قائلا بعبوس واجم " علمت منه هوا نفسه "

انفتحت عيناها بصدمة عجزت عن التحكم بها وشهقتها تخرج

مرافقة لها وهي تضع كفها على فمها وتابع شراع متوجها

للخزانة يخرج ثيابه منها " أما لما سكت عن ذلك كل هذه

السنوات فهذا ما لا أملك ولا أنا جوابا عنه "

خرجت الكلمات منها جوفاء وكأن ثمة صاعقة ضربت

أحرفها " ألم يخبرك شيئا ؟ "

هز رأسه بلا موليا ظهره لها واقفا أما باب الخزانة المفتوح وقال

" كان اتصالا هاتفيا مختصرا كل ما قاله ( أحفظ سر ابنة عمي

وعزيرة إن لم تكن تضمن صمتها فأعدها لي وأنا أضمن لها حياتها

ولن يمسها أحد ولا أنا ) ثم ختم محادثته بـ ( وداعا ) وأنهى الاتصال

دون أن يترك لي مجالا حتى لأفكر أن أسأل وما كان هناك شيء لأسأل

عنه فكل شيء واضح , هو استغل دخولها وحدث كل شيء بعده كما

يخطط له ويريد موهما لي بأني أخفي الأمر عنه وأحميها وأحمي

نفسي بالكتمان وإطاعة أوامره وكان غرضه أن تصبح لديه دون

أي شوشرة أو أن تفتضح حقيقتها "

جلست تلك من وهن ساقيها اللتان لم تعودا تقويان على حملها

وقالت بصدمة " أتعني أنه هوا نفسه لا يريد أن يعلم أحد أنها

ابنة عمه "

أغلق باب الخزانة وقال متوجها جهة حمام الغرفة " أجل ويبدوا

أن ثمة حقائق لم تخبر عنها والدتها وكتمتها عن الجميع "


*

*


شعرت بقماش الوسادة يعيدها من خلف أحلامها وعالمها الغيبي

وشعرت بذاك الانفصال ما بين الوعي وألا وعي حين يبدأ جسدها

باستقبال إشارات دماغها للاستيقاظ فحركت كفها على اللحاف فوق

جسدها لتسحبه لشعور غريب تسلل لعظامها بسبب البرد الذي

لا تعرف من أين أتى وهي في غرفة مغلقة الباب والنوافذ

وهم في استقبال بداية الخريف !!

قفزت جالسة فجأة حين شعرت بثقل ما تحرك على السرير خلفها

ولم تصدق نفسها وهي ترى الجسد الممدد بجانبها ببذلته العسكرية

وبجوارب دون حذاء , عيناه مغمضتان يضع إحدى يديه على صدره

وتنفسه لم يبدوا لها منتظما , مررت أناملها الرقيقة في غرتها مبعدة
لها عن وجهها ونظرت جهة النافذة التي كانت مفتوحة على اتساعها
وعلمت فورا من فتحها لكنه لم يدخل منها طبعا لأنها تفتح وتغلق من
الداخل فقط

لذلك سيكون دخل من الباب فمتى عاد ولا أحد يعلم ! أخرجها من
أفكارها تلك وأعاد نظرها له تنفسه الذي خرج قويا وكأنه يحبسه في
صدره من أعوام وأخلى سبيله الآن , شهقت بقوة ولم تشعر بنفسها إلا
وهي تقف خارج السرير وقد دارت حوله حتى كانت عند رأس النائم
عليه ونظرت للضمادة التي كانت تغطي جسده تظهر من تحت سترته
المفتوحة

وما أن مدت يدها المرتجفة وأبعدت طرفها ببطء حتى انفتحت عيناها

بصدمة وأمسكت فمها تخفي شهقتها وهي ترى الضمادات التي التفت

حول كامل ذراعه وكتفه وصدره لتثبيتها وبقعة الدم الكبيرة التي كانت

تغطيها وشعرت حينها بساقيها لم تعودا تقويان على حملها وبالأرض

تدور تحتها , مدت يدها المرتجفة لجسده لا تعلم توقظه أم تخرج

وتنادي له أحدا ؟ وإن كان حقيقة ما تراه أم أنها نائمة وتحلم

" عودي للنوم يا غسق "

كلماته العميقة المنخفضة تلك جعلتها تجفل للخلف فلم تتوقع أنه كان

مستيقظا !! قالت بشفاه مرتجفة ونظرها على وجهه وهوا ما يزال

مغمضا عينيه " مطر كتفك ينزف بشدة "

خرج صوته المرتخي مجددا وكأنه يحارب للبقاء في وعيه

" نامي قلت لك ولا تفكري فيه "

مسحت عينيها بقوة قبل أن تنزل دموعها بسبب المشهد الذي لم

تراه سابقا فحتى في منزل والدها شراع كانت آخر من يخبروه

إن حدث مكروه لأي شخص منهم , ركضت جهة باب الغرفة الذي

وجدته مفتوحا وعلمت فورا أنه استخدم مفتاحا آخر لفتحه وخرجت

تركض في الممر حافية القدمين حتى وصلت المطبخ وخرجت سريعا

بحقيبة الإسعافات الأولية التي لا تخلوا منها منازلهم وعادت لغرفتها

لتجد زائر آخر الليل ذاك جالسا هذه المرة قدماه خارج السرير ورأسه

للأسفل مسندا يداه عليه وكأنه ينوي الوقوف فتحركت جهته مسرعة

ورمت الحقيبة على السرير وأمسكت ذراعه قائلة " عليك تغيير

الضمادات وإيقاف نزيف الجرح قبل أن يقضي عليك "

رفع يده ومرر أصابعها في شعره الكث وقال بصوت خدر

" أتعرفين أنتي هذا أم أفعله بنفسي ؟ "

أبعدت شعرها للخلف كي لا يضايقها ووقفت على ركبتيها فوق

السرير وقالت وهي تمسك طرف ياقة سترته لتنزعها منه

" بلى أعرف ذلك وأتقنه "

طاوعها فورا وهي تنزعها عنه برفق حتى أصبح لا يغطي نصف

جسده سوا ذاك الشاش فدارت خلف ظهره تحاول تثبيت نفسها وتنفيذ

ما تعلمته دائما وهي تبحث عن نهاية ذاك الشاش الملفوف لتفتحه حتى

وجدتها بين كتفيه , وبيدين مرتجفة بدأت بفكه ويكاد يغمى عليها

بسبب رائحة دمائه وقبلها رائحة جسده ووجوده وذاك الوضع الذي

هما فيه تشعر بأنفاسها وهي ترتد عليها بعد اصطدامها ببشرة جسده

القوي , فكت الشاش عنه وكانت مضطرة في بعض المرات لأن تمرر

يدها أمام صدره وعنقه لتفكه دون أن يتحرك وهوا كان يساعدها بيده

الأخرى وفي صمت تام منهما سوا من أنفاسها القوية المتوترة وأنفاسه

القصيرة المتعبة , أزالت الشاش وقطع القطن الغارقة في الدماء حتى

كان لا يظهر من بياضها شيء ونظرت بقلب مرتجف للغرز في كتفه

والجرح الذي كان ينزف واللحم يظهر لونه منه , وضعت عليه قطعة

كبيرة من القطن وقالت " أمسكها حتى أرجع "

ثم نزلت من السرير ما أن تبثها بيده الأخرى وخرجت من الغرفة راكضة

مجددا ودخلت المطبخ تبحث في جميع الأدراج عن التي رأتها هنا سابقا

وكانت تنتقل من واحد للآخر للخزانات حتى وجدتها أخيرا وتوجهت بها

للموقد وأشعلته ثم قربتها منه وما أن اشتعلت تلك الأعواد وضعتها في

صحن حديدي ثم وضعته على الطاولة وتركتها تحترق فيه وتوجهت

للخزانة وأخرجت قنينة الخل وسكبت منها قليلا في إناء وما أن انطفأت

تلك النار مخلفة خلفها رمادا لأعواد ذاك الحصير مزجته مع الخل سريعا

ثم خرجت بالإناء مسرعة وعادت للغرفة لتفاجئ بقطع القطن التي تنتشر

حول قدميه على الأرض حيث كان يرميها الواحدة بعد الأخرى ملطخة

بالدماء فتوجهت نحو الكرسي وسحبته حتى جلست مقابلة له فأبعد يده

ورفعت هي ذاك المزيج بأصابعها المرتجفة وسمت بالله هامسة وبدأت

بوضعه على الجرح ببطء ورفق ولاحظت تغير أنفاسه فهي تعلم أن

الخل السبب لأنه يولد شعورا مؤلما على الجروح وما كانت لتتخيل من

رجل وخصوصا صاحب هذا الجسد القوي الصلب المليء بالعضلات

أن يصرخ بتألم أو حتى أن يخرج منه أنينا بسيطا , كانت تضع المزيج

وتكرر حتى كان طبقة فوق الجرح فمسحت بظهر كفها على جبينها

وأخرجت زفيرا قويا وقالت ناظرة للجرح في كتفه " سيتوقف

النزيف خلال دقيقتين فقط فلا تحرك كتفك "

امتدت يده الأخرى وأمسكت يدها النظيفة في حركة كانت مفاجأة

ومجفلة لها فنظرت له بصدمة وكان ينظر لأصابعها البيضاء الرقيقة

في يده وقال هامسا وهوا يفركها بأصابعه الطويلة " يدك ترتجف

لقد أفزعتك "

سحبت يدها منه تنقذ المتبقي من مشاعرها المضطربة وقالت وهي

ترفع بها خصلات غرتها التي بدأ بعضها بالالتصاق بجبينها

" هذا فقط لأنها المرة الأولى التي أطبق فيها الأمر عمليا "

ثم هربت بعينيها ونظرت لكتفه مجددا وقالت " كيف أصبت ؟ "

نظر لكتفه أيضا وقال بصوت منخفض " رصاصة وأخرجوها "

وقفت وعادت لتنظيف الدماء التي تسربت وأخرجت لفافة شاش

كبيرة وبدأت بلف كتفه به بطريق متقنة تشعر بتلك القشعريرة

الغريبة كلما لامست أصابعها بشرته فقال وهوا يراقب حركتها

السريعة " من أين تعلمت كل هذا ؟ "

قالت وهي تلف الشاش حول صدره متجنبة النظر لعينيه

" في المدرسة فهذا منهج أساسي يتعلمه الجميع في صنوان "

قال ونظره لازال على ملامحها " أحسن شراع في قراره "

لم تعلق ولم تنظر لوجهه أبدا حتى ربطت الشاش وأنهت مهمتها

ولازالت تجاهد لتبقى ثابتة رغم أن كل شيء فيها كان يرتجف وبدأ

يخذلها ما أن أنهت لفه له فأمسك ذراعها بيده السليمة رغم جلوسها

جهة يد الكتف المصاب وقال " هيا غسق كنتي شجاعة طوال

الوقت لا تنهاري الآن "

وكانت كلماته تلك كمن أعطاها الضوء الأخضر مصرحا فأخفت عينيها

في كف يدها فورا وانهارت باكية وجسدها قد زاد ارتجافه فمد يده

لوجهها ومسح على يدها وأبعد شعرها ممررا أصابعه فيه وهمس

وتنفسه لازال يخرج متقطعا " يكفي يا غسق .... ما الذي

يبكيك الآن ومنذ قليل كنت ممرضة ناجحة "

قال ذلك وهوا موقن من انهيارها هذا في أي لحظة وإمساكها لنفسها

كان فقط لتنهي عملها بقلب ثابت ولا تتوتر , وقفت تمسح عينيها في

صمت فوقف أيضا وقال وهوا يرفع قميص بذلته من فوق سريرها

" آسف ما كان عليا إزعاجك وإخافتك "

نظرت له ولوجهه المصفر الشاحب رغم ملامحه الصامدة المحتفظة

بقوتها وقالت " هل قدت السيارة بنفسك إلى هنا ؟ "

قال وهو يرمي السترة على كتفيه دون إدخال يديه في كميها

" نعم "

قالت بضيق وهي تساعده في تغطية جسده بها " لهذا نزف جرحك

هكذا , أي طبيب غبي هذا الذي تركك تفعلها ؟ "

قال وهوا يدخل يده السليمة في كم السترة " أنا من قرر ذلك

وليس الطبيب "

همست بضيق وهي تفتح زر كم السترة لتساعده في

إدخال يده " متهور دائما "

فخرجت منه ضحكة صغيرة مكتومة ومتعبة وهمس مثلها

" وأنتي جبانة دائما "

نظرت له بحنق وقالت " ما جاء بك للجبانة إذاً ؟ هل

جئت لتخيفها ؟ "

رفع يده ومررها خلف رأسها ملامسا لشعرها الحريري وقال ناظرا

لعينيها " بل جئت لأن ثمة دراسة تقول أن الرجل إن دنى من الموت

في لحظة ما أول من يفكر فيه هو أكثر شخص يحتاجه "

زمت شفتيها بحنق وقالت من فورها محاولة تجاهل أصابعه التي

تتحرك في شعرها كي لا يظهر ارتباكها " أنا لا أحتاجك "

ظهرت ابتسامة مائلة على طرف شفتيه القاسية وقال " بلى أنتي فقط

من يحتاجني وأنتي وحدك من لو مت لن أموت مطمئنا عليها "

نظرت له باستغراب من معنى كلامه ومن غموضه الذي لم تفهم

منه شيء , ولم يترك لها مجالا للتحدث ولا السؤال رغم يقينها

من أنه لن يجيب فقد شدها ناحيته وقبل خدها قبلة صغيرة رقيقة

وهمس بخفوت " شكرا على كل هذا "

ثم غادر من أمامها خارجا من باب الغرفة بخطوات ثابتة رغم بطئها

حتى كان خارجه فانهارت حينها جالسة على السرير وزفرت هواء

حارا من رئتيها متمتمة بعبوس " لو فقط أفهم هذا الرجل !! "

ثم مسحت عينيها سريعا هامسة بضيق " توقفي عن البكاء

يا حمقاء ما بك ؟ "

لكن دموعها لم تزدد إلا انهمارا فارتمت على السرير تخفي وجهها

وبكائها فيه فالموقف كان أقوى من تحملها مهما كانت قوية أو أقنعت

نفسها بذلك , سحبت اللحاف على جسدها وفكرت أن النوم قد يغزوا

جفنيها مجددا لكنها كانت كمن يحارب الريح ويركض خلف السراب

والدقيقة تلحق الأخرى وهي على حالتها تلك تتقلب في سريرها

كالسمكة في المقلاة وكأنه أشواك تحتها فلم تشعر بنفسها إلا وهي

خارج السرير وخارج غرفتها تسلك الممر بخطوات وجلة وصعدت

السلالم ستوافق عقلها فورا إن قال لها ( ارجعي ) لكنه لم يفعل بل

أقنعها بأنها ستطمئن فقط إن لم يسبب له الجرح أي حمى أو عاد

للنزيف مجددا رغم يقينها من أن رماد أعواد الحصير ومفعول

الخل سيكون لهما تأثير كبير وإن كان يستخدم للجروح السطحية

التي تقطع فيها الشعيرات الدموية فقط لكن بما أن الجرح مخاط

والكمية التي وضعتها لم تكن قليلة فقد ينجح ما تعلمته سابقا وتدربت

عليه ، وصلت باب الغرفة ثم أرعت سمعها جيدا فلم يكن يخرج من

داخلها أي صوت فمدت يدها لمقبض الباب وفتحته ببطء حتى ظهر

لها السرير الواسع والنائم فوقه ببنطلون بذلته العسكرية فقط ينصب

أحد قدميه وإحدى يديه مرمية جانبا والأخرى يريحها فوق صدره

تنفسه يبدوا قويا لكنه ليس متقطعا كالسابق وكانت عيناه مغمضتان

وخمنت أن يكون نائما لكان شعر بها ، اقتربت منه بحذر حتى كانت

عند رأسه ومدت يدها لجبينه متجاهلة ضربات قلبها المجنونة حتى

لامسته أطراف أصابعها وسرعان ما أبعدتها وضمت قبضتها


لصدرها هامسة " يا إلهي إنه مشتعل "

نظرت لذراعه المفرود فور وبحثت فيه على طوله حتى وقع نظرها

على مكانين لوخز حقن فعلمت أن الطبيب الذي خاط له جرحه حقنه

بمسكن للآلام وخافض حرارة لكن الحمى تبدوا تغلبت عليه ، غادرت

الغرفة ونزلت السلالم وسرعان ما عادت تحمل تلك الحقيبة وحمدت الله

أن خافضات الحرارة موجودة لديهم رغم انعدام الحقن المسكنة ، حقنته

بسرعة وخفة بالجرعة الخفيفة التي وجدتها وهوا لا يشعر بشيء حوله

وحمدت الله في سرها أنها تعلمت كل هذا وكم دعت وقتها لوالدها شراع

أنزلت الحقيبة وعادت له وقد أحضرت معها ماء بارد وفوط صغيرة

نظيفة وجلست على الأرض عند سريره وبدأت بوضعها تباعا على

جبينه وذراعه وكتفه السليم وكانت تغيرها كلما تغيرت حرارتها حتى

كادت تنام جالسه على طرف السرير فوقفت كي لا يغلبها النعاس لأن

حرارته بدأت بالانخفاض تدريجيا ، جلست في الجانب الآخر من السرير

واتكأت على ظهره الخشبي تنظر لوجه النائم تحتها واضطربت نبضات

قلبها وهي تنقل نظرها من رموشه الكثيفة لأنفه المستقيم للحيته وشفتيه

وفي حركة مجنونة منها رفعت أصبعها ومررته على طرف لحيته

المشذبة بعناية وكأنها ترسمها به ( ما به هذا الرجل مختلف في كل

شيء ! حتى وهو متعب ونائم تشعر بهالة السيطرة حوله وقوته

المتفجرة حتى من أنفاسه )

ثم سرعان ما أعادت يدها لحجرها وعادت من أفكارها وتأملها

وأبعدت نظرها عن وجهه وعضت طرف شفتها وكأنها توبخ نفسها

ثم رفعت الكمدات عنه وأعادت تبريدها بالماء ووضعت واحدة على

جبينه واثنتين على قدميه اللتان يبدوا أنه نزع الجوارب منهما فور

صعوده , حضنت نفسها بذراعيها وشعرت بأن عظامها بدأت تخونها

ولم تعد تقوى ولا على الجلوس فاتكأت ببطء وحذر بجانبه لترتاح

لوقت قصير قبل أن تغير الكمدات مجددا لكن عقلها غاب سريعا

عما حولها وعيناها سافرتا في سواد قاتم ما أن وضعت رأسها

على الوسادة وكأنها تنتظر تلك اللحظة التي تسترخي فيها

*

*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 13-09-16, 08:53 PM   المشاركة رقم: 642
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,194
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 


*

*

نزل السلم العريض المغطى بالبساط الأحمر الفاخر وهو ينظر

لوالدته وضيفتها زوجة قريب زوجة شقيقها شاهر ذات الشعر الأشقر

الذي يكاد يكون أبيضا من قوة صفرته ، من لاحظ فرحة والدته الغامرة

بانتقالهم للعيش في لندن من وقت قريب تاركة هذه الأمريكية بلادها

هناك ، وسرعان ما ظهرت له الجالسة بجوارها ما أن وصل نهاية

السلالم , الشقراء الصغيرة ببنطلونها الجينز الصغير مثلها وقميص

أبيض مزين ببعض القطع الملونة ، أرسل لها نظرة متوعدة مبتسما

بمكر فاختبأت من فورها خلف والدتها لا يظهر من وجهها سوا

العين التي تراقبه بها وتوجه هو ناحيتهم من فوره حتى وقف خلف

الأريكة الجلسة عليها والدته التي نظرت له للخلف وقالت مبتسمة

" وهذا الفتى ابني رواح الذي أخبرتك عنه "

قالت تلك مبتسمة وبعربية متقنة " قولي رجل ، مشاء الله أخذ

لون شعرك وعينيك "

لكز والدته من ظهرها وهمس " تعلمي منها ليست مثلك

لازلت تعاملينني كطفل "

ضحكت رقية وقالت " بل رجل وها قد وجدنا لك عروسا "

ثم تابعت ناظرة للجالسة بجانب والدتها " عليكم تزويجنا

ابنتكم بما أننا عائلة "

وضحكت للكز رواح لها مجددا وضحكت تلك لانكماش ابنتها

خلفها تشد قميص والدتها بقوة فقال رواح بضيق " أمي لو

تتوقفي عن توزيعي على بنات صديقاتك ؟ "

فضحكت رقية وقالت " لا هذه المرة اتفقنا "

وضحكت هي وإيمليا التي انحنت لابنتها حين شدت لها كم قميصها

الحريري بقوة وحدثتها تلك في أذنها فقالت ضاحكة " لا تخافي

لن يتركك أحد هنا وأولهم والدك يا مدللته "

نظر لها رواح ببرود وقال مستفزا " ولا أنا أريد عربية ومن

الحالك أيضا يع ، سأتزوج من بريطانية نحيلة طويلة وشقراء "

وغادر على ضحكهما عليه وما أن كان خلف الأريكة التي تجلسان

عليها همس مارا من خلفها وقد انحنى جهتها " عربية شقراء جبانة "

وتابع طريقه حتى وصل أحد الأبواب والتفت جهتهم وكانت تنظر له

من خلف ظهر الأريكة لا يظهر منها سوا عينيها وشعرها الأشقر ويديها

الممسكة بالأريكة فنظر لوالدته وتأكد من انشغالها مع ضيفتها ثم عاد سريعا

بنظره لها وأرسل لها قبلة بشفتيه ليحرجها وينتقم منها لكنها رفعت وجهها

قليلا فوق ظهر الأريكة وأخرجت له لسانها ساخرة فصر على أسنانه

بغيظ يتوعدها بأصابعه وغادر متمتما " من يراها لا يتخيل أنها

بكل هذا الخبث "


*

*

توجه جهة الضحكات الصغيرة المختلطة الخارجة من خلف أشجار

وشجيرات حديقة المنزل الذي يعيش فيه حتى وصل لذاك المصدر

ووقف فوقهما يحجب ضوء الشمس عنهما وقال مزمجرا ويداه

وسط جسده " ماريه ما الذي تفعلينه هنا ؟ "

وقفت من فورها ترتعد خوفا من ملامحه وغضبه بينما بقى تيم جالسا

على الأرض مستندا بيديه عليها في وضع السجود حيث كانا يراقبان

ما تحت الألواح الخشبية المصفوفة نهاية تلك الحديقة , قالت بخوف

وكلمات رقيقة تضم يديها الصغيرتان ببعض عند صدرها

" كنا نراقب السلحفاة من تحت الأخشاب "

خرجت منه ضحكة هازئة خالية من أي مشاعر ونظر جهة تيم

نظرة فهم ذاك معناها فورا ( لماذا يموت ابني الوحيد وتبقى أنت )

أمسكها من يدها بقوة وقسوة مزمجرا فيها وقد نفضها كقطعة

ثياب " لا أراك معه في أماكن كهذه بعيدة عن الأنظار أو

حرمتك من الخروج من المنزل أتفهمين ؟ "

ولم يكن ردها سوا كلمات متقطعة من بين بكائها لا يفهم منها سوا

كلمة ( حاضر ) ونقل نظره بعدها للجالس على الأرض وقال بحقد

" وأنت ما أن يبدأ الزعيم مطر بزحفه على مدن وقرى صنوان

ستنظم لجيوشه بما أنك ممنوع من القتال الآن , فلعلك تفعل

شيئا ينفع غيرك "

وتحرك من هناك يجر معه تلك الطفلة وكأنها دمية لم يرف جفنه

ولا لبكائها الموجع تاركا خلفه تلك العينين التي تنظران له بحقد وكره

لو وزع على أهل الأرض لكفاهم , وقف ينفض التراب عن يديه

هامسا بحنق " هل هذا ما تريده أن يأخذ فتى في الحادية عشرة

للقتال ؟ ألم تجد غيرها ليكون مصيري كابنك ؟ "

وتحرك من هناك عائدا جهة غرفة والدته فبما أن اليوم جمعة لم

يكن لديه أي التزامات في مقر الجنود وهوا يوم إجازة بالنسبة له

دخل الغرفة بملامح عابسة واجمة ونظر للجالسة على سريرها

وقال بضيق " لما لا نغادر الآن لعمك أو عمي أو عمتي رقية ؟

لماذا نبقى هنا تحت رحمة هؤلاء الناس "

تنهدت بعجز وقالت " وكيف يا تيم ؟ فحتى إن أرسلوا لنا المال

فلن أستطيع مغادرة الغرفة , اذهب أنت يا تيم مادمت تريد

ذلك وتحدثت عنه أخيرا "

هز رأسه بلا من فوره وقال " وأتركك هنا ؟ أموت ولا أفعلها

يا أمي , ما نفع حياتي من دونك , ثم لا أستطيع المغادرة وحدي"

ابتسمت بحب وقالت " أنا لا مستقبل لي يضيعه أحد لكن أنت لا و... "

قاطعها منهيا النقاش في الأمر " لا أريد الذهاب فانسي الأمر

برمته أمي أرجوك "

*

*

وخز أشعة الشمس القوي على عينيها وبشرة خدها الناعمة كانت

كفيلة بإرجاعها لعالم الواقع الذي فارقته من ساعات ففتحتهما ترمش

بهما بقوة ثم وضعت كفها عليهما تسترجع ما حدث شيئا فشيئا وأين

هي الآن وما تفعل ثم سرعان ما قفزت جالسه تسحب فستانها الذي

وصل لأعلى فخذيها من حركتها وهي نائمة ونظرت فورا للشيء

الذي وقع من يدها لتنتبه وقتها لطرف السرير الآخر الفارغ تماما

ولا وجود لمن كان عليه ليلة البارحة ولا شيء سوا الوسائد المبعثرة

والملاءة المجعدة , مدت طرف أناملها للورقة التي سقطت من كفها

وقت جلوسها السريع ذاك وفتحتها حيث كانت قصاصة مطوية على

اثنتين وكان مكتوبا فيها ( لنا حديث حين أعود ) ولم تحتج لأن تنظر

للاسم المرسوم تحتها بحرفية مشابها لذاك النقش على سلاحه لمعرفة

صاحب الورقة فقد علمت قبلها من وجودها في يدها وفي غرفته ومن

سياق الحديث فيها , وقفت وجعدتها في قبضتها وكأنها تحاول إخفاء

توترها من الموضوع الذي كانت تتهرب من التفكير فيه طوال المدة

الماضية وها هوا يتطرق له ما أن عاد ورغم إصابته , فتحتها مجددا

ونظرت للحروف فيها وكأنها لم تقرأها ثم سرعان ما عبست ملامحها

مكشرة فبالرغم من أن إصابته كانت في كتفه الأيسر خطه منسق وكأنه

لم يكتبها بيده اليسرى , تحركت من مكانها جهة الباب مسرعة متمتمة

" أحمق ما يعني بحين أعود ! "

نزلت السلالم راكضة شعرها يتطاير مع خطواتها حتى كانت أسفله

ووجدت جوزاء تقف قرب الكرسي الذي تجلس عليه عمتها وهما

تنظران لها باستغراب وهي تتقدم نحوهما وقالت ناظرة للجالسة

" أين مطر ؟ هل غادر ؟ "

ابتسمت لها قائلة " اسألي نفسك قبلنا فنحن لم نراه ولم ننم

معه في غرفته "

شعرت بأنها تقلصت حتى تحولت لقزم تحتهما وخطفت نظرها

سريعا لجوزاء التي كانت تنظر لها بنظرة لم تفهم أهي نظرة عدم

فهم أم استغراب أم استهجان تام لما فكرن فيه , خرجت الحروف منها

متوترة وكأن ثمة موجات مغناطيسية اعترضت طريقها أمام

شفتيها " لقد كان مصابا كيف يغادر هكذا ؟ "

شهقت جوزاء بينما قالت نصيرة بجزع " مصاب ؟ "

قالت من فورها وهي ترى الخوف على ملامحهما " كانت الإصابة

في كتفه لكن الجرح كان ينزف بشدة وتمكنت من إيقافه لكن الحمى

لم تتركه طوال الليل ولم أتخيل أن يغادر ما أن يستيقظ فجرا فقد

غلبني النعاس ولم أشعر به "

تحركت حينها جوزاء قائلة بضيق " لا يتوقف عن التهور والجنون

أبدا , ظننا أنه ما أن يتزوج سيتغير لكن نساء هذا الوقت لا

نفع منهن "

وتوجهت جهة باب جناح عمها بينما نظرات غسق المصدومة تتبعها

ثم نظرت للجالسة أمامها وقالت بعبوس " لماذا تكرهني ابنة

شقيقك فلست أفهم ؟ "

هزت تلك رأسها بحزن وقالت " هي لا تكرهك يا غسق ثقي من ذلك "

كانت ستتحدث لولا رجوع جوزاء التي قالت بضيق مقتربة من عمتها

" لقد خرج من حوران وذهب لبزاخة وعمي يقول بكل برود ( هوا أعلم

بحالته وصحته فابتعدن عنه أنتن النساء ) لا أسوء منه سوا عمه "

تحركت غسق حينها وتركت المكان قاصدة غرفتها فلا تريد سماع إهانة

أخرى من المدعوة جوزاء فيكفيها ما سمعته منها فهي لا تضمن صبرها

عليها ولا تريد رد كلامها فهي لم تتربى على ذلك وتبقى جوزاء شقيقة

زوجها وأكبر منها بكثير , دخلت الغرفة وفتحت درج طاولة التزيين

ورمت الورقة فيه متمتمة " معه حق هوا أدرى بنفسه فليسافر حتى

للمريخ ما علاقتي أنا بهم ؟ والأحمق لم يوقظني ولا لصلاة الفجر

جيد أني لا أصلي وإلا ضاعت عليا طبعا "

وكانت تعلم أنها مجرد خدعة تخدع بها عقلها فقد وجدت نفسها مرارا

تنساق للتفكير فيه وفي لو أنه قاد السيارة بنفسه كالبارحة وانفتح جرحه

ونزف مجددا ولم تستطع نسيان ذلك وتجاهله رغم مرور الساعات

الواحدة تلحق الأخرى ولم ينجح إشغالها لنفسها بالاستحمام وتجفيف

شعرها وتمشيطه وقراءة الكتاب الذي أحضرته من مكتبته كما غيره

بعدما استأذنت عمه فهي أصبحت تمضي وقت فراغها الطويل في

هوايتها المحببة تقرأ كل ما تجده باستمتاع مادام بعيدا عن السياسة

والحروب , خرجت من الغرفة بعد العصر بقليل ووجدت الجميع

يستعدون لاستقبال ضيوف بعد المغرب لكنها لم تحب المشاركة

في شيء ولا تفكر حتى في التواجد معهم , بحثت عن عمتها

فوحدها ستجد لديها جوابا لسؤالها , وجدتها سريعا لأنها قصدت

غرفتها أولا وكانت كما توقعت تقرأ في المصحف ولازالت

بلباس الصلاة وقد أغلقته ما أن دخلت عليها وقالت غسق من

فورها " هل اتصل مطر أو اتصلتم به ؟ "

وأردفت من قبل أن تعلق تلك " قد يكون قاد السيارة بنفسه

وسينزف جرحه مجددا بالتأكيد "

هزت نصيرة رأسها بلا وقالت " لم يتصل وليست عادته أبدا إلا

إن أراد شيئا من عمال المنزل أو عمه حال تعطل هاتفه فهذه

طباعه التي عرفناه عليها "

قالت غسق باستغراب وهي تدخل وتغلق الباب خلفها

" ولا حتى حين يكون مصابا !! "

قالت وهي تنزع رداء الصلاة من رأسها " لم يصب سابقا رغم

تواجده الدائم في الخطوط الأمامية للقتال ويبدوا أن طباعه

لن تتغير فها هوا يتمسك بطبعه القديم "

لوت شفتيها بعبوس وتمتمت وهي تجلس على الكرسي قرب

السرير " هل يضن نفسه يعيش لوحده أم ماذا ؟ "

ضحكت نصيرة وقالت " ستعتادين على طباعه فيبدوا

أن حياتك في عائلة والدك لم تكن هكذا "

تنهدت غسق بحزن فقد نكأت تلك جرحها المفتوح وقالت " كنا

مقربين لبعضنا كثيرا , كنت أتصل بأخوتي يوميا وهم في الحدود

ولا يمكنني أن أنام دون أن أرى والدي أو أحدثه إن كان سيبات

خارج المنزل , نتناول الطعام معا أغلب الأحيان وإن أنا وعمتي

نجلس ونتسامر ونتحدث وحتى حديثهم عن الحروب وخطط

القبائل هناك لا أكون غائبة عنها إلا إن أردت أنا ذلك , كنت

جزءا من تلك العائلة ولست منبوذة كما هنا "

ابتسمت نصيرة وقالت ببعض الضيق ممازحة " في وجهي تقوليها

يا غسق ؟ أقسم أن يومي أصبح كئيبا إن لم أراك فيه "

قفزت من فورها وقبلت رأسها قائلة " لم أقصدك عمتي أقسم لك "

قالت تلك مبتسمة " أعلم وأنا ما كنت إلا أمازحك "

عادت للجلوس على الكرسي وقالت ناظرة لها بهدوء " أخبريني

عن ابنك عمتي , كيف اختفى ولما لم تجدوه حتى الآن ؟ إن

كان الحديث لا يزعجك طبعا "

هزت تلك رأسها بلا وقالت " لن يزعجني يا غسق فإن كان حيا

سيرجع وإن كان ميتا فلست أول أم ثكلى فقدت وحيدها "

ثم تنهدت بحزن وقالت " أرأيت ضيوف الجنوب الذين

زارونا من قرابة الشهر "

هزت غسق رأسها بنعم فورا وقالت " أذكرهم جيدا فهم كانوا

من مجموعة أكابر من استقبلتموهم "

هزت نصيرة رأسها وقالت " أولئك يكونون عائلة زوجي رحمه

الله وبعض نساء رجال في عائلته "

قالت غسق بصدمة " تزوجت من هناك ؟ تلك البلدة بعيدة

جدا كما فهمت منهم "

قالت نصيرة وقد شردت بنظرها بعيدا وكأنها تبحث في صندوق

ذكرياتها المنسي " بل كان يعيش هنا وقتما خطبني وتزوجنا ولم

نرزق بأبناء لسنوات حتى أنجبت أبني ( قاسم ) وتوفي زوجي في

كمين للهازان عند الحدود وابني عمره عشر سنين وحين كان

في الخامسة عشرة اختفى بشكل مفاجئ ومريب لم يستطع

أحد تفسيره وإيجاد سبب له ولم نجده رغم محاولات

مطر الحثيثة "

قالت غسق بصدمة " اختفى صغيرا في السن ! كيف ذلك ؟ "

هزت تلك رأسها بنعم وقالت ونظرها لازال شاردا مع عقلها " كثر

اختفوا يا غسق , كم من رجال وأطفال لم يجدهم ذويهم حتى الآن

واغلبهم جاءتهم جثثهم أو خبر عن أسرهم عند الحدود بسبب أو

بدونه , لكن قاسم لم يكن هناك حين اختفى , لم يكن عند الحدود

ولم يكن له ولا أعداء , حتى والده كان رجلا عظيما

يحبه كل من كان يعرفه "

تهدرج صوتها وهي تتابع بحزن " إن كان حيا سيكون في الثانية

والعشرين الآن , ليثهم فقط يأتوني ولو بخبر موته ليرتاح قلبي

من التفكير في مكانه وما يحدث معه "

وقفت غسق من فورها والدموع وجدت من عينيها مسلكا وجلست

بجانبها على السرير وضمت كتفيها بقوة قائلة بعبرة " لابد أن يرجع

يوما بما أن خبر موته لم يصلكم فالأموات وحدهم من لا يرجعون "

مسحت تلك دموعا خانتها على أعتاب عينيها وقالت مبتسمة تمسح

على خدي الجالسة بجوارها وقد احتقنتا بحمرة شديدة " أرأيت ؟

الحديث أتعبك أكثر مني لذلك علينا تغييره "
هزت رأسها بنعم ونامت به على كتف عمتها قائلة بحزن

" أتمنى من الله أن أراه هنا عندك قريبا "

مسحت تلك على شعرها الحريري الذي تمسكه في الخلف بشريطه

طويلة قليلا وقالت بحنان " الله لا ينسى أحدا يا غسق ولا يختار

لنا إلا ما فيه خيرنا وصالحنا "


*

*

رفع هاتفه مجددا وهوا يرفع يده وذراعه الأيسر للطبيب الذي كان

يفتح الشاش عنها وقال مخاطبا من في الطرف الآخر " أعطوني

بضع ساعات فقط , لا تفعلوا شيئا حتى آتي وسأراهم بنفسي

كما يطلبون "

" أجل أعلم , أمنوا انتم حدودهم جيدا ولا أريد أن يتدخل أحد منهم

في شيء ولا أن يحمل سلاحا ولا يحرس شيئا أكثر من منزله "

اشتدت نبرته حدة وهوا يقول " أعلم أن الوضع يحتاج وجودي يا

تميم ولا يؤخرني عنكم سوا أمر يكاد يكون أهم منه فثمة تغر كثيرة

يجب تغطيتها قبل فعل أي شيء هناك , أمنوا الحدود ودافعوا عنها

بأرواحك كما طلبت ولنا حديث ما أن أصل لكم ولن يكون فجر

يوم غد إلا وأنا عندكم إن شاء الله "

ثم أنهى الاتصال ونظر للذي بدأ بتنظيف الجرح من بقايا ذاك

المزيج الذي لم يزله من عليه منذ ليلة البارحة وقال ذاك مبتسما

" هلا أبعدت هاتفك قليلا يا زعيم لنتحدث عن جرحك , فهم لا

يتركونك أبدا وإن نسوك لحظة اتصلت أنت بغيرهم "

وضع الهاتف جانبا وقال " ها قد أبعدته وأعطيك عشر

دقائق فقط لا غير "

ضحك وقال وهوا يعيد تنظيف الجرح بالمطهر الطبي للمرة

الرابعة " حسنا تكفيني ويزيد "

وتابع بجدية " الجرح حالته جيدة نسبيا رغم أنه في موضع خطير ولو

انحرف قليلا لأصاب أحد الأربطة أو القلب , كان تهورا منك أن تقود

به وأنت حديث إصابة , من وضع لك هذا المزيج يستحق منك وساما

فرماد أعواد الحصير أقوى شيء ممكن أن يوقف نزيف جرح مخاط

بدون وجود طبيب أما الخل فقد عمل معه على تطهير الجرح لذلك لم

يصبه أي التهاب وأنت تأتيني بعد نصف يوم من وضعه لك , أي أنه

لولاه بعد الله لالتهب جرحك ولاحتجنا لفك الخياطة والعناية المكثفة به "

حرك رأسها للأعلى ثم جانبا وكأنه يمرن عظامه المتعبة وقال " كنت

على يقين من مفعول ذاك المزيج لذلك لم أزر أي طبيب حتى الآن فكل

ما أريده منك أي شيء لا يجعله يعيقني فأمامي أمور كثيرة , سأتحمل

ألمه ووخزه القوي ذاك المهم لا يعرقل تحركاتي "

خرجت ضحكة صغيرة من ذاك الطبيب وقال وقد بدأ بلف الشاش

حول كتفه وصدره " أنت تطلب ذلك من مارد مصباح وليس طبيبا

الجرح يحتاج للراحة ليومين على الأقل أو حافظ على إبقاء يدك في

وضع مسترخي ولا تحركها قدر الإمكان ولا تقد السيارة حتى يندمل

لحم الجرح على الأقل ثم يمكنك تحريكها للضرورة فقط وبذلك

يمكنك التحرك أو لن تضر إلا نفسك سيدي وقد تخسر

ذراعك للأبد "

هز رأسه بحسنا وهوا يراقب حركته السريعة المتقنة في لف

الشاش وهمس " سأحاول جهدي "

ثم وقف بعدما أنهى له تثبيته جيدا وبدأ بارتداء قميصه المزرر من

الأمام وقال الطبيب " عليك أخذ المضادات الحيوية أيضا وبانتظام

كبسولة واحدة كل ست أو ثمان ساعات كحد أقصى ولا تنسى

أهم شيء أن لا تحركها كثيرا "

هز رأسه بحسنا دون تعليق ثم خرج من عنده وهاتفه على أدنه

اليمنى كما دخل له فجسده هنا وقلبه هناك مع المدن الخمس التي

انضمت لحدوده مؤخرا فعليهم أن لا يخسروها ويضروا أهالي

قبائل جيروان اللذين سلموا أنفسهم ومدنهم لهم طوعا


*

*

أنهت ظفر شعرها كجديلة منتهية عند خاصرتها ثم رفعت خصلات

غرتها خلف أذنها وقد لبست بيجامة نوم خريفية جمعت الدفء مع

خفة القماش والبساطة مع أناقة المظهر حيث كانت بأكمام طويلة

وبنطلون طويل مزررة من الأمام بأرضية بيضاء وحواف عنبرية

وقد ملأتها رسومات صغيرة جدا بالكاد ترى تفاصيلها بذات ذاك

اللون العنبري الزاهي , طرقات خفيفة على الباب جعلتها تخرج من

بحر الأفكار التي كانت تسافر بها مترنحة في الأيام التي قضتها في

هذا المنزل حتى أنها شعرت للحظة بأنها لازالت في صنوان وأنها

ليست هنا ولا زوجة لذاك , تنهدت تنهيدة طوية وقالت بصوت

واضح " تفضلي "

فانفتح الباب ودخلت منه حبيبة مبتسمة تلك الابتسامة الودود التي

تنسيها جزئا من همومها وأغلقته خلفها فسألتها من فورها

" هل غادر الضيوف ؟ "
هزت تلك رأسها إيجابا وقالت " منذ أكثر من ساعة , والسيد

مطر عاد من لحظات "

شعرت بذاك الناقوس يدق أجراسه في قلبها حتى رن في أذنيها

فشدت أناملها على تلك الضفيرة الطويلة بلا شعور منها وهمست

" عاد ؟ "

هزت حبيبة رأسها بنعم وقالت " والسيدة جوزاء صعدت خلفه

لغرفته وسمعتها تقول للسيدة نصيرة بأنه سيغادر ما أن يغير

ثيابه عائدا للحدود وكانت متضايقة من ذلك جدا "

أرخت قبضة أصابعها عن جديلتها وقالت وهي تمسح بكفها

عليها نزلا وبنعومة " أمازال متعبا لتتضايق هكذا ؟ "

رفعت حبيبة كتفيها وقالت " لا علم لي سيدتي , رأيته من مسافة

بعيدة ولم يبدوا لي يشتكي شيئا , مشيته وحركته طبيعيه حتى

أنه صعد السلالم مسرعا كعادته "

هزت غسق رأسها بحسنا وأراحت يديها في حجرها دون تعليق

فقالت تلك مبتسمة " لما لا تذهبي للاطمئنان عليه بنفسك سيدتي ؟

هوا زوجك ويحق لك ذلك أكثر من أي شخص "

أرخت نظرها للأسفل ولاذت بالصمت لوقت حتى كانت الواقفة هناك

قد قررت أن تغادر ورأت أنها أحرجتها بكلامها وهي كعادتها تفضل

الصمت كاتمة لجرحها على أن تجرح غيرها لكن الرد جاء منها بشبه

همس خافت ولازالت عيناها السوداء الواسعة تعانق الأرض مسدلة

جفنيها ورموشها للأسفل " لو أراد أن نطمئن عليه لاتصل , قد يكون

ممن يزعجهم الاهتمام الزائد فهكذا هم الرجال من نوعه لذلك أفضل

أن لا أراه , شكرا لك يا حبيبة "

هزت تلك رأسها بتفهم وغادرت مغلقة الباب خلفها دون تعقيب

على كلامها بينما راقبت الجالسة في الداخل الباب بملامح عابسة

وهمست " هذا الرجل ليس بغبي وسيفسر صعودي له

بألف تفسير وأغلبها صحيحة "

رتبت وسادتها تضع عليها الأخرى متأففة بحنق وليست تعلم ما

سبب انزعاجها الحقيقي ! هل هوا عدم تفكيره بهم وبأن يطمئنهم

عليه خاصة هي التي سهرت الليل بجواره ؟ أم من تجاهله الدائم

لها وكأنها شيء غير موجود إلا إن وجده أمامه ؟ أم الحقيقة الأفظع

وهي أن تكون منزعجة لغيابه مجددا لوقت لن يعلمه أحد وفي مصير

لا يعلمه أحد أيضا ؟ وطبعا لا يحق لهم ولا الاتصال والسؤال عنه

ولن يفكر هوا في فعلها , اضطجعت على السرير تخفي وجهها في

الوسادة تنام على بطنها ويداها تحتها ولا تعلم سببا واضحا لكل ما

يخالجها ! ما يضايقها وما يزعجها هكذا !! تحاول الهرب من تفسير

أي شيء وعقلها لا يفعل شيئا سوا تحليل تلك الأشياء وكأنه يتمرد

على سيطرتها , قفزت جالسة حين انفتح باب الغرفة بعد طرقتين

متتاليتين وكاد الهواء ينعدم حولها وانتفض قلبها وتوقف عن الخفقان

للحظة طويلة قبل أن ينبض من جديد بسرعة مضاعفة وهي ترى

صاحب الطول والأكتاف العريضة الذي ملئه يقف ببذلته العسكرية

وسلاحه على كتفه الأيمن , ذاك الوسيم حد دنوه من الكمال وكأنه

خرج من أحلام جميع الفتيات متجسدا في واقع هذا الرجل وتلك

الطاقة المنبعثة من داخله متمثلة في تلك الهالة المسيطرة حوله .

أدارت إصبعها السبابة خلف الوسطى وشدته به بقوة وكأنها تريد

كسره وهي تعاقب نفسها على انجرارها في تلك الأفكار فما أن

يظهر هذا الرجل أمامها حتى يبدأ عقلها بمقارنة جميع رجال

الأرض به لينتصر عليهم وبكل سهولة .

أما رد فعل الواقف هناك على تلك النظرة الباردة في عينيها

والتي عكست له أمورا لا تحكي أبدا عما يحدث في داخلها وهي

تستعل كالنار في الهشيم , كان ذاك الرد ابتسامة بطيئة مثيرة كانت

كفيلة بتدمر أي امرأة وإن كانت تمثالا من الجليد فكيف بمن لم تكن

تحتاج إلا لأن يخطو خطوة للداخل ليطفوا ذاك الاشتعال على

ملامحها ووجنتيها , تنهيدة طويلة خرجت منها وقد أرخت كتفيها

كقطة أمسكوا بها تسرق شيئا ودفنت وجهها في يدها مفرودة

الأصابع منزلة لرأسها للأسفل وقالت بعبوس " لا مطر لن

نتحدث الآن أرجوك "

كانت تعلم أنها هشة تلك اللحظة أنها سهلة العطب بشكل لم تتخيله

من قبل وكل ذرة في جسدها تصرخ مستنكرة ( لا يا إلهي لا تدع

هذا يحدث لي ) لن تحبه أبدا ليس هذا الرجل الخالي من المشاعر

ليس كثلة الصخر ذاك , ليس الدموي الذي قد يقتل عائلتها دون أن

يرف له جفن , صوت اقتراب خطواته الثقيلة في تلك اللحظة بحدائه

العسكري الأسود الطويل كان كفيلا بجعلها ترتد مجفلة حتى تلتصق

بأقرب جدار لها لكن قبضته القوية على ذراعا ما كانت لتسمح لها بأن

تفكر في ذلك ولا مجرد التفكير , رفعت رأسها ونظرها له ورسمت

على ملاحها وتلك العينين الفاتنة نظرة مستجدية حزينة كانت كفيلة

بتدمير جيش بأكمله فكيف برجل وقالت بذاك الصوت الرقيق

الناعم " أنت ذاهب الآن ولن نتشاجر مطر أرجوك "

ابتسامة أخرى كسولة ساحرة على طرف شفتيه كانت الجواب هذه

المرة ويده تنتقل من ذراعها ليدها وأمسك بأصابعها وهمس ساحبا

لها لتخرج من السرير " تعالي هنا أيتها الساحرة الصغيرة "

زمت شفتيها بضيق وهي تطاوعه منزلة قدميها على الأرض حتى

وقفت على طولها وكادت تفقد وعيها حين وجدت نفسها محاصرة

بين ذراعيه فجأة مدفونة في صدره وهمسه الساخن يلفح أذنها في

نعومة مغرية لصوت له تلك البحة والرنين الأجش " من أخبرك

أني جئت لنتشاجر أو نتحدث عن ذاك المهر الغبي "

لم تكن استعادت سيطرتها على نفسها بعد , لم ترجع نبضات قلبها

التي تبعثرت عند قدميه لمكانها لتستطيع التنفس واستجماع أفكارها

من جديد , كان ذلك أقوى من تحمل جسدها الرقيق الطري , وبعد

جهاد مستميت مع نفسها استطاعت أن تستجمع قواها رغم أن صوتها

خرج ضعيفا كحفيف أوراق شجرة صغيرة حركها الريح الخفيف

" لماذا جئت إذا ؟ "
والجواب كان شده لجسدها بقوة بيده وذراع اليمنى على ذاك الجسد

الصلب ثم ابتعد عنها مبعدا لها لكن يده كانت ترتاح على كتفها بينما

كان يبقي الأخرى بجانب جسده وهمس وقد صعدت أصابعه لعنقها

وجانب وجهها " قد أكون جئت لأشكرك على ما فعلته البارحة "

الابتسامة الماكرة على شفتيه والنظرة اللعوب في تلك العينين الساحرة

المسيطرة أكدت لها أنه كان يريد الهرب من جواب كانت تنتظره منه

عن سبب أكثر حميميه معززا لغرورها كأنثى لذلك ناور وهرب بحرفية

جعلت دفاعاتها الخامدة منذ دخل عليها تتنبه وتستيقظ من سباتها مخرجا

تلك اللبوة الشرسة مجددا وقد قالت ببرود محركة عينيها وحدقتيها

السوداء عاليا " آه أجل يبدوا أنك نسيت بأنك شكرتني

البارحة "

خرجت منه ضحكة صغيرة وكأنها لم تستأذنه وقال وأصابعه

تتغلغل أكثر في شعرها المجموع في تلك الجديلة جانبا

" لم أقصد الشكر بالكلمات يا ابنة شراع "

حقيقة ما جعلتها تجفل جديا هذه المرة فأبعدت يده مرتدة خطوة

للوراء وقالت بنبرة تحذير وكأنها تهدده بفعل ما يفكر فيه وأوضحه

بكلامه " شكرتني بالطريقتين أم أن ذاكرتك أصابها شيء "

ثم سرعان ما نقلت نظرها لكتفه وقالت قبل أن يعلق على كلامها

" كيف هوا جرحك ؟ هل زرت طبيبا ؟ "

لمس كتفه بأصابعه ونظره لازال يتفرس ملامحها قائلا

" نعم قبل عودتي لحوران "

نقلت نظرها لعينيه وقالت بتشكيك " ماذا قال عنه ؟ "

تحولت لهجته للسخرية وقال مبعدا يده عن كتفه

" هل يعنيك حقا ما قال ؟ "

عبست ملامحها الجميلة بطريقة رقيقة لم تزدها إلا فتنة وهمست

برقة " من أخبرك أنه لا مشاعر إنسانية لدي ؟ "

أخفى شفتيه ما بين شاربه ولحيته وكأنه يخفي انفعالا ما فيهما

وهوا يزممهما للداخل ثم سرعان ما أخلى سبيلهما وقال ببرود

" لا شيء مهم , أعطاني لائحة طويلة من التوصيات وقال

إن لم ألتزم بها سأخسر ذراعي "

كادت تخرج منها شهقة مستنكرة لولا أنها كبحت جماح نفسها

لكنها لم تستطع إخفاء الصدمة من ملامحها وعينيها السوداء

الواسعة وقالت وقد تحولت لهجتها للجدية " وقدت السيارة

إلى هنا بنفسك ؟ "

هزة خفيفة بلا من رأسه كانت جوابه فقالت مضيقة عينيها

" لا أصدقك , لما لا تريني كتفك إن كان جرحك نزف أم لا ؟ "

حرك رأسه للأعلى في حركة خاطفة واثقة وقال " اسمعي يا ابنة شراع

فأنا لا أحب كثرة الاستجواب والإجابة عن أي شيء ولقد أشعرتني

بأني في محكمة منذ دخلت , ولأني لا أحب أن يكذبني أحد ... "

وتابع وهوا يفتح الأزرار العلوية لسترته بأصابع يده اليمنى فقط

" أنظري بنفسك وتأكدي "

أبعد ياقته بعدما فتح نصف الأزرار تقريبا ونظرت هي من مكانها

للشاش النظيف تماما ثم نقلت نظرها لعينيه دون تعليق متجنبة النظر

لأي تفاصيل أخرى غير ذاك الشاش الأبيض , وتركت أصابعه ياقته

قائلا بجدية " أخبرتني جوزاء أنها تريد استئناف خروجها في بعض

الزيارات فهي وعمتي لم تخرجا منذ تزوجنا فإن أردت الخروج أيضا

لك ذلك وإن أردت البقاء في المنزل فلا تبقي وحدك فيه إلا إن كان

معك عمي أو حتى عمتي فهي لا تخرج اغلب الأحيان , وحين تخرجين

للحديقة أخبري إحدى الخادمات تخبر العمال كي لا يدخل أحد ولا

للضرورة , لا أريدهم أن يتجمعوا كالدبابير حول مكانك وهم

يسمعون ضحكاتك وأنتي تطاردين الدجاج "

عضت شفتها السفلى في حركة حانقة ولا إرادية فها قد ظهر

سبب الزيارة المفاجئة , حررت شفتها وقالت ببرود " حاضر

هل من أوامر أخرى ؟ "

قال بتهكم واضح " نعم "

وتابع بجدية مركزا نظره على عينيها " في حال موتي سيأخذك

عمي من هنا ويدخلك صنوان وترجعي لأبيك من قبل دفني

ومن دون نقاش ولا سؤال "

نظرت له باستغراب ونبضاتها ترجع للرفع من مستوياتها ولم

تستطع سؤاله لأنها تعلم جيدا بأنه لن يجيب , تحرك حين لم

يصدر عنها أي تعليق ووجهته باب الغرفة فقفزت راكضة

جهته " مطر توقف "

وقف والتفت لها فوقفت مكانها على بعد خطوتين فقط منه وقالت

" أغلق أزرار سترتك فورا , هل تريد الخروج بها هكذا ؟ "

النظرة اللعوب التي أرسلتها عينيه جعلتها تتراجع خطوة للوراء

وقد اشتد وهج خديها وقالت وقد فرت بنظرها بعيدا عن وجهه

وجسده " لا ينقصني إحراج آخر رجاءا , ولن تفكر هذه المرة

في الضغط عليا بها بالتأكيد فأنت لا تستخدم ذات السلاح

مرتين كما أضن "

نظرة إعجاب واضحة كانت تلك التي مسح بها تفاصيل وجهها الناعم

حتى كاد يشعر بأنه يلمسه دون أن يرفع يده له , يعجبه في هذه المرأة

أنها تفاجئه دائما .. تعرف متى تتحداه ومتى تناوره وأيضا متى تتلاعب

به , نظر لسترته ولأزرارها المفتوحة ثم رفع نظره وكانت تنظر لعينيه

هذه المرة فرفع يده اليمنى جانبا وقال " ما لا تعلميه أني أعسر ويدي

اليمنى لا تفلح في شيء وحدها سوا الأكل أما باقي الأعمال فتقوم بها

بضعفي مجهود تلك , ولن أجلس هنا نصف ساعة أحاول إدخال كل

زر لمكانه فكما تعلمين إغلاق الأزرار ليس كفتحها خاصة هذا النوع

من الثياب المتقنة الصنع سميكة الخيوط , ولن أضيع مزيدا من الوقت

وبعض رجالي ينتظرونني في الخارج , فقد كنت سأقوم بذاك

العمل في الطريق لأني لن أقود طبعا "
قالت بعبوس العاجز عن إيجاد حل وعن الرضا بالواقع المرير

" والحل الآن ؟ "

أمال ابتسامة صغيرة على طرف شفتيه وقال " سأخرج طبعا فأنا لا

يعنيني رأي أحد فأنتي زوجتي , أو أغلقيها أنتي بما أن الأمر يقلقك "

أنزلت رأسها وغرست أصابع يدها اليمنى في غرتها وكأنها تخفي

وجهها عنه وعضت طرف شفتها بقوة متنهدة بعجز فلن تتركه

يخرج هكذا من جهة ممر غرفتها , هذه فضيحة أسوء من سابقتها

( الحق عليك يا حمقاء هل كان عليك أن تطلبي منه أن يريك إياه ؟

صحته وهوا أعلم بها يقود السيارة أو طيارة ينزف جرحه أو

حتى يتفجر تلك مشكلته )

رفعت رأسها سريعا حين سمعت خطواته تتحرك مبتعدة وتوجت

نحوه دون شعور منادية " هيه أين ستذهب ؟ انتظر سأغلقها

وأمري لله "

وقف واستدار جهتها وقال بابتسامة ساخرة " لا أفهمك حقا ! هل

إغلاق أزرار سترة زوجك عمل يحتاج كل هذا التردد والخوف ؟

سبق وأخبرتك أني لن آكلك "

اقتربت منه حتى وقفت أمامه تكاد تكون ملتصقة به وقالت بحنق

ناظرة للسترة التي رفعت لها يديها ببطء " لما لا تتوقف عن

السخرية مني طوال الوقت ؟ "

اكتفى بالنظر لملاحها في صمت وهي تغلق تلك الأزرار وكأنها تدخل

حبلا في خرم إبرة من تصلب أصابعها وارتباك أنفاسها التي كان يشعر

بها ساخنة على بشرته , أمسك ابتسامته وهوا يراقبها ومدركا بأنها لا

تره مدققا على ملامحها ويديها المرتجفة فهوا يعلم أن خجل الأنثى كان

سيلعب دوره مهما كانت تتسلح بالقوة , لم يستطع مقاومة تلك الفكرة في

إزعاجها وهوا يمرر أصابع يده فوق خصرها في لمسة خفيفة جعلتها

تبتعد عنه مجفلة كضبيه شعرت بالخطر فجأة , فهو إن لم يفعل ذلك

لتبتعد ما كان ليضمن نفسه , نظرت له بعبوس قابله بضحكة صغيرة

وتوجه للباب من فوره , فتحه وخرج قائلا وهوا يسحبه خلفه

" اعتني بنفسك جيدا "

وسار مجتازا الممر بخطوات ثابتة واسعة وما أن كان خارجه حتى

مد يده وأخذ الحقيبة الموضوعة على أحد الأرائك وتوجهت جوزاء

جهته وهو متابعا طريقه للباب على صوتها من خلفه وهي تتبعه

" اعتني بنفسك يا مطر واتصل بنا "

همس دون أن يتوقف " حسنا ، استودعتكم الله "

وخرج من فوره واجتاز تلك الحديقة الواسعة حتى كان خارج

سورها وركب السيارة التي كانت في انتظاره ملقيا السلام على

الجالسان فيها ورفع يده يغلق الزر الذي تركته تلك ونظر بطرف

عينه للجالس بجانبه خلف المقود ينظر له مبتسما ويعلم أنه لا يفوت

شيئا وإلا قتله كتمانه له , قال بذات تلك الابتسامة الشيطانية

" تأخرت ثلث ساعة وليست عادتك "

هوا يعلم بأنه لن ينجى من تعليقاته فبِشر يهوى استفزازهم دائما

وهم اعتادوا على كونه واحد منهم وليس زعيمهم أو قائدهم الحربي

بينما فصل معهم وقت الجد لوحده ووقت الهزل لوحده فكانوا بذلك قرابة

الثلاثون رجلا بكلمة واحدة ورأي واحد وعقول راجحة تفكر في مصلحة

غيرها قبل نفسها , نظر تحته ورفع الحقيبة ورماها في الكرسي خلفه

حيث كان شاغر وألحقها السلاح وقال ببرود " تحرك بلا كثرة

حديث , وإن واحد منكما تحدث في هذه الرحلة الطويلة المملة

عن النساء رميته خارج النافدة أتفهما ؟ "

ضحك بِشر وقال وقد انطق بالسيارة " أوامرك سيدي ، رأيت

فقط مزاجك أفضل من يوم أمس فأردت أن ألطف الجو أكثر "

قال الجالس خلفهما " تحدث معي حيدر منذ قليل وقال أن مشكلة

خزان المياه في ريسوان يوشكون على حلها "

وانخرطوا في حديث طويل بطول طريقهم ذاك عن مستجدات ما

حدث وعن أكثر المشاكل تعقيدا حتى طغى الظلام على رحلتهم

كاشفا أضواء سيارتهم وهي تشق الطرق التي كان أغلبها ترابيا

فالجنوب كان الأقل حظا في أعمار ذاك المستعمر لتلك للبلاد .

وما أن وصلوا هناك حتى وجد مئات المسائل والمشاكل العالقة في

انتظاره , فرغم تكثيف رجاله لجهودهم وربطهم لليل بالنهار لكنهم

لم يستلموا قبلا مناطق سلمت نفسها طوعا فالوضع أكثر حساسية

وكان يحتاج لوجوده بالفعل كداعم قوي لأي أمر يقرروه مع أهالي

تلك البلدات ففي البداية سيحتاج الناس رؤيته وهم يتفقون على

كل شيء ومن الطبيعي أن يطالبوا بالاتفاق معه تحديدا

*

*

دخلت تدفع عجلات كرسيها من باب الغرفة المفتوح فرمت غسق

الكتاب من يدها جانبا وتوجهت نحوها قائلة " عمتي لو أرسلت لي

إحدى الخادمات لأتيتك بنفسي "

رفعت نظرها لها فوقها وهي تسحب بها الكرسي جهة الطاولة

المستديرة نهاية الغرفة عند تلاقي النافذتين الطويلتين في الزاوية

وقالت مبتسمة " فكرت أن أزورك أنا فأنتي لا تخرجين من

غرفتك إلا قليلا وقد تكوني تعتقدين أنك تزعجينني "

جلست مقابلة لها على الكرسي وراء الطاولة وقالت تبادلها ابتسامة

أصدق وألطف منها " أنا معتادة على هذا عمتي فقد كنت الفتاة الوحيدة

في منزل والدي وعمتي كانت مشغولة أغلب الوقت أو في زيارة خارج

المنزل وأخوتي ذكور منذ كبروا وأصبحوا شبانا لم نعد نلعب ونمرح

معا وأصبح أغلب وقتهم خارج المدينة وكنت أتسلى بالكتب وحدي "
هزت تلك رأسها بتفهم وقالت " الرجال دائما نصف موجودين

وإن عاتبت المرأة اتهموها بالنكران "

ضحكت المقابلة لها وقالت " عمتي جويرية كانت تقول ذلك دائما "

انطلقت ضحكة نصيرة وقالت " وأكبر دليل لديك هنا طبعا "

لم تستطع مشاركتها الضحك ولا بابتسامة صغيرة مهما جاهدت نفسها

فالأيام القليلة لغيابه لم تبدد مخاوفها ولم تستطع فيها فهم نفسها فلازالت

كلما تذكرت قبلاته تلك تشعر بملمس شفتيه على شفتيها وكأن الأمر

يحدث الآن , باتت تكره تلك الذكرى بمقدار ما تحرقها وتشعل

مشاعرها وكرهت أكثر قوته المسيطرة وخروجه الكاسب

دائما لتبقى وحدها تغوص في دوامة فهم ألغازه ودواخله

" غسق أين وصلت ؟ "

صوت عمتها المبتسم أعادها من أفكارها التي لم تتركها منذ غادر

فأطلقت تنهيدة حارة بائسة وقالت " شردت قليلا آسفة عمتي "

قالت تلك بذات ابتسامتها " لقد اتصل بالأمس وهو بخير وسأل

عنك أيضا "

رفعت نظرها وعلى وجهها ملامح استنكار واضح فسبقتها عمتها

قائلة بعد ضحكة صغيرة " أعلم أنك لا تفكرين فيه ولا تريدين سماع

أخباره لكني خمنت أن تكوني على الأقل تريدين الاطمئنان على

صحته ولتعلمي أنه لا يدخل هناك ناسيا كل شيء خلفه هنا "

لعبت بأصابعها تحت الطاولة ونظرها عليها وقالت بكلمات حذرة

وكأنها تخرجها من أوردتها مرغمة " وسأل عني لماذا فلم يفعلها

سابقا ؟ "

قالت تلك من فورها " هو لم يتصل قبل هذه المرة ، أما لماذا فلا

أعلم فكل ما قاله ( كيف حال غسق ) "

شعرت بقشعريرة تسري في بدنها وقد صور لها عقلها صوته

الجهوري ونبرته المبحوحة وهو يقولها وكان وكأنه أمامها فانتفضت

واقفة تطرد تلك الأفكار من السيطرة عليها ووقفت أمام النافذة قائلة

" ما أجمل نوافذكم هنا فهي طويلة وواسعة تشعرك بأن الطبيعة

موجودة حولك "

لكن الجالسة خلفها يبدوا أنها لم تحب انسحابها من حديثهم السابق

فقد قالت " غسق ألم تتفقا على شيء أبدا حين كان هنا ؟ "

تنفست بعجز وقلة حيلة فلن يجدي إغلاقها لموضوعه أبدا على ما

يبدوا ، التفتت لها واستندت بحافة النافدة خلفها وقالت بتوجس

" هل تحدثتما عن الأمر وقت اتصاله ؟ "

قالت بجدية " سألته فقط حتى متى سيهمل وجود زوجة في حياته

وأنه لم يعد حرا كما في السابق وحين ضغطت عليه كثيرا بتوبيخي

قال باختصار ( لتقبل بي هي في حياتها أولا ثم عاتبيني عليها )

فأسكتني بذلك ولم أستطع قول شيء "

كانت ستتحدث لكنها سبقتها قائلة " أعلم ما تريدين قوله يا غسق

وبأن الاختيار في يده مثلك لكن ألا تري معي أنه يسكت عن الأمر

بإرادته وليس المهر ما يمسكه عنك ؟ بل شهامته كرجل لا يريد

الدخول بامرأة لم يعطها حقها "

حركت رأسها باستنكار وقالت وهي تبعد خصلات غرتها المتطايرة

عن وجهها " المهر من حقي عمتي وشرط أساسي لتحقق العقد

فلما يكون شهامة منه ؟ "

تنهدت نصيرة بصبر وقالت " لأن الأمر ليس كله بيدك يا غسق فكل

ما تستطيعيه تحديد مهرك وغفلت عن أنه ثمة شيء يسمى شرعا بالمهر

المؤجل ويكون برضا الولي أي والدك جدك عمك أو خالك أقربهم حيا

وأنتي لك والد وحتى إن لم يكن فلابد لك عم أو خال والعقد صحيح

وأنتي زوجته أو ما كان ليختلي بك ولا لدقيقتين وأنتي لا

تحلين له وهو ابن شقيقي وأعرفه "

لم تستطع استيعاب تلك الحقيقة ولا تصدق أن والدها شراع قد يوافق

أن يترك مهرها مؤجلا حتى يتفقا وإن بعد عشرة أعوام ليتبجح عليها

ذاك الرجل بأنه يتركها تقرر شهامة منه ليس إلا ! همست باستياء

واضح " لا هذا ليس عدلا أبدا "

قالت عمتها بتأنيب " هذا شرع الله يا غسق هل ستعترضين عليه ؟

ثم لا تنسي أنك بمنع نفسك عنه تخالفين حدوده "

أولتها ظهرها مجددا تنظر لتلك الأشجار التي غطى أوراقها اللون

النحاسي المائل للاصفرار وقالت بضيق " لما أنتي في صفه عمتي ؟

هل لأنه ابن شقيقك وأنا ابنة شراع ؟ لما ينسى الجميع أن هذا الزواج

حدث رغما عني وعن والدي ؟ بأني أجبرت على أن أعيش وسط

قبائل تستنكرني وأنه عليا أن أصفق لهم بحرارة يوم تغزوا جيوشهم

ودباباتهم أهلي هناك ؟ أقليل في حقي أن أطلب مهرا يساوي

نصف ما لقيت وسألقى ؟ "

هزت تلك من خلفها رأسها بيأس وقالت " أنا لا أقف في صفه ضدك

يا غسق وإلا ما كنت عاتبته عليك , أنا أفكر في مصلحتك قبله لأنك

ستكونين الخاسر الوحيد إن أبقى الزواج معلقا هكذا أو تزوج بغيرك

أو أرجعك لوالدك مطلقة ففكري فيه وفي أخوتك على الأقل وحاولي

التفاهم معه على ما يرضي كليكما , وأؤكد لك أنه لن يظلمك أبدا لا

بزواجه منك ولا بمهرك ولا أي شيء فلم نعرفه ظالما يوما وكان

يعطي كل ذي حق حقه حتى إن كان لا يعرفه ، فحتى ورثتي من

والدي يحفظها رغم تنازلي عنها وقال أنها حق ابني وإن لن نجده

أبدا ، وكذلك أرض جوزاء شقيقته وقد صرح بأنه حتى إن ماتت

فلن يلمسها أحد وهي لأبنائها من بعدها وهم ليسوا منا ، بل حتى

أرض دجى رحمه الله وماله لم يقربه أحد ولم يقسمه على الورثة

ومؤكد يضع احتمالات لأن يظهر له زوجة أو ابن لا نعلم عنه

ولا يريد أكل حقه ، فأخبريني كيف لرجل مثله أن يظلمك يا

غسق وينكر حقك ؟ "

مررت أصابعها في شعرها ونظرت للأعلى ثم تنهدت قائلة بعجز

" أعدك أن أفكر في الأمر وأن أتناقش معه فيه عمتي فلا تغضبي

من كلامي ولنترك هذا الحديث برمته أرجوك "
ثم مدت رأسها ونصف جسدها خارج النافذة وقالت مبتسمة

" هذا صوت حبيبة تتشاجر مع الدجاج , جربي أن تخرجي

لتلك الجهة عمتي ستحبينها بالتأكيد "

ابتسمت تلك بود ناظرة للجسد الذي تدلى الشعر مغطي نصفه تحار

في قلب هذه الفتاة الذي لا يحمل شيئا على أحد وقد نست في لحظة

كل حديثهما الذي بدت فيه مستاءة جدا وحانقة من كل شيء حولها

وهذا ما لاحظته عليها إن غضبت لا تغضب من أجل نفسها وسرعان

ما تعتذر , وإن جرحتها الكلمة لا تردها على صاحبها أبدا وسرعان

ما تنساها له , حركت عجلات كرسيها ما أن التفتت لها تلك وقالت

" اذهبي أنتي وغيري من مزاج الصباح , أنا سأذهب لجوزاء

ستمشط لي شعري وتظفره بما أنه جف أخيرا "

تحركت من فورها تساعدها بسحب الكرسي لها وقالت وهما

تخرجان من الغرفة " شعرك محتفظ بجماله عمتي وطريقة

ظفر جوزاء له تجعله أكثر تميزا "

قالت مبتسمة وهما تسلكان الممر وتدخلان تقاطعه مع الممر الغربي

" الشعر من سمات قبيلتنا وبسببه سميت الحالك "

قالت غسق وقد وصلتا باب الغرفة " قبيلة والدتي أيضا تميزت

بالشعر الطويل الكثيف لذلك سميت بقبيلة غزير "

مدت نصيرة يدها لمقبض الباب قائلة " أجل سمعت عنها وهي

كما قلتِ سابقا تنحدر جذورها من الحالك "

وما أن أدارت مقبض الباب حتى قبّلت تلك خدها وهي لازالت

تقف خلفها وقالت مغادرة " سأخرج لحبيبة وأراك لاحقا عمتي "

وغادرت تتحاشى ملاقاة جوزاء تجنبا لتجنب تلك لها وخرجت للحديقة

من باب المطبخ الخلفي قريبا من قن الدجاج الواسع هناك وجلست على

حافة مقعد حجري قد وضع مع بناء المنزل , جلست على ظهره وقدماها

على مقعده تراقبها مبتسمة حتى انتبهت تلك لوجودها وقالت تحدثها

من بعيد وبصوت مرتفع " لقد فقصت بيضات الدجاجة الحمراء "

قفزت من الكرسي قائلة بحماس " حقا !! أرني إياها فكم

أعشق أفراخها الصغيرة جدا "

وتوجهت نحوها تراقبانها في المكان الوعر الذي كانت تنام فيه

فوق البيض وقالت حبيبة " أنظري لرأسه من تحت جناحها

يبدوا أنهم أربعة أو خمسه من انتفاخ جناحيها "

قالت بحماس وهي تراقبهما " متى ستخرج بهم ؟ أريد

رؤيتهم وهم يركضون خلفها "

سوت حبيبة وقفتها قائلة " يوم أو يومين وستخرج بهم "

ابتعدت عنها ووقفت عند جذع شجرة السنديان التي لم تفقد خضرتها

ولونها الزاهي مع تقدم أيام الخريف تراقب حبيبة وتتشاركان الأحاديث

فهي تعرف كيف تصوغ الجملة العادية بحيث تصبح مضحكة واعتادتا

على ممازحة بعضهما وكأنهما صديقتان وليس خادمة وزوجة سيدها

" حبيبااااا "

كان ذاك الصوت الرجولي الصارخ الغاضب القادم من خلفها قد

جعلها تبتعد عن الجذع منتصبة في وقفتها ولم تتجرأ على الالتفات

للخلف وهي ترى نظرة الرعب في عيني تلك الخادمة وقد وضعت

يدها على رأسها متمتمة " يا مصيبتي لقد نسيته "

قالت غسق بتوجس وهي تسمع الخطوات المقتربة منهما

" ما هوا الذي نسيته ؟ "

بلعت تلك ريقها وقالت منزلة يدها " خرطوم المياه ولابد وأنه غمر

المكان , وهو أكثر ما يكرهه إهداره هكذا وسأسمع منه الآن

محاضرة أعرفها جيدا "

وما هي إلا لحظات ومر ذاك الجسد الطويل بجانبها بذات تلك المشية

الواثقة الثقيلة والرشيقة في ذات الوقت حتى وقف على بعد خطوات

بينها وبين تلك التي تكاد تقطع شفتها من عضها تنظر للواقف أمامها

وقد أمسك خصره بيديه صارخا فيها " إن كنا لا نحتاج الماء فغيرنا

لا يجده , كنت تركت أحد العمال تولى المهمة مادام عقلك

ليس معك "

همست تلك بلا حيلة " آسفة سيدي ولن أتولى ذلك مجددا , أنا

فقط أردت أن ... "

قاطعها بحدة " لا عذر يشفع لك أبدا "

وعاد يذكرها بأنها تهدر شيئا إن فقدوه ما استطاعوا العيش بدونه وكانت

هي تتلقى التعنيف بصمت بينهما الواقفة خلفه قد تاهت عينها في شعره

المبلل وكان يرتدي بنطلونا من الجينز وقميصا أبيض وسترة سوداء

خفيفة مخصرة ولم تكن تفكر سوا في متى جاء واستحم ولا تعلم عنه !

عضت طرف شفتها وهربت بنظرها بعيدا عنه موبخة نفسها ( سحقا

لك يا غسق ما الذي تركته عيناك فيه أيضا ؟ كادتا تدخلان تحت ثيابه )

عادت بنظرها لشعره الأسود الرطب اللامع المصفف بعناية كعادته

يحف ياقة قميصه الأبيض من تحت السترة ثم أغمضت عينيها متأففة

من نفسها ( بماذا تسمين هذا يا حمقاء ؟ أتشتاقين له لهذا الحد وهوا

من لا يهتم حتى لوجودك في هذا العالم !! )

ولم تنتبه أن حديثه الغاضب ذاك توقف وأن الواقفة هناك اختفت أيضا

حتى فتحت عينيها وتيبست مكانها وقد وجدته أمامها بعد أن دار بجسده

لها تنظر لعينيه قاتمة السواد من الغضب ولازال يمسك خصره بيديه

فرفعت كفيها بجانبي وجهها وقالت ببراءة " لم أفعل شيئا طبعا "

اقترب منها عدة خطوات حتى كان أمامها مباشرة وقد تحولت

نظرته من الغضب للجمود التام فعضت طرف شفتها وأنزلت

رأسها للأسفل وقالت بصوت منخفض ناعم " آه نعم هي تولت

مهمة السقاية لأني سأخرج معها هنا , لكن لا تصرخ بي

بتلك الطريقة أخشى أن لا أتحمل مثلها "

خرج صوته صلدا وكأنه يسحب فوق قطعة حديد

" لماذا تغمضين عينيك ؟ أتكرهين رؤيتي لهذا الحد ؟ "

رفعت نظرها له بسرعة وقد انفتح فمها من الصدمة ولم تعرف بما

تعلق فلم تتخيل أن يكون هذا السبب وأن يفسر الأمر هكذا ! شعرت

بأنها في مأزق حقيقي فإن قالت الحقيقة فضحت نفسها وذلك ما لن

تفعله أبدا فهل ستعترف بأنها أغمضتهما لأن مشاعرها تغلبت عليها

وخشيت أن تركض جهته وتحضنه من ظهره ! هزت رأسها بلا بقوة

رافضة الفكرة فقرب حاجبيه وغضن جبينه وقال بحزم

" لماذا إذا ... هل لي أن أفهم ؟ "

عضت شفتها مجددا فحتى تلك الإشارة برأسها لم تقصد بها جوابا

لسؤاله , قربت مثله حاجبيها الرقيقان لكن في نظرة عابسة صغيرة

ورقيقة زادت عينيها طولا مقربة صفي الرموش الحالكة الكثيفة

وهمست برقة " لا تفرغ باقي غضبك بي مطر أقسم لم

أقصد ما فهمت "

مد يده وسندها على الجذع خلف رأسها وأحنى رأسه ناظرا لعينيها

( عابثة ) .... تلك كانت الكلمة التي لفضها ولم تخرجها شفتيه وهو

ينظر لوجهها الدائري الجميل وعيناها السوداء والواسعة وخداها

المتوردان وتلك الخصلات التي طارت متمردة على الوشاح الذي

وضعته على رأسها , عابثة صغيرة فاتنة وخطر على أي رجل

ذاك ما اعترف به وإن لم يقله لأنه قال بدلا عنه وبصوت متزن

لم يحمل الغضب هذه المرة لكنه لم يعبر عن أي شيء غيره

" أنتي أتتبعين هذه السياسة كلما كنت في مأزق يا لعوب ؟ "

نظرت لعينيه بصدمة لبرهة ثم رفعت حدقتيها للسماء وقالت بتفكير

" حين كنت صغيرة وكان والدي يعاقب أحد أشقائي كنت

أستلم أنا عنهم مهمة البكاء "

ظهرت ابتسامة ساخرة على طرف شفتيه من تهربها من السؤال

وقال ببرود ساخر " لم أراك بكيت الآن ؟ "

نظرت لعينيه مجددا وخشيت فورا على نفسها من سحرهما فأبعدت

نظرها مرخية له للأسفل وقالت " لأنك لم تضربها طبعا فأنا لم

أكن أبكي إلا حين يضرب أحدهم "

أبعد يده مسويا وقفته وقال ببرود " من هذا الكاذب الذي

أخبرك أني أضرب النساء ؟ "

ولم يعطها مجالا للرد لأنه غادر مجتازا لها قائلا " لفي وشاحك

جيدا والحقي بي عند السيارة "

المخرج ~

بقلم الغالية : سما 23

غسق الدجى الخجولة* بها لا تستهين
لن ترضخ لك بسهولة*يا مطر شاهين
فهي تربية شراع* ذاك الرجل الأمين
وهي امرأة ذكية* رغم الحسن المبين
وهي امرأة قوية* رغم ظلم السنين
جاءت ديار الحالك* لكشف السر الدفين
فصارت سيدة القصر* وعاشت كالسجين
متى تفك قيدها * وتعاملها بلين
متى نراكما معاً * يا أجمل عاشقين

*****




نهاية الفصل ..... موعدنا القادم مساء الأحد إن شاء الله

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 13-09-16, 10:11 PM   المشاركة رقم: 643
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Nov 2010
العضوية: 203368
المشاركات: 938
الجنس أنثى
معدل التقييم: missliilam عضو جوهرة التقييمmissliilam عضو جوهرة التقييمmissliilam عضو جوهرة التقييمmissliilam عضو جوهرة التقييمmissliilam عضو جوهرة التقييمmissliilam عضو جوهرة التقييمmissliilam عضو جوهرة التقييمmissliilam عضو جوهرة التقييمmissliilam عضو جوهرة التقييمmissliilam عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1391

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
missliilam غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 

افاااااااا ثم افففففاااااااااااا ا وألف اااااه وتلتمية مليااااااااار افاااااااااااااااااا

انا كنت عااااااارفة ان الاستعاااااانة بتوجوووو مووووري ما كانتش فكرررررررة كويسسسسة 😭😭😭😭😭😭😭😭😭 بصي بأة ،، مش مخااااوي ،، ما عملهاش تحليل دي ان ايه ،،، ما قلوش حد ،،، ما عندوووش جوااااسيس ،،، مش دقة ملاحظة ،،، و لا افتراءاااات فجة ،،، يبقى ايه ؟؟؟ ايش عرفه ؟؟؟؟ معقولة تكون اميمة ،، بس مستحيل رغم كل حرصها ،،، شكله دجى وخلفته الكيوت ميدوسا مهددين من احد في الهااازااان والتهديد مازاال قاااائم ولا ليش طرزان الولههههااااان خاااايف عليها خووووف معتبر 🤔🤔🤔🤔🤔🤔🤔🤔🤔 ،،،يمكن ابن شيطاااان كان يحب ام دجى حبته سعلوة متكحلة بدم خاينها وحاااطة روج اخضر وعندها تلات سووسااات في صفين الأنياب بتاعتها ،، دججوه وحشووه بالتفااااح على مااائدة الأعداء بس على كذا بيصير مخلل مو بني اادم ،، ،،، ميششششو يا ويلك تقولي كمان التخمين ده فشنك،،،،😡😡😡😡😡😡 شكلي حسيب التوقعات وأركز على القصايد ،، ولا قصيدتي فشنك كمااان 😫😫😫😫😫😫😭😭😭 يااااا حسااااااافة تعبي وعصر دمااااغي عالفااااضي 😫😩😫😩😫 مطر تعال بأنفث عليك يمكن عين ما شاء الله راسبوتين اصلي مقاوم للرصاص ،، المهم لابغيتني اتسويك ترى حاضرين للعسرين ،، و كما هو معروف الكي أفضل علاااااج ،، وينفع كمااان يكوون استجواب 😈😈😈😈😈 عرفتها منين يا ابن الميتة ،، انطق قبل ما أفلت السعلوة مررراة العرة عليك ،، نيوتن هات خل معاك وما تنساش الملح والليمون كمااان نيييياااهاااههاا هاااهاهااا 😈😈😈😈😈😈

 
 

 

عرض البوم صور missliilam   رد مع اقتباس
قديم 13-09-16, 11:01 PM   المشاركة رقم: 644
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2016
العضوية: 319010
المشاركات: 20
الجنس ذكر
معدل التقييم: وافتخر اني عراقي عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 29

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وافتخر اني عراقي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الفصل كووووولش حلوووووو.بالعراقي

 
 

 

عرض البوم صور وافتخر اني عراقي   رد مع اقتباس
قديم 14-09-16, 12:30 AM   المشاركة رقم: 645
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Apr 2014
العضوية: 266183
المشاركات: 1,059
الجنس أنثى
معدل التقييم: الاميرة البيضاء عضو جوهرة التقييمالاميرة البيضاء عضو جوهرة التقييمالاميرة البيضاء عضو جوهرة التقييمالاميرة البيضاء عضو جوهرة التقييمالاميرة البيضاء عضو جوهرة التقييمالاميرة البيضاء عضو جوهرة التقييمالاميرة البيضاء عضو جوهرة التقييمالاميرة البيضاء عضو جوهرة التقييمالاميرة البيضاء عضو جوهرة التقييمالاميرة البيضاء عضو جوهرة التقييمالاميرة البيضاء عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 2414

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الاميرة البيضاء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : برد المشاعر المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر / بقلمي برد المشاعر

 

لى لى
وحشتينى يا بنت انتى ونيوتن العفريت بتاعك
كل عام وانت بخير يا قمرى
ميشو عيدية ولا احلى ومفاجأت مطر مستمرة
غسق
البنت طبت خلاص وبتغمض عينيها كمان

السر وراء اخفاء مطر لحقيقة غسق اكيد خوف من تهديد لحياتها بس مين ياترى وراءه
اصراره على الكتمان وطلبه مغادرتها للحالك فى حال موته قبل دفنه حتى وتصريحه بأنها اكثر من يحتاجه وانها الوحيدةالتى لن يكون مطمئن عليها
لغززززززز فى انتظار حله فى الفصول القادمة

فى انتظارك دايما وتأكدى من انى بتابعك دايما حتى لو ليلاس شاتنى بره انتقل فى الميعاد للمنتديات الناقلة فقلمك ادمان وابداعك لايمل وان قل التواصل

 
 

 

عرض البوم صور الاميرة البيضاء   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المشاعر, المطر, بقلمي, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 07:21 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية