الفصل الخامس
بعنوان :
صُدفة لِقاء
ولازالت هالة تتراقص داخل شاشة ذلك الحاسوب , و ما بين تصادم نظراته الملتهبة بنظراتها الحزينة لحظة صمت , لقد أهانت رجولته بتلك الصفعة المفاجئة , وأهان هو شرفها وشرف عائلتها باطلاعه على فحوى ذلك القرص , أنفاسها تتصاعد بخوف , عيناها غارقتان بالدموع , يدها ترتجف غير مصدقة ما ارتكبته للتو , من أين لها الجرأة لتقوم بصفعة ؟ وهي الآن ترتجف لمجرد طريقة نظره اليها, لقد كانت لحظة غضب , لحظة انفجار , وحركة غير مدروسة أدت الى هذه العاقبة الوخيمة .
أما هو ينظر اليها شزرا , ملامحه تنطق بالغضب الشديد , هجم عليها, ممسكاً بمعصمها بقوة وهي ترتجف , لوى ذراعها خلف ظهرها فانطلقت منها آه عالية , أغمضت عينيها وهي
تتوقع صفعة على وجهها ولكن لا شيء !!!!!, اخترق سمعها صوته القاسي المتوعد : أنا في حياتي كلها ما رفعت ايدي على مراة , لا تخليني اكسر هالقاعدة يا نور
نظر الى عينيها الخائفتين و
رمى بها على الأريكة وجسدها كله يهتز اهتزازاً عنيفاً بزفيرها وشهيقها وهي تبكي ودموعها تزداد انهماراً , قال لها بلهجة التهديد ذاتها وهو يضغط على اسنانه بقوة : بتندمين والله بتندمين
أمسك بمفتاح سيارته وخرج من الشقة وهو يحترق غضباً , وقبل أن يخرج رمى بتلك التحفة الفخارية بقوة , فتساقطت حطاماً على الأرض , اغلق الباب خلفه وهو ينطق بكلمات غاضبة متوعدة , أما هي فاستسلمت لبكائها الهستيري الذي اختلط مع صوت بكاء طفلتها .
كنت اتمنى ان تحارب من أجلي الظروف .. لكنك حاربتني بحجة الظروف
،
إن النفس الحزينة المتألمة تجد راحة بانضمامها إلى
نفس أخرى تماثلها بالشعور و تشاركها بالإحساس
مثلما يستأنس الغريب بالغريب في أرض بعيدة عن
وطنهما..
فالقلوب التي تدنيها أوجاع الكآبة بعضها من بعض لا
تفرقها بهجة الأفراح و بهرجتها .
فرابطة الحزن أقوى في النفوس من روابط الغبطة و
السرور .
جبران خليل جبران
في تلك الغرفة الضيقة , جميع الفتيات اجتمعن فيها الآن , فالساعة تشير الى التاسعة مساءً , لقد حان وقت النوم وصوت أم حمزة وهي تنادي على أن يلزم الجميع غرفهن ويخلدن للنوم , كانت هالة على السرير تفكر بكلام نور , اختها هي الوحيدة التي وقفت بجانبها وصدقتها حيث خذلها الجميع , ستحاول أن تكون قوية لأجلها , ستصبر وتتحمل فهذا الوضع مؤقت
حتماً ستأتي نور مجدداً لتأخذها من هنا ومنصور سيتحرى وراء تلك الصور ليعرف حقيقة براءتها , كانت تصبر نفسها بتلك الكلمات وهي تجهل عن واقع اختها المر , قطع تيار افكارها صوت احدى الفتيات : أشوفك اليوم متغيرة ؟ هاذي اختك اللي جت اليوم ؟
هالة وهي تنظر الى الفتاة , انها تلك الفتاة التي كانت تجلب لها الطعام وتهتم بها : ايوا اختي , آسفة ان كنت ضايقتك بتصرفاتي الفترة الي راحت , كنت ارمي الأكل اللي تجيبينه لي واحقرك واصد عنك وو
قاطعتها الفتاة وهي تبتسم : لا عادي ماعليك , انا عارفة انك كنتي تمري بظروف صعبة , انا اسمي غلا
هالة وهي تبتسم : وانا هالة
غلا : خليني أعرفك على البنات ، قالت وهي تشير على الفتيات : هاذي اللي تقرا الكتاب شمس وهاذي الدبة جواهر اما هاذي ام كشة هوازن
ابتسمت هالة ابتسامة باهته لهن , جلسن حولها على السرير ، وهن يتحدثن بمرح
هوازن : انتِ وش قصتك ليه جيتي لهنا ؟
هالة بارتباك : ما احب اتكلم عن هالموضوع
شمس : ههههههههه عادي ترى كلنا عندنا قصة حزينة مثلك ، قولي عادي
غلا : خلاص بنات لا تضايقونها ، هالة ترى عادي فضفضي لنا ، احنا مثلك ويمكن أسوء منك ، خليني انا أبدأ واقولك قصتي المأساوية
وبدأت تتكلم بشكل طبيعي جداً , وكأنها تحكي قصة عادية جداً لا القصة التي قلبت حياتها رأساً على عقب : امي وابوي اتطلقوا وانا عمري تسع سنين ، ابوي اخذني من امي وما كان يخليها تشوفني ، امي ما سكتت ورفعت عليه قضية بس ابوي اللي كسبها للأسف ، ابوي ما كان يبغاني ولا حتى مهتم فيني بس يسوي كذا عشان يقهر امي لأنها تزوجت ، وفي الأخير تركني هنا في الدار وتزوج ، والحين أنا لا اشوف امي و لا اشوف ابوي .
تأثرت هالة بقصة غلا كثيراً ، كيف تركاها وهي في التاسعة واصبحت ضحية عنادهما ، لاحظت غلا ملامح هالة التي تغيرت وبدى عليها التأثر : ههههههه وش فيك عادي ، انا تعودت على هالمكان ، وقصتي تهون كثير عن البنات الباقي ، بس تدرين وش اللي يضحك في القصة ؟
هالة باستغراب : وش اللي يضحك ؟
غلا : ان هم سموني غلا وأنا مو غالية عليهم ، اسم على غير مسمى هههههههههههه
ضحكن الفتيات على هذا التعليق إلا هالة التي وجدته حزيناً أكثر من كونه مضحكاً , نظرت الى غلا , الفتاة الطويلة ، ولكن ملامحها بدت لها طفولية : انتي كم عمرك يا غلا ؟
غلا : 14 , ادري ابين اكبر من سني لأني طويلة ، وانتي كم عمرك ؟
تضايقت هالة على حال غلا كثيراً , لازالت صغيرة، صغيرة جداً على كل هذا : انا باقي لي كم شهر وأكمل 19
غلا : ما يبين علييك ابداً ، فكرتك فعمري
أيد الفتيات كلام غلا ، فهالة تبدو اصغر كثيراً من عمرها بسبب قصر قامتها ونحافتها وملامحها البريئة
شمس : انا و جواهر بنفس العمر 16
هوازن : وانا عمري 17
هالة : يعني أنا أكبركم
هوازن : اخيراً في احد اكبر مني ، انتي اختنا الكبيرة الحين
شمس : احنا نسمي نفسنا خوات يضايقك هالشي ؟
هالة : لا بالعكس ، خلاص من اليوم ورايح انا اختكم الكبيرة
جواهر : خليني اقولك قصتي يمكن تتشجعين وتقولين لنا قصتك , انا الله يسلمك كنت غبية شوي ، وكنت احب واحد رقمني في مجمع ، المهم ان كنت اكلمه يومياً وتعلقت فيه كثير وكان يقول ان بيتزوجني بس يبغى يشوفني ، ترددت كثير قبل لا ارسل له صوري بس في الأخير سمعت كلامه ورسلت له الصور ، ومرت الايام وتهاوشت معاه ، وصار يهددني بالصور ، كان يبغاني اطلع معاه والا بينشر صوري ، ماكنت اقدر اطلع معاه لأني خايفة يسوي فيني شي ، درت اختي الكبيرة بالموضوع وقالت لأهلي وقامت القيامة في البيت ، وبعدين حطوني هنا في الدار عشان يسكرو على الفضيحة اللي صارت
كانت جواهر فعلاً غبية وثقت بغريب وسلمته صورها ، ولكنها كانت مراهقة وهو لعب بمشاعرها وصدقته ببراءة ساذجة فكانت هذه عاقبتها ، استمر الفتيات بالأحاديث التي انست بها هالة
إلا أنها لم تتشجع لذكر قصتها التعيسة أبداً ، لأنها قصتها كانت مختلفة أشد الاختلاف .
،
في ذلك القصر الواسع , كانت تجلس على تلك الأريكة الحمراء في الصالة الواسعة , تقلب قنوات التلفاز بملل , كانت قد تزينت وتجملت لتسهر مع زوجها في هذه الليلة , ولكنه تركها ليخلد الى النوم معتذراً بأنه منهك من عمله الطويل لتجلس مع زينتها وحدها لتسهر مع الحائط , هل هو فرق العمر الذي يجعلها تمل من روتينه اليومي ونمط حياته الممل ؟ هل تدليله لها بالأموال والهدايا وطلباتها المستجابة يكفي لتصبح سعيدة ؟ هل يكفي لسد فجوة فارق العمر بينهما ؟ فهي في التاسعة والعشرين من عمرها لازالت في ريعان شبابها أما هو في الخامسة والخمسين , انها تقريباً في عمر أبناءه , تحاول أن لا تفكر كثيراً في ذلك ولا تجعل فارق العمر يعكر صفو حياتها , فهو رجل طيب وحنون , متفهم و غني ماذا تريد أكثر من ذلك ؟ وقد كان خلاصها الوحيد من حياتها الكئيبة السابقة , قبل بها مع علمه بماضيها البائس , وأحبها أشد الحب , لا تعلم ان كان حباً لذاتها أم انه فقط يحبها لجمالها وشبابها الذي يشبع شهوته ؟ ولكنه يحبها وهذا يكفي وهي أيضاً تحبه أو تعتقد أن تحبه , يجب عليها أن تحبه فهو لم يقصر عليها بشيء ويعاملها أفضل معاملة , ويعوضها عن حنان الأب الذي افتقدته في سن صغير , انها لا تملك أحد غيره , يجب عليها أن تتمسك به بجميع ما اوتيت من قوة , فهو الزوج والعز والمال وكل شيء .
جاءتها الخادمة تخبرها بوجود ضيف , ياسمين باستغراب : ومين الي جاي ؟
الخادمة بلهجتها الركيكة : هذا مدام خلود , ام مروة
ياسمين : طيب خليها تتفضل هنا
فكَرت بهذه المرأة التي تسمع عنها من زوجها ولكنها لم تقابلها قط , أنها لم تعرف عنها سوى انها امرأة تحب المشاكل وتجمعها خلافات عدة مع مروة وسامي , فعندما أقبلت عليها لم تكلف نفسها حتى برد السلام عليها , وقابلتها بأسلوب جاف
خلود وهي تنظر الى ياسمين بتكبر : مين انتِ ؟
التفتت ياسمين لخلود , كانت امرأة تبدو في الأربعينيات من عمرها , ترتدي عباءة كتف ملوَنة , وتلف رأسها بالطرحة السوداء : هههههههه أنا مين ؟ جاية بيتي وتسأليني أنا مين ؟
خلود : انتِ شكلك حرم سامي المصون , بدل لا يزوج ولده الشايب تزوج هو , الحمد الله والشكر وماخذ وحدة كبر بنته
ياسمين : انتِ وش تبغي بالضبط ؟ داخلة بيتي بدون لا حيا ولامستحى , وتغلطين بعد ؟ احترمي نفسك لو سمحتي
خلود : أنا مب جاية حقك , أنا جاية لبنتي
كانت بالقرب منهما , فسمعت المشادة الكلامية التي دارت بين والدتها وياسمين , أطلت عليهما ببرود وعدم مبالاة : يومه
استدارت خلود لمصدر الصوت , لتجد ابنتها تقف كعادتها بملابسها الرجالية وشكلها الذكوري , اقتربت منها وصفعتها صفعة مدوية عنيفة , شهقت ياسمين بقوة فلم تتوقع ان تقابل خلود ابنتها بهذه القسوة الغير مبررة , رفعت مروة رأسها وهي تبتسم ابتسامة عريضة في وجه والدتها , لقد اعتادت صفعات والدتها المتكررة , وهذا يعتبر اسلوبها في التحية , : هلا والله يومه , تو مانور البيت
خلود وهي تسحب مروة من سترتها : تعالي معي , ما ابي اتكلم معك قدام الغريبة
انصرفتا عنها وهي متفاجئة من موقف مروة مع والدتها , لم تعرف ماذا تفعل هل تذهب وتوقظ زوجها لتخبره بما رأت ؟ أم ان الوضع طبيعي ؟
عاودت الجلوس وهي تحاول تجاهل الوضع وتبعد نفسها عن المشاكل ، ولكن صراخهم العالي المنبعث من تلك الغرفة المغلقة أفزعها ، يمر الوقت ويرتفع صوت صراخ خلود أكثر ويقابله صوت ضحكات مروة المستهزئة المرحة ، كان الوضع مريباً ومجنوناً بالنسبة لها فكانت خلود تصرخ وتتوعد ومروة تضحك ، خرجت مروة من الغرفة وهي تتراكض وضعت القبعة المتصلة بسترتها السوداء على رأسها وخرجت من القصر وهي تهرب من كلمات امها المتوعدة .
خلود : تعالي لهنا يا بنت ، ما قلتي لي وليدوه متى بيرجع ؟ انا اوريك يا بنت الكلب
طلت ياسمين من النافذة , وكانت مروة قد استقلت السيارة مع السائق وخرجت خارج حدود القصر .
،
مرَت ثلاث ساعات منذ أن خرج من شقته , وهو يقود سيارته يجوب الشوارع بلا وجهة محددة , لم يتحمَل البقاء معها في نفس المكان , لو لم يخرج لربما كان ارتكب جريمة في حقها , لربما قتلها من شدة الغضب و الاستياء , من متى وهي ممثلة بارعة ؟ من متى وهي تجيد الكذب بتلك الطريقة المتقنة ؟ كيف تجرأت برفع يدها وصفعه ؟ كيف تسنى لها ان تهينه بتلك الطريقة ؟ كان بإمكانه ضربها وتأديبها ولكنه لم يفعل !!! نظراتها الخائفة منه أوقفته , وهو في حياته كلها لم يرفع يده على امرأة قط , وهل يمكنه أن يفلت قبضة يده عليها ؟ وهي زوجته وأم طفلته ,هل يمكنه أن يؤذيها ؟ مهما فعلت لا يمكنه أن ينكر حبه العميق لها , لقد كان مستعداً ليفعل كل شيء لأجلها ولكنها تمردت على ذلك الحب , وعضت اليد التي مدت لها , الحيرة اليائسة تنهش عقله الآن , لا يمكنه العودة للمنزل , لا يمكنه تحمل رؤيتها , لم يجد نفسه الا وقد أوقف سيارته أمام باب المستشفى .
،
في الشاليه ، بعد أن تركه وليد ليبيت هنا للمرة الأخيرة قبل عودته للكويت ، مستلقي على الأريكة وتترامى الى مسمعه أصوات تلاطم أمواج البحر ، في اجازة الصيف ليس لديه أي عمل سوى التنقل بين البلدين , بين موطنه الكويت والسعودية ، يشغل وقته بالتسكع مع وليد ، ابن خالته وصديقه المتهور ، أغمض عينيه باسترخاء وهو ينوي النوم ولكن صوت غريب من الخارج شتت تفكيره ، حاول أن ينصت ويتعمق ليتأكد من الصوت الذي يصدر من الخارج ، من الواضح أن أحدهم قد دخل الى هنا , ولكن من عساه يكون ؟ لا يمكن أن يكون وليد فلم يمضي وقتٌ طويل على خروجه , نهض من مكانه وهو يتتبع ذلك الصوت ، طل برأسه من نافذة المطبخ التي كانت تطل على أسوار البيت ، وقد صدق ظنه ، كان أحدهم يتسلل الى المكان ، كان متشحاً بالسواد من رأسه الى أخمص قدميه ويخفي ملامحه ظلام الليل ، ابتلع ريقه بخوف ولم يدر في عقله إلا شيء واحد ، انه لص متسلل ، حتماً انه لص ولا تفسير غير ذلك ، فتح أحد الأدراج والتقط سكيناً ، خرج بحذر وهدوء شديدين ، يتتبع خطوات ذلك اللص الذي يسير في الخارج ، كان الخوف يسيطر عليه ولكنه حافظ على توازنه ، لم يكن يفصله شيء عن ذلك المقنع بالسواد سوى خطوات بسيطة ، داهمه من الخلف وسحبه من قميصه ولكمه بقوة على وجهه ، سقط على الأرض وهو يتلوى من الألم ، لقد كان جسده هزيلاً نحيلاً ، انتهز ابو حنان الفرصة وانقض عليه واضعاً السكين حول عنقه ، ولكنه تفاجأ من تلك الآهات الناعمة التي تخرج منه وتلك الملامح التي بدت له مألوفة ، دقق أكثر في ذلك الجسد ، إنها فتاة !!!! ، لقد كانت مرعوبة متفاجئة ، لم تتوقع ان تصادف أحدهم هنا ، لقد كانت هاربة من امها ومن كلامها الجارح وكان هذا المكان هو متنفسها الوحيد ، ولكن من هذا الأحمق الذي يرفع السكين في وجهها ؟ هل هو مجرم مختبأ ؟ صرخت من أعماق قلبها في ذعر ، ابتعد عنها وهو يصرخ لصراخها ، كان الاثنان متفاجئان فذلك السارق المتسلل لم يكن الا فتاة , رجعت به الذاكرة قليلاً الى الوراء ، انها ذات الشخص الذي قابله قبل عدة أيام ، الصبي ذو الصوت الناعم ابن عم وليد لم يكن الا فتاة ، نهضت من الأرض بصعوبة وهي تتلوى من الألم ، اقتربت منه وصرخت في وجهه : مـين أنــت ؟؟؟ وش تــبغى مني ؟ وش قاعد تسوي هـنا ؟؟؟
كان ينظر اليها وملامح وجهه بلا أي تعبير ، أما هي فكانت خائفة تتظاهر بالشجاعة ، انتهزت فرصة شروده والتقطت السكين المرمية على الأرض لتهدده بها ، قالت وهي تحاول طعنه : كيف دخلت الى هنا ؟ الله يلعنك
تدارك الموقف وافلت بجسده عن تلك السكين التي كانت ستصيب فخده ، كانت تبدو كمجنونة تحاول حماية نفسها منه ، قال وهو يحاول الاعتذار : لا تفهميني غلط يا بنـت النـاس...... أنا بس فكرتك
لم يكمل جملته فقد كانت تحاول مهاجمته مرة أخرى بتلك السكين ، أمسك بيدها بقوة وهو يبعد تلك السكين عنه وقال بصوت مرتبك : اهدي وخلينا نتفاهم .. انا والله مو ناوي على شر ... والله ماكنت أقصد
مروة وهي تصرخ بهستيرية ولازالت تحاول غرس تلك السكين في وجهه : نتـفاهم على ايش ؟؟ انت ضربتني .. انت اكيد مجرم او حرامي وتبغى تقتلني ... وش قاعد تسوي هنا ؟؟ ميــن انت ؟؟
ابو حنان وهو يحاول التقاط أنفاسه : اهدي يا بنـت الناس ...وبعدي عني هالسكين ... أنا اسمي حنفي وكنت نايم هنا في الشاليه ... وليد يصير صاحبي انتي تعرفين وليد صح ؟؟
توقفت على حين فجأة وهدأ روعها بعد أن سمعت اسم وليد منه ، ابتعدت عنه قليلاً وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة ، لقد كانت متفاجئة مذعورة تحاول الدفاع عن نفسها بأي طريقة .
استغَل هدوءها وأخذ يبرر لها موقفه , وانه لا يقصد الاساءة ، أما هي لازالت اصابع يدها متشبثة بتلك السكين ، لردع أي حركة مفاجئة تصدر منه ، قال بخوف : الله يخليك اتركي هالسكين من يدك ... يكفي انا والله آسف
مروة وهي توجه السكين نحوه : خايف منها !!! وانت اللا كنت تبغى تطعني فيها ... الحين عمرك شفت حرامي عنده مفتاح البيت يا الخبل ؟؟ عمرك شفت حرامي يدخل من الباب ؟؟ الله يلعنك نشفت دمي
قامت من مكانها وهي تنوي الخروج ، ما حصل كان كثيراً عليها ، كانت قد تخسر حياتها بسبب غباءه ، قال وهو يحاول ايقافها : انتي خليك هنا أنا اللي بطلع هذا بيتك وأنا الغريب , نظر الى وجهها المتورم بسبب ضربته : خليني اجيب ثلج او شي عشان وجهك
فاجئته بصوتها المرتفع وهي تبصق عليه : اصص ولا كلمة انت انثبر هنا وانا اللي بطلع بغيت اموت بسببك يا ###
وقف مذهولاً بدون أي ردة فعل يراقبها وهي تختفي من أمامه .
،
في المستشفى ، كانت الممرضة جنان مع زميلتها سلمى يتهامسن وهن يحدقن في احد الأطباء ، الغيبة والنميمة هي شغلتهم الشاغلة ، يسلين انفسهن بالكلام الفارغ والقيل والقال ، جنان بصوت اشبه بالهمس : هذا دكتور سلمان وزوجته الدكتورة صبا ما يملون من بعض ، في البيت وفي الشغل علطول مقابلين بعض
سلمى : ما الومه جميلة زوجته ، جميلة قلباً وقالباً ما جربتي تتعاملي معاها من قبل
جنان : لا وين وانا من جيت لهالمستشفى كله في قسم الباطنية النحس , معلقة مابين نجلوه ومنصور ، الا هاذي دكتورة صبا وش جنسيتها سورية والا لبنانية ؟
سلمى : لبنانية على حسب علمي ، بس يا جمالها يا بخته فيها
جاءهم صوت من خلفهن : عقبالي أنا ومنصور بس
التفتا ليجدن منيرة تقف خلفهن وهي ترتدي عباءتها ، جنان : انتي مو انتهى دوامك ؟ وش قاعدة تسوين للحين ؟
منيرة : انتظر السواق الزفت متأخر كالعادة ، وانتم كله حش في الخلق ، ماعندك شغل انتي واياها ؟
جنان : انا المرضى اللي تبعي كلهم انخمدوا وناموا وارتحت منهم
سلمى : وانا بعد الحمد لله
منيرة وهي تتنهد : اقول لكم خبر حزين
جنان : وشو بعد ؟
منيرة : دكتور منصور في اجازة
جنان : ارتحنا من وجهه الحمد لله
منيرة : اففف مااتحمل اداوم بدونه
جنان : يا ريته عاطيك وجه بعد ، كل مرة يقصف جبهتك
سلمى : هههههههههههههه
منيرة : وجع يوجعك ، هو لأن ثقيل وما يعطي احد وجه ، بس مصيره لي يعني وين بروح ، أنا واياه والزمن طويل
وهنَ غارقات في الحديث الفارغ ، وادعاء منيرة حبها المجنون لمنصور وسخرية جنان عليها وضحك سلمى ، كان منصور يرتقي الدرج ليمر أمامهم وهو يبدو عليه الانفعال ، سلمى : شوفوا من جا
جنان بصدمة : بسم الله ما ينطرى لو احنا طاريين مليون أحسن
سلمى : مو على اساس انه في اجازة يا منيرة ........... منيرة !!!!!!!
كانت منيرة قد اختفت فجأة عنهما ، جنان وهي تلتفت : وش فيها ذي انهبلت ؟ وين راحت وهي تركض ؟
سلمى : مادري عنها
كانت منيرة تركض الى الغرفة الخاصة بالممرضات ، نزعت عباءتها عنها ، رتبت زيها الأبيض الذي تتعمد أن يكون ضيقاً مفصلاً لمعالم جسدها ، لفت حجابها الأبيض على رأسها وهي تظهر خصلات من شعرها ، رشت العطر على جسدها كله ، اخرجت أحمر الشفاه لتزين به شفتيها ، نظرت الى نفسها في المرآة برضا وابتسمت وهي تفكر في منصور ، خرجت من الغرفة وهي تبحث عنه ، وجدته يقف في الممر وهو يقلب أحد الملفات في يده ، اقتربت منه وهي تبتسم ولم تلاحظ عليه أنه يبدو مرتبكاً وأن مزاجه ليس في محله ، منيرة بصوت مصطنع وهي تحاول ان يبدو رقيقاً أكثر من اللازم : مساء الخير دكتور .. شلونك ؟ لا تضايق نفسك بعد اللي صار مع المريض الي توفى ، انت سويت كل اللي تقدر عليه ، تكفى لا تضايق نفسك .. حرام لا تلوم نفسك
رفع رأسه اليها ، ينظر اليها باشمئزاز وقد اخترقت رائحة عطرها القوية أنفه، ما كان ينقصه الا هذه الممرضة المتبرجة المائعة ، انه في مزاج لا يسمح له بالمجاملة ، قرر ان يتجاهلها كالعادة ورجع ببصره الى الملف الذي بيديه ولكنها لم تصمت , منيرة : مو على أساس انك في اجازة ، وش جابك لهنا ؟ لهالدرجة ما تقدر على فراق المستشفى ؟ ههههههه يا حظ مرضاك فيك بس
لم يعجبه أسلوبها أبداً ، وهو يكره ويشمئز من هذه النوعية من الممرضات ، وكيف تحدثه بهذه الطريقة وكأنها صديقته أو شيء من هذا القبيل ، قال بازدراء : أنا مو قلت لك من قبل أن ما احب تكلميني بهالاسلوب وما احب حديثنا يتجاوز حدود العمل ..... وش هالمسخرة هاذي ؟؟ انتي ما تفهمين والا كيف ؟ روحي شوفي لك شغل بعيد عني
منيرة : بس أنا كنت ابغى اتطمن عليك .... انشغل بالي عليك
منصور : ومين انتي عشان تتطمنين علي ؟ اختي والا بنتي ؟ احترمي نفسك
لم يلاحظ ان نبرة صوته قد ارتفعت كثيراً وأن انظار جميع من في الممر انجذبت اليهم , أما منيرة فقد ملأها الاحراج وهو يكلمها بهذا الاسلوب أمام الجميع ، لم تتحمل جنان الوضع ترددت كثيراً قبل ان تهتف : لو سمحت دكتور في مرضى هنا ، انتبه لكلامك .. احنا ما نشتغل عندك عشان تكلمنا بهذا الاسلوب
سلمى وهي تهمس لجنان : بس يا جنان الكل يطالع فينا
جنان : لا الوضع زاد عن حده هالمرة ، كل مرة يرفع صوته ونسكت ، لازم ينتبه لكلامه ويعرف حدوده
نظر منصور الى تلك الممرضة التي تحدثه : وانتِ ليه تتدخلين ؟ أنا ما كلمتك .... لا تدخلي نفسك في شي مايخصك
كانت جنان ستتحدث ولكن منيرة أوقفتها وهي تنظر اليها باحراج ، جاء الدكتور جهاد ليسحب منصور الى جانبه وهو يهدئه : وش فيك يا منصور ؟؟ صل على النبي
انصرف منصور عنهم ، لم يكن يقصد أن يرفع صوته وهو دائماً ما كان يحاول ان يتجاوز سخافة الممرضات بالتجاهل ولكن هذه المرة مختلفة ، فمشاكله مع نور وحالته العصبية بعد ذلك اثرت على اسلوبه
جنان وهي تحدث منيرة : والله لو أنا مكانك ما أسكت له ... خير وين قاعدين حنا عشان يكلمك كذا
منيرة وقد دمعت عينيها : بس يا جنان بس ابلعي لسانك يكفي
،
يتبع