كاتب الموضوع :
منى لطفي
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: جوازة.. نت!!... رواية بقلمي/ منى لطفي...
الحلقة السابعة عشر والأخيرة:
وقفت منة مستندة على حائط ممر غرفة العمليات الجراحية المقابل لباب تلك الأخيرة وقد ساد وجهها الوجوم وتحجرت العبرات في عينيها، فمنذ أن أفاقت بعد اغماءتها على إثر سماعها نبأ اصابة سيف بطلق ناري وقد صممت على اللحاق بعربة الاسعاف التي نقلته الى المشفى الخاص الموجود بعاصمة المحافظة والذي كان والده من أكبر المستثمرين فيه حيث يملك بمفرده اكثر من ستون بالمائة من الأسهم، وقد رافقها احمد ووالدها ونادر، بينما رافق سيف في العربة والده، وقد جاءت زينب وعواطف في العربة الخاصة بعبدالهادي يقودها سائقه الخاص،بينما جلست ايناس بالاطفال في المنزل، منذ ذلك الوقت وهي لم تجلس، فهي واقفة على عقبيها منذ أن وطئت قدماها أرض المشفى، فقد اتجهت من فورها الى الطابق الخاص حيث تتواجد غرفة العمليات الجراحية بعد أن استفسر والدها عن مكان تواجد سيف مدلياً بإسمه، كانت تهرول وهى تتجه حيث الغرفة يلحق بها احمد ونادر ووالدها والذي كان لسانه يلهج بالدعاء لزوج إبنته داعيا الله أن يكتب له السلامة وألاّ يُذيقهم حزنا فيه .....
علمت أنه بالداخل لاجراء عمليه جراحية دقيقة لاستئصال الرصاصة، غاب بالداخل مع فريق الاطباء اكثر من 3 ساعات وهي رافضة لألحاح والدتها عليها بالجلوس، فمنذ أن أنهارت بين يديها وأمها تخشى عليها أن يصيبها الانهيار مجددا، لم تنبس ببنت شفة، تكتفي بهز رأسها رفضا فقط، وكأنها استحالت الى تمثال من الشمع، فقد تحجرت جميع تعابير وجهها، وتجمدت دمعة خائنة تسبح في مقلتيها رافضة النزول، كانت تسمع بكاء حماتها وتعاطف امها معها وهي تريد الالتفات اليها تنهاها عن البكاء، لمَ البكاء؟، فسيفها حيّ، هي تشعر بهذا في قلبها، من المُحال أن يكون قد أصابه مكروه وهي لا تزال واقفة على قدميها لم تلحق به بعد!، لقد شعرت بما أصابه من قبل أن تسمع بذلك الخبر المشؤوم!، فقد نغزها قلبها وشعرت وكأن قبضة قوية قد أمتدت لانتزاعه بقسوة من بين أضلعها قُبيل سماعها نبأ اصابة سيف، فما إن سمعت دويّ إطلاق النار حتى علمت ماذا سيحدث؟!، وهي الآن تدعو الله في سرّها أن يكتب له النجاة ولا يذيقها فيه مكروه أبدا، فهو سيفها، حبيبها، والد بناتها، علمت أنها لا تستطيع الحياة من دونه لحظة واحدة، وتمنّت من الله أن يمنّ عليه بالشفاء، أما هي فستنسى كل ما صار وكان، فكلما تتذكر كلماته الاخيرة لها قُبيل نزولهم من غرفتهم لموافاة الضيوف بالأسفل، تشعر وكأنه كان لديه حدس بما سيحدث له، سؤاله المترجي عمّا إذا كانت توبته نصوحة فعلا، واذا كان الله قد قبلها منه؟، اهتمامه بأن يثبت لها أنه أبدا لن يفعل ما يغضب الله ثانية، كلمته الاخيرة من أنه يفضل الموت على أن يكون سببا في نزول دمعة أخرى من عينيها، كل هذه العبارات كانت تجول في بالها ، عندما رأت باب غرفة العمليات الواجه لها يُفتح فاندفعت الى الطبيب الذي ظهر من ورائه يرافقه طبيب آخر شاب ، اتجهت الى الطبيب في ذات اللحظة التي انتبه لها الباقين لخروج الطبيب واندفاعهم نحوه، وقفت أمامه تسأله بصوت مرتعش وعينين ترتجفان:
- طمنّي يا دكتور، ايه اخبار سيف؟...
زفر الطبيب عميقا وقال وقد لاح على وجهه الاجهاد فهو بالداخل يجري عملية جراحية دقيقة لمدة تقارب الأربع ساعات، تكلم بجدية وان لاح في وجهه حنان أبوي على هذه الزوجة الشابة التي يكاد خوفها على زوجها الراقد بالداخل يقتلها:
- اطمنّي يا بنتي، جوزك ربنا كتب له عمر جديد، الرصاصة كان بينها وبين القلب 2 سم، لكن ربنا ستر، المشكلة دلوقتي انه نزف كتير جدا، فعاوزين نقل دم حالا، احنا بعتنا نستفسر في بنك الدم، أنتو مافيش حد فصيلته مناسبة ليه؟، اندفعت منة قائلة:
- خد مني دمي كله يا دكتور بس رجعهولي تاني، .. أومأ الطبيب ايجابا قائلا:
- طيب اتفضلي حضرتك مع الممرضة علشان ياخدوا عينة من دمك يعاينوها قبل ما ياخدوا منك كمية الدم المناسبة ، بس لسه عاوزين متبرعين تاني، الكمية اللي نزفها مش شوية، هتف عبدالهادي:
- أني يا دَكْـتُورْ، هز الطبيب برأسه رفضا وأجاب بحسم:
- للأسف مينفعش يا حاج، حضرتك مريض ولسه قايم من دور جامد، احنا عاوزين كمية كبيرة مش هينفع ناخدها منك..
- انا عاوز أتبرع يا دكتور، هتف نادر بهذه العبارة فالتفت اليه الطبيب وقال باستحسان:
- ممتاز، اتفضل حضرتك مع المدام والممرضة، ولحق به أحمد قائلا:
- وأنا ، أشار الطبيب للمرضة باصطحابهم للمعمل للتأكد من تطابق الفصائل وخلو الدم من أية أمراض معدية، نظرت منة الى نادر الذي يسير بجوارها وتمتمت:
- شكرا يا نادر، أجاب نادر بنظرة حزن تغشى عينيه فهو قد تأكد أن حبيبته أبدا لم ولن تكون له:
- أنا مستعد أعمل أي حاجه علشان سيف يقوم بالسلامة ليكي ولبناته، أسبلت جفنيها في حركة شاكرة، ثم أكملا المسير متجهين الى المعمل...
- وِلد يا رماح عرفتوا مييين إبن الأبالسة اللي طخ وَلَدِيْ؟
همس عبدالهادي بهذا السؤال الى رماح الواقف بجواره يبكي كالأطفال على ما أصاب سيّده، مسح دموعه بكُم جلبابه الصعيدي الكالح اللون وهتف:
- إيوة أومال يا سيدي الحاج، الواد مجاهد وِلْدْ الفرطوس هو اللي صابه بالغلط وهو بيضرب عيارين في الهوا تفاريح برجعة ست سلمى لسي منعم...، سكت عبدالهادي قليلا ونظر اليه رماح متابعا:
- أني فكرت أطخه عيارين حج اللي عِمِلُه ديه ، لكن جولت أشورك حضرتك الاول!..
شهق رماح عندما أمسك عبدالهادي بقبّة جلبابه وهمس بحدة من بين أسنانه :
- أنت اتجنيت إيّاك!، تطخه كيف؟، عارف ديه هيبجى ايه؟، هيبجى بيننا وبين عيلة الغانم طار وبحور دم مالهاش آخر، جوصر الكلام أي حد هيسأل هنجول الرصاصة أنضربت من حدانا إحنا، لو حد في عيلة السوالمة شمّ خبر أنه مجاهد غفير كبير الغانم هو اللي طخ سيف ولدي مش عيسكتوا، وهتبجى بحور دم مالها آخر، هنجول للناس رصاصة طايشة من اللي الرصاص اللي كان بينضرب في الجو ، حد شاف إمجاهد غيرك؟
هز رماح رأسه بسرعة نفيا بطريقة كوميدية حتى أن صدغيه الممتلئيْن قد ارتطما ببعضهما وهتف بذعر:
- لاه، ماحدش شاف وِلْد الفرطوس ديه غيري، حتى هو ميعرفش أني شوفته، أني كنت واجف جنبيه وسي سيف بيرجوص على الحصان لمّن الغبيّ ضرب الرصاصة في وجت ما سي سيف كان بيلف جوباله،....دفعه عبدالهادي دفعة خفيفة وتنفس الصعداء قائلا:
- أمنيح، يُبجى كيف ما جولتلك، الرصاصة كانت طايشة، لو كان عندي أي شك انها مجصودة كنت خدت حج ولدي بيديّ، لكنها مش مجصودة، والسوالمة مش هيفهموا إكده، هما اساسا كان رافضين انه ولدهم يعاود بنتي تاني لوما سيف ولدي ربنا يشفيه أتدخل في الكلام وراضى الكل... ما كانش منعم هيشوف ضوفرها واصل.....
أومأ رماح قائلا:
- أمرك يا سيدي الحاج....
ظهرت نتائج التحاليل وكانت فصيلة دم منة ونادر متطابقتين، قال الطبيب عندما أبصر نتائج التحاليل:
- اممم، ممتاز يبقى استاذ نادر هيقدر يتبرع للمريض بس كمية الدم هتكون كبيرة شوية، للأسف بنك الدم لسه ماردّش علينا، واحنا بنسابق الوقت علشان حالة المريض الصحية ما تتدهورش..
نادر بحزم:
- خد الكمية الكافية يا دكتور، المهم تنقذ حياته....- وفي نفسه أكمل وتنقذ حياتها هي الأخرى فحياتها موصولة بحياته –
اعترضت منة:
- بس يا دكتور انا كمان فصيلة دمي مناسبة يبقى ليه حضرتك ما تاخدش مني؟...
الطبيب بتلقائية :
- حضرتك حامل يا مدام، ودا هيبقى فيه خطورة عليكي وعلى الجنين!!....
صُعقت منة وشحب وجهها فيما سمع احمد ما قاله الطبيب فسارع بإسنادها قبل أن يغشى عليها ، فيما شحب وجه نادر وساتند الى الحائط خلفه، سار احمد بها حتى أجلسها على كرسي ومال عليها هاتفا:
- ثواني هروح اجيب لك عصير، أمسكت بيده قبل ان ينصرف هامسة :
- ماما، عاوزة ماما.....
أومأ ايجابا بلهفة وسارع لإحضار أمهما......
---------------------------------------------------------
|