كاتب الموضوع :
منى لطفي
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: جوازة.. نت!!... رواية بقلمي/ منى لطفي...
استيقظ سيف في الصباح الباكر وهو يشعر براحة عميقة لم يحس بها منذ فترة طويلة، حانت منه التفاتة الى الفراش ليجد أنه خالٍ ومُرتّب !!، قطب بحيرة، ثم قام لينظر الى ساعة يده الموضوعه جانبا فتطالعه عقارب الساعة التي تشير الى العاشرة صباحا، تعجّب من نفسه، فهو لم يسبق له وأن نام كل هذا الوقت، ولكن لا بد أن مصارحته مع منة الليلة السابقة هي السبب فلقد نام مليء جفنيه كما لم يحدث معه منذ....، هز رأسه يمينا ويسارا بقوة نافضا عنه هذه الافكار فلقد عاهد منة أنه لن يعود الى ذكر ما حدث ثانية، توجه الى الحمام ليغتسل ويبدل ثيابه....
أنهى سيف تجهيز نفسه وأثناء تمشيطه لخصلات شعره الناعمة بينما خصلته المتمردة لا تزال تقبع فوق جبهته بغرور وكأنه لا سبيل لإعادتها بجوار رفيقاتها من سائر الخصلات، إذ به يسمع صوت ضحكات عالية قادمة من الحديقة بالاسفل، ابتسم وتوجه الى النافذة التي تطل على حديقة المنزل وقد ميّز صوت ابنتيْه الضاحك، اقترب من النافذة ليطالع ابنتيه وهما تركضان وتلهوان بينما تتعالى ضحكاتهما، وافترشت ابتسامة حانية وجهه ولكن... لتغيب هذه الابتسامة تماما وتتبدل الى تكشيرة عابسة ما إن طالع الشخص الذي يلاعبهما والذي لم يكن سوى ..... نادر !!، أفلتت لعنة من بين شفتيه وهو يرى نادر يلاعب طفلتيه بينما تجلس منة تراقبهم ويكاد يقسم أنه رأى الابتسامة تلاعب شفتيها الكرزتين !!، شتم من بين أسنانه وتوجه بخطوات سريعة مندفعة الى الخارج ليرى ما الذي يريده ذاك الـنادر تماما منه؟، من الواضح أن اهتمامه لا يقتصر على منة وحدها بل لقد إمتد الى ابنتيه أيضا وكأنه أخذ على عاتقه أن يسلبه عائلته كلها .. زوجته وطفلتاه، إذن فقد آن الأوان لـهذا الـنادر أن يعيد حساباته جيّدا فليس سيف من لا يدافع عن أثمن ما في حياته بل... إنهم هم حياته بأكملها!!....
هبط ظلّ فوق منة الجالسة تراقب بنتيها تلاعبان نادر بحبور، بينما تعمل هي على حاسوبها الشخصي، محاولة قدر الامكان الانتهاء من العمل على وضع التصميم الخاص بديكور مكتب نادر، كان يجالسها احمد وايناس اللذان استأذنا منذ دقائق وذهبا لمهاتفة والديّ ايناس، بينما ذهبت زينب مع أمها لتتجوّل بها في أنحاء قصرهم الضخم، ورافق أباها عمّها عبدالهادي في جولته المعتادة على الأراضي الخاصة بالعائلة للوقوف على سيْر العمل...
رفعت منة عينيها مظللة لهما براحتها لتبتسم مرحبة بصاحب الظل الطويل قائلة:
- أهلا، صباح الخير، ناموسيتك كحلي، كل دا نوم؟!..
سكت سيف ولم يجبها وبدلا من ذلك طالعها بنظرات غريبة لم تفهمها فقطبت متسائلة وما أن فتحت فمها لسؤاله حتى قاطعها صوت بنتيْها وهما يصرخان بأبي راكضتان اليه، التفت سيف اليهما وسارع باحتوائهما بين ذراعيه رافعا اياهما الى أعلى، وهو يقبلهما وقد أثلج صدره أنه لم يفقد بعد مكانته لدى طفلتيه على الرغم من أنه انشغل عنهما في الفترة السابقة، نظر اليهما وقال بابتسامة حانية:
- صباح الخير يا عيون بابا..
قالت هَنا بابتسامة:
- ثباح الخيل يا بابا، أنا كنت عاوذة أثحيك بث ماما قالت لا...
لتكمل فرح وهى تضع يدها الصغيرة على وجهه لتديره ناحيتها:
- انت وحثتنا اوي اوي يا بابا، وكنا عاوذين نلعب معاك!...
سيف بابتسامة:
- وانتو كمان وحشتوني اوي حبايبي، بعد كدا عاوزين تصحوني في أي وقت ادخلوا صحوني على طول، تابع وهو يرمق منة بنظرات متحدية استغربت لها:
- محدش هيقدر يمنعكم عني!، مش انا بابا اللي بتحبوه؟!!.
سارع البنتان بالهمهمة ايجابا، بينما علّقت منة بحيرة ودهشة وتقطيبة خفيفة تعتلي وجهها:
- انت كان شاكل نايم وفي سابع نومة، ما رضيتش يقلقوك مش أكتر ...
عقّبت هنا وهي تشير امامها بفرح:
- بث عمو ناديْ لعب معانا، عايف يا بابا عمو طيّب أوي وبيحبنا أوي، كل ماما ما تقول كفاية لعب بقه علثان عمو مايتعبث، عمو يقولها ثيبيهم يا منة، انا مث تعبان!..
وكأن ابنتها بقولها ذاك قد صبّت الزيت المغلي فوق النار!، فقد انتفخت أوداج سيف قهرا وغيظا وقد أحمر وجهه غضباً وحنقاً، ما جعل منة تستغرب في البداية ولكنها سرعان ما فهمت السبب وراء مزاجه النزق هذا الصباح، وشردت بأفكارها فيما حدث منذ سويعات عندما طلبت منها حماتها بعد الافطار ان تلحق بها في جناحها الخاص مستئذنة والديها، ما ان أغلقت زينب الباب خلفهما، حتى تحدثت وهي تشير الى منة بالجلوس على الاريكة العريضة وهي تقول:
- ارتاحي يا بتّي دجيجة واحده بس!، وسارت الى خزانة الثياب وفتحتها لتخرج منها حقيبة جلدية فاخرة، حملتها ووضعتها على الفراش أمامها وفتحتها وهي تقول بحبور بينما تشير الى الحقيبة المفتوحة بسعادة:
- شوفي إكدِه وجوليلي رايك إيه؟؟..
نظرت منة الى زينب بابتسامة حائرة ثم قامت وتوجهت الى الفراش ونظرت الى ما بداخل الحقيبة وهى تسأل دون أن تمد يدها:
- ايه دا يا ماما الحاجة؟؟، أشارت زينب لها بإلحاح قائلة:
- مدّي يدك يا بتّي وجوليلي رايك إيه؟؟
مدت منة يدها لتتناول ما بالحقيبة ففوجئت بها ممتلئة بثياب مختلفة الأشكال والألوان، وجميعها مصنوع من الحرير الخالص، كما أنها ثيابا خفيفة تناسب الجلوس في المنزل بحرية، تشمل جميع الأنواع من شورتات الى بلوزات صيفية خفيفة، وثياب خاصة بالنوم، وقد احمر وجهها ما ان لمستهم، فقد كانوا كثياب عروس جديدة، رفعت نظرات متسائلة وقالت وهي تتلمس نعومة الحرير بين أصابعها:
- إيه دا يا ماما الحاجه؟...، جذبت زينب الثياب من بين يدي منة معيدة اياهم الى الحقيبة، وأمسكت بيدها لتجلسها فوق الفراش بعد أن أزاحت الحقيبة جانبا وجلست بجوارها وقالت بحنان أمومي:
- شوفي يا بتّي ربنا العالم انك بجيت كيف بتِّي الخامسة اللي بطني ما جابتهاش، وغلاوتك عندينا أني والحاج من غلاوة ولدنا أن ما كانِشْ أكتر، الحاجات ديْ من أم لبتَّها، وأتعشم إنك ما تكسفنيشْ وتجبليها!!.
منة بابتسامة حائرة:
- بس دا كتير اوي يا ماما الحاجة!!..
زينب وهي تربت على يدها بابتسامة حانية:
- ما فيش حاجة تكتر عليكي يا بتّيْ، شوفي يا منة أني في كلمتين عاوزاكي تسمعيهم مني زين، سيف ولدي غُلُط وجرّ بغلطه وتاب لربنا وعمل كل اللي في مُجْدَرْتُهْ عشان يصلح الغلط ديه، لكن بردو لازمن يتعلم الدرس لاخره، تمام كيف ما منعم زوج بتّي سلمى ما اتندم جد شعر راسه ع اللي عِمله معاها ومعانا ودلوك بيسوج علينا طوب الارض علشان نجبل انها ترد له، حتى انه جامع كُبارات العيلة عنديه وجاي الليلة إهنِه يّحجْ نفسه لبوكِ عبدالهادي ويحب على راسه وراس سيف ولدي جودام الخلايج كلّاتها عشان يستسمحهم ويرضوا سلمى تعاود له مع العيال من تاني، منعم خد الدرس لاخره، وسيف كماني لازمن ياخده كلاته، انتي كيف بتّي سلمى تمام، وكيف منعم ما تأدب وعرف ان الله حج، سيف ولدي برضيك لازمن يعرف ان الله حج، وان زعلك وعر جوي، وانه مش بالساهل إكده أنه يغلط ويتأسف لك تجومي مسامحاه في وجتها، علشان يفكر ألف مرة بعد إكده لو شيطانه وزّه على حاجه إكده ولا إكده!!....
ابتسمت منة وقالت وهي تحتضتها بحب خالص لهذه السيدة العظيمة:
- انا مش عارفة أقول ايه، ربنا يخليكي ليا يارب، وحضرتك كمان انت وعمي الحاج ربنا العالم غلاوتكم عندي من غلاوة بابا وماما...، ثم ابتعدت قليلا لتناظر زينب المبتسمة بسعادة ثم قطبت متسائلة بحيرة:
- لكن الهدوم دي هعمل بيها ايه وحضرتك عارفة العلاقة بيني أنا وسيف عامله ازاي، ولسه حالا حضرتك قايلالي ان سيف لازم يتعلم الدرس!!..
غمزتها زينب بخبث مجيبة وابتسامة ماكرة تتراقص على شفتيها:
- ما هي هيّا ديْ لزوم التربية!، الخلجات ديْ هي اللي هتربي ولدي سيف وتخليه يجول حجي برجبتي صوح!، ويفكر بعد إكده ألف مرة جبل ما حتى عجله يوزه انه يفكر في حاجه إكده ولا إكده !!...
ضحكت منة وسارعت باحتضان زينب وهي تقول بمرح:
- يا سلام عليكي يا زوزو، انتي المفروض تألفي كتاب في كدا، وصدقيني ستات كتير هيشكروكي على نصايحك الغالية ديْ!!
علّقت زينب بمرح وهي تشارك منة ضحكاتها:
- إيوة، بس الرجالة هتدعي عليّ، ويمكن يجدموا فيّ بتهمة تحريض نساوينهم عليهم!
انطلقت ضحكات منة وقد انتقل حماس زينب اليها وقد عزمت على أن تربي سيف تربية كاملة وستبدأ أولى مراحل تربيته من اليوم!!..
انتبهت منة من شرودها على نظرات سيف المتهمة وابتسمت في سرها فلم تكن تعتقد أن اولى خطوات تربيته من جديد ستكون بهذه السرعة، انتبهت الى نادر المتجه ناحيتهم فتجاهلت سيف وقالت بابتسامة لنادر:
- معلهش البنات تعبوك...
اجاب نادر باستنكار وهو يجلس في المقعد المواجه لها:
- لا .. اوعي تقولي كدا، دول بنات دمهم زي العسل، ربنا يباركلك فيهم،... ثم التفت الى سيف الذي لا يزال واقفا في مكانه يحمل ابنتيه:
- صباح الخير يا سيف...
أنزل سيف ابنتيه وهمس لهما في أذنهما فسارعا بالركض بحماس بعيدا لينادوا مرام لتأتي للعب معهم حيث سيشاركهم والدهم اللعب كما وعدهم، التفت سيف برأسه ونظر الى نادر مليّا قبل أن يرد تحية الصباح ببرود ويجذب الكرسي الملاصق لمنة ليجلس عليه، لم تعره منة اهتماما ونظرت الى نادر قائلة وهي تُدير حاسبوها الشخصي تجاهه دافعة به اليه:
- بص كدا يا نادر وقوللي ايه رأيك في الديزاين دا؟؟..
نظر نادر حيث أشارت منة ومال قليلا ليستطيع أن يعلّق على ما يراه، فكان أن اقترب من منة، وبطبيعة الحال لم يرُقْ الوضع لسيف، الذي سارع بالامساك بساعد منة وابعادها عنه فقد كانت تميل قليلا لتستيطع رؤية ملاحظاته التي سيدلي بها، وألصقها بكرسيها ومال عليها هامسا من بين أسنانه:
- عارفة لو اتحركتي خطوة واحده بس من مكانك ولا اتوربتي هعمل فيه إيه؟....، مقرنا تحذيره بنظرة وعيد جعلتها تنكمش في مقعدها بالرغم منها ، التفت سيف الى نادر وقال ببرود:
- بيتهيألي تكتب ملاحظاتك في ورقة أفضل!، ثم دفع أمامه بمفكّرة وقلم كانت منة قد جلبتهم تحسّبا لمثل هذا، فقد كانت تعلم أن لا بد لنادر أن يبدي بملاحظاته عن العمل الذي قامت به...
نظر نادر الى سيف بابتسامة صغيرة وتناول المفكرة والقلم وهو يقول:
- الملاحظات بتاعتي مش محتاجه كتابه هي حاجه ولا اتنين بس، شغل منة مافيش غبار عليه، وعموما انا هكتب الملاحظتين علشان منة تعدّلهم قبل ما تعرض عليّا الشغل تاني!!، وألقى بنظرة تحد الى سيف الذي كاد يجزُّ على أسنانه حنقا وغضبا من هذا المتحذلق الجالس أمامه والذي ما انفك ينادي بإسم زوجته بتلقائية من دون ألقاب، الأمر الذي جعله يشعر بالغضب وكأنه يغازل امرأته أمامه بمناداته لها بإسمها مجرّداً!!....
قطع تخيلاته صوت والدته الضاحك وهو يقول موجها الحديث اليه:
- صباح الخيرات يا ولديْ، ايه النوم ديه كلّاته؟!...
نهض سيف من مكانه وهو يمد يده متناولا يد والدته مقبّلا ظهرها وهو يقول:
- صباح الأنوار يا أم سيف....، ألقى سيف تحية الصباح على عواطف وجذب مقعدا لها لتجلس بينما رفضت زينب الجلوس قائلة:
- لاه، اجعُد انت يا ولديْ، أني هروح أجول لمهجة تحضّر لك الفطور..
اعترض سيف قائلا:
- معلهش يا أم سيف ماليش نفس، بس لو كوباية شاي يبقى كتّر خيرك...
استنكرت زينب هاتفة:
- باهْ، كيف دا؟، تشرب شاي على خلو بطِنْ؟، جلبك يحرجك يا نضري!...
تمتم سيف بينه وبين نفسه:
- هو لسه هيحرقني يا أم سيف، ما حرق واللي كان كان!!، انتبه من شروده على حديث والدته وهي تقول بتصميم:
- لاه، اذا ماكانيش ليك شوج في الفطور، يُبجى ع الأجل هجيبلك طبج جراجيش وكوباية شاي بلبن، الجراجيش ديْ بالذات هتعجبك جوي، وما هتجدرش تجول لاه، ....غمزت بعينها متابعة بمكر:
- عارف مين اللي عاملها؟، لم تنتظر اجابته وتابعت وهي تشير الى منة الجالسة بجواره مشيحة برأسها بعيدا عنه:
- مَرَتَكْ هي اللي عاملاهم، وماحدش كَلْ منيها الا وعجبته، مش صوح يا ست أم أحمد، لتوميء عواطف برأسها مجيبة:
- فعلا القراقيش جميلة، ووجهت زينب سؤالها الى نادر:
- مش إكده يا أستاز نادر؟، حانت نظرة من نادر الى منة وأجاب بابتسامة صغيرة بينما عيناه ترصدان تعبير وجه سيف فحثه شيطانه على مشاغبته وزيادة حنقه الواضح عليه:
- طبعا يا حاجه زينب، ما فيش حاجه منة تعملها وتطلع وحشة أبدا، أي حاجه منة تحط ايدها فيها لازم تطلع ممتازة!!...
لم يُدهش جوابه سيف فقط، بل وجميع الجالسين، حتى أن زينب قلقت من أن الزمام سيفلت من يدها ولا تستبعد أن يلقن ابنها نادر درسا كي لا يتحدث عن إمرأته بتلك الطريقة مرة أخرى، بينما حانت التفاتة من منة الى وجه سيف لتكتم شهقة كادت أن تفلت من التعبير الوحشيّ الذي ارتسم عليه مما جعلها على يقين أن هناك جريمة سترتكب لا محالة في التوّ واللحظة إن لم يتدخل أحد لمنعها، فسارعت بالنظر في رجاء لزينب التي التقطت اشارتها حيث سارعت بتغيير الموضوع قائلة بضحكة مصطنعه:
- هروح أجول لمهجة تجيب لك الجراجيش والشاي، تعالي معايا يا منة يا بتّي....، ولحقت منة بحماتها تاركة سيف يرغي ويزبد بينما حاولت عواطف فتح حديث مع نادر لكي تصرف انتباهه عن تعبير وجه سيف الاجرامي!!....
همست زينب لمنة وهما تتجهان للداخل:
- ربنا بيحب واد خالتك ديه، اتكتب له عمر جديد انهاردِهْ، سيف ولدي وأني عارفاه زين واللي شوفته على وشّه يخليني أجول ربنا يعدي اليامين اللي جايين دول على خير وواد خالتك يسافر من عندينا وهو لساته حتّه واحده!!، لم تستطع منة كتم ضحكتها لتشاركها زينب الضحك بمرح !!...
عادت منة تحمل صينية عليها طبق المعجنات وكوب من الشاي الممزوج باللبن، يرافقها زينب، لاحظت عدم وجود سيف فسألت والدتها بينما تضع الصينية على الطاولة أمامها:
- أومال سيف فين يا ماما؟...
أشارت عواطف أمامها وهي تقول:
- بناتك جوم مع مرام وولاد سلمى وصمموا يلعبوا كرة وشبطوا في نادر كمان، أهوم هناك بيلعبوا واحمد معهم، ايناس واقفة تصورهم بالموبايل هناك أهِهْ.....
جلست زينب تراقب بحماس المباراة المقامة أمامها، بينما توجهت منة حيث تقف ايناس وتقوم بتصوير المباراة، انتبهت ايناس اليها فالتفتت لها وقالت بمرح:
- على آخر الماتش دا أنا متأكده إن وشّ ابن خالتك هيكون شوارع!!..
قطبت منة وهتفت متسائلة بينما تراقب اللعب الدائر أمامها:
- يا سلام، ليه ان شاء الله؟، هما بيحطوا أجوان في وشّه؟!
أجابت ايناس بمرح:
- لا وانتي الصادقة جوزك هو اللي بيحط أجوان في وشّه!، بيباصي الكورة في وشه تمام يخليه يلبسها !!..
قطبت منة غير مصدقة واقتربت منهم لتشهق بعنف وهي تشاهد وجه نادر وقد أصبح عبارة عن خريطة مجهولة المعالم!، استرعى انتباهها صافرة اخيها القائم بمهام حَكَمْ المباراة وهو يعلن عن ضربة جزاء مباشرة، ليقف نادر كحارس مرمى بينما يقف سيف امامه متجهزا لرمي الكورة في المرمى، حانت منها نظرة الى سيف لتعلم نيّته تماما!، وقبل أن تحاول لفت انتباه نادر كانت الكورة تنطلق كالقذيفة من قدم سيف لترتطم بوجه نادر تماما مما جعله يطلق صرخة الم قوية ويهتف صارخا بسيف:
- جرى ايه يا جدع اللاه!، انت بتباصي فين؟، انت المفروض تحط الكورة في الجون!، أجاب سيف ببرود بينما عيناه تشوبها نظرات غامضة:
- ومين اللي قالك أني ما حطتش الكورة في الجون؟، دا في الجون تماااااام !!.....
لم يتثنى لنادر استيعاب ما قاله، فقد قاطعهما أحمد معلنا نهاية المباراة، وقد تفرّق الجميع متجهين لغرفهم للاغتسال بينما صمم الاطفال على تكملة لعبهم مع أطفال سلمى في جناح الأخيرة...
----------------------------------------------------------
اتجهت منة الى جناحها وسيف غير ملتفتة الى نداءاته المتكررة لها، وما إن نجح في اللحاق بها حتى أوقفه صوت مهجة طالبة منه موافاة والده في الاستراحه فزفر حانقا وغيّر اتجاهه الى الاستراحه ملقيّاً نظرة متوعدة الى منة وكأنه يخبرها أن مواجهتهما قد تأجلت فقط......
تناولت منة منشفتها واتجهت للاغتسال، بعد أن أنهت حمامها اتجهت الى الخزانة لاخراج ثياب لها عندما حانت منها نظرة الى الثياب التي أهدتها اياها حماتها والموضوعة في جانب بعيد عن سائر ثيابها الأخرى، شردت قليلا لتبتسم ابتسامة ماكرة وهي تمد يدها مخرجة ثيابا صيفية خفيفة، فتحتهم أمامها لتبرق عيناها بخبث وهي تقول ببراءة مزيفة:
- اعمل ايه الجو حر هنا أوي، وانا مش هنزل تحت، يبقى مش معقول هقعد بالحجاب ولابسة طويل في أودتي في الحر دا، وسارعت بارتداء ما أنتقته يداها قبل أن تبدل رأيها!!...
نظرت الى نفسها في المرآة، لتطالعها صورة مختلفة كلية عن منة التي تعرفها، فقد أسبغت عليها الثياب التي ترتديها عمرا أصغر من عمرها، فهي بهذه الثياب لا يتجاوز عمرها ال 18 عاماً، كانت ثيابها عبارة عن شورت قصير للغاية الى أعلى الفخذين، بلون أبيض، يلتصق بثناياها مبرزا انحناءاتها الأنثوية الفاتنة، وبلوزة قطنية بحمالات رفيعة باللون الوردي، تلتصق بجزعها العلوي، تكاد تغطي خصرها،مظهرة جزء كبير من صدرها لا يدع للمخيلة شيء!، حتى أنها اذا ما تحركت ظهر جسدها من أعلى ومن ...أسفل !!،... مشطت شعرها على هيئة ضفيرة عريضة ألقتها على كتفها الأيمن، وأنهت زينتها ببضع قطرات من عطر الياسمين الخاص بها، والذي لا يستطيع سيف مقاومته، غمزت لنفسها بخبث في المرآة وهي تقول:
- أول درس في التربية يا سيف، وأنا أجدع من يربي بصراحه، خصوصا وانا معايا الناظرة بجلالة قدرها، حماتي... حياتي !!....
----------------------------------------------------------
دخل سيف جناحه بعد فترة طويلة، قضاها برفقة والده الذي أخبره بحضور منعم زوج شقيقته سلمى مساءا بصحبة كبار عائلته لتقديم الاعتذار المناسب لهم وترضيتهم طلبا للسماح منهم لرغبته بعودة سلمى وأولاده اليه....
سار سيف بعد أن اغلق الباب خلفه، حتى جلس على الاريكة مطلقا تنهيدة عميقة، ثم أسند ظهره الى الاريكة خلفه مغمضا عينيه، لينتبه بعد ثوان الى السكون السائد حوله، ففتح عينيه متلفتا حوله في ريبة، وحانت منه نظرة الى الفراش فوجده خال، فقطب بحيرة متسائلا عن مكان وجود منة، عندما سمع صوت مقبض الباب ثم ظهرت منة التي دخلت مغلقة الباب خلفها ولم تكن قد انتبهت لوجود سيف بعد، وكانت تدندن بخفوت، ليقف سيف مصعوقا مما يراه أمامه، وتحدث بصوت أجش متسائلا بينما عيناه تفصلانها من أعلى رأسها الى أخمص قدميها:
- إيه دا؟، انتي كنتي فين وانتي بالشكل دا؟، .. وقفت منة مكانها متافجئة من وجوده فهي لم تلاحظ لدى دخولها، طوى سيف المسافة التي بينهما بخطوتين واسعتين وقبض على مرفقها هاتفا بحنق من دون أن يعطيها الفرصة للاجابة على تساؤله السابق:
- انتي اتجننتي؟، ازاي تخرجي بالمنظر دا من الأوضة؟، وقد كاد يجن عندما طرأ بباله انها تتجول بحرية بهذه الهيئة الفاتنة بينما من الممكن أن يراها الآخرون والذي قد يكون ابن خالتها السمج هذا منهم!!، أطلقت منة أنّة صغيرة من الألم وهتفت محاولة الفكاك من قبضته:
- سيب دراعي يا سيف، انت اتجننت؟، أنت واعي للي بتقوله؟، معقول أنا هخرج بالشكل دا قودام الناس؟!...
هدأ سيف قليلا وان كان لم يخف قبضته على ذراعها وقال بخشونة:
- أومال تقدري تقوليلي كنتي فين وانتي باللبس اللي انتي مش لابساه دا؟، في اشارة منه الى ثيابها القليلة التي بالكاد تستر مفاتنها، توقفت منة عن محاولة الافلات من قبضته و قد وعت الى نيران الغيرة التي ينفثها من فمه وأنفه على حد سواء، ابتسمت بداخلها بخبث ابتسامة لم تظهر على محياها وتوعدت في نفسها قائلة:
- إما ورّيتك يا سيف، بحق الليالي اللي نمتها ودمعتي ما نشفتش من على خدي وانا النار ماسكة فيا وكل كلمة وحرف قريته مش بيفارق عقلي... والمناظر اللي انا شوفتها وكل ما أفكر انك شوفتها بالطريقة المقززة اللي كانت عاملاها في نفسها دي.. تخلي دماغي تغلي من الغيرة والغضب، بحق الايام والليالي دي.. لا أخلص منك حقي كامل وهخليك تحرّم انك تفكر مجرد تفكير في أي صيغة مؤنث غيري، وبكرة تشوف !!، تعمدت منة البرود وطالعته بحدة وهي تتحدث بانفعال زائف:
- أنا كنت في المطبخ يا استاذ، المطبخ اللي في الجناح عندنا هنا، بشرب، ايه حرام أشرب؟!، وبعدين الجو حر نار وانا عارفة انه الوقت دا وقت عصاري الكل بيرتاح فيه، وانا قاعده في اوضتي براحتي، مش قاعده قودام حد غريب يعني!....
ازدرد سيف ريقه بصعوبة وأجاب بينما دمه اندفع يهدر في أذنيه، وقد شعر بسخونة تنتشر في أطرافه بينما قلبه يكاد يخرج من مكانه شوقا لأحتواء هذه الحورية الفاتنة، وذراعاه تحترقان لضم قدّها الرشيق الى جسده العضلي لإشباع توقه الشديد اليها، فتحدث محذرا اياها فهي إن ظلّت على هيئتها هذه أمامه فهو غير مسؤول عما سيحدث لها !!، تحدث سيف بحشرجة لشدة الانفعالات التي تمور في نفسه:
- طيب، روحي حطي حاجه على نفسك، تبردي بعدين...
ونفض ذراعها من قبضته،واستدار مبتعدا عنها بينما قطبت منة وقالت بدهشة:
- أبرد!، أبرد إزاي في درجة حرارة ما تقلّش عن 40 زي اللي احنا فيها دي؟؟..
لف سيف بوجهه ناحيتها وزفر بحنق مجيبا:
- منة، قصّري وروحي غيري هدومك....
وقفت منة تتمايل في مكانها وأجابت بغرور:
- والله لو مش عجبك لبسي دي مش مشكلتي، ممكن انت تخرج بره في الصالة، أو تروح حتى تنام في اوضة البنات هما مع ولاد سلمى، انا مش هلبس غير كدا، الجو حر، وأنا في اوضتي وماحدش شايفني ....
التفت سيف بكليته اليها وعاجلها بكلمة خاطفة:
- لكن انا شايفك!، عقدت منة جبينها وهتفت:
- يعني ايه الجملة الغبية اللي انت قولتها دي؟، انت جوزي!، هو المفروض إني أتحجب قودام جوزي ؟!!....
اقترب منها سيف ووقف أمامها مجيبا وهو يزفر بتعب:
- يا بنت الناس ما تلعبيش بالنار، أنا مش مستحمل!، لو في ظرف ثانية واحده ما اختفيتيش من قودامي وروحتي غيرتي هدومك ما تلوميش غير نفسك بعدين!!...
تخصّرت منة ونظرت اليه بتحد قائلة:
- وانا قلت لك عندك اوضة البنات اتفضل روح نام فيها، أنا بقه مش هسيب أوضتي ومش هغير هدومي....
سيف بتهديد واضح:
- يعني دا آخر كلام عندك؟، سكتت منة قليلا قبل ان تجيب بتلعثم طفيف وما لبثت أن تماسكت:
- أيوة ، هز سيف كتفيه بلامبالاة وقال :
- انتي اللي اخترتي!، وانحنى ليحملها فوق كتفه بحيث أصبح رأسها متدليًّا خلف ظهره بينما ساقيها تضربان الهواء أمامه رغبة منها في الفرار من قبضته، صاحت منة وهي تلكمه بقبضتيها الصغيرتين في ظهره:
- سيف، نزلني يا سيف، نزلني ما فيناش من كدا.....
رماها سيف فوق الفراش ثم سارع بقذف حذائه بعيدا وهو يجيبها وهو مشرفا عليها:
- احنا فينا من كدا وأبو كدا وأم كدا كمان، وانا حذرتك وانتي اللي مسمعتيش كلامي، أنا مش حجر، أنا انسان من لحم ودم..
همت منة بمجادلته ليبتلع سيف عباراتها التي كانت تنوي مهاجمته بها، مغرقا اياها في عناق ساحق، رفرفت منة بين ذراعيه اللتان أطبقتا عليها كالكماشة محاولة الافلات من قبضته ولكن كلما زادت مقاومتها زادت رغبته ضراوة، حتى أنه من شدة ضغطه على شفتيها قد ذاق طعم الدماء في فمه، ابتعد عنها بينما كانت دموع الألم تغمر محياها، احتواها بدفء وحنو بين ذراعيه مقبلا جبهتها وقد رقد فوق الفراش جاعلا إياها تتوسد كتفه وقال بنبرة ندم صادق:
- أنا آسف، سامحيني، أنا... ما كنتش أقصد أوجعك، بس إنتي نرفزتيني وانا شايفك رايحه جاية قودامي بالشكل دا، وانا في الأول والآخر انسان، وبحب!، بحبك لدرجة الجنون...
كانت تشهق بغصات بكائها، والتي هدأت قليلا لتجيبه بصوت صغير باك:
- بس انا ما اتعودتش منك على ... على كدا يا سيف!، أبعدها عنه مرقدا اياها فوق الفراش ومال عليها هاتفا :
- وأنا آسف، ما كنتش أقصد، أنتي عارفة أنا مش ممكن أقصد أني أتسبب لك في أي ألم !!، ولكن نظرات عينيها قالت له أنه قد سبق له بالفعل وكان السبب في اصابتها بألم قوي أصاب قلبها حتى العمق، فأجابها بعينيه بدون كلام أنه يقسم لها أنه لم ولن يتكرر مثل هذا الألم وأنه يفضل الموت على أن يكون سببا في دمعة تذرفها عيناها حزنا أو ألما يكون هو السبب فيه!، أفصح عما يجول بباله بكلمات صادقة:
- صدقيني يا منة الموت عندي أهون من أني أكون سبب لدمعة ألم أو حزن تنزل من عينيكي ......، سكت لينظر اليها قليلا متسائلا بتردد:
- مصدقاني يا منة؟، نظرت اليه منة بغموض بينما انتظر جوابها على أحر من الجمر، ليسمعها وهي تقول بخفوت:
- مصدقاك يا سيف، مصدقاك...، تنهد سيف براحه عميقة ، ثم انبطح فوق الفراش محتويا كتفيها بذراعه، واضعا رأسه فوق صدره مقبّلا جبينها وهو يقول:
- نامي دلوقتي يا حبيبتي، ارتاحي، عاوز أنام نص ساعه بس وانتي في حضني كدا، علشان الناس اللي جايين بعد المغرب، وسرعان ما أغمضا عينيهما ليغرقا في سبات عميق.....
----------------------------------------------------
|