كاتب الموضوع :
منى لطفي
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: جوازة.. نت!!... رواية بقلمي/ منى لطفي...
عودة الى الوراء بضعة سويعات..... حيث عمر برفقة سيف في منزل الأخير، كان عمر قادما لزيارته وحثّه على الخروج من سجنه الاختياري والتفكير بحل لمشكلته، كما أشار عليه بالعودة الى العمل كي لا يترك نفسه فريسة للافكار السوداء تعصف به، كان سيف رافضا وبقوة الخروج من محبسه الاختياري، رافضا أي شكل من أشكال الحياة، ولكن كلمة واحده فقط قالها عمر في معرض حديثه جعلته ينتفض من سباته، فقد قال عمر بتلقائية : منة ... سافرت !!، لينتفض الوحش الكامن في اعماقه وينقض على عمر جاذبا إياه من تلابيبه وهو يقول بغضب وحشي من بين أسنانه:
- انت بتقول ايه؟، مراتي سافرت؟!، سافرت فين وأزاي؟
حاول عمر الفكاك من قبضة سيف التي كادت تصيبه بالاختناق وقال بصوت مكتوم:
- انت اتجننت يا سيف؟!، سافرت اسكندرية مع اهلها...
تركه سيف دافعا اياه بقوة جعلت عمر يترنح قبل ان يتمالك نفسه ويقف مطالعا اياه بدهشة وريبة بينما هاجمته نوبة سعال قوية جرّاء قبضة سيف له....
تحدث سيف بهدوء خطر:
- راحت اسكندرية؟، ثم تكوّرت يده في قبضة محكمة ولَكَمَ مسند الاريكة بقوّة وهو يرغي ويزبد بينما صورة حبيبته وهي في نفس المكان مع ذاك الـ...نادر - والذي لم يرتح اليه منذ ليلة خطوبتهما وقد صدق حدسه عندما سمع صدفة اثناء مكالمة من أم منة لشقيقتها سهام سؤالها عن احوال ابنها وانها تدعو الله له ليل نهار على أن يرزقه الزوجة الصالحة لتعوّضه خسارته لمنة والتي كان يحلم بها زوجة له، ولم يصرّح لمنة أو لأيّ كان بمعرفته بشأن ابن خالتها اللعين هذا – كانت صورتهما ترتسم في مخيلته لتجعله في حالة جنون مطبق، ولم يلبث أن اتجه الى غرفة نومه ليغتسل ويبدل ثيابه في اقل من عشر دقائق وسط ذهول عمر والذي تحول الى صاعقة من الدهشة عندما فوجيء به يرمي اليه ببضع كلمات بينما يتجه خارجا من المنزل:
- انا خارج، انت مش غريب يا عمر، عن اذنك !!...
لحق عمر به عند المصعد بعد أن احكم اغلاق باب المنزل خلفه وسأله بدهشة بينما يقفان في انتظار المصعد الذي تأخر بالنسبة لسيف:
- خارج؟، خارج رايح فين؟؟...
زفر سيف بيأس واتجه الى الدرج ليهبط بسرعة وهو يجيب بصوت عال كلمة واحده جعلت عمر يقف فاغرا فاهُ وقد تيقن من جنون صديقه:
- اسكندرية !!...
---------------------------------------------------------
عودة الى السيارة والتي انطلق بها سيف بجنون مختطفا منة والتي كانت تصرخ غاضبة بأن يوقف هذه السيارة اللعينة، ولكنه لم يلق اليها بالا ، حتى اذا ما وصلوا الى منطقة مترامية الاطراف وغير مأهولة أوقف سيف السيارة والتفت اليها قائلا ببرود ينافي الغضب الأسود الذي يعتمل داخله:
- انا وانت مش هنمشي من هنا لغاية ما نشوف حل للمهزلة اللي احنا فيها دي...
عقدت منة ساعديها وأجابت ساخرة:
- وايه بقه الحل في نظرك؟، وخلي بالك الحل دا لازم أوافق عليه أنا كمان، مش حل من وجهة نظرك انت بس!!...
أجاب سيف بحدة:
- أي حل إلّا موضوع اننا نسيب بعض دا، الفكرة المجنونة دي تشيليها من دماغك خاااالص!!...
همّت منة بالكلام عندما قاطعها صوت رنين المحمول الخاص بها، أخرجت هاتفها من حقيبتها اليدوية ليطالعها اسم أحمد شقيقها، فتحت الخط وتحدثت بهدوء نسبي فآخر ما تريده الآن شجار بين هذا المجنون الذي اختطفها وبين شقيقها الغاضب!،
قالت منة بهدوء نسبي:
- ايوة يا احمد، آه.. انا مع سيف..، لا حبيبي ما تخافش، هنتكلم شوية وبعدين يرجعني البيت عند طنط سهام،..إيه؟!، نادر!، لا أبدا ما فيش قلق ولا حاجه..... ما كانش لازم يقلق ويقلقك معاه، ماشي حبيبي مش هتأخر ان شاء الله ،..لا الاه الا الله...
أنصتت قليلا قبل ان تنهي المكالمة ثم سمعت صوت سيف الذي يقول بنزق :
- ايه دا، ابن خالتك قلقان عليكي من جوزك؟! ، واخوكي يآمن عليكي معاه وسايبكم سوا ومعايا أنا خايف!!...، وبعدين ايه حبيبي حبيبي دي اللي عمله تقوليها عمّال على بطّال لأخوكي؟!، انتي عارفة كويّس أوي انى رافض أنك تقوليها لأي حد غيري لا أخوكي ولا حتى أبوكي !!..
أجابت منة من دون النظر اليه:
- دا كان زمان!، توافق ترفض ماليش فيه، حبيبي دي أنا بس اللي اختار اللي اقولها لمين!، أما بقه بالنسبة لقلقهم فما تقدرش تلومهم... خايفين عليا!!، عارفين اللي بيننا كويس، حتى لو كان نادر معندوش تفاصيل لكن الكل حاسس بأنه فيه حاجه غلط ...
جذبها سيف من ذراعها فجأة جعلتها تطلق صيحة صغيرة في حين تابع بحزن وغضب:
- موضوع حبيبي دي هنتفاهم فيها بعدين !، وبعدين قوليلي هنا... هيبقوا قلقانين عليكي منِّي أنا؟، أنا....،أنا جوزك يا منة؟!، وأنا ما كنتش قلقان وهتجنن من خوفي عليكي كمان في الفترة اللي فاتت دي كلها؟!، انت ليه مصرّة تعذبينا؟، انت فاكرة أني هصدق انك كرهتيني بالسرعة دي؟، اللي يحب عمره ما يكره يا منة..، وانا محفور جواكي تمام زي ما انت محفورة في قلبي وبتجري في دمي، ولا أي حاجه عمرها هتقدر تمحينا من جوّه بعض...
منة بحزن وقد هاجمتها الدموع ولكنها جاهدت كي لا تذرفها أمامه:
- الوشم بيروح بماية النار يا سيف، ووشمك اللي في قلبي انت حرقته زي ما حرقت قلبي تمام بعملتك دي !!..
سيف بذهول وخوف من فقدانها:
- لا يا منة ما تقوليش كدا، أحلفلك بإيه إني عمري ما حبيت ولا هحب حد غيرك، كلمة بحبك دي عمرها ما طلعت الا ليكي إنتي..، ارحميني حبيبتي أرجوكي، أنا مش عارف أعيش من غيركم، البيت وحش اوي من غير هَنا وفرح وشقاوتهم، البيت كئيب جدا من غير ضحكتك اللي بتنوره يا منة، اطلبي مني أي حاجه الا انك تسيبيني، مش هينفع، لو وافقتك يبقى بأنتحر!، وأنا مش ممكن أنتحر....
حاولت منة الافلات من بين يديه وهى تئن بينما خانتها دموعها التي بدأت تسيل في صمت:
- مش هينفع يا سيف، صدقني، هيفضل اللي حصل بيننا، مش هقدر أنساه، انت فاكر إني مبسوطة وبضحك وسعيدة؟، لا يا سيف... اللي حصل في دماغي، بفتكره كل ثانية، اللي شوفته عمره ما راح من بالي، لدرجة اني بئيت أدعي ربنا اني أفقد الذاكرة علشان أنسى، لأني لو ما نسيتش هتجنن يا سيف، هتجنن!!..
وشهقت عاليا لتنخرط ببكاء حار جعله يحتضنها معتصرا اياها بقوة ساندا وجنته الى شعرها بينما اختلطت دموعهما سويّة فلأول مرة في حياة سيف تعرف الدموع طريقها الى عينيه، وهو المتبجح دائما أنه ما من سبب يدفع الرجل الى البكاء مهما كان هذا السبب قويّا !، ولكنه لم يعلم وقتها أن حبّه سيجعله يبكي بدلا من الدموع دماً في سبيل ألا يتركه نصفه الآخر، فعشقه لمنة عشق سرمدي لا نهاية له ولا سبيل له للفكاك منه...، بل إنه لا رغبة لديه أساساً في التحرر من قيْد هذا العشق اللاهب !!....
أبعد سيف منة عن صدره قليلا محتضنا وجهها بين راحتيه ماسحا بإبهاميه دموعها التي تغرق وجنتيها بينما هدأت عاصفة بكائها قليلا، تحدث سيف بصوت مشروخ من شدة الحزن:
- أنا آسف، لو قعدت أعتذر لك من هنا لغاية سنة كمان مش هيوفِّي ، انا مستعد أقعد اعتذر لك عمري كله، لكن ما تبعديش عني، انت اكتر واحده عارفة أنا بحبك وبغير عليكي قد ايه، منظرك وانتي قاعده مع ابن خالتك خلّا الدم ضرب في نافوخي، كويس اوي اني قدرت امسك نفسي وما ارتكبتش جناية فيه !!...
نظرت اليه منة بحزن معلّقة بجمود:
- شوفت انت جرالك ايه من مجرد قاعدتي مع ابن خالتي في مكان عام ومعايا اخويا كمان!،.. اومال أنا بقه اعمل ايه؟، لسه صوتكم في وداني يا سيف، الكلام اللي قلتوه، المناظر المقززة اللي أنا شوفته، أنا... مايتهيأليش إني هقدر أنسى !!...
اجاب سيف بصوت متحشرج:
- انت مش بتدي فرصة لنفسك انت تهدي حتى شوية، انا غلطت واعترفت وربنا بيسامح، إديني فرصة واحدة بس ، مش ممكن كل اللي بيننا يتهدّ وحياتنا كلها تضيع علشان غلطة واحده بس!، ارجوكي يا منة... ما تهديش حياتنا... ، ما تخليش بناتنا يدفعوا تمن غلطة ابوهم، افتكري يوم واحد بس من ايامنا سوا، مافيش حاجه خالص عملتها تخليكي تساميحني؟، حبي ليكي ولبناتنا ما يشفعليش عندك؟؟....
اجابت منة وهي تسلط نظراتها على نقطة وهمية أمامها متحاشية النظر الى عينيه اللتان تطالعانها بلهفة وشوق:
- الموضوع مش سهل يا سيف، زي ما قلت لك قبل كدا، الست دي ممكن فعلا دلوقتي تبقى مراتك....وانا مش ممكن أقبل انه يكون لي ضُرّة فما بالك لما تبقى واحده أقل حاجه تتقال عنها انها بنت ليل!، مافيش واحده بتبقى عاوزة تخرب بيتها بإيدها، لكن لما الاحساس بالأمان يضيع، ..رفعت عينيها اليه تطالعانه بنظرات وخزت قلبه وهي تتابع بحزن:
- لما الشك يبتدي يدخل حياتنا ويتحكم فيها، تبقى الحياة مع الحالة دي ساعتها مستحيلة!، أنا عارفة كويّس أوي ان الشّك هيملاني في كل كلمة هتقولها وكل حاجه هتعملها، صدقني أنا كدا بنقذ الباقي من حبنا ومن ذكرياتنا الحلوة، قبل ما تتحول بالشك والغيرة لذكريات مؤلمة والحب يتقلب لكره!....
همّ سيف بالرد عليها عندما قاطعه رنين هاتفه الشخصي هذه المرة، رفع محموله ليطالعه رقم شقيقته، عقد جبينه بارتياب وأجاب :
- ايوة يا سمية، ازيكم يا حبيبتي...
لتتكلم سمية من وسط شهقات بكائها بحزن طاغ:
- إلحجنا يا سيف يا خويْ، منعم جوز سلمى طردها بعيالها من البيت، وجال كلام واعر جوي عليك...
سيف بتساؤل وحدة:
- انتي بتقولي ايه؟، يطردها ازاي؟، وكلام ايه دا اللي بيقوله؟؟
انتبهت منة لكلام سيف فأنصتت باهتمام في حين تابعت سمية من وسط بكائها الحار:
- بيجول انك ماشي مشيْ بطّال في مصر، وان مرتك فاتتك بعد ما .......، زجرها سيف لتتابع:
- ما إيه ما تنطقي يا سمية؟...،سمية بخجل وحزن:
- بعد ما شافتك مع واحده تانية، والمصيبة انها متزوجة!!..
صرخ سيف بدهشة:
- ايه؟، انتي بتقولي ايه؟..
سمية بخوف:
- مش أنا اللي عن بجول يا خويْ، البلد كلاتها بتتحدت في الحديت ديِه، ويا ريتها جات على جد سلمى ومنعم بس!!..
قال سيف آمرا بقوة بينما قلبه يطرق بخوف بين جنبات صدره:
- ايه اللي حصل تاني يا سمية؟..وابويا الحاج سكت لمنعم إزاي؟!....
صمت رهيب قابله من الناحية الاخرى جعل قلبه يوشك عن التوقف عن العمل قبل ان تجيبه شقيقته بصوت مجهش بالبكاء:
- هُوَّ دِه السبب اللي خلاني أتصلت بيك يا سيف يا خويْ، بوي وجع من طوله يا سيف، واحنا دلوكيت في المشتشفى والدَّكتور بيجول ان حالته وعرة جوي، ابوس يدك يا سيف تيجي بسرعة، انا خايفة أحسن بويْ يـ.....، .. وسكتت لم تستطع لفظ الكلمة لتتابع بعدها بنحيب عال حتى أن منة قد سمعت صوت صياحها :
- و أُومَايْ ما بطلتش بُكا من وجْتها..
وانخرطت في بكاءها الحار، انتظر سيف قليلا ليستطيع استيعاب هذه الأخبار السيئة ثم تحدث محاولا بثّ الهدوء في نفسها:
- اهدي يا سمية، اهدي يا حبيبتي، انا جاي حالا، مسافة السكة هكون عندكم..
انهى المكالمة ونظر الى منة وهو يقول بينما اعتلى الشحوب وجهه حتى غدا يحاكي شحوب الموتى:
- أبويا يا منة..، قطبت منة في انتظار سماع باقي عبارته،
نظر سيف اليها متابع بينما يحارب عبراته التي غزته بقوة:
- ابويا بين الحياة والموت يا منة، ربنا بياخد لك بحقك وبأسرع مما تتصوري...
شهقت منة واضعة يدها على فمها خوفا وقلقا على هذا الصّرح الشامخ والد سيف والذي كان دائما يغدق عليها بحبه ورعايته ويقف بالمرصاد لأي شيء أو أي شخص يكون السبب في اصابتها بحزن أو سوء حتى وان كان هذا الشخص.. حماتها.. زوجته نفسها!!...
تحدثت منة بخوف متقطع:
- عمّي !!، وافقها سيف بهزة من رأسه بينما انهمرت الدموع تغطي وجهها ولسان حالها يقول بينها وبين نفسها:
- مش قلت لك يا سيف، اللي حصل كارثة بجميع المقاييس، وربنا يستر من اللي جاي !!...
- يتبع -
|