كاتب الموضوع :
منى لطفي
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: جوازة.. نت!!... رواية بقلمي/ منى لطفي...
الحلـقـة الـسـادسـة:
نظرت الى هاتفها المحمول الملقى بجوارها على الفراش وهو يضيء بقوة وكأنه ينهرها لتقوم بالرد على المتصل الملح الذي هاتفها لمرات لم تعد تستطيع حصرها... وقد أحرق هاتفها من كثرة الاتصال.....
صوت طرقات هادئة ولكن حازمة على باب غرفتها انتزعتها من افكارها، ثم صوت شقيقها مناديا لها، مسحت وجهها براحتيها كي تمحو أي أثر لدموعها التي فاضت بكثرة منذ عودتها من العمل برفقة اخيها والذي شاهدها وهي تنطلق خارجة من مكتب سيف كالقذيفة ولم تمهله الفرصة لسؤالها عن سبب حالتها الغريبة التي يراها لأول مرة عليها، وهى تكاد ترجوه بصوت متلهف ونظرات ضائعه أن يقلّها الى المنزل بينما يقف سيف خلفها بعد ان لحقها بسرعة صاروخية يناديها بصوت مشروخ حزين محمل بنرة غريبة من التوسل!، ولكنها لم تلق بالا اليه وحاولت التماسك وهى تطلب من اخيها الذهاب الى المنزل، فألقى احمد بنظرة متفهمة اليها مفسحا لها الطريق لتتقدمه بينما رمى سيف بأخرى متسائلة و..... مُنذرة!، في حالة ان ثبت له أن له يد في حالة الانهيار التي يراها على شقيقته الصغرى!!
توجهت منة الى باب غرفتها وأدارت المفتاح مرتين لفتحه وهى تنظر الى أخيها قائلة بابتسامة ممزوجة بشجن غريب وهى تفسح له كي يستطيع الدخول:
- اتفضل يا ابو حميد، انا عارفة انك مش هتسكت لغاية ما تعرف سبب الحالة اللي انا كنت فيها انهرده في المكتب، وبصراحه استغربت اوي لما لاقيتك ما لاحقتنيش تسألني اول ما دخلنا البيت، واقنعت ماما كمان انى تعبت من اللف مع عميلة للمكتب وشكلي اخدت ضربة شمس علشان كدا شكلي تعبان بالشكل دا!!...
دخل احمد مغلقا الباب خلفه في حين سارت هي حتى جلست على طرف فراشها ممسكة بيديها الاثنتين طرف الفراش بجوارها، تناول احمد كرسي مكتبها الصغير الموضوع أسفل نافذة الغرفة العريضة، ووضعه أمامها ثم جلس عليه ومال ناحيتها مشبكاً يديه بعضهما البعض وقال بحنان أخوي فياض:
- أنا حبيت اسيبك لغاية ما تهدي خالص، لاني عارف السبب اللي خلاكي منهارة بالمنظر اللي شوفتك بيه انهرده !!..
رفعت اليه عينين متسائلتين و متوجستين عما يعلمه فعلا عن سبب حالتها النفسية التي تواجهها لأول مرة، رفع كتفيه وأنزلهما علامة الجهل متابعا:
- هو انا طبعا مش عارف السبب بالظبط، لكن.. ممكن أخمّن!!..
لتطلق منة أنفاسها التي حبستها مغمضة عينيها ومندهشة في نفس الوقت من نفسها لخوفها من معرفة احمد بسبب حالتها وان سيف هو المتسبب الرئيسي والوحيد لما كانت عليه من شفير الانهيار!!..
ابتلعت ريقها وشردت بنظراتها التي يغشاها الحزن الى البعيد وقاطعته قائلة بابتسامة مريرة ترتسم على شفتيها الذابلتين:
- مش محتاجة تخمين!، كل الحكاية ان انت احيانا بتمر بموقف صعب عمرك ما مريت بيه قبل كدا، بيحتاج منك وقفة جامدة، علشان تهدا وتفكر وتحلل وتوصل لحل للوضع اللي حصل!!..
تطرق احمد للموضوع مباشرة:
- انت اتخانئت مع سيف؟
نفضت منة رأسها لتطاير خصلات شعرها الكستنائية اللون ثائرة محيطة بوجهها الصغير الفاتن وهى تسبل جفنيها كي لا تفضحها عيناها:
- مش بالظبط!،...،،،، تُرى أي شيء جعلها تنفي شجارها الدامي لقلبها مع سيف؟!، هي لا تعرف!، ولكن ما تعلمه فقط أنها لا تريد إشراك أخيها بالأمر، فهي ناضجة كفاية لتحل مشكلاتها بمفردها، كما أنها لا تريده ان يخسر صديق عمره، حتى لو....إنفصلت هي عن سيف!، يجب ألا تجعل أخيها يخسر شقيقه الروحي كما يحلو له تسميته!، .... ألم عميق أصاب قلبها عندما طرأ على فكرها أنها بالفعل قد وضعت كلمة النهاية بالنسبة لعلاقتها هي وسيف!، أفاقت من شرودها على صوت تذمّر اخيها الواضح وهو يقف قائلا بحيرة بالغة:
- ما هو مش معقول؟، انا شايفك بعينيا وانت طالعه بتجري من مكتبه وهو أول ما شافني معاكي كان هاين عليه يقولي ما تسمعش كلامها وتبعد!..
ابتسمت ابتسامة ساخرة صغيرة وأجابت وهى تطلّع الى اخيها المشرف عليها:
- أيه بئيت حكيم عيون حضرتك!!..
نظر اليها أحمد بجدية سائلا اياها بحسم:
- يعني سيف مالوش يد في حالتك الغريبة دي انهرده؟
أجابت منة بتلعثم طفيف وهى تهرب بعينيها من نظراته القوية:
- انا قلت لك يا احمد مش بالظبط!، عموما أنا اعرف احل مشاكلي ازاي، وبعدين إنت ليه مُصرّ انك تعرف؟، سيبني لغاية ما أرتب أفكاري وصدقني انت أول واحد هقوله، كل الموضوع انى عاوزة اعتمد على نفسي ،انا مابقيتش طفلة يا احمد أي حاجه تحصلها تجري على اخوها الكبير تشتكي له!!
اجاب أحمد بحزم:
- طيب تقدري تفهميني سيف تحت في عربيته بئاله اكتر من 3 ساعات ليه؟؟..
أصابت الدهشة منة وقالت بغير تصديق:
- إيه؟، سيف تحت في عربيته؟...، قبل ان تنهي سؤالها كان أخيها يهز برأسه ايجابا ويقول متنهدا بعمق:
- ايوة يا منة، مرابط تحت البيت، ولا راضي يطلع ولا يفهمني فيه ايه!، كل اللي طالع عليه خليها ترد عليا!، خليها تكلمني!، أنا عمري ما شوفت سيف منهار زي انهرده!، ثم عقد جبينه متسائلا:
- هو ايه اللي حصل بينكم بالظبط؟!....
أجابت منة بجمود بينما خافقها الأحمق كاد ان يطير من بين جنبات ضلوعها خوفا على من تسبب في هذه الفوضى التي تعيشها مشاعرها الخائنة:
- خليه يطلع يا احمد، بس ارجوك مش عاوزة بابا وماما يعرفوا حاجه لغاية ما يمشي، قولهم انه جاي يزورني وبس، نظرت اليه بعينين محملتين بالرجاء وهى تتابع:
- أرجوك يا احمد!!...سيبني أتصرف لوحدي وصدقني لو معرفتش هجيلك واحكي لك واطلب منك تدخل، زفر أحمد عميقا وقال وهو يوميء باستسلام:
- حاضر يا منة، زي ما انت عاوزة، وفي أي وقت عاوزة تتكلمي تأكدي انى هسمعك كويس أوي، أنت مش اختي وبس...لأ، انت بنتي كمان يا منون!!، بس اوعديني يا منة... اوعديني أنك لو حاسيت انك لو مقدرتيش فعلا توصلي لحل للموقف اللي بينكم انك هتصارحيني، انا اخوك قبل ما اكون صاحبه، وانتم الاتنين غاليين عندي، ويهمني مصلحتكم انتو الاتنين!!..
هزت منة رأسها بالايجاب...، تقدم منها احمد وأخفض رأسه مقبلا جبينها بحنان أخوي، ثم طالعها بابتسامة وهو يقول:
- ياللا، قومي كدا اغسلي وشّك ورتبي نفسك وانا هكلمه يطلع...
ثم انصرف مغلقا الباب خلفه في حين تسمرت نظرات منة الى البعيد وهى تدعو الله أن يلهمها الصواب...
*************************************************
كاد سيف أن يعانق أحمد فرحاً ما ان فتح له الاخير الباب، فهو لم يصدق أذنيه عندما هاتفه أحمد داعيا اياه للصعود الى المنزل مخبراً ان منة قد وافقت على الجلوس اليه...
تركه احمد بعد ان أتى له بكوب من عصير الليمون الطازج وهو يقول بهدوء:
- بص يا سيف انا معرفش ايه اللي حصل بينكم بالظبط، منة مش عاوزة تحكي، لكن تأكد انى هبقى في صف اختي، لاني واثق ومتأكد انها أبدا مش متسرعه،وبتفكر كويس اوي وعقلها سابق سنها، وبالتالي أي قرار هتاخده هتلاقي الدعم الكافي من عيلتها ليه!!، ثم استأذن منصرفا، تاركا اياه عرضة لقلق عظيم ينهش روحه خوفا من حديث احمد...
قابلت منة والدتها قبل دخولها الى سيف، اقتربت منها امها ووضعت يدا حانية على وجنتها وهى تقول بحنو:
- منون حبيبتي، انا أمك...واكتر واحده فاهماكي، انا عارفة ان الموضوع مش حكاية ضربة شمس زي اخوك ما قال، وان وجود سيف دلوقتي في اللحظة دي وفي الحالة اللي انا شوفته عليها لما دخلت أسلم عليه... بيقول انه اكيد حصل بينكم زعل، بصي حبيبتي ... الزعل والخصام هما دول الملح والفلفل بتوع الجواز، عاوزاكي تفكري بعقلك كويس اوي، مافيش حد كامل يا منة، كلنا فينا اخطاء، فلازم نتعلم ازاي نتقبل الطرف التاني بعيوبه قبل مميزاته طالما عيوبه دي مش حاجه اساسية، بمعنى مش عيب في الاخلاق!، لانه دا العيب الوحيد اللي مينفعش الواحد يتعامل معاه أو.... يتجاوز عنه!!....
كانت كلمات أمها لا تزال تتردد في أذنيها عندما دخلت غرفة الجلوس حيث يجلس سيف منتظرا كمن ينتظر حكما بالاعدام كما وصفه شقيقها ممازحا في محاولة منه لكسر جمودها الواضح، بينما نظر اليها والدها بعمق وهو يهمس لها قبل ولوجها الى الداخل:
- تأكدي يا منة أنى معاكي في أي قرار هتاخديه، بس بشرط تحكمي عقلك كويس، لان الحالة اللي فيها خطيبك دي مش حالة واحد فيه سوء تفاهم بسيط او زعل خفيف بينه وبين خطيبته...لأ!، دي حالة واحد يائس و....خايف!، ربنا يهديكي حبيبتي....ويصلح لكم الحال......
ولجت منة بخطوات بطيئة، رفع سيف رأسه بلهفة فهو عرف بحاسته أنها معه في ذات الغرفة من قبل أن يراها!، فقد تغير الهواء المحيط به، وانتشرت ذبذبات في الجو، ونبض قلبه بعنف بين جوانحه،هتف واقفا ما أن أبصرها حقيقة ملموسة تقف أمامه بكامل هيئتها التي تثير جنونه وولعه بها:
- منة.....، نظرت اليه بخواء تام، ابتلع ريقه بصعوبة، وقال بصوت خرج متحشرجا بالرغم عنه:
- مش بتردي على اتصالاتي، كنت ناوي أفضل تحت البيت ان شالله حتى لبكرة الصبح، بس لازم كنت أشوفك!!...
نظرت منة الى البعيد متحاشية النظر الى عينيه اللتان تغشاهما نظرة استعطاف وتوسل غريبة على شخص بقوته!، قالت محاولة التماسك وبهدوء لا يشي بداخلها المفكك:
- وانا أهو، يا ترى فيه حاجه تانية نسيت تقولها، أو...، وحانت منها التفاتة اليه لتتابع بسخرية لم تستطع تفاديها:
- أو حاجه شوفتها او عرفتها جاي تواجهني بيها؟!!، كادت شهقة ان تفلت منها ما ان ابصرت وجهه، لم تكن قد طالعته لحظة دخولها اليه، انه أبدا ليس بسيف الذي تعرفه!، فالآخر كان دائما بكامل أناقته وهندامه المثالي، بينما من تراه أمامها الآن فبعيد كل البعد عن أي أناقة أو مثالية!، كان شكله يوحي بالساعات العصيبة التي مرت عليه، فعيناه حمراوتين وشعره مشعث بقوة نتيجة تمريره لأصابعه فيه عدة مرات، وهندامه غير مرتب، فربطة عنقه محلولة وسترته مليئة بالكسرات نظرا لطول جلوسه في السيارة، وأزرار مقدمة قميصه محلولة حتى منتصف صدره العضلي، حتى أن شعيراته السمراء التي تغطي هذا الصدر القوي كانت ظاهرة للعيان....
هربت بنظراتها بتردد خجل من منظره المزري ولكنه لم يفقد في نفس الوقت جاذبيته الطاحنة، حتى أن شعيراته البارزة من خلف القميص كانت وكأنها تستفزها كي تمد يدها ممسدة لها بأصابعها البيضاء الرقيقة!!، هتفت بداخلها وهى تشيح بنظراتها بعيدا عنه بقوة" رباه .. ماذا يحدث لي؟، لم يحدث أن نظرت الى رجل مهما بلغت درجة وسامته بتلك الطريقة من قبل؟، لما هو مختلف؟، لما لم أصارح أحدا من أهلى باتهامه إياي بالعبث من وراءه؟، وانا على يقين أنه لو أن أبي أوأخي علم بما رماه في وجهي من اتهامات باطله فذلك كفيل بانهاء ارتباطنا في التو واللحظة والى أبد الأبدين؟!"، أفاقت من شرودها على صوته وهو يقول بينما ابتسامة رجاء صغيرة ترتسم على فمه القوي الحازم فيما يشير بيده الى الاريكة العريضة:
- ممكن نقعد طيب الأول؟!،
هزت رأسها في صمت بالايجاب وجلست على أقصى طرف من الاريكة ليجلس هو على ذات الاريكة ولكن في أقصى الطرف الآخر!..
تحدث محاولا بث الهدوء في صوته، فيكفيه أنها هنا الآن بين ناظريه، تستمع اليه وان كانت تشيح بعينيها الرائعتين عنه، ولكن وجودها معه يكفيه حاليا وهو كفيل بأن يجعل عيناها تراه بل وترى آيات عشقه السرمدي لها والذي يصرخ به كل إنش في جسده الحيّ!...، تحدث قائلا:
- منة عاوزك تسمعيني كويس من غير ما تقاطعيني، وبعد كدا أنا مستعد أسمعك لغاية ما تقولي كل اللي عاوزاه، لم ينتظر ردها وتابع قائلا وهو ينظر امامه الى نقطة وهمية بينما تسترق هي النظر اليه:
- أنت عارفة انى ولد وحيد على اربع بنات، انا اخوهم الكبير، والدي رباني من صغري على اني راجل البيت، لما كان بيضطر انه يسافر كان دايما بيقول لي أنه مسافر وسايب راجل وراه، يمكن من وانا عمري سبع سنين، ما افتكرش انى لعبت زي الاولاد اللي في سني، وانا اساسا كنت بحب أرافق والدي في كل مكان بيروحه، وكبرت وشخصيتي تبلورت اكتر وبئيت جد اكتر، مش هقول انى كنت مقفل،...لأ!، لكن ما كنتش بؤمن بالحب والحاجات دي ، كنت راسم لنفسي انى لما افكر اتجوز هختار واحده تناسبني وتناسب عيلتي، لما خلصت ثانوية عامة وجبت مجموع كبير يدخلني كلية الهندسة هنا في مصر، صمتت انى اتابع تعليمي هنا، ووالدي وافق، وسكنت هنا في شقة لوحدي، كنت شايل مسؤولية نفسي، وساعدني في كدا خالتي اللي عايشة هنا، عمر كان اصغر مني بـ 3 سنين، بس كنا قريبين من بعض، اتعرفت على احمد عن طريقه، انا كنت في اخر سنة وهما في سنة تانية، قابلت طبعا بنات كتير في الجامعه، نظر اليها مطلقا بسمة صغيرة وهو يقول في حين أرادت هي أن تصرخ به مطالبة اياه بعدم ذكر أي صفة مؤنث أمامها!، تابع متفكّها بغية اضفاء طابع المرح على حديثهما لكسر حدة الموقف بينهما:
- انا طبعا عارف انى وسيم، وكانت بنات كتير اوي تحاول تلفت انتباهي ليها، وانا بصراحه مش قفل!، لكن عمري ما انسقت ورا أي علاقة، ولا مشاعري استجابت لاي واحده كانت شايفة فيا عريس مناسب، يعني شاب وسيم ومن عيلة كبيرة في الصعيد، علاقاتي كانت كبيرها كوباية عصير في كافتيريا الكلية بس!!، لم تستطع منة منع نفسها من النظر اليه بدهشة بينما تابع هو ببساطة قائلا:
- آه!، مستغربة ليه؟!، المهم..... اشتغلت في اكتر من مكان، بقه عندي خبرة كويسة ، والدي اداني الشقة اللي هي المكتب دلوقتي كهدية تخرج، أجلت ان اشتغل لنفسي لغاية ما اكتسب الخبرة اللازمة، اتخرج عمر واحمد وفي مرة عرضت عليهم يشاركوني، وفعلا... فتحنا المكتب وابتدينا نشتغل سوا، حاسيت انهم اخواتي بجد، وكان اهلي في الوقت دا ابتدوا يضغطوا عليا علشان اكمل نص ديني على رايهم، لغاية ما كنت راجع في مرة من البلد بعد ما نقاش وجدال كبير مع والدي وشبه تهديد منه انى لو ما اخدتش خطوات جادة في موضوع الجواز دا، انه هو اللي هياخدني من ايدي ويروح يخطبني للي هو يختارها!!، طبعلا يومها كنت شايط، ورجعت ع المكتب على طول ، كنت محتاج انى أفضفض مع احمد بالذات، بحس انه على أد ما هو مرح لكن عقله يوزن بلد، وفي وسط دا كله ...، ابتسم ناظرا اليها بحب جعل اللون الاحمر ينتشر في وجنتيها وأشاحت بنظرها بعيدا في خفر وأرتباك، بينما تابع هو بصوت خافت أجش:
- وسط دا كله دخلت نسمة طريّة، خلتني غصب عني ألتفت ليها، ومن ساعه ما شوفتها وانا حاسيت ان حالي وكياني كله اتشقلب، وانى مش هرجع زي الأول الا اذا قدرت أفوز بيها!..
اقترب قليلا منها في جلسته وقال بلهفة:
- كل ما كنت بشوف حد حواليكي او جنبك كنت بتجنن!، عرفت الخوف لأول مرة في حياتي!، خوفي أنى أفقدك!، لما سمعت عمر بيمدح شغلك وبيقولك تشتغلي معاه في فريق لوحدكم كنت عاوز ساعتها أصرخ فيه وأقوله منة مش ممكن تكون مع حد غيري، حتى لو شغل!، ولما سافرنا السخنة...وشوفت سماجة اللي اسمه طارق دا.. كان هاين عليا اضربه لما لمحت نظراته ليكي، انا عارف ومتأكد انك بريئة، وانك متعرفيش معنى نظراته دي ايه، ودا اللي جنينني، ومقدرتش أستحمل، صممت ان احمد يخليني أفاتحك في الموضوع، انا كنت مصارحه من الاول ، بس قلت تاخدي فرصة تعرفيني كويس قبل ما اتقدم رسمي، لكن خفت...، لاقيت انك ممكن تروحي من ايدي، اقترب أكثر منها حتى لم يعد يفصل بينهما الا انشات قليلة واستمرت على تحاشيها النظر اليه بينما لفحتها أنفاسه الثائرة وهو يميل عليها متابعا بيأس قاتل:
- لما شوفتك نازلة من العربية، غيرتي عمتني، ما شوفتش قودام عيني غير اللون الاحمر بس، كنت عامل زي التور الهايج، ما بين انى عاوز أنزل أضربه لغاية ما أخلص عليه، وبين أنى عاوز أخطفك من قودامه ومن قودام أي راجل تاني، منة...أنا...أنا بحبك!، بحبك الحب اللي كنت بسخر منه!، بحبك الحب اللي عمري ما آمنت بيه، انتِ ماتتصوريش عملت فيا ايه؟، انت سحرتيني ببراءتك وخفة دمك، لما اتخطبنا ملاني خوف من نوع تاني!، كنت خايف أحسن تراجعي نفسك وتلاقيني أنى مش فارس الاحلام بتاعك!، انا عارف انى جد شويتين وشخصيتي مثلا مش زي شخصية احمد اللي انا بحسده على ارتباطك الكبير بيه!، نزولك انهرده من العربية قودامي ولما شوفت طارق خلتني أحس أن أسوأ كوابيسي بتحقق قودامي، وانك هتسيبيني، وانا... مقدرش...مقدرش أسيبك يا منة، انت خليتيني أحس انى عايش فعلا، شقاوتك وضحكتك وعينيكي اللي بتوه لما بشوفهم، يمكن انا أكبر منك ب 8 سنين، لكن انت عقلك أكبر من سنك بكتير، قدرت تعملي اللي مافيش واحده قدرت تنجح فيه!، نظرت اليه منة بتساؤل لم يتجاوز شفتيها ليجيبب عن تساؤلها الصامت بهمس مبحوح:
- خلتيني أحبك لدرجة اني أحس ان روحي مش بتترد جوه جسمي الا معاكي، عارفة يوم خطوبتنا لما اعترضت على كتب الكتاب وقلتيلي اننا اتفقنا ان الخطوبة لو ما اتفقناش فيها كل واحد يروح لحاله، ساعتها حاسيت انك لو بعدت عني هموت، أصريت على كتب الكتاب علشان أقدر أنقلك ولو جزء بسيط من احساسي بيكي، منة ...أرجوك.. ما تسيبينيش، انت متعرفيش انت ايه بالنسبة لي؟، انا من غيرك أموت...أموت يا حبيبتي!!....
لم تستطع منة منع دموعها من النزول، لقد مسّ صوته شغاف قلبها، استشعرت الصدق في نبراته، ولكن الجرح لايزال طريا وعميقا ، تكلمت من بين دموعها الصامتة وعيناها مليئة بعتاب ممزوج بألم جعلته يخنق آهة أسف وندم لتسببه في الحزن الذي أصاب معشوقته، فهو سبب هطول هذه الالماسات اللامعه على وجنتيها المرمريتين، وسمعها وهى تقول بصوت مخنوق ببحة البكاء:
- بس اللي يحب حد ما يجرحوش!، ما يهينوش!، ما... ما يكسروش يا سيف!!، لتفقد السيطرة على نفسها وتنهمر في بكاء حاد، دافنة وجهها بين يديها، بكاءا قطع نياط قلب سيف ولم يستطيع معه الوقوف جانبا فاحتواها بدون شعور بين ذراعيه وهو يكرر هاتفا:
- أنا آسف، آسف، آسف، اعملي أي شيء، اطلبي مني أي حاجه، الا انك تبعديني عنك، انت كدا بتحكمي عليا بالاعدام يا مُنايا، أنا مستعد لأي شيء الا انك تبعدي عني، أرجوكِ....
هدأت نوبة بكائها قليلا وسط توسلاته العميقة، وانتبهت الى ذراعيه اللتان تحوطانها، ابتعدت بتردد، محاولة دفعه براحتيها الصغيرتين واللتان ما ان لمستا صدره حتى شعرت بمضخة عملاقة تضخ تحت يديها وهدر الدم في أذنيها عاليا لملمس صدره الصلب لراحتيها الطريتين، قالت وهى تشيح بنظرها بعيدا في تلعثم وارتباك واضح:
- أنا مش... مش عارفة أفكر كويس، ممكن تسيبني لغاية ما أهدا؟!، أمسك سيف بيديها مثبتا اياهما على صدره وقال بقوة:
-اهدي براحتك، وخدي الوقت اللي انت عاوزاه، بس واحنا سوا، مع بعض...، لأني بالتأكيد مش هسمح لأي حاجه تفرقنا او تبعدنا عن بعض...
رفعت عيناها المبللتين بالدموع اليه وقالت بخفوت:
- مش هينفع!، لازم أخد القرار وانا بعيد عن أي ضغوط...
لم تعلم أي صورة جذابة كانت ترسمها امام عينيه الشغوفتين، برموشها المبللة وأنفها الاحمر من شدة البكاء وشفتيها النديتين من كثرة قضمها لها بأسنانها اللؤلؤية الصغيرة كعادتها دائما، بلع ريقه بصعوبة وهو يحارب نفسه كي لا يقوم بما يموت شوقا اليه!، ركز بصره على شفتيها وقال بصوت أبح للانفعالات التي تمور بداخله والشوق الذي ينخر جسده مطالبا اياه باشباع توقه القاتل اليها، قال وانفاسه الساخنة تلهب بشرتها الحليبية:
- على جثتي انك تبعد عني!، كتب كتابنا في معاده، وصدقيني لمصلحتك انت قبل أي حاجه، انا خلاص صبري نفذ...، اعملي فيا اللي انت عاوزاه بس وانت شايله اسمي، أنا راضي بأي ترضية تقولي عليها، انما كتب الكتاب هيبقى بعد بكرة في المعاد...، أنخفض صوته حتى غدا كالهمس بينما نبراته جعلت الدماء تجري ساخنة في عروقها:
- مفهوم يا منة؟!، لم تستطع سوى الايماءة برأسها ، ثم تملّصت من بين يديه ليترك يديها على مضض، وقفت ما أن فك قيدها وكفكفت دموعها براحتيها الدافئتين لأمساكه بهما ، وقالت بكل ما أوتيت من قوة قبل ان تركض منسحبة من أمامه:
- كتب الكتاب في معاده .. اوكي، لكن من هنا لغاية كتب الكتاب ما فيش تليفونات ولا مقابلات، ودي أول حاجه، لغاية ما أفكر في باقي العقاب هيبقى ازاي!!، ثم ركضت سريعا من امامه تاركة اياه غارقا في ذهوله، فهذه المشاغبة الصغيرة قد علمت أي سلطانٍ لها عليه!، ومن الواضح أنها تنوي السير في الانتقام منه حتى النهاية!، ولكن.....ليس مهماً!، طالما انها في النهاية ستكون أمرأته هو و...بين يديه!، وسيعلّمها كيف يكون الحب؟،سيكون أستاذها في تعليمها أبجديات العشق، بل سيجعلها تتنفسه عشقا تماما كما يفعل هو!!......
**************************************************
|