بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء السادس
-
وتبقينَ سرًا
وعشًا صغيرًا
اذا ما تعبتُ أعودُ اليه
فألقاكِ امنًا اذا عادَ خوفي
يُعانق خوفي
ويحنو عليه..
*فاروق جويدة
-
-
المملكة العربية السعودية – الرياض
لفتتها نظرته الباهتة
وكأنّه رأى شبحًا !
دفعته جانبًا ومرّت لتدخلَ المنزل
وهي تأمره بجفاءٍ مبحوح
: دخّل الجنطة
,
تشعرُ انّ انفاسها مضطربة طوال اليوم
وازداد اضطرابها حين فُتحَ بابُ المنزل
كانت تشمُّ رائحة !
رائحةً لا يمكن لمخلوقٍ ان يشعر بها
نهضت وهي تكادُ تسقطُ مغشيًّا عليها
قالت والدتها مستغربة
: وش فيك ؟
لم تجبها وهي تهمّ بالخروج الى الممر المؤدي الى باب المنزل مباشرةً
نهضت والدتها بسرعة
: يا بنت لا يكون رجا....
ذابت الأحرف من هولِ ما رأت
حتّى انّها نسيت امرَ ابنتها
التي شهقت شهقةً غريبة
ليست مصدومة
ولا مرعوبة
شهقةَ من وجدَ الحياة !
نظرت بشحوبٍ الى الفتاة
نسخةٌ حقيقية من ابنتها الوحيدة !
نسخةٌ شعرت انّها تريد ان تدخلها الى داخلها !
شعرت انّها مشتاقةٌ اليها !
اتّكأت " النسخة " الى جانبِ البابِ وقالت ساخرة
: الله بالخير !
ارتدت من الجسد الذي سقط عليها
الذي لم تلحظه لأنّها كانت تنظرُ الى " الأم "
آلمتها روحها وهي تشعر بعناقِ الأخرى الشديد
ابعدتها قليلًا لتنظرَ الى وجهها
رأتها
اغمضت عينيها بوجعٍ فُرضَ عليها
تركتها تعانقها
وعجزت من ان ترفعَ ذراعيها لتبادلها
سقطت المرأة ارضًا , وهي تتفّس بصعوبة
اسرعَ اليها ذاتُ الشّاب
قال بفزع
: يمه !
تمسّكت به , قالت وهي تنفثُ الاحرف نفثًا من روحها
: بنتي !
قال بغضب
: وش بنتك ! تشبه سـنـا صارت بنتك ما شالله !
,
,
المملكة العربية السعودية – الظهران
العاشرة مساءً
رمَى التحفةَ الزجاجيّة ارضًا , وصرخ
: اطلعي من راسي
قالت بحدّة
: الحين تقول لي وش فيك
التفت اليها يكادُ يقتلها
: انقلعي من قدّامي , انقلعي لا اذبحك
قالت بجمود
: عشتو ! متعودين
تجاهلها
لتقول بجديّةٍ كبيرة
: اقسم بالله ان طلع بحياتك حرمة , بذلّك انت واهلك وعشيرتك كل ابوها – بتأكيدٍ قالت – بروحي , قبل لا اسلّط عليكم ابوي , والله لا اسحبك على وجهك تسحيب يا ضاري
تركته وخرجت من الغرفة
لينهض هو الآخر ويخرج من المنزلِ خلسة
دونَ ان ينتبه اليه الحرس والمرافقين
ركِب سيّارته الصغيرة
وابتعد عن المنزل
لم يسر كثيرًا
ليقف بجانبِ قصرٍ آخر
دخل اليه بهدوء
الى صالةٍ ضخمة , نصفها صالةُ طعام
والنصف الآخر للجلوس
كانا يجلسانِ الى طاولةِ الطعام
اقترب وقال بهدوء
: السلام عليكم
رفعا رأسيهما , وردّ اكبرهما
: وعليكم السلام
قبّل رأسه
: شلونك يبه
: الحمد لله , وش فيك ؟
لم يجبه , وجلس بجانبِ الآخر
امسكَ بكفّه بحنوْ
قال برفق
: رائد , شلونك حبيبي
كانَ ينظرُ الى عينيه بصمت
مسح على وجنته , وقال هامسًا
: ليتني مكانك
سأله والده
: ضاري صاير معاك شي ؟
بهدوءٍ اطعم شقيقه , وقال
: مو صاير شي
قال والده بالحاح
: لا تكذب
لم يجبه
ليسأله والده بعصبيّة
: متهاوش مع رشا ؟
فقد اعصابه وهو يرمي الصحن ارضًا
نهض وصرخ حتّى انتفخت اوداجه
: وش بيصير ان تهاوشت مع بنت الكلب رشا ؟ وش بيــصــيــر !
نهض والده وصرخَ هو الآخر
: هذاك تقولها بنت الكلب , يعني بتعلم الكلب ابوها وبتهد هالبيت على روسنا
رفسَ احدَ المقاعد , وصرخ ببحّة
: اظل تحت امر رشا ومزاج رشا عشان هالبيت لا ينهد على روسنا
سحبه والده من قميصه , وقال من بين اسنانه
: عشان اخوك يا اناني
حينها التفتا الى رائد
الذي كان يرتجف وهو يمسكُ باذنيه
وتنفّسه مضطرب
انحنى اليه ضاري وعانقه فورًا
: ششش , تمام تمام ما في شي , رائد , رائد طالعني ما في شي
مسح والده على شعره بحنوْ
: حبيبي رائد , ما في شي انا وضاري نلعب ما في شي
زفرَ ضاري بتعب , مرّت ثوانٍ ليبعد شقيقه عن صدره
نهض , قال دون ان ينظرَ اليهما
: تصبحون على خير
خرج من المنزل , وعقله الباطن سيّره الى الخبر طوعًا !
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
ابتعدت عنها , وحينها اطلقت آهًا مرتاحة
حينها فقط وجدت دواءها , ترياقها , وحلّ سُقمها
اعتدلت غِنا في وقفتها , متجاهلة سنا التي ترغبُ بشدّة ان تظلّ معانقةً لها
قالت لأم عبد الوهّاب المنهارة على الأرض , بسخريةٍ مرّة
: شفيج يبا ؟ عاد بصدق انّج وايد متأثرة
نهض عبد الوهّاب , قال بحدّة وهو يتجنّب النظرَ اليها
: من انتي ؟ وش تبين ؟
قالت بحدّةٍ هي الأخرى
: انا غِنا بنت عايد العوض , اختك بنت عمّك خالتك يدّتك , ما ادري , المهم انّ هالبنت – أشارت ناحية سنا – توأمي , وعندكم عيوز يمال قبرها بالضيج , عطتني وانا ما كملت حتّى يوم , بدون شور وبدون اذن
اغمضت العجوز عينيها بحرقةٍ كبيرة
لم يكُن احدٌ قد انتبه الى وجودها في زاويةِ الغرفة
صرخ بها وهو مصدوم
: على كيفك الشغلة ! الدنيا فيها قانون فيها انضباط , ما في احد يدق الباب على احد ويقول انا ولدكم – باشمئزازٍ قال – انتي مقتنعة انّ وحدة بخلقتك تكون بنتنا !
صرخت فيه بحدّةٍ مجروحة
بوجعٍ عميق , تخفيه بالصراخ والاستهزاء
: لو ما عطيتوني ولو ربّيتوني مع بنتكم , ما كان هذا شكلي الحين , ما وصلت لهالحال , عيوز قريح عطتني ولو كانت عايشة الحين جان انتقدتني على شكلي وتصرفاتي , وتبري نفسها ولا جنها اهي اللي اجرمت فيني
قبل ان يجيبها عبد الوهّاب
وقفت سنا في وجهه , وفي ظهرها غِنا
قالت ببحّة
: عبد الوهّاب هذه اختنا , اختي واختك واخت عبد المحسن , انا احس , هذه علّتي ودواي , ماهو صرع ولا مس ولا مرض ولا عين اللي كان يشيلني ويهبدني ويخنقني , هي , توأمي
قال بلا تصديق
: سنا وش تخربطين ! ما لك توأم انتي
نهضت جدّتي المنهارة
قالت بتعبٍ وحسرة
: صدقت يا وهّيب , هذه بنت عايد , توأم سنا
التفتوا اليها بصدمة
اعترفت دون سؤال !
دونَ ان يشكّوا بها اصلًا !
ظنًّا منهم انّها منزّهةٌ لا تخطئ , وبأنّ غِنا مجنونةٌ كاذبة !
ارتخى كتفيْ غِنا , قالت ببحّةٍ عميقة , وبخيبةٍ كبيرة
: ظنّيتج متّي وخذيتي ذنبي معاج , امثالج ما يموتون , امثالج يظلّون بهالدنيا , الدنيا ما تظلْ سيئة بدونكم
تأوّهت الجدّةُ ولم تجبها
من خلفِ غِنا شعرت بحركة
التفتت , رجلٌ في أواخر الخمسين
نظرَ الى العجوزِ بخيبةٍ وانكسار
ودون ان يهمسَ بحرفٍ خرج من المنزل
نهضت ام عبد الوهّاب تتوكأ الجدار , مرّت بجانبِ غِنا
نظرت اليها طويلًا
قبل ان تنكسرَ نظرتها وتصعدَ الى الأعلى
دخلت غِنا ببرودٍ ظاهري
خلعت العباءةَ التي ازعجتها
وجلست على الأريكة
لتمرّ العجوز من امامها , وتخرجَ هي الأخرى من الغرفة
قالت غِنا ساخرة
: اي روحي روحي , يا حظّي حرمة بكبرج ما تعرف غير سيادتها ! وانتي فاضية اتّبرَعين بعيال خلق الله !
,
,
المملكة العربية السعودية – الخبر
الحاديةَ عشرةَ والنصف مساءً
نهضت بقلقٍ وقالت
: لحظة
انتقلَ قلقها الى سُلاف التي لاحظت ملامحها
ابتعدت عنهم واجابت بخفوت
: نعم !
قال بهدوء
: طال عمرك عندك ضيف
: من هالضيف في ذا الوقت ؟
نظرَ اليه , جسده مائلٌ الى سيارته
نظره شاردٌ في الأرض
وبين اصبعيه سيجارة
قال بهدوء
: ضاري القيلاني
فتحت عينيها بصدمة
: مين !
اعاد عليها بوضوح
: ضاري القيلاني
ازدردت ريقها
رفعت كفّها تعيدُ خصلَ وهمية خلف اذنها
ثمّ قالت بشيءٍ من الارتباك
: قول له ما اقدر اقابله في ذا الوقت , بكرة مدير اعماله ياخذ موعد من رويدة ويرتبون لقاء
نقلَ كلامها اليه
ليقترب منه ويأخذ الهاتف
قال بنبرةٍ لامست قلبها
: وجْد ابي اشوفك
صمتت لثوانٍ طويلة , ثم قالت برجفةٍ بسيطة
: اوكي , تفضّل للجلسة الخارجية
انزلت الهاتف
سألتها سُلاف مستغربة
: وجْد صاير شي ؟
التفتت اليها بارتباك
: لا , شغل مستعجل , الحين ارجع
التفتت الى ثريا
: عبايتي بسرعة
اسرعت ثريا الى خزانةٍ عريضةٍ , اسفلَ الدرج
معلقةٌ داخلها عباءات ومعاطف , سحبت عباءة وعادت الى وجْد
التي ارتدتها على عجلٍ واحكمت الحجاب على رأسها
وخرجت
تبعتها احدى الخادمات
لتشيرَ لها ان تعود
اقتربت من الجلسة الخارجية
رأت ظهره , يجلسُ على احد المقاعد
قال محمّد كبيرُ الحرس
: يحتاج اكون معك ؟
: خلّك قريب
ظلّ قريبًا من الجلسة , يراهم , ولا يسمع حديثهم
سمعَ صوت كعبها , والتفت واقفًا
اقتربت وهي تشدُّ على عباءتها حولها
بنبرةٍ حاولت ان تقسّيها
: تفضّل مستر ضاري ؟
ظلّ ينظرُ اليها بصمت
لتقول وهي تحافظ على اتّزانها ما استطاعت
: جاي تناظرني ؟
ابتسم وقال ببساطة
: وش بيكون غير كذا !
صمتت , ليقول بابتسامةٍ خاملة
: وجهك يجيب العافية
رغمًا عنها ضحكت , وهي تشيحُ ببصرها عنه
جلس , وقال
: نعقد اتّفاقية ؟
نظرت اليه بصمت
قال
: نصير اصدقاء ؟
رفعت احد حاجبيها
: اصدقاء ؟ انا وانت ؟
بابتسامةٍ جميلة قال
: ما بتندمين
تنفّست بعمق , ثمّ قالت بخفوت
: شتبي ضاري ؟
قال بتفكير
: يمكنّك اوّل انثى تنطق اسمي صح
عقدت حاجبيها بعدمِ فهم
قال وهو يخرج هاتفه
: افهمك
فتح محادثةَ زوجته , واحدى المقاطع المرسلةِ منها
" ذاري لا تطوّل بنتظرك تحت "
الضاد المرقّقة جدًّا اصبحت ذالًا
والاف كسرت لتميل الى الياء
والرّاء الطبيعية , اصبحت مضحكةُ من شدّة ترقيقها
والياء مُدّت لتصبح اثنتان
ضحكت رغمًا عنها , ليزفر بمللٍ وهو يعيد هاتفه الى جيبه
: وامثالها كثر , الموظّفات والعميلات واي حرمة اصادفها تقريبًا
قالت بجديّة
: اوكي ضيعت السؤال ودخلت لي بمداخل ما تهمني....
نهض فجأة لتصمت وترتد خطوة
قال بنبرةٍ غريبة
: اعتبريني فهد , اعتبريني ذا الجدار اللي موظفته يحرس بيتك , اعتبريني السوّاق اللي يودّيك كل مشاويرك , اعتبريني موظّف تتعاملين معاه كل يوم
بخفوتٍ قالت
: ليه ؟
: عشان اقدر اتكلّم معاك
باصرارٍ قالت
: ليه ؟ ليه تكلمني
صمتَ لثوانٍ , ثم اشاح ببصره عنها , وقال
: قلت لك نصير اصدقاء
صمتت لثوانٍ طويلة
ثمّ قالت
: اوكي
التفتَ اليها , زفرت من نظرته
قالت برجاء , وقد انهكها !
: خلاص ضاري روح بيتكم الوقت متأخّر
بخفوتٍ قال
: تصبحين على خير
لم ينتظر ان تجيبه
اولاها ظهره وسار خارجًا
ظلّت تنظرُ اليه وهو يسير
كانَ طويلًا , جسده عريض
عينيه حادّتان , وسمرته ملفتة
له ابتسامةٌ وديعة , تناقضُ نبرته الثقيلة
ونظرةٌ لطيفة , واخرى حادّة
زفرت وهي تفركُ عينيها
اقترب منها محمد
: طال عمرك تفضّلي للبيت
نهضت , وقالت بامتنان
: يعطيكم العافية
ابتسم بهدوء , وانتظرَ دخولها الى المنزل
دخلت واقتربت الخادمة لتأخذ عباءتها عنها
اقتربت سُلاف منها , قالت بلا تصديق
: وجْد وش تسوّين !
التفتت اليها مستغربة
: وش اسوّي !
: وش ذا الرجال اللي جاي للبيت هالوقت ؟
صمتت لثوانٍ , ثمّ قالت وهي تهرب بعينيها عن سُلاف
: شريك....
قاطعتها سُلاف بغضب
: ماهو كفاية علاقتك المبهمة بفهد ؟ قالت صديق ! وين عايشين احنا !
وجْد واحتدّ صوتها
: بحكم سفراتي وثقافاتي....
قاطعتها سُلاف مجدّدًا
: انتي مسلمة وجْد , مـسـلـمـة , ما في ثقافة ولا عُرف ولا انفتاح وتقدّم بالعالم يحكمك كثر دينك , في دينك ما في قطعيًا علاقة بين رجل وامرأة من غير المحارم الّا النكاح الشرعي , طلعتي لي بذا الرجال اللي واصل للبيت بعد !
قالت وجْد بهدوء
: تطمّني ما سوّيت شي غلط , في النهاية لي اسمي وسمعتي
بصبرٍ قدر المستطاع قالت سُلاف
: لا تقوليلي اسمي وسمعتي , قولي ديني , قولي خوفي من ربّي
ظلّت وجْد صامتة
لتتركها سُلاف الغاضبة وتصعد الى غرفتها
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثانيةَ عشرة وخمسةَ عشر دقيقة بعد منتصف الليل
التفتت باستغرابٍ ناحيةَ باب المنزل , ثمّ الى شقيقها
: سمعت صوت الباب ؟
نهض وقال
: سمعت
اتّجه الى الباب , وقال بعقدةٍ بين حاجبيه
: عبد الله ! خير فيك شي ؟
زفر وهو يدخلُ الى غرفةِ الجلوس
جلس , لتجلس بجانبه متسائلة
: صاير شي ؟
قال بهدوء
: بروح للجنوب
قال غيث بذهول
: الحدود !
قالت ميلاف بلا تصديق
: الحزم !!
ضحكَ بخفة
: اي
ارتفعَ صدرها وهبط بارتجاف
: ليه !
امسك كفّها , وخط باصبعه عليه
: وش ليه ! احنا جنود الوطن
انهى جملته بابتسامة
منعت ادمعها , وقالت بنبرةٍ مهتزّة
: بتروح !
رفع كتفيه بقلّة حيلة , ثمّ قال
: بروح , عشان ارضي وديني , عشان راية لا اله الّا الله تظل مرفوعة
هنا بكت
ليبتسم ويضمّها اليه
جلسَ غيث امامه , وقال متأثّرًا
: ليتني مكانك , يا حظك يا عبد الله
زفرَ وقال
: الله يقدرنا ونرد جميل الوطن , الله يقدرنا ويشرّفنا نحمي اطهر ارض وتظل عبارة التوحيد رغمْ انوف المجرمين والحاقدين
شدّ على فخذه
وقال بصدق
: الله ينصركم ويردكم سالمين , ولا يخيّبكم ابد
امّن وهو يمسح على شعرها
ثمّ التفت اليها
: ميلاف لا تصيحين , قولي الحمد لله
ابتعدت عنه لتمسح دمعها
قالت بتعب
: متى تروح ؟
: نهاية الاسبوع
زفرت لتبكي مجدّدًا
قبّل جبينها طويلًا , وأعادها الى صدره لتبكي
,
,
المملكة العربية السعودية – الرياض
الثانيةَ عشرةَ عند منتصفِ اللّيل
اخذت كوب اللبن المالح من كفّ حفيدتها
شربت منه ووضعته جانبًا
وضعت كفّيها على رأسها بهمْ
: الله يرحمكم يا هدى وندى على سواتكم , الله يغفر لك يا هدى وش سوّيتي في بنت الناس !
جلست حفيدتها بجانبها تدلّك كتفها , قالت بحنوْ
: يمّه لا تحرقين في نفسك , الحمد لله على كل حال , تظل غِنا منّنا وفينا
قالت بغضب
: طبعًا منّنا وفينا , حليبة ندى كبّرتها شلون تصير مو بنتنا , يا حسرتي عليك يا غِنا
قالت رزان بهدوء
: لا تخافين عليها جدّة
: اتّصلي بسمع صوتها , قلبي ماكلني عليها
قالت احداهن
: جدّة يمكنها مع اهلها ولاهية , احراج
بتملّكٍ قالت
: انا اهلها , انا عرفتها من كانت باللّفة , هم وش عرفوا عنها
ابتسمت رزان , التي تريد الاتّصال اصلًا
وشجعتها جدّتها
,
في المجلس , على الأرائك
تجلسُ باستهتار
وهو يجلسُ على الجهةِ الأخرى
رأسه بينَ كفّيه
مرّت ساعة وهم على حالهم هذا , منذ ان اختفى كبار المنزل
دخلت سنا الى المجلس
قالت بلينْ
: غِنا تبين تنامين ؟ او تطلعين ترتاحين
بسخريةٍ قالت
: لا , بظل هني اتطمّش
نهض وقد فاض كيله
: انتي ما فيك احساس ؟ ما تستحين على دمّك ابد !
بضحكةٍ مستهترة اصدرت صوتًا نافيًا وهي ترفعُ حاجبيها نفيًا باستفزاز
نظرَ اليها صامتًا لثوانٍ , ثمّ قال
: دامك اسّستي حياتك وعشتيها بعيد , ليش رجعتي ؟ ليش جيتي !
تركها وخرج
لتتبعه سنا وتتمسّك به
: وهّاب
التفت اليها بصمت
قالت برجاء
: حرام عليك ! غِنا اخـ...
قاطعها بخروجه من المنزل
زفرت وعادت الى المجلس
قالت غِنا
: سكري الّليت
هزّت رأسها بتساؤل , لتقول غِنا وهي تشيرُ الى الضوء
: اللمبة سكريها
اظلمت الغرفة , وجلست على الأريكة , تنظرُ اليها وملامحها تظهرُ من النور الخفيف من الممر
رنّ هاتفُ غِنا , اجابت باحتياجٍ واشتياق !
: هلا حبّي
جاء صوتُ رزان قلقًا
: هلا غِنا , شلونك ؟
قالت ببحّة
: زينة - بصوتٍ منخفضٍ قالت - جسّيتي نبضها
قالت بهدوء , بالايطاليّة
: لا تعرف شيئًا
اشارت احداهن لرزان لتفتح مكبّر الصوت
فتحت لتصلهنّ زفرة غِنا , وهي تقول
: زين
صمتت رزان لثوانٍ , وهي تنظرُ الى وجوهِهن
جميعهن يبكينها , ان لم يكن دمعًا , فبمشاعرهن
مسحت جدّتها دمعتها , وقالت
: قولي لها يا حمارة ليش ما مرّيتي على جدّتك اوّل ؟
ابتسمت رزان وقالت
: جدّتي تقول يا حمارة ليش ما مرّيتيها اوّل
قالت غِنا بحذر
: اهي قالت جذي ؟
بهدوءٍ قالت رزان
: اي
زفرت براحةٍ وقالت
: قولي لها يايتج يدّة , بس خن اخلص من هذيل
قالت جدّتها
: ما في وجهك ما ! وصلتي وما صدقتي خبر لأهلك ؟ ماش ما عندك وفا
ضحكت بخفة , ثمّ قالت
: شلونج يدّة ؟
: مرة هامّك
سمعت اصواتَ الفتيات المتفرّقة
قالت رزان
: السبيكر صوته واطي علينا , جيبي سماعة آلاء
قفزت آلاء وأحضرت مكبّر الصوت
اوصلته رزان بالهاتف
وقالت
: يلا تفضّلوا
قالت آلاء
: غنوة شلونك ؟ كيف اهلك حلوين خايسين طيبين نحيسين ؟
: ما ادري ما ميزتهم بعدني
قالت اخرى
: لقيتي جدّتهم ولا ميّتة ؟
قالت ساخرة
: عايشة العيوز يعلْها ما تشوف العافية , مسوية روحها تخاف الله مادّة سيادتها ومصحفها بالصالة , لو تشوفها امّي تنتحر
انفجرن ضحكًا , لتقول باستدراك
: الله يرحمها , بس صج امّي تكره هاللي يسوون اعمارهم ملتزمين وهم ما يعرفون الله
قالت جدّتها بنبرةٍ مضحكة
: العجوز ما تنلام , شافت وجهك قالت انا ليش اوهّق عويلي بذي النسرة , اعطيها للناس يبتلشون فيها
ضحكن الفتيات , ورزان مبتسمة
قالت غِنا ساخرة
: خوفي تطلعون ربع انتي وهي
: بخاويها ما عليك , عندها نظرة مستقبلية عجبتني
قالت احداهن
: توأمك تشبهك ؟
: نسخة , لو اطوّل شعري واحط كحيلة وحميرة بصير اهي
ابتسمت سنا
قالت اخرى
: طيّب العجوز يوم شافتك عصبت وطردتك ؟
: ما عووزها عيوز النّار , الله بسماه قاعدتلها لين اعوّفها عمرها , العوبة بققت عيونها فيني جنّه مو عاجبها , سليمة تصكها
انفجرن الفتيات ضحكًا
ونظرت اليها سنا معاتبة
لتقول ساخرة
: وا عليييا ما ترضى على يدّتها , باباتي هذه مو زينة كخّة , ختولي شتبين فيها
سعلت احداهن من شدّة الضحك , ثمّ حمحمت وقالت بجديّة
: بس غِنا احترمي نفسك عاد
ابتسمت لصوتها
: شلونج ولاء
: لا تصرفين , عيب يا بنت كذا علّمتك خالتي ؟
قالت بزفرة
: تكفين لا تييبين سيرة خالتج ولا خالتي هدى , لو اشوفهم...
قاطعتها جدّتها
: وقصْ بلسانك , حتى الاموات راحت حرمتهم !
استغفرت بزفرة
قالت جدّتها
: خلاص اتركي الحرمة بحالها , حنّا قبايل ما عندنا ذا السوالف , كان ابوك ولد الايطاليّة ما علمك فحنّا خوالك وقبليين وماهيب حلوة بحقنا تقللين احترام الكبير
باعتراضٍ قالت
: خيير ابوي مو عاجبج ! شنو ولد الهندية ! – صمتت لثوانٍ ثمّ قالت – حتّى لو ولد ايطاليّة , ابوي بعد قبيلته معروفة بالكويت
قالت سنا تقاطعها بصوتٍ منخفض
: غِنا جوعانة ؟
: لا – تابعت بالايطاليّة – رزان سأموت جوعًا وأخشى ان آكل في منزلهم
قالت رزان بالايطاليّة
: هل ارسل احدهم ليحضر لكِ طعامًا ؟
قالت آلاء تحرّض جدّتها
: جدّة شوفي يسبوننا والعلم عند الله
قالت الجدّة وهي تدفع رزان بعصاها
: شترطنون انتي وهي
قالت رزان
: جوعانة وما تبي تاكل ببيتهم
قالت ولاء بجديّة
: ارسل لك عزْ يجيبك لنا ؟
قالت الجدّة
: اي والله تعالي , وبكرة نروح انا وانتي وخالاتك ونتفاهم معهم
قالت برفض
: ما له داعي
,
,
المملكة العربية السعودية – الخبر
التاسعة صباحًا
انزلت الفرشة وهي تقول
: من وين جات ذي السفرة !
بخمولٍ قال
: امس جاني اتّصال انّ المعمل احترق جزء منّه , قلت لازم اروح
: طيّب الخساير والضرر كبير ؟
: لا ما اظن , انتي شلونك ؟
نهضت من مكانها وحملت حقيبتها
ابتسمت واتّضح على صوتها
: الحمد لله
ابتسم هو الآخر
: وش صاير ؟
بخفوتٍ قالت
: ولا شي
: قولي
همهمت , ثمّ قالت
: ضاري جا لبيتي امس
قال بخوف
: فيه شي ؟ قال لك شي ؟
باستغرابٍ قالت
: لا ! قال خل نصير اصدقاء
صمتَ لثوانٍ طويلة , ثمّ كرّر بنبرةٍ مضحكة
: اصدقاء !
ابتسمت وهي تركبُ السيّارة , والسائق يغلق الباب
قال باهتمام
: حبيتيه ؟
قالت بذهول
: لا طبعًا !
: اجل ؟
: قلت لك يأثّر علي , يوتّرني يلفت نظري يجذب انتباهي
صمت لثوانٍ ثم قال
: هو بعد يتأثر فيك
,
,
الى الملتقى
-
إنّ الأمور اذا التوت وتعقّدت , نزلَ القضاءُ من الفضاء وحلّها
فاصبر لها فلعلّها ولعلّها , ولعلّ من خلقَ الفضاء يحُلّها