كاتب الموضوع :
عالم خيال
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ابنة السماء..
الفصل السابع {ساحة الوغى}
بعد نهارٍ طويلٍ ساده صمتٌ شبه تام في معسكر الأكاشي، ومع غروب الشمس الوشيك في تلك الساعة، بدأت الحركة تشتد وتزداد حدة في المعسكر الذي شغل بقعة واسعة من جنوب السهول التي تلفحها الرياح القارسة..
وفي ذلك الوقت، شعرت ججي بيد مينار توقضها وهو يقول "استيقظ يا جام.. لقد حان الوقت.."
اعتدلت ججي جالسة بسرعة وقد طار النعاس من عينيها وهي تتلفت في الخيمة التي خصصت لأبيها.. ودون ترددٍ ولو لثانية، نهضت من فراشها وغسلت وجهها ثم أسرعت للاستعداد بشكل كامل للحظة الحاسمة.. فتناولت بعض الطعام الذي حمله مينار إليها، ثم ارتدت خوذتها وحذاءها الجلدي طويل العنق والمدعّم بشرائح معدنية تؤمن بعض الحماية لساقيها، وحملت قوسها وكنانة السهام، دون أن تنسى أن تعلق سيفها في حزامها كاحتياط رغم أن دورها لن يتطلب منها استخدامه.. ولما غادرت الخيمة، رأت مينار يقف قرب قادور وهما يتحدثان في أمر المعركة الوشيكة، بينما كان الاستنفار بادياً في أرجاء المعسكر الكبير من حولهما..
ولما رآها قادور، اقترب منها وربت على كتفها قائلاً "أأنت مستعد يا جام؟"
قالت بحزم "بالطبع يا أبي.."
فقال قادور بابتسامة "كن حذراً يا بني.. ولا تدع الحماسة تجرفك في الحرب، وإياك أن تغادر موقعك.."
هزت رأسها موافقة، ثم انطلقت متخطية بعض الخيم القريبة باحثة عن باشتا.. لكن خطر لها خاطرٌ جعلها تتراجع في خطواتها عائدة لخيمة أبيها لتجد كين منزوياً في جانب الخيمة كعادته بصمت، فاقتربت منه زافرة وهي تغمغم "أما زلت مذعوراً كما كنت دائماً؟"
وتناولت سيفاً مما يملكه أبوها، فوضعته في يد كين وهو ينظر إليها بصدمة قائلاً بصوت يرتجف "ما الذي تتوقعين مني فعله؟.."
أجابت بسرعة "لا أتوقع منك شيئاً.. هذه الحرب لا تخصك، ولن تفيدنا بشيء حتى لو رغبت بالمشاركة فيها.. ابقَ هنا لحراسة متاعنا ودافع عن نفسك بهذا السيف ضد أي اعتداء من الجنود العرب.."
ظل كين ينظر للسيف بامتعاض شديد، فقالت ججي "أنت لست منيعاً حتى لو بقيت في هذا الموقع البعيد وحتى لو كنت غريباً عن الأكاشي.. ورغم بقاء بعض الحراسة في المعسكر، لكنهم يعدّون على الأصابع.. فضع في ذهنك أنك قد تواجه هجوماً في أي لحظة وكن على استعداد لصدّه.."
لم تنتظر منه رداً وهي تبتعد بخطوات سريعة، فيما بقي كين رابضاً في مكانه وهو يشدّ قبضته على مقبض السيف ويدمدم "وما شأني أنا بكل هذا؟.."
أما ججي، فقد غادرت الخيمة متجهة نحو الموقع الذي حدده باشتا لهم للقاء، ومن بعده ستنطلق مع بقية الرماة نحو موقعهم المحدد قبل بدء المعركة.. كانت الساعات تمضي والمعركة تقترب، فتتزايد دقات قلب ججي بشيء من التوتر والحماسة لهذا الحدث الكبير في حياتها والذي لم تشهد مثله قط..
ومع تقدم الساعات في الليلة، جلس قادور مع الزعماء الثلاثة وسط المعسكر الذي ساده السكون وهم صامتون وحولهم وقفت جماعة قليلة من الأكاشي.. ساد الصمت المكان والرجال بكامل استعداداتهم للمعركة الوشيكة، حتى جاء أحد الرجال مسرعاً إلى قادور وقال "يا زعيم.. لقد تمكن ريجاد وكاد من اختراق معسكر الأعداء بنجاح.. لقد راقبناهما حتى تأكدنا من ولوجهما المعسكر قبل وقت قصير.."
فتساءل قادور "ماذا عن فِرَق الرجال؟"
أجاب الرجل "كل فرقة في موقعها بأتم استعداد بانتظار رؤية إشارة البدء.."
فنهض قادور قائلاً "إذن.. بقي القليل وتبدأ الحرب.."
نهض بقية الزعماء بينما تحفز الأكاشي مستعدين ليتبعوا الزعماء ويحموهم وسط هذه المعركة.. فحمل قادور خوذته التي كان يضعها بجانبه، بالقرنين البارزين في جوانبها، ثم قال لرجاله "هيا يا رجال.. وحاذروا من إصدار صوت يشي بما ننتويه قبل أن نبدأ الهجوم بالفعل.."
تقدم الرجال بكامل أسلحتهم بينما قال براد بشيء من الضيق "مازلت أظن أنها خطة لن تنجح.."
قال قادور بحزم "سيتضح هذا خلال ساعة يا براد.. فكن صبوراً.."
وسار متقدماً الرجال نحو حصانه مغمغماً "الصبر هو كل ما نحتاج إليه.."
************************
قبل بعض الوقت من هذا، كان ريجاد يسير في أرجاء معسكر الجيش العربي وهو يشدّ يده على السيف المعلق في حزامه.. كان قد ارتدى رداء الجنود العرب، وأخفى ملامحه بلثامٍ بينما تغطي الخوذة التي يستخدمها الجنود شعره الأشقر.. ورغم المراقبة التي كانت موزعة في أرجاء معسكر الجيش العربي، لكن ريجاد تمكن من التسلل متخفيّاً بالظلام السائد ومتفادياً ضوء المشاعل التي تضيء المعسكر..
كانت الحركة قد خفتت في المعسكر بعد أن مرت عدة ساعات منذ غربت شمس هذا اليوم، وبدا أن الكثير من الجنود قد خلدوا للنوم استعداداً للمعركة المتوقعة في اليوم التالي، وإن بقي عدد معقول منهم لحراسة المعسكر ومراقبة جوانبه.. فحاول ريجاد التسلل بعيداً عن أنظارهم متخيّراً المواقع التي لا تلقي المشاعل بضوئها فيها، وبدأ يدقق ببصره في الخيام التي يمر بها محاولاً الوصول لهدفه قبل أن يكشفه الجنود.. كان المعسكر يحتل بقعة واسعة جداً من السهول شمالي مخيم قبيلة (نجم الشمال) المدمر، وقد نصبت الخيام القماشية الواسعة لتضمّ كل واحدة منها ما لا يقل عن عشرين جندياً.. لذلك، أدرك ريجاد أن بحثه سيطول لوقت طويل ولن يتمكن من التجوال في المعسكر كاملاً بدون المخاطرة بكشف نفسه.. عندها اتخذ طريقه نحو قلب المعسكر مخمّناً أن خيمة القائد ستكون في الوسط بالتأكيد لحماية قائد الجيش بشكل أكبر..
كانت الخطة الخاصة بريجاد تتضمن أن يتعرف على خيمة قائد الجيش، فيعطي الإشارة للرماة بموقعها حيث ستكون مهمتهم الأولى هي حرق ذلك الموقع بسهامهم المشتعلة لاحتجاز القائد في هذا الموقع وببعض الحظ التخلص منه.. عندها سيقع الجنود في فوضى عارمة ولن يتمكنوا وسطها من تلقي أي أوامر من قادتهم وستقل مقاومتهم للأكاشي بدرجة كبيرة..
بعد بضع خيام، وجد ريجاد مجموعة من الجنود يجلسون في جانب إحداها متحلقين حول النار وهم يتحدثون ويتناولون بعض الطعام.. لم يتمكن ريجاد من التراجع في خطواته حتى لا يلفت الأنظار إليه، لذلك أدار وجهه محاولاً إخفاء ملامحه وهو يستدير ليتخذ طريقاً آخر.. وبينما ظل يسير بسرعة عادية لئلا يبدو كأنه يحاول الهرب، سمع أحد الجنود يقول متذمراً "ليتني أستطيع احتساء بعض الشراب.. إنه لمن المحزن أن نضطر لمواجهة هذا البرد القارس دون أن نحصل على بعض الشراب لتدفئة أوصالنا.."
علق آخر قائلاً "أتريد أن تخوض معركة الغد وأنت مخمور؟"
فقال الأول بحنق "وربما يكون الغد هو آخر عهد لنا بالحياة.. أفلا يمكنني الحصول على هذه المتعة الصغيرة قبل موتي؟.."
غمغم آخر قائلاً "أشعر أن الملك قد أرسلنا لنموت بالفعل.. فمن يقدر على مواجهة هذه القبائل الهمجية حقاً؟.."
فقال الثاني باستياء "لمَ كل هذا التشاؤم قبل المواجهة الفعلية؟.. أنتما تثيران بؤس الجميع.."
رفع أحد الجنود رأسه ملاحظاً ريجاد الذي ابتعد عنهم، فصاح به "أيها الجندي.. ما الذي تفعله هنا؟.."
أدرك ريجاد أن الحديث موجه إليه، لكنه تظاهر بأنه لم يسمعه وهو يستدير خلف إحدى الخيام القريبة.. عندها نهض الجندي قائلاً "يبدو لي ذلك الجندي مشبوهاً.. لماذا تجاهلني؟.."
سار بضع خطوات تابعاً ريجاد، عندما سمع صوتاً يناديه قائلاً "رافع.. القائد يطلبك في خيمته.."
نظر الجندي للمتحدث، ثم نظر للموضع الذي اختفى عنده ريجاد بينما علق أحد الجنود "يبدو أن التوتر قد أصابك بالوساوس.. هل بدأت تشك بجنودنا أيضاً؟.."
تردد الجندي للحظات، ثم استدار مغادراً وهو يقول لرفاقه "انفضّوا يا رجال.. عليكم الاستيقاظ باكراً استعداداً للمعركة الوشيكة.."
وغادر نحو خيمة القائد بينما تذمر الجنود من خلفه بضيق وحنق.. وفي جانب خيمة أخرى، نظر ريجاد بحذر لذلك الجندي الذي ابتعد بخطوات سريعة.. لقد انتبه لذلك النداء الذي نادى به أحد الجنود هذا الجندي، وأدرك أنه لو تبع الجندي فسيقوده لخيمة القائد بأسرع وسيلة.. لذلك، وبعد أن ابتعد الجندي عن رفاقه، فإن ريجاد بدأ يتبعه من على مبعدة وبخطوات حذرة وصمت تام.. سار متجاوزاً مجموعة من الخيام محاولاً ألا يلفت نظر الجندي الذي يلحقه ولا أي جنود آخرين، حتى لاحظ أن ذلك الجندي قد دلف خيمة كبيرة لكنها لا تختلف في مظهرها الخارجي عن البقية..
وقف ريجاد في موقعه يراقب الخيمة وما حولها، ثم دار حول الخيمة متفادياً مدخلها، وتوجه إلى مشعل قريب فتناوله من موضعه وهو يتلفت حوله.. عاد لخيمة القائد وهو ينظر لأعلاها حيث يمكنه أن يشعل النار في الخيمة دون أن يتمكن أحد من إطفائها، كما أنها ستكون علامة كافية لبقية الأكاشي كما هو متفقٌ عليه.. تراجع ريجاد خطوة وهو يمد يده بالمشعل منتوياً رميه بأقوى ما يملك ليسقط فوق الخيمة ذات السطح المستوي، عندما فوجئ بالألم الحارق الذي اشتعل في يده تلك بينما سقط المشعل من يده رغماً عنه.. استدار ريجاد وقفز للخلف بشكل تلقائي ليجد أنه تجاوز ضربة سيف بشيء من الحظ.. ومن خلفه، رأى ذلك الجندي الذي كان يلحقه وهو يقول بغضب "كنت أدرك أنك متسلل من صمتك وخطواتك المتوترة.. ما الذي تنوي فعله يا هذا؟.."
تراجع ريجاد وهو يمسك ذراعه التي تؤلمه محاولاً إيقاف الدماء المتصببة، بينما تقدم الجندي من جديد وهو يرفع السيف بكلتا يديه قائلاً بحدة "تكلم.. هل تحاول النيل من القائد؟.. ألهذا السبب تسللت إلينا؟.."
لم يجبه ريجاد وهو يراقب الموقف للحظات.. عليه أن يتمّ هذه المهمة بأسرع ما يكون، فلن يتحرك رجال الأكاشي خطوة واحدة قبل أن يروا العلامة التي سيرسلها.. ولو طال الأمد به قبل أن يرسل العلامة، فقد يفطن الجنود لاقتراب الأكاشي منهم ويفقدون بذلك عامل المفاجأة، والذي يهدده هذا الجندي في تلك اللحظة.. تقدم الجندي خطوة وهو يقول بغضب "تكلم يا هذا وإلا قطعت رأسك.."
لكن ريجاد كان قد اتخذ قراره بالفعل، فقفز على الجندي الذي فوجئ بذلك الهجوم فمدّ يده بالسيف محاولاً إصابة ريجاد.. لكن الأخير أمسك السيف بيده غير عابئ بالجرح الذي قد يسببه له، فأبعده من طريقه وهو يلتحم مع الجندي الذي فوجئ بالطعنة تصيبه في بطنه من خنجر صغير يمسكه خصمه.. حاول الجندي ضربه من جديد، فتفادى ريجاد الضربة وهو يركل الجندي بقوة حتى سقط على ركبته، ثم أسرع يدير سيفه في ضربة قوية نحو عنق الجندي أسقطته خلفاً متشحطاً في دمه..
لهث ريجاد بتعب وهو يستشعر الألم في ذراعه التي أصيبت سابقاً بالإضافة للجرح الذي سببه له السيف في راحة يده.. لكنه تجاهل كل هذا وهو يهبّ نحو المشعل وبحركة سريعة يرميه بقوة نحو الخيمة فيسقط فوقها متدحرجاً للحظة قبل أن يسكن في موقعه والنار تبدأ عملها بسرعة ودون أي تباطؤ..
تراجع ريجاد خطوات وهو يتناول السيف الذي سقط من يد الجندي، ثم وقف يراقب النار التي بدأت تستعرّ في رأس الخيمة بوضوح في هذه الليلة المظلمة.. جذب نفساً عميقاً وهو يسمع تصايح الجنود من حوله واقترابهم من موقعه.. ما تزال مهمته في منتصفها، وما يزال ملتزماً بتنفيذها مهما ازداد الوضع صعوبة..
************************
في الجانب الآخر من المعسكر، تسلل كاد بدوره بخفة مستغلاً انشغال بعض الجنود على مبعدة بالتهام طعامهم.. رغم الحرب الوشيكة، لكن الجنود بدوا مسترخين بلا أي حذر أو توجس لما حولهم أو لمن قد يمر بهم.. بدا له بوضوح أن فارق العدة والعدد قد عبث بعقولهم وأوهمهم أن نتيجة المعركة محسومة سلفاً لحسابهم، لذلك لم يملك كاد ابتسامة سخرية ارتسمت على وجهه وهو يشد اللثام عليه ويسير متخيراً المواقع المظلمة التي لن تكشفه للآخرين.. في ظلمة هذه الليلة، لم يكن تمييزه عن بقية الجنود ممكناً رغم أنه لا يرتدي دروع الجنود، لكن كاد بقي متحذراً في سيره وهو يتوغل في المعسكر بصمت حتى وجد نفسه أمام البئر الوحيدة في هذا المعسكر.. كان قادور قد استجوب رجال قبيلة (نجم الشمال) عند انضمامهم إليه، وتفحص تفاصيل هذا الموقع الذي يعرفونه حق المعرفة.. لذلك، ومع إدراكه أن هذا البئر هو الوحيد الذي يزود الجيش بالماء، قرر أن عليه تدمير هذا البئر في حال طال القتال لعدة أيام.. عندها ستواجه الجيش العربي مشكلة حقيقية متمثلة في نفاذ ماء الشرب الصالح للجنود، وستقل عزيمتهم أكثر فأكثر وبالتالي يصبح من السهل التغلب عليهم..
تلفت كاد حوله متفحصاً خشية أن يلمحه أحد، ثم استخرج من ثيابة خرقة قماشية ملفوفة.. ومنها أخرج الجسد الهامد لإحدى الأفاعي السامة المنتشرة في هذه السهول.. فأفرغ محتوى الخرقة في البئر ثم رمى الخرقة جانباً وهو يسمع صوت الماء بعد سقوط الجسم فيه.. عندها غمغم لنفسه "كان هذا سهلاً للغاية.. بقي عليّ البحث عن المدافع وذخيرتها لتنفيذ الجزء الأخير من......"
وجد في تلك اللحظة يداً تقبض على كتفه وجندياً يقول بصرامة "ما الذي فعلته يا هذا؟.."
استدار كاد متوجساً وهو يبعد تلك اليد عن كتفه متراجعاً للوراء، لكن الجندي قبض على ملابسه بشدة وأزاح اللثام عن وجهه قائلاً "من أنت؟.. ولمَ تخفي وجهك بهذه الطريقة المريبة؟.."
سحب كاد سيفه بسرعة وتهديد، لكن لثامه كان قد سقط بالفعل والجندي يصيح "أنت من الأكاشي؟!.."
وجّه كاد ضربة بسيفه نحو الجندي، لكن الأخير تفاداها وهو يقفز خلفاً ويصيح بغضب "كيف تمكنت من التسلل للمعسكر؟.. وما الذي فعلته بالبئر؟.."
لاحظ كاد اقتراب عدد أكبر من الجنود على صياح ذلك الجندي، فاستدار بسرعة محاولاً الابتعاد قبل أن يقبضوا عليه.. لكنه توقف قبل أن يصطدم بجندي آخر اقترب من خلفه، فيما وجه له ذلك الجندي ضربة قوية على يده أجبرته على إسقاط سيفه.. ثم قبض على عنق قميصه دون أن يسمح لها بالفرار قائلاً بتقطيبة "ما الذي تفعله هنا أيها الأكاشي؟.."
صاح الجندي الأول بانفعال "لقد رأيته ينظر من فوهة البئر باهتمام.. أنا واثق أنه قد فعل شيئاً بالبئر.."
فوجد كاد الجندي الذي يقبض على عنق قميصه يهزه بشدة صائحاً "ما الذي فعلته يا هذا بالبئر؟"
نظر له كاد بصمتٍ وتحدٍ واضح، فدفعه الجندي حتى أسقطه أرضاً ووجّه البندقية نحوه حتى لامست فوهتها جبينه، وقال بغضب "سأقتلك أيها الجاسوس.."
استوقفه أحد الجنود قائلاً "مهلاً.. علينا استشارة القائد.. كما أننا لا نعلم ما فعله بالبئر حتى الآن.. يجب أن نستجوبه قبل ذلك.."
قال الأول بحنق "أتظن أن رجلاً من الأكاشي سيستجيب لنا مهما استخدمنا ضده من وسائل؟.. فلنقتله قبل أن ينجح في الهرب ويعود بأخبارنا لمعسكر الأعداء.."
اعترض الثاني قائلاً "ولكن...."
فقال الأول وهو يرفع البندقية من جديد نحو رأس كاد "تباً.. لن أنتظر أكثر من هذا.."
لم يحاول كاد إغماض عينيه وهو يواجه البندقية بصمت وتحدٍ، فقد كان هروبه ميؤوساً منه مع الجنود المحيطين به، وآخر ما يرغب به هو إظهار ذعره أو خوفه من الموت.. وعوضاً عن صوت الرصاصة العالي، فإن ما سمعه كاد كان صوت صياحٍ في جانب آخر من المعسكر.. ولما استدار الجميع نحو الموقع، لم يفُتْهم رؤية النار التي اشتعلت في إحدى الخيام وسط المعسكر.. فقال أحد الجنود بتوتر "أليست هذه النار قريبة من خيمة القائد؟.."
بدت الصدمة بليغة على وجوه الجميع، فحاول كاد استغلال تلك الفرصة وهو يركل الجندي القريب منه بقوة، واستدار مندفعاً نحو ثغرة بين الجنود الذين شُدهوا لما جرى.. لكن الجندي سارع لرفع بندقيته وإطلاق رصاصة أصابت ساق كاد وجعلته يتعثر فيسقط وهو يصيح متألماً.. عندها كان الجندي قد لحق به بخطوات واسعة وهو يصوّب بندقيته نحوه، ولما أدار كاد رأسه نحو الجندي، قبض الجندي على مجمع ثيابه وقال بحنق "كم فأراً تسلل إلى معسكرنا؟"
قال كاد بسخرية "أكثر مما قد تتخيل.."
نظر له الجندي بعبوس وغضب، بينما جلجلت ضحكة كاد وهو يقول "لا تفرح بتمكنك مني.. فقريباً ستفترش جثثكم هذه السهول ككل أحمق يحاول غزونا.."
رفع الجندي بندقيته وأطلق رصاصة نحو رأس كاد قضت عليه في الحال ودماؤه تلطخ ملابس الجندي.. فترك الجندي جسد كاد يهوي أرضاً والتفت إلى رفاقه صائحاً "ما الذي تنتظرونه؟.. ابحثوا عن المتسللين، وليقم بعضكم بإطفاء النيران بسرعة والاطمئنان على القائد.."
لم يكد يتم كلامه حتى سمع صياح الجنود القريبين.. ولما رفع رأسه عالياً، حيث أشار الجنود بأيديهم، رأى عشرات ومئات النيران التي ارتفعت عالياً في السماء قبل أن تهوي على رؤوسهم وعلى المخيم من ثلاث جهات دون هوادة.. وبينما تصايح الجنود وهم يحاولون الاختباء عن تلك السهام التي تتساقط بغزارة، فإن ذلك الجندي تراجع خطواتٍ صائحاً "اللعنة.. هذا هجوم غادر.."
لكنه لم يجد رداً من رفاقه وأحد السهام المشتعلة يصيبه في صدره إصابة قاتلة أسقطته جوار جسد كاد الهامد، بينما بدأت النيران تشبّ في ملابسه بسرعة وشراهة..
************************
في موقع يطل على معسكر الجيش العربي، وعلى تلة تسمح للرجال بمراقبة المعسكر والاختفاء عن أنظار جنوده في آنٍ واحد، قبعت فرقة الرماة الأولى التي يقودها باشتا بانتظار إشارة ريجاد المتفق عليها.. وبينهم، ربضت ججي تتطلع للمعسكر الذي بدا لها ساكناً وهي تمسك بقوسها وبكنانة السهام القريبة بتوتر كبير.. بقيت لحظات معدودة وتبدأ هذه الحرب، وهي الخبرة الأولى التي ستكتسبها ججي في هذا المجال.. لذلك تفاوتت انفعالاتها بين الحماسة للأحداث الوشيكة وبين التوتر لما قد يحدث فيها.. كانت الفرقة التي انضمّت إليها ججي تتكون من عشرين رجلاً من الرماة، وقد تمركزت في الجزء الشمالي من المعسكر بينما تفرقت فرقتين أخريتين من الرماة في الجزء الغربي والجنوبي منه.. بينما بقي الجزء الشرقي منيعاً بسبب الجبال الحادة التي تطلّ على المعسكر والتي لا يقدر الأكاشي على تسلقها بسبب انحدارها الشديد..
وعندما رأى باشتا إشارة ريجاد الواضحة، وهي الحريق الذي شبّ في خيمة قائد الجيش، صاح بمن قربه من الرجال "أطلقوا سهامكم الآن.. وركزوا على الموقع الذي تشتعل فيه النيران.."
كانت كل فرقة من الرماة قد أشعلت ناراً في أسفل التلة في الجانب المعاكس للمعسكر، وفي موقعٍ تغطي جانبه الصخور لئلا يفضحهم الضوء النابع من النيران.. فقام أربع رجالٍ بحمل المشاعل المشتعلة نحو الرماة، ليقوم كل منهم بإشعال مقدمة سهمه المغموس في الزيت، ومن ثم شدّ وتر القوس به وإطلاقه بقوة نحو معسكر الجيش العربي..
بدأ الرماة في رمي سهامهم المشتعلة بكل سرعة ومهارة، وتقاطرت السهام شاقة السماء نحو الخيم القماشية التي أقامها الجيش العربي لجنوده.. فكانت السهام تصيب مواضع متفرقة من المعسكر وتشتعل لها الخيام بسرعة كبيرة مثيرة بلبلة بين جنود الجيش الذين خلدوا للنوم منذ بعض الوقت ولم يستيقظوا إلا على الصياح وعلى دخان النيران.. وبينما تعالت الصيحات واضحة من المعسكر، فإن ججي كانت تشارك في رمي السهام بأسرع ما يمكنها بعد أن تشعل طرفها بمشعل قريب.. بدأت أصابعها تؤلمها من شدّ الوتر بقوة، لكنها استمرت في رمي السهام واحداً تلو الآخر وهي تتخيّر المواضع التي لم تصلها النيران بعد في معسكر الأعداء..
وحسب الخطة التي سمعتها، كان عليهم حرق المواقع القريبة من خيمة قائد الجيش التي فضخ ريجاد مكانها، في محاولة للتخلص من القائد أو منع بقية الجنود من الوصول إليه وحمايته، ومن ثم حرق ما يمكن حرقه من المعسكر وإثارة بلبلة فيه قبل أن يتدخل جيش الأكاشي ويقضي على الجنود المذعورين متخلصاً منهم بأسرع ما يمكنه.. وعند تدخل جيش الأكاشي، يتوقف الرماة عن رمي السهام لئلا يصيبوا رفاقهم ويبقوا على أهبة الاستعداد لاصطياد أي هارب من معسكر الأعداء على ضوء النيران التي أنارت البقعة بشكل واضح..
في تلك الأثناء، كان ريجاد يمسك سيفه بقوة وهو يتلفت حوله في المعسكر الذي بدأت السهام المشتعلة تمطر عليه بغزارة.. ورغم النيران التي شبّت في أكثر من موقع حوله ورغم أصوات الصياح التي تعالت في جوانب المعسكر، لكن ريجاد لم يساوره أي ذعر أو رغبة بالفرار وهو يدرك أن مهمته لم تنتهِ بعد.. تجاوز جثة الجندي التي سقطت عند قدميه، وركض عائداً لخيمة القائد التي شبّت النيران في أعلاها وبدأت تتهاوى، ولما اقتحمها وجدها خالية ولم يعثر على أثر لقائد الجيش.. فقطب وهو يستدير مغادراً متلفتاً حوله.. لابد أن القائد قد هرب عند اندلاع النيران في خيمته أثناء انشغال ريجاد، لكنه لا يقدر على الاستسلام الآن.. عليه أن يعثر على القائد، وأن يقتله بأي وسيلة كانت قبل أن يقتحم جيش الأكاشي المعسكر.. وإلا فإنه سيكون قد فشل في نصف المهمة التي أوكلت إليه..
ركض في جوانب المخيم ملاحظاً أن الجنود لم يعترضوا طريقه وسط البلبلة التي عمّت المكان وقد ظنوه جندياً مثلهم.. وفي موقع لا يبعد الكثير عن خيمة القائد، وجد الأخير واقفاً وسط مجموعة من رجاله قاموا برفع الدروع المعدنية حوله لحمايته من السهام المشتعلة، بينما كان القائد يلقي تعليماته لنائبه وجنوده بحدة وانفعال.. استطاع ريجاد التعرف عليه من هيأته التي تختلف عن البقية ومن إحاطة الجنود له وحمايته بتلك الصورة، مما لا يدع مجالاً للشك في هويته..
ظل ريجاد رابضاً في موقع جانبي يراقب الوضع، محتمياً ببعض الصناديق عن السهام المشتعلة التي تساقطت على رؤوسهم دون تمييز.. وبعد وقت قصير، خفتت حدة تساقط السهام على المعسكر، وبدأ الجنود بإنزال دروعهم من حول القائد الذي صاح برجاله "استعدوا للالتحام مع العدو.. لابد أنهم سيهجمون على المعسكر الآن.."
نهض ريجاد عندها وهو يتحسس الخنجر المخفي في ثيابه، ثم اندفع نحو القائد صائحاً "سيدي القائد.. هناك معلوماتٌ هامة عن الهجوم الذي نواجهه.."
لم يتحفز الجنود لمرآه بسبب ملابس الجنود التي يرتديها، وريجاد يستغل الظلام الجزئي للاقتراب من القائد.. بينما نظر له القائد بتقطيب قائلاً "من أنت أيها الجندي؟.. وأي معلومات تملك؟"
لم يخفف ريجاد اندفاعه عند اقترابه من القائد وهو يقول بانفعال "الأكاشي يتقدمون من الجانب الشمالي للمعسكر.. إنهم على مشارف المعسكر بالفعل.."
وجد جندياً يمد ذراعه ليوقفه قائلاً بحدة "قف مكانك وتحدث دون انفعال يا هذا.."
لم يكن يفصل ريجاد عن القائد إلا متران تقريباً، ولم يكن ليسمح بأن تفشل خطته الآن لأي سبب.. فقام بركل الجندي القريب بقوة، ثم رمى الخنجر الذي يملكه نحو القائد الذي لم يكن قد ارتدى درعه بعد مع تلاحق الأحداث الأخيرة.. أصاب الخنجر جانب عنق القائد دون أن يقتله، فسارع لوضع يده على موضع الإصابة وهو يتراجع خطوة بألم، بينما قفز ريجاد نحوه قبل أن يفلح أحد الجنود بإيقافه.. وبعينين متسعتين، رأى القائد ذلك السيف الذي استلّه ريجاد من أحد الجنود القريبين بغفلة منه، فيما رمى ريجاد جسده على القائد وهو يغمد سيفه بقوة في عنقه وأسقطه أرضاً بعنف..
تدافع الجنود نحو القائد صائحين بغضب، بينما سحب ريجاد السيف بعد أن تأكد أن القائد قضى نحبه.. فطوّح سيفه نحو أقرب الجنود إليه محاولاً إيجاد ثغرة للهرب عبرها.. لكن الجندي أوقف اندفاع السيف ببندقيته، فيما وجد ريجاد أن سيفاً آخر قد غاص بين لوحي كتفيه بقوة شهق لها وترنح في وقوفه.. قبل أن تتبعها ضربات أخرى حتى أسقطته جوار ضحيته وقد انسلّت منه الحياة بسرعة لا تصدق..
************************
عندما صاح باشتا بفرقة الرماة ليتوقفوا عن رمي السهام، أطفأت ججي السهم الذي أشعلته للتو في الأرض، وربضت في موقعها وهي تلهث بانفعال مراقبة ساحة المعسكر الذي اشتعل دون هوادة.. وبعد وقت قصير، وقد كفّ الرماة الذين تمركزوا في الجانب الآخر من المعسكر عن رمي سهامهم كذلك، بدأت ججي تسمع الصياح العالي الذي اندلع من الجزء الغربي للمعسكر.. وفي ذلك الموقع، استطاعت أن ترى المئات والآلاف من الأكاشي يتدفقون نحو معسكر الأعداء على أقدامهم وسيوفهم تلتمع بضوء النيران وهم يطلقون صياحهم المرعب لإثارة فزع الأعداء بكل وسيلة ممكنة.. تخطى الأكاشي الحراسة الواهية أمام المعسكر والتي لم تصمد للحظات، وبدؤوا يقتحمون الخيام ويقتلون كل جندي يمر بهم دون تردد لئلا يمنحوهم الفرصة للمقاومة واستخدام بنادقهم في صدّ الهجوم..
ودون تردد أيضاً، بدأ الجنود باستعادة أسلحتهم ومواجهة هذا الهجوم الذي باغتهم ونشر الفوضى في معسكرهم.. لكن هذه الفوضى بالذات هي ما صعّب على الجنود استخدام البنادق لمواجهة أعدائهم، بينما فضّل الأغلبية استخدام السيوف التي لا يستخدمونها إلا وقت الحاجة في مثل هذه الحروب.. فبدأت عدة معارك تنشب في مواقع عديدة من المعسكر وصليل السيوف يعلو بوضوح في تلك المواقع.. انهالت الضربات يميناً ويساراً، وبدأ بعض الجنود وعدد أقل من الأكاشي يتساقطون جرحى أو قتلى دون أن يتمكن أحد من الالتفات إليهم وسط هذه الأحداث..
ظلت ججي تراقب الموقف بانفعال شديد وهي تودّ لو تهبط وتشارك البقية في القتال.. لم يكن القتل هو ما تهدف إليه، لكنها عجزت عن البقاء في موقعها بصمت مع كل الأحداث التي تجري في المعسكر.. ولولا أوامر أبيها الصارمة في هذا الشأن، لتجاهلت باشتا والبقية وركضت نحو معسكر الأعداء شاهرة سيفها لتشارك في الحرب الدائرة، وهو أمر تعجبت له بنفسها ولم تتوقعه بتاتاً..
سمعت صياح باشتا بهم وهو يقول "انتبهوا لكل شخص يحاول مغادرة المعسكر والهرب منه.. اقتلوا أي جندي عربي يحاول الفرار.."
ظلت ججي متأهبة وهي تراقب الوضع، ولاحظت على رأس تلة تقع غرب المعسكر أن فرقة أخرى من الأكاشي تمركزت في ذلك الموقع تراقب المعركة الدائرة، ورغم بعد المسافة والظلام المهيمن، لكنها أدركت أن تلك الفرقة تضمّ القادة الأربعة الذين أتوا لمراقبة سير المعركة عن كثب وإصدار أي أوامر جديدة تتماشى مع الأحداث الجارية..
سمعت في تلك اللحظة صيحة من أحد الرجال وهو يقول "هناك فرقة صغيرة من الجنود تحاول مغادرة المعسكر.."
فصاح باشتا بهم "أقضوا عليهم.. لا تتركوهم يغادروا المكان.."
بدا بوضوح أن تلك الفرقة التي لا يتجاوز عددها عشرون جندياً، تحاول الوصول للموقع الذي تمركز عنده قادة الأكاشي.. ورغم السهام التي تطايرت نحوهم بغزارة، إلا أنهم اكتفوا بصدّها بدروعهم المعدنية التي شكلت واقياً لأجسادهم وهم يستمرون في سيرهم الحثيث دون أن يعبؤوا لأمر من سقط منهم..
حاولت ججي بدورها إسقاط من يمكنها إسقاطه من الأعداء مستهدفة السيقان التي تبدو واضحة من أسفل الدروع.. ورغم أنها تمكنت من تعطيل اثنان منهم، لكن الفرقة كانت قد ابتعدت عنهم رغم تناقص عددهم الواضح.. فقال أحد الرجال بتوتر "هل نلحق بهم ونتصيدهم بسيوفنا؟.."
قال باشتا مقطباً "لا.. الأوامر واضحة بألا نغادر موقعنا.. مع هذا العدد القليل، سيتمكن الرجال المصاحبين للزعماء من التخلص منهم بسهولة.."
كفّت ججي عن رمي السهام وهي تربض في موقعها منفعلة، وإن لم تتخلّ عن السهم والقوس في يدها بانتظار أن تلمح أي هارب من المعسكر الذي اشتعل وعمّته الفوضى العارمة.. وبينما هي كذلك، سمعت صوتاً خافتاً متألماً من خلفها صاحبته سبّة غاضبة، فاستدارت مدهوشة لترى عدداً من الأعداء يقتربون من موقعهم محاولين التسلل ومداهمتهم باستخدام السيوف، وقد تخلوا عن البنادق في هذه المرة لمباغتة فرقة الرماة.. فمع انشغال الرماة بالمعسكر القريب، كان حذرهم مما يدور خلفهم قد تراجع بشكل كبير حتى سقط عدد من الرجال بأيدي الجنود الذين صعدوا التلة ركضاً..
تلاحقت أنفاس ججي بقوة وهي ترى أقرب الجنود إليها يركض نحوها شاهراً سيفه.. ومع المفاجأة، ارتبكت ججي للحظة وعيناها تتسعان وهي تسمع تصايح بضع رجال حولها بألم، لكنها تداركت نفسها مع منظر السيف الذي انعكس عليه ضوء النيران خلفها، فرفعت قوسها بسرعة وأطلقت السهم نحو الجندي القريب.. طار السهم ليستقر في عنق الجندي ويسقطه خلفاً متدحرجاً نحو أسفل التلة، بينما حاولت ججي تمالك انفعالها وهي تنهض وتشد القوس بسهم جديد وتطلقه على جندي آخر كان يستهدف أحد الأكاشي.. لكن مع التحام أغلب الجنود مع بقية رفاقها، فإن ججي فضّلت استخدام السيف خوفاً من أن تصيب سهامها أحد الأكاشي.. ودون تردد، اندفعت ججي نحو جندي التحم مع أحد الرماة، فلم تتردد ججي للحظة وهي تغرز سيفها في خاصرته بقوة حتى سقط أرضاً، فأغمد رجل الأكاشي سيفه في صدر الجندي وقضى عليه قبل أن يلتفت إلى ججي صائحاً بغضب "لم أطلب منك معاونتي.. أتريني ضعيفاً؟"
صاحت ججي لتتغلب على الصوت العالي حولها قائلة "نحن لسنا في نزال فردي لتخشى أن يعيّرك الآخرون بتدخلي.. يجب أن نتغلب على هؤلاء المتسللين، لنعود لمهمتنا الأصلية.. أم أنك نسيت؟.."
استدار الرجل مبتعداً وهو يدمدم بغيظ، بينما التفتت ججي حولها بحثاً عن صيدٍ سهل بين الأعداء.. كانت الدماء تغلي في جسدها، وتشعر بشيء من التوتر والقلق الممتزج بانفعال تتسارع له دقات قلبها.. وبدلاً من أن تفر مذعورة، فإنها شعرت بحماس وانفعال شديدين وهي تهوي بسيفها على فخذ جندي آخر فتسقطه أرضاً ثم تهرع لآخر.. كان قصرها وحجمها الصغير يجعل الجنود يتغاضون عنها وهم مندمجون في النزال مع الرجال الأضخم والأكبر عمراً.. لذلك كان سهلاً على ججي التسلل بينهم وجندلة من تستطيع الوصول إليه، أو عرقلته بحيث تمكّن رفاقها من القضاء عليه.. ولما سقط الجندي الأخير، وقفت ججي ممسكة بسيفها بشدة وهي تنظر للأجساد الساقطة أمامها، وقد تناقص عدد رفاقها للنصف.. ثم سمعت باشتا يقول وهو يمسح الدماء عن سيفه "الحرب لم تنتهِ بعد يا رجال.. عودوا لمواقعكم حتى تصلنا تعليمات أخرى من القادة.."
مسحت ججي الدماء عن سيفها بطرف قميصها الملطخ بالدماء بالفعل، ثم علقته في حزامها وهي تنظر لجندي قريب سقط بعد أن فصل أحد الرجال رأسه.. ما استرعى انتباهها فيه هو ذلك السيف الذي يقبض عليه بقبضته.. كان سيفه يختلف اختلافاً كليّاً عن سيوف الأكاشي العريضة والخالية من أي زينة.. فسيفه كان ضعيف النصل وطويله، بزخارف بديعة نقشت عليه بالإضافة لمقبضٍ فضي مزخرف جذب أنظارها بشدة.. انحنت ججي وجذبت السيف من يد الجندي، ثم وضعته في حزامها مع سيفها الآخر قبل أن تعود لموضعها السابق متناولة قوسها وأحد السهام باستعداد.. الحرب ما تزال ضارية وسط المعسكر.. ومهما استغرق الجيشان فيها قبل إنهائها بشكل كامل، فعلى ججي ألا تبارح موقعها بتاتاً.. مهما طالت الساعات لتحقيق ذلك..
************************
عندما سقط قائد الجيش العربي أمام جنوده، حدث اضطرابٌ كبير وبلبلة عارمة بين من شهِدَ الأمر من الجنود.. ورغم ذلك، أسرع نائبه لاستلام الأمور وهو يصيح بمن قربه "اثبتوا في مواقعكم يا رجال وتخلصوا من الأكاشي.. يمكنكم تمييزهم بسهولة بسبب خوذاتهم.. استخدموا البنادق ولا تواجهوهم مباشرة.."
اقترب أحد الجنود منه قائلاً بتوتر "سيدي.. لقد حاول جنودنا الوصول للرماة والقضاء عليهم حتى يتمكنوا من الوصول لقادة الأكاشي، لكن تم القضاء عليهم بشكل تام.."
فقال القائد الجديد بحنق "انسَ أمرهم الآن.. لن نستفيد أمراً ما لم نتخلص......."
فوجئوا برؤية ذلك السهم الذي اخترق صدر القائد وأسقطه أرضاً غير بعيد عن القائد الأول.. وعلى خيمة قريبة، وقف أحد الأكاشي معتمداً على الدعامة التي تثبت الخيمة وهو يشدّ قوسه بسهم جديد ويرمي به جندياً آخر دون تردد.. ارتفعت البنادق نحو ذلك الرجل وتطايرت الرصاصات لتلقيه قتيلاً من موقعه، بينما هجمت مجموعة أخرى من الأكاشي نحو ذلك الموقع وهم يندفعون وسط الجنود مطوّحين سيوفهم يميناً ويساراً دون تأنٍ أو تردد..
تراجعت تلك الجماعة من الجنود مع تدفق الأكاشي وهم يتفرقون في الموقع، بينما صاح أحدهم "اثبتوا يا رجال.. لابد أن ننتصر عليهم فنحن أكثر عدداً وعدة.."
لكن الجنود تراجعوا أكثر فأكثر والذعر في نفوسهم يتزايد بشدة.. كانت وحشية الأكاشي تتمثل أمامهم بأقسى صورها.. فالرؤوس المقطوعة والأطراف المبتورة ليست أقل ما يحصل عليه الجنود بسيوفهم، وهم لا يترددون أمام البنادق أو لمرأى عدد الجنود الذي يفوق أعدادهم بمراحل.. تساقط الجنود كالفراش أمام نارٍ متوهجة، وبدأ الفرق يبدو بوضوح بينهم وبين الأكاشي الذين تقدموا في كل مرة بينما تراجع الجنود بشكل متعثر وقد فقدوا القائد الذي يمكن أن يرتب صفوفهم وينظم هجومهم..
ومع توالي الهجمات في جوانب المخيم، انكسرت إرادة الجنود خلال لحظة وانهزموا بشكل تستغربه الأعين ومن بقي منهم يتراكضون نحو الجبال القريبة متخلين على كل أسلحتهم وعتادهم ومتاعهم، بينما لم يتردد الأكاشي في الاندفاع خلفهم واصطياد من تطاله سيوفهم ورماحهم وسهامهم.. بدأت الجيوش المعتدية تتشتت في السهول وهي تهرب عبر الجبال القريبة محاولة العودة لموطنها قبل أن يمسحها الأكاشي عن الوجود.. ورغم أن الأكاشي قد خسروا الكثير من الرجال بالفعل، لكن لم يبدُ عليهم أنهم سينهزمون في وقت قريب..
ومع مرأى هروب الجنود نحو الجبال القريبة، ومع تساقط العديدين منهم بسهام بعض رماة الأكاشي، فإن البقية قد كفّوا عن القتال وملاحقة الجنود وهم يطلقون صيحات احتفالية بهذا النصر الذي جاء أبكر مما توقع كل القادة.. تعالت صيحاتهم في السهول الخالية، ورددت صداها الجبال القريبة مضاعفة بحيث أثارت فزع الجنود المهزومين أكثر فأكثر.. وبينما وقفت ججي متلفتة حولها للرجال القريبين وهي تشدّ يدها على قوسها بانفعال لم تملكه، فإنها وجدت نفسها بعد ذلك تصيح بأعلى صوتها مقلدة الأصوات التي تتردد حولها وهي ترفع قوسها عالياً.. كان ذلك نصرها الأول، وكان شعوراً لا يصدّق ذاك الذي انتابها وهي تجد نفسها وسط جيش الأكاشي تحتفل بالنصر معهم وتتباهى به مثلهم..
************************
مع أولى أشعة الشمس التي أعلنت بدء يومٍ جديد على السهول، كانت الحرائق لا تزال مشتعلة في جوانب المعسكر الذي أقامه الجيش العربي في سهول الأكاشي.. كانت أغلب الخيام قد تحولت لأنقاضٍ متفحمة، بينما ما بقي منها صامداً قد أخذت النيران تأكل أطرافه بسرعة وانعدام صبر.. ووسط المعسكر، افترشت الجثث الساحات وتكومت في جوانب المكان وسط رائحة قبيحة من مزيج الدماء مع رائحة الجثث المتفحمة..
سار قادور وسط المعسكر بصمت متأملاً جوانبه ومقدّراً خسائر الأكاشي في هذه المعركة.. كانت فرق الأكاشي قد خسرت ما يقارب ألفي رجل، وهو عدد غير قليل مقارنة بعدد الأكاشي إجمالاً.. لكنه لا يعدّ شيئاً مقارنة بما خسره الجيش العربي في هذه المعركة.. فجثث الجنود المتناثرة في جوانب المعسكر يقدّر عددها بما لا يقل عن عشرون ألفاً، بينما فرّ البقية منهم بعد أن قتل القائد وأغلب قادة الألوية، ولم يستلم زمام الأمور في الجيش أي رجل بعده.. فاضطرّ البقية للفرار متراجعين عبر ممرات ضيقة تعبر السلسلة الجبلية عائدين لمملكتهم بشكلٍ مخزٍ..
وبينما وقف براد في وسط المخيم منتشياً بالانتصار الذي حققه الأكاشي، وقام شين وكيراد بإلقاء الأوامر لرجالهم بالتقاط ما يمكن التقاطه من غنائم قبل الانسحاب من الموقع، فإن قادور وقف بصمت يتأمل جثث الرجال التي تفحمت وما عاد بإمكان أحد التعرف عليها.. لم يشعر بالحسرة على من فقدهم من الرجال، لشعوره أنهم قد ماتوا بطريقة مشرفة كأكاشي ولضمان حرية السهول من أي اعتداء.. لكنه استاء لظنه أنه قد أخطأ في حساب الخسائر أو أن هؤلاء الرجال قد ماتوا لسوء تقدير منه.. وبعد صمتٍ طويل قضاه متأملاً جوانب المعسكر، استدار إلى كيراد القريب منه قائلاً "هل سنبقى هنا لانتظار عودة الجيش العربي؟"
نظر له كيراد بشيء من الاستنكار وعلق "طبعاً لا.. علينا العودة إلى مخيماتنا بعد أن نجمع الغنائم.. لقد انكسرت شوكة الجيش العربي ولن تقوم لهم قائمة بعد اليوم في هذه السهول.."
غمغم قادور بغير اقتناع "لا أظن ذلك.."
فقال كيراد بضيق "لا يمكننا ترك مخيماتنا مكشوفة أكثر من هذا.. من يعلم ما قد يجري فيها ومن قد يتهجم عليها من القبائل الأخرى مستغلين غيابنا.."
قال شين الذي اقترب والتقط الحديث الدائر بينهما "ألم يقم طاغار بمخاطبة باقي القبائل التي لم تشارك في هذه الحرب؟.. لقد وعد بأن يرسل إليهم الرسل مطالباً بوقف أي حروب داخلية حتى نفرغ من عدونا المشترك هذا.."
علق قادور عليه قائلاً "لا أشك بأنه قد فعل ذلك.. لكن ليس هذا ما يهمّني الآن.. أتظنون أن الجيش العربي قد اندحر حقاً ولن يعاود مهاجمتنا من جديد بعد أن يستجمع شتاته؟.. ربما حاولوا إيهامنا بتراجعهم وهم على ثقة أننا لن نلحق بهم عبر الجبال.."
غمغم كيراد وهو يبتعد "أنت تبالغ.."
فقال قادور بضيق "لا نريد أن يعود الجيش بعد حصوله على إمدادات من الملك العربي فيجد البقعة خالية ومؤهلة لعودته بهذه البساطة.."
لم يجبه أحدهم وكيراد يقول لرجاله "أسرعوا يا رجال.. بعد أن تحصلوا على قسط من الراحة، سنرحل عائدين لمخيمنا بأسرع ما يمكن.."
زفر قادور وهو يرى شين وبراد يحذوان حذو كيراد، بينما اقترب أحد الرجال من قادور متسائلاً "هل سنرحل نحن أيضاً يا زعيم؟"
أجاب قادور باستياء "وهل نقدر على غير هذا؟.. رجالنا وحدهم ليسوا قادرين على مواجهة الجيش العربي في حال عودته، كما أن الاستياء سيغمرهم لرؤية رحيل البقية بينما هم مجبرون على البقاء في هذا الموقع لأجلٍ غير مسمّى.."
عاد الرجل يتساءل "إذن، ما الحل؟.."
تطلع قادور حوله، ثم قال "أخبر الرجال أننا سنرحل بعد أن يحصلوا على بعض الراحة.. واستدعِ لي تبريق.."
استدار الرجل منفذاً أمره، بينما لاحظ قادور ججي التي اقتربت منه راكضة وابتسامة عريضة على وجهها وهي تصيح "أأنت بخير يا أبي؟"
قال قادور بابتسامة "هذا السؤال أوجهه لك يا جام.. ما الذي فعلته في هذه المعركة؟.."
قالت بحماس "لقد تصرفت كما طلبت مني يا أبي.. لكن فاجأنا الأعداء مفاجأة كبيرة.. فقد......."
انطلقت ججي تروي لقادور ما جرى لها مع فرقة الرماة في الليلة الماضية، وما فعلته أثناءها مغلفة كلماتها بحماس كبير وانفعال أكبر، بينما استمع لها قادور بابتسامة صامتة ونظرة رضىً تتبدى في عينيه.. ولما فرغت ججي من حديثها، ربت قادور على كتفها قائلاً "رائع.. ليس أكثر مني فخراً بك الآن يا جام.."
شعرت ججي بالسعادة تكاد تطفح من صدرها وهي تمسك يد قادور اليمنى وتنحني واضعة يده على جبينها بحركة يمارسها الأكاشي وتدلّ على الاحترام الشديد، وقالت بصوت متهدج "لم أكن لأحظى بفخرك ولم أكن لأصبح ما أنا عليه دون تعليماتك وصبرك عليّ يا أبي.."
ربت قادور على رأسها بابتسامة، ثم قال مشيراً لما حوله "ألا تريد أي غنيمة من هذه الحرب؟.. هي حربك الأولى، ولابد أن تحصل على تذكار منها.."
رفعت ججي السيف الذي استولت عليه من الجندي العربي وقالت "هذا يكفيني.."
ثم تساءلت "وأين هو مينار؟.. لم أره منذ انتهت هذه الحرب.. أهو بخير؟"
فقال قادور بابتسامة "ذلك الثعلب لا يمكن لأحد التغلب عليه.. لابد أنه عاد للمعسكر.. عُد أنت أيضاً وخذ قسطاً من الراحة بعد هذا المجهود.. سنغادر مع نهاية هذا اليوم دون إبطاء.."
هزت رأسها موافقة، واستدارت لتغادر عندما استوقفها قادور قائلاً "ما الذي سنفعله بالكشميتي يا جام عند رحيلنا؟"
نظرت ججي له وقادور يضيف "لا يمكننا أخذه معنا إلى القبيلة.. وهو لم يحاول المغادرة ولو لمرة واحدة طوال هذا الوقت.."
قالت ججي باهتمام "ولمَ لا نصطحبه معنا للقبيلة؟.. إنه لا يملك وطناً يعود إليه.. من المحزن أن يبقى تائهاً في العراء وحيداً.."
غمغم قادور "من الغريب أن يلجأ شخص للبقاء مع الأكاشي لوقت طويل.. فسمعتنا لا تسمح للغرباء بذلك.."
فقالت ججي "لكنه أنقذ حياتي سابقاً.. فليبقَ معنا حتى يرغب بالرحيل بنفسه.."
فقال قادور وهو يستدير مبتعداً "لا بأس.. افعل ما يحلو لك يا جام.."
عندها غادرت ججي عائدة إلى معسكر الأكاشي دون إبطاء.. كان قلة من الأكاشي قد لجؤوا للعودة للمعسكر بينما بقي الجزء الأعظم منهم لنهب كل ما يمكن حمله من غنائم من الجيش المنهزم، وتكونت أغلبها من السيوف والدروع وبعض الأطعمة والملابس.. بينما تركوا البنادق في مواقعها لأنهم لا يهتمون بها ولا يعرفون كيفية استخدامها لذلك هي بلا قيمة عندهم، إلا من فكر ببيعها للمدن والقرى القريبة من السهول..
وصلت ججي إلى المعسكر الذي كان شبه خالٍ من الرجال، وسارت فوراً إلى خيمة أبيها لتجد كين نائماً بوضعية الجلوس كما تركته في الليلة الماضية، وقد انتبه مذعوراً عندما سمع صوت خطواتها واعتدل جالساً وهو يقبض على السيف بيده.. ولما رآها، قال بشيء من القلق "هل انتهت المعركة؟"
أجابت ججي بابتسامة "لقد انتهت المعركة منذ أمدٍ بعيد.. وكانت الهزيمة من نصيب الجيش العربي المعتدّ بنفسه.."
رفع كين حاجبيه بصدمة كبيرة لهذا الخبر، وقال مذهولاً "كيف تمكنتم من ذلك؟.. كيف تغلبتم على المدافع والبنادق بسيوفكم ودروعكم فقط؟"
ركعت قربه وقالت مشيرة لعقلها "ببعض الحيلة.. ولكي لا يستهين بنا أعداؤنا ظانين أننا مجرد قبائل همجية بلا عقل.."
ظل كين صامتاً يحاول استيعاب مثل ذلك الخبر الغريب.. كان واثقاً أشد الثقة أن الأكاشي سيهزمون خلال الساعات الأولى، وعندها سيجد أن جنود الجيش العربي سيندفعون نحو هذا المخيم ليقضوا على من بقي من الأكاشي فيه.. وكونه من الكشميت لن يجعل موقفه أفضل في أعين الجنود العرب، فالمودة بين الكشميت والعرب مفقودة منذ بدء تكوين المملكة العربية بقيادة الملك فارس.. لذلك قضى الساعات الماضية مرتعباً في موقعه بانتظار هجوم الجيش العربي على هذا المخيم..
انتبه لججي التي قالت بابتسامة متسعة "كن سعيداً يا كين.. بما أنك لا تملك موطناً ترحل إليه، فلقد وافق أبي على أن تعود معنا لمخيم قبيلتنا.."
لكن كين لم يظهر أي سعادة لهذا الخبر، وهو يخفض وجهه ببؤسٍ واضح، فقالت ججي بابتسامة جانبية "العيش مع قبيلتنا لن يكون سيئاً أبداً.. صدقني.."
غمغم كين "أنتِ تقولين هذا لأنها موطنك.."
فقالت ججي "وهل تملك مكاناً آخر ترحل إليه؟"
صمت كين دون إجابة وهو لا يملكها حقاً.. مع مرور الأيام، تضاءل حماسه للرحيل لمملكة وادي النسور، لكن بقاءه في سهول الأكاشي ضربٌ من المستحيلات أيضاً.. فما الذي يمكنه أن يفعله؟.. هل يعود أدراجه لكشميت ويواجه قدره؟.. هل يهيم على وجهه ويرى أين ستقوده قدماه؟..
قطع تفكيره قول ججي وهي تضرب كتفه بقوة "صدقني هذه المرة.. ستحبّ العيش معنا كثيراً.. على الأقل، لن تشعر بالملل.. وستكون أيامك حافلة بالكثير من الأحداث.."
نظر لها بغير تصديق، فمالت تجاهه مضيفة "سأضمن ألا يحدث ذلك.. سأتأكد أنك ستخوض تدريباً قاسياً، وخلال سنة ستصبح شخصاً مخالفاً تماماً لما أنت عليه الآن.."
تنهد كين مغمغماً "وهل سأبقى هنا سنة كاملة؟"
هل يترك هذه الفتاة التي تظن نفسها رجلاً تسوقه أينما تشاء؟.. هو بالفعل غير مستقر على أمر.. لا يزال يخشى الرحيل وحيداً في هذه السهول، ولا شك أن القوافل ستبقى منقطعة عن هذه السهول مع أخبار الحرب التي لا يشك أن يصل خبرها أطراف الأرض الأربعة.. فحتى متى يستطيع الصمود في هذه السهول الدموية؟..
متى سيقرر حقاً أنه سيغادر هذه القبائل الذي لا يزال يصرّ أنها متوحشة ولا تتصرف بعقلانية؟..
لكن لا يسعه إلا أن يصبر حتى تسنح له الفرصة الملائمة لذلك.. ولا يعلم حتى الآن متى سيكون ذلك..
************************
|