لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-01-16, 07:36 PM   المشاركة رقم: 21
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,112
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 
دعوه لزيارة موضوعي

رائعة
موجعة
مؤثرة


هذا انطباعي اﻷول


لي عودة بتعليق لاحقا بعد استرداد انفاسي

 
 

 

عرض البوم صور bluemay   رد مع اقتباس
قديم 06-01-16, 08:41 AM   المشاركة رقم: 22
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

يسعدني أنها قد راقت لك حتى الآن يا عزيزتي
أتمنى أن يعجبك القادم أكثر بإذن الله..

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 06-01-16, 08:47 AM   المشاركة رقم: 23
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

الفصل الثالث {رحلة ولقاء}


بعد أيام قليلة، استيقظت ججي قبل الفجر بكثير على نداء أبيها لها.. فنهضت بنشاط رغماً عنها رغم الآلام التي تشعر بها في جسدها منذ عراكها مع الفتية.. ولما خرجت من الخيمة، وجدت مينار يعاون أباها على تهيئة حصانه، بينما وقف حصان مينار في موقع قريب بكامل تجهيزاته.. ولما رآها قادور قال لها "جام.. أحضر فرسك وقم بتهيئتها وتجهيز نفسك لرحلة سنقوم بها حالاً.."
تطلعت ججي للمؤونة التي يضعها مينار في الخُرج الذي يحمله الحصان على ظهره، فبدا لها أن رحلتهم لن تتجاوز عدة ساعات بأي حال.. عندها أسرعت إلى الغبراء ووضعت السرج على ظهرها وهي تثبته بإحكام، ثم جذبتها عائدة للموقع الذي ينتظرها فيه الآخران، وقامت بتجهيز مؤونة صغيرة لها وضعتها في خُرْج الحصان مع بعض الماء في قربة.. ولما امتطى قادور ومينار ظهري حصانيهما، أسرعت ججي تتبعهما بصمت دون أن تسأل عن مغزى وهدف هذه الرحلة.. بما أنهما قد احتفظا بوجهة الرحلة سراً منذ البدء، فقد أدركت أن أيهما لن يجيب عن تساؤلاتها مهما ألحّت في طرحها.. لذلك أيقنت أن عليها الانتظار لتعرف هدف هذه الرحلة التي لن يقوم بها إلا ثلاثتهم.. ونوعاً ما اقتنعت أنها رحلة صيد من التي يقوم بها رجال القبيلة بين وقت وآخر جماعاتٍ وفرادى، رغم أن أباها لم يكن يذهب في تلك الرحلات لانشغاله بأمور القبيلة والمخيم ولعمره الذي ما عاد يتيح له الاستمتاع بهذه الأمور..
سار الثلاثة بشيء من البطء حتى غادروا المخيّم الصامت والذي لم تشرق عليه الشمس بعد.. وعند ابتعادهم من المخيّم، دفع قادور حصانه ليسرع شيئاً ما فتبعه مينار وججي وهم يعبرون التلال القريبة نحو الغرب.. لم يكن الشتاء قد بدأ بعد، لذلك كان الجو على شيء من الدفء ولم يكن أحدهم بحاجة لارتداء معاطف ثقيلة، بينما بدت السهول أكثر خضرة من المعتاد والزهور البرية تغزو أجزاء كبيرة منها بلون أبيض وأصفر وأحمر مكونة حقولاً صغيرة طبيعية لا دخل للبشر فيها.. وبعد مسافة ساعة على الأقل، خفف الثلاثة سيرهم وإن ظلوا يقطعون التلال القريبة متأملين الموقع بصمت بعد أن بدأت ملامح الفجر القريب من خلفهم.. فقال قادور بانشراح "يا لهذا المنظر!.. إنه يذكرني بذكريات قديمة عن أيامٍ مضت كنا نخرج فيها للصيد قبل الفجر.. ألا تذكرها يا مينار؟"
علق مينار قائلاً "وكيف لي أن أنساها؟.. لقد قضينا أغلب أوقاتنا بعيداً عن المخيم في رحلات صيد تدوم عدة أيام، ولم نترك هذه العادة إلا عندما أصبحت زعيماً للقبيلة رغم سنك الصغير آنذاك.."
غمغم قادور "لم يدُر بذهني بتاتاً أنني قد أصبح زعيماً في الثلاثين من عمري.. كان كل همّي آنذاك أن أكون حراً وأعيش حياة طليقة بعيداً عن الالتزامات.."
ثم ابتسم مضيفاً "لكن كل ذلك انقضى.. لم نعُد في سنٍ يسمح لنا بالاستمتاع بهذه الأمور كالسابق.."
فقال مينار "تحدث عن نفسك.. أنسيتَ أنني أصغرك بعشر سنوات على الأقل؟.. أمامي عشر سنواتٍ أخرى حتى أصبح ما أنت عليه الآن.."
ضحك قادور لقوله، بينما ظلت ججي صامتة تستمع لحديثهما مبتسمة بدورها وهي متعجبة من رؤية هذه الابتسامة على وجه أبيها.. لطالما عرفت أباها بوجه متجهمٍ وصمت يطول ولا يقطعه إلا للبت في أمرٍ مهمٍ أو التعليق على أمرٍ عارضٍ كزعيم للقبيلة.. لا تذكر أنه جلس في أي يوم في خيمته يتحدث براحة ويضحك مع عائلته، ولا تذكر أنها سمعته يتبادل أطراف الحديث مع أمها إلا في أوقات معدودة لا تتجاوز حديثهما عن أمرٍ طارئٍ عليهما البت فيه.. ولم تكن مشاركة قادور في الأمر تتجاوز إبداء رأيٍ قاطعٍ لا يقبل المفاوضة بتاتاً..
بعد شروق الشمس، عثر الركب الصغير على غزال يقتات قرب أجمة صغيرة، وسرعان ما بدأت المطاردة في السهول الواسعة التي لا تمنح الغزال فرصة للهرب أو الاختباء.. ورغم أن ججي هي الأخف على ظهر الفرس وكانت الأسرع بينهم، إلا أن خبرتها الضعيفة في رمي السهام جعلت كل سهامها تطيش أو تسقط عند أقدام الغزال الشارد.. وبينما لحقها مينار بخفة، فإن قادور لم يحاول المنافسة في هذا الأمر وهو مدرك أن مينار سيتغلب عليه بسرعته وخبرته الكبيرة مقارنة بمهارة قادور التي لم يمارسها منذ سنواتٍ عديدة.. ورغم استماتة الغزال في الهرب، إلا أن سهماً أطلقه مينار بدقة أصابه في عنقه وأرداه في الحال..
ورغم الطريدة الكبيرة، إلا أن رحلتهم لم تنتهِ والصيد استمر لعدة ساعات، وأثمر عن ذلك الغزال وعددٍ من الأرانب وزوج من الدجاج البري.. ولما توقف الركب الصغير لنيل بعض الراحة، ترجلت ججي من فرسها وهي تدمدم "لم أتمكن من صيد أي شيء اليوم، رغم أن هذه رحلتي الأولى.."
علق مينار قائلاً "لازلت ضعيفاً في استخدام القوس والسهام، وهما أساسيان في الصيد.. لا يمكنك ملاحقة الغزلان بالسيف.."
فقالت ججي "لم أتعلم استخدام القوس والسهام إلا مؤخراً.. مازلت بحاجة لبعض التدريب قبل أن أتقنه.."
فقال قادور "ستفعل ذلك يا جام.. يجب أن تفعل.."
تنهدت ججي وهي تتطلع للقوس المعلق في سرج الغبراء.. ثم عادت للبقية وعاونت في إشعال النيران وشيّ الدجاج بعد تنظيفه وتحضيره للغداء مع انتصاف ذلك النهار..
بعد مرور بعض الوقت، وبعد راحة قصيرة حصل عليها الثلاثة في ذلك الموقع النائي، نهض قادور أخيراً قائلاً "فلنعد.. يكفينا ما حصلنا عليه اليوم.."
ووجّه الحديث لججي مضيفاً "ضع ما اصطدناه على حصاني.."
أسرعت ججي لتنفيذ أمره وهي تقوم بتعليق الأرانب من أقدامها في سرج حصان أبيها الأدهم، بينما وضع مينار الغزال على ظهر حصانه وثبته ببعض الحبال.. وبعد أن امتطى قادور ومينار حصانيهما، أسرعت ججي عائدة للغبراء لتمتطيها عندما سمعت قادور يقول لها "جام.. أنت ستظل هنا.."
التفتت إليه ججي بعدم فهم وقالت "هنا؟.. لماذا؟.."
قال بهدوء "فلتعتبر هذا اختباراً لك.. ستبقى هنا ثلاثة أيام، وسأعود إليك في اليوم الثالث.. عليك أن تتدبر أمورك وحيداً.."
قالت ججي رافعة حاجبيها "لكني لم أتزود بما يناسب هذه المدة.. ظننت أننا سنعود قبل غروب الشمس.."
فقال قادور وهو يجذب لجام حصانه "هذا أفضل.. يمكنك الآن أن تمرّن نفسك على استخدام القوس والسهام بشكل أفضل لو أردت أن تعيش.."
أدار حصانه وابتعد عن الموقع تاركاً ججي تقف وحيدة في هذه السهول الواسعة والتي لا يكاد يتردد فيها أي صوت.. وسرعان ما تبعه مينار الذي علق "أليس هذا قاسياً على عمره؟.."
قال قادور بحزم "لا.. لن يكون هذا أقسى مما سيأتي في حياته القادمة.. عليه أن يتعلم الاعتماد على نفسه بأسرع ما يمكنه.."
لم يعترض مينار وهو موقن أن قرار قادور لا يمكن التراجع عنه، بينما ظلت ججي تراقبهما وحيدة بتعجب وشيء من الدهشة.. تعجبت أكثر لأن أباها رفض إخبارها بهدف رحلتهم هذه لتزداد من المؤونة قبل مغادرتهم المخيم.. فهل كان يتعمد ذلك؟.. أهو يرى أن خوضها هذه التجربة دون استعداد كبير أفضل لها لو واجهت مثل هذه المواقف مستقبلاً؟.. قد يكون ذلك صحيحاً، لكن بالنظر لسنها الصغيرة فإن هذا قرار صعب وخطير.. قد تكون ججي أقوى من كل الفتيات في قبيلتها، وأقوى من الصبية الذين يقاربونها في العمر، لكنها تظل مع ذلك صغيرة.. ما الذي يمكنها فعله لو واجهها بعض اللصوص أو رجال قبيلة أخرى؟..
لم تحاول ججي التفكير في هذا الأمر وهي تمتطي ظهر الغبراء مغمغمة "يبدو أن عليّ التمرن على استخدام القوس والسهام منذ الآن لو لم أرِدْ أن أبقى دون عشاء.. وعليّ البحث عن جدول ماءٍ قريب.."
انطلقت بالغبراء في موقع مغاير لموقع المخيم وهي تتلفت حولها في السهول الفسيحة والأفق البعيد.. كانت تلك هي المرة الأولى التي تغادر فيها المخيم وتبتعد لهذه المسافة وحيدة ودون رقابة مينار، ورغم التوجس الذي شعرت به في لحظات قصيرة فإنها الآن تشعر بالانطلاق وشيء من الحرية.. ما الذي عليها أن تخشاه؟.. لو واجهت حيواناً ضارياً فسيفها كفيل بالدفاع عنها بكل يسر، ولو واجهت جماعة من اللصوص ففرسها ستطير بها بخفة أسرع من أي خيلٍ أخرى.. أيقنت ججي أن هذه التجربة ستكون سهلة يسيرة، ولذلك انشغلت بالبحث عن طعام وماء دون أن تقلق لما سيجري لها في الأيام الثلاثة القادمة..

************************

قضت ججي ليلتها الأولى في السهول قرب نار أشعلتها للتدفئة ولتخويف أي حيوانٍ ضارٍ قد يفكر بالاقتراب منها.. بعد يوم طويل قضته في البحث عن طريدة تصطادها دون فائدة تذكر، وبعد عدة ساعات أمضتها في التدريب على رمي السهام قبل مغيب الشمس، كان الإنهاك قد بلغ من ججي مبلغه وهي تنام بسكون دون أن تحمل أي همّ أو قلق يسهدها أو يبعد النوم من عينيها..
وفي اليوم التالي، ومع اللمحات الأولى من أضواء ذلك النهار، كانت ججي تقطع تلك السهول بحثاً عن طريدتها بعد نوم عميق ومريح رغم البرودة التي سادت تلك الليلة الباردة، محاولة مغافلة أي حيوان تعثر عليه قبل أن يشتدّ انتباهه وينفض الكسل عن جسده.. وقد أبقت قوسها وسهمها في يدها بتحفز لاستغلال الفرصة قبل أن ينتبه الحيوان لاقترابها منه.. ورغم ذلك، وجدت صعوبة في اصطياد أحد غزالين عثرت عليهما في جانب إحدى الأشجار ساكنين، لكنهما منذ سمعا صوت حوافر الغبراء استدارا وحاولا الهرب ليخطئهما سهم ججي التي اشتدّ غيظها مع الجوع الذي بدأ يستبدّ بها.. وبعد هرب الغزالين، نقلت ججي انتباهها إلى بعض الحمام على تلك الشجرة والذي ولّى هارباً مع السهام التي أطلقتها نحوها تباعاً..
تأففت ججي وهي تقترب من السهام التي انغرزت أرضاً والتقطتها دون أن تهبط وهي تحاول تفادي السقوط من على ظهر الغبراء.. ولما التقطت السهم الأخير لاحظت ذلك الأرنب البني الذي ركض بأقصى سرعة مبتعداً عن موقعها.. عندها لكزت ججي الغبراء وهي تهتف "فلنتبعه يا غبراء.."
أسرعت الغبراء تطيع أمرها بينما شدّت ججي قوسها بسهم جديد وهي تحاول إحكام التصويب دون أن تقترب كثيراً من الأرنب لئلا تثير فزعه أكثر فيغيّر وجهته.. وأطلقت سهمها وهي تمتم "سأصيبه هذه المرة بالتأكيد.."
رغم أنها حاولت أن تتقن التصويب مع ركض الفرس السريع خلف الأرنب، إلا أن السهم عندما أطلقته لم يتمكن من إصابة الأرنب إلا في فخذه، ولم تكن الإصابة تمنعه من الهرب إنما تمكنت من تخفيف سرعته وهو يتعثر في ركضه..
دفعت ججي الغبراء للحاق بالأرنب الذي بدأ فخذه يصطبغ باللون الأحمر الدموي، لكنه لم يتوقف عن الهرب وهو يندفع نحو أجمة قريبة تمكنه من الاختباء والهرب من مطاردة ججي الشرسة.. فأوقفت ججي فرسها في موقع قريب وقفزت لاحقة بالأرنب المصاب الذي خلّف وراءه خيطاً من الدماء قبل أن يندسّ في الأجمة القريبة وينزوي في جحرٍ صغيرٍ أسفلها.. فلم تتردد ججي وهي تدفع ذراعها بين الأفرع المنخفضة للأجمة ونحو الجحر مغمغمة بغيظ "إلى أين تريد الهرب مني؟.. لا أريد المبيت دون عشاء هذه الليلة أيضاً.."
سمعت في تلك اللحظة فحيحاً قصيراً، وقبل أن تدرك مغزاه وتبعد ذراعها عن مصدره فوجئت بتلك العضة الحارقة التي أصابتها.. سحبت ججي ذراعها بسرعة وألم لترى تلك الأفعى التي كانت مختبئة وسط الأجمة وقد انتصبت بتحذير شديد معتبرة تصرف ججي عدواناً على أمنها.. لم تتردد ججي في سحب سيفها من حزامها وتطويحه لتفصل رأس الأفعى عن جسدها وتلقيه جانباً قبل أن تهاجمها من جديد، ثم ابتعدت عن الأجمة بخطوات متخبطة وجلست أرضاً وهي تكشف كمّ قميصها وتتطلع للعضة الدامية في ذراعها بقلق شديد.. لقد تخلت عن حذرها لوهلة لتجد أنها قد وقعت في مأزقٍ سيكلفها حياتها، خاصة وهي لا تملك خبرة كبيرة في التعامل مع الأفاعي وسمّها، وخاصة مع بعدها الكبير عن مخيم قبيلتها حيث يمكنها أن تلقى العلاج الملائم.. هل هذه الأفعى سامة؟.. للأسف هي لا تعرف ذلك، وعليها التصرف بافتراض أنها سامة حتى يثبت العكس..
أسرعت تنتزع جزءاً من قميصها من الأسفل، وربطت ذراعها في موقع أعلى العضة لتمنع سريان السم في عروقها.. لكن هذا كل ما تعرفه من إجراءات للتخلص من السم، فماذا بعد ذلك؟.. هل تعود للمخيم لو حالفها الحظ ولم تمت بالسم قبلها؟.. أم تحاول غسل الجرح للتخلص من السم بأي وسيلة كانت؟..
كان صغر سنها يعجزها عن التفكير الصحيح في هذا الوقت الحرج، وقلة خبرتها المريعة لا تجعلها تدرك عواقب أفعالها بشكل كامل.. فامتطت الغبراء بعد أن ربطت ذراعها بشيء من القوة، ثم لكزت بطن الفرس لتدفعها للركض وهي تبحث عن نهرٍ أو نبع ماءٍ قريب.. ولما عثرت على مجموعة صخور ينبع الماء من قلبها، ترجلت من على ظهر الفرس وأسرعت إلى النبع وهي تستل خنجراً من حزامها.. وبشيء من التردد، قامت بإحداث شقٍ مكان العضة بشكل بسيط، ثم دفعت ذراعها وسط المياه وهي تضغط حول الجرح لتجبر الدماء على الخروج بشكل أسرع.. كانت هذه هي الوسيلة الوحيدة التي طرأت لذهنها، لكنها لم تحاول استغلالها بشكل كبير بل اكتفت بإخراج بعض الدماء مع السم من ذراعها وهي تشعر بالألم وبشيء من الخدر في ذلك الجزء من الذراع.. وبعد بعض الوقت، رفعت يدها وهي تخفف الضغط قليلاً عن ذراعها التي تغير لونها للون الأزرق الخفيف.. كانت الرجفة قد بدأت تسري في ذراعها، وآلام قوية تنبع من موقع عضة الأفعى.. فشعرت ججي بالارتباك وهي لا تدري ما عليها فعله في مثل هذه الحالة، وهل يمكنها الاطمئنان لما فعلته أم أن عليها طلب المساعدة؟..
أخيراً، تغلب عليها عجزها وقهر حيرتها وترددها، فعادت على ظهر الغبراء وهي توجهها للوجهة الأسرع وصولاً بها للمخيم.. عليها طلب النجدة، وقد يسامحها أبوها بسبب ما جرى.. سيسامحها ولن يعتبرها ضعيفة، أليس كذلك؟..
لم يكن الوقت وقت تساؤلات وهي تركض بالغبراء والخدر يتنامى من ذراعها المصابة، وشعرت بشيء من الدوار وارتفاع حرارة العضو المصاب، ثم بدأ الألم يتصاعد وهي تشعر ببعض الدوار والزغللة في عينيها، لكنها ضغطت على نفسها وهي تدفع الغبراء للركض بأسرع ما يمكنها.. ومن على مبعدة، لاح لها سواد ما جعلها تشك بأن يكون مخيم قبيلتها.. هل كانت قريبة منهم بهذا الشكل حقاً؟.. لم تكن واثقة تماماً، ولم تكن تقدر على التحقق من هوية ذلك السواد مع الدوار الشديد الذي جعل الرؤية عسيرة وهي تشعر بإظلام شبه تام في بصرها.. وبدأ العرق يتصبب من جسدها الذي أخذ يرتجف شيئاً ما وهي تمسك بلجام الغبراء بقوة خشية سقوطها..
تراءى لها أن ذلك السواد يتحرك، لكنها لم تكن واثقة إن كان يتحرك فعلاً أم أن الدوار في رأسها هو ما هيأ لها ذلك.. ولم تلبث أن شعرت برأسها ثقيلٌ كصخرة قاسية، وتسرب منها وعيها بسرعة حتى سقطت على وجهها على ظهر الغبراء دون أن تفلت اللجام بشكل لا إرادي.. وقبل أن تفقد الوعي بلحظة طرأ لها تساؤل عن هوية ذلك المكان الذي تسير إليه الغبراء.. أهو مخيم قبيلتها؟.. أم أنه معسكر لقبيلة معادية؟.. هل ستستيقظ بعد غيبوبتها هذه، أم أن هذا سيكون آخر عهد لها بالدنيا؟..
وبالطبع، لم تجد إجابات عن تساؤلاتها هذه وهي تفقد الوعي بشكل تام دون أن تخفف الغبراء من ركضها غير مدركة ما حلّ بصاحبتها.. ومع اقتراب ذلك السواد أمامها، فإن الغبراء استمرت في ركضها حتى اقتربت من ذلك الموقع ووجدت أن رجلاً قد وقف أمامها وهو يصيح بها ليوقف اندفاعها.. فوقفت الغبراء بحدة وهي ترفع حافريها الأماميين عالياً وتطلق صهيلاً محدوداً، ومع انتفاضتها القوية فإن ججي سقطت من على ظهرها أرضاً دون حراك.. جذب الرجل لجام الغبراء لتهدئتها بينما اقترب آخر من ججي متسائلاً "ما به ذلك الفتى؟.. أهو ميت؟"
قال الأول "لا أرى أثراً للدماء على السرج.."
اقترب الرجل من ججي يتبعه فتىً لا يتجاوز السادسة عشر من عمره، فقلبا ججي على ظهرها والرجل يتفحصها بينما غمغم الفتى "أليست فتاة؟"
قال الرجل باستنكار "فتاة؟.. هذا محال.. ألا تعلم أن الأكاشي لا يسمحون للنساء بامتطاء الخيول؟"
تساءل الفتى "لماذا؟.."
أجاب الرجل وهو يتفحص الجرح في ذراعها "يقولون إنه يجلب الحظ السيء.. ورغم حماقة ما يقولونه إلا أنهم يؤمنون بذلك إيماناً تاماً.."
فغمغم الفتى وهو يتأمل ملامح ججي "لكن ملامحه لا يمكن أن تمتّ لصبي.. إنها فتاة بكل تأكيد.."
قال الرجل بعد أن انتهى من تفحص ذراعها "يبدو أن الفتى قد أصيب بعضة حيوانٍ سام.. رغم أنه تعامل مع الجرح بشيء من الخشونة، لكن يبدو أن السمّ قد انتشر في جسده.."
قال الفتى "ألن تنقذه؟"
هز الرجل كتفيه مجيباً "وهل يمكنني ذلك؟.. هذا الفتى مقضيّ عليه في كل حال.."
فقال الفتى بإلحاح "كيف يمكنك التخلي عنه بهذه الصورة؟.. إنه بحاجة للعون، فكيف نتركه يموت وحيداً في هذه الموقع المنقطع؟.. ألا تملك ترياقاً لعلاجه؟.."
قال الرجل وهو ينهض "الأدوية ليست بلا ثمن يا فتى.. وما نملكه الآن لا يمكننا التفريط به دون داعٍ.."
استوقفه الفتى قائلاً بإصرار "سأدفع لك بما أملكه من مال.. لو كنت تملك دواءً ينفعه، فلا تتردد في استخدامه.."
نظر له الرجل بتعجب معلقاً "ولمَ تفعل هذا لفتىً غريب من الأكاشي؟"
نظر الفتى لوجه ججي مغمغماً "لا أدري.. لكن من المحزن أن يموت وحيداً وبعيداً عن عائلته دون أن يجد من يمد له يد العون.."
قال الرجل وهو ينهض ويبتعد "أنت غريب الأطوار يا فتى.."
لم يعلق الفتى وهو ينظر لججي بصمت.. ربما كان الاهتمام بفرد من الأكاشي قد يقتله دون ذرة تردد عجيباً بالفعل.. لكن لم يدرِ ما الذي دفعه لفعل ما فعله في تلك اللحظات.. ولا توابع ذلك عليه فيما بعد..

************************

بعد وقت طويل قضته ججي في غيبوبة وإظلام تام، انتبهت فجأة على الآلام التي انتشرت في جسدها بالكامل.. فتحت عينيها ليؤلمها ضوء النهار الذي وجدته قوياً وهي تدير رأسها جانباً واضعة يدها على عينيها ومتأوه بصوت مسموع.. ثم وجدت ظلاً يسقط عليها وشخص يقول بلكنة سيئة "أأنت بخير؟"
عاد لججي ذكرى ما جرى لها قبل سقوطها في غيبوبة، مما استنفر حواسها بسرعة وهي تبحث عن سيفها القريب وترفعه نحو ذلك الغريب بتحذير بينما غشاوة تغطي عينيها بحيث لم تتعرف على ذلك الشخص.. تراجع الغريب بقلق بينما فوجئت ججي بالألم الحارق في ذراعها مما أجبرها على إسقاط السيف من يدها.. حاولت الاعتدال جالسة وهي تقبض على ذراعها بيدها الأخرى متألمة، فقال الغريب "لقد كنتِ مصابة، وقد تمكنا من إنقاذ حياتك بالكاد.. ما الذي تفعلينه وحيدة في هذا المكان؟.."
بعد أن زالت الغشاوة عن عينيها، نظرت ججي للمتحدث لتجده فتىً يكبرها بثلاث سنوات، أبيض البشرة بشحوب واضح وشعره الأسود الناعم طويلٌ شيئاً ما، بينما عيناه الزرقاوان تتأملانها باهتمام واضح وفضول شديد.. كانت ملامحه لا تدلّ على انتمائه للأكاشي، لكن عجزت عن معرفة هويته الحقيقية.. فتحايلت بعسر للجلوس وهي تقول بصوت يرتجف "من.. من أنت؟.."
قال بسرعة "أنا عابر سبيل، ولا أنوي إيذاءك.."
لكنها تعلمت أن العبرة بهوية الشخص وانتمائه، لا بما يردده لسانه، لذلك قالت بحدة رغم ارتجافة جسدها "من أنت؟.. لأي شعب تنتمي؟"
سمعته يقول "أيهمك معرفة ذلك حقاً؟"
بدا من مراوغته أن لن يجيبها عن سؤالها ذلك، فتجاهلته ججي بدورها وهي تنظر لذراعها المصابة لتجدها مضمدة جيداً، رغم أن الألم لا يزال ينضح منها بشكل مستمر، وجسدها لا يزال منهكاً وكأن حوافر مائة حصان قد داستها وتركتها مضعضعة الأعضاء.. تلفتت حولها لتجد أنها لم تصل لمخيم إحدى القبائل كما كانت تتخيل.. بل كان ذلك معسكراً بسيطاً أقامته تلك القافلة التي لا يتجاوز عدد أفرادها عشرون رجلاً منهم ذلك الفتى الذي جلس قربها يتأملها بصمت، وقد بدا أنهم قد خيّموا مبكراً استعداداً لقضاء تلك الليلة.. سمعت الفتى يقول بابتسامة مقاطعاً تأملاتها "أنتِ فتاة بالفعل.. لقد صدق حدسي رغم أن الرجال استنكروا رؤية فتاة من الأكاشي على ظهر فرس.."
رمقته بشيء من الحدة، ثم تساءلت "وما هي هوية هذه القافلة؟.. أليسوا من الأكاشي؟"
قال ببساطة "هل يجب أن تتأكدي من هوية جميع رجال القافلة؟.. حذرك هذا مبالغٌ به.. لقد أنقذوا حياتك فلا داعي للخوف منهم.."
صمتت ججي عن التعليق بينما تعالى صوت أحد الرجال يقول "لولا إلحاح هذا الفتى لإنقاذك لما استيقظت من غيبوبتك تلك.. لذا عليك أن تكوني شاكرة له يا فتاة.."
التفتت ججي إليه بصمت لتجده يسألها "من أنت يا صغيرة؟.. وكيف تجرأتِ على كسر قوانين الأكاشي التي تقترب من كونها مقدسة عندهم؟.."
قالت ججي بشيء من الحدة "أنا لست فتاة، ولست صغيرة.. أنا رجل.."
أطلق الرجل ضحكة على ما قالته بينما نظر لها الفتى بتعجب متسائلاً "لمَ تدّعين أنك رجل؟.."
قالت باستياء "لا يهمني إن صدقتماه أم لا.. لقد أعلنني زعيم قبيلتنا رجلاً، وقد أقام احتفالاً بذلك.. لذلك لا يحق لكما السخرية مني.."
فقال الرجل بابتسامة "لا بأس.. إذن، أيها الرجل، تعالَ لتتناول شيئاً من الطعام حتى تتمكن من الاستمرار في رحلتك هذه.."
حاولت ججي النهوض حاملة سيفها وتلفتت حولها متسائلة بقلق "هل رأيتم فرسي؟.. إنها لم تهرب، أليس كذلك؟"
استطاعت أن تلمح الغبراء في جانب المكان مع بقية الخيول، فتنهدت والرجل يقول "إنها فرسٌ مطيعة وأليفة.. لذلك لم يكن صعباً الاحتفاظ بها لحين استيقاظك.."
عندما وقفت ججي، شعرت أن ساقيها ترتجفان بقوة، لكنها دفعت سيفها في الأرض لتستند عليه وهي تحاول التقدم للغبراء والاطمئنان عليها.. لكن الفتى استوقفها قائلاً "من الأفضل لك الراحة وتناول بعض الطعام.. لا تنهكي نفسك بأي مجهود فما مررتِ به ليس هيناً.."
كانت تود أن تعترض بشدة على قوله، لكنها استسلمت بأسرع مما تمنّت وهي تجلس على صخرة قريبة محاولة تمالك رجفة جسدها.. نظرت ليدها التي بدت على شيء من الاحمرار والانتفاخ في موضع الجرح، إنما لم يتعدّ الأمر ذلك.. يبدو أنها بحاجة لبعض الوقت قبل أن تتخلص من أثر ذلك السم الذي سرى في جسدها بسبب خطأ قامت به.. لحسن حظها فإن الغبراء قد ساقتها لتقع في أيدي أشخاص يملكون لها علاجاً وبذلك أنقذوا حياتها بينما كانت هي في غيبوبة لا تدرك من أمرها شيئاً..
تنهدت وهي تنظر للطعام القليل الذي وضعه الفتى أمامها وهو يقول "لا يمكننا منحك أكثر من هذا، فالطعام شحيح لدينا بالفعل.."
نظرت للقافلة الصغيرة وللفتى الغريب قائلة "من أنتم؟.. من أين جئتم ولأين تنتوون الذهاب؟"
ابتسم الفتى مجيباً "عدنا لهذا؟.. لمَ كل هذا الإلحاح الغريب لمعرفة هوية هذه القافلة؟.. ما أهمية قافلة تجارية عن أي قافلة أخرى تمر بهذه السهول؟"
علقت ججي بشك "القوافل لا تسلك هذا الطريق عادة لأن الموقع في الشرق يكاد يخلو من المدن عدا قبائل الأكاشي وهي لم تكن مطمحاً للقوافل أبداً.. إنها تتجه للشمال في المعتاد حيث الممالك والمدن القريبة من سهول الأكاشي.."
فقال الفتى بابتسامة "نحن متجهون للشمال بالفعل.."
فقالت ججي بشك "لكن وجودكم في هذا الوقت بالذات، مثير للشك.. فلقد اختفت أغلب القوافل التي كانت تسلك ذلك الطريق منذ مدة.."
ابتسم الفتى دون أن يعلق، بينما لم تتخلّ ججي عن حذرها الذي ازداد مع مراوغة الفتى في الكلام.. إنه ليس عربياً، وهذا ما هي متأكدة منه، لكن ماذا عن البقية؟.. إن لغتهم العربية واضحة، ولا يبدو أحدهم أنه من الأكاشي.. بالقطع هم ليسوا كذلك.. فهل هم ينتمون للممالك الشمالية؟.. أم أنهم عرب حقاً؟.. ولو كانوا كذلك، فهل هم جواسيس للملك العربي متخفين في شكل قافلة عادية؟.. لطالما رأت حذر رجال قبيلتها وتعاملهم بشك مبالغ به مع أي قافلة عربية تمر بهم، ولذا شعرت بشعور مماثل وهي تنظر لما حولها بشك مبالغ به..
كانت تود لو تهرب لتنذر قبيلتها، لكن التعب والدوار الذي لم يزايلها أجبرها على الصمت وهي تأكل الطعام المقدم إليها وترمق الآخرين بحذر..

************************

مع فجر اليوم التالي، نهضت ججي وقد شعرت بقواها تعود إليها مع بعض التعب والخمول.. فقفزت واقفة وهي تحمل سيفها القريب وتتجه للغبراء.. وبعد أن اطمأنت على فرسها العزيزة، وقفت في موقع قريب وهي تقوم ببعض التمرينات بسيفها كما اعتادت دائماً علّ جسدها يستعيد قواه السابقة.. كانت قد استاءت من الضعف الذي شعرت به في اليوم السابق، وشعرت أنه وصمة عار بالنسبة لها وشيء تخجل من تذكره.. لذلك ابتدأت نهارها بتدريبات مكثفة قبل أن تذوق لقمة أو شربة ماء حتى..
ومع بدء ذلك النهار، لاحظت أن أفراد تلك القافلة قد نهضوا وبدؤوا استعداداتهم للرحيل.. ورأت الفتى يقترب منها متسائلاً "أأنتِ أفضل حالاً الآن؟.. ألازلتِ تشعرين ببعض الآلام في موضع الجرح؟"
أسرعت تجيب "لا.. أنا بخير حال.. وسأكون شاكراً لك لو لم تخاطبني كفتاة.."
غمغم الفتى "أأنتِ مقتنعة حقاً أنك رجل كبقية الرجال؟"
أجابت بحزم "أجل.. أنا رجلٌ رغم أنف من لا يعجبه ذلك.."
صمت الفتى وهو يراقبها في تلويح السيف والقيام ببضع حركات قتالية، ثم قال بتعجب "ما الذي ستستفيدينه من ذلك؟.. ألا تنالين كره الرجال بسبب كسرك لقوانينهم؟"
شعرت بالضيق لأنه أصاب قلب الحقيقة، فقالت بضيق "لا يهمني رأي الآخرين.. أن أكون رجلاً وأتحكم بمصيري خيرٌ من أن أبقى أنثى ويتحكم الرجال بي.. ولعلمك، الأكاشي لا يعاملون النساء برفق بتاتاً.."
بدأت أصوات الحيوانات تعلو استعداداً لبدء رحلة طويلة، وسمع الفتى رجلاً يناديه ليمتطي ظهر حصانه، فالتفت الفتى لججي ودفع رغيفين في يدها قائلاً "كوني بخير يا فتاة.. ولا تبقي وحيدة في العراء.."
لم تعلق وهي تراه يركض عائداً لحصانه فيمتطيه بينما بدأ أفراد القافلة بالتحرك نحو الشمال.. وسرعان ما تبعهم الفتى وهو يلوّح لججي بيده.. لكنها أدارت ظهرها للقافلة وهي تتناول الرغيفين بصمت وسرعة، ثم امتطت ظهر الغبراء ونظرت للقافلة المبتعدة وهي بحيرة من أمرها.. هل تخبر أباها بشكوكها حول تلك القافلة؟.. لكنهم أنقذوا حياتها.. هل تصمت وتتجاهل أمرهم؟.. كيف يمكنها معرفة الجواسيس عند رؤيتها لهم؟..
لكنها عزمت أخيراً على تجاهل أمرها.. إنهم متجهون للشمال، بعيداً عن مخيم قبيلتها.. لذلك أمرهم لا يهمها مادام لن يمسّ قبيلتها بسوء.. استدارت بالغبراء ولكزتها لتنطلق بسرعة عائدة للموقع الذي تركها فيه أبوها ومينار.. كانت الشمس تكاد تظهر عند الأفق، وما يزال أمامها يومان آخران قبل أن يعود أبوها أو مينار لاستعادتها.. وبعد سير قصير، عادت للموقع الذي عسكروا فيه بضع ساعات قبل رحيلهما وتركها وحيدة، فترجلت وأطلقت سراح الغبراء لترعى في موقع قريب بينما نظرت ججي حولها زافرة..
لقد حدث الكثير في اليوم الماضي، ولكنه ليس أمراً تفخر بالحديث عنه.. هل سيلومها أبوها لأنها لجأت للعون ولم تعتمد على نفسها؟.. تخشى أن يخيّب مثل هذا الخبر آماله التي علقها عليها، وقد يراها ضعيفة ولا تقدر على العناية بنفسها كما يفعل بقية الفتية في عمرها..
زفرت من جديد وغمغمت "ربما من الأفضل له ألا يعلم بشيء من هذا.."
اقتربت من الغبراء وتناولت قوسها وكنانة السهام، وعادت لشجرة قريبة فبدأت بالتدريب وصقل مهارتها في رمي السهام لشغل وقت فراغها الذي يمتدّ النهار بطوله.. وبعد مرور الساعات، اضطرت ججي للرحيل للبحث عن طريدة تصطادها.. وبعد بعض الجهد، تمكنت من اصطياد دجاج بري عثرت عليه في موقع قريب.. عندها عادت لموقعها وبدأت تهيئة صيدها للغداء بالخبرة الضئيلة التي حصلت عليها في الأيام الماضية، وأشعلت النيران لهذا الغرض..
كانت الساعات تمضي وهي منهمكة في تحضير غدائها وتناوله، وبعد بعض الراحة انشغلت في التدريب من جديد عازمة على إبهار مينار عند قدومه بمهارتها التي اكتسبتها من التدريب المتواصل.. كان النهار يمضي سريعاً وهي وحيدة في تلك السهول بعد أن خلفتها القافلة الوحيدة التي مرّت بهذه الأنحاء.. لكن ججي لم تعبأ لوحدتها، فهي لم تربى على الخوف والقلق، ولم تشعر بالحاجة لذلك حقاً رغم صغر سنها.. ترى، ما الذي ستقوله أمها بعد كل ما جرى؟.. لابد أنها صدمت لعودة قادور وحيداً دون أن يعيدها معه.. فهل استنكرت واعترضت بوضوح؟.. أم أنها كتمت اعتراضها كما تفعل عادة؟..
قضت ججي تلك الليلة المظلمة قرب النار التي أشعلتها وهي عاجزة عن النوم مع بعض الألم الذي تشعر به من ذراعها المصابة.. ولم تتمكن من النوم إلا بعد أن تجاوز الوقت منتصف الليل، لتستيقظ قبل الفجر مرة أخرى دون سبب.. شعرت أن جسدها مستنفرٌ ومتحفز بشكل ما، ربما بسبب السم الذي سرى بعضه في عروقها دون أن يتمكن من القضاء عليها.. فنهضت دون تذمر وهي تحمل سيفها وتبدأ تمرينها المعتاد..
وبعد أن تطاولت ساعات النهار، وججي تقضيه بصمت كما فعلت في اليومين السابقين، فإن السكون والهدوء في ذلك الموقع من السهول لم يتغير بتاتاً.. ومع انقضاء ذلك النهار دون أن يبدو أي شخص عند الأفق، فإن بعض القلق قد راود ججي وهي تبحث بعينيها عن أي أثر لأي شخص من طرف أبيها.. هل نسوها؟.. مستحيل.. ربما اختلطت الأيام على أبيها ولم يدرك أنها قد أكملت ثلاثة أيام وحيدة في هذا الموقع.. فهل جرى أمرٌ في المخيم شغلهم عنها؟.. وما هو ذلك الأمر الجلل الذي سيشغل أباها عن استعادتها؟.. هل تعرض المخيم لهجوم من إحدى القبائل؟.. وإزاء ذلك الخاطر، ركضت ججي عائدة إلى الغبراء وقفزت على ظهرها جاذبة اللجام وهي تهتف "لنعد يا غبراء.. أخشى أن يكون قد حلّ بالقبيلة مكروه أثناء غيابنا.."
ركضت بالغبراء بأسرع ما تستطيع عائدة للمخيم.. ورغم أنها لم تجتز تلك السهول وحيدة من قبل، لكنها اعتمدت على حدسها في العودة لموقع القبيلة.. ولما رأت المنحدر الصخري الذي يطلّ على الخليج خلفه، لم يكن من الصعب عليها أن تتبعه عائدة لموقع المخيم..
لم يستغرق الأمر منها وقتاً طويلاً للعودة والهواجس تتتابع في عقلها وصورٌ مفزعة تتراءى لعينيها عما يمكن أن تراه عند عودتها.. لكن مع اقترابها من المخيم، ومع رؤية القطيع من الخراف الذي كان في طريقه لحظيرته وهو يصدر ثغاءً عالياً، شعرت أن تلك الهواجس التي راودتها لم يكن لها أثر من الصحة.. بدت الأمور في المخيم طبيعية، وبدا أفراد القبيلة منشغلون بأعمالهم بشكل اعتيادي.. خففت ججي من سرعتها وهي تسير على ظهر الغبراء عابرة بين بعض الخيم حتى اقتربت من الساحة التي تتوسط المكان.. وهناك، رأت الموقع الذي يجتمع فيه قادور عادة مع رجال القبيلة، ورأته هناك جالساً مع مينار وهما يحتسيان الشاي ويدخنان بعض الأعشاب المحلية في غليونٍ طويل شيئاً ما.. وقد رمقاها بصمت عند قدومها دون أن يظهرا أي تعجب أو دهشة مما زاد من دهشتها هي..
أسرعت ججي تترجل عن الغبراء وتقدمت من أبيها قائلة "عمتَ مساءً يا أبي.."
فقال قادور بابتسامة جانبية "مرحباً بك يا جام.. لقد كنا بانتظارك.."
قلبت ججي بصرها بينه وبين مينار بدهشة، فعلق مينار "هل كنت تنتظرنا؟.. لقد أتممتَ ثلاث أيام وحيداً، وقد تراهنّا على قدرتك على العودة للمخيم وحيداً.."
غمغمت ججي بدهشة "تراهنتما؟"
قال مينار "أجل.. في الواقع اختلفنا في أمر واحد، فكلانا كان واثقاً أنك ستتمكن من العودة وحيداً قبل غروب شمس هذا اليوم، لذلك لم نتمكن من جعل الأمر يبدو كرهانٍ فعلاً.."
لم تملك ججي إلا أن تبتسم بشيء من السرور لثقة أبيها ومينار بها، وقالت وهي تقف قريبة "لقد انتظرت عودتكما أو قدوم شخص من طرفكما طوال النهار.. ثم غلبني القلق من حدوث أمر ما للمخيم في الأيام الماضية، وهو السبب الوحيد الذي طرأ لذهني لتغيبكما طوال اليوم.. ولم أدرك أن الأمر كان له علاقة برهانٍ بينكما.."
تساءل مينار "لكن ما بالك شاحب اللون؟.. ما الذي جرى لك في اليومين الماضيين؟"
أسرعت ججي لتقول "لم يحدث شيء.. لكني انشغلت بالتدريب عن الصيد، ولم أتناول من الطعام إلا أقلّه.."
فقال مينار بابتسامة "تشاغلت بالتدريب أم أنك عجزت عن اصطياد شيء؟"
هتفت بسرعة "لم يكن هذا ما عنيته.."
ضحك قادور لهتافها الذي كان كاعتراف ضمني منها، ثم أشار لها بيده لتجلس على البساط الذي يجلسان عليه، وهو أمر أثار دهشتها وفي الآن ذاته لهفة كبيرة في صدرها.. فعادة لا تقترب النسوة من مجلس زعيم القبيلة، ولا يحق حتى للفتية الجلوس على هذا البساط بل يكتفون بالبقاء وقوفاً في موقع قريب للاستماع للأحاديث الدائرة بين الزعيم ورجال القبيلة.. فهل تفهم من دعوته لها أنه يعترف بها كرجل مثل بقية رجال القبيلة؟..
لم تتوانَ ججي عن تلبية دعوته وهي تجلس في موضع قريب على البساط جلسة متحفزة، فربت قادور على كتفها وهو يقول بابتسامة عريضة "لا داعي لهذا التحفز يا جام.. لقد أصبحت رجلاً بالفعل، وأنجزت كل ما طلبته منك دون تردد أو خنوع.. والآن، يحق لي أن أفخر بك كابن لي.."
بدت ابتسامة فخورة على وجه قادور بينما نظر لها مينار بفخر وسرور واضحين.. فقالت ججي بصوت لم تملك تهدجه "وأنا سأكون كما تحب لي يا أبي.. ولن أخذلك أبداً.."
ربت قادور على كتفها من جديد، ثم قال لها "إذن أخبرني بما جرى لك في الأيام الماضية.. كيف تمكنت من تدبر أمورك وحيداً؟.."
أخبرته ججي بكل ما جرى لها في السهول وحيدة في الليلتين الماضيتين، دون أن تأتي بذكر القافلة التي مرت عليها والفتى الذي أنقذ حياتها.. لقد أصبحت محط فخر أبيها ونالت إعجابه واحترامه، ولا يمكن أن تفسد هذا الأمر بذكر لحظة الضعف التي مرت بها في ذلك الوقت.. الضعف غير مقبول أبداً، وخاصة منها هي..
************************

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 06-01-16, 06:05 PM   المشاركة رقم: 24
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,112
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 
دعوه لزيارة موضوعي

سلمت يداك


اتوقع للفصل الثالث بأن هذا الفتى لم تنتهي قصته هنا وان وراءه سر ما
وربما تجمعه اﻷيام ب ججي مرة أخرى كأعداء او ترد له جميله بمساعدته او اخراجه من مأزق ما.
وعندي شعور بأنه من كشميت ولا ادري لماذا احسست بهذا.



بصراحة انا لا الوم ابوها فقلبه مفجوع بمقتل ابنه و وريثه
و ججي هي من اججت فيه لهيب هذه الفكرة وانها ستكون خلفا له
هي تحمل شعلة بحاجة ﻹهتمام ليزداد وهجها
وقد وجدت في ابيها ومينار خير عون لذلك

اظنها ستتغلب على الصعاب وتمسك بقبضة حديدية زمام اﻷمور وتفرض احترامها
على رجال قبيلتها
وإن لم تخف عداوة بعضهم لها


هي مختلفة تماما عن روايتك السابقة ولكنها متميزة
وتشد القارئ لمتابعتها ومعرفة ما ستؤول إليه اﻷمور


سعيدة بإنضمامي لقافلة متابعاتك وكلي شوق للقادم

تقبلي مروري وخالص ودي


«اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي»

 
 

 

عرض البوم صور bluemay   رد مع اقتباس
قديم 06-01-16, 08:19 PM   المشاركة رقم: 25
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

تخميناتك بخصوص الفتى ستعرفين أجوبتها قريباً جداً
لذا لن أقول إن كانت صائبة أم لا..

لمجرد العلم، الزعامة لا تورث في قبائل الأكاشي
بل هي للأقوى (أو الأفضل) من بين رجال القبيلة
سواء أمات الزعيم السابق في معركة أو بشكل طبيعي
أو قتله رجاله للتخلص منه

هذه الرواية مختلفة، فهي لا تملك خيال وسحر الرواية السابقة
وموقعها محدود في سهول الأكاشي رغم اتساعها
كما أنها تتناول موضوعاً ليس غريباً (تهميش الأنثى.. الحروب والنزاعات بين القوى في المنطقة)
لكني سعيدة أنها أعجبتك رغم اختلافها

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السماء.., ابنة
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 11:18 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية