لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-01-16, 02:45 PM   المشاركة رقم: 116
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

بإذن الله سيكون آخر الأحزان في هذه الرواية
لا أعد بنهاية سعيدة
لكنها ستعجبكم إن شاء الله
فانتظروني غداً مع الفصل الأخير من هذه الرواية..

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 24-01-16, 10:25 PM   المشاركة رقم: 117
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قاريء مميز


البيانات
التسجيل: Dec 2014
العضوية: 285617
المشاركات: 759
الجنس أنثى
معدل التقييم: مملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1593

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مملكة الغيوم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

فصل حزين خيال توقعت غدر الملك فارس لكن انه يستخدم مخدر حتى يتغلب على خصومه هى خسه وحقاره ووضاعه هم اضاعو هيبته وهو صاحى فاضاع اعمارهم مخدرين غير واعين لما حولهم فرق كبير بين الاكاش والملك الاكاش رغم توحشهم لكن حاربو بشرف لكن الملك تصرف بنداله وخسه عار عليه ما فعل الحرب خدعه لكن غدر فى حالة اعطاء امان خمسة ايام ليس من شيم المتحالفين
رغم ما فعله رجال جيجى لحمايتها الا انها اصيبت وفى اكثر من موضع اتمنى ان تبريق وبقية رجالها يكونو بخير ويتم انقاذها
سلمت يداكى خيال لكن قفله شريره منك سوف اضمك لقائمة الكتاب الاشرار

 
 

 

عرض البوم صور مملكة الغيوم   رد مع اقتباس
قديم 25-01-16, 02:41 PM   المشاركة رقم: 118
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

ليست كل الحروب تحسم بالأمانة والشرف
الكثير الكثير منها يحسم بالخداع والاستغلال
الملك فارس يجب أن يحفظ ماء وجهه أمام بقية الشعوب
لذا كانت هذه وسيلته الأخيرة للقيام بخطوة حاسمة في هذه الحرب
أرجو أن تعيدي النظر في أي خانة ستصنفينني بعد نهاية هذه الرواية
أنتظر رأيك بالفصل الأخير بإذن الله

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 25-01-16, 02:44 PM   المشاركة رقم: 119
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

الفصل الخامس والعشرون {مثواي الأخير}


في جانب آخر من ذلك البحر الشاسع، والذي لا تكف السفن عن مخر عبابه طوال السنة مهما كانت قسوة الجو تتسبب بثورانه.. وفي منتصف الساحل الشرقي من قارة الثنايا، تقع تلك المدينة الحصينة التي قام الملوك ببنائها في موقع استراتيجي يمنحها حصانة أكبر من المدن العادية.. فمن جهة هي تطل على خليج ضيق يمنح المدينة منفذاً على البحر، ومن الجهة الأخرى فإن الملوك قد بنوا ميناءً على رأس ذلك الخليج كنقطة مراقبة وحراسة لأي سفينة قد تحاول ولوج الخليج أو قد تشكل خطراً على المدينة التي تقع في نهايته.. كانت تلك المدينة الحصينة تقع وسط سهولٍ منبسطة ومن خلفها تمتد صحراءٌ قاسية على امتداد شاسع.. وحول المدينة، أقيمت ثلاث أسوارٍ شاهقة الارتفاع مع حامية مخصصة لحماية السور من أي هجوم.. وقد أطلق على هذه المدينة اسم (كاشتار) وتعني الحصن الحصين..
ووسط السور الأوسط، أقيم قصر ملك المملكة الفخم الذي يغطي رقعة واسعة منه، ويضمّ في قلبه عدداً من القصور الخاصة بالعائلة المالكة وأخلص رجال الملك.. كان عمر القصر من عمر المدينة بعد تعميرها، وهو لا يقل عن خمسين عاماً.. ففي البدء كانت تلك المدينة عبارة عن ميناءٍ متوسط الحجم قليل الأهمية، قبل أن يختاره الملك الأول لإنشاء عاصمة فخمة ومترامية الأطراف في موقع ذلك الميناء..
وفي أحد جوانب قصر الملك، في موقع منعزل، كانت تقع مكتبة القصر الضخمة التي تضمّ أعداداً كبيرة من الكتب الحديثة والقديمة بالإضافة لقسم خاص يحوي المعدات والأدوات الخاصة بترميم الكتب وطباعتها وتجليدها.. وفي جانب المكتبة، قرب شرفة واسعة تطل على الحديقة البهيجة للقصر، جلس كين قرب طاولة دائرية مزخرفة الحواف..
انشغل كين بقراءة ذلك الكتاب الضخم الذي وضعه على الطاولة أمامه، بينما عبثت نسمة هادئة بخصلات شعره الذي بات قصيراً.. ورغم محاولته، إلا أن تركيزه سرعان ما تشتت وهو يدير بصره نحو باب الشرفة القريب الذي فتحه على مصراعيه.. كان الجو هادئاً وساكناً في ذلك الصباح الدافئ، والنسيم يحمل له رائحة الزهور التي تعج بها حديقة القصر.. بينما خفتت الأصوات في الحديقة بشكل شبه تام إلا من بعض العصافير التي استوطنت تلك الأشجار وصدحت بأعذب الألحان..
ورغماً عنه، سرح كين متذكراً أيام السهول ولياليها التي لا تعرف الدفء ولا الهدوء.. العجيب في الأمر أنه لم يشعر في السهول بأي حنين لموطنه ولا لقصر أبيه.. لكنه الآن، وبعد وقت يعدّ قصيراً منذ غادر سهول الأكاشي، إلا أنه يشعر برغبة عارمة في العودة إليها من جديد.. لكن أنّى له ذلك؟.. لن يسمح له شقيقه الملك بالرحيل عن كشميت دون عذر قوي، وقد لمـّح أكثر من مرة عن رغبته بإعداد كين لجعله مستشاراً له وتوكيله جانباً من أعمال الملك لثقته الكبيرة به وبذكائه وأمانته..
سمع كين صوت باب المكتبة يفتح في تلك اللحظة، وهو أمر تعجب له لقلة الأشخاص الذين يأتون للمكتبة في مثل هذا الوقت.. التفت نحو الباب ليرى رجلاً يقارب الثلاثين من عمره، بشعر أسود قصير وملامح تشبه ملامح كين شبهاً كبيراً إنما يفوقه طولاً وقوة جسدية بسبب تدريبه العسكري.. يرتدي ملابس بسيطة إنما فخمة المظهر، ويحمل بيده صولجاناً ذا رأسٍ ذهبي مزخرف.. فقال وهو يقترب منه "ما الذي يجعلك تنزوي في المكتبة أغلب الأوقات؟.. أنا لا أكاد أراك بتاتاً في قاعة الحكم.."
أجاب كين "ألا تعلم كم افتقدت هذه الكتب طوال السنوات الماضية يا ترمين؟.. لا أهمية للكتابة والقراءة بتاتاً عند الأكاشي، ولا يمكنك العثور على ظل كتاب في أي موقع من تلك السهول.."
علق ترمين قائلاً "لا عجب أن يوصف الأكاشي بأنهم همجيون.. لا أدري كيف تمكنت من البقاء معهم لما يقارب سبع سنوات.."
غمغم كين "لم يكن الأمر بالسوء الذي تتخيله.."
ابتسم ترمين معلقاً "حقاً..؟!.. هذا غريب منك أنت.. أذكر حديثك عن الأكاشي مرة ووصفك لهم بأبشع الأوصاف عندما قرأت عنهم في أحد الكتب.."
فقال كين "لكن العيش معهم ليس كالقراءة عنهم بحال.. ولو عرفتهم، لأدركت أنهم يملكون صفاتٍ ندر وجودها في شعوبٍ كثيرة من هذا العالم.."
تساءل ترمين وهو يجلس على كرسي قريب "مثل ماذا؟.."
أجاب كين باهتمام "الشجاعة، والقوة، والإقدام على أي أمر دون وجل.. الأكاشي لا يعرفون الخوف، ولا يخشون الموت أبداً.. رغم أن القتل عندهم سهل جداً، لكنهم يعشقون الحياة بشكل ما، وعلاقتهم بأبناء قبيلتهم هي علاقة وطيدة لا نكاد نجد مثلها بين أفراد العائلة الواحدة.. ولا وجود للطبقية بينهم بتاتاً.. الزعيم وأفقر شخص في القبيلة يجلسان على بساط واحد ويتناولان طعاماً واحداً.."
ظل ترمين يستمع له بابتسامة وكين يضيف "لا تجد شخصاً ينام في العراء، ولا من يبات بجوعه دون أن يحصل على طعام.. إنهم شعبٌ يحمل فخراً بأصله رغم استهانة باقي الشعوب بهم، ولا تجد بينهم من يسعى للرحيل والتنكر لأصله.. وهذا قليل مما وجدته مثيراً للإعجاب فيهم.."
اتسعت ابتسامة ترمين معلقاً "أتدري أنك تبدو بغاية السعادة وأنت تتحدث عن الأكاشي؟.."
نظر له كين بدهشة وقال "لا.. لا أظن أن هذا هو حالي الآن.."
قال ترمين بتأكيد "بلى.. ملامحك تشرق بشكل مذهل وعيناك تلتمعان وأنت تتحدث عنهم.. لا تقل لي إنك أحببت هذه القبائل الوحشية!.."
صمت كين بحيرة لاقتناع ترمين بهذا القول، بينما مال ترمين نحوه متسائلاً "أم أن هناك فتاة معينة منهم قد احتلت عقلك؟.."
كان صمت كين واحمرار أذنيه إجابة شديدة الوضوح على هذا السؤال، فقال ترمين بجدية "أنت لا تفكر بالعودة يا كين.. أليس كذلك؟.."
قال كين بضيق "لمَ الكل يسألني هذا السؤال؟.."
تراجع ترمين بظهره للوراء معلقاً "أنت تعلم أنني لن أسمح لك بذلك.. ولن أسامحك لو فكرت به قط.. ضع هذا في ذهنك دائماً.."
غمغم كين بوجوم "لا تقلق.. لم تعُد عودتي للسهول ممكنة بتاتاً يا أخي.. فلا تقلق.."
سمعا صوت الباب يفتح، ولم يلبث أحد الجنود أن ولج مؤدياً التحية لهما قائلاً "هناك شخص يطلب رؤيتك بإلحاح يا مولاي.."
دهش كين لأن الحديث موجه إليه هو بالذات وليس لأخيه الملك، فتساءل "ومن يكون؟"
أجاب الجندي "إنه رجل غريب ومثير للشبهات.. كنت أنوي طرده فمثله لا يجلب إلا المتاعب، لولا أنه قد قدّم إليّ هذا الخاتم دليلاً على أنه قادمٌ بطلب منك أنت يا مولاي.."
اختلت دقات قلب كين مع رؤيته لخاتمه الفضي الذي يعرفه تمام المعرفة.. فتناول الخاتم من يد الجندي ونظر إليه بصمت وصدمة للحظات، وقد فاجأه الأمر في هذا الوقت بالذات.. ثم نظر للجندي قائلاً بلهفة "أين هو؟.. أحضره إليّ حالاً.."
فقال الجندي "إنه لا يزال عند بوابات سور القصر.. لم أتمكن من السماح له بالدخول بشكله المشبوه، كما أنه قد أحضر صندوقاً كبيراً بالي الشكل معه ورفض طلبنا لتفتيشه مما أثار توجسي أكثر فأكثر.."
لم يكد الجندي يتم قوله وكين يتجاوزه راكضاً دون تردد متجاهلاً صياح ترمين خلفه.. هرع عبر طرقات القصر وممراته نحو بابه الذي يفضي للحدائق البديعة حوله.. ولم يتوانَ عن الركض عبر ممرات الحديقة نحو بوابتها الرئيسية حيث رأى جمعاً من الجنود يحيطون برجل غريب الهيئة وسطهم.. ولما لاحظ الجنود اقترابه منهم، وقفوا له باحترام وأحدهم يقول "مولاي.. هذا الرجل الغريب......"
قاطعه كين بنفاذ صبر "أعلم ذلك.."
وخلف الجنود، استطاع أن يلمح ذلك الرجل المألوف ببشرته السمراء والجرح المائل على جبينه حتى أنفه.. فاقترب منه كين قائلاً بانفعال "تبريق؟"
ابتسم تبريق ابتسامة واسعة رغم التعب البادي على ملامحه.. لاحظ كين أنه بدا أضعف من السابق والإنهاك قد بلغ منه مبلغه، لكن ابتسامته كانت تحمل القوة والصلابة التي عهدهما فيه.. فقال كين "من كان يظن أنني قد أراك في كاشتار بعد كل هذا الوقت؟.."
علق تبريق بابتسامة "ظننتك قد طلبتني بالتحديد يا كين.."
اقترب منه كين وصافحه شاداً على يده بيديه وقال بانفعال "لقد طلبت منك ذلك بالفعل، لكن لم أتوقع يوماً أن تفي بوعدك لي بكل أمانة.."
فرد تبريق بشيء من الحنق "أنت تعلم أن الأكاشي لا يكسرون كلمتهم أبداً.."
وأشار لما خلفه مضيفاً "وها هو ما استأمنتني إياه قد عاد إليك.."
تجاوزه كين وهو يهرع إلى صندوق موضوع على عربة بسيطة خلفه، بحجم كبير شيئاً ما وقد اهترأت جوانبه لطول تنقله، فقال كين بلهفة "أهي هنا حقاً؟.."
قال تبريق "أجل.. هي هنا.."
أزاح كين غطاء الصندوق جانباً وسط دهشة الجنود لما بدا عليه من انفعال.. وفي قلب الصندوق، رأى ذلك الجسد المنطوي بسكون وملامح متعبة وسط وسادة من القش السميك التي تمنحه بعض الحماية ضد الحركة العنيفة.. فبقي كين واقفاً يتأمل ملامح الوجه الذي يحفظ تفاصيله دون تعليق.. لا يمكنه أن ينكر الانفعال الذي شعر به لرؤية ججي، رغم أنه هو من طلب إحضارها إليه في اللقاء الأخير بينه وبين تبريق قبل أن يغادر سهول الأكاشي.. لكن رؤيتها فعلاً قد كان مفاجأة له بعد أن يئس من الانتظار وبعد الأخبار التي وصلتهم عما جرى في سهول الأكاشي..
سمع تبريق يقول "للأسف، كانت توقعاتك كلها صحيحة، وغدر بنا الملك العربي كما خمّنت تماماً.. ومع إصابتها هذه، تأخرت في الهرب بها ولجأت لشخص عالجها بكل أمانة.. لكني أيقنت بعدها أن عودتها للسهول ستشكل خطراً عليها، مع الأخبار التي تناقلها الجميع عن موتها.."
تساءل كين بقلق "هل اعتنيت بجراحها جيداً؟.."
أجاب تبريق "فعلت ما بوسعي طوال تلك الرحلة على ظهر السفينة، ودعني أقل لك أن الترحال عبر البحر هو أقسى ما شهدته في حياتي.. ورغم أن جراحها آخذة في التحسن، لكنها لم تستيقظ قط منذ سقطت في تلك الغيبوبة.."
نظر له كين بصدمة متسائلاً "لمَ؟.."
أجاب تبريق هازاً كتفيه "لا أعلم.. لكن ربما تصبح أفضل لو تلقّت علاجاً صحيحاً هنا.."
صاح كين بجنوده ليحملوا الصندوق برفق إلى القصر، ثم التفت إلى تبريق مضيفاً "تعالَ معي لتأخذ قسطاً من الراحة في القصر بعد عناء مثل تلك الرحلة.. أريد أن أسمع أخبار ما جرى في غيابي.."
لم يمانع تبريق وهو يتبعه للقصر متجاوزاً الحدائق الواسعة بهيجة المنظر، وقلّب عيناه في الموقع بصمت وتعجب كبيرين معلقاً "رغم أنني تجولت لزمن في المدن والقرى العربية، لكن لا أظنني رأيت ما يزيد على هذا القصر أبهة وجمالاً.."
غمغم كين بابتسامة صغيرة "وهل هذا ما يهم؟"
علق تبريق "لا أظن ذلك.. كيف يمكنك أن تقنع ججي بالبقاء في هذا القصر وعدم العودة للسهول؟"
تساءل كين بابتسامة "هل أصبحت تناديها بهذا الاسم الآن؟"
قال تبريق هازاً كتفيه "وهل هذا مهم الآن؟.. لكن حقاً.. كيف ستقنعها بذلك؟"
أجاب كين وهو يجلس مع تبريق في إحدى الشرفات المطلة على الحديقة "دع هذا لي.. المهم، أخبرني بكل ما جرى منذ رحيلي.. كيف استطعتم النجاة من هذا الكمين الذي أعدّه لكم الملك فارس؟"
قال تبريق زافراً "كما توقعت أنت، تعرضنا لخيانة من الملك العربي في الليلة التي تبعت لقاءه بالزعماء العشر الذين حضروا الاجتماع بالإضافة لججي.. وقد قتل جنوده الزعماء العشر الذين قام الملك بتخديرهم بخدعة منه، وكاد يتسبب بموت ججي لولا هربنا منه في اللحظة الأخيرة.."
وأضاف "لقد تفرقنا عن ججي عندما حاولتُ العودة مع الرجال لإحضار الخيول والهرب بها، لكن الجنود الذين يفوقوننا عدداً قد قتلوا معظم الرجال ولم ينجُ منهم إلا القليل وقد اضطروا للهرب على الأقدام.. أنا فررت منهم بعد أن قتلت أحد الجنود وارتديت ملابسه بغفلة عن الآخرين، ولما عدت بحثاً عن ججي وجدتها قد أصيبت إصابات بالغة وفقدت وعيها قرب نهر قريب بعد أن تخلصت من ثلاث جنود حاولوا اغتيالها.. ورغم صعوبة ما واجهته في تهريبها، لكنني نجحت في إنقاذ حياتها بالكاد.. فقد نقلتها إلى موقع إحدى قرى الصيد القريبة من مدخل الخليج الذي يفصل بيننا وبين المملكة العربية، ورغم قلق الرجل الذي عالجها لأنها لم تستفق مع مرور الساعات والأيام، لكنني رأيت أن إحضارها إليك قد يكون أكثر فائدة لها من إعادتها للقبيلة.."
غمغم كين بإشفاق وهو يتذكر هيئة ججي الغافية وسط الصندوق "لابد أنها واجهت أوقاتاً صعبة وحيدة حتى عودتك.. ولو تأخرت أكثر من اللازم، لربما......"
بدا أن الفكرة تسوؤه، فصمت وهو يتنهد.. بينما انشغل تبريق بأصناف الطعام التي صفّت أمامه وهو يغمغم بجذل "يبدو أنك تعيش في نعيمٍ بالفعل.."
تأمل كين انهماك تبريق في تناول ما تطاله يده، ثم تساءل "ما الذي سيجري الآن لقبائل الأكاشي بعد هذه الخدعة الغادرة من الملك؟"
قال تبريق بدون أن يبدو القلق في صوته "لا نعلم.. لكننا سنستمر بالمقاومة دون شك.. لن نصمت على ما سيجري مهما طال الزمن.."
لم يعلق كين وهو مدرك أن الأمور قد تكون أسوأ من كل توقعات تبريق، لكنه قال بابتسامة راحة "سعيدٌ لأنك بخير يا تبريق.. ابقَ في القصر ما طاب لك حتى تسترد قواك بشكل كامل.."
هز تبريق رأسه نفياً وقال "لا يمكنني ذلك.. عليّ الرحيل والعودة للقبيلة.. لابد أن أخبار ما جرى قد وصلت إليهم، ولابد أن تينا بأشد القلق الآن.."
ثم زفر وهو يتطلع للسماء مضيفاً "وما سيجرى في السهول سيصل خبره إليكم بكل تأكيد.. فمما سمعته، لم تعُد الأمور تبشر بأي خير.."
صمت كين وتفكيره يعود للسهول رغم ابتعاده عنها.. فما الذي سيجري فيها بعد كل ما جرى؟.. لا يمكنه ألا يقلق لمصير الأكاشي ومصير قبيلة ججي بعد أن قضى تلك السنوات معهم..
بعد أن أنهى تبريق طعامه، ونهض مستعداً للرحيل، اقترب كين منه فربت على كتفه قائلاً "شكراً لأنك حرصت على حماية ججي، وعلى إحضارها إليّ رغم مشقة ذلك عليك.. لن أنسى جميلك هذا يا تبريق.."
علق تبريق ضاحكاً "أنتَ أسديت لي جميلاً أكبر بغيابك عن عيني تينا.."
قطب كين قائلاً بضيق "أمازلت تظن أنها تحمل لي بعض المشاعر؟"
أجاب تبريق "لو كان الأمر كذلك، لما توانيت عن قتلك لأتخلص منك.. لكني لم أعد بحاجة لذلك الآن.."
نظر له كين بصمت وهو لا يعلم كيفية التفريق بين جدّ تبريق وبين هزله، ثم سمعه يقول "اعتنِ بزعيمتنا يا كين.. وحاول أن تمنعها من العودة للسهول من جديد في الوقت الحالي.. ليس قبل أن تهدأ الأمور تماماً ويخفت أوار الحرب المشتعلة في أرجائها.."
واستدار مبتعداً عائداً من حيث أتى، بينما صاح كين خلفه "كن بخير يا تبريق.. وإياك أن تؤذي تينا بأي شكل كان.."
نظر له تبريق بحنق لهذا التعليق، فأضاف كين "مع غياب ججي، فإن تينا أصبحت وحيدة بشكل كامل.. ولو فقدتك أنت أيضاً، فلا أحد يعلم ما سيصير إليه حالها بعدك.."
قال تبريق "أعلم ذلك بالطبع.."
وغادر دون أن يلتفت للوراء من جديد، بينما نظر كين للقصر خلفه مغمغماً "وأخيراً، يا ججي.. أخيراً عدتِ إلي.."

************************

في غرفة جانبية، لا تبعد الكثير عن الجناح المخصص لكين، استلقت ججي على سرير وسط الغرفة بصمت وسكون.. فبعد جلبها لقلب القصر، قامت بعض الخادمات في القصر بتنظيف جسدها بعد الرحلة الطويلة تلك، واستبدال ملابسها المهترئة بأخرى أنظف وأكثر ملائمة للحال التي هي عليه.. وبعدها، تولى طبيب القصر تفحص جرحها البليغ وعلاجه بما يملكه من معدات وأدوية..
ورغم العناية التي حصلت عليها في القصر بشكل لا تحلم بالحصول عليه في أي موقع آخر في العالم، فإن ججي رفضت الاستيقاظ من غيبوبتها تلك رغم مرور الأيام على بقائها في هذا المكان.. ورغم عدم تحسن حالها، لم يفارق كين موضعه قربها أغلب الأوقات بانتظار أن يبدو عليها أي تغيير للأحسن أو للأسوأ..
وفي أحد الأيام، فتح باب تلك الغرفة، ودلف منه ترمين ومن خلفه وقف جنديان بتأهب قرب الباب.. بينما تقدم ترمين من كين وقال "الآن عرفت أين تختفي من جوانب القصر ساعات طوال.. يبدو أن هذا قد أصبح مخبأك السري الجديد بعد أن هجرت المكتبة.."
لم يعلق كين وهو مندهش لقدوم ترمين لهذا الجزء من القصر.. بينما نظر ترمين لججي التي لم تستيقظ بعد متأملاً ملامحها وتساءل "أهذه هي؟"
أزاح كين خصلة انسدلت على وجه ججي برفق وقال بابتسامة "أجل.. هي ذاتها.."
فقال ترمين بابتسامة جانبية "يبدو أن نساء الأكاشي مثل رجالهم الذين اشتهروا بقوة الجسد والصلابة.. لم أتوقع أن يقع اختيارك على فتاة تفوقك في كل شيء.."
نوعاً ما شعر كين بشيء من الغيظ لهذه المقارنة الدائمة بينه وبين ججي والتي يكون فيها خاسراً بكل تأكيد، لكنه قال بهدوء رغم ذلك "نساء الأكاشي يمتزن بجمال يتفوق على كثير ممن رأت عيناي.. لكن هذه هي الوحيدة المختلفة والمتميزة بينهن.. هي الوحيدة التي تملك جمال نسائهن وقوة رجالهم.."
تساءل ترمين بتعجب "وهل هذا ما أعجبك بها حقاً؟"
قال كين بابتسامة "بل أحببتها لأنها هي بالذات.."
فجلس ترمين جانباً قائلاً "لقد سألت طبيب القصر عنها.. وهو يقول إنه لا يملك وسيلة لإيقاذها ولا لضمان حياتها.. لقد حاول علاج جراحها بكل ما يملك من علوم، لكن هذا أقصى ما يمكنه فعله.."
لم يعلق كين أو يبدو الارتياع على وجهه لهذا القول، فهو قد استجوب طبيب القصر مراراً وتكراراً بالفعل، وحصل على ذات الجواب في كل مرة.. ولما سأله ترمين "تبدو هادئاً بشكل غير معتاد.. ألا يقلقك هذا الأمر؟.."
أجاب كين بهدوء "لا.. ستستيقظ ججي عندما يحلو لها ذلك.. هذا ما أثق به.."
ضحك ترمين شيئاً ما وقال "أنت غارقٌ حتى النخاع يا أخي.. لشدّ ما تغيرت في هذه السنوات.."
ونهض مضيفاً "لا تقتل نفسك لو قررت فتاتك أنها لا تريد العودة لعالمنا هذا.."
فقال كين "لا تقلق.. لن أفعل.. ولن تفعل.."
لم يعلق ترمين وهو يغادر بابتسامة جانبية متعجبة، بينما التفت كين إلى ججي وتأمل قسماتها الهادئة هامساً "متى ستعودين إليّ يا أميرتي؟.. لا تتركيني أنتظر طويلاً فقد انتظرتك سنواتٍ طوال قبلها.."
ومسح على خدها بظاهر أصابعه مضيفاً "ولكم كان ذلك قاسياً بشدة.."
لكنه لم يلقَ منها جواباً كالعادة.. فتنهد وهو جالسٌ قربها بصمت كما اعتاد في الأيام الماضية دون ملل..

************************

عند عودة تبريق إلى مخيم قبيلة (أبناء الذئاب)، كان قد مضى شهرٌ منذ اليوم الذي غادر فيه بصحبة ججي وعشرين رجلاً للقاء الملك العربي.. كان لعودته صدىً كبيراً بين رجال القبيلة كلهم.. ورغم أنه أعاد شرح ما جرى لهم بين يدي الملك فارس مراراً وتكراراً، مكرراً ما قاله الذين سبقوه من الرجال ممن تمكنوا من الهرب، ورغم أنه أكد لهم مرات ومرات أن زعيمهم جام قد أصيب إصابة بالغة واختفى وسط الجبال، لكنه لم يتمكن من التخلص من أسئلتهم العديدة إلا بشقّ الأنفس.. لم يكن تبريق يريد الادعاء بأن ججي قد ماتت، لأنه يملك شكّاً ضئيلاً بأنها قد تصرّ على العودة لو استيقظت وأدركت ما جرى.. لكنه في الآن ذاته لم يرغب بإبلاغ رجال القبيلة بحقيقة موقعها لئلا تنتشر الأخبار ويتم استهداف حياتها من جديد بعد أن نجت من ذلك بصعوبة..
وفي الآن ذاته، علم تبريق بما جرى في السهول في الشهر الماضي، وسادر يردد بحسرة وضيق "لقد انتهى كل شيء.. لو أن جام أنصت إلينا.. لو أنه هو والزعماء لم ينساقوا خلف طمعهم بإجراء معاهدة مع عدوهم.."
علق تبريق قائلاً "لقد كانت نواياهم حسنة، ولم يقابلها الملك العربي بأمانة.. لقد خانهم في اللحظة التي رفضوا فيها وعوده الغادرة.."
علق شيتار قائلاً "والآن ما الذي سيجري للأكاشي؟"
أجاب سادر هازاً رأسه "الآن سنجني ثمار سعينا الحثيث للاحتفاظ بحريتنا وبأرضنا.. وأرجو ألا نندم على ذلك.."
وعندما عاد تبريق لخيمته بخطوات سريعة، وولج بابها الموارب، لاحظ أن الخيمة كانت باردة بشدة في الداخل، ولم تكن النار مشتعلة كما هي عادة في مثل تلك الأوقات مع اقتراب الليل.. ولما جال ببصره قلقاً في أرجائها، لاحظ جسد تينا التي كانت منطوية على فراشها بصمت دون أن تبدي حراكاً..
تقدم تبريق من فراشها مسرعاً وهو يقول بقلق "تينا؟!.. ما الذي جرى لك؟"
هبّت تينا جالسة مع صوته وهي تلتفت إليه بوجه شاحب أنهكه التفكير والبكاء، ولما رأته وتأكد لها أنها لا تتخيّل وجوده، فإنها قفزت واقفة وركضت إليه لترمي نفسها عليه دون أن تتمكن من كتم دموعها وبكائها كما حاولت أن تفعل في الأيام الماضية.. أحاطته بذراعيها وانتحبت وهي تدفن وجهها في صدره، بينما ضمّها تبريق بقوة وهو يتساءل بقلق شديد "ما الذي جرى لك يا تينا؟.. هل أصبتِ بمكروه أثناء غيابي؟.. هل تعرض لك أحد الرجال بسوء؟.."
كان لا يزال يستنكر اهتمامها به ولا يتوقعه، لذلك لم يدُر في ذهنه قط أن تكون دموعها هذه بسبب غيابه أو بسبب الأخبار التي وصلت القبيلة عما جرى لهم مع الملك العربي.. ومع تساؤلاته الملحّة، سمع تينا تقول بصوتٍ باكٍ "أين كنت طوال تلك الأسابيع؟.. لقد وصلتنا أخبار عن خيانة الملك العربي لكم، وعاد قليل من الرجال الذين ذهبوا معكم مؤكدين موت البقية واختفاءك أنت وججي.. وما ظننت عندها أنك قد تكون حياً حتى الآن.. فكيف تفزعني بهذه الطريقة؟.."
غمغم تبريق وهو يشد ذراعيه حولها "أهذا البكاء خوفاً عليّ؟.."
ضربته تينا بقبضتها على صدره وهي تصيح "لمن هو إذاً؟.. لم أذق أي نوم طوال الأسابيع الماضية، وكلما أغمضت عيني، أنهض مفزوعة وأنا أراك في الحلم مضرجاً بدمائك.. ألا تعلم ما عانيته في غيابك والحزن يكاد يأكلني؟.."
ظل تبريق ينظر لها بتعجب وابتسامة ترتسم على شفتيه، وما لبثت أن تحولت لضحكة عالية صدحت في الخيمة كلها بحيث رفعت تينا رأسها ونظرت إليه من بين دموعها قائلة بغضب "أتستهزئ بي؟.."
لم يجبها تبريق وضحكه مستمر بشكل أثار غيظ تينا التي أبعدته عنها وهي تدمدم "يا لك من أحمق.."
لكن تبريق أمسك ذراعيها وهو يقول بابتسامة متسعة "هل تلومينني لأنني أضحك بسعادة غامرة؟.."
نظرت له بدهشة وهو يضيف بحب "الآن، والآن فقط، تأكدت أنك قد أصبحت لي يا تينا.. أن قلبك قد أصبح ملكي، ولا مكان لشخص آخر فيه.."
خفضت تينا وجهها وهي تغمغم بصوت مرتجف "أنت أحمق بالفعل.."
رفع وجهها بأصابعه قائلاً بابتسامة "أحمق لأنني أحبك؟.."
سالت دموعها على خديها وهي تهمس بصوت متهدج "لا ترحل قط يا تبريق.. لا تتركني مرة أخرى أرجوك.."
ضمّها تبريق إليه وهو يغمغم "أتمنى ألا يكون طلبك هذا خوفاً على نفسك.."
هتفت وهي تنظر إليه "أنت تعلم أنني لا أخشى هذا.."
ابتسم تبريق ابتسامة متسعة.. لم يدُر بذهنه قط أنه قد يشهد يوماً كهذا.. رغم أن تينا قد لانت مشاعرها ناحيته منذ بعض الوقت، لكن هاجساً قوياً كان يشعره أنها قد استسلمت لواقعها مع استحالة عودتها لكين.. وهذا ما كان يتسبب ببؤسه الشديد وهو يفكر بهذا الخاطر.. لكنه الآن قد تأكد أنه قد امتلك قلبها بشكل كامل، وما عاد يقلق من التفكير بمشاعرها نحوه بتاتاً..
تشبثت تينا به قائلة بصوت مرتجف "ماذا عن ججي يا تبريق؟.. أحقٌ ما تناقله الأكاشي من أخبار؟.. أهي....؟"
نظر تبريق لعينيها ملاحظاً الجزع فيهما، فلم يتمكن من الكذب عليها كما فعل مع بقية رجال القبيلة.. فجذبها لتجلس وسط الخيمة وهو يجلس قربها قائلاً "سأخبرك بحقيقة ما جرى يا تينا.. لكن عديني ألا تبوحي بهذا الأمر لأحد قط.. فليبقَ هذا سراً بيننا، حتى يحين الوقت الملائم لكشف مثل هذه الحقيقة.."
نظرت له تينا بانفعال شديد، بينما اختصر لها تبريق كل ما جرى لهما منذ مغادرة المخيم نحو ذلك اللقاء الذي سيحدد مصير قبيلتهم ومصير الأكاشي للسنوات القادمة.. ولم يتوقف عن حديثه حتى أخبرها بما جرى لججي وما فعله بها حتى قام بتسليمها لكين في عاصمة مملكة كشميت.. وبالطبع، شرح لها الأسباب التي دفعته لعدم إعادتها للقبيلة رغم كل شيء..
ولما فرغ من حديثه، قالت تينا بغير تصديق "كيف يمكن أن يحدث كل هذا؟.. ما الذي سيجري لها، ولنا، الآن؟.."
قال تبريق "لا أحد يعلم ذلك.."
فغمغمت تينا "أتظنها لن تعود؟.."
ابتسم تبريق مجيباً "بالنظر لشخصية مثل ججي فأنا أتوقع أن تحاول العودة فور أن تفتح عينيها.. لكني متأكد أن كين لن يسمح لها بذلك.. لقد افترق عنها مرة، ولن يسمح لها بأن ترحل من جديد.."
ومع مرأى القلق في عينيها أضاف "لو رأيتِ القصر الذي يعيش فيه كين، فستغبطين ججي بالتأكيد.. كان قصراً ضخماً ومهيباً.. وربما كان الأكبر مما وقعت عليه عيناي حتى الآن.."
علقت تينا "أتظن أن هذا ما سيسعدها؟.."
زفر مجيباً "لا.. لا أظن أن شيئاً مثل هذا سيسعدها بتاتاً.. بالنسبة لججي، العيش في خيمة بسيطة وسط هذه السهول الشاسعة سيكون أفضل بمراحل من العيش وسط قصر تحيطه الأسوار الضخمة.."
تنهدت تينا بصمت ووجوم، فأمسك تبريق يدها بيديه قائلاً "لا تقلقي لأمرها يا تينا.. لو قررت ججي العودة، فستعود رغم كل شيء.. ولو عادت، سنكون معها في كل الأحوال، ولن نسمح لمكروه أن يصيبها بتاتاً.."
همست تينا "ربما أنا حزينة لأنني قد لا أراها مرة أخرى.. لكني أتمنى أن تكون بخير.. وأن تكون سعيدة أخيراً بعيداً عن أي ادعاءٍ أو تصنّع.. أن تعود الفتاة التي يفترض بها أن تكون، وأن تسعى خلف حياتها الخاصة وسعادتها الشخصية بعيداً عن حروب الأكاشي ومعاركهم التي لا تنتهي.."
ورفعت رأسها محدقة بالسقف وهي تغمغم "أتمنى، لو عادت، أن تعود لنا كججي.. لا كجام.."

************************

في صباح أحد الأيام، وأشعة الشمس تتغلغل عبر النافذة نحو السرير القريب مثيرة دفئاً لذيذاً يثير الرغبة بالانطواء والسكون والاستمتاع بكل لحظة منه.. في ذلك الوقت، والصمت يغمر الغرفة الهادئة، فتحت ججي عينيها فجأة لتحدق في السقف العالي فوق رأسها.. لوهلة لم تستوعب الوضع الذي هي فيه، حتى بدأ إدراكها يعود إليها شيئاً فشيئاً وظلت تتأمل المكان الغريب الذي وجدت نفسها فيه.. كان سقف المكان عالياً وتملؤه زخرفات بديعة، بينما الفراش الذي تنام عليه وثيراً بشكل لا يصدق وتضوع منه رائحة عذبة، ولم يكن مبسوطاً على الأرض كما اعتادت في السهول، بل تم رفعه بقوائم خشبية بشكل دهشت له.. وازدان المكان حولها بأثاث خشبي مزخرف يملأ كل بقعة ممكنة بازدحام لا تصدقه..
رفعت ججي جسدها بذراعين ترتجفان ونظرت حولها بصمت وصدمة والصداع يؤلم رأسها ويعجزها عن التفكير.. لكنها حاولت جاهدة أن تتذكر ما جرى لها آخر مرة قبل أن تفقد الوعي.. تذكرت خيانة الملك لهم، ومقتل زعماء القبائل على أيدي جنوده.. تذكرت محاولات قتلها، والإصابات التي أصيبت بها.. مدت يدها تتلمس خاصرتها حيث الجرح الأعمق الذي أصيبت به وقتها، فلاحظت أن الموضع لا يؤلمها وأنه قد التأم بشكل تام..
تلفتت حولها بدهشة غامرة.. إن هذا الموقع لا يمت لسهول الأكاشي بصلة، وهذا البنيان هو الأغرب الذي رأته في حياتها.. فهل استعادها رجال الملك العربي وساقوها له وهي فاقدة الوعي؟.. إذن لمَ لجأ لعلاجها؟.. لمَ لمْ يقم بالتخلص منها وهي بلا حول ولا قوة؟.. ما الذي تغير منذ فقدت وعيها حتى استعادته؟..
شعرت بتوجس كبير مع تلك الأفكار بحيث أعجزتها عن البقاء في موقعها رغم الوهن الذي تشعر به.. أنزلت ساقيها الحافيتين أرضاً وتأملت الأرضية الملساء اللامعة التي لا تغطيها أي سجاجيد.. كيف يعيش هؤلاء البشر في مباني مكتومة مثل هذه؟..
تجاوزت أفكارها وهي تخطو بوهن على الأرضية الباردة المستوية، لكنها سقطت على الفور بعد أن عجزت ساقاها المرتجفتان عن حملها.. لهثت ججي بتعب ودوار يغزو رأسها وهمست بصوت مبحوح "ما الذي جرى؟.. ما بالي ضعيفة بهذا الشكل؟.. ما الذي فعلوه بجسدي؟.."
ضربت ساقها بقوة بقبضتها محاولة دفعها للحركة كما اعتادت، ثم نهضت مضعضعة الأعضاء وهي تشعر بتعب بالغ وحنق شديد.. لم تكن تتخيل أن جسدها يمكن أن يخونها أو يستسلم لتعبه بهذه الصورة.. إنها لا تستطيع اجتياز هذه الغرفة، فكيف ستتمكن من الهرب من هذا المكان والعودة لقبيلتها؟.. حاولت الوصول للباب في الجانب البعيد من الغرفة بخطوات متخبطة وهي تكاد تتعثر بقطع الأثاث الذي تزدحم به الغرفة، بينما تسحب ساقيها سحباً وهي تتشبث بكل ما تقدر على الوصول إليه..
ولما وصلت إلى الباب أخيراً بعد مجهود كبير، وقفت للحظة متمسكة بمقبضه وهي تزفر بشكل متتابع، ثم جذبت الباب لتفتحه ملاحظة وزنه الثقيل مقارنة بالأبواب التي يستخدمونها في قبيلتها..لذلك كان عليها بذل مجهود أكبر لفتحه آملة أن يقودها للخارج.. لكن إحباطها كان كبيراً وهي ترى ذلك الممر الذي يؤدي إليه الباب والذي كان ممتداً أمامها بطول لا يصدق.. خطت ججي خطوة للخارج متلفتة حولها بدهشة، فرأت امرأة لم تتعرفها تقترب منها راكضة بانفعال شديد، فأمسكت بذراع ججي وحاولت إعادتها لتلك الغرفة عنوة.. لكن ججي خبطت يد المرأة بأقوى ما تملك وغادرت متمسكة بالحائط.. ظلت المرأة تحاول إجبارها على العودة لموقعها السابق وتتكلم بإلحاح بلغة لم تفهم منها ججي كلمة، ولما يئست من كسر عنادها، انطلقت عائدة من حيث أتت راكضة وججي تراقبها بتوتر شديد.. ازداد توترها مع رؤية تلك النوافذ الزجاجية العريضة التي تحتل جانباً من ذلك الممر، ولمرأى تلك الحديقة الزاهية التي تقع خلفه وفيها أنواعٌ من الأشجار لم يسبق لججي رؤيتها.. أين هي حقاً؟.. ما الذي تفعله هنا؟..
رأت جندياً يقترب منها بخطوات سريعة والدهشة بادية على ملامحه.. كان يرتدي زي جنود عادي مقارنة بما رأته في ساحة المعركة، لكنه يحمل سيفه معلقاً بحزامه.. وقفت ججي تراقبه بصمت وحذر، ورغم أنها كانت تشك بكونه يسعى خلف حياتها، لكنها لم تتخلّ عن حذرها تماماً.. ظلت واقفة وهي ترمقه بصمت، ولما اقترب منها وحاول أن يمسك ذراعها، فإنها تحركت بسرعة لم يتوقعها وجسدها يتصرف بتلقائية اعتادها منذ سنوات طوال.. فانحنت بسرعة على ركبتها وجذبت سيفه من غمده دون أن يتوقع ذلك، ثم دفعت السيف بسرعة نحو عنق الجندي الذي دهش وتراجع خطوة والطرف الحاد للسيف يلمس جلده.. حاول الجندي استعادة السيف منها، لكنها سحبته بعيداً عن متناول يده وركلت ساقه بقوة بحيث سقط للوراء، عندها اعتدلت ججي مستشعرة آلاماً لا تطاق في جسدها لهذا النشاط المباغت، لكنها تجاهلت ذلك وهي تضع ركبتها على صدر الجندي وتضغط السيف بشكل عرضي على عنقه بتهديد وهي تقول بلهجة حاولت جعلها صارمة "لمَ أحضرتموني إلى هنا؟.. ما الذي تنوون فعله بي؟.."
لكن الجندي أمسك السيف وأبعده عن عنقه رغماً عنها وهي تحاول مقاومته، لكنها كانت أضعف من أن تتغلب عليه.. عندها ضمّت قبضة يدها ووجهت له لكمة ظنتها قوية، ليتلقاها الجندي براحة يده الأخرى ببساطة..
كانت ججي مرتاعة للضعف البادي على جسدها في مواجهة أحد أعدائها.. إنها لم تعد تملك أي شيء مما كانت تتميز به سابقاً.. لا القوة ولا المهارة ولا حتى الإرادة على مواجهة ما يمر بها.. فما الذي فعلوه بها؟!.. هل سقوها سماً يوهن الأعضاء تدريجياً ويصيب العقل بالدوار الدائم؟..
وبينما حاولت مقاومة الجندي والتفكير في وسيلة للتخلص منه بأسرع ما يمكن، تناهى لسمعها صوت عدد من الأقدام التي وصلت لرأس الممر.. رفعت ججي رأسها تنظر لذلك الموقع بقلق لتجد عدداً لا يقل عن أربع جنود يقتربون منها.. كان الوضع يتأزم لعينيها، فهل تستسلم وتعود لسجنها المزخرف ذاك وهي لا تعلم ما يراد بها؟..
وبينما تأهبت للمقاومة متراجعة خطوة للوراء، والجندي الذي سقط قد نهض بدوره ووقف أمامها، سمعت في تلك اللحظة كلمة قيلت تجمد لها الجنود قبل أن يستديروا جانباً مفسحين الطريق لرجلٍ آخر.. وقبل أن تتمالك ججي نفسها لما يجري، سمعت الصوت يقول بخفوت وشيء من الانفعال "ججي؟.."
رفعت ججي بصرها نحو صاحب الصوت الذي مرق بين الرجال دون أن يعترض طريقه أحد.. كان صاحب الصوت ذا قامة مألوفة وخطوات اعتادت رؤيتها.. ملامحه تحفظها عن ظهر قلب.. ذات الشعر الفاحم وذات العينين الزرقاوين.. ذات الوجه النحيف وذات الصوت الهادئ.. فكيف لها ألا تعرفه من اللمحة الأولى؟..
تقدمت ججي خطوة وهمست "كين؟..!.."
كانت تحتفظ بجزء صافٍ من عقلها يكفي لتدرك أن كين قد رحل بالفعل.. لم يعد له وجود في حياتها منذ ذلك الوقت.. فما الذي أتى به أمامها الآن؟.. ما الذي أتى به بين أعدائها الذين قاتلهم إلى جوارها منذ البدء؟.. لكن وجوده ومثوله أمامها في تلك اللحظات أمر لا يصدقه عقلها.. هذا حلم.. إنها موقنة أن كل ما تراه حولها من بنيان غريب وأمور لا يصدقها عقل هو وليد خيالها فقط.. ولابد أن الوهن المريع الذي تشعر به وليد أحلامها ومنبعه هواجسها الدائمة.. أليس كذلك؟..
تقدمت بخطوات متخبطة وهي تكاد تصطدم بجدار الممر، لكنها دفعت نفسها للسير دفعاً وهي تصيح "كين......"
هبّ كين إليها بينما دفعت ججي قدميها لتسير إليه وهي تمد ذراعيها نحوه.. ولما وصلت إليه تشبثت به وهي تسقط بثقلها فتسقطه معها.. فقال كين بقلق "ما الذي تفعلينه بنفسك يا ججي؟.."
تشبثت به ججي وهي تتأمل ملامحه، وقالت بصوت مرتجف "أرأيت ما حل بي؟.. أرأيت ما وصلت إليه؟.. هل تدري ما حلّ بي يا كين منذ رحيلك؟.."
قال كين وهو يحاول تهدئتها "بالطبع علمت بكل ما جرى لك.."
والتفت إلى الجنود فألقى إليهم أمره بلغة الكشميت، عندها انسحب الجنود بصمت بينما هزت ججي كين وهي تمسك بملابسه وقالت بصوت متهدج "كيف يمكنك أن تعلم بما حل بي؟.. ألست أنت من خدعني؟.. ألست أنت من تركني ورحل؟.."
وتشبثت به أكثر وهي تسند جبينها لصدره هامسة "كيف تفعل هذا بي؟.. كيف تجرؤ على فعل هذا؟.."
سالت دموعها وهي تنشج بحرقة للألم الذي سعت جاهدة لكبته منذ تلك الليلة التي اختفى فيها.. سالت دموعها ألماً وندماً وحسرة على ما جرى في ذلك الوقت وعلى ما واجهته بعدها.. على من مات وعلى ما خسره الأكاشي منذ تلك الليلة.. لكن كين لم يعلق وهو يرفعها بخفة ويسير بها عبر الممر عائداً للغرفة السابقة.. كانت قد فقدت الكثير من وزنها بعد كل ما جرى، وبدت ضعيفة شاحبة الوجه بشكل لا يمكن أن يصدقه كين لو لم يره بنفسه.. لكنه صمت عن التعليق وهو يقترب من السرير ويضع ججي عليه.. فتشبثت به أكثر وهي تدفن وجهها في صدره وتذرف دموعها بلا انقطاع.. عندها ظل واقفاً في موقعه وأحاط رأسها بذراعيه وهو يضمها برفق هامساً "علام تبكين يا ججي؟.. أنت تبكين بحزن وألم، بينما يرتجف قلبي لهفة وسعادة.. لقد عدتِ إلي، واستيقظت من غيبوبتك الطويلة.. ألا يفترض بك أن تكوني سعيدة كما أنا الآن؟.."
رفعت وجهها ونظرت له بصمت ودهشة ودموعها لم تزل تغرق خديها الملتهبين، ثم تساءلت بحيرة "ألست في حلم؟"
نظر لها كين بدهشة بدوره، فقالت ججي وهي تؤكد على قولها مشيرة لذراعيها "أنا واثق أنني أحلم.. لقد التأمت جروحي بسرعة كبيرة، وجسدي ما عاد يطيعني كالسابق.."
وتشبثت به مضيفة بانفعال "كما أنك هنا.. كيف يمكن ألا يكون هذا حلماً؟"
ابتسم كين معلقاً "قد يسعدك أن تعرفي أن هذا ليس حلماً، وأن كل ما تكرهينه سيزول بمجرد استيقاظك.. لكني سأستاء بشدة لو كان ما أعيشه الآن مجرد حلم.."
ظلت تنظر له بدهشة، فقال وهو يعبث بشعرها "أنت لا تحلمين يا أميرتي النائمة.. كل ما ترينه أمامك هو واقعي وحقيقي.."
نظرت ججي حولها دون أن تتمالك دهشتها، ثم لكمته بأقوى ما تستطيع في صدره وهي تتراجع للخلف في سريرها مبتعدة عنه.. لكن لكمتها لم تؤلم كين بتاتاً وهو يقول "هل هذا يشفي غليلك فعلاً؟"
قالت وهي تشيح بغضب "لن يشفي غليلي إلا عندما ألكمك بكامل قوتي.. وأنا لم أعد أملك منها شيئاً.."
ونظرت ليديها المرتجفتين وهي تقول بصدمة واضحة "لكن لماذا؟.. لو لم أكن أحلم، فلماذا أشعر بهذا الضعف الغريب عليّ؟.. لمَ أصبح جسدي لا يطيعني، وأصبحت غريباً أمام نفسي؟.. بل إنك لم تجد عسراً في حملي بجسدك الضعيف هذا.. كيف؟!.."
فقال كين وهو يمسك يدها "لقد كنت فاقدة الوعي ثلاثة أشهر يا ججي.."
نظرت له بدهشة، ثم تساءلت متلفتة حولها "ثلاثة أشهر؟.. أين أنا إذاً؟.. هل نحن في إحدى مدن الملك العربي؟.. ما الذي جاء بك أنت إلى هنا؟"
قال كين بضحكة "ما الذي هيأ لك ذلك؟.. أنت في كاشتار.. عاصمة مملكة كشميت.."
نظرت له ججي بصدمة عارمة وهو يضيف "أنت على بعد آلاف الأميال عن سهول الأكاشي.."
قالت ججي باستنكار "ما الذي جاء بي إلى هنا؟.. كل ما أذكره هو فقداني للوعي في ذلك المنحدر بعد هربي من غدر الملك العربي.. فكيف وصلت إلى كشميت؟"
أجاب كين مبتسماً "استلزم الأمر مني اتخاذ بعض الإجراءات الاحتياطية قبل رحيلي، وأن أحني رأسي مراراً وتكراراً لتبريق ليوافق على خطتي تلك.."
نظرت له بدهشة وعدم فهم، فشرح لها كل ما جرى بينه وبين تبريق عندما حاول استعادته، وما أخبره به عندما أحضر ججي فاقدة الوعي في أحد الصناديق إلى ميناء كاشتار بعد رحلة طويلة.. عندها قالت ججي وهي تضع يدها على جبينها "كيف له أن يفعل ذلك؟.. لمَ لمْ يُعِدني إلى القبيلة في ذلك الوقت؟"
أجاب كين "لأنك كنت مصابة وفي حالة حرجة.. وقد خشي عليك من غدر الأكاشي وأنت في هذه الحالة الضعيفة، بالإضافة لخوفه من انتقام الملك فارس.. فكان الحل الأمثل هو ادعاء موتك وإحضارك إليّ لأعتني بك.. وفي الواقع، لم يكن الموت بعيداً عنك كثيراً في الأشهر الماضية.."
صمتت ججي وهي تستمع له شاعرة بالدوار لما تسمعه، بينما أضاف كين "لقد قام الطبيب بعلاج جراحك، والتأمت بسرعة بسبب قوة جسدك، لكنك بقيت نائمة بإصرار عنيد رغم كل محاولاتنا.. أتعرفين كم ليلة بتّ فيها مسهداً يغمرني القلق عليك؟.. أتدرين ما الهواجس التي انتابتني كلما غادرت مكاني إلى جوارك خشية أن أعود فأجد جسدك هامداً؟.. ألا تدركين كم بذلت من الجهد لإبقائك حياً؟.."
ظلت تنظر له بدهشة وصمت، فجذبها من جديد وضمها إليه بشدة وهو يضيف "سعادتي الآن برؤيتك تصل عنان السماء.. مهما كان حالك، فما يهمني أن تكوني حية.. وأن تكوني معي يا أميرتي.."
صمتت ججي وهي تستمع له محاولة التغلب على الدوار الذي راودها لمثل تلك الفكرة الغريبة.. أيمكن ألا تكون في حلم حقاً؟.. أيمكن أن تقبل بواقعها هذا وبجسدها الضعيف المتهاوي هذا؟.. أيمكن أن تكون بعيدة عن موطنها هذا البعد الشاسع وهي التي لم تغادره قط؟..
لكن ما أراحها قليلاً، وما جعل قلقها يخفت ودقات قلبها تتتابع بهدوء، هو وجود كين إلى جوارها.. لم تكن تدرك كم أن وجوده ضروري لعودة الهدوء والراحة إلى نفسها.. ولم تدرك قط كم كان وجوده جزءاً منها هي.. ولاعتياد ججي على التحدث بكل ما يطرأ ببالها، مع كل من تعرفه عامة ومع كين خاصة، فقد قالت "كيف لي أن أشعر بالهدوء والسكينة لقربك مني رغم أنك أضعف مني بمراحل؟!.."
أبعدها كين شيئاً ما وحدق في وجهها بدهشة لمثل ذلك الاعتراف، فأضافت "يبدو أن ضربة قوية قد أصابت رأسي.. فأنا أشعر بشيء من السعادة لأنك قد عدت إليّ.."
فقال كين بابتسامة متعجبة "لا أدري يا ججي إن كان يفترض بي أن أسعد لكلماتك هذه أم أظهر حنقي لاستهزائك بي.."
فقالت بجدية "لكنني لم أهزأ بك قط، لقد عنيت كل كلمة قلتها.."
ظل ممسكاً بكتفيها وهو يتأمل ملامحها بصمت، فقالت "لست أدري منذ متى أصبح وجودك مهماً بالنسبة لي، لكنني أظن حياتي مرتبطة بك بأقوى مما أتوقع.. وقد أدركت ذلك بالفعل عندما اختفيت فجأة من عالمي دون إنذار.."
فأحاط كين وجهها بيديه وهو يقول بعاطفة ظاهرة "لو أنك قد صارحتني بهذا قبل رحيلي، لما تركت جانبك أبداً.. ما دفعني للرحيل ظني أن وجودي لا يعني لك أي شيء، وأنك قادرة على الاستغناء عني متى ما انتفت حاجتك إليّ.."
غمغمت ججي "كيف لك أن تظن ذلك؟.. ظننتني واضحة معك منذ البدء.."
ابتسم معلقاً "كيف ذلك؟.. هل ظننت أن تلك اللكمات ستعبر عن حبك لي؟.."
فضحكت معلقة "أجل.. من المفترض أن تفهم ذلك دون الحاجة لكلمات.."
سمعا صوتاً خلفهما يقول "رغم أنني أكره مقاطعة حديثكما هذا، لكنني مضطر لذلك.."
نظر كين وججي إلى ترمين الذي وقف قرب الباب بابتسامة مضيفاً "سيكون من المخجل للملك أن يتسلل خارجاً من الغرفة خشية مقاطعتكما.."
علق كين بضيق "كان من المفترض أن ترسل من يستدعيني، لا أن تظهر أمامنا فجأة.."
فقال ترمين وهو يدخل الغرفة "كيف لك أن تخاطب الملك بهذه الطريقة؟.. أأنت مستاءٌ من مقاطعتي لكما لهذه الدرجة؟.."
قال كين باستياء "بالطبع.."
تجاهل ترمين شقيقه وهو يلتفت إلى ججي التي ترمقه باهتمام.. فقال بابتسامة "عندما علمت باستيقاظ ضيفتنا من سباتها الطويل، أصررت على القدوم لرؤية الفتاة التي سلبت عقل شقيقي.. والترحيب بك في كاشتار وفي قصري بنفسي.."
فقال كين شارحاً الأمر لججي "هذا هو ملك مملكة كشميت، وشقيقي الأكبر ترمين.."
عندها قالت ججي بنبرة شكر عميقة "أنا شاكرٌ لك استضافتك لي طوال تلك الأشهر ورعايتكم لي.. سأظل مدينة لكم بكل هذا ما حييت.."
فقال الملك "أنا أقدم خدمة لأخي بهذا الفعل، وهو من سيبقى مديناً لي.. لكن أتمنى أن تكون إقامتك معنا سعيدة مهما طال بك الوقت.."
علقت ججي بابتسامة "ربما كان أسوأ ما سيمر بي هنا هو اضطراري لأن أسمع شخصاً يتحدث بهذه اللكنة السيئة بعد أن تمكن كين من الخلاص منها بجهد جهيد.."
ضحك ترمين دون حرج لتعليقها على لكنته، ثم أضافت ججي "رغم أنني صدمت لرؤية المكان الذي أصبحت فيه، لكنني أدرك الآن أن الأمر ليس سيئاً كما تخيلت في البدء.."
علق كين قائلاً لشقيقه "لقد ظنّت في البدء أنها في قصر الملك فارس.."
قطبت ججي قائلة "لقد فقدت وعيي عندما كنت ملاحقة من جنوده، لذلك ظننت أنهم نجحوا في استعادتي وإعادتي للملك العربي.."
فقال كين وهو يجلس على السرير جوارها "لو أنك كنت في قبضة الملك العربي، فلا أظنه يتوانى عن قتلك في تلك اللحظة.."
قاطعه ترمين قائلاً "يبدو أنك صرت مثل الأكاشي، فتفكيرك قد أصبح مثلهم.."
غمغم كين "سبع سنواتٍ ليست بالشيء القليل يا ترمين.."
لم يعلق ترمين على ذلك وهو يقول مخاطباً ججي "لو تمكن الملك فارس من القبض عليك، مع ما كنت تمثلينه للأكاشي ومع مساهمتك الكبيرة للحرب التي دارت، فسيستفيد من وجودك في معرفة السبيل الأسرع للتغلب عليكم.. نظراً لكونك امرأة، فلا شك أنه يظن أن من السهل استجوابك والحصول على ما يريده من معلومات.."
قالت ججي بهزء "يا له من رأي غير صائب.. فأنا لن أنحني له أبداً تحت طائلة التعذيب.."
قال ترمين "أنتِ لا تعرفين الملوك عندما يطمحون لأمرٍ ما.."
قالت بكبرياء "بل أنت من لا يعرف الأكاشي حق المعرفة.."
نظر لها ترمين بابتسامة، ثم قال "والآن.. ما الذي تنوين فعله؟"
أجابت بسرعة "العودة لسهول الأكاشي.. أليس هذا أمرٌ مسلّم به؟"
نظر لها الإثنان بصمت للحظات طوال، فقالت بضيق "ما الأمر؟.. هل تنويان منعي من ذلك؟"
علق ترمين قائلاً "لا.. لكن ما مغزى عودتك إلى هناك؟.. مما علمته أنه لم يبقَ من عائلتك إلا أخت متزوجة، فلمن ستعودين؟"
قالت باستياء متزايد "لقبيلتي.. للأكاشي.. فأنا سأظل منهم.. كما أنني زعيمة القبيلة كما تعلم.."
قال كين بهدوء "لقد علمت أن تورشان قد استلم الزعامة من بعدك.."
فأسرعت تقول "ربما استلمها مؤقتاً حتى عودتي، فلابد أن يفعل ذلك شخص ما.. وربما اقتنعوا بموتي.. وبعودتي، فلا أشك أن أستعيد زعامتي على القبيلة بيسر.."
فقال كين "وهل الزعامة هي ما تسعين إليه يا ججي؟"
قالت بضيق "ما الذي تعنيه؟.. لا تزال الحرب متأججة في السهول، وذلك الملك بخيانته لنا لن يكون له عهدٌ معنا بعد الآن.. سنقاومه بكل ما نملك ونطرده من السهول شرّ طردة.."
لم يعلق كين وهو يتبادل النظرات الصامتة مع ترمين، فقالت بحنق "ما الأمر؟.. ألن تشرحا لي ما يجري؟"
قال كين بعد أن زفر للحظة "لقد أخبرتك أن ثلاثة أشهر قد مرّت منذ سقطت فاقدة الوعي ذلك اليوم.. والكثير قد حصل في تلك الشهور الطويلة.."
قالت بقلب واجف "هل تمكن الملك العربي من دحر جيوش الأكاشي؟"
أجاب كين دون أن يلاقي عينيها "بل استسلم له الأكاشي وأتمّوا المعاهدة التي كنت تنوين رفضها.."
شعرت بقلبها يسقط عند قدميها وهي تصيح "كيف حدث ذلك؟.. لا يمكنني أن أصدق أن الأكاشي قد استسلموا للملك بعد كل ما جرى لنا معه.. لابد أن هذا خبر كاذب.."
فقال كين "بل هو مؤكد.. لم يرضخ الأكاشي برضاهم، بل أرغموا على ذلك.. فبعد موت الزعماء العشر، حصلت بلبلة كبيرة بين الأكاشي لهذه المفاجأة وأصبحت غير مستقرة بشكل خطير.. وقد وجدها بعض الزعماء الأقل شأناً ممن لم يحضروا اللقاء فرصة للانقضاض على القبائل التي فقدت زعماءها.. فاشتعلت عدة حروب داخلية مصدرها تلك القبائل التي حاولت ضمّ القبائل المشتتة تحت جناحها.. حتى قبيلة طاغار، مع ما كانت تمثله للأكاشي، لم تسلم من هذا الأمر.."
ظلت ججي تستمع له بارتياع وصاحت "كيف يمكن للحمقى التفكير بهذا الأمر؟.. كيف لهم أن ينشغلوا بحروب داخلية مع الخطر الذي يواجه الجميع؟!.."
علق ترمين "والملك فارس قد أحسن استغلال ذلك.. أرسل رسله لتلك القبائل المعتدية وتعهد بمعاونتها في فرض سيطرتها على باقي القبائل إن وافقت على إتمام المعاهدة معه.. وبالنسبة للقبائل التي وصفها كين بالضعيفة في السهول، كانت تلك فرصة لا تصدق لترفع من شأنها وتزيد رقعة مراعيها حتى لو كانت ستنضوي تحت جناح مملكة فارس العربية.."
قالت بارتياع "وما الذي حدث لقبيلتي؟.. هل اعتدى عليهم أحد؟"
أجاب كين "لم تصلني معلومات محددة عن قبيلة (أبناء الذئاب) بخلاف هوية من استلم الزعامة فيها.. لذا علينا أن نفترض أنهم بأمان حالياً.."
ظلت ججي تستمع إليه بصدمة وضيق شديدين، ودمدمت بغضب "كيف يمكن لتلك القبائل أن ترضخ للملك بهذه السرعة؟.. كيف لهم أن يخونوا الأكاشي لأجل زيادة مراعيهم ورفعة قبائلهم دون أن يبذلوا جهداً حقيقياً؟.. كيف يفكر هؤلاء؟.."
علق كين قائلاً "لقد أحسن الملك استغلال هذه الرغبة القوية لدى تلك القبائل للبروز، فساندها بقوة عارضاً عليها ذات العرض الذي رفضتموه سابقاً.. أن يبسط حكمه على السهول دون تدخل مباشر، باستثناء بناء المدن الساحلية التي ستكون موانئ تعزز خط سير التجارة، وتقوية الطرق التجارية البرية وسط السهول دون عدوان عليها من الأكاشي.. وكان هذا عرضاً مغرياً لم يتمكن ذوو النفوس الضعيفة من تجاهله.."
قطبت ججي بشدة وهي تشعر بغيظ شديد مما تسمعه، فأضاف كين "هكذا ترين أن الأمور ليست مستتبة في السهول، ووجودك هناك فيه خطورة عليك بكل تأكيد.."
نظرت له باستياء وهو يضيف "رؤيتك في هذه السهول قد لا تكون مستحبة في هذه الأوقات يا ججي.. ولن يسعد الملك بفكرة عودتك وتحريضك للأكاشي على مقاومته.. الآن، وأنت لم تعودي زعيمة قومك، سيكون من الأسهل عليهم التخلص منك بشكل تام دون أن تبذل قبيلتك جهداً لحمايتك.. فما معنى عودتك إلى هناك؟.."
قالت ججي بحزم اختلط بمرارة واضحة "لكنني يجب أن أعود.. لا يمكنني أن أهرب في وقت كهذا.."
فقال كين بإصرار "وما الذي سيستفيده الأكاشي من عودتك هذه؟.. ما الذي ستستفيدينه أنت؟.. أتريدين إقناع نفسك أنك لازلت مهمة بالنسبة لهم وأن حياتهم ستتوقف بدونك؟.."
نظرت له ججي محتقنة الوجه وكين يضيف ممسكاً بكتفها "استسلمي وفكري بعقل هذه المرة.. عودتك للسهول لا نفع لها بتاتاً يا ججي.."
أشاحت ججي وجهها بانفعال وهي تلطم يده بعيداً قائلة بحنق "سأفعل ما أراه مناسباً.. اتركني وحيدة وسأقرر ذلك بنفسي.."
نظر لها كين بصمت وحيرة، ثم نهض دون اعتراض وترمين يقف قائلاً "يبدو أننا أزعجنا ضيفتنا بالفعل.. اتركها لترتاح قليلاً يا كين.."
لم يعارض كين ذلك وهو يتبع خطوات شقيقه، لكنه توقف عند الباب لوهلة متطلعاً إلى ججي.. فرآها لا تزال تتجنب النظر إليه والضيق بادٍ على ملامحها.. عندها غادر بصمت دون أن يضيف كلمه.. إنه غير نادم على ما سببه لها من ضيق رغم إدراكه بوقع كلماته عليها.. ربما كان قد سبب لها ضيقاً بصراحته تلك، لكن ججي بحاجة لذلك في هذا الوقت بالذات، لتستفيق لنفسها وتدرك أن الأمور ما عادت كما كانت عليه قبل فقدانها الوعي..
عليها أن تستسلم وتتراجع عن عنادها ذاك.. وعندها، يمكنه أن يأمل ولو للحظة أنها سترضخ له وستوافق على البقاء معه في كاشتار.. وحتى ذلك الوقت، ربما كان من الخير لها أن تبقى وحيدة لتراجع قراراتها دون ضغط من أحد..

************************

مرت أيام وأسابيع هادئة في القصر الفخم بشكل لم تتخيله ججي قط.. رغم كل اعتراضاتها، إلا أنها لم تتمكن من التصرف بنفسها بتاتاً، ولم تستطع إلا أن تركز جهودها على استعادة قواها وقدراتها كالسابق.. وقد فسّر كين هدوءها الأخير بأنها قد اقتنعت ببقائها معه، وبدا مسروراً بشكل ظاهر لكل من يراه..
وفي أحد الأيام، وقفت ججي في شرفة غرفتها تنظر للسماء الزرقاء الصافية مستشعرة الدفء الذي ترسله الشمس عبر أشعتها للأرض، وهو أمر لم تعهده إلا قليلاً في سهول الأكاشي.. شعرت بشوق شديد لرؤية السهول الرحبة الخضراء والركض على ظهر فرسها دون حدود أو قيود.. اشتاقت لثقل السيف في يدها ولرائحة العشب النديّ الذي يستقبلها كل فجر في جولاتها المعتادة حول المخيم.. بعد أقل من شهر واحد فقط منذ استيقاظها، شعرت ججي بشوق شديد لعالمها كبتته بصعوبة لئلا يشعر كين القريب بما يعتمل في صدرها، ولم تدرك أن مشاعرها قد فاضت بها إلا عندما شعرت بكين يمد يده ويمسح دمعة هطلت من عينها قائلاً برفق "ألن تكفي عن التفكير بموطنك يا ججي؟.."
تنهدت وهي تقلب بصرها في القصور الضخمة والمدينة الواسعة التي تبدو من خلفها، ثم غمغمت "ما الذي سيجري الآن؟"
هز كين كتفيه وأجاب "لا نعلم.. هناك عدة مؤشرات تدل على أن حرباً قد تندلع بين مملكتنا ومملكة فارس ومنبعها الجزر التي تنتشر في البحر الذي يتوسط القارتين.. الملك فارس قد اكتسب ثقة كبيرة بنفسه وبجيوشه بعد أن بسط ملكه على القارة العظمى إلا قليلاً.. وهذا جعله لا يتردد في التناوش مع جنودنا في عدة مواقع من تلك الجزر.. ولا أدري ما الذي يمكننا فعله لتفادي مثل هذه الحرب.."
قالت ججي بعد صمت قليل "ما الذي سيجري لي؟.. وما المفترض أن أفعله الآن؟"
نظر لها كين بقلق ثم قال "ألا يمكنك الاقتناع بوجودك معي؟.. ألا يمكنك أن تنسي ما دفعك إليه قادور والعيش كما أنت فقط دون أي ادعاء؟"
غمغمت ججي "أنت تطالبني بنبذ حياتي كلها يا كين.. ألن يكون ذلك قاسياً؟"
قال كين بانفعال "بل أطالبك بأن تعيشي حياتك.. أنت عشت سنوات عمرك الماضية كما أراد لك قادور.. أصبحت رجلاً رغماً عنك، وانتحلت هوية ليست هويتك.. لمَ لا تعودين لما أنت عليه حقيقة وتعيشي حياتك كما تريدينها أنت لا كما يريدها لك الآخرون؟.."
قالت مقطبة "من قال لك أنني كنت مرغماً لأصبح ما كنت عليه سابقاً؟.. هذا كان أنا، وأنت عرفتني بسبب ذلك.. أتظن أنك كنت ستعرفني أو ستلتقي بي لو كنت فتاة عادية كما كانت تينا؟.. أتظنني كنت قادراً على إنقاذ حياتك لو كنت فتاة لا يعبأ الرجال بما تقوله؟.."
قال كين وهو يمسك كتفيها "أنا أعلم ذلك.. لا أطالبك بأن تتغيري بشكل تام يا ججي.. أنا أحببتك كما أنت، ولا أريد أن تصبحي فتاة أخرى غير التي عرفتها.. كل ما أطالبك به هو أن تتناسي أمر الزعامة التي فقدتِها وأمر الحرب التي لم تعودي طرفاً منها.. فهل هذا عسير؟.."
صمتت ججي وهي تخفض وجهها.. كيف يمكنها ذلك؟.. هذا يعني أن تفقد هدفها في حياتها هذه.. أن تفقد ما شبّت وهي تسعى إليه.. أن تخسر كل الجهود التي بذلتها سنوات عمرها كلها، وأن تنكر ما دفعها إليه أبوها وما سعى إليه مينار طوال تلك السنوات.. فكيف يمكنها فعل ذلك حقاً؟..
نظرت لوجه كين القريب الذي ظل يتأملها بتوتر وشيء من الأمل، ثم زفرت وهي تتأمل المدينة بصمت.. ما الذي عليها فعله حقاً؟.. إن أباها ميّتٌ ولن تقدر على أن تنال رضاه مهما حاولت.. مينار قد مات أيضاً ولن يعينها على أي أمرٍ بعد الآن.. وهي قد خسرت الزعامة التي نالتها بشق الأنفس، ولا تظن قبيلتها سترحب بها بعد الآن فقد انتفت حاجتهم إليها.. والملك قد فرض سيطرته بالفعل على السهول ولا يوجد من سيوافق على الانضمام إليها في سعيها للانتقام منه.. فما الذي عليها فعله حقاً بعد كل هذا؟..
هل عليها أن تعيش حياتها الباقية دون هدف ودون أي معنىً يقبله عقلها؟..
في الآن ذاته، التزم كين بالصمت بدوره وهو يراقب ججي.. إنه لا يلومها لسعيها الحثيث على العودة لموطنها.. لقد شعر بصعوبة شديدة في التأقلم مع العيش في كاشتار عند عودته من السهول بعد سبع سنواتٍ من الغياب.. ففي هذه المدينة، فإنه لا يجد الكثير مما يشغله، ولا يملك البساطة التي كان يملكها وسط السهول والحرية في الرحيل أو العودة متى شاء.. ورغم أن ترمين كان مصرّاً على ضمّه لحاشيته وكمستشار له، لكن كين لم يكن متحمساً لذلك أبداً.. لم يعد يطيق التعامل برسمية كما يفترض به في هذا القصر، ولا يطيق دهاليز السياسة وخباياها التي تسبب له الضيق بمجرد التفكير بها.. فكيف يمكن لججي أن تتأقلم مع العيش هنا في وطنٍ غريب عنها وبين شعب لا تفهم لغته؟.. كيف لها أن تنبذ حريتها وحياتها السابقة دون أن تجد ما يشجعها على ذلك؟.. إنه لا يلومها بتاتاً، لكن هل يرغب برحيلها من جديد؟..
في تلك الليلة، عاد كين إلى جناحه بعد وقت طويل قضاه مع ترمين في مجلسه يحاول تعلّم مهامه الجديدة ويلمّ بمتطلبات مثل ذلك الدور المهم.. كان الوقت قد قارب منتصف الليل، وقد دار في ذهنه تساؤل عن حال ججي بعد الكآبة التي رآها عليها في ذلك الصباح.. ودّ في تلك اللحظة لو يقدر على الالتقاء بها، لكن هل يستطيع أن يطرق باب غرفتها في مثل هذا الوقت ودون أي حرج؟.. لشدّ ما كان الأمر مختلفاً عما كان عليه وسط سهول الأكاشي..
عندما دلف كين جناحه، رمى معطفه المزخرف جانباً واستلقى على سريره بتعب بالغ.. كانت الإنارة خافتة في جناحه، ولم يرَ شخصاً فيه عند دخوله، لذا كانت دهشته عميقة وهو يسمع صوتاً يتردد بخفوت في جانب الجناح.. اعتدل في سريره مقطباً وهو يرمق الغرفة الجانبية المخصصة لملابسه الخاصة حيث تردد الصوت مجدداً.. ولما نهض بشيء من التوجس مقترباً من الغرفة الجانبية بخفوت، لاحظ ذلك الشخص الذي خرج منها دون أن يبدو عليه أي تردد أو قلق.. بدت المفاجأة شديدة على وجه كين، ولما تعرف على ججي التي خرجت من تلك الغرفة ازدادت دهشته أضعافاً مضاعفة وهو يسألها "ما الأمر يا ججي؟.. كيف وصلت هنا؟"
وتأمل الملابس التي ارتدتها، والخاصة به، مضيفاً بتعجب "وما الذي تفعلينه بملابسي؟.."
قالت متأملة الملابس التي ترتديها، والتي تكونت من بنطال جلدي وقميص قطني فضفاض وحذاء خفيف "لم أعثر على أي ملابس مناسبة لي في تلك الغرفة إلا هذه.. والملابس الفضفاضة الطويلة الخاصة بالنساء لا تناسبني ولن تفيدني فيما أنوي فعله.."
شعر كين بشيء من التوجس وهو يسألها "وما الذي تنوين فعله في هذا الوقت المتأخر؟.."
قالت بسرعة "سأرحل.."
قطب كين بضيق قائلاً "لماذا؟.. ما الهدف من عودتك للسهول الآن؟.."
أدارت ججي وجهها جانباً بصمت للحظات، ثم قالت "لن أعود للسهول.. ليس كما تتوقع على الأقل.."
نظر لها كين بدهشة متسائلاً "ماذا تعنين؟.."
استدارت إليه قائلة "لن أكون جام بعد الآن.. ولن أعود سعياً وراء الزعامة.. سأعود إليهم كججي، وبذا، لن يكون لأحد أي اعتراض على عودتي.. أليس كذلك؟"
ظل كين ينظر لها بدهشة ومزيج من الإحباط لما يسمعه.. ها هي تعلن أنها راحلة دون أي اعتبار له أو اهتمام به.. ولو رحلت، فهو موقنٌ أنه لن يراها مرة أخرى.. لكنه وجدها تمسك يديه بيديها بقوة وهي تقول برجاء "ألن تأتي معي يا كين؟.."
رفع حاجبيه بدهشة وهي تضيف بلهفة "سنرحل معاً، وسنعود للاطمئنان على القبيلة وعلى تينا وتبريق.. فلنفعل هذا الآن قبل أن يمنعنا شقيقك الملك.."
خفض كين بصره بصمت وضيق، ثم قال "أنا لا أقدر على ذلك.. لا يمكنني قطعاً الرحيل عن كاشتار.."
ضمّت ججي قبضة يدها، وضربت كتفه بخفة قائلة بحزم "حتى متى ستبقى هكذا؟.. ما أهمية وجودك حقاً في هذه المدينة؟.."
غمغم كين "أتظنين ألا أهمية لي هنا حقاً؟.."
قالت بسرعة "لا.. لكني أسألك عما ترغب أنت بفعله.. هل تريد البقاء هنا؟.. أم تريد الرحيل؟.. أريد أن أسمع رأيك الصريح دون مداراة، وسأقبله مهما كان.."
صمت كين مطرقاً للحظات قصيرة.. لكنه لم يكن بحاجة لوقت طويل لاتخاذ قراره بالفعل.. نظر لعينيها، وشعر بشيء من السعادة لرؤية اللهفة في عينيها لجوابه وهي تتأمله بكثب.. عندها تنهد باستسلام وقال "لا أظنني أستطيع تركك ترحلين وحيدة.."
ابتسمت ابتسامة سعيدة وهي تقول بثقة "كنت واثقاً من ذلك.."
فنظر في عينيها بثبات وهو يضيف "طبعاً سأفعل ذلك.. أظننت أنني أستطيع التخلي عنك بعد أن التقيت بك من جديد؟.. هذا ما لن تحلمي به بتاتاً.."
قالت بابتسامة جذلة "هذا رائع.. الآن ستصبح الأمور أكثر تشويقاً بالفعل.."
راقب كين حماسها للحظة، ثم استوقفها قائلاً "سنرحل معاً يا ججي، لكن لي شرط واحد.."
نظرت له بدهشة وشيء من التعجب، فقال "أن لا تحاولي العودة للسهول الآن.. ليس قبل استتباب الأمور فيها بالفعل.."
قالت باستنكار "لمَ سنرحل إذاً؟"
أجاب كين "فلنرحل لأي مكان في هذا العالم.. يمكننا أن نجول بحرية في أي موقع تشائين.. لكن لن نقترب من السهول حتى أطمئن أن الحرب قد وضعت أوزارها فيها.."
نظرت ججي من النافذة القريبة للأفق المظلم الذي لا تتمكن أنوار المدينة المترامية من تخفيفه ولو قليلاً، ثم تلاعبت ابتسامة على شفتيها قائلة "موافقة.. أو بالأحرى، يمكنك أن تحاول إقناعي بذلك طوال هذه الرحلة.. وسنرى لمن ستكون الغلبة هذه المرة.."
قال كين بحزم "سأفعل ذلك بالتأكيد.. لا يمكنني أن أسمح لك بالمخاطرة بنفسك في مثل هذه الأوقات.."
صمتت ججي بابتسامة وهي تتقدم من النافذة، ففتحتها ودلفت للشرفة وهي تتنفس بعمق مستشعرة النسمة الباردة التي لامست وجهها.. شعرت أن تلك النسمة قادمة من السهول بالفعل، وأنها تحمل لها رائحة الوطن.. إنها تكاد تقسم أنها تشمّ رائحة النيران التي لا تكاد تنقطع في المخيم، ورائحة الجلد المدبوغ الذي وضع جانباً لتجفيفه، ورائحة الطعام البسيط والذي لا ترى طعاماً يفوقه لذة..
شعرت ججي في تلك اللحظة أنها لو مدّت أصابعها، للمست مكونات عالمها ذاك بالتأكيد.. فغمغمت بابتسامة جانبية وشغف واضح "يمكنك أن تحاول يا كين قدر ما تستطيع.."
ولم يعلق كين في تلك اللحظة وهو يقف إلى جوارها بصمت كعادته..

************************
.. النـهـايــة ..

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 25-01-16, 08:03 PM   المشاركة رقم: 120
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قاريء مميز


البيانات
التسجيل: Dec 2014
العضوية: 285617
المشاركات: 759
الجنس أنثى
معدل التقييم: مملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1593

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مملكة الغيوم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

مساء الخير والسعاده خيال
مبارك انتهاء القصه عقبال ما تكملى الالف روايه بنهايات سعيده
تبريق انقذ جيجى كما تمنيت وعاد بها الى كين الذى من فرط السعاده لا يصدق نفسه ولاحظه ان جيجى رجعت له ولو محموله على عربه وبداخل صندوق
جيجى وبعد غيبه طويله نايمه افاقت لتجد كين وتظن انها تحلم ولاول مره بتعترف له بالحب المفروض انه يفهم ان لغة الحب عند جيجى مختلفه فهى اللكم كلما زادت من لكماتها كلما كانت تحبه اكثر
ترمين اعجبت بشخصيته جدا فهو ودود ومرح زي كين لو فيكى تفردى له جزء لحياته الشخصيه حيكون ممتع نظرا لشخصيته الغنيه
عودة تبريق للسهول واعتراف تينا بحبها واهتمامها بيه اخيرا يا تبريق رضت عليك تونه تبريق ايضا من الشخصيات اللى حبيتها الاكاشى المتفتح
كين وجيجى اللتى لا تفكر الا فى البراح فهى كالطير الحبيس الذي لا تروق لها حيات القصور ولا تستطيع العيش الا فى السهول والاماكن المكشوفه لكن كين مصدق لقاها ولا يمكن يسيبها ترحل من دونه حتى لو تسبب ذلك فى ان يتخلى عن راحة القصور وجوار اهله حتى يحميها من اي خطر يتهددها خصوصا بعد موالات بعض الاكاش للملك العربى فهو يحبها بشده وهى ايضا تبادله الحب بواسطة اللكمات
فصل ممتع ونهايه سريعه ما كان ودى تخلص الروايه احببت شخصياتها جيجى وكين وتبريق وتينا وقادور ومينار وترمين وكثير من الاكاش
سلمت يداكى خيال متعتينا والحقينا بغيرها انا كده خرجتك من زمرة الكتاب الاشرار ان ما لحقتى بغيرها حضيفك تانى
سلمت يداكى دمتى بود ولكى منى كل الحب

 
 

 

عرض البوم صور مملكة الغيوم   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السماء.., ابنة
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 04:52 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية