كاتب الموضوع :
عالم خيال
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ابنة السماء..
الفصل الرابع والعشرون {بشائر سلامٍ أم نُذُر حرب}
استغرقت الرحلة من ججي والفرقة المصاحبة لها ما لا يقل عن ستة أيام، ولم تكن ججي متعجلة في رحلتها هذه.. كانت لا تزال تقلّب الأمر في ذهنها، ولا تزال تتساءل عن العرض الذي قد يقدمه الملك لها لكسب موافقتهم على هذه المعاهدة.. وعندما تساءل أحد رجالها عن السبب الذي لأجله لم ترسل أحدهم لإعلام الملك بقدومها، فإنها أجابته "لكيلا يتخذ الملك احتياطاته ويستعد لقدومنا.. لا أريد أن نجد كميناً معدّاً لاستقبالنا فور وصولنا.."
علق تبريق قائلاً "الأفضل كذلك أن نحدد نحن موقع اللقاء.. ويستحبّ أن يكون بعيداً عن مدى مدافع السفينة.."
هزت ججي رأسها مغمغمة "سنفعل ذلك.."
وفي اليوم الخامس، التقت جماعة (أبناء الذئاب) بفرقة من رجال قبيلة (طاغار) يقودهم هاكين.. وبذلك، أصبح عدد الأكاشي يقارب الخمسين رجلاً بالإضافة لججي وهاكين، فسار الفريقان حتى قطعا الجزء الشرقي من السهول مقتربين من الخليج الضيق الذي يفصلهم عن مملكة الملك فارس، وتقف الجبال الشاهقة حاجزاً أمام الخليج مانعة إياه من التوغل بشكل أعمق وسط القارة..
سار الفريقان متجاوزين موقع معركة (الليلة البيضاء) الذي كان موقع قبيلة (نجم الشمال) التي لم يبقَ لها أثر بعد أن تفرق رجالها في السهول.. اختار هاكين موقعاً يبعد عن الشاطئ مسافة كافية لحمايتهم من مدافع السفن العربية، وقريباً من غابة كثيفة تمتد مسافة محدودة في الموقع لتكون منفذاً لهم للهرب في حال أطبق الملك بجنوده على المعسكر بغية الغدر بهم.. وخلال أيام قليلة كان عدد كبير من زعماء الأكاشي قد تجمع في الموقع منهم جيدار وستراك وغيرهم حتى أصبح العدد يوازي عشرة زعماء مع مجموعة من الرجال التابعين لكل زعيم.. وعند اجتماعهم، أرسل هاكين رسولاً إلى الملك العربي ليعلمه بوصولهم وبموقع اللقاء الذي يفترض أن تتم إقامته في معسكرهم..
بعد يومين، عاد الرسول إليهم يخبرهم بوصول الملك العربي مع فرقة من جنوده، ورغم النظرات التي تبادلها الزعماء في الخيمة التي اجتمعوا فيها، إلا أن أحدهم لم يُظهر توتراً أو قلقاً وهاكين يقول دون أن يتحرك من موقعه "اسمح له بالدخول فور وصوله.. سننتظره.."
غمغمت ججي بعد رحيل الرسول "ألن يعتبر الملك عدم خروجنا لملاقاته إهانة له؟"
قال هاكين بهدوء "لا.. نحن أصحاب الأرض، وهو الذي تقدم إلينا بطلب المعاهدة.."
علق جيدار وهو يلكم راحة يده بقبضة يده الأخرى "فليحاول هذا الحقير إغضابي بأي صورة كانت.. لن يمنعني جنوده جميعاً من قتله والتخلص من تهديده لنا بطرفة عين.."
قال ستراك بصوته العميق "عليك أن تتحلى ببعض الهدوء يا جيدار.. لم نأت هنا للعراك مع الجنود.. لو لم يعجبنا عرضه، سنرفضه ونرحل على الفور.. وهو الخاسر بالتأكيد عندها.."
تناهى لسمعهم صوت الأقدام التي تدك الأرض مقتربة من الخيمة، مما دلهم على اقتراب الجنود بأحذيتهم الحديدية الثقيلة التي تختلف عن أحذية الأكاشي الجلدية الخفيفة، وتوقفت الخطوات قرب مدخل الخيمة قبل أن تزيح يدٌ الستار الذي يغطي المدخل..
تعلقت الأبصار بالرجل الذي دخل بخطوات ثابتة يتبعه عدد من الجنود الأشداء متسلحين بأسلحتهم وخوذاتهم اللامعة ودروعهم الحديدية.. لم يعلق زعماء الأكاشي أو يتحرك أحدهم من موقعه بينما تحفز بعض الرجال الذين وقفوا خلفهم خشية أن يغافلهم الجنود بأي هجوم.. أما الملك، فقد كان يبدو مخالفاً للفكرة التي أخذتها ججي عنه سابقاً.. فرغم أنه تجاوز الأربعين من عمره بقليل، لكنه يبدو أكثر شباباً من كثير من رجال الأكاشي.. جسده مشدود بقامة طويلة ويمشي بثبات وثقة مرتدياً درعاً ذهبياً يخالف بقية الجنود، ويحمل خوذته بذراعه اليسرى.. ملامحه حادة صارمة ونظرة عينيه تدل على ثقة شديدة بنفسه، وابتسامة خفيفة ترتسم على جانب شفتيه وهو يقترب من وسط الخيمة قائلاً "ليست العادة أن يسعى الملوك للقاء ضيوفهم قاطعين مسافات طويلة لهذا الهدف، لكني تنازلت عن هذا لكي تعلموا حرصي على التوصل لاتفاق معكم.."
رأوا جنديين يدخلان خلف الملك حاملين كرسيه الخاص مذهب الأطراف بقماش أزرق لامع ويبدو وثيراً بشكل يخالف البساط الذي فرشه الأكاشي لجلوسهم أرضاً.. لم يعلق زعماء الأكاشي بكلمة والملك يتخذ مجلسه على الكرسي في صدر المكان دون أن يصافح أحد ضيوفه كما يدعوهم، بل اكتفى بالابتسامة التي تعلو وجهه وهو يقول "هل أعتبر قدومكم للقائي دليلاً على موافقتكم إقامة العهد معي؟.. أرجو ألا تخذلوا توقعاتي.."
لم يحاول أحد الزعماء الاقتراب من الملك الذي ظل يرمقهم بابتسامة لم تخفت للحظة، فيما قال هاكين بعد أن اتفق مع بقية الزعماء أن يتولى هو المفاوضة مع الملك "قدومنا لا يعني أننا سنخضع لك بشكل مطلق.. لقد أتينا للاستماع لما تعرضه علينا، ويبقى لنا حق القبول أم الرفض.."
نظر له الملك فارس بتمعن للحظات قبل أن يقول "أنت....... كما أظن هاكين.. أليس كذلك؟.. سمعت أن قبيلتك كبيرة وعظيمة وسط الأكاشي.. لابد أن لك تأثيراً على بقية القبائل.. أم أنك تتولى زعامة القبائل بالفعل؟"
قال هاكين بهدوء "قبيلتنا كبيرة حجماً، لكنها لا تملك أي ميزة أو تفوق على بقية القبائل.. لذا كل قبيلة من الأكاشي مسؤولة عن نفسها في هذا الأمر.."
مال الملك فارس في كرسيه قائلاً بلهجة عملية "لنكن صريحين مع بعضنا البعض.. لا أحب التطويل في هذه اللقاءات، ولا أظنني أملك القدرة على استمالتكم إليّ بكلمات معسولة مغلفة بالأكاذيب.."
فقال هاكين معلقاً "هذا ما نطلبه بالفعل.. لا نريد أحاديث فارغة، فوقتنا محدود وقبائلنا تنتظر عودتنا بأسرع ما يمكن.."
تراجع الملك بظهره قائلاً "جيد.. إذن إليكم عرضي.. لقد طالت الحرب أكثر من اللازم، وهذه ليست الحرب الوحيدة التي أخوضها حالياً.. لذا فكرت بإقامة معاهدة تضمن للجانبين الخروج من هذه الحرب ظافرين.. فهل ستقبلون بذلك؟"
علق هاكين "يعتمد ذلك على شروط تلك المعاهدة.."
راقب الملك انفعالاتهم بابتسامة جانبية، وكأنه يحاول استقراء ملامحهم على ما سيقوله، ثم قال "أنتم تعلمون أنني أملك مملكة كبيرة مترامية الأطراف.. هناك مئات وآلاف المدن تدين لي، ومثلها من القرى والمقاطعات.. وهذا سيمدني بعددٍ لا محدود من الجنود يمكنني أن أسوقه لقتالكم في أي وقت.. لكني اخترت أن أمد يدي إليكم بالسلام بدل السيف، فأنتم شعبُ أثار إعجابي بعد كل ما رأيته منكم.."
قطب هاكين شيئاً ما لهذا التهديد المبطن وقال "ألم يكن الاختصار في الحديث شرطاً في اجتماعنا هذا؟.."
أطلق الملك فارس ضحكة عالية وقال "لا بأس.. يبدو أنكم بالفعل لا تعبؤون لهيبة الملوك التي تخيف أقوى الرجال، ولا تقلقكم فِرَق الجنود التي صاحبتني.."
ثم مال بجذعه للأمام مضيفاً "شروط المعاهدة بسيطة.. أنتم لكم الأرض، ولكم الموارد فيها وكل ما كنتم تملكونه بالفعل.. لكن الحكم سيكون لي أنا.. سأضمّ هذه الأراضي لمملكتي، وسأبني عدداً من المدن على سواحلها لتسهيل سير السفن التجارية والملكية في هذه الأنحاء.. وسأعزز الطريق التجاري الذي يقود للممالك الشمالية بشرط أن يكف الأكاشي عن الهجوم عليها واستلاب ما تحمله من بضائع.. فهل تتفقون معي على هذا؟"
كان غضب جيدار قد فاض به فصاح بحنق "نتفق؟.. نحن لا نستفيد أمراً من هذه المعاهدة، فالأرض أرضنا بالفعل وكل شيء عليها ملكنا.. كل ما تعرضه هو أن نخضع لك وأن تقتطع جزءاً من السهول لبناء مدنك تلك، فكيف تريد منا القبول على هذا؟"
قال هاكين "اهدأ يا جيدار.."
صاح جيدار بغضب "مخيم قبيلتي على الساحل، فهل سيأمرنا هذا الملك بالتحول عن موقعنا لبناء مدينته تلك؟.. كيف نرضى بأمر كهذا؟"
أجاب هاكين بصرامة "لا يمكننا أن نرضى بهذا الأمر.."
ونظر للملك الصامت مضيفاً "لقد ظننا أنك تملك عرضاً يمكن أن يثير اهتمامنا، لكن كل ما تطلبه منا هو أن نستسلم لك بعد أن تغلبنا عليك بالفعل في الحرب الماضية.. فهذا ما لا يمكننا الاقتناع به.."
أسند الملك خده لقبضة يده اليمنى وهو يقول بابتسامة جانبية "أهذا يعني أنكم ترفضون عرضي هذا؟"
قال هاكين بحزم "لو لم تكن تملك عرضاً غير هذا، فسنرفضه بالتأكيد.."
لوح الملك بذراعيه قائلاً "هل استمرأتم المعارك والحروب العنيفة تلك؟.. أهذا ما تريدونه حقاً لقبائلكم؟"
نهض هاكين واقفاً يتبعه بقية الزعماء وقال "نحن لا نسعى للحرب معك، بل أنت من يسعى إليها بإصرار.. أتعلم ما نطلقه على المعركة التي فررتَ منها كأي جبان خسيس؟.. نسميها معركة (المئة ألف قتيل).. مئة ألف جندي قتلوا على هذه الأرض، وسنقتل كل من تقدمهم لنا مهما طال الزمن ومهما استمرت هذه الحرب.."
غمغم الملك "حقاً؟!.."
ثم نهض واقفاً ودار ببصره بين الزعماء مغمغماً "ظننت أنني سأجد عقلاً راحجاً بين زعماء الأكاشي، لكن كما يقال، الأكاشي لا عقول لهم.. تسيّرهم غرائزهم كيفما شاءت، ويعيشون بالهمجية ذاتها التي دامت مئات السنين.."
قال ستراك بصرامة "أجئت لتهزأ بنا يا هذا؟"
فقال الملك بابتسامة صغيرة "الملك لا يُنادى بـ (هذا) يا هذا.."
لم يعبأ ستراك للنظرة التحذيرية التي ألقاها عليه الملك، فيما دار الملك ببصره بين الزعماء مضيفاً "سيظل عرضي لكم قائماً لخمسة أيام.. وسأبقى بانتظار أن تقتنعوا بما أعرضه عليكم.. فإن وافقتم، فسأعوضكم عن كل ما خسرتموه في هذه الحرب.. وإن رفضتم، فأعدكم بأن تخسروا أضعاف ما خسرتموه بالفعل.. والأمر راجع لكم.."
تقدم جيدار بغضب وهو يضع يده على سيفه، لكن هاكين استوقفه بذراعه فيما تحفز الجنود القريبين لهذا.. لكن الملك لم يعبأ وهو يحمل خوذته قائلاً "إذن.. حتى نلتقي في السلم أو الحرب، استمتعوا بحياتكم البسيطة هذه.."
وغادر وسط نظرات الزعماء الحارقة فيما تبعه الجنود حاملين كرسيه الملكي خلفه.. وبعد رحيله، ركل جيدار أقرب شيء له وهو يقول بحنق "هل جئنا ليقوم الملك بإهانتنا بهذه الصورة؟"
ونظر لهاكين مضيفاً بغضب "لمَ منعتني من قتله؟"
أجاب هاكين وهو يعود للجلوس في موقعه السابق "يمكنك اللحاق به وقتله كيفما تشاء.. لكن لا تفعل هذا وسط معسكرنا وتجرنا لمعركة لا نريدها.."
علقت ججي قائلة "هل يمكن للملك أن يكون أكثر صفاقة من هذا؟.. لقد نسي هزيمته السابقة بأسرع ما يمكن، وها هو يخاطبنا كأننا الجانب الأضعف في هذه الحرب.."
فقال ستراك "لأنه يرانا كذلك.. إنه يقدر على استبدال جنوده مهما قتلنا منهم، بينما كل رجل من رجالنا لا يمكن تعويضه بسهولة.."
قال هاكين "لا تنخدع بما قاله.. لو كان يستطيع تسيير الجيوش إلينا كيفما شاء، لما سعى لإقامة هذه المعاهدة معنا.. كما قال، فإنه يخوض أكثر من حرب في الوقت الحالي.. وبعد القلاقل التي حدثت وسط ملكه قبل عدد قليل من السنين، فلابد أنه يخشى من انهيار مملكته لو سيّر جيوشه كلها لقتالنا.."
ونظر لمن حوله مضيفاً "لقد سعى إلينا بنفسه لأنه هو الطرف الأضعف في هذه الحرب في الوقت الحالي.. لكننا لن نرضخ لهذه المعاهدة الظالمة، وسنظل على موقفنا بالرفض مهما حاول استمالتنا.. فهل أنتم معي في هذا؟.."
أجاب ستراك "طبعاً.. من يريد الخضوع لهذا الملك العربي بعد كل ما فعله معنا؟.. إن قبائلنا رفضت الرضوخ لزعيم واحد يوحدها، فكيف يمكننا أن نخضع لرجل أجنبي عنا بهذه السهولة؟.. لن يحدث هذا ولو ضربت أعناقنا بالسيف.."
كانت ججي توافقهم في كل ما قالوه، لكنها نوعاً ما شعرت بكآبة شديدة.. لم تستفِد أمراً من سعيها لهذا اللقاء ومخالفتها لكبار قبيلتها فيما نصحوها به.. لكم كانت تود لو تنتهي هذه الحرب.. ولكم تمنّت أن تستعيد قبيلتها حياتها الآمنة بعيداً عن هذا القتل والدمار الذي عطل حياتهم وما يزال يهددها لوقت لا يعلمه أحد..
************************
تلك الليلة، وبعد أن رحل الملك من معسكرهم دون أن يبقى له ولجنوده أي أثر، اجتمع الزعماء وسط المعسكر قرب النار يتسامرون قبل أن ينطلق كل فريق عائداً لمخيمه في اليوم التالي.. تسلّى جيدار بنزال عنيف مع بعض رجاله، فيما جلست ججي قرب بقية الزعماء الذين تحلقوا حول ظبي يتم شيّه مما اصطاده بعض الرجال في الغابة القريبة..
وفيما التهمت ججي لحم الظبي الشهي، قال ستراك وهو يعقد ذراعيه على صدره "ألا تظنون أننا يجب أن نستغل فرصة وجودنا هنا ونحاول شنّ هجوم على السفن التي لجأ ذاك الملك إليها؟.. لو تمكنا من التخلص منه، فستتوقف هذه الحرب بشكل كامل.."
قال هاكين "كيف نصل للسفن وهي وسط الخليج؟.. اقترابنا من الشاطئ يعرضنا لمدافعها القوية، وجنوده الموجودون في هذه السفن يفوقوننا عدداً بالتأكيد.. أتظن أنهم سيمنحوننا الفرصة للوصول لملكهم بهذه السهولة؟"
علق جيدار وهو يضرب خصمه بسيفه بقوة "لقد خسرنا فرصة كبيرة لقتل الملك في معسكرنا هذا.. لولا ترددك يا هاكين لكنا أنهينا مشاكلنا هذه بضربة واحدة.."
لم يعلق هاكين على هذا الأمر فيما قال أحد الزعماء "فلننسَ كل ما جرى هنا ونعود غداً لمخيماتنا.. الحرب ستستمر رغم كل ما نفعله.. ولكننا لا يمكن أن نستسلم بسهولة.."
هز بقية الزعماء رؤوسهم موافقين، وسرعان ما دارت كؤوس الشراب بينهم دون سبب إلا لتناسي خيبة الأمل التي حصلوا عليها بعد مسيرهم الطويل ذاك.. وعندما عرض هاكين كأساً على ججي، رفضت ذلك بتهذيب قائلة "أنا لا أشرب مطلقاً.. يكفيني بعض الشاي بعد وجبة دسمة كهذه.."
تساءل هاكين وهو يحتسي كوبه "ولمَ لا تشرب أبداً يا جام؟.. أهناك سبب لذلك؟"
ابتسمت معلقة "رغم أنني لا أعتبر نفسي امرأة، لكن الرجال يرون أن المرأة عامة لا تملك عقلاً.. ولو أفقدني الشراب عقلي أمام بقية الرجال، فما الذي سيبقى لي بعدئذٍ؟.. أفضل الاحتفاظ بما أملكه ولا أخسره للاستمتاع بجرعة شراب.."
ونهضت مضيفة "سأذهب للاطمئنان على الرجال.. أرجو ألا يفقدوا وعيهم بدورهم فيبقى المعسكر دون حراسة هذه الليلة.."
تركت وسط المعسكر وسارت ناحية جزء منه حيث تقع خيام الرجال الذين صاحبوها.. وهناك، رأت تبريق مع بقية الرجال وهم يتناولون طعام العشاء، فيما لاحظت أن أغلب رجال بقية الزعماء قد بدؤوا باحتساء الشراب بالفعل.. فتقدمت ججي من رجالها متسائلة "هل شاركتم البقية في احتساء الخمر؟"
قال أحد رجالها بضيق "لا.. لقد حذرنا تبريق من ذلك.."
التفتت إلى تبريق مبتسمة وتساءلت "ولمَ؟"
أجابها "أفضل أن يحتفظ الرجال بانتباههم هذه الليلة قبل أن نرحل من هذا الموقع مع طلوع شمس الغد.. لايزال الملك قريباً منا، وأخشى من غدره لنا بعد أن رفضه الزعماء بشكل صريح.. لذا، علينا أن نشدد الحراسة هذه الليلة.."
قالت ججي "وأنا أوافقك على هذا.."
وجلست قربه قائلة بزفرة حارة "سنعود بخيبة وفشل ذريع للقبيلة.. فلابد أن يهزأ سادر ومن معه مني لعنادي السابق.."
غمغم تبريق "لا أحد يمكنه لومك على ذلك.."
نظرت له متساءلة "ألا تفعل أنت ذلك؟"
أجابها "لا.. أفهم شعورك بالتأكيد، فما نواجهه من معارك وقتال جانبي مع باقي القبائل يكون مفهوماً، لكن هذه الحرب التي طالت مع الملك العربي قد بدأت تنهكنا بشكل كبير.. والجميع يود الانتهاء منها بأي شكل كان.."
صمتت ججي وهي تحاول تخيّل ردة فعل رجال قبيلتها على هذا الأمر.. هل سيتفهمونه كما فعل تبريق؟.. أم أنها ستنال سخريتهم بالفعل؟.. قضت بعض الوقت مع رجالها تتبادل أطراف الحديث، ولما بدأ المعسكر يهدأ وأخلد أغلب الزعماء للخيام المنصوبة لهم، عادت ججي لخيمتها وقد عزمت على النوم قبل أن تبدأ رحلة العودة مع فجر اليوم التالي.. لكن عقلها كانت له آراءٌ أخرى بهذا الشأن وهي تتقلب في الفراش الذي فرشته أرضاً.. كانت خيبة أملها كبيرة لما جرى هذا اليوم، وسخرية كبار القبيلة منها تكاد تلوح أمام عينيها وهي تتخيل ما سيقال لها عند عودتها.. حتى كين كان أكثر حصافة منها وطلب منها تكراراً رفض هذا اللقاء وحذرها منه.. فهل كانت حمقاء لهذه الدرجة لتأمل خيراً من مثل هذا الملك؟..
قادها تفكيرها إلى كين الذي نبذته ظاهرياً وانغمست في هذا الأمر الذي يمسّ قبيلتها والأكاشي كلهم.. لكنها في الواقع كانت تشعر بوخزة مؤلمة في صدرها كلما طاف خياله بتفكيرها.. بل إنها ضبطت نفسها وهي تكاد تناديه أثناء رحلتهم هذه عدة مرات، ولكنها تمسك لسانها في اللحظة الأخيرة خوفاً من سخرية الرجال لما وصلت إليه.. فهل هي غير قادرة على تجاوز غيابه لهذه الدرجة؟..
بعد تفكير طويل لم يؤدِ لأي نتيجة مطلقاً، غفت ججي لوقت قصير قبل أن تنتبه من نومها على صوتٍ خافت تردد في جانب المعسكر.. ظلت تنصت للصمت خارجاً وقد تراءى لها أن ذلك الصوت كان جزءاً من حلمها الذي حلمت به في غفوتها تلك، خاصة أن الصوت لم يتكرر مرة أخرى.. تثاءبت بشدة وهي تحاول العودة للنوم، عندما تردد الصوت من جديد في جانب آخر من المعسكر بحيث قفزت جالسة لدى إدراكها أن ذلك الصوت كان صوت بندقية..
أسرعت ججي تحمل سيفها القريب وتندفع نحو باب الخيمة، عندما سمعت الطلقات التي تعالت بكثافة في عدة جوانب من المعسكر، مما صدم ججي بشدة لدى إدراكها أن الموقع ظل ساكناً رغم صوت الرصاصات تلك.. لا تسمع صليل السيوف ولا صياح الرجال.. لا تسمع إلا صوت الرصاص الذي تبغضه بشدة وهو يتردد في آنٍ واحد في عدة مواقع.. هذا دليلٌ مؤكد أن المعسكر يواجه هجوماً كبيراً وليس مجرد بضعة جنود.. فهل خانهم الملك؟..
كانت تود الاندفاع خارج الخيمة لرؤية ما يجري، لكن حذرها منعها من ذلك وهي تنظر عبر شق الستار الذي يغطي مدخل الخيمة.. ووسط المعسكر الذي لا تزال النيران تشتعل وسطه، رأت رجال الأكاشي الذين غلبهم النوم قرب النار بعد أن غلبهم السُّكر وبمعدة متخمة.. ورأت في الآن ذاته تلك الأجساد السوداء التي تسير وسط المعسكر بثقة وثبات.. لم يكن أولئك من الأكاشي، بل بدا لها أنهم من الجنود التابعين للملك.. لكن عوضاً عن ارتداء الدروع والخوذات التي يُسمع صوت حركتها من مبعدة، كان أولئك الجنود يرتدون ثياباً سوداء تجعل تمييزهم في ظلام هذه الليلة عسيراً لو لم تفضح النيران أمرهم..
ومن سيرهم الواثق بين الأكاشي، انتبهت ججي أن الرجال لم يكونوا مجرد سكارى نائمين.. فهل ينام السكير منكفئاً على وجهه أو مائلاً بهذه الوضعية الغريبة؟.. إنهم قتلى.. أدركت ذلك في وقت متأخر وهي ترى جنديين يتقدمان من خيمتها بثبات حاملين بندقيتيهما..
تراجعت ججي وقد أدركت أن مقاومتها مع العدد الكبير من الجنود وسط المعسكر ستكون عديمة الجدوى.. فأسرعت حاملة سيفها نحو مؤخرة الخيمة، فجثت واضعة رأسها أرضاً ورفعت جانب الخيمة متطلعة خلفها حتى اطمأنت لخلو الموقع من أي جندي.. عندها رفعت ذلك الجانب وتسللت عبره خافضة جسدها وهي تتلفت حولها بتوتر.. ما الذي جرى لرجالها؟.. هل قتلهم الجنود بالفعل؟.. أم أنهم هربوا من المعسكر؟..
أسرعت نحو أقرب خيمة منها، والتي احتلها هاكين مع بعض رجاله، وانسّلت عبر جانبها بعد أن اطمأنت للصمت داخلها.. هذا جعلها توقن أن الجنود لم يصلوا لهذه الخيمة بعد، لذا عليها أن تقوم بتحذير هاكين الذي ربما كان نائماً في مثل هذا الوقت، والهرب معه ومع بقية الزعماء بأي وسيلة كانت..
بعد أن تجاوزت جانب الخيمة ودارت ببصرها في الخيمة المظلمة، لاحظت وجود عدد من الأجساد في جانب المكان.. فاقتربت منها دون أن تصدر صوتاً بحثاً عن هاكين وكشفت أحد الأغطية هامسة "هاكين.. أأنت نائم؟.. استيقظوا فنحن نتعرض لهجوم من الملك الغادر.."
سمعت خطوات خلفها ولاحظت النور الذي غمر الخيمة وأحد الجنود خلفها يصيح "إنها هنا.."
لكن ججي لم تلتفت إليه وهي تثبت بصرها على الأجساد الساكنة أمامها.. عندما زال الظلام المهيمن على الخيمة وغمرها ذلك النور، تمكنت من رؤية تلك الوجوه التي كانت تحدق في الفراغ بصمت.. ولم يفتها رؤية الدماء التي سالت من أكثر من موضع من تلك الأجساد وهي تتعرف عليها في لحظات.. كانت تلك الأجساد تضمّ عدداً من رجال هاكين، ووسطهم تمكنت من رؤية وجه هاكين الذي زيّنه ثقب واضح في منتصف الجبهة.. رغماً عنها انتفضت ججي مع مرأى جثة هاكين، وهو الذي كانت تعتمد عليه وتثق برأيه وبقوة قبيلته.. لكن لم ينفعه وجود رجاله حوله ولم يتمكنوا من ردع الموت عنه عندما غافلهم..
وجدت الجندي يجذبها من ذراعها متأملاً ملامحها، ثم صاح للجنود الذين اقتربوا من خلفه "هذه هي المرأة التي تولّت زعامة إحدى القبائل.."
ورفع بندقيته في وجهها لتلامس جبهتها وهو يقول بابتسامة "أنتِ الأخيرة يا امرأة.. ألن يسعدك معرفة هذا الأمر؟"
ازدادت نفضة ججي لقوله، وقالت بصدمة "كيف؟.. كيف تمكنتم من الرجال والزعماء جميعاً؟"
قال الجندي بسخرية "لأنكم حمقى.. عند قدومنا، تجمع رجالكم حول خيمة الزعماء وسط المعسكر، تاركين بقية المعسكر دون ملاحظة.. لذا لم يكن صعباً على أحد جنودنا دسّ بعض المخدر في دَنّ الخمر الذي جلبتموه معكم.."
تزايدت صدمة ججي لما تقوله وقد أدركت الخدعة التي خدعهم بها الملك للتخلص من زعماء القبائل العشر، وبالتالي التخلص من أغلب مقاومة الأكاشي بضربة واحدة.. وها هو قد حقق مبتغاه بكل سهولة يعجز المرء عن تصديقها، وهي ستلحقهم الآن سريعاً.. فما ستكون ردة فعل رجال قبيلتها الذين عارضوا لقاءها هذا بالملك العربي؟.. ما ستكون ردة فعل كين عندما يصله خبر هذه المذبحة التي قام بها الملك للتخلص من أعدائه؟..
اتسعت ابتسامة الجندي الساخرة وهو يرى نفضتها، وجذب زناد بندقيته دون تردد بينما تجمدت ججي في موقعها بصمت وصدمة.. وفي اللحظة التي تردد فيها الصوت المدوي، شعرت بالرصاصة تشق الهواء قربها وأحست بإحساسٍ حارق في شحمة أذنها في الآن ذاته.. وتناهى لسمعها، من بين الدويّ الذي تردد في أذنها اليمنى مصيباً إياها بصمم مؤقت، شهيق الجندي الذي مالت يده جانباً مع الضربة التي أصابته من الخلف ممن حسبهم رفاقه من الجنود.. فيما دفع الرجل الذي وقف خلفه سيفه عميقاً بين لوحي كتف الجندي حتى خرج نصله من صدره، ثم سحب السيف بقوة فأغرقت دماء الجندي الموقع قبل أن يسقط على وجهه بصمت قرب ججي..
نظرت ججي خلف الجندي وهي تضع يدها على موضع الجرح الذي أصابها من الرصاصة تلك، فرأت تبريق يتقدم منها قائلاً بتوتر "أأنت بخير يا جام؟"
نظرت له براحة لرؤيته ورؤية رجالها بخير خلفه وقالت "هل الجميع بخير؟"
هز تبريق رأسه مجيباً "على الأغلب.. الرجال الذين بقوا لحراسة المعسكر أثناء نومنا قد قتلوا على أيدي الجنود عند بدء الهجوم.."
بدت الصدمة على وجهها وهي تغمغم "كيف.....؟"
قال تبريق "يبلغ عدد المهاجمين من الجنود خمسين جندياً تمكنوا من التخلص من الحراس بضربة واحدة.. ولما أدركنا ما يجري هرعنا إلى خيمتك بغية إنقاذك، ولحسن الحظ سمعنا صياح هذا الجندي معلناً عن عثوره عليك.. لقد ظنّنا رفاقه من الجنود، لذا لم يحترس من قدومنا وهو يوجه اهتمامه لك.."
فتساءلت ججي بتوتر "أحقٌ ما قاله الجندي عن تخلصهم من جميع الزعماء؟"
نظر تبريق للموضع الذي استلقت فيه جثث هاكين وبعض رجاله، ثم قال "يبدو كذلك.."
أغمضت ججي عينيها بألم وأسىً لتبعات هذا الأمر على نصف قبائل الأكاشي في وقت حاسم مثل هذا، فيما نظر تبريق للمشعل الذي سقط من يد الجندي مع سقوطه وبدأ يأكل البساط والفراش القريبين، وقال "فلنهرب.. قد لا تكون هذه آخر مفاجآت الملك الغادر لنا.."
ساعد ججي لتقف فيما الدماء تسيل على عنقها من أذنها المصابة، لكنها لم تعبأ لهذا الأمر وهي تتقدم بخفة خلف تبريق يتبعها بقية الرجال من مدخل الخيمة.. وهناك، تلفت تبريق في الموقع الذي تطل عليه الخيمة، والذي تخفيه الخيام القريبة عن وسط المعسكر الذي يعجّ بالجنود، ثم قال بخفوت لججي القريبة "علينا تجاوز الخيام والتسلل من هذا الجانب.. الغابة قريبة من المعسكر، لذا يمكننا الهرب عبرها بأمان أكثر.."
انبرى أحد الرجال قائلاً "علينا استعادة خيولنا لنعود بها إلى القبيلة بأسرع ما يمكن قبل أن يصل الجنود إلى الزعيم.."
اعترضت ججي بقلق "في هذا مخاطرة كبيرة لا يمكننا القيام بها.."
نظر لها الرجل قائلاً بحزم "بل هي تستحق.. يجب أن نعود بك للقبيلة، ولا يمكن أن يحدث هذا دون خيول.. سآخذ معي بعض الرجال ونحاول التسلل للناحية التي تم ربط الخيول عندها.. ربما يئس الجنود من العثور علينا بعد هذا الوقت ورحلوا من الموقع.."
وضع تبريق يده على كتف الرجل قائلاً "لا تتفاءل كثيراً، لكن هذا لا يمنع أن تنفذوا هذه الخطة دون المخاطرة بحياتكم قدر الإمكان.. سننتظركم في الغابة حتى عودتكم.."
فيما قالت ججي "لو لم تعثروا علينا في الغابة لأي سبب، فانطلقوا عائدين للمخيم دون تأخير.. أخبروا سادر بما جرى، وحذروا بقية القبائل من هجوم متوقع للملك بعد أن تغلب على المعارضة التي كانت تقف في وجهه.."
هز الرجل رأسه موافقاً، ثم نظر في وجوه الرجال حولهم، ليجد خمسة منهم يهزون رؤوسهم بعزم.. عندها أسرع الرجل مع الخمسة الآخرين يبتعدون محاذرين من إصدار أي صوت يجذب الجنود لهم، وبقيت ججي تراقبهم مع البقية بقلق واضح.. ثم قال تبريق "لنذهب.."
استدار نحو الجانب الآخر من المعسكر متسللاً بين الخيام وججي تتبعه مع من بقي من الرجال.. كانت خطوات الجنود الواثقة وأصواتهم العالية تدلّ على تمكنهم من المعسكر بشكل شبه كامل وعدم خوفهم من هجوم الأكاشي عليهم.. لقد انقضى كل شيء بضربة غادرة سريعة خطط لها الملك بثقة كبيرة، والآن، بقي مصير ججي ورجالها ليتحدد في الساعات القادمة.. فإما أن تنضمّ إلى الجثث التي تكومت في جوانب المعسكر، أو تفرّ من المكان هاربة بحياتها بشكل لم تجرؤ عليه قط..
************************
عندما تمكنت ججي والرجال من الحصول على بعض الأمان في المخبأ الذي اتخذوه لأنفسهم وسط الغابة، بعد أن تسللوا هاربين من المعسكر بغفلة من الجنود، تنفسوا الصعداء للحظات رغم أن أيديهم بقيت شادّة على السيوف بتحفز تام.. نظرت ججي حولها للغابة المظلمة، وقالت لتبريق "ما الذي يمكننا فعله الآن؟.. هل نختبئ هنا حتى طلوع الشمس؟.. أم نحاول الهرب من الجانب الآخر للغابة قبل قدوم الجنود؟.."
تلفت تبريق حوله في الغابة المظلمة وقال لهم "لن يمكننا الهرب بعيداً على الأقدام.. واختباؤنا هنا قد لا يكون له فائدة لو حاول الجنود تفتيش هذه الغابة بحثاً عنا.."
نظر الرجال لبعضهم البعض فيما غمغمت ججي بغضب "ما كان علينا الهرب.. ما كان علينا الفرار بخسة تاركين البقية.."
قال تبريق مقطباً "ما الذي يمكننا فعله إزاء هذا الهجوم؟.. لا أظن أن هناك أي أحياء في المخيم عدانا، وإلا لسمعنا مقاومتهم للجنود.."
غمغمت ججي باستياء وغضب "كيف حدث كل هذا؟.. كيف تمكن الملك من خداعنا بهذه الصورة؟.."
علق تبريق قائلاً "لقد سمعت من الجندي الذي كاد يقتلك أنهم خلطوا مخدراً في دنّ الشراب.. لحسن حظنا أننا لم نذق قطرة منه، وإلا ما استيقظنا قط من سُكرنا ذاك.."
زفرت ججي بضيق بينما أضاف تبريق "عندما وصل الملك بفرقة الجنود الكبيرة للمعسكر، ظننت أنه يخشى على نفسه من الأكاشي.. لكنه كما اتضح لاحقاً كان يريد إشعار الأكاشي بالتوجس لتواجد هذا العدد الكبير من الجنود، ولذا احتشد أغلب الرجال قرب خيمة الزعماء خوفاً من غدر الملك وجنوده بهم.. لذا لم يكن صعباً على أحد جنوده فعل ما فعله بغفلة من الجميع.."
قالت ججي بحيرة "لكن لمَ دسّ مخدراً في الخمر بدل السم؟.."
أجاب تبريق متلفتاً حوله "قد يظهر تأثير السم بشكل سريع على شاربه، ولذا قد يتحذر البقية من الشرب ويدركوا أن الملك قد غدر بهم.. لم يكن يريد أن يداهم جنوده المخيم ليجدوا الأكاشي محتاطين لهجومهم ذاك.."
فضمّت ججي ذراعيها لجسدها وهي تقول بأسى "ولقد وقعنا في فخه بكل غباء.. لو أن الرجال امتنعوا عن احتساء الشراب.. لو أنهم التزموا جانب الحذر هذه الليلة فقط....."
فقال تبريق وهو يمسك سيفه بقوة "فات أوان الندم.. فلنسعَ للخلاص مما نحن فيه، وبعدها نلوم بعضنا البعض قدر ما نشاء.."
زفرت ججي بألم لمرأى الرجال الذين قتلوا في المعسكر.. لقد أصيب الأكاشي بضربة غادرة ستكلفهم الكثير.. وربما يصبح الطريق سالكاً للملك الغادر لاحتلال السهول بعد النصر الذي أحرزه عليهم بكل خسّة وحقارة.. فما الذي جَنَتْه بقدومها لهذا المكان؟.. ما الذي جناه الزعماء على قبائلهم بتجاهلهم للخطر الذي يمثله الملك العربي على حياتهم وعلى حرية الأكاشي التي قاتلوا بكل ما يملكونه للاحتفاظ بها؟..
دام الصمت في المكان وقتاً طويلاً والأيدي متحفزة على السيوف والرجال يلتفتون حولهم لأقل صوتٍ يصدر في الغابة الساكنة.. ثم انقطع السكون بدوي رصاصات تصدر من المخيم، فتوتر الجميع بشكل بالغ وأحد الرجال يقول قلقاً "أتظن أن المستهدفين هم رجالنا؟"
قال تبريق وهو يقف "لا أعلم.. ولا يجب بنا أن نقف هنا لننتظر الإجابة.."
استوقفه أحد الرجال قائلاً بقلق "ماذا عن البقية؟.. هل نتركهم لمصيرهم؟"
أجاب تبريق "رغم كرهي لذلك، لكن هذا ما يجب فعله.. لن يستفيدوا أمراً من اندفاعنا خلفهم دون حذر.. وربما قضوا نحبهم في تلك المواجهة فعلاً.."
قال الرجل مقطباً بحنق "هذا لا يعني أن نتخلى عنهم.. لقد تطوعوا لهذه المهمة الخطرة لمعاونتنا على الهرب.. فكيف نتخلى عنهم الآن؟"
قال تبريق بضيق "وهل يعقل أن نندفع للمعسكر الذي يعجّ بالجنود بعد أن فررنا منه بالكاد؟"
قالت ججي بإلحاح "ما يقوله هو عين العقل يا تبريق.. لا يمكن أن نتخلى عن رجالنا في هذه الأوقات.. هذه تعتبر خسّة منا.. هل تقبل أن نفعل الأمر ذاته لو كنت في موقعهم؟"
قال تبريق بحزم "طبعاً أقبل بذلك دون تردد.."
وزفر باستياء متطلعاً في وجوه الرجال من حوله، ثم قال لججي "سأعود مع البقية محاولاً إنقاذ رجالنا وإتمام المهمة التي ذهبوا لأجلها.. اذهب أنت مع رجلين وحاول تجاوز هذه الغابة بأسرع ما يمكن قبل أن يصل الجنود لموقعكم.."
هتفت ججي "أنا لا يمكن......."
قال تبريق بصرامة "ليس لك رأيٌ في هذا يا جام.. أطِع الأمر الوحيد الذي أطلبه منك، فعنقك هو ما يلاحقه هؤلاء الجنود الآن.."
غمغمت ججي بحنق "هل تجرؤ على إلقاء الأوامر على زعيمك يا تبريق؟"
ابتسم تبريق معلقاً "تجاوز عني هذه المرة فقط يا جام.."
أشار لرجلين ليصاحبا ججي، ثم استدار مع بقية الرجال عائدين للمعسكر الذي لم يكن بعيداً عن موقعهم كثيراً.. وبينما راقبتهم ججي لبعض الوقت، قال أحد الرجلين قربها "لنرحل يا زعيم.. كل لحظة تمضي علينا هنا تزداد الخطورة فيها عليك.."
هزت ججي رأسها باستسلام، واستدارت معهما وهي تركض بعيداً عن الموقع وعن المعسكر خلفه وقلبها يدق بشيء من الشدة.. شعرت أنها تقوم بعمل حقير قد لا تنساه ما بقي لها من عمر.. كيف تتخلى عن رجالها بهذه الصورة المخزية؟.. ما أهمية وجودها هي بالنسبة للقبيلة ليضحي الآخرون بأرواحهم لأجلها؟.. هل أصبحت زعيمة لكي تستخدم الرجال كدرع بشري لحماية حياتها هي؟..
توقفت مع هذه الأفكار وقد عجزت قدماها عن التقدم خطوة أخرى.. ثم رفعت بصرها للرجلين القريبين وقالت بتوتر "لا يمكنني فعل هذا أبداً.. يجب أن نعود لمعاونة البقية.."
استوقفها أحد الرجلين جاذباً ذراعها وقال بتوتر "لا يمكن ذلك.. سيقتلنا تبريق لو خالفنا أمره وأعدناك لموضع الخطر يا زعيم.."
قالت بشيء من الحنق "وهل تخشون عصيان تبريق أكثر من عصياني؟"
تردد صوتها شيئاً ما في الغابة الساكنة، وبدا أن ذلك أزعج بعض الحيوانات التي كانت غافية وهي تهرب من الموقع هازة الشجيرات في طريقها مما وتر ججي ورفيقيها أكثر.. وبعد أن سكن كل شيء، قال الرجل من جديد "لنهرب يا زعيم كما طلب منا تبريق.. سننتظرهم عند الطرف الآخر من الغابة حتى......."
دوّى ذلك الصوت العالي في الموقع مثيراً ضجة أكبر من السابق بشكل أجفلت له ججي وهي تستدير خلفها.. فكان ما لمحته في تلك اللحظة هو الرجل الثاني الذي كان يقف خلفها وهو يهوي على وجهه بعد أن اخترقت رصاصة صدره، وبلمحة أخرى رأت جندياً يقف على مبعدة والدخان يتصاعد من فوهة بندقيته..
رفعت ججي سيفها بسرعة وعيناها تتسعان، لكن الرجل الثاني دفعها بقوة في اللحظة ذاتها التي تردد فيها صدى طلقة أخرى من بندقية جندي ثانٍ لحق برفيقه قبل أن يبدو من خلفه عددٌ آخر من الجنود.. ومع دفعته تلك، تمكنت ججي من تفادي الإصابة برصاصة البندقية التي ارتطمت بالأرض قريبة من قدميها، لكنها تمالكت نفسها بسرعة وهي تقفز خلف شجرة قريبة لاهثة فيما اختبأ الرجل بدوره وهو يغمغم بحنق "اللعنة.. هل لحقوا بنا بهذه السرعة؟.. ما الذي جرى للبقية؟"
دار رأس ججي وهي تفكر بمن أرسلتهم للمعسكر للتو.. هل أرسلتهم بنفسها للموت؟.. تعساً لها.. كيف يمكنها أن تواجه تينا لو قدّر لها أن تعود للمخيم حيّة؟.. كيف تواجه رجال ونساء قبيلتها بعد أن خسروا عشرين رجلاً من خيرة رجالهم؟..
تتالت طلقات الرصاص على الأشجار والأرض قربهما، ثم هدأ كل شيء وسُمعت أقدام الجنود الخافتة وهي تتقدم من موقعهما.. فنظر الرجل إلى ججي قائلاً "سأحاول تشتيتهم.. حاول الهرب من هذا المكان بأسرع ما يمكنك أثناء ذلك.."
قالت ججي باعتراض "لا يمكنني فعل ذلك.. كيف.....؟"
كانت أصوات الأقدام تقترب منهما بشكل حثيث ومن أكثر من موقع، فيما فوجئت ججي بالرجل يدفعها بشيء من العنف حتى كادت تتعثر خلفاً، وقال بغضب "غادر الموقع يا زعيم.. لا تجعل حياة رجالك تضيع هدراً.."
قالت بصوت مرتجف "لماذا؟.. ما أهمية بقائي على قيد الحياة حقاً؟"
نظر الرجل في وجهها بصمت، ثم قال بحزم "لا نريد أن يحرز الملك انتصاره على قبيلتنا بأي شكل كان.. قتلك أنت هو ما يسعى خلفه، وهو ما سنقاومه بكل قوة.. نحن مقضيٌّ علينا في كل الأحوال.. لذا، أطِع طلبنا هذا للمرة الأخيرة يا زعيم.."
تراجعت ججي خطوة وهي تسمع الأقدام التي أسرعت نحوهما، ولما اقترب الجنود أكثر فأكثر من موقعهما رفع الرجل سيفه بتحفز كبير وهو يدفع ججي نحو أجمة كثيفة قربه ليخفيها عن العيون.. أُخذت ججي بتصرفه هذا لوهلة، ثم وجدت نفسها تستدير في موقعها وتتسلل مغادرة وكلمات الرجل تدوّي في عقلها.. هل سيكون لهروبها أي معنى؟.. أحقاً نجاتها سيجعل لموت رجالها معنىً يرضيهم؟..
سمعت عدة رصاصات تتردد في الموقع، وسمعت صوت الأنين الواضح قبل أن يخفت كل شيء في المكان.. لكن ججي لم تتوقف وهي تتسلل متجاوزة الأجمة وراكضة عبر الغابة وبين الأشجار الكثيفة باحثة عن مخرج ومهرب بعد أن أصبحت وحيدة تماماً في مواجهة أعدائها..
************************
توقفت ججي عن الركض فجأة عندما لاح أمامها انحدار شبه حاد وسط الغابة المظلمة يضمّ في أسفله نهراً ضيقاً يسير بسلاسة عابراً الموقع نحو الخليج القريب.. لهثت وهي تتلفت حولها بحثاً عن وسيلة لتجاوز هذا المنحدر نحو الجهة الأخرى منه، عندما سمعت صوت الطلقة المدوي خلفها، وشعرت بألم حارق في خاصرتها فيما اختل توازنها مع اندفاعة الرصاصة العنيف حتى وجدت نفسها تسقط في ذلك المنحدر وتنزلق على صخوره القاسية لمسافة قبل أن تستقر أرضاً..
تألمت ججي بشدة وهي تسمع تصايح بعض الجنود في الأعلى، لكنها لم تبالِ بالجرح الذي يحرق خاصرتها، بل عضّت على شفتها السفلى وهي تنهض واضعة يداً على الجرح الذي أخذ ينزف بغزارة.. تجاهلت السجحات التي أصابت ذراعها وركبتيها ووجهها من سقوطها العنيف، وأسرعت تركض مختبئة خلف شجيرات كثيفة تخفيها عن الجنود في الأعلى.. لكن الجنود الذين لمحوها أسرعوا لإطلاق الرصاص بغزارة في الموضع الذي اختبأت فيه، بينما ركضت ججي بين الشجيرات لتتفادى إصابة جديدة قد تصيبها في مقتل.. وفي موضع بعيد عن الجنود، جلست أرضاً بين الشجيرات الكثيفة التي تخفيها عن الأعين وهي تلهث بشدة وألم.. نظرت للجرح الذي لم يتوقف نزفه خاصة مع حركتها العنيفة أثناء الهرب من الجنود، ثم أسندت ظهرها لصخرة قريبة وهي تتمتم بألم "تباً.. هل سيكون هذا المكان قبري؟"
سمعت تراكض الجنود في الأعلى، فظنت أنهم قد رحلوا وتركوها، وأغمضت عينيها مستسلمة للسكون الذي لا يقطعه إلا صوت خرير المياه من النهر الضحل القريب من موقعها.. لكن سرعان ما سمعت الخطوات التي اقتربت من موقعها من جانب آخر وقد بدا أن الجنود عازمون على التخلص منها بأي شكل كان.. ألا ييأسون أبداً؟..
زفرت ججي بشدة وهي تمسك سيفها بيدين ترتجفان للإنهاك الذي أصابها، وربضت في موقعها بصمت دون أن تجد مخرجاً من هذا المأزق الذي يكاد يطبق عليها.. رأت ست أقدام تمرق قربها قبل أن تتمهل وأصحابها يديرون رؤوسهم وبنادقهم بتحفز في الموقع.. ثم سمعت صوت أحدهم وهو يشير للشجيرات الكثيفة "قد تكون مختبئة هنا.. اعثروا عليها.."
حبست ججي أنفاسها دون أن تصدر صوتاً وهي ترى الجنود يزيحون جانباً من الشجيرات بحثاً عنها في أكثر من موقع.. صمتت وهي تراقبهم من بين الأشجار الكثيفة، وترى تلك القدمين اللتين اقتربتا من موقعها والجندي يمد يده ليزيح الأوراق ويكشف ما خلفها.. وقبل أن يراها بالفعل، كانت ججي قد مدت يدها وأمسكت فوهة بندقيته القريبة، وفي الآن ذاته دفعت سيفها ليخترق بطنه بقوة حتى تصببت الدماء منه.. شهق الجندي بألم وهو يتراجع خطوة بعد أن أفلت بندقيته، ولما سحبت ججي سيفها سقط أرضاً على ظهره بصمت فيما رفع الجنديين الأخيرين بندقيتهما بتأهب وهما يتقدمان من هذا الموضع دون أن تكشف ججي نفسها لهما بعد.. حاولت ججي الاستفادة من البندقية التي استلبتها من الجندي، وأدارتها نحو الجنود وهي تحاول التصويب بها على أقرب جندي.. كانت تملك معلومات ضئيلة عن كيفية عمل هذه البندقية، عندما تبرع كين في إحدى المرات بشرح آلية عملها وكيفية استخدامها.. وجهت الفوهة نحو أقرب الجنديين وضغطت الزناد دون تردد، لتفاجأ بأن قوة اندفاع الرصاصة قد تسببت بدفع البندقية للخلف بقوة واختلال تصويبها فيما صمّ الدوي العالي أذنيها لشدته..
نظرت ججي للجنديين اللذين تراجعا للخلف خطوات، فوجدت أن الطلقة لم تُصِب أياً منهما رغم محاولتها.. أعادت ججي المحاولة من جديد لتجد أن ضغطها للزناد لم يأتِ بأي نتيجة، وبقيت البندقية صامتة والدخان يتصاعد من فوهتها لثوان..
رفعت بصرها بقلق لترى الجنديين يصوّبان بندقيتيهما نحوها بعد أن أدركا أن بندقيتها فارغة من الرصاص، وطبعاً لا تقدر على إعادة تعبئتها لأن الرصاص الاحتياطي في جيب الجندي القتيل وهي لا تعرف كيف تفعل ذلك قطعاً.. نهضت ججي بتحفز، ثم ركضت خلف الشجيرات بينما تطايرت الرصاصات نحوها لتجد إحداها تصيبها في ساقها إصابة مؤلمة تعثرت لها وهي تتدحرج في موقعها..
حاولت ججي النهوض بسرعة وهي ترى الجنديان قريبان من موقعها وأحدهما يضربها على وجهها بعقب البندقية بقوة أسقطتها أرضاً من جديد، بينما سحب الآخر سيفها من يدها.. كتمت ألمها دون أن تصدر صوتاً وهي ترى الجنديان يعيدان حشو بندقيتيهما، عندها لم تتمهل وهي تقذف حجراً قريباً في وجه أحد الجنديين بقوة رمته خلفاً، ثم نهضت وقفزت على الجندي الآخر الذي رفع بندقيته بسرعة وأطلقها لتطيش طلقته في الهواء عندما أمسك ججي الفوهة بيدها وأزاحتها جانباً.. ثم دفعت خنجراً استخرجته من طيات ثيابها نحو عنق الجندي وحزته بحركة سريعة..
نهضت ججي لاهثة بشكل متلاحق وهي تقبض على الخنجر بقوة، فيما نهض الجندي الأخير واضعاً يده على موضع الضربة في وجهه وهو يقول بحنق "تباً لكِ أيتها المتوحشة.. كيف يمكننا التخلص منك؟"
لم تجبه ججي وهي تتقدم خطوة نحوه، فأسرع الجندي يرفع بندقيته نحوها ويطلق الرصاص بينما انخفضت ججي في موقعها وهي تميل جانباً بسرعة، واندفعت نحو الجندي متجاهلة ألمها الشديد للجرح الذي أصيبت به وللدماء التي سالت منها بغزارة.. لكنها لم تتردد وهي تلتحم بالجندي رغم أنه حاول التراجع، ودفعت الخنجر الذي بقي معها عميقاً في موضع قلبه وأدارته بشكل شهق له الجندي قبل أن يسقط على ظهره..
تراجعت ججي بخطوات مترنحة وهي تشعر بغشاوة تغطي عينيها.. كان الألم مبرحاً، وجسدها على شفا انهيارٍ حادٍ قد يودي بحياتها لكثرة ما فقدته من دماء.. ورغم تخلصها من جماعة الجنود هؤلاء، لكن لا شيء يضمن لها أن غيرهم لن يحاولوا قتلها.. يمكنهم قتلها برصاصة من بنادقهم دون الاقتراب منها، وحتى لو اقتربوا، فما عادت ججي تقدر على رفع يدها لحماية نفسها بأي شكل كان..
استدارت محاولة الابتعاد عن هذا الموقع والسماء الزرقاء تزداد زهواً بنور الشمس الوليدة، ولهثت بقوة وهي تسير بخطوات مترنحة جوار ذلك النهر الذي يقطع الوادي المنخفض، دون أن تملك القدرة على رفع رأسها والبحث عن وسيلة للعودة للأعلى.. جرّت قدميها بإنهاك وهي تحاول الثبات في سيرها دون فائدة.. ولما سقطت أرضاً، على ضفة النهر البارد ومياهه تغمر جزءاً من جسدها، شعرت ججي بتهالك شديد لم تقدر معه على رفع رأسها رغم كل محاولاتها.. وسرعان ما استسلمت لوضعها وهي تغمض عينيها وأنفاسها تتردد بضعف.. على الأقل، لو رآها الجنود من مبعدة فسيتيقنون من موتها لدى رؤيتها بهذه الحالة.. وبذا يمكنها أن تحصل على بعض الراحة، لو كانت موقنة أنها ستفتح عينيها بعدها دون أن تنسلّ روحها منها أثناء ذلك.. لكن ما الذي يمكنها فعله غير ذلك؟..
تناهى لسمعها صوت طلقات من مبعدة، لكنها لم تحرك ساكناً وهي تستسلم لوضعها ولجسدها المنهك.. دار بذهنها أن سنة واحدة لم تمضِ منذ استلمت زعامة القبيلة.. أنها لا تتجاوز العشرين من عمرها.. وأنها لم تحاول اللحاق بكين الذي رحل دون وداع.. فهل يكفيها ما حققته فعلاً؟.. هل ستموت راضية بما أنجزته من أمور لا تحلم نساء الأكاشي بشيء منه؟.. أم أن روحها الغاضبة سترفض مغادرة هذا العالم حتى بعد أن يبلى جسدها؟..
لو عاد شبحها لهذا العالم، فهي تتمنى أن تحيل أيام الملك العربي جحيماً حتى موته.. فهو من قتل أبويها.. وهو من قتل مينار.. وهو من قتلها وقتل زعماء القبائل العشر دون جريرة.. هو من جرد شقيقتها تينا من أي سندٍ بعد موت أبويها وموتها هي، وبعد ترملها إن كان تبريق قد قضى نحبه بالفعل..
وهو من تسبب بخسارتها للشخص الوحيد الذي شعرت أنها تحتاجه في هذا العالم في مثل هذه الأوقات.. دون أن تجرؤ على التصريح بذلك لنفسها قط..
************************
|