لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-01-16, 07:01 AM   المشاركة رقم: 106
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,112
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 
دعوه لزيارة موضوعي

تطورات رائعة

استمتعت بالكم الهائل من الأحداث رغم تاثري بوفاة مينار وحزن ججي عليه

كين اضحكني بمحاولاته المستميتة للفت نظر ججي التي تتجاهل مشاعره متعمدة.


متشوقة للقادم كثيرا


سلمت يداك واعذريني للغياب بسبب ظروف عائلية

تقبلي مروري وخالص ودي


«اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي»

 
 

 

عرض البوم صور bluemay   رد مع اقتباس
قديم 23-01-16, 09:37 AM   المشاركة رقم: 107
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

ستعرفين إجابة هذه الأسئلة مع الفصلين القادمين بإذن الله
وسيبقى لنا فصلان أخيران لنختم كل الخيوط المتناثرة من الرواية

****

مرحباً بعودتك يا عزيزتي مايا
سعيدة باستمتاعك بما مضى من أحداث
بالفعل حدث الكثير منذ آخر مرة علقت على الرواية
واليوم مع الفصلين القادمين ستتكشف أمور كثيرة أيضاً
فأتمنى أن يعجبك القادم كذلك..

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 23-01-16, 09:40 AM   المشاركة رقم: 108
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

الفصل الثاني والعشرون {من تكون؟}


بعد ذلك الموقف بينهما، والذي بدأ بلكمة من ججي على وجه كين وانتهى بلكمة منها على صدره، لاحظ كين أنها قد بدأت تتجنب البقاء معه لأوقات طويلة وتتحدث معه بشيء من التكلف.. بدا له بوضوح أنها تتهرب منه، أم أنها تهرب من مشاعره ومما تثيره في نفسها من انفعالات؟.. ربما كان كين يتمنى ذلك، لكن الواقع يخبره أنها تستثقل وجوده كما تستثقل حبه ذاك.. ربما كان الهدف الوحيد الذي يجعلها متشبثة به كما رأى في السابق هو ما يقدمه لها عقله والمعاونة التي تحصل عليها من خططه وأفكاره..
كان كين يستاء من ذلك الشعور، وزاده نعتها له بلقب (الكشميتي) الذي أورثه غصّة قوية في حلقه.. هذا اللقب معناه أنه مجرد شخص عابر في حياتها لا أهمية له، وربما كان رجال الأكاشي في نظرها أهم منه بمراحل.. لذلك بدأ كين بدوره بتقليل أوقاته معها قدر الاستطاعة..أصبح ينأى بنفسه أكثر من اللازم ويستمر على صمته كلما كانت قريبة، حتى شعرت ججي كأن جداراً سميكاً قد ارتفع بينهما وما عادت الأمور كما كانت عليه في السابق..
وفي إحدى الليالي القليلة التي جمعتهما معاً على إحدى التلال التي تقع خارج مخيم القبيلة، قالت ججي "من كان يصدق أن يقبل سيدار والبقية عرض الملك بعد إلحاح شديد مني؟.. لقد شككت لوهلة أنهم سيرفضونه ويرفضونني أنا بالتالي.. لكن هذا لم يحدث لحسن الحظ.."
لم تتلقَ إجابة من كين الذي ظل صامتاً يتأمل السماء بصمت، فأضافت "لقد قررنا الانطلاق لمقابلة الملك العربي غداً، فهل أنت آتٍ معنا؟"
استمر كين على صمته مدة أطول، ثم غمغم "لا أدري.."
غمرتها دهشة لحديثه بهذا الحياد عن موضوع أثار جدالات عديدة بينهما في اليومين الماضيين، وشعرت أنه بالفعل غير مهتم لهذا الأمر، وهذا جعلها تصمت بدورها دون أن تدري بمَ تتحدث لتكسر ذلك الجدار القائم بينهما.. لقد تغيرت أمورٌ كثيرة بينهما في الآونة الأخيرة، ولا تعرف على من تقع لائمة ذلك.. هل كانت تصدق قبل شهرٍ مضى أنها ستجد صعوبة في الحديث مع كين والتباسط معه كما كانت تفعل سابقاً؟..
بعد أن استثقلت ججي الصمت المخيم عليهما، نهضت وهي تقول لكين "هيا بنا.. علينا أن نخلد للنوم باكراً هذه الليلة.. منذ الغد سنبدأ رحلتنا للقاء الملك العربي.. وأنت آتٍ معنا بكل تأكيد.."
لم يعلق كين أو يتحرك من موقعه، ولما همّت بحثّه على النهوض سمعته يقول "سأبقى قليلاً هنا وحدي.. يمكنك الرحيل الآن وسأتبعك بعد بعض الوقت.."
كان تشديده على البقاء وحيداً يدلها على أنه لا يرغب بوجودها في الوقت الحالي.. وهو أمر يسبب لها الضيق الشديد في السابق، لكنها مع التغيير الكبير الذي جرى لهما لم تعترض وهي تقول "لا بأس.. لكن لا تبقَ طويلاً في العراء.. لا أريد أن أقضي وقتاً طويلاً في إيقاظك من نومك كالعادة.."
لم يعلق كين حتى عندما استدارت ججي مغادرة، لكنها فضّلت تركه وحيداً في تلك اللحظات دون أن تلحّ عليه بأي أمر.. عادت لخيمتها وقضت بعض الوقت مع تينا التي بدت أكثر انشراحاً وتبسطاً من السابق، وقد أثار هذا بعض السعادة في نفس ججي التي اعتادت في الآونة الأخيرة على وجومها وحزنها الدائمين.. لم تكن تينا تفصح لججي عن أي شيء مما يدور بينها وبين تبريق، لكن ججي شعرت أن الأمور قد استقامت بينهما أخيراً، وهذا منحها سعادة وراحة بالٍ فوق ما تتصور..
لم تدرِ ججي كم من الوقت مضى عليهما وهما تتحدثان في أمورٍ شتى، وقد حرصت ججي على ترك باب خيمتها مفتوحاً لتلاحظ كين عند عودته، عندما سمعتا تلك الطلقة التي دوّى صوتها في جانب المخيم..
قفزت ججي واقفة وهي تتساءل بتوتر "ما هذا؟.. هل نتعرض لهجوم؟"
قالت تينا بعينين تفضحان قلقها وذعرها الشديدين "لابد أنه كذلك.. نحن نقارب منتصف الليل.. وهذا الصوت دليل على أن الهجوم ليس من قبيلة أخرى.."
نظرت ججي لذعر تينا الواضح، والتي تذكرت ما جرى في الهجوم الأخير الذي تعرضت له القبيلة من الجنود، فقالت محاولة تهدئتها "ستكون الأمور كلها على ما يرام.. ابقي في الخيمة ولا تغادريها.."
هزت تينا رأسها إيجاباً، فأسرعت ججي لحمل سيفها وغادرت الخيمة متلفتة حولها عندما اندلع صوت الطلقات من جديد في جانب المخيم.. دلها الصوت على موقع الهجوم، فاندفعت نحوه دون تردد وهي ترى بضع رجال من قبيلتها يندفعون نحوه بدورهم.. لم يكن ذلك الصوت العالي إلا إعلاناً واضحاً عن الهجوم، مما يستنفر جميع رجال القبيلة نحوه، وهذا ليس في صالح المهاجمين بالتأكيد.. خاصة عندما تكون تلك فرقة صغيرة لا تتعدى عشر جنود كما ترى أمامها..
كانت تلك الفرقة الصغيرة قد اشتبكت مع بعض رجال القبيلة في الطرف الأبعد من المخيم، فاقتربت ججي من الموقع محتمية بإحدى الخيم من طلقات الرصاص وراقبت الوضع للحظات.. لم يبدُ أن هناك قتلى من رجالها، وكأن الجنود يعمدون لإطلاق الرصاص كتخويف ليس إلا رغم هجوم الأكاشي عليهم.. لاحظت ججي بعد فترة اقتراب تبريق منها وهو يقول "ما الذي نفعله بهم؟.. هل نقتلهم؟"
قالت ججي مقطبة "ما الذي جاء بهذه الفرقة الصغيرة إلينا، وما الذي يطمحون لتحقيقه؟.. ربما علينا الإمساك بهم لمعرفة سبب وجودهم.."
ثم أضافت بحنق وهي تتفحص ما يجري أمامها "كيف تمكن الجنود العرب من التسلل لمخيمنا بهذه الصورة؟.. هذا خرقٌ واضحٌ لدعوى الملك العربي للسلام آنفاً.."
قال تبريق وهو ينظر للمعركة الدائرة بين رجاله والغرباء "لكنهم ليسوا عرباً.. إنهم من الكشميت.."
نظرت له ججي بصدمة وتبريق يضيف "رغم الظلام الذي يخفي ملامحهم، لكنني سمعتهم ينادون بعضهم بعضاً بلغة غير عربية.. وقد طالب أحدهم، بلهجة عسيرة، أن نسلّمهم الكشميتي الذي نحتجزه عندنا.."
قالت ججي هاتفة "هل يبحثون عن كين؟.. لكن كيف عرفوا بموقعه؟.. امنعوهم من الوصول إليه بأي وسيلة كانت.."
قال تبريق "نحن نفعل ذلك بالفعل.. لكن ثلاثة من الجنود قد انفصلوا عن البقية واختفوا.. والرجال يبحثون عنهم في أرجاء المخيّم.. أين كين الآن؟.."
تزايد ارتعاب ججي لما تسمعه وهي تفكر في الموقع الذي تركت فيه كين وحيداً منذ بعض الوقت.. إنها شبه واثقة أنه لم يعُد بعد، فهي كانت تنتظره قبل أن يحدث الهجوم بقليل.. استدارت ججي دون إجابة وهي تركض عائدة لذلك الموقع، فتبعها تبريق وهو يصيح "إلى أين أنت ذاهب يا جام؟.."
لكن ججي ركضت بأسرع ما تستطيع وهي تقبض على سيفها بشدة.. هؤلاء الجنود يستهدفون كين بالتحديد، وهو بقدراته المحدودة لن يقدر على التصدي لهم وردعهم.. لكن كيف استدلّوا على موقعه في هذه القبيلة بالتحديد؟.. كيف وصلوا إليه؟.. ولم الآن بعد كل تلك السنوات؟..
لما غادرت المخيم، استطاعت أن ترى كين في موقعه بوضوح على ضوء القمر الشحيح.. وقربه، رأت ثلاثة من المهاجمين يحيطون به والبنادق في أيديهم.. رأت كين يرفع سيفه محاولاً التصدّي لأحدهم، لكن الرجل ضرب سيفه ببندقيته بقوة بحيث طار جانباً بينما سقط كين خلفاً والذهول واضحٌ على ملامحه..
ركضت ججي بذعر واضح تجاه كين وهي تصيح "اهرب يا كين.."
لم تكن تعلم ما يريده الكشميت بالبحث عن كين بهذا الإلحاح لدرجة التوغل في هذه السهول التي يخشاها الجميع.. لكن كل ما تعلمه أن كين الآن أعزلٌ من أي سلاح، وهو ضعيف في القتال مقارنة بالجنود المدربين وبالأكاشي.. ومن عينيه المتسعتين بدا ذعره واضحاً وهو يرى جنود الكشميت يحيطون به.. فاندفعت ججي نحوه ملاحظة تجاهل الجنود لها وهي تصيح "كين......"
ورمت سيفها تجاه أحدهم فأصابته في كتفه ضربة صاح لها متألماً.. وقبل أن ينزع السيف من موضع الإصابة كانت ججي قد قفزت عليه وأسقطته أرضاً وهي تسحب سيفها وتغمده في عنقه.. ثم طوّحت سيفها جانباً لتطيح بأقرب كشميتي إليها والذي سقط بعد أن أصابته الضربة في ساقه.. نهضت ججي واندفعت بضربة أخرى نحو الرجل الثالث، بينما تجمد كين في موقعه للحظة يراقب ما يجري بذهول.. كانت صدمته بوصول جنود الكشميت إليه قد جعلته واهناً يرتجف ذعراً بشكل لم يسبق له أن فعل منذ أمد بعيد.. وربما شعر للحظتها أنه ذلك الفتى ذا الستة عشر عاماً والذي فرّ هارباً من كاشتار وهو يخشى مجرد رؤية ظل لجندي من الكشميت..
لاحظ أن الجندي الثاني المصاب في ساقه قد حاول النهوض بعد أن استعاد بندقيته، ولما رفعها محاولاً التخلص من ججي التي انشغلت بمعركة قصيرة مع الجندي الأخير، فوجئ كين برؤية رأسه يطير من عنقه بسهولة ويسقط أرضاً مع سيل من الدماء التي انبثقت من العنق المقطوع.. ومن خلفه رأى تبريق يقول "تباً لك يا كين.. لقد أثرت معمعمة كبيرة في المخيم.."
في تلك اللحظة، أطارت ججي بندقية الجندي الأخير الباقي على قيد الحياة، ثم رفعت سيفها عالياً وهي تسمعه يصيح مذعوراً بكلمات بلغته بدت لها وكأنها محاولة استعطاف أخيرة، لكن كلماته تلك أثارت انتباه كين بشدة.. ولما همّت بغرز سيفها في صدر الجندي بعد سقوطه أرضاً، هتف بها كين "مهلاً.. لا تقتليه.."
نظرت له مقطبة والجندي مستمر بهتافه بلغته، فصاحت به ججي بحنق "تحدث العربية يا هذا.."
نظر لها الجندي بذعر وهي تقف أمامه رافعة سيفها بتهديد، ثم قال بالعربية وبلكنة سيئة ككل الكشميت "أنا لست عدواً.. لقد أتينا لاستعادة مولاي كين، ولم نرغب بإيذاء أحد.."
توقفت ججي لوهلة وهي تنظر في وجه الجندي بدهشة لا تقل عن دهشة تبريق.. بينما اعتدل كين واقفاً وهو يسأل "كيف أمكنكم التعرف عليّ؟.."
أجاب الجندي بسرعة "هذا الخاتم في إصبع يدك هو الدليل.. وهو ما أكّد لنا هويتك.."
نظر كين لخاتم فضي يحتفظ به في يده اليمنى، والذي لم يتجرأ على نزعه من يده يوماً رغم اقتناعه بأنه قد لا يعود قط لمملكة كشميت.. ثم رفع رأسه للجندي قائلاً "من الذي أرسلكم؟.. وما الذي يسعى إليه باستعادتي؟"
قال الجندي وهو يقلب بصره بين كين وبين ججي بحذر "لقد أرسلني الملك لاستعادتك بعد أن وصلتنا أخبار عن وجود كشميتي في سهول الأكاشي.. لقد شك بأنك هو، ولذلك أرسلنا للبحث عنك واستعادتك مهما كانت الوسيلة.."
نظرت ججي بدهشة لكين الذي تساءل مقطباً "الملك؟.. أتعني الملك سوجا؟"
أسرع الجندي يقول "لا.. الملك سوجا قد مات منذ تلك الليلة قبل سبع سنوات.. بعد أن......."
امتنع عن إكمال حديثه وهو ينظر لكين بتردد، فقالت ججي بحدة وهي تضع السيف قرب عنقه "بعد أن ماذا؟.. بمَ تهذي يا هذا؟"
استوقفها كين وهو يخاطب الجندي قائلاً "لو كان الملك سوجا قد مات بالفعل، فمن الذي أرسلكم إليّ؟"
تساءل الجندي بدهشة "ألا تعلم من هو ملك مملكة كشميت؟"
قال كين مقطباً "لا.. أخبار كاشتار ومملكة كشميت لا تصل إلينا بتاتاً في هذه السهول المنقطعة عن العالم بشكل شبه تام.."
قاطعته ججي قائلة بعبوس "ما الذي يجري هنا يا كين؟.. ألن تشرح لي الأمر؟"
أجابها كين مهدئاً "سأخبرك بعد أن أفهم الأمر أنا نفسي.. اصبري قليلاً يا ججي.."
اضطرت للصمت وهي تستمع للجندي الذي اعتدل واقفاً أمام كين وقال "بعد موت سوجا والضجة التي أثارها ذلك، فإن الأمير ترمين قد عاد لكاشتار واستلم زمام الأمور بسرعة.. وسرعان ما تم تنصيبه ملكاً على مملكة كشميت بموافقة أغلب الوزراء، لأنه الوريث الشرعي للمملكة.."
رفع كين حاجبيه بدهشة وهو يغمغم "ترمين؟.."
هز الجندي رأسه قائلاً "أجل.. وبعد أن نجح الملك في إحكام قبضته على جميع أجزاء المملكة، أرسل رسله بحثاً عنك في جوانبها على أمل استعادتك.. وقد ألغى جميع القرارات التي قررها الوزراء بشأنك منذ تلك الليلة التي هربت فيها.."
ظل كين صامتاً وهو يحاول استيعاب ما قيل، بينما أضاف الجندي "والآن، بعد تلك السنوات، سمع الملك عن أخبار ما يجري في سهول الأكاشي بينهم وبين الملك العربي.. فهذا أمر يمسّ مملكتنا بشدة بسبب بروز تلك المملكة الوليدة والخطر الذي تحمله لمملكتنا ولأماننا.. ومع تلك الأخبار، تناهى إليه بعض الحكايات عن وجود كشميتي بين الأكاشي منذ عدد من السنين.. عندها راود الملك أمل أن تكون أنت ذلك الكشميتي، وأرسل هذه الفرقة من الجنود لاستعادتك مهما كانت المعوقات.."
خفض كين رأسه بصمت وهو يفكر في كل ما سمعه، بينما قال الجندي أخيراً "أرجوك يا مولاي.. عد معنا فلم يعد هناك ما يتهددك بأي خطر.. والملك يرغب باستعادتك بشدة، وقد هددنا بالعقاب لو فشلنا في استعادتك.."
استمر كين على صمته بينما وقفت ججي جانباً مع تبريق وهما يستمعان لما يقال دون أن يتمالكا دهشتهما لكل ما يسمعانه.. ولما فاض بججي الصبر اندفعت إلى كين فأمسكته من مجمع ثيابه وأدارته نحوها وهي تقول بحنق "والآن.. هل ستشرح لي ما يجري يا كين؟.. أم أنك ستدّعي أنك مجرد رجل عادي من كشميت كما كذبت عليّ لسنوات طوال؟"
خفض كين عينيه بصمت دون أن ينكر ما قالته، بينما أبعدها تبريق قائلاً "سنفهم كل ما يجري منه.. لكن علينا أن نوقف المذبحة الوشيكة التي ستحيق بفرقة الكشميت هذه.."
انبرى الجندي يقول "أرجوكم لا تقتلوا الجنود.. نحن لم ننوِ إيذاء أحد لو لم يتصدى الأكاشي لنا ويمنعونا من إنجاز مهمتنا.."
ظلت ججي تحدق في وجه كين الذي رفض رفع عينيه والنظر في عينيها، ثم التفتت إلى تبريق قائلة "أوقف بقية الرجال وامنعهم من قتل الكشميت.. لكن هذا لا يمنع تقييدهم وسجنهم في إحدى الخيم وحراستهم بشكل جيد.."
أسرع تبريق لإطاعة أمرها وهو يدفع الكشميتي الأخير أمامه والذي ألقى نظرة قلقة على كين.. بينما قالت ججي لكين بصرامة "أنتظر منك شرحاً وافياً لكل ما سمعته اليوم.. أأنت كما فهمتُ من ذلك الرجل حقاً؟"
تنهد كين عاقداً حاجبيه، ثم قال وهو يدير بصره جانباً "أجل.. أنا كما فهمتِ بالضبط.. أحد أمراء مملكة كشميت.."
لم تعلق ججي على قوله وهي تتمالك صدمتها بلكمة وجهتها لفكه بقوة ألقته جانباً، لكنه لم يتذمر هذه المرة وهو يعتدل جالساً واضعاً يده على موضع اللكمة.. بينما جثت ججي قربه وهي تمسك عنق ثوبه من جديد قائلة بصرامة "أي أكاذيب أخرى كذبتها عليّ طوال تلك السنين؟.. من هو ذلك الرجل الذي قتلته وهربت بسبب ذلك إلينا؟.."
أجاب كين بعد برهة صمت "كان ذلك الملك سوجا نفسه.."
شدّت ججي قبضتها من جديد وهي تهمّ بلكمه بغيظ، لكنه نظر إليها قائلاً "لكماتك هذه لن تفيد في شيء يا ججي.."
فقالت ججي بحنق "لكنها تشفي غليلي على الأقل.. كيف كذبت عليّ طوال تلك السنوات؟.. كيف خدعتني بهذه المهارة حتى أقنعتني أنك مجرد رجل عادي؟.."
قال كين وهو يمسك يدها التي تقبض على ملابسه "لقد اضطررت للكذب عليك طوال تلك السنوات.. لم أرِد أن يحاول الكشميت قتلي أو استعادتي لمحاكمتي على ما اقترفته يداي.. ولم أرِد أن يصلوا لهذه الأنحاء فيتسببوا لك بأي مكروه أثناء محاولتهم استعادتي.."
قالت ججي بجفاء "أنا أقوى من ذلك بكثير.."
قال كين "أنا أدرك ذلك الآن.. لكنك عندما انضممت إليك لم تكوني تتجاوزي الثالثة عشر من عمرك.. ثم إنني...."
خفض رأسه بصمت وهي تشدّ قبضتها على عنقه، فقالت بجفاء "أنت ماذا؟.. أي تبرير آخر تملكه لكل ما فعلته لسنواتٍ طوال؟"
رفع بصره إليها وقال بعد صمت قصير "أنا لم أرد الافتراق عنك يا ججي.. هذه هي الحقيقة الوحيدة.."
نظرت له عابسة بصمت وهو يضيف "لو أدرك الأكاشي أنني أمير من كشميت، فقد يسعون للخلاص مني لينأوا بأنفسهم عن أي حرب محتملة مع تلك المملكة.. فهم في غنىً عن ذلك مع كل ما جرى لهم مع الملك العربي.. أو ربما سعى أحدهم لتبليغ جنود الكشميت بأمري طمعاً في أي مكافأة قد يحصلون عليها بتسليمي لهم.."
لم تعلق ججي للحظة وكين يقول "كل ما أهمّني ألا تجبرني الظروف على الابتعاد عنك بأي شكل كان.. لا بعودتي لكاشتار ولا بهربي من جنود الكشميت.. أردت البقاء معك لأطول وقت ممكن، وقد تحقق لي ذلك لعدة سنوات على الأقل.."
غمغمت ججي وهي تدير وجهها جانباً "ألم تظن أنني يمكن أن أغضب لهذا حقاً؟"
أمسك كين يديها بيديه وقال بخفوت "لو فكرتِ بالأمر لأدركتِ أن ما فعلته ليس جريمة حقاً.. أنا لم أكذب إلا لأحمي نفسي، ولأبقى قريباً منك.. ألا يكفيك هذا يا ججي؟"
نظرت له بصمت لوقت طال وكين ينظر في عينيها.. تمنى لو تقدّر ججي حرصه على البقاء قريباً منها، لو تفهم رغبته بعدم الافتراق عنها وما يعنيه اهتمامه ذاك بها.. تمنى، للمرة الأخيرة، أن تشعر به حقاً.. لكن ججي العصيّة على مثل تلك المشاعر وقفت بصمت وهي تنظر للمخيم القريب، ثم قالت له "أريد أن أسمع الحقيقة كاملة منك مع الآخرين.. وهذه المرة إياك والكذب.."
واستدارت مغادرة دون أن تسمعه وهو يغمغم "بالطبع.. وهل أملك إلا أن أفعل؟.."
نظر لها وهي تبتعد دون أن تلتفت إليه لتعرف إن تبعها أم لا.. ثم زفر وهو ينهض واقفاً يتطلع لأجساد جنود الكشميت الذين تخلصت منهم ججي وتبريق.. مع معرفته لسبب وجودهم هنا، فإنه يشعر بالأسى للمصير الذي لاقوه وهم يحاولون استعادته، ولأنه السبب في نهايتهم البشعة هذه..
ظل في موقعه صامتاً للحظات طالت، ثم استدار عائداً للمخيم ولحيث تنتظره ججي ليخبرها بالحقيقة كاملة.. دون مداراة أو مواراة..

************************

جلس كين وسط حلقة مكونة من ججي وتبريق وتينا، وهم ينظرون له بصمت دون أن تتمكن تينا من إخفاء صدمتها وهي تنبري لتقول "أأنت أمير حقاً يا كين؟.. أمير من الكشميت؟"
هز كين رأسه إيجاباً، فقالت بذهول "من كان يصدق؟.. لم يبدُ ذلك عليك بتاتاً طوال السنوات التي بقيتها معنا.."
لم يعلق كين بينما أضافت بصوتٍ حالم "إذن، لو أنك وافقتَ على الزواج بي لكنتُ الآن زوجة أمير.. لا مجرد زوجة رجل عادي.."
نظر لها تبريق بحنق واضح وهو يقول "آسف لأنني مجرد رجل عادي.."
ضحكت تينا للغيرة الواضحة التي أبداها تبريق، بينما قالت ججي بصوت صارم "ليس الوقت ملائماً للمزاح يا تينا.. فما زلنا بانتظار تفسير ملائم من أمير كشميت هذا.."
تنهد كين وقال "لقد أخبرتك بأسبابي يا ججي.. فلا داعي لمعاملتي بهذه القسوة المتعمدة.."
قالت بتقطيبة "أريد أن أسمع الحكاية منك.. منذ بدايتها.."
فقال بشيء من السخرية "أتريدين مني أن أحكي لك تاريخ الكشميت منذ بداية تكوّن المملكة؟.. يمكنني ذلك بالطبع لكنه سيستغرق وقتاً طويلاً.."
ضربت ججي ركبتها بقبضة يدها وهي تقول بحنق "لا داعي لهذه المراوغة يا كين.. أفصح عما لديك قبل أن يُستنفذ صبري.."
أمسكت تينا ذراع ججي قائلة "لا داعي لهذه العصبية يا ججي.. سيخبرنا لو صمتِّ قليلاً واستمعت إليه.."
ونظرت لكين مشجعة، فقال أخيراً "كما علمتم اليوم، فأنا أمير من أمراء مملكة كشميت.. لكن ما لم تعلموه، فإن أبي الذي مات وأنا في العاشرة كان ملك المملكة نفسه.. الملك سابا.."
شهقت تينا بمفاجأة بينما حدق به البقية مذهولين.. فأضاف كين "توفي أبي بسبب عدة أمراض استفحلت في جسده، وقد ماتت أمي قبله بزمن طويل.. ولم يبقَ سواي أنا وشقيق وشقيقة يكبرانني في العمر.. ورغم أن شقيقي كان الأحق بوراثة العرش طبقاً للقانون، لكن عمي لم يتردد في اقتناص الفرصة وإزاحة شقيقي وإعلان نفسه ملكاً على المملكة دون منازع.. طبعاً استدعى ذلك منه ثروة وزعها على ذوي النفوس المريضة من المقربين للعرش، والذين سارعوا لمساندته دون تردد.. فلم يملك شقيقي الذي لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره سوى التسليم بالأمر والانخراط في الجيش التابع للمملكة على أمل أن يصبح يوماً قائداً عاماً للجيش.. ورغم أن ذلك ليس مستبعداً لمهارته وذكائه، لكن عمي حرص على أن يمنع ذلك بكافة الأشكال الممكنة، وإن لم يجرؤ يوماً على محاولة اغتيال شقيقي لأن الأصابع ستتجه إليه على الفور في اتهام صريح.."
غمغمت تينا مشفقة "لابد أن ذلك كان صدمة لك يا كين.."
أطرق كين قائلاً "لا.. لم يكن ذلك يعني لي الكثير رغم أنني تجاوزت العاشرة من العمر.. كل ما يهمني أن يكون شقيقي وشقيقتي بخير دون أن يمسهم عمي الملك بأي سوء.."
تساءلت ججي "عمك الملك هو.......؟"
أجاب كين "هو الملك سوجا.. الذي قتلته بيديّ قبل أن أفرّ من كاشتار ومن المملكة كلها.."
قال تبريق "هذا أمر يذهلني يا كين.. مما رأيته فيك أنك شخص هادئ ومسالم جداً.. ورغم كل محاولاتك، إلا أنك لم تكن قوي الجسد قط.. فكيف تمكنت من قتل ملك المملكة والهرب بهذه الصورة؟.. وما الذي دفعك لذلك؟"
أجاب كين بعد صمت "بعد عدة سنوات، كنت قد بلغت السادسة عشر من عمري وتهيأت للانضمام للجيش بدوري تابعاً خطوات شقيقي.. فالحياة في القصر لم تكن سارّة بالشكل الذي تتخيلونه والملك يتصيّد لنا الأخطاء ليجد حجة للتخلص منا.. كما أنني مع كل سنة أكبر فيها كنت أشكل تهديداً أكبر للملك الذي لم يزل يخشى أن يطيح به أحد أبناء الملك السابق.. فالغادر دائماً يخشى الغدر.. لكنني لم أكن أفكر بذلك يوماً ما، ولم يكن المُلك والعرش يستهوياني بتاتاً.. لكن حدث ما أثار غضبي الشديد وأخرجني من طوري رغماً عني.."
بدا الاهتمام واضحاً على الوجوه القريبة وتينا تتساءل بلهفة "ما الذي جرى؟"
لكزها تبريق قائلاً "نحن لا نستمع لحكاية خرافية يا تينا.. عليك تقدير مشاعر كين فهذه ذكريات لا يودّ تذكرها بالتأكيد.."
لكن اللهفة لم تغادر ملامح تينا وهي تستمع لكين الذي قال "رغم كل ما جرى، لم أندم يوماً على قتلي للملك وعلى ما جرى بعدها.. ففي تلك الأوقات، وبعد أن بلغت شقيقتي السابعة عشر من عمرها، بدأ الملك يضايقها ويستدعيها لجناحه بدون أي عذر.. رغم أنه كان يقارب الستين من عمره، لكنه لا يكاد يرفع عينه عن ابنة أخيه التي اشتهرت بجمالها في قصره.. ورغم كل محاولاتها لتفاديه، لكنه كان لحوحاً ولزجاً بحيث أصابها بانهيار عصبي في أوقات كثيرة وهي لا تجد وسيلة للهرب منه دون أن تقع تحت طائلة أفعالها تلك.."
قالت تينا باستنكار "إنها ابنة أخيه.."
غمغم كين "لكن ذلك لم يكن يعني شيئاً للملك.. هو لا يقدر على الزواج بها بالطبع، لكن هذا لا يمنع من أنها تعيش في قصره وفي متناول يده ولا تقدر على إعلان رفضها له صراحة.. ومع هربها المستمر منه، تزايد إلحاحه بشكل بشع، ووصل الأمر لدخوله جناحها في أوقات كثيرة وإثارة فزعها دون رادع.. لكني لم أتمكن من الصمت على ما أراه.. حاولت ردعه بكافة الطرق، وحاولت العثور على وسيلة لإخراجها من ذلك القصر.. حتى إنني تقدمت لأحد الرجال الذين أثق بهم طالباً منه الزواج بها لتخليصها من الملك.. لكن ذلك لم ينجح بتاتاً والملك يرفض تزويجها بحجة البحث عن زوج يناسب مقامها كابنة أخ الملك.. عندها، وبعد أن عيل صبري وركبني الغضب الشديد مع مرأى شحوب وجه شقيقتي ودموعها التي لا تكاد تتوقف عن الانهمار، كمِنْت للملك في جناح شقيقتي وفي سريرها حاملاً خنجري.. كنت أريد أن أوقف تعرضه لشقيقتي بأي شكل من الأشكال، ولم تكن النتائج تهمني بتاتاً.. وعندما سمعت خطواته في تلك الليلة وسط جناحها، وعندما أزاح غطاء فراشها دون رادع وعلى وجهه تلك الضحكة المقيتة، قفزت واقفاً على السرير وأغمدت الخنجر حتى مقبضه في موضع قلبه.. كانت ضربة مباشرة تبعتها عدة ضربات استهدفت بها صدر وعنق الملك بغلّ وحقد لم أتمكن من التحكم به.. ولما سقطت جثته عند قدمي، انتبهت في تلك اللحظة لما أقدمت عليه.. وأدركت أن بقائي في القصر هو حكم علي بالموت.."
تساءل تبريق باهتمام "كيف تمكنت من الهرب من كل الجنود إذاً؟"
أجاب كين "ذلك الشخص الذي طلبت منه الزواج من شقيقتي سابقاً، كان هو قائد الجند في كاشتار، وكنت أدرك أنه رجل طيب ونبيل رغم عمله مع الملك.. لكنه لم يكن يملك الرفض، ولم يملك التخلي عن عمله دون أن يلجأ الملك لقتله بتهمة الخيانة.. لذلك، وبعد أن جرى ما جرى، هربت من جناح شقيقتي عبر النافذة، ولجأت لقصر قائد الجند متخفياً ومصطحباً معي شقيقتي.. عهدت بها إليه، وطلبت منه أن يعاوننا في الخلاص من هذه الورطة.. ورغم استنكاره لما جرى، فإنه قام بنقل الجثة من جناح شقيقتي إلى جناح الملك مستعيناً بعدد من رجاله الأوفياء، ليبعد الشبهة عني وعن شقيقتي.. ثم ساعدني على الهرب واعداً بأن ينسب قتل الملك لمجهول.. ورغم أنني غادرت كاشتار، لكن سرعان ما انتشرت شائعات عن المشاجرات التي كانت تدور بيني وبين الملك وتهديدي له بالانتقام في أكثر من مرة.. لذلك ألصقت بي تهمة قتله رغماً عني، ولم أتمكن من الدفاع عن نفسي بل فضّلت الهرب من مملكة كشميت ومن القارة كلها.."
ساد الصمت المكان وهم يحاولون تخيّل ما واجهه كين من ذعر وقلق في مثل تلك الليلة، ثم قال تبريق أخيراً "ومن هو هذا الملك الذي أرسل بطلبك؟.. ألا ينوي عقابك على كل ما فعلته؟"
هز كين رأسه نفياً وقال "مستحيل.. ترمين لن يفعل ذلك.. فهو شقيقي الأكبر.."
نظرت له ججي مقطبة بصمت، بينما علق تبريق "رائع.. هذا يعني أن جميع مشاكلك قد حلّت مع مملكة كشميت.. أليس كذلك؟.. لم تعُد مطارداً ولم يعد هناك ما يمنعك من العودة إليها.."
لم يجب كين وهو مطرق بصمت، بينما لكزت تينا تبريق بشيء من الحنق وهمست في أذنه "يا لك من عديم الإحساس.."
غمغم تبريق باستنكار "ما الذي قلته؟"
لم تجبه تينا وهي تنهض قائلة لكين "رغم أنك كذبت علينا طوال تلك السنوات، لكني أتفهم دوافعك يا كين.. لو كنتُ أنا مكانك، لما ترددت في قتل ذلك الملك مائة مرة.."
علق تبريق "كفي عن المبالغة.."
لكن تينا جذبته خلفها لتجبره على الرحيل معها، تاركين المكان خالياً إلا من كين الذي بقي في موقعه، وججي التي ظلت في مجلسها دون أن تغيره.. كانت مطرقة بصمت وكين يراقبها محترماً صمتها، لكن صمتها طال واستطال دون أن ترفع رأسها وتتفوه بكلمة.. فقال كين برفق "ججي.. أما زلت غاضبة؟"
لم تجبه ججي رغم تزايد انعقاد حاجبيها مما دلّه أنها لم تغفر له صمته الطويل وكذبه السابق.. فعاد لصمته بانتظار أن تبادره هي بالحديث.. لكن ججي كانت غارقة في أفكارها.. تتذكر كل الأيام التي مرت عليها منذ عرفت كين ومنذ أنقذ حياتها في ذلك اليوم البعيد.. لطالما شعرت أنه مختلف، لكنها عَزَت ذلك لكونه من الكشميت الغرباء.. ورغم ما أبداه من مقدرة عالية على التخطيط في حروبهم التي خاضوها مع الجيش العربي، لكنها لم تظن يوماً أنه قد يكون أميراً من كشميت.. ولا تدري حتى الآن سبب استيائها الشديد لمعرفة أنها عاشت كذبة كبيرة نسجها كين حول نفسه سنوات طوال..
شعرت به يتقدم منها ويجثو على ركبتيه أمامها، ثم مد يده وأمسك يدها وهو يقول بهمس "حتى متى ستظلين صامتة؟.. لقد أنّبتني مراراً وتكراراً، بل إنك لكمتني دون تردد.. ألم يخفف ذلك مقادر الغضب الذي تشعرين به؟.."
أدارت ججي وجهها جانباً مغمغمة "أنت لن تفهم شعوري وأنا قد ابتلعت أكبر خدعة في حياتي بسهولة تامة.. مادمت أنت قد تمكنت من خداعي بهذه الصورة وأنت أقرب الناس إليّ وثقتي بك مطلقة، فما الذي سيفعله الآخرون بي؟.. هذا يعني أنني لقمة مستساغة لكل من شاء خداعي.."
قال كين وهو يضغط على يدها "لست كذلك أبداً.. لقد خضتِ نضالاً طويلاً يا ججي منذ كنتِ في الخامسة من العمر.. وقد آتت جهودك ثمارها الآن.. ألا ترين ما قد أصبحت عليه؟.. أنت زعيمة قبيلة من الأكاشي.. أنت أول امرأة تحكم رجال الأكاشي الذين يحتقرون المرأة ولا يسمعون لها كلمة.. وها هي كلمتك مسموعة ومحترمة لا في قبيلتك فقط لكن بين قبائل عديدة من الأكاشي.. وها أنت قد حققت حلم أبيك الذي لطالما ردده أمامك، ها قد دحرت الجيش العربي وأجبرت الملك على اللجوء للسلم ولمعاهدة تمنع جيوشه من الوقوع في مزيد من الإخفاقات والفشل الذريع أمامكم.. ألا يفترض بك أن تكوني سعيدة لكل هذا؟"
قالت ججي بشيء من الاستياء "لم يكن ربع هذا ليحدث لولا عونك لي.. لولا خططك البارعة، ولولا وقوفك بجانبي أنت ومينار، لكنت ميتة في الليلة ذاتها التي أصبحت فيها زعيمة على هذه القبيلة.."
غمغم كين "لا تستهيني بنفسك يا ججي.. أنت قوية، وستظلين كذلك.."
خفضت ججي رأسها بصمت، ثم وجدته يحيط وجهها بيديه ويرفعه لتقابل عيناه عينيها وهو يقول "أتدرين أشد ما يغيظني في قوتك هذه؟.."
نظرت له باستفهام، فقال "يغيظني أنك أقوى مني بمراحل، ولذلك لا تشعرين بي بتاتاً.. لديك أهدافٌ وأحلام عظيمة تخص قبيلتك وقبائل الأكاشي مجتمعين، لكنني لست جزءاً من أحلامك تلك.."
نظرت له ججي بدهشة.. لمَ يصرّ كين على أنها غير مهتمة به ولا يعني لها شيئاً؟.. ألا يكفيه أنها تحرص على وجوده معها في كل مكان ترتحل إليه؟.. ألا يهمه أنها تستشيره في كل كبيرة وصغيرة وتفضي له بما يعتلج في صدرها من قلق وهواجس تقض مضجعها؟..
وجدته يسند جبينه لجبينها وهو يغمض عينيه هامساً "تمنيت طوال تلك السنوات أن يتغير فيك أمرٌ ما.. أن تصبحي تلك الفتاة التي تمنيت أن أراها فيك، فأستعرض أمامها قوتي وأسبغ عليها حمايتي.. لكنك في كل مرة تصبحين أقوى وأكثر قدرة مما حلمتُ أنا أن أكون.. وفي كل مرة تبتعدين عني حتى ما عادت أصابعي تستطيع بلوغك والإمساك بك.. وهذا كان يؤلم قلبي بشدة ويورثني غصّة لا أظنني قادرٌ على تجاوزها يوماً.."
تجاوزت ججي انفعالاتها لحديثه الهامس وهي تقول بخفوت "ألست تبالغ؟"
ابتسم كين وهو ينظر في عينيها وقال "ربما.. فهذا ما اتهمتِني به سنين طوال.."
ابتسمت ججي ابتسامة جانبية معلقة "لا أظنني كنت مخطئاً في هذا بتاتاً.."
لمس كين خدها بظاهر إصبعه مغمغماً "ها قد ابتسمتِ أخيراً.. الآن يمكنني أن أعود لخيمتي مرتاح البال.."
نظرت له ججي بتدقيق ملاحظة ابتسامة مريرة على شفتيه لم تخطئها، فقالت بعد لحظة صمت "أنت لن ترحل يا كين.. أليس كذلك؟"
اتسعت ابتسامة كين وهو يجيب "أخبرتك أنني لا أستطيع التخلي عنك لأي سبب كان.. لا يمكنني الرحيل إلا لعذر قوي.."
وأدار خصلة من شعرها حول إصبعه مغمغماً "وأنتِ أقوى أسبابي.. لذلك لكِ أن تهنئي بالاً يا ججي.."
ظلت ججي تتأمله بصمت وحيرة ظاهرة لم تغِب عن عيني كين.. فقال وهو ينهض "علينا الحصول على بعض الراحة.. الليل قد أوغل، ونهارنا غداً سيكون حافلاً.."
هزت ججي رأسها موافقة، فرأته يغادر خيمتها بصمت بينما هي تراقبه دون أن تزول الحيرة من ملامحها.. يبدو الحزن ظاهراً على ملامح كين، وابتسامته المريرة قد أشعلت في صدرها توجساً كبيراً لم تدرك سببه.. أهي السبب في ذلك؟.. تباً، ما كان عليها أن تغضب منه بهذه الصورة.. كان عليها أن تقبل أعذاره بهدوء ودون تعصب.. يا لها من حمقاء سريعة الغضب..
تنهدت وهي تستلقي في فراشها الموضوع جانباً وتتأمل العوارض الخشبية التي تشكل سقفاً للخيمة.. غداً بداية أحداث حافلة بالفعل، ستتحدد بها مصير الأكاشي مع الملك العربي وربما تؤثر بهم لسنوات قادمة.. إما أن تكون هي الحرب التي لن تبقي منهم أحد، أو يرضخوا لمطالب الملك العربي بشروط تضمن لهم استقلالهم وعدم تدخل الملك في حياتهم التي استمرت لأجيالٍ وأجيال دون تغيير..

************************

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 23-01-16, 09:48 AM   المشاركة رقم: 109
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

الفصل الثالث والعشرون {نقطة تحوّل}


في اليوم التالي، وقبل انبلاج الفجر بقليل، كانت ججي تغادر خيمتها دون أن تذوق لحظة راحة.. لقد استعرّت الأفكار في عقلها وعجزت معها عن الخلود لأي راحة، ولم يزدها التفكير في كين إلا قلقاً وتوتراً.. لذلك، فقد نهضت أبكر من المعتاد واتجهت من فورها إلى خيمة كين فدفعت بابها دون لياقة وهي تقول بصوت حازم "انهض يا كين.. أمامنا عمل كثير هذا اليوم....."
دارت ببصرها في الخيمة المظلمة ملاحظة الفراش المطوي بعناية في أحد جوانبها.. هل استيقظ كين أبكر منها وغادر خيمته؟.. أم أنه لم ينم قط؟..
شعرت بشيء من التوجس وهي تغادر الخيمة وتتجه لجانب آخر من المخيم بحثاً عنه.. بحثت في عدد من المواقع التي تتوقع وجوده فيها دون أن تعثر عليه، عندما لاحظت أحد رجالها يقترب قائلاً بقلق "يا زعيم.. هناك أمر حدث للأسرى الذين قبضنا عليهم البارحة.."
نظرت له ججي باستياء قائلة "ما الذي جرى لهم؟.. هل مات منهم أحد؟"
قال الرجل بسرعة "بل هربوا.."
نظرت له ججي بصدمة والرجل يضيف "لقد غفوت للحظات قصيرة بعد منتصف الليل، وعندما انتبهت بعد غفوتي تلك لاحظت الصمت التام الذي حلّ بالخيمة.. لكنني ظننت أن الأسرى قد أخلدوا للنوم لذلك لم أحاول تفحص الخيمة بنفسي فالباب مغلق بإحكام.."
قالت ججي بغضب "غفوت؟.. أهذا هو عذرك؟"
قال الرجل بارتباك "لا أعلم ما حلّ بي.. لقد رأيت كين يقترب مني قبل منتصف الليل وطلب الحديث مع الأسرى من خلف الباب المغلق.."
قالت ججي بتوجس "وهل سمحت له بذلك؟"
قال الرجل بتوتر "لم يكن لديّ ما يمنع ذلك.. فهو يدك اليمنى، ونحن معتادون على إطاعة أوامره دون سؤال.."
لم تتمكن ججي من الاعتراض على ذلك والرجل يضيف "ولقد حادثهم بالفعل للحظات قصيرة فقط، لكن الحديث كان بلغتهم التي لم أفهم منها شيئاً.. بعدها شكرني كين بحرارة ومنحني بعض الأعشاب ذات الجودة لأدخنها بغليوني.."
وضعت ججي يداً على جبينها مغمغمة "وطبعاً غلبك النعاس بعد أن قمت بتدخين تلك الأعشاب.. أليس كذلك؟"
أجاب الرجل بحرج "أجل.. هذا ما حدث.."
أطلقت ججي شتيمة توتر لها الرجل قبل أن يسمعها تقول "والآن، بعد تلك الساعات الطويلة، ارتأيت أن تتفحص الأسرى أخيراً واكتشفت خلو الخيمة منهم.. أليس كذلك؟"
هز الرجل رأسه إيجاباً وتوتره يزداد.. فقالت ججي "اذهب لتفحص الخيول ولمعرفة ما فقدناه منها.. لابد أنهم لم يهربوا على الأقدام في هذا الموقع النائي.."
أسرع الرجل لتنفيذ قولها بينما عضّت ججي شفتها السفلى بشيء من الغيظ.. ما الذي يهدف له كين بهذا الفعل؟.. هل كان ينوي تحرير الأسرى منذ البدء؟.. وهل هرب معهم أم أنهم اصطحبوه عنوة بعد أن حررهم؟..
هزت رأسها وهي تستدير مغادرة.. لا يمكن أن يكون قد هرب معهم.. لقد وعدها أنه لن يهرب.. أخبرها مراراً وتكراراً أنها أقوى أسبابه للبقاء.. فكيف يمكنه أن يهرب بعد كل هذا؟.. لابد أنهم اختطفوه.. هذا ما تتوقعه وتكاد تجزم به..
اتجهت من فورها لخيمتها فحملت سيفها وقوسها مع كنانة السهام، ثم خرجت لتجد الحارس الذي كان يحرس الأسرى يقترب منها مهرولاً وقال "كما توقعت يا زعيم.. الخيول التي أتى بها الكشميت قد اختفت، وقد اختفى حصان كين أيضاً.."
قطبت ججي بحنق بينما أضاف الرجل "ولم نفقد حصاناً آخر غيره.."
فقالت ججي "أرسل إليّ تبريق.. أريده حالاً.."
أسرع الرجل لتنفيذ أمرها بينما اتجهت ججي لمربط الخيول وحملت السرج لتضعه على ظهر الحصان وتثبيته بشكل محكم عندما استوقفها تبريق متسائلاً "ما الذي جرى في هذا الوقت المبكر؟"
قالت بتقطيبة "لقد أطلق كين سراح الأسرى.. ويبدو أنهم أجبروه على الرحيل معهم.. فلا أثر له في المخيم كله.."
ثم أكملت عملها مضيفة "سأتبعه بنفسي مع عدد من الرجال.. سأتركك لتتولى تجهيز رحلتنا القادمة حتى أعود.."
جذب تبريق ذراعها ليوقفها قائلاً بتقطيبة "أين تظن نفسك ذاهباً يا جام؟.. أتظن أنك قادر على الرحيل بهذه السهولة وحيداً؟"
قالت ججي مقطبة "يجب أن ألحق بالأسرى قبل ابتعادهم بكين.."
فقال تبريق باعتراض "لا يمكن.. أنسيت موعدنا القريب مع الملك العربي؟.. من يضمن لنا أنك ستتمكن من العودة في الوقت المحدد؟.. بل من يضمن أنك لن تتعرض لهجوم في طريقك خلفهم؟"
قالت ججي بعصبية "أتريد مني الصمت على ما جرى؟"
أجاب تبريق "لا.. سأذهب أنا هذه المرة.. سآخذ أربع رجال معي وسنذهب لاستعادة كين.."
ظلت ججي تنظر إليه باستياء، بينما قال تبريق مؤكداً على كلامه "لا تقلق.. لن نتأخر ولن نسمح لهم بالفرار.. لقد قالوا إن سفينتهم ترسو قرب إحدى القرى في الغرب.. ونحن أعلم بالسهول وطرقاتها منهم.. لذلك سنتمكن من اللحاق بهم بسرعة بالتأكيد.."
فقالت ججي "ستعود به بكل تأكيد يا تبريق.. أليس كذلك؟"
هز تبريق رأسه قائلاً "وهل فشلت في أي مهمة أوكلتها إليّ؟.. ثق بي وانتظر عودتي.."
لم تكن ججي تملك الاعتراض، فاستسلمت للأمر وهي تراه يستدعي بضع رجال ويقوم بتهيئة الأحصنة للطريق.. وخلال وقت قصير انطلق مع رجاله متجهين نحو الغرب بأقصى سرعة.. بينما وقفت ججي عند حدود المخيم وهي لا تقدر على تمالك العصبية التي شعرت بها جراء هذا الحدث الذي لم تتوقعه بتاتاً..

************************

عندما وصل تبريق ورجاله بعد عدة أيام لتلك القرية الصغيرة الواقعة غرب سهول الأكاشي، والتي تطل على البحر مكونة ميناءً بسيطاً ترسو عنده بعض السفن في طريقها للجنوب أو الشمال، فإن وقتاً قصيراً قد استغرقه للاستدلال على موقع جنود الكمشيت.. ففي هذه القرية، لم يكن من الممكن إخفاء تلك الجماعة المميزة بشكلها ولهجتها العسيرة.. وهكذا، تمكن تبريق من تحديد المنزل البسيط الذي استأجره الجنود لإقامتهم حتى وصول أول سفينة تنقلهم لقارة الثنايا..
ترجل تبريق عن ظهر حصانه، وقال لرجاله القريبين "حاولوا ألا يصاب كين في المعركة التي ستندلع هنا.. سيغضب منا جام لو أصيب كين بمكروه.."
هز الرجال رؤوسهم موافقين، فامتشق تبريق سيفه وتقدم دون تردد من الباب فركله مندفعاً وسط المنزل.. وفي جانبه، رأى الجنود الذين لا يقل عددهم عن سبع وقد هبّوا بشيء من الارتباك لرؤية الأكاشي.. تقدم تبريق نحوهم شاهراً سيفه، واشتبك مع أول جندي اندفع نحوه وجرده من سيفه بحركة سريعة، بينما تقدم رجاله من بقية الجنود.. انشغل أغلب الجنود بقتال الأكاشي، بينما وقف تبريق صائحاً "كين.. أأنت هنا؟.. أجبني لو كنت تسمعني.."
اندفع نحوه أحد الجنود حاملاً كرسياً خشبياً، فضرب تبريق به بقوة ليصيب ذراعه التي حمى بها رأسه.. تراجع تبريق خطوتين لقوة الضربة، ثم اندفع متجاهلاً الألم في ذراعه وهو يدفع سيفه نحو الجندي الذي حاول تفادي الإصابة بالكرسي.. فرفع تبريق قدمه وركل الكرسي والجندي من خلفه بقوة حتى أسقطه جانباً، ثم تلقى ضربة من جندي آخر بسيفه.. كان الموقع في المنزل ضيقاً لا يسمح لهم بحرية الحركة، فيما اعتاد الأكاشي على القتال في الأماكن المفتوحة بما يسمح لهم بتطويح أذرعهم في ضربات قوية دون أن يعبؤوا بمن يكون قريباً منهم.. لذلك لم تكن تلك المعركة الصغيرة سهلة والطرفان لا يملكان إلا مساحة محدودة للتحرك فيها..
وقبل أن يحتدم الأمر أكثر، سمع الطرفان صوتاً من خلفهم يطلب منهم التوقف، فتوقفت أيدي الجنود على الفور وهم يتراجعون عدة خطوات، بينما بقي الأكاشي على تحفزهم حتى رأوا كين يقترب منهم متسائلاً "ما الذي أتى بكم لهذا الموقع؟.."
اقترب تبريق خطوة قائلاً "أليس هذا بديهياً؟.. أتينا خلف جبانٍ هرب دون أن يعبأ بمن خلفه.."
لم يعلق كين على إهانة تبريق وهو يلتفت إلى الجنود طالباً منهم الرحيل.. فغادر الجنود بعد تردد، فيما اقترب كين من تبريق قائلاً "وما الذي تطمح لفعله باللحاق بي؟.. كان عليكم أن تنسوا أمر هذا الجبان وتتجاهلوه بشكل تام.."
فقال تبريق "لكن هناك من لا يمكنه نسيانك أبداً.. ألم تدرك ذلك قط؟.."
أطرق كين بصمت وتبريق يقول "لا يبدو لي أن أولئك الجنود قد أجبروك على الرحيل معهم.. فما الذي دعاك لذلك؟.."
لم يجبه كين وهو مطرق بصمت، فزفر تبريق قائلاً "هذا لا يهم.. لنعُد الآن.. من المفترض أن نرحل للقاء الملك العربي، لكننا أجلنا هذا الأمر بسبب اختفائك غير المتوقع.."
قال كين دون أن يرفع رأسه "لن أعود.."
نظر له تبريق بدهشة، ثم تساءل "ماذا تعني؟"
أجاب كين "سأعود إلى كاشتار، وإلى ما كنت عليه سابقاً.."
قال تبريق باستنكار "أنت تمزح بالتأكيد.. لمَ قررت العودة الآن بعد كل هذه السنوات؟"
لم يجبه كين أو يواجهه بعينيه، فالتفت تبريق إلى رجاله طالباً منهم البقاء خارجاً.. ولما خلا الموقع إلا منهما اقترب تبريق من كين وأمسك كتفه قائلاً "ماذا عن جام؟.. لقد أرسلني لاستعادتك وأصرّ ألا أعود دونك.. فما الذي يمكنني أن أقوله إزاء فشلي هذا؟"
تنهد كين دون أن يجيب، فعاد تبريق يقول "أأنت لا تنوي العودة إليه حقاً؟.. ألا تهتم لما سيجري له وأنت بعيد؟"
غمغم كين "لقد انتَفَتْ حاجة ججي إليّ.. إنها على وشك القيام بمعاهدة مع الملك فارس، وبعدها ستنتهي هذه الحرب وستعود الأمور لما كانت عليه.. لذلك، ما عاد لوجودي أي معنى هناك.."
قال تبريق بإصرار "أتظن ذلك حقاً؟.."
نظر له كين قائلاً بحزم "أجل.. هذا ما أظنه.."
فقال تبريق بضيق "ولمَ قررت الآن أنك لا تريد أن تكون جزءاً من قبيلتنا؟.. لمَ لمْ ترحل منذ البدء؟.. ألا تظن أن هذا التوقيت غير ملائم لجميع الأطراف؟"
أدار كين رأسه جانباً وقال "لكنه ملائم لي.. وكما قلتَ أنت، لقد حلّت جميع مشاكلي مع مملكة كشميت، وما عاد هناك سبب لهروبي منها.."
فقال تبريق بغير اقتناع "لا أصدق ذلك.. ولا يمكن لمن رآك يوماً مع جام أن يصدق أنك سترحل بهذه السهولة يا كين.. فهل تحاول خداعي أم أنك تخدع نفسك؟.."
رفع كين بصره إليه قائلاً بحزم "هذا أمرٌ يخصني يا تبريق.. ولا شيء يجبرني على العودة للقبيلة.. أليس كذلك؟"
همّ تبريق بالاعتراض من جديد، لكن كين استوقفه قائلاً "الأهم من ذلك.. هناك أمرٌ أريد الحديث معك عنه.. وأريد أن تعدني ألا تذكر حرفاً من هذا لججي مهما كانت الظروف.."
نظر له تبريق باستغراب لهذا الطلب، فقال كين "بخصوص هذا اللقاء الذي تنتوي ججي القيام به مع الملك فارس.. أنا أثق أنه لن ينتهي نهاية سعيدة أبداً.. وأثق أن الملك ينتوي خيانتكم بشكل سيصدمكم.."
قال تبريق بغير اقتناع "لمَ أنتَ واثقٌ من هذا؟.."
فقال كين بتوتر "لأن الملوك لا يرضخون لأعدائهم، ولا يمكن أن يرضخوا لبضع قبائل بدائية كما يصفونكم في الممالك الأخرى.. هذا يعدّ إهانة له وتصغيراً من شأنه أمام بقية الممالك.. ولذلك، سيسعى بكل ما يملك للتخلص من ججي ومن أي زعيم يقف في وجهه.. لقد أخبرت ججي بشكوكي، لكنها رفضت الإصغاء لما أقوله بشكل تام.."
ظل تبريق صامتاً بتفكير، فتقدم كين خطوة وأمسك ذراعه قائلاً برجاء "أرجوك يا تبريق.. لا تغادر موقعك إلى جوار ججي أبداً.. ولا تسمح للملك باللقاء معها منفرداً دون أن تكون معها.. مهما كانت ججي قوية، ومهما كانت ذكية، فلا يمكنها أن تقاوم جماعة من الجنود أو تصدّ طلقات بنادقهم.. سيغتالونها فور أن تجتمع بالملك، هذا ما أنا واثقٌ منه.."
قال تبريق "بالطبع لن أسمح له بفعل ذلك، وسأحمي زعيمنا بكل ما أملك.."
فقال كين "ليس هذا ما أطلبه منك فقط.. هناك أمرٌ آخر.."
نظر له تبريق بتعجب، فخلع كين الخاتم الفضي من إصبع يده اليمنى، ومدّ يده نحو تبريق مضيفاً "هناك أمرٌ آخر قد تتعجب له أو تستنكره.. لكني أرجوك أن تحققه لي مهما كانت النتائج.."
ووضع الخاتم في راحة يد تبريق الذي قال وهو يتأمل الخاتم "وما الذي يجبرني على طاعتك في أي أمر؟"
قال كين "لأنك تتمنى الخلاص مني بالفعل.. أم أنك نسيت؟"
حدج تبريق كين بنظرة حادة وهو يقول "حسناً، أيها السليط.. يبدو أنني لن أستطيع الإفلات منك هذه المرة.. فما الذي تريده مني حقاً؟"
جذب كين نفساً عميقاً، وبدأ يشرح لتبريق طلبه الصغير.. كان واثقاً من تقديره لما سيجري مع الملك فارس.. وهو مدركٌ أن الأكاشي الواثقون بأنفسهم والمعتزّون بهويتهم لا يمكنهم تخيّل أن الشعوب الأخرى تستحقرهم وتعاملهم بدونيّة.. وثقة الأكاشي هذه هي بالذات ما سيودي بهم إلى نهاية لا يتمناها أحدهم في حياته..

************************

رغم أن الخطة كانت تقضي بأن تتحرك ججي مع فرقة من الرجال نحو موقع الاجتماع مع هاكين وبقية زعماء القبائل الذين سيحضرون ذلك اللقاء، لكن ججي رفضت بكل عناد مغادرة موقعها بانتظار عودة تبريق مع كين.. كانت واثقة من نجاح تبريق في المهمة التي أوكلتها إليه.. وكانت واثقة كل الثقة أن كين سيعود معه بعد أن يتخلص من جنود الكشميت.. لم يخايلها الظن ولو لوهلة أن كين قد لا يعود لها هذه المرة كما كانت تتوقع.. لذلك كانت صدمتها وعصبيتها كبيرتين وهي ترى تبريق يعود بعد ما يقارب عشرة أيام مع من صاحبه من الرجال بدون أن تلمح كين معه.. تلفتت في الموقع بحثاً عن أي أثر له، ثم قالت لتبريق مقطبة عند اقترابه منها "أين هو؟.."
نظر لها تبريق بصمت للحظة ملاحظاً الاستياء الواضح على وجهها، فقال وهو يدرك الثورة التي عليه مواجهتها بعد جملته هذه "لم أتمكن من إعادته.."
نظرت له بصدمة للحظة، ثم صاحت بثورة "ماذا تعني بذلك؟"
نظر لها تبريق بصمت وهي تقول بغضب "أتحاول إقناعي أنك لم تتمكن من استعادة كين أنت وكل رجالك؟.. كيف يمكنك أن تعود إليّ بفشلك هذا؟"
قال تبريق بحزم "لم أفشل يا جام.. لكن كين رفض العودة معي بإصرار.."
قالت بغضب "هذا محال.. لا يمكن أن يعود كين إلى الكشميت راضياً.. لا يمكن أن يفعل ذلك.."
فقال تبريق "لم أنت متشبث به هكذا؟"
نظرت له بغضب عارم وصاحت "كين لا يمكن أن يتخلى عن الأكاشي.. لا يمكن أن يرحل وسط هذه الظروف التي نعيشها.. أنسيت أن معظم نجاحاتنا كانت بسبب مخططاته تلك؟"
هز تبريق رأسه قائلاً "أأنت تخشى من فشلك بدونه أم أنك تريده هو؟.."
فقالت بجفاء "ما الذي تعنيه؟.. أفصح لو كنت تملك رأياً تريد إقناعي به.."
زفر تبريق بضيق بينما وقفت ججي في موقعها وهي تشدّ على قبضتي يديها بقوة وملامح وجهها منقبضة.. ثم سمعته يقول "حتى متى ستتمسك به يا جام؟.. عليك أن تطلقه وتتركه يعود لعالمه.."
صاحت بحنق "عالمه؟.. هل أقنعك أنه راضٍ بالعودة إليه؟"
قال تبريق هازاً رأسه "لا.. لكن لم يكن له بدٌ من ذلك.. إنه ليس رجلاً عادياً.. إنه أمير من الكشميت.. مهما هرب، فسيستعيدونه مهما طال الزمن.."
نظرت له ججي بنظرات حادة حانقة وهي تود لو تطرده لئلا تسمع المزيد، بينما أضاف تبريق "عليك أن تدرك أنك وهو لا تجتمعان أبداً.. أنت من الأكاشي الهمجيين.. وهو من الكشميت الغرباء.. كين لم يكن يوماً من الأكاشي ولم يكن ولاؤه لهم بأي حال.. ولو بقي معنا وقاتل إلى جوارنا طوال هذه السنين، فهذا لا يعني أنه قد أصبح منا.. ومادام عزم على الرحيل، فلا يمكننا إبقاؤه بيننا رغمًا عنه.."
فقالت ججي بحنق وقد فاض بها الكيل "اصمت.. لا أريد سماع المزيد.."
فقال تبريق بهدوء "كما تريد.. لكن ضع في ذهنك أننا لن نبقى هنا زمناً طويلاً.. علينا أن نبدأ سيرنا نحو موقع اللقاء مع الملك العربي قبل أن يغضب لتجاهلنا إياه ويعتبرها إهانة في حقه.."
وغادر تاركاً ججي تقف في موقعها وهي تشدّ قبضة يدها بقوة.. وتحاول ابتلاع هذا الخبر الذي لم يدُر في ذهنها أبداً طوال السنوات الماضية أن تسمعه في يومٍ ما.. وفي وقوفها وسط المخيم، شعرت أن الأنظار تتجه إليها بتفحص كرهته، وكأنها تقرأ تعبيراتها وتشمت من عجزها عن استعادة يدها اليمنى الذي لطالما لازمها بشكل شبه دائم.. عندها استدارت ججي وعادت لخيمتها بصمت مغلقة الباب خلفها بقوة.. تلفتت حولها شاعرة بحشد من المشاعر التي غلب عليها الحنق، عندها ركلت كل ما يمكنها ركله في خيمتها بغيظ، ثم تناولت سيفها وتسلّت بضرب بعض المِخاد الثقيلة به مبعثرة ما بقلبها.. ولولا خشيتها من تهاوي الخيمة على رأسها لشغلت نفسها بضرب الأعمدة الخشبية التي ترفعها.. ظلت على هذا الحال وهي تتنفس بقوة وتزفر بحدة بين ضربة وأخرى.. وتدمدم بأنفاس متلاحقة "كين الأحمق.. كين الغبي.."
ولما شعرت بذراعيها تؤلمانها لهذا المجهود، تهاوت جالسة قرب النار وسط الخيمة وهي ترمي سيفها بعيداً وتقول بغيظ "ذلك المعتوه.. فليهرب كما يشاء.. لطالما أدركت أنه لا يستحق أن يكون رجلاً.."
سمعت صوتاً يقول من مدخل الخيمة "أكلّ هذا الغضب لأنه تخلى عنك؟"
التفتت إلى المدخل لترى تينا تدخل الخيمة بخطواتها الهادئة كعادتها، وتأملت محتوى الخيمة المبعثر وججي تقول بحزم "لست غاضباً لأنه تخلى عني.. بل لأنه هرب في موقف حاسم كما نحن الآن.."
قالت تينا بسخرية "حقاً..!"
قطبت ججي دون أن تعلق، بينما أخذت تينا تلملم الأغراض المبعثرة وهي تقول "لو أنك كنت صريحة معه، ولو أوليتِه بعض الاهتمام لما اختفى بهذه الصورة.. لكن، والحال هكذا، ما الذي يربطه بهذه السهول الدموية كما يصفها دائماً؟.."
قالت ججي بضيق "ما الذي تعنينه؟.. أنا صريحٌ معه دائماً.. ألم أجعله ذراعي اليمنى؟.. أليست كلمته مسموعة بين رجال القبيلة كلهم رغم ضعفه وهزاله؟.. ما الذي يبغيه بعد؟"
نظرت لها تينا بتعجب، ثم اقتربت منها قائلة "من قال لك أن هذا ما يبغيه حقاً؟.. أتظنين أن أميراً مثله يرضى بأن يكون مجرد مساعد لزعيم قبيلة لا أهمية لها في هذا العالم؟.."
قالت ججي بغيظ "هل تستهزئين بقبيلتك يا تينا؟"
زفرت تينا وهي تقف أمام ججي التي أدارت وجهها جانباً بضيق، ثم جلست قربها وأمسكت كتفها قائلة "هو لا يريد أن يكون مجرد ذراعٍ أيمن لك.. هذا الدور يمكن أن يقوم به عشرات الرجال من هذه القبيلة دون أن يهمك هويته.. إنه يريد موقعاً أكبر وأقرب إليك من ذلك.."
ثم أحاطت وجه ججي بيديها وهي تواجه عينيها مضيفة "حتى متى ستتجاهلين مشاعره تجاهك؟.. بل حتى متى ستتجاهلين مشاعرك أنت؟"
حدجتها ججي بنظرة حادة متسائلة "مشاعري؟.. أي مشاعر تعنين؟.. إن كنت تعنين غضبي هذا فهو..."
قالت تينا بحزم "هذا الغضب يخفي مشاعر أخرى أكثر قوة ورقة.. مشاعر تنكرينها لأنك واثقة أنها ستجعلك أضعف مما تحبين.. مشاعر تعرفها أي أنثى في العالم بالفطرة إلا أنت.."
قطبت ججي بشيء من الاستنكار، فابتسمت تينا معلقة "لمَ لا تمنحين عقلك إجازة ليوم واحد وتسألين قلبك بإخلاص؟.. لو لم تصِلي لنتيجة هذا اليوم فحالك ميؤوسٌ منه.. لكني واثقة أن قلبك سيدلك على حقيقة ما يجري.."
ونهضت تتمّ عملها بتنظيف المكان، بينما بقيت ججي في موقعها متربعة قرب النار وهي مطرقة بصمت.. وبعد بعض الوقت، غادرت تينا بهدوء كما دخلت تاركة ججي تفكر وتفكر وتسأل نفسها باستمرار.. لمَ هي غاضبة حقاً؟.. الحرب قد أوشكت على الانتهاء، وهي قد اكتسبت خبرة كافية وأصبحت أكثر قدرة على اتخاذ الخطوات الملائمة لخوض معاركها دون الاستعانة بكين.. فلمَ هي مستاءة لرحيله؟.. لمَ تستنكر عليه أن يقرر التخلي عن الأكاشي والعودة لعالمه السابق؟.. لمَ تشعر بأنه خذلها بشدة؟.. ألأنه خدعها؟.. أم لأنه رحل دون وداع؟..
لم تعد قادرة على الجلوس في هذه الخيمة الخانقة، فخرجت منها واتخذت طريقاً يدور بها حول المخيم وهي تتأمل جوانبه بصمت.. ثم اتخذت موقعها المعتاد في جانب المكان حيث تطل على السهول الشاسعة خلفه وهي تتأمل الأفق بصمت ساهمة.. للمرة الأولى تقضي ججي وقتها صامتة بتفكير عميق فيما لا يخص القبيلة.. للمرة الأولى تفكر في أمر كين بهذه الحدة والإلحاح.. كانت تشعر أنها لو لم تفعل ذلك، فستمضي الأيام دون أن تفكر في أمرها مع كين كما يجب ودون أن تفك طلاسم هذه العلاقة التي لا تعرف لها اسماً.. ولو لم تفعل، فستظل ذكرى كين تورثها غصة كلما مرت بخيالها، وهو أمر لا تستطيع تجاوزه بعد أن قضت أهم سنواتها الماضية بقربه وقضتها معه.. لقد كان كين ملازماً لها ومتواجداً في حياتها بشدة بحيث لا تذكر حدثاً هاماً جرى لها إلا وكان كين طرفاً من تلك الذكرى..

************************

في تلك الليلة، عادت تينا إلى خيمة ججي التي التزمت بصمتها أغلب ساعات النهار، فقالت وهي تقترب منها حاملة بعض الطعام "أنت لم تتناولي أي شيء يذكر منذ الصباح.. أليس كذلك؟.."
غمغم ججي بصوت خافت "لا رغبة لي بالطعام.."
نظرت تينا لوجه ججي الصامت، ولم يغب عن عينيها الشحوب الخفيف الذي بدا عليه.. كما كان صمت ججي غريباً وهي التي اعتادت أن تلفت الأنظار بصوتها العالي في كل وقت.. جلست تينا قرب ججي وابتسمت لها، ولما استمر صمت ججي دون أن تلاقي أختها بعينيها قالت تينا بهدوء "هل فكرت بالأمر كما طلبت منك؟"
استمر صمت ججي وتينا تتساءل "هل أدركت حقيقة مشاعرك تجاه كين؟.. أم أنك لازلت بعنادك القديم؟"
فقالت ججي بحنق وغضب "وما فائدة ذلك؟.. لقد هرب ذلك الجبان دون أن يعبأ بي أو يهتم لما قد أشعر به.. إنه لم يهتم حتى بإبلاغي برغبته تلك بالرحيل.. كان يستغفلني طوال الوقت.."
قالت تينا بغير اقتناع "هذا مستحيل.. أنت لا تعرفين ما يعنيه وجودك بالنسبة له.."
أشاحت ججي بوجهها جانباً رافضة الاقتناع بما تقوله، عندها قالت تينا "هل أخبرك أمراً احتفظت به سراً لوقت طويل؟.."
لم تجب ججي بالرفض أو الإيجاب، فاستمرت تينا تقول "قبل زواجي من تبريق، ذهبت إلى كين، وصارحته بحبي له.."
نظرت لها ججي بدهشة، فأضافت تينا "أجل.. كين هو من كنت أحب قبل زواجي، وطلبت منه أن يتزوجني أو أن نهرب معاً.. وهو من رفضني بسببك أنت.."
غمغمت ججي "بسببي أنا؟.."
هزت تينا رأسها إيجاباً وقالت "أخبرني أنه لا يرى غيرك، ولا يهتم بفتاة إلا أنت.."
خفضت ججي رأسها معقودة الحاجبين، فضغطت تينا على يدها وقالت "لقد كان يحبك منذ البدء.. وقد صارحك بذلك مرات ومرات بكل الوسائل الممكنة.. هل تنكرين ذلك؟.. أنت من عامله بتجاهل ونكران لمشاعره.. أنت من تنكر لمشاعره بقسوة.. ومع ذلك، بقي إلى جوارك وبذل ما في وسعه لحمايتك ودفعك للأمام راضياً بأن يبقى مجرد نكرة.."
ظلت ججي صامتة وتينا تضيف "أتظنين أن أي رجلٍ قد يكون سعيداً عندما ينسب نجاحه إلى غيره؟.. كان يفكر ويخطط، ونجاح مخططاته ينسب إليك أنت.. لو كان شخصاً آخر لغضب وفارقك منذ البداية.."
قالت ججي بحدة "لقد فعلت ذلك لأحميه.. إنه شخص غريب، ولذلك لن يتردد أحد أعدائنا في قتله لتعطيلنا بأي صورة كانت.. وقتله لن يثير نقمة القبيلة ولن تطالب بدمه المهدور.. لذلك سيكون لقمة سائغة لكل من أراد الانتقام مني.."
فقالت تينا "هذا صحيح، لكنه لا يلغي أن كين فعل الكثير لأجلك منكراً ذاته.."
ثم هزت كتف ججي قائلة "ما الذي قاله لك قبل أن يغادر في الليلة الأخيرة؟.. لابد أنه ذكر شيئاً، فمثله لن يرحل دون تفسير أبداً.."
صمتت ججي متذكرة تلك الليلة.. تلك اللحظات الأخيرة التي رأت فيها كين وتحدثت معه.. راودتها غصّة قوية أعجزتها عن الكلام وهي تتذكر كل كلمة وهمسة خرجت من شفتيه.. وقتها، ومع انفعالها وغضبها مما تكشف أمامها من الحقائق، لم تكن مهتمة بما قاله.. ولم تتمعّن في كلماته وفي معناها.. كان همّها منصباً على الكثير من الأمور، بينما كان كين آخر اهتماماتها.. ولم يكن ذلك لأنها لا تهتم به حقاً، لكن لأنه كان أمراً مضموناً في حياتها.. كان وجود كين الدائم قربها وتأكيده على أنه لن لن يفترق عنها من الأمور التي دفعتها للتركيز على كل ما يشغلها وإرجاء التفكير به..
والآن، هي لا تندم على شيء قدر ندمها على هذا..
بعد صمت طويل أخرجتها تينا من ذكرياتها وهي تسأل بإلحاح "ما الذي أخبرك به يا ججي؟.. لا يمكن أن أصدق أن كين قد فضّل الصمت ورحل دون تفسير.."
زفرت ججي وقالت بصوت متغير "لقد أخبرني أنه لن يرحل أبداً دون سبب.. أكّد لي أنه لن يرحل قط، وأخبرني أنني أقوى أسبابه.."
ثم أضافت بصوت متهدج "لكنني لا أفهم.. كيف يدّعي هذا أمامي ثم يرحل بعدها مباشرة؟.. أكان يكذب عليّ؟.. هل رحل ساخراً من الفتاة البلهاء التي خدعها ببضع كلمات جوفاء؟.."
أمسكت تينا ذراعيها وقالت "ألم تفهمي أيتها الحمقاء؟.. لقد رحل بسببك أنت، ولأجلك أنت.."
نظرت لها ججي بدهشة وتينا تقول "لابد أنه يخشى عليك من بحث ملك كشميت عنه.. قد يسيء الملك فهم ما جرى لأخيه، وقد يحاول استعادته بالقوة لو رفض العودة هذه المرة.. عندها، لا يمكن ألا يصيبك مكروه وأنت لن تسمحي لهم باستعادة كين بالقوة.. أليس كذلك؟.."
خفضت ججي بصرها مجدداً بملامح متغيرة وهي تزم شفتيها المرتجفتين.. قاومت الدموع التي أوشكت على الانحدار على خديها بكل ما تملك.. ظلت تضم قبضتيها وتخفض وجهها وهي تودّ لو تبقى وحيدة.. فالندم الذي يحتشد في صدرها لن يزول بسهولة مهما ذرفت من الدموع.. والألم والتعاسة اللذان يبدوان على وجهها بوضوح من أشد ما تكره للآخرين رؤيته..
لكن تينا ضمّتها بقوة وقالت مشفقة "لا بأس يا ججي.. يمكنك استعادته دون شك.. إنه ما يزال حياً، وهذا يعني أن لقاءك به ليس مستحيلاً.."
لكن ججي لم تشعر بأي راحة لمثل هذا القول.. كل ساعة تمضي تزداد فيها المسافة بينهما، ويزداد كين بعداً عن قبضتها بشكل يزيدها أسىً فوق ما تتصور.. لم تتخيل يوماً أن تشعر بهذا الألم لرحيله، وأنها ستشعر بهذا الضياع والأسى لاختفائه..
ولكي تمنع دموعها من الانهمار بمذلة أمام تينا، ولكي تخلو لنفسها، فإنها نهضت وسارت بخطىً مترنحة إلى فراشها فألقت جسدها عليه وهي تغمض عينيها بقوة.. بينما وقفت تينا تراقبها بإشفاق بالغ وهي حائرة في الطريقة التي يمكنها بها أن تهدئ حزنها وألمها ذاك.. ججي القوية دائماً، والشجاعة بشكل يفوق البقية.. ججي الصلبة التي لم تنكسر لحظة موت أبيها وقدوتها بل اتخذت قرارها في تلك اللحظة بما عليها فعله دون تردد.. ججي التي تسخر من الهزائم ولا يرتجف جسدها لخوف أو ذعر.. هي ججي ذاتها التي تراها الآن بهذا الضعف البالغ والوهن الغريب.. أين كانت تخفي هذا كله عن عيني تينا؟..
لاحظت تينا ظلاً قرب الباب في تلك اللحظة، ولما استدارت إليه رأت تبريق يطلّ عبر الباب المفتوح ويشير لها لتتبعه.. ترددت تينا للحظة وهي ترمق شقيقتها الساكنة، ثم قررت أن عليها منحها بعض الوقت لتخلو لنفسها وترتب أفكارها فيما عليها فعله.. تناولت غطاءً سميكاً وغطت به جسد شقيقتها الصامتة، ثم غادرت بصمت بدورها وهي تتبع تبريق الذي همس "كيف هي الآن؟"
هزت تينا كتفيها بحيرة وقلة حيلة، فقال تبريق وهو يجذبها لتبتعد عن الخيمة "عليك تركها لترتاح قليلاً.. بعد أحداث هذا اليوم، ومع ما ينتظرنا غداً، من الأفضل لها الحصول على بعض النوم لتلتقي بالملك العربي بعقلٍ صافٍ.."
غمغمت تينا وهي ترمق الخيمة خلفها "لا أظنها ستحظى بأي نوم هذه الليلة.. فما جرى ليس شيئاً يمكن أن يبعث على الراحة.."
قال تبريق "أنتِ تبالغين.."
هزت تينا رأسها معلقة "لا.. بل أنا أثق بذلك.. ندمها على ما فرطت به، والمرارة التي تشعر بها لأنها لن تراه مرة أخرى سيكونان أقوى من أي تعب أو نعاس.."
ابتسم تبريق وقال محاولاً تخفيف القلق البادي عليها "لا ألومها لو حدث ذلك.. أنا بالكاد كنتُ أذوق نوماً منذ عدت للمخيم ورأيت فتاة جميلة سلبت عقلي رغم أنها كانت تناديني (يا أبتاه) منذ رأتني.."
قالت تينا مشيحة بوجهها "لكنك تنازلت عن تلك الفتاة التي سلبت عقلك بأسرع مما توقعت وعرضت عليها أن تطلق سراحها بعد أيام قليلة من زفافك منها.. كيف تريدني أن أصدق حباً تبخر بهذه السرعة؟"
فقال تبريق وهو يدير بصره جانباً بدوره "لو أنك عرفت كيف كان قلبي يتمزق ألماً وأنا أعرض عليها هذا الأمر، لأشفقت عليّ بالتأكيد.."
نظرت له بشيء من الشك متسائلة "أأنت واثق من ذلك؟"
نظر لها بابتسامة حانية وقال "وكيف أسعد بفراق الفتاة التي سلبتني عقلي؟.. هذا يعني أن أفقد عقلي وقلبي معاً في لحظة واحدة.. فما الذي سيتبقى مني بعدها؟"
أدارت تينا بصرها جانباً وقالت بشيء من الارتباك "أنت تجيد الكلام المعسول بشكل لم أتوقعه.. كدت للحظة أن أصدق ما تقوله.."
أحاطها تبريق بذراعه وغمغم "ليتك تفعلين ذلك.."

************************

في اليوم التالي، دخل تبريق خيمة ججي ليجدها جالسة قرب النار بصمت متجاهلة تينا التي تحدثها بحديث خافت.. فاقترب تبريق منهما متسائلاً "هل استدعيتني يا جام؟"
رفعت بصرها إليه قائلة بصوت حازم "علينا الرحيل للقاء الملك العربي.. أم أنك نسيت ذلك؟.."
كانت الجدية التي تبدو على وجهها غريبة مع انفعالها في اليوم السابق.. بدا أنها نبذت كل ما شعرت به في اليوم السابق، وارتدت ملامح جامدة حادة وكأنها ترفض أن يرى شخصٌ مشاعرها الحقيقية.. أم أنها نبذت تلك المشاعر بالفعل وتناستها؟..
لم يستطِع تبريق أن يسألها ما هي فاعلة بشأن كين، فقال عوضاً عن ذلك "كم رجلاً سنصطحب معنا؟.."
أجابت وهي تنهض واقفة "عشرون رجلاً.. سأجعل سادر على رأس القبيلة أثناء غيابنا كما هي العادة.."
نظر تبريق إلى تينا، فرآها تنظر إليهما بشيء من اليأس، ثم قال "لا بأس.. سيجهز الرجال خلال دقائق معدودة.."
وغادر الخيمة تاركاً تينا التي قالت لججي "هل ستتركين كين يرحل حقاً؟.. ألن تذهبي لاستعادته؟.."
قال ججي وهي ترتدي حذاءها استعداداً للرحيل "لقد رفض طلب تبريق منه العودة إلينا، فلمَ يجب أن أضيّع وقتي في اللحاق به؟"
قالت تينا بانفعال "هناك فرق بين تبريق وبينك أنت.. لو رآك أنت، ولو صارحته بحاجتك له وبحقيقة مشاعرك، فلا أشك أنه سيتخلى عن الدنيا ليبقى معك.."
نظرت لها ججي عابسة وقالت "من قال لك إنني بحاجته حقاً؟.. ما أشعر به وما أحتاجه أمران مختلفان تماماً.."
هتفت تينا "هذا لا يعني شيئاً.. هل ستكونين سعيدة بحياتك دون أن يكون كين قريباً منك؟.."
زفرت ججي باستياء، ثم ارتدت خوذتها وتناولت سيفها قائلة "لديّ من الأمور ما هي أهم من ملاحقة ذلك الأحمق.."
وضعت السيف في حزامها، وغادرت الخيمة فيما تنهدت تينا مغمغمة بضيق "من الأحمق بينكما؟.. حقاً ما عدت أدري!.."
انشغلت ججي بإعداد حصانها للرحلة الطويلة والتي ستأخذها للجانب الشرقي من السهول.. ثم امتطت ظهر الحصان ووقفت للحظة تدير بصرها في المخيم الهادئ في هذا الصباح.. كانت على وشك أن تتخذ خطوة هامة في حياة الأكاشي، وكل ما يقلقها إن كانت هذه الخطوة ستعود على قبيلتها بالخير أم أنها ستكون شؤماً عليهم لأجيالٍ طويلة.. هل سيذكرها أفراد قبيلتها بخير، أم أنهم سيلعنونها ببغض لما جلبته على رؤوسهم؟.. لكن أي خيار تملكه الآن؟.. لم تعُد القبيلة بذات القوة ولا التجهيز اللازم لمواجهة جيوش الملك، ومن حسن حظهم أنه عرض عليهم أن يبرموا معاهدة تحقن دماءهم ودماء جنوده قبل أن ينكسر رجال قبيلتها بالفعل ويسقطوا فريسة سهلة لجيوش الملك..
ومع كل هذا.. أي خيار تملكه الآن في كل ما تفعله؟..
رأت سادر يقترب منها مع بضع رجال من كبار القبيلة، وسمعته يقول "كن حذراً يا جام.. أكاد أشمّ رائحة الغدر في عرض الملك.."
غمغمت ججي بصوت خفيض "لمَ الكل مصرٌّ على هذا القول؟"
ثم نظرت لسادر قائلة "لا تقلق.. سآخذ حذري بالطبع.."
فقال سادر "هذا لا يعني أنك لا تستهين به.."
صمتت وهي تجول ببصرها في المخيم، ثم قالت "لا يمكنني التفريط بهذه الفرصة أبداً.. لأجلكم.. لأجل القبيلة كاملة.."
نظر لها الرجال بصمت، ثم قال سادر ببطء "وإن لمْ تعُد قط؟.."
ابتسمت ابتسامة باهتة وهي تجيب "أخوّلك التصرف بما في صالح القبيلة.. مهما كان ذلك القرار.."
في الآن ذاته، كانت تينا تقف قرب حصان تبريق الذي تململ بانتظار صاحبه.. صمت تبريق وهو يثبت السرج على ظهر حصانه وتينا تنظر إليه بتوتر قبل أن تقول "هل ستعود يا تبريق؟"
أجاب تبريق وهو ينهي عمله "سأحاول ذلك.. لن يمنعني من العودة إلا الموت.."
ازداد القلق في عينيها وهي تغمغم باستياء "لا تتحدث عن الموت الآن أرجوك.."
أمسك تبريق يدها وقال بابتسامة "لا تقلقي.. سأعود بالتأكيد.."
ابتسمت تينا ابتسامة متوترة بدورها، ثم قالت "هل ستمنع ججي من ارتكاب أي جنونٍ يودي بحياتها؟"
قال تبريق هازاً كتفيه "سأحاول، لكني لا أضمن ذلك بتاتاً.."
خفضت تينا بصرها بصمت وهي تضغط على يده بيديها، ثم همست "سأنتظرك حتى تعود.. فلا تجعلني أنتظر طويلاً يا تبريق.."
ابتسم تبريق وهو يلمس خدها بأصابعه وغمغم "سأعود يا تينا.."
وجدها تتراجع بصمت فيما امتطى هو ظهر حصانه دون أن يضيف كلمة أخرى، وجذب اللجام ليدير الحصان وهو يلكزه ليسير لاحقاً بججي التي انطلقت مسرعة وسط نظرات رجال ونساء القبيلة.. وخلال لحظات، تبعهما عشرون رجلاً على ظهور الخيل، حاملين أسلحتهم ودروعهم باستعداد تام للقتال وللدفاع عنها لأي لمحة غدر.. ابتسمت ججي وهي تواجه الأفق بنظراتها وتلكز الحصان ليركض بأقصى سرعته.. لكم هي فخورة بقبيلتها وبما حصلت عليه من ولاء تام من رجالها.. لم تتوقع يوماً أن تصل لهذا المكان، وأن تحصل على هذا الولاء.. ولا يغيب عن ذهنها الخطر الذي تسير إليه بإرادتها الحرة.. لكن، لو تحققت توقعات كين وكبار قبيلتها، فهي على الأقل لن تندم لما وصلت إليه.. على الأقل، حققت بعض طموحاتها، وحققت الغرض الذي لأجله اتخذ قادور قراره بجعلها رجلاً، رغم كل السخرية التي طالته جراء ذلك..

************************

في وقت آخر، وفي موقع آخر يبعد مئات الآلاف من الأميال عن سهول الأكاشي التي تحتل جزءاً صغيراً فقط من القارة العظمى، وفي ميناءٍ حيويٍ ينبض بالحركة الدؤوبة والأعمال التي لا تنتهي، رسَت تلك السفينة الكبيرة ذات الزخارف والرايات التي تحمل الشعار الملكي الخاص بتلك المملكة.. وفور رسوّها، في موقعٍ خاصٍ من الميناء يستوعب حجمها الكبير، تم مدّ جسر خشبي من السفينة وحتى رصيف الميناء الحجري..
ومن قلب السفينة، خرج كين ووقف على الجسر يتأمل الميناء الذي يعتبر جزءاً حيوياً من هذه المدينة العظيمة.. تأمل جوانب المكان بمشاعر مختلطة، متذكراً تلك الليلة التي خرج فيها من المدينة خائفاً يرتعد فرقاً من أي ظل يمر به.. ثم بعد تردد، دفع نفسه ليهبط نحو الرصيف الحجري ملاحظاً عدداً من الجنود الذين اصطفوا في جوانب الرصيف مكونين فرقة خاصة لحمايته واصطحابه في رحلة العودة نحو قلب المدينة..
سار كين عدة خطوات على الرصيف ملاحظاً الأعين الفضولية في جوانب أخرى من الميناء، عندما رأى تلك العربة التي توقفت قريباً من موقعه.. ظن كين أن تلك العربة آتية لاصطحابه، فتقدم نحوها بصمت عندما وجد بابها يفتح بسرعة ورأى شخصاً يرتدي ثياباً زاهية يخرج من العربة مسرعاً إليه.. تجمد كين للحظة وهو يرفع بصره ليرى تلك الشابة ذات البشرة البيضاء الشاحبة والشعر الفاحم والعينين السوداوين الدامعتين وهي تركض نحوه حتى رمت نفسها عليه وهي تعانقه بقوة..
بدا لكين، الذي لم يستوعب بعد أنه قد عاد لموطنه، وللعاصمة كاشتار، أن من يراها هي جزءٌ من حلم يحلم به.. رفع يداه بعد هنيهة وضم الجسد الباكي والشابة تقول من بين دموعها "كيف تفعل هذا بي يا كين؟.. لقد اختفيت لسنواتٍ طوال دون أن تصلنا أخبار عنك، إلا تلك الأخبار التي تناقلها الجنود بمقتلك في ميناء سربيل بعد أيامٍ من هربك.."
ورفعت وجهها المبلل بالدموع وهي تنظر إليه مضيفة بصوت مرتجف "لقد مرت عليّ أيامٌ وشهور كنت أثق فيهما أنك قد قضيت نحبك في موضع مجهول ولن نعثر عليك بعدها أبداً.. ولم أكد أصدق الأنباء التي وصلتنا منذ أشهر قليلة عن وجود كشميتي في سهول الأكاشي.. بل لم أصدق بتاتاً أنك أنت ذلك الكشميتي المجهول.."
ابتسم كين أخيراً وهو يقول "كيف حالك يا أختاه؟.."
قالت بنبرة لائمة "أتسألني الآن؟"
ثم شدت على يديه قائلة "لمَ لمْ تعُد طوال تلك السنين حتى بعد موت الملك سوجا وتولّي ترمين الحكم من بعده؟.. ألم تعلم أن ترمين قد أسقط جميع الأحكام الصادرة بحقك فور توليه العرش؟.."
غمغم كين "وكيف لي أن أدرك ذلك وأنا في تلك المنطقة المعزولة عن العالم بشكل شبه تام.."
نظرت له بإشفاق وهي تقول "يا لأخي المسكين.. كيف تمكنت من قضاء تلك السنوات مع تلك القبائل الوحشية التي تتصف بهمجية مطلقة؟.. لابد أن حياتك كانت عسيرة هناك.. هل كنت سجيناً لديهم؟"
ابتسم كين وهو يجذبها نحو العربة قائلاً "لم يكن الأمر سيئاً كما لك أن تتصوري.."
قالت باستنكار "مستحيل.. هل تقنعني أن العيش مع تلك القبائل التي لا تملك أي تحضر ولا معرفة كان أمراً مقبولاً؟.. هذا من سابع المستحيلات.."
غمغم كين وهو يستقر في العربة معها "ربما كان ذلك من وجهة نظر العالم كله.. لكن العيش في تلك السهول يخالف التوقعات بشكل قد لا تتصورينه قط.."
انطلقت العربة شاقة الطريق الذي يتجاوز بها السور الأول فالثاني فالثالث الذي يحيط بكاشتار.. ووسط السور الثالث، الذي يضمّ القصور الملكية وقصور كبار التجار والوزراء والطبقة الغنية من العاصمة، يستقر القصر الذي شهد طفولة كين وسنوات مراهقته الأولى.. قبل أن تضطره الظروف لهجر كل شيء والهرب متسللاً وسط أستار الظلام، في رحلة ساقه إليها قدره نحو عالم كان مجهولاً بالنسبة له..

************************

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 23-01-16, 06:50 PM   المشاركة رقم: 110
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,112
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 
دعوه لزيارة موضوعي

لااااا


كين امير !!!


مسكين فاض به الكيل وغادر ..

هل للخاتم سر ؟

اشعر انه لو راه الملك فقد يغير رأيه احترازا من رمزه .


سلمت يداك خيال

ومتشوقة للنهاية


لك ودي

«اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي»

 
 

 

عرض البوم صور bluemay   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السماء.., ابنة
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 04:16 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية