لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-01-16, 08:07 PM   المشاركة رقم: 61
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,112
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 
دعوه لزيارة موضوعي

تواات اﻷحزان على قبيلة ابناء الذئاب وعلى ججي التي وضعت في فوهة المدفع

تينا ما زالت تتارجح بين الجحود واﻷمتنان نحو تبريق

مينار اوفى بوعده ولكن ما ينتظره و ججي اعظم .


كين كان حارسها الأمين واﻻن يسعى لإنجاح مسعاها بالزعامة



سلمت يداك متشوقة لمعرفة القادم كثيرا


لك ودي


«اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي»

 
 

 

عرض البوم صور bluemay   رد مع اقتباس
قديم 16-01-16, 02:34 AM   المشاركة رقم: 62
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
اميرة القلم


البيانات
التسجيل: Aug 2014
العضوية: 273354
المشاركات: 4,068
الجنس أنثى
معدل التقييم: برد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسيبرد المشاعر عضو ماسي
نقاط التقييم: 4345

االدولة
البلدLibya
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
برد المشاعر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

سلمت أناملك خيال انتي مبدعة حقا ‏

مؤكد ستتمكن ججي بمساعدة كين ومينار من تخليصهم من السفن وهزم عدوهم فما القادم يا ترى خاصة لو فشلت في مهمتها ‏؟؟ ‏
في انتظار التكملة بكل شوق ‏

 
 

 

عرض البوم صور برد المشاعر   رد مع اقتباس
قديم 16-01-16, 09:35 AM   المشاركة رقم: 63
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

وضع ججي الآن، وهي زعيمة، أصعب من وضعها السابق بمراحل
فهي مهددة بالقتل في أي لحظة، ومن أقرب الناس إليها
كما أن عليها، رغم كل المصائب التي حلت بها، أن تقف على قدميها بأسرع ما يكون لتقود قبيلتها في هذه المعركة غير المتكافئة
لذا ترون في أي موقف صعب وجدت ججي نفسها بين ليلة وضحاها
سعيدة بتواجدكما معي يا برد المشاعر ومايا
سأضع الفصل الجديد حالاً بإذن الله تعالى..

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 16-01-16, 09:41 AM   المشاركة رقم: 64
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 

الفصل الرابع عشر {هجمة مرتدة}


في اليوم التالي، ومع أولى تباشير الصباح، وقفت ججي وقفة صارمة أمام كبار رجال قبيلتها ممن بقي حياً بعد هجوم الأعداء على مخيمهم.. كانت شاحبة الوجه، وجرحها لم يبرح يثير فيها آلاماً لا تطاق، وتبدو بغاية الضعف، لكنها حاولت التماسك أمامهم وهي تقول بحزم "أنا أعلم أنكم تودون التخلص مني في التو واللحظة.. وأعلم أن أحداً منكم لم يقسم بالولاء لي بعد.. لكن، كما تعلمون، فإن قانون الأكاشي ينصّ على ألا يتم الإطاحة بأي زعيم قبل مرور ثلاثة أشهر على استلامه الزعامة.. وأنتم لم تنتظروا ثلاثة أيام لتحاولوا ذلك بكل خسّة مستترين بالظلام.."
بدا الحنق والاستياء واضحاً على وجوه الرجال وأحدهم يقول بجفاء "أنت تخالفين أول شروط الزعامة.. لذلك لا يمكننا أن نعدّك زعيماً حقاً، وقانون الأشهر الثلاثة لا ينطبق عليك بحال.."
فقالت بابتسامة جانبية "لكن، ألا تظنون أن قبائل الأكاشي ستسخر من محاولاتكم التخلص من (امرأة) بأسلوب ساذج وحقير كما فعلتم الليلة الماضية؟.."
قال آخر محتداً "أتظنين أن تلك القبائل لن تسخر منا لأننا رضينا بزعامة امرأة علينا؟"
تقدمت خطوة وقالت بحزم "إذن.. ما رأيكم لو أثبت لكم كفاءتي وأحقيتي بهذه الزعامة.. هل ستقسمون بالولاء لي عندها؟"
بدت الابتسامة الساخرة واضحة على وجوه الرجال وبعضهم يضحك باستهزاء، بينما قال الأول بسخرية "ما الذي تنوين فعله؟.. هل ستنازلين أقوانا لإثبات قوتك؟.."
كان هذا بالفعل ما انتوته ججي في البدء، لكنها شعرت بالراحة لأن كين أقنعها بالعدول عن ذلك.. فمع الحالة التي هي فيها، لن تتمكن من هزيمة رجل واحد من رجال القبيلة.. فقالت "لا.. لكن عندي وسيلة أخرى لإقناعكم.."
قال أحدهم محتداً "الكلمات لن تكفي لإقناعنا يا هذه.."
ابتسمت قائلة "من تحدث عن هذا؟.. سأقنعكم بوسيلة أكثر بساطة وسهولة من مجرد كلمات.."
نظروا لها بشك واستياء، فقالت "لابد أن أخبار هزيمتنا أمام الجيش العربي قد وصلت للقبائل الأخرى.. ولو طلبنا عونهم لهزيمة أعدائنا، فسنظهر بمظهر الضعيف مهما كانت هوية الزعيم الذي يقودنا.. أليس كذلك؟"
وتقدمت خطوة أخرى وهي تضيف بحزم "لكن، ما رأيكم لو قمت بتخليصكم من أعدائكم بضربة واحدة في ليلة واحدة؟.. مهما كان عددنا، ومهما كان تسليح أعدائنا، فلن نتمكن من التخلص منهم مع وجود السفن الرابضة في البحر بتهديد واضح.. لذا، نحن بحاجة لخطة محكمة للخلاص من السفن بالإضافة للجنود واستعادة مخيمنا في وقت واحد.."
قال أحدهم باستنكار "هذا مستحيل.."
فقالت وهي تشدّ جسدها أمامهم "هل ستقسمون لي بالولاء لو خلصتكم من أعدائكم وأعدت لكم هيبتكم بين قبائل الأكاشي وحفظت لكم كرامتكم أمام الجميع؟.."
قال آخر بحدة "مستحيل.. لا أثق أنك ستفعلين ذلك.."
نظرت في وجوههم ملاحظة أن الحنق والغضب لم يخفتا ولو للحظة واحدة.. لو لم تتمكن من أخذ وعد منهم الآن، والأكاشي لا يكسرون وعداً أبداً، فلا تضمن أنهم سيتخلصون منها بعد أن تنجح خطتهم ويستعيدون مخيمهم.. عليها أن تكسب نقطة الآن، وتحدد موقفهم منها قبل أن تكشف ما لديها من أوراق..
وبينما استمر اللغط بين الرجال الحانقين، فإن ججي قالت بصوت أعلى "ما الذي ستخسرونه لو أنكم أعطيتموني وعدكم الآن؟.. لو أنني لم أنجح فيما وعدتكم به، ولو أنني فشلت كما تتوقعون حتماً، فلن أستطيع مطالبتكم بشيء.. ولو أنني فشلت حقاً، فحياتي ستكون بين أيديكم، والرابح هو من سيصل لقلبي أولاً بينكم.."
التمعت الأعين حولها بشكل ظاهر، ثم قال أحدهم "حقاً؟.. يبدو أنك واثقة من نجاحك لدرجة أن تعرضي علينا عرضاً مثل هذا.."
فقالت بحزم "هل تعدونني بأن تقسموا لي بالولاء لو نجحت في تخليصكم من أعدائكم؟.."
تبادل الرجال نظرات جذلة وابتسامة أقل ما يقال عنها أنها وحشية.. بدا لها أنها تقرأ في أذهانهم سخريتهم من ثقتها وتلهفهم للّحظة التي سيلتهمون فيها قلبها.. وبعد أن دار بينهم حوارٌ صامت واتفاق ضمني، قال أحدهم وهو يواجهها بنظرة صارمة "نعدك بذلك.. وفور فشلك في هذه المهمة، لن نشاور بعضنا بعضاً في مصيرك عندها.."
دارت ببصرها في الوجوه وهي تصيح "هل تعدون بأن تقسموا لي بالولاء عند هزيمة أعدائكم واستعادة المخيم؟.. إن لم تعِدوني جميعكم، فلا اتفاق بيننا عندها.."
بدأت تسمع موافقتهم على هذا واحداً تلو الآخر.. بدوا لها مستمتعين بما يجري، وقد أيقنوا في دخيلة أنفسهم أنها ستفشل منذ اللحظة الأولى.. لذلك لم يترددوا في وعدهم لها بالولاء لو نجحت.. وهذا ما طمحت له ججي بالفعل.. فبهذا الوعد، هي قد ضمنت موقعها كزعيمة هذه القبيلة رغم أنوفهم.. فلا يجرؤ أحدهم على كسر وعدٍ وعده لها حتى لو كانت امرأة.. كل ما تأمله أن تسير خطة كين كما خطط لها، وألا يحاول أحد الرجال دفعها للفشل مضحياً بالقبيلة كاملة كي يستلب الزعامة منها..

************************

بعد أن ضمنت ججي أن كبار رجال القبيلة سيقسمون لها بالولاء عند نجاح مهمتهم هذه، انطلقت من فورها بحثاً عن تبريق.. لكنها لم تعثر إلا على تينا المنزوية في جانب منعزل من ذلك الكهف قرب النار وهي صامتة بكآبة واضحة.. لم تكمل ججي بحثها عن تبريق وهي ترى تينا في هذا الوضع، بل اقتربت منها وركعت قريباً تتأمل صمتها الغريب وكآبتها الأغرب.. ثم لمست ركبتها التي دفنت تينا وجهها خلفها، وهمست "أمازلت مستاءة لما جرى يا تينا؟.. أم أنك حزينة بعد؟"
قالت تينا بمرارة دون أن تواجه ججي بعينيها "وكيف لا أبقى حزينة بعد أن وجدت نفسي وحيدة.. فلا أب أحتمي به ولا أم تواسيني.."
أسرعت ججي تقول "ماذا عني أنا؟.. أنا......"
قاطعتها تينا بمرارة أكبر "أنتِ تناسيت من فقدناهم بأسرع من الجميع.. ها أنتِ تخططين لنيل الزعامة واستعادة المخيم قبل أن يبرد جسدا والديك.. أنسيتِ أن أمك لم تحضَ بدفنٍ لائق حتى الآن؟"
قالت ججي "وكيف سندفنها وندفن موتانا قبل أن نتخلص من أعدائنا ونستعيد مخيمنا؟.. كيف سننتقم لمن مات بذلك الهجوم الغادر ونحن منزوون في هذه الكهوف كالفئران؟.."
تهدج صوت تينا وهي تهمس "أنتِ لديك هدف محدد تسعَيْن خلفه، لكنني ضائعة.. لا أعرف ما يجب فعله، ولا أعرف ما عليّ أن آمل حدوثه في الأيام القادمة.. حياتي قد توقفت تماماً ولا أشعر بأي سعادة.. ليتني مت جوار أمي.. لكم أفتقدها الآن.."
وعادت للبكاء الذي لم تكد تنقطع عنه منذ تلك الليلة، فوجدت ججي تحتضنها وتضمّ رأسها برفق قائلة "لن أمنعك من البكاء يا تينا.. لكن هذا لن يزيدك إلا غمّاً وحزناً.. ابكِ ما طاب لك البكاء، لكن بعدها أفيقي لنفسك ولحياتك، ولا تجعلي الحزن يلتهمك.."
لم تكفّ تينا عن البكاء بحزن شديد، لكن رغماً عنها شعرت بشيء من الهدوء يتسلل إليها مع كلمات ججي، وبدأت دموعها تقل شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت رغم الحزن الذي يعتصر قلبها ويضيق له صدرها.. لم تتوقع هذا الرفق والاهتمام من ججي، فهي لا تذكر أن شقيقتها قد عانقتها بحنوٍ في يوم من الأيام.. لذلك فاجأها هذا التصرف ولمس أعماقها بشدة لم تتمكن معه سوى الاستسلام وسكب حزنها العميق أمامها..
بعد بعض الوقت، وجدت ججي تبريق خارج الكهوف في موقع احتفظ فيه رجال القبيلة بالماشية التي عثروا عليها.. وهناك، كان تبريق يعتني بحصانه الذي عثر عليه منعزلاً عن البقية، فيما انتشرت طبقة خفيفة من الثلج لم تتمكن الشمس من إذابتها.. فاقتربت منه ججي متسائلة "كيف تطيق البقاء في هذه البرودة؟..."
غمغم تبريق قائلاً "لأنني أكره تلك الكهوف القاتمة.."
تساءلت ججي وهي تجلس جانباً "هل أصبح جرحك أفضل حالاً؟.."
أجابها متعجباً "وهل غادرت الكهوف بحثاً عني لتسألني هذا السؤال؟.."
قالت ججي بابتسامة "تقريباً.. أريد أن أطمئن من قدرتك على المشاركة في المعركة التي سنخوضها خلال أيام قليلة.."
فقال تبريق "وهل مشاركتي مهمة؟.."
أجابت ججي بسرعة "بالطبع.. فأنت من القلائل الذين حظوا بثقة تامة من أبي، وأنا أثق بك ثقة تامة.."
نظر لها تبريق بصمت وتساؤل.. فنهضت ججي واقتربت منه لتربت على أنف الحصان قائلة "أنت تعلم أن القبيلة كاملة رافضة لوجودي كزعيم لهم، ويتمنون موتي في كل لحظة.."
علق تبريق قائلاً "لأن ما فعلته كان جنوناً بحتاً.."
نظرت له بحزم مجيبة "هذه كانت رغبة أبي، ولم أتمكن من تجاهلها.."
زفر تبريق معلقاً بضيق "لا أدري ما الذي دها قادور للاستمرار في هذه اللعبة مصرّاً على إثارة غضب بقية الرجال بهذه الصورة"
تساءلت ججي "وهل أنت غاضب لأجل هذا أيضاً؟.."
صمت تبريق للحظة دون تعليق، فقالت بابتسامة "لا.. لا يمكنك أن تكون كذلك.. أنت تختلف عن البقية بالتأكيد.."
عاد تبريق لعمله قائلاً "في الواقع، لا أرى أهمية لاعتراض الرجال عليك.. كل ما يهمني أن تكون على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقك.."
عندها قالت ججي وهي تضع يدها على كتفه "إذن، هل ستكون معي في هذه المهمة يا تبريق؟.. أنا بحاجة لوجودك، وقلة من يمكنني الاعتماد عليهم في هذا.."
نظر لها بتساؤل ودهشة، فأضافت "أخشى أن يقوم أحد الرجال بإفساد خطتنا لإثبات فشلي وتنحيتي من الزعامة.. لازلت غير واثقة من جميع الرجال، لكنني أحتاجهم لإنجاز هذه المهمة.. وهذه الخطة ستتكون من فريقين، الأول سيكون مينار على رأسه، وهو سيتأكد من نجاح المهمة في ذلك الجانب.. وأريدك أن تكون على رأس الفريق الثاني.."
غمغم تبريق "ولمَ لا تجعل كين على رأس الفريق الثاني؟"
أجابت بابتسامة خافتة "أتظن أن أحداً من الرجال سيطيع كين أو يستمع إليه؟.. أنت أكثر قدرة على قيادة الرجال منه في الوقت الحالي.. فأرجو ألا ترفض طلبي هذا بأي شكل من الأشكال.."
ابتسم تبريق ابتسامة باهتة وعلق "أهو أمرٌ إذاً؟"
أجابت ملوحة بإصبعها "أجل.. هو أمرٌ من زعيم القبيلة.. فلا تجرؤ على تجاهله.."
زفر تبريق قبل أن يقول "لا بأس.. لا أظنني أستطيع رفض هذا.."
ربتت ججي على كتفه قائلة "رائع.. استعِدْ قواك بسرعة حتى وقت تنفيذ الخطة.. وسأخبرك بالتفاصيل كلها فيما بعد.."
وغادرت وهي تتمتم لنفسها "رائع بالفعل.. هكذا أقترب أكثر فأكثر من تحقيق ما سعى إليه أبي قبل موته.."
وابتسمت ابتسامة متسعة وهي تتأمل السماء الرمادية فوق رأسها.. بدأت الأمور تأخذ منحىً أفضل من السابق بكل تأكيد، وبدأت تقبض زمام الأمور بيدها بقوة.. ليس أمامها سوى النصر دون أي شك.. النصر على أعدائها واستعادة مخيمهم، والنصر على رجال قبيلتها بخضوعهم لها.. وبهذا، ستبدأ مرحلة جديدة من حياتها.. مرحلة مختلفة عن كل ما سبقها بالتأكيد..

************************

في ذلك الوقت، انزوى كين في جانب تلك المرتفعات الصخرية، وقد أمسك القوس الخاص بججي وبدأ بقطعه من المنتصف بخنجر يملكه.. وقربه، جلس مينار يراقبه قائلاً "من المعيب أن نخسر سلاحاً هاماً لفكرة طرأت في ذهنك ولا نعلم إن كانت ستصيب أم لا.."
غمغم كين وهو منهمك بعمله "ستصيب بالتأكيد.. فهذه ليست فكرة جديدة كي يكون لديك شك بالأمر.."
عاد مينار يتساءل "وكيف تتأكد مما تفعله وأنت جئتنا صبياً لا خبرة له بالحرب؟.. كيف تعرف آلية عمل آلة كهذه؟"
أجاب كين "ليس الأمر عسيراً.. لقد رأيتها عدة مرات في كاشتار في صغري، وقرأت عنها سابقاً في أحد الكتب.. إنها آلة بسيطة ولا تختلف عن القوس إلا بالحجم ووجود قاعدة لتثبيتها.."
غمغم مينار "من تكون أنت حقاً؟.. هل يرى العامة آلات الحرب والقتال؟.. أنت لم تكن جندياً يوماً بالتأكيد فأنت معنا منذ السادسة عشر من عمرك.."
نظر له كين وعلق "أنت تعلم أن الجيوش الكشميتية تقوم باستعراض أسلحتها وقدراتها بين وقت وآخر في بعض الاحتفالات الخاصة.. مثل الاحتفال بنشوء مملكة كشميت.. وفي مثل هذه الأوقات، يمكن لأي شخص أن يرى المدافع وأنواع المنجنيق الذي يملكه الجيش بالإضافة للأسلحة الأخرى.."
تساءل مينار باندهاش "ولمَ قد يفعل الجيش عملاً كهذا؟.. إن كان ذلك الاستعراض يقام وسط الشعب الكشميتي لا أمام أعدائه، فما الفائدة منه؟"
صمت كين للحظة قبل أن يجيب "هذه أمورٌ قد اعتدناها ولم نعُد نتساءل عن مغزاها.."
اقتربت ججي منهما قائلة "كيف جرى الأمر يا كين؟.. هل تمكنت من تحقيق أي نتيجة؟"
أجاب كين بضيق "لقد بدأت للتو.. وهذه مجرد آلة تجريبية قبل أن أبدأ بتنفيذ الفكرة على نطاق أكبر.. لذلك أحتاج منكم لبعض الصبر فقط.. كما أن ما أملكه من معدات قليلة لا يتعدى هذا الخنجر وذاك السيف، وهذا لا يكفي لإنجاز الأمر.. أحتاج لأدوات أكثر وبتنوع أكبر لإنجاز ما تطلبينه مني.."
قالت وهي تجلس جانباً "يمكننا أن نقترض شيئاً منها من القبائل القريبة.. سأرسل من يفعل ذلك بأسرع وقت.."
أضاف كين قائلاً "ماذا عن القطران.....؟"
نظرت له ججي باستفهام مندهش، فقال "نحتاج لبعض القطران لإنجاح هذا الهجوم.. وبما أننا لا نملك شيئاً منه مع هربنا من المخيم، فلا يسعنا إلا استعارته من القبائل القريبة.."
لم تجادله ججي وهي تغمغم مفكرة "لن ترضى القبائل بإعارتنا شيئاً ثميناً كهذا، فهي تستخدمه لطلاء عوارض الخيام والمحافظة عليها، كما أنه مفيد لعلاج الحيوانات المصابة بعدد كبير من الأمراض.. لابد أن نقايضه بشيء ما يعادله في الثمن.."
تساءل كين "ما الذي ستقايضينه به؟.. ليكن في علمك أننا نحتاج لعدد من البراميل المعبئة بالقطران، وعدد آخر من براميل الخمر.."
نظرت له مقطبة وقالت "أنت تكثر من الطلبات هذا اليوم.."
علق كين باستياء "نحن لا نملك باروداً، ولا أدوات أخرى تفيد في مواجهة هذه السفن.. لذا فأنا مضطر لاستخدام المواد البسيطة التي تملكونها لتجاوز هذه الفجوة في القدرات.."
غمغم مينار من جديد "من تكون أنت حقاً يا كين؟"
نظر له كين باستياء، فيما قالت ججي "سأحاول مقايضة ما بقي من الماشية التي يملكها أبي بما تطلبه.. لكني لا أعدك بالكثير.. فما أملكه قليل بالفعل.."
والتفتت إلى مينار مضيفة "أظن أنك الأنسب لمثل هذه المهمة يا مينار.. فلَكَ صلاتٌ عديدة بعدد من القبائل، وهم سيرحّبون بأي طلب منك لو كان معقولاً.."
نهض مينار معلقاً "لا بأس.. هذا خيرٌ من البقاء دون عمل كالكسالى.."
زفر كين بصمت وهو ينظر لشقي القوس الذي حصل عليهما.. لم يكن قلقاً من نتيجة عمله هذا، بقدر قلقه من نفاذ الوقت اللازم لتحقيقه.. إنه يخشى أن يتعرضوا لهجوم جديد من الجنود قبل أن يتمكنوا من رد الهجوم السابق والقضاء على السفن، رغم أن من يراقبون المخيم من الأكاشي قد أبلغوهم أن الجنود عسكروا فيه ولم يحاولوا التقدم في السهول بتاتاً.. ولكن لو تعرضوا لهجوم قبل إتمام استعداداتهم، عندها سيكون مصير ججي محدد سلفاً، ولن تنجو من اثنين.. إما هجوم الجنود أو يد رجال القبيلة..
كانت الأقواس التي يستخدمها الأكاشي، طويلة الساق ذات انحناءة قوية في منتصفها وبطرفين بارزين للخارج في نهايتها، وهذا منحها مرونة عالية وقوة كبيرة في رمي السهام لمسافات طويلة.. أما الآلة التي ينوي كين صنعها، وتسمى العرادة، فهي تستخدم طرفي القوس المرنَيْـن، فيتم تثبيتهما بشكل متعارض مع قطعة خشبية طويلة في وسطها انحناءة بنفس طولها لوضع السهام الأكبر حجماً من السهام العادية.. ويتم تثبيت الحبل في ثقب على جانبي الطرف المرن من القوس، ووسطه تثبت قطعة خشبية مربعة ويتم ربطها في الطرف البعيد.. وعند إطلاقها، تكون اندفاعتها كافية لدفع السهم ورميه مسافاتٍ بعيدة لا يقدر عليها القوس العادي.. وفي النهاية، تثبت هذه الآلة على حاملٍ ثلاثي الأضلاع وتزود بعجلتين لسهولة نقلها من موقع لآخر..
لقد رأى كين عدداً من هذه العرادات بأشكال وأنواع مختلفة، لكن هذه كانت الأبسط والأسهل في الصنع كما يظن.. واعتماداً على مثل هذه الآلة، يمكنه أن يقلب الأمور لصالحهم في هذه الحرب.. لذلك بدأ عمله على ما يملكه من أدوات وعلى بضع أخشاب تمكن الرجال من جمعها له من مواقع متفرقة من السهول المحيطة بهم..
لم يكن صنع الآلة المصغرة صعباً، ومع انتهاء النهار كان كين قد أنجزها وقام بتجربتها عدة مرات أمام ججي وتبريق.. كان حجم الآلة لا يتعدى حجم القوس العادي إلا بمرة ونصف، لكن مداها يتفوق على ما يصل إليه القوس والسهم العادي بأربع مرات على الأقل، والعيب الوحيد فيها هو أنها تستغرق وقتاً أطول لوضع السهام فيها وإطلاقها من القوس العادي.. وقد أثار هذا إبهار ججي كثيراً وهي تراقب كين في تجربته قبل أن تدفعه جانباً وتبدأ بإطلاق السهام بنفسها بمعاونته على عدد من الأشجار البعيدة.. وإزاء اللهفة الواضحة في ملامحها، علق تبريق "هذه آلة رائعة فعلاً، لكنها لن تغني عن المواجهة المباشرة بالتأكيد.. كيف لهذه الآلة أن تهزم الجنود المعسكرين وسط المخيم؟.."
نظر له كين معلقاً "هذه الآلة ليس هدفها هزيمة الجنود في المخيم، فكما قلت هذا يستلزم مواجهة مباشرة.."
نظر له تبريق متسائلاً بدهشة "إذن ما الذي ستفعله بهذه الآلة؟"
ابتسم كين مجيباً "هذه العرادة هدفها الوصول لتلك السفن الرابضة على مسافة آمنة وسط الخليج.."
نظرا له باهتمام وتبريق يعلق "كيف ستغرق سفينة بسهم أو حتى عدة سهام؟.. هذا مستحيل.."
قال كين "ليس الهدف إغراقها.. بل حرقها.."
عندها تساءل تبريق "ألن تخبرنا بخطتك هذه يا فتى؟.. كيف يمكنك أن تكون واثقاً من التخلص من الجنود وأنت ستدفع الرجال للقتال في جهتين مختلفتين في وقت واحد؟.. لاحظ أن عددنا يقل كثيراً عن السابق خاصة مع الجرحى منهم.."
أجاب كين "ليس الأمر صعباً، لو تفادينا الاندفاع الأحمق في معركة خاسرة.. سأخبركم خطتي الليلة، وسنرى ما يحتاج لتعديل فيها وما يجب مراعاته من جميع الجوانب.."
فقالت ججي بحماس "هذا رائع.. إذن، لو قمت بإنجاز الآلة ذات الحجم الأكبر بأسرع وقت، يمكننا عندها بدء هجومنا واستعادة مخيمنا دون إبطاء.."
ثم لوحت بإصبعها مضيفة "أمامك يومان فقط، وأريد ستاً من هذه الآلات مع سهام تناسب حجمها الكبير.."
قال كين باعتراض "لا يمكنني صنع أكثر من آلة واحدة في اليوم.. فكيف.....؟"
قاطعته ججي وهي تربت على كتفه "لديك تبريق ليعاونك مع من تريده من الرجال.."
فقال بإصرار "لا.. أحتاج لأربع أيام على الأقل.."
نظرت ججي له زافرة، ثم قالت "لا بأس.. لكن لا أكثر من ذلك.."
ونظرت لتبريق مضيفة بانشراح "عندها، سأثبت للقبيلة كاملة أنني الأصلح لهذا المنصب بكل تأكيد.."
فقال تبريق "لا ترفع آمالك كثيراً يا جام.. عليك أن تتأهب للأسوأ دائماً.."
فقالت وهي تشدّ جسدها بحزم "وأنا مستعدة للأسوأ دائماً.. ولن أنزوي خوفاً مما قد يحدث لي.."
لم يعلق تبريق وهو يبتسم ابتسامة متعجبة من إصرارها وعزيمتها لتحقيق هذا الهدف.. فمن يصدق أن يتغير حالها بشكل كبير بهذه الصورة؟.. في السابق، كانت قانعة بما حصلت عليه وجلّ اهتمامها الحصول على رضى قادور عنها.. أما الآن، فلا يبدو أن شيئاً ما سيقف في طريقها لاستحقاق الزعامة على هذه القبيلة..

************************

بعد يومين، ومع قرب مغيب الشمس في اليوم الثاني، كانت ججي تقف أمام رجال قبيلتها تشرح لهم خطتها بكلمات بسيطة.. وفي جانب من تلك الكهوف التي لم تتخلّ عن البرودة القارسة في أنحائها، رأت تينا أن تبريق يستعد لخوض المعركة مع البقية بصمت.. شعرت بشيء من التوتر وهي تجلس جانباً تراقبه، ثم قالت بشيء من الضيق "ما الذي يدعوك للمشاركة وجرحك لم يبرأ بعد؟.."
علق تبريق قائلاً "العديد من الرجال قد أصيبوا بجراحٍ أثناء المعركة الأخيرة.. جام نفسه مصابٌ بجرح كبير لم يجعله عاجزاً عن المشاركة في المعركة القادمة.. فما الذي يمنع مشاركتي أنا؟"
لم تجبه تينا وهي تفرك يديها بصمت، فنظر إليها تبريق معلقاً "أتخشين على نفسك لو حدث لي مكروه؟"
نظرت له متفاجئة من هذا التعليق، ثم غمغمت بمرارة "أهذا ما تظنه حقاً؟"
قال وهو ينهض واقفاً بعد أن أتم استعداداته "بلى.. أنتِ أوضحت لي بكل صراحة أنك تكرهين وجودي.. فما الذي يجعلك قلقة لشأني إن لم يكن الأمر متعلقٌ بسلامتك أنت؟"
اندفعت تقول بعد تردد "ليست هذه هي الحقيقة وحدها.. أنا لستُ...."
قاطعها تبريق وهو يرمقها بنظرة جانبية "لو تخشين على نفسك من الترمّل، فيمكنني أن أطلقك الآن حالاً.. ألن يكون هذا أفضل؟"
احتقن وجه تينا لقوله، وعلقت بصوت منفعل "وهل تزوجتني لتقوم بتطليقي بعد عدة أيام؟.. هل تعبث بي؟"
أدار تبريق وجهه جانباً وهو يغمغم "قطعاً لا أقصد ذلك.."
لا يدري تبريق كيف يشرح لها مزيج القلق الذي يغمره عليها بإحساسه بالضيق لشعوره بأنها تتمنى مفارقته بأي وسيلة ممكنة.. هل يجدي أي حديث بينهما الآن؟.. ربما كان مخطئاً بالفعل لأنه سعى خلفها رغماً عنها، لكن كيف يمكنه تصحيح هذا الخطأ الآن؟..
سمعها تقول بضيق "قلقي للجرح الذي أصابك لا يعني أنني أخشى على نفسي من الترمّل.. أنا أقرر حقيقة أراها أمامي.. أنت وججي لا تصلحان للقتال في هذا الوقت.. فما الذي يمنع بقاءكما وعدم مشاركتكما هذه المرة؟"
لم يعلق تبريق وهو ينهي استعداداته ثم يغادر بصمت، مما أشعرها بدهشة شديدة.. أليس هو من أصرّ على الزواج بها رغم كل اعتراضها؟.. لمَ قرر أن يتجاهلها الآن ويُعرِض عنها؟.. لمَ قرر أن يطلق سراحها الآن بالذات؟.. لمَ يحاول إفهامها أنها مذنبة لأنها فكرت بغيره رغم أنه تزوجها وهي تحب غيره بالفعل؟.. ما عادت تفهمه، وما عادت تعرف ما عليها فعله مع كل هذه التغييرات التي طرأت في حياتها وحياة القبيلة كاملة خلال أيامٍ معدودات.. البقاء معه مستحيل، ومفارقته مستحيلة أيضاً في ظل هذه الظروف.. فما العمل؟..
بعد ساعات قليلة، كان رجال القبيلة قد انقسموا لفريقين وفق تعليمات مينار وتبريق، بينما بقي فريق ثالث أقل عدداً لحراسة الكهوف ومن فيها.. انطلق الفريق الأول بقيادة تبريق ساحباً معه ستة عرادات قام كين ومن معه من الرجال بإنجازها خلال اليومين الماضيين بالعمل المتواصل وشق الأنفس، ومعهم انطلق كين على ظهر حصانه وهو يجر خلفه عربة صغيرة لحمل السهام التي تفوق السهام العادية في الحجم بأربع مرات على الأقل، بالإضافة لكمية معقولة من الجرار الفخارية الصغيرة التي يستخدمها الأكاشي عادة للشرب، وإن كان الغرض من وجودها يختلف اختلافاً كلياً هذه المرة.. كان مسار تلك الفرقة المكونة من ثلاثين رجلاً يدور بهم حول المخيم ونحو جانبٍ أبعد من الحد الصخري الذي ينثني بشكل حاد مخترقاً جانباً من الخليج القريب.. فكان على كين اختيار الموقع الذي يجعلهم أقرب ما يكون من السفن لتقليل احتمال الفشل قدر الإمكان.. ورغم أن السفن قد اختارت أن تبقى وسط الخليج بعيدة عن مرمى سهام الأكاشي، لكن قوة العرادات كانت كفيلة بتجاوز تلك المسافة بسهولة مع بعض التخطيط..
أما الفريق الثاني، بقيادة ججي وإشراف مينار، فقد انطلق نحو المخيم الذي كان قبل يومين ملكاً لقبيلتهم، لكن الأعداء استباحوه عندما اضطر الأكاشي للفرار منه مهزومين للمرة الأولى في تاريخ القبيلة.. كانت الخطة تقضي بأن ينتظر فريق ججي حتى يبدأ هجوم الفريق الأول، لئلا تحاول السفن التدخل أثناء هجومهم على المخيم بمدافعها القوية وقلب المعركة لصالح أعدائهم..
أشرف مينار على توزيع الرجال الذين لا يقل عددهم عن خمسين رجلاً في دائرة واسعة حول المخيم مستترين بالتلال القريبة دون أن يكشفوا أنفسهم للجنود المعسكرين في المخيم نفسه.. بينما ربضت ججي في جانب المكان وهي تراقب المخيم بتدقيق، ملاحظة عدداً من الجنود في جوانبه يقومون بمراقبة الموقع تحسباً لأي هجوم.. ولما اقترب منها مينار قائلاً بخفوت "كل الرجال في مواقعهم.."
تساءلت ججي "أأنت متأكد أنهم لم يصدروا صوتاً يلفت الأنظار إليهم؟"
هز مينار رأسه بتأكيد مضيفاً "سآخذ البقية للموقع الآخر الذي اتفقنا عليه.."
زفرت ججي وهي تمسك قوسها بيد مغمغمة "الآن لا نملك إلا الانتظار.."
علق مينار "أنت مجهدٌ بسبب هذا الجرح، لذا لا تتعب نفسك في هذه المعركة واكتفِ بمراقبة الوضع.."
قالت ججي بعناد "محال.."
فقال مينار وهو يستدير مبتعداً "لا تتهور أثناء غيابي يا جام.."
في الوقت ذاته، وصل كين لموقع من المنحدرات الصخرية يقرّبهم من السفن الرابضة بصمت وسط الخليج المظلم.. كان نور القمر يمنحهم بعض الرؤية بحيث بدت لهم السفن على شيء من الموضوح.. تأمل كين القمر المنير والأمواج العالية التي ثارت ثائرتها مع المد القوي الذي كان في أوجِه، ثم قال للرجال من حوله "ضعوا العرادات في مواقعها التي حددتها لكم وكونوا متأهبين.. علينا التثبت من مواقعنا وإعداد العرادات بشكل كامل قبل بدء الهجوم.. فعند بدئه، لن يكون أمامنا وقت طويل للهجوم ببطء وتراخٍ.."
أسرع الرجال لتنفيذ طلبه، بتوزيع اثنتين من العرادات في موقع مختلف عن البقية ومعها عشر رجال، وكل مجموعة مهمتها التركيز على سفينة من السفن وترك السفينتان الباقيتان للمجموعتين الأخريتين.. وبين كل مجموعة وأخرى مسافة كافية لتشتيت السفن لو حاولت الرد على هذا الهجوم بمدافعها..
وقف تبريق قرب كين متسائلاً "لم أفهم كيف يمكن لهذه الآلات الست إسقاط تلك السفن بمدافعها القوية.. كن حذراً مع بدء الهجوم، فستقوم السفن بالرد علينا بكل قوة خلال وقت قصير.."
قال كين بهدوء "بخطتي هذه، أتمنى أن نتمكن من شغلهم بما فيه الكفاية حتى تتهاوى السفن بالنيران التي ستشب في جوانبها.."
غمغم تبريق "أتظنهم سيكونون عاجزين عن إطفاء تلك النيران؟"
زفر كين بتوتر لم يتمكن من السيطرة عليه وقال وهو يتأمل الرجال "أتمنى ذلك.."
بعد بعض الوقت، وفي موقع يتوسط إحدى السفن التي تربض وسط الخليج، جلس قائد تلك السفينة وسط رجاله وهو يتساءل "ألم تصل أي أخبار من الملك فارس بعد؟.. لقد تأخر رده كثيراً.."
أجاب أحد معاونيه "لم يمضِ يومان على إرسالنا تلك الرسالة بواسطة الحمام الزاجل.. سيمضي بعض الوقت قبل أن يعود الحمام إلينا برد الملك.."
هز القائد قدمه بعصبية وهو يقول "إننا لا نعلم إن كانت الخطة تسير كما خطط لها.. هل جرت الأمور على ما يرام لدى الفرق الأخرى؟"
أسرع المعاون يلخّص له ما وصله من معلومات من فرق الجيش العربي الأخرى، بينما انتبه أحد الجنود الذي كان يقف قرب حاجز السفينة لضوء يشتعل في جانب بعيد من المعسكر عند حافة المنحدر.. ظل يراقب الوضع مقطباً للحظة فيما تساءل جندي آخر وهو يقترب "ما الأمر؟.. أهناك من يقترب من المعسكر؟"
غمغم الجندي الأول مشيراً للأمام "أترى تلك النار المشتعلة عند حافة المنحدر؟.. موقعها غريب، فهي ليست بعيدة كفاية عن المعسكر، وليست قريبة منه لنظن أنه تابع لجنودنا.."
علق الجندي الثاني "ربما كانت فرقة من الأكاشي عسكرت في ذلك الموقع.."
قال الجندي الأول "لكن موقعها يثير الريبة بالفعل.."
أحضر الأداة التي تسمى المرقاب، وهي عبارة عن اسطوانة من جزئين متحركين ويحوي عدسة في كل جانب، وبجذب جانبي الأداة لإطالتها يمكن تقريب المسافات بشكل كبير للناظر عبرها.. نظر الجندي عبر المرقاب إلى المنحدر البعيد حيث اشتعلت تلك النار، ثم قال "إنها فرقة من الأكاشي، لكن عددهم قليل نوعاً ما.. ما الذي يفعلونه هناك؟"
جذب رفيقه المرقاب من يده، ونظر عبره نحو تلك الفرقة من الأكاشي التي كانت تتحرك بنشاط واضح رغم الوقت الذي مضى من تلك الليلة، وقال بدهشة "ما الذي يشعلون النيران فيه؟ لا يبدو أنهم قد أشعلوها للتدفئة، وهناك حاملٌ خشبيٌ لا أعرف هويته بالضبط من هذه المسافة.."
قال الأول بشيء من التوتر "سأخبر القائد بما رأيته.."
وأسرع للقائد ليخبره بما يجري، بينما بقي الجندي الثاني يراقب ما يفعله الأكاشي قرب المنحدرات، عندما لاحظ تلك النار المحدودة التي ارتفعت عالياً في السماء قبل أن تهوي نحوهم.. كان واثقاً أن الأكاشي لا يملكون أي نوع من المدافع، وسهامهم لا تتجاوز المسافة الفاصلة بينهم وبين السفينة مهما حاولوا.. فما ذاك الذي يندفع نحوهم بتلك القوة والسرعة؟..
تراجع الجندي بمفاجأة وهو يرى النار تهوي في مياه الخليج في موضعٍ قريب من السفينة، ثم عاد ببصره للمنحدر بتفحص أكبر وهو يتمتم بدهشة "أتلك عرادة تطلق السهام؟.. مستحيل.."
رأى سهماً خشبياً آخر ينطلق نحوهم متخذاً مدىً أكبر من السابق، بعد أن عدّل الرماة ارتفاع رأس العرادة، بينما تعالى صياح الجنود حوله ممن انتبه لما يجري.. كانت النار التي تشتعل عند رأس السهم صغيرة جداً ولا أهمية لها، لذا سمع الجندي أحد رفاقه يقول بشيء من الهزء "أيظنون أنهم قادرين على حرق السفينة بهذه النار البسيطة؟.."
قطب الجندي وهو يراقب سقوط السهم الذي هوى بسرعته الكبيرة ليرتطم بصاري السفينة الذي يحمل الشراع الأكبر بين ثلاث أشرعة رئيسية.. لكن خلافاً لتوقع رفيقه الذي نظر للموضع بشيء من الاستهانة، فإن النار التي كانت تبدو لهم ضئيلة قد اشتعلت فجأة بقوة مع ارتطام السهم بالصاري وتعالي صوت تحطم شيء ما، فأضاء وهجها المكان بشيء من الوضوح قبل أن تنتشر النار على مساحة كبيرة تثير القلق..
تعالى الصياح بين الجنود وهم يبحثون عما يطفؤون به النيران، فيما سقط سهم ثانٍ على مقدمة السفينة والتي اشتعلت بالطريقة ذاتها بشكل بدا يخالف المنطق.. فصاح بهم القائد "أطفئوا تلك النيران بسرعة.. لا تنتظروا احتراق السفينة كالبلهاء.."
بدأ الجنود بالتوجه للبراميل الموزعة بعناية في أجزاء السفينة حاملة بعض الماء والتراب اللازمين لإطفاء أي نار قد تشتعل في جوانبها، وهو إجراء احترازي في مثل هذه السفن الخشبية.. لكن سباقاً كان قد بدأ في تلك اللحظات بالفعل بين الأكاشي الذين يمطرون السفينة بسهامهم المشتعلة، وبين الجنود الذين يتراكضون في جوانبها لإطفاء أي نار تنشأ فيها.. لكن لم يكن الأمر سهلاً والمعاون يركض إلى القائد قائلاً "سيدي القائد.. يبدو أن هذه السهام تحمل معها مواد مخلوطة سريعة الاشتعال في حاوية.. إن النار لا تنطفئ بسهولة، وسنعجز عن السيطرة على هذا الحريق في الجوانب التي لا نصل إليها.."
غمغم القائد بغيظ "أولئك الأراذل الهمجيون.. كيف أمكنهم فعل ذلك؟"
سمع صيحة من المعاون وهو يشير للأعلى، فرفع القائد بصره بدوره ليرى سهماً آخر برأسٍ مشتعل يطير ليسقط على الشراع الرئيسي.. وفي لحظة خاطفة، اشتعلت النيران في الشراع الذي كان مدهوناً بالقطران سابقاً لحمايته من التلف في الرحلة الطويلة، لكن ذلك أتى بنتيجة عكسية والقطران الذي كان سريع الاشتعال قد بدأ يضخّم النيران ويساعدها على التهام الشراع الكبير، قبل أن تتساقط أجزاؤه بالفعل على سطح السفينة وسط ذعر الجنود الذين راقبوا الوضع..
تمالك القائد نفسه وهو يبتعد عن النيران المتهاوية صارخاً بجنوده "استعدوا لإطلاق المدافع والقضاء على تلك الشرذمة.. أرسلوا الإشارة للسفن الأخرى لتعاوننا في صد هذا الهجوم.."
لكن سهاماً أخرى تطايرت بشكل متتابع دون أن تسمح للجنود بالسيطرة على الوضع بالفعل، فيما قال المعاون للقائد بانفعال "سيدي.. يبدو أن السفينتين الباقيتين تتلقيان الهجوم ذاته، لذا لا أتوقع منها معاونتنا في هذا الأمر.."
لم يرتبك القائد لمثل هذا الخبر وهو يصرخ بغضب في الجنود "جهزوا المدافع وأطلقوها.. أطفئوا هذه النيران أيها الحمقى.. ما الذي تفعلونه بحق السماء؟"
وفي جانب ذلك المنحدر، بدت النيران التي تأكل تلك السفينة واضحة لعيني رجال الأكاشي الذين استمروا بإطلاق السهام بعد إشعال مقدمتها وقد تزايدت حماستهم مع رؤية نتائج سريعة لعملهم ذاك.. كانت تلك السهام معدة بشكل يختلف قليلاً عن المعتاد، ففي مقدمتها، وعند رأس السهم الحاد، تم ربط إحدى تلك الجرات الفخارية رقيقة الجوانب بإحكام بعد أن ملئت بخليط من القطران والخمر.. وتمت تغطية فوهتها بإحكام بقطعة قماشية مبللة بالمادة نفسها، والتي يتم إشعالها قبل رمي السهم بقليل.. ومع وصول السهم لهدفه بإندفاع قوي، فإن الجرة تتحطم مع ذلك الارتطام العنيف وتنثر ما بقلبها على مساحة واسعة حولها لتبدأ النيران في التهام ذلك المزيج بسرعة لا يلاحقها الجنود.. فهاتان المادتان سريعتا الاشتعال كما يعرف الجميع، وبينما يمكّن الخمر النار من الانتشار لمساحة كبيرة بخفة مادته، فإن القطران الثقيل الذي يلتصق بجوانب السفينة قادر على جعل النار عسيرة على الإطفاء إلا بجهد جهيد..
وقف كين يراقب السفينة والسفن الأخرى بقلق واضح، وهو يشير للرجال الذين استمروا بإطلاق السهام على استهداف المواقع التي لا يمكن للجنود الوصول إليها بسهولة.. بينما قال تبريق بإعجاب "كيف استطعت إشعال الحريق بمواد بسيطة كالقطران والخمر؟.. أأنت ساحر؟"
قال كين بتوتر "لا.. يحتاج الأمر لبعض التخطيط.. أنتم لا تستخدمون أي نوع من القنابل، والسهام العادية لن تكفي لحرق السفن حتى مع إشعال مقدمتها.. لذا كان لابد من العثور على عوامل تساعد على إشعال النيران بصورة يصعب السيطرة عليها من قبل الجنود.."
فقال تبريق "لكن خطتك تلك كانت عبقرية.. ما كان الأكاشي ليستطيعوا الإتيان بمثلها، والجنود العرب يدركون ذلك، لذلك صدمتهم كبيرة دون شك.."
لم يجب كين وهو يراقب الوضع بقلق.. رغم أن النيران قد اشتعلت في السفن الثلاث بتتابع سريع، لكن هذا لا يمنعها من الرد على الهجوم والقضاء عليهم بضربة من مدافعهم.. قلّب بصره في السفن وفي الرجال القريبين منه، ثم صاح بهم "حان أوان التراجع يا رجال.. علينا الابتعاد بأسرع ما نستطيع.."
نظر له الرجال بدهشة، لكن تبريق أسرع يقول "أطيعوا الأمر بسرعة.. يمكن لتلك السفن القضاء علينا بضربة واحدة من مدافعها.."
وقال لأحد الرجال "انطلق لتحذير الفريقين الآخرين، وليتراجعوا دون إبطاء.."
تراجع الرجال وهم يجذبون العرادتين والعربة التي تحمل ما بقي لديهم من السهام باستخدام الأحصنة، بينما انطلق الرجل الذي أرسله تبريق لتحذير البقية.. فالتفت تبريق وهو يلكز حصانه ليبتعد عن هذا الموقع "أما كنا نملك البقاء لوقت أطول للتأكد من إنجاز مهمتنا؟.. قد يتمكن الجنود من إطفاء الحريق رغم كل شيء.."
قال كين "لا.. لقد استنفذنا الحظ الذي نملكه ببقائنا في ذلك الموقع.. علينا تغيير موقعنا حالياً، ثم نعاود الهجوم بعد أن نتأكد أن الجنود مشغولون بأمر النار عن الرد علينا.."
فوجئوا في تلك اللحظة بقذيفة مدفعٍ تصيب الموضع الذي كانوا فيه منذ قليل.. ارتمت الصخور في بقعة واسعة من أثر تلك الضربة، فيما سقط الرجال جانباً لقوة الانفجار الذي سبب إصابات مختلفة بينهم.. لكن سرعان ما تمالك الرجال أنفسهم وسارعوا للابتعاد أكثر فأكثر عن مرمى تلك المدافع قبل أن تصيبهم الضربة التالية، فيما لم تمسّ العرادتين بأي ضرر.. نهض كين بشيء من العسر مع الآلام التي انتشرت في جسده مع سقوطه، وابتعد تابعاً الرجال وهو يتساءل بقلق "ما الذي جرى للفرق الأخرى؟"
لم يملك أحد الرجال إجابة لسؤاله، وسرعان ما لاحظ كين عودة الرجل الذي أرسله تبريق بأسرع مما توقع وهو يصيح "لقد تمكنت فرقة باشتا من التراجع في الوقت الملائم، لكن قذيفة أصابت فرقة داسوو قبل أن أصل إليهم وأنذرهم.. هناك العديد من القتلى بينهم وبعض الجرحى، وقد فقدنا العرادتين اللتين كانتا عندهم.."
صاح تبريق ببعض الرجال "أسرعوا لاستعادة الجرحى، وابتعدوا بهم متوغلين في السهول لئلا تصيبكم ضربة أخرى من السفن.."
أشار تبريق لبقية الرجال للتراجع بسرعة، بينما توقف كين للحظة متأملاً المعسكر الذي يبدو على شيء من المبعدة من موقعهم.. ترى، هل بدأ هجوم الفرقة الثانية من الأكاشي بالفعل؟.. وما ستكون نتيجتها بعد كل ذلك الجهد الذي بذلوه لإنجاح هذه الخطة؟..
عاد ببصره للسفن التي لم تهدأ النيران التي تلتهمها حتى تلك اللحظة، ثم التفت إلى تبريق القريب وقال "سنبتعد حتى نطمئن أن تلك السفن قد غرقت بالمدافع التي عليها.. عندها، علينا العودة وانتظار من سيتمكن من الجنود من الوصول لهذا الشاطئ هرباً من ذلك الحريق.."
فقال تبريق "لا تقلق.. سنقضي على كل جندي منهم قبل أن يطأ الشاطئ بقدميه.."
صمت كين عن التعليق وهو يراقب تراجع تبريق مع البقية.. رغم أنه سعى لمعاونة الأكاشي في القضاء على أعدائهم في المعركة السابقة وفي هذه المعركة، لكن هذا لا يثير أي سعادة في نفسه.. خشيته على ججي هو ما دفعه لتجاوز عدم اعتياده على هذه الأمور وكراهيته للقتل ورؤية الدماء التي تسيل دون توقف في هذه السهول.. فهل سينسى ضيقه وكراهيته هذه يوماً ما ويصبح مثل الأكاشي يستمتع بما يفعله من قتل وتدمير؟.. يخشى تلك اللحظة، لكن لا يملك التنصل مما هو فيه الآن..
تراجع مع البقية وهو يراقب تلك القذائف التي أطلقتها السفن بشكل متتابع، لكن في هذه المرة بدا بوضوح أنه تم إطلاقها دون تمييز ودون تدقيق كبير على الهدف.. مما يشي بالبلبلة التي عمّت أرجاء تلك السفن في تلك اللحظات..

************************

عندما بدأت النيران تشب في أطراف السفن وفي أشرعتها، جذب ذلك انتباه الجنود بشدة في المعسكر وهم يقفون قرب المنحدر الصخري يراقبون ما يجري بهلع واضح.. وقد كانت النيران واضحة من التلال التي تحيط بالمعسكر حيث اختبأ الأكاشي بصمت وسكون.. ولدى رؤيتها، التفتت ججي إلى الرجال قائلة "استعدوا الآن.."
بدأ الرجال بشد الأقواس بسهامها، وإشعال طرف السهم في النار التي يحملها البعض بمشاعلهم، بينما بقيت ججي تراقب الوضع في المخيم للحظات.. ولما رفعت يدها بالإشارة، تطايرت السهام المشتعلة نحو السماء قبل أن تهوي نحو المخيم الساكن في الجانب الآخر من تلك التلة.. تساقطت السهام كأمطار نارية على جوانب المخيم، وسرعان ما بدأت النيران تشتعل في جوانبه وهي تلتهم الأخشاب والخيام التي تدمرت في هجوم الجنود السابق، ملقية بضوئها الأحمر على مواقع عديدة من المكان.. ومع تساقطها، بدأ الأكاشي يسمعون صياح الجنود من عدة مواقع من المعسكر..
فعلق أحد الرجال وهو يراقب ما يجري من موقعه "من الخسارة أن نفقد المزيد من الخيام بعد كل ما خسرناه بسبب هجوم الجنود.."
قالت ججي وهي تراقب الوضع "لقد أوصيت الرجال برمي السهام المشتعلة نحو الخيام المدمرة بالفعل.. وتجنب الخيام السليمة ما استطاعوا.. كل ما نبغيه هو دفع الجنود للخروج من المخيم بأسرع ما يمكن.."
قال الرجل "لكنهم لن يخرجوا باستسلام كما قد نتوقع.."
لم تعلق ججي وهي ترى الرجال مستمرين في إطلاق السهام المشتعلة في مواضع معينة من المخيم الذي بدأت النيران تتوهج فيه بقوة، وبدا ارتباك الجنود أوضح فأوضح مع كل لحظة تمضي.. عندها قالت ججي "استعدوا.. سيحاولون إزاحتنا من هذا الموقع ليتسنى لهم الهرب.."
كانت فرقة الأكاشي تحيط بالمخيم بشكل كامل، مختبئة خلف التلال القريبة والتي تشكل حاجزاً طبيعياً له.. وعندما حاول الجنود الفرار من أحد جوانبه، بدأ الأكاشي باقتناص من تطاله سهامهم بسرعة ومهارة حتى جندلوا ما يقارب سبعة جنود قبل أن يأخذ البقية حذرهم.. تراجع الجنود بسرعة مع هذا الهجوم، وبدؤوا بإطلاق رصاصات بنادقهم متخذين جوانب الخيام كحاجز يحميهم من السهام.. لكن الظلام الذي يخيم على التلال باسطاً حمايته على الأكاشي، كان يناقض النيران التي اشتعلت في المواقع القريبة من المخيم كاشفة مواقع الجنود بدقة بحيث غدا من السهل على الأكاشي اقتناص من يبدو لهم قبل أن يتخذ حذره..
استمر هجوم الأكاشي على كل جانب حاول الجنود الهرب عبره من المخيم المشتعل، وتساقطت السهام بشكل عشوائي على الجنود فتسببت بقتل وجرح بعضهم بالفعل، دون أن يتمكن الجنود من إحراز أي فوز على الأكاشي المختبئين خلف التلال.. عندها صاح قائد تلك الفرقة من الجند بهم من وسط المعسكر "عودوا للقوارب ولنحاول الهرب عبرها.."
قال نائبه القريب بقلق "ألا يخالف هذا الخطة التي وضعها لنا قائد الجيش؟.. ثم إن السفن قد احترقت بالفعل وهي تغرق الآن في قلب الخليج، فما الذي يمكننا فعله بهربنا عبر البحر؟"
أجاب القائد بحدة "سنهرب عبر الخليج ونحاول الرسوّ في أي موقع بعيد عن هذا المخيم.. لقد قمنا بما يمكننا القيام به لتنفيذ الخطة بالفعل، ولن يعبأ بنا القائد لو تمت إبادتنا بشكل كامل الآن.."
غمغم النائب باستياء "لن يسعد القائد بسماع هذا القول منك أنت.."
قبض قائد الجنود على عنق نائبه قائلاً بغيظ "أتحاول تهديدي؟"
نظر له النائب هازاً رأسه بتوتر، فأطلقه القائد وهو يصيح بباقي الجنود بحدة "عودوا للقوارب وغادروا الموقع بسرعة.."
ثم عاد ببصره إلى النائب مضيفاً بصرامة "ابقَ مع عشرة جنود وحاولوا شغل الأكاشي حتى يهرب البقية.. سنُبقي لكم قاربين لتهربوا عليها بعد أن نغادر نحن بالفعل.."
صمت النائب بشيء من الشحوب وقد أدرك أن القائد لن يتردد في التخلي عنهم بالفعل، لكن لو حاول عصيان الأوامر فقد يقتله القائد عندها على الفور.. عندها التفت النائب إلى بعض الجنود وألقى إليهم أوامره ليصدّوا هجوم الأعداء ويمنعوهم من اللحاق بالقائد وبقية الجند..
وفي موقعها خارج المعسكر، راقبت ججي ما يجري بصمت عندما سمعت صوت الانفجار الذي بدا من مبعدة في جانب المنحدر المطلّ على الخليج.. رغم أن الأمر كان متوقعاً، لكنه رغم ذلك صدم ججي التي اتسعت عيناها والرجال قربها يراقبون الموضع بدورهم فيما قال أحدهم بقلق "أهذا موقع الفرقة المصاحبة للعرادات؟.. هل قتلوا؟"
تزايدت التمتمات القلقة من الرجال حولها، فيما حاولت ججي تحويل قلقها على كين ومن معه بصعوبة وهي تصيح في الرجال "أكملوا عملكم.. لا تتهاونوا الآن فتسمحوا للجنود بالفرار من هذا الموقع.."
بدأ الرجال بالعودة لمواقعهم ومهاجمة الجنود من جديد، بينما رمقت ججي ذلك الموقع الذي اشتعلت فيه النيران بشكل محدود وهي تعض شفتها السفلى بشيء من الحنق.. هل تهاون كين في عمله حتى فاجأته السفينة بقصف من إحدى قنابلها؟.. لمَ لمْ يتراجع في الوقت الملائم قبل أن يحدث ذلك؟.. وكيف للسفينة أن تستمر بهجومها بعد كل ما جرى لها؟..
عادت ججي ببصرها لما يجري قربها وقالت للرجال "فلننتهِ من أمر الجنود هذه الليلة يا رجال.. لا يجب أن نضيّع تضحيات الرفاق سدىً بتاتاً.."
في جانب آخر، انطلق قائد الجند بين فرقة من جنوده متجهين نحو الجانب المنخفض من المنحدرات ونحو الشاطئ الضيق الذي تحدّه الصخور من كل جانب.. كان الموقع يمتد لمسافة معقولة في جانب المنحدرات، وقد رفع الجنود القوارب سابقاً على الشاطئ الضيق خوفاً من أن تسحبها الأمواج معها، بينما تناثرت الصخور الطولية في جوانب المكان مشكلة حاجزاً عالياً يخفي ذلك الشاطئ عما وراءه.. تلفت الجنود من حولهم بقلق محتفظين ببنادقهم في أيديهم، بينما قام فريق منهم بجذب القوارب نحو المياه تمهيداً للهرب عليها من هذا الهجوم.. تلاحق الجنود نحو ذلك الشاطئ حتى كاد عددهم يكتمل، بخلاف الفرقة التي بقيت لشغل الأكاشي عن اللحاق بهم، ولما بدأ الجنود بالصعود للقوارب التي كانت تسع عشرة جنود لكل قارب، رأوا أحد رفاقهم يسقط فجأة على وجهه وسط القارب بصمت.. وبشيء من التدقيق، لاحظوا ذلك السهم الذي اخترق عنقه بدقة وأسقطه جثة هامدة.. التفت الجنود حولهم بتحفز وقلق بحثاً عن مصدر الهجوم، عندما فوجئوا برؤية عشرات من الأكاشي يخرجون من خلف الصخور العالية وهم يصرخون بقوة شاهرين سيوفهم..
وجد الجنود، مع هذا الهجوم، أنهم قد أصبحوا في مواجهة فريقين من الأكاشي خرج لهم من جوانب المكان، وكل فريق لا يقل عدد أفراده عن عشرين رجلاً.. فحاولوا إيقاف ذلك الهجوم بإطلاق بنادقهم بتتابع على رجال الأكاشي، لكنهم تمكنوا من صدّ تلك الطلقات بدروعهم المعدنية التي رفعوها أمام أجسادهم وهم يقتربون من الجنود راكضين بحماس ولّده الغضب الذي ملأ صدورهم في الأيام الماضية..
اندفع القائد مع مرأى ذلك الهجوم نحو أقرب قارب منه بذعر حيث سبقه بعض جنوده، وصاح فيهم "جدفوا بأسرع ما تستطيعون.."
بدأ الجنود بالتجديف بسرعة مبتعدين بالقارب عن الشاطئ، فيما راقب القائد المعركة بقلق دون أن يحاول التدخل أو التمهل لقيادة جنوده فيها.. ومع أول دفعة تصل لموقع الجنود، ارتفعت السيوف العريضة وهوت بعنف على الدخلاء وهي تقتل وتصيب كل من تطاله دون تمييز أو تهاون أو أدنى قدر من الحذر، فيما اندفعت فرقة أخرى بين الجنود نحو القوارب التي صعد إليها بعضهم محاولين الهرب من الهجوم العنيف.. ووسط الأكاشي، صاح مينار برجاله وهو يشارك في التخلص من الجنود "أوقفوا القوارب بكل ما تستطيعون.. لا تسمحوا لهم بالهرب.."
ورغم ذلك، تمكن القائد مع بضع جنود من الهرب بأحد القوارب وهم يجدفون بأسرع ما يستطيعون متوغلين في ذلك الخليج.. فيما تساقطت الجثث في المياه الضحلة قرب الشاطئ وسالت الدماء صابغة الرمال والمياه القريبة بلونها الأحمر البشع..
وفي الجانب الآخر، لاحظت ججي ومن معها من الرجال أن مقاومة الجنود قد خفتت كثيراً حتى توقفت في لحظة من اللحظات.. عندها صاحت برجالها "يبدو أنهم حاولوا الهرب بالفعل.. فلتتقدموا من المخيم، وكونوا حذرين من أي خدعة قد يحاولون بها الإيقاع بنا.."
أسرع جزء من الرجال للتقدم من المخيم، فيما بقيت مجموعة منهم في مواقعهم بحذر تبعاً لتعليمات ججي.. وقبل أن تتبع ججي رجالها وهي تستلّ سيفها بالفعل، رأت في جانب المكان فرقة من الأكاشي تتقدم منهم مسرعة يترأسهم تبريق.. ولما رأت كين من خلفه تنهدت براحة وهي تتقدم منهم قائلة "ما الذي جرى؟.. لقد رأينا انفجار إحدى القنابل في موقعكم السابق.. فأي فريق أصيب؟"
أجاب تبريق "فرقة داسوو أصيبت، وهناك بعض القتلى والجرحى بينهم.. لكننا تمكنا من إتمام مهمتنا وقضينا على كل من حاول الهرب من الجنود إلى الشاطئ قبل أن تطأ أقدامهم الأرض.."
أضاف كين "بعض الجنود مع قادتهم قد فرّوا عبر البحر مستخدمين قوارب النجاة الصغيرة.. لكن لا أظنهم سيعودون إلينا فموقفهم ضعيف جداً.. قد يحاولون الوصول للأرض في موقع بعيد ومن ثم العودة لموطنهم دون الاشتباك معنا.."
فقالت ججي "هذا رائع.. إذن يمكنكم مد يد العون لنا حتى نتخلص ممن بقوا في المخيم.."
وأشارت للمخيم القريب مضيفة "مينار والرجال قد بدؤوا الجزء الخاص بهم بنجاح.. علينا معاونتهم حتى نطهر المخيم من الجنود بشكل كامل.."
وأسرعت نحو المخيم بلا تردد يتبعها تبريق وبقية الرجال، وفي المخيم، تجاوزوا عدداً من جثث الجنود قبل أن يصل لسمعهم صوت الصياح الصادر من الشاطئ حيث لا يزال مينار وفريقه يحاولون التخلص من الجنود بشكل كامل.. تجاوزت ججي الخيام دون تردد، وسرعان ما انضمّت لرجالها بشيء من الحماس وهي تضرب كل من تطاله يدها من الجنود الذين سرعان ما تهاووا أمام هجمة الأكاشي التي تكتسح كل من أمامها.. لم يستمر الوضع طويلاً مع انضمام ججي ورجالها لفرقة مينار، ومع آخر جندي سقط بضربة من سيف ججي، خلا الموقع تماماً من الجنود وبقيت جثثهم تفترش الشاطئ الذي أصبح لا تُرى رماله لكثرة الأجساد التي تغطيها..
وقفت ججي تلهث بقوة وانفعال محاولة تناسي جرحها المؤلم والذي بدأت الدماء تنزف منه شيئاً ما من جديد، فيما تصايح الرجال من حولها فرحاً بهذا النصر بصوت وصل صداه للمخيم القريب.. لكن بالنسبة لججي، كان الأمر أكثر من مجرد نصرٍ على الأعداء واستعادة كرامة القبيلة.. كانت هذه هي الحرب الأولى التي تخوضها وحيدة كزعيمة لهذه القبيلة.. ونجاحها يعني أكثر من ذلك.. فبهذا النجاح، يمكنها أن تحصل على ثقة رجال القبيلة بها، ويمكنها أن تتثبت في منصبها الجديد بثقة وأمانٍ أكثر.. يمكنها أن تحقق ما سعى إليه قادور بكل ما فعله منذ أعلنها ابناً له.. ويمكنها أن تثبت أنه لم يكن مجنوناً كما كان الجميع يردد أمامه وخلف ظهره.. وعند عودتها للمخيم يتبعها بقية الرجال، ظلت واقفة في موقعها تقلب بصرها في وجوه من حولها، وترقّبٌ ممتزج بالقلق يرتسم على ملامحها.. ولما هدأ الصياح من حولها، تقدمت خطوات لتقف وسطهم وهي تقول بصوتها الذي تتعمد جعله جهورياً "والآن، قد أوفيت بوعدي لكم.. بقي أن تحترموا وعدكم لي ولا تظهروا أنفسكم بمظهر الجبان الذي يكسر كلمته خوفاً من الآخرين.."
ساد الصمت المكان بشكل غريب فيما تبادل الرجال النظرات التي تحمل ألف معنى، ورغم الفرحة التي تبدّت في أعينهم قبل قليل، لكن الضيق والكدر بدا واضحاً في ملامحهم لاضطرارهم القيام بأمر يبغضونه.. ولكسر الحاجز الذي بدا واضحاً بينهم، تقدم مينار قائلاً "لم أعهد في الأكاشي، وفي قبيلة (أبناء الذئاب) جُبناً قط.. ولا أظنني سأراه يوماً.."
وركع أمام ججي على ركبة واحدة وهو يقول بصوت واضح "الطاعة والولاء لزعيم قبيلة (أبناء الذئاب).. جام ذا القرن.. طاعة وولاءً غير مشروطين ولا متذبذين.. والموت للخائن منا.."
نظرت له ججي بصمت وانفعال، وساد الصمت ذاته بين الآخرين بحيث ظنت ججي ظناً مطلقاً أن أحداً منهم لن يرضى بإلقاء قسم الولاء أمامها.. وبينما تبادل الرجال النظرات الصامتة، تقدم كين وألقى القسم ذاته أمام ججي، وتبعه تبريق بعدها دون تردد.. ولم تلبث ججي أن رأت الرجال يركعون حولها وهم يلقون أمامها بالقسم بشيء من التسليم دون أن تلحظ بغضاً أو كراهية في أعينهم كما كانت تتوقع..
كتمت ججي أنفاسها وهي تستمع إلى الأصوات التي ترددت من حولها ناطقة اسمها ومسلّمة بزعامتها لهذه القبيلة دون اعتراض.. كان الانفعال الذي احتشد في صدرها أقوى منها، لكنها كتمته بقوة وهي تدير بصرها فيمن حولها.. كانت تلك لحظة لم تتخيّل في أحلامها أنها قد تراها.. ها هم رجال قبيلتها الذين استهزؤوا بها وسخروا من أبيها.. ها هم الذين لطالما أذاقوها المرّ بالتعدي عليها بكل شكل ولون منذ صغرها.. ها هم الذين أعلنوا أنهم لن يخضعوا يوماً لامرأة ولن يقبلوا بها قط.. ها هم أنفسهم يركعون عند قدميها ويقسمون بالولاء لها ولاءً دائماً ويتعهدون الخائن منهم بالموت.. فكيف لها أن تستطيع تمالك انفعالها لمثل هذا المنظر؟..
تمنّت ججي ولو للحظة أن يرى قادور هذا المنظر.. رغم أنها ما كانت لتنال الزعامة وهو حي، لكنها في تلك اللحظة تمنّت لو كان قربها ليرى ما وصلت إليه ويفخر بما حققته بعد كل الجهود التي بذلها لأجلها.. إنها لم تكن يوماً شاكرة لأبيها ما فعله لأجلها كما هي الآن.. ولن تنسى أنه انتشلها من القاع ليضعها على القمة مهما اضطر للتضحية لأجل ذلك.. لكنه، للأسف، مات قبل أن يشهد خاتمة كفاحها ذاك..
ولما ألقى الرجال قسم الولاء لججي، تغلبت على انفعالها بصعوبة وقالت بصوتٍ جهوري "أنا جام ذو القرن.. زعيم قبيلة (أبناء الذئاب) وقائدكم في السلم والحرب.. والويل لمن يفكر بخيانتي.."
نهض الرجال بعدها بصمت، ونهض مينار بدوره قائلاً "الآن سيبقى جام زعيماً لقبيلتنا ثلاثة أشهر حتى يثبت نفسه.. وإن لم يفعل عندها لن يقدر أحد على الاعتراض لو رغب أحدكم بإزاحته من منصبه ذاك.."
فقالت ججي بحزم "ثلاثة أشهر كافية لي لأثبت نفسي للجميع.."
نظر كين لمينار باستياء، وهو يشعر بأن كلماته تحريضٌ للبقية لرفض ججي فور مرور الأشهر الثلاثة.. لكن ججي لم تكن تمانع قوله ذاك، فعلى الأقل، وكما أثبتت نفسها في هذه الليلة، يمكنها أن تنال احترام الرجال بكل تأكيد في الأشهر القادمة.. وعندها لن يجرؤ أحدهم على الإطاحة بها بتاتاً..
استدار رجل للبقية قائلاً "عليكم تنظيف المخيم من هذه الجثث يا رجال.. لن نستطيع الخلود للراحة قبل أن يتم رمي هذه الجثث في البحر والتخلص منها.. وغداً، سنقوم بترميم المخيم وإعادته كما كان.."
فقالت ججي "لا.. لديّ فكرة أفضل من هذه.."
نظروا إليها بصمت وهي تكمل "موقعنا هذا قد يعرضنا لهجوم آخر من سفن أخرى للملك العربي.. وقد يكون الهجوم أكثر شدة من السابق انتقاماً للخسائر التي كبدناه إياها هذه المرة.. لذلك علينا الابتعاد عن هذا الموقع قدر استطاعتنا.."
وأشارت للشمال مضيفة "لن نتكبد الكثير، لكننا سنبتعد مقدار فرسخ عن هذه المنحدرات.. وسنُبقي عيوننا على أي سفن تقترب من هذا الشاطئ بغية الهجوم علينا.. ولو حدث ذلك، سنكون أكثر استعداداً لصدّ ذلك الهجوم وردعه قبل أن يحيق بنا أي خسائر.."
فاستدار الرجل للبقية قائلاً "سمعتم ما قاله جام.. فلنبدأ عملنا حالاً.. لا راحة قبل أن نتخلص من هذه الجثث تماماً.."
لم تكن ججي معتادة على طاعة الرجال لأوامرها دون جدال، وبالتأكيد دون سخرية واستحقار.. لذلك شعرت بسعادة طاغية وهي ترى البقية يطيعونها بصمت.. ومع كل الأحداث التي مرت بها في الأيام الماضية، شعرت ججي بحشدٍ غريب من الانفعالات لم تستطع كبحها هذه المرة وهي تستدير مغادرة الموقع تاركة للبقية تنظيف الموقع من الجثث المتناثرة فيه تمهيداً لنقل المخيم في اليوم التالي..

************************

بعد انتهاء المعركة وانتصار القبيلة على أعدائها، عاد من بقي من النساء والأطفال وقليل من الرجال في الكهوف إلى المخيم للمعاونة في تنظيفه من الجثث وبقايا الدمار الذي طاله.. وفور وصول تينا مع البقية إلى المخيم، دارت بعينيها بحثاً عن ججي لمعرفة ما جرى لها.. فكل ما وصلهم من أخبار هو انتصار الرجال وخلو المخيم من أي جندي.. بحثت عن ججي بقلق حتى شاهدت كين الذي انشغل بمعاونة الرجال في عمله، عندها اقتربت منه بشيء من التردد وفكرة الابتعاد عن الموقع تلحّ عليها بإصرار.. ولما وجدته يقف وحيداً منشغلاً ببعض الأسلحة التي تم جمعها جانباً، اقتربت تسأله بقلق واضح "أين ججي يا كين؟.. لا أراها معكم في المخيم.."
وإزاء نظراته الصامتة أضافت بقلب خافق "هل رفض الرجال الإذعان لها؟.. لا تقل لي......"
أسرع كين يقول "لا تقلقي.. لقد أقر الرجال لها بالزعامة بالفعل.."
نظرت له بدهشة، فقد كان هذا أمرٌ لا تتوقعه رغم أنها ترجوه بشدة، بينما قال كين متلفتاً حوله "لقد رأيتها تتجه نحو جانب المخيم، وقد طلبت مني أن أتركها وحدها.. لكنها بخير فلا تقلقي.."
همست تينا بارتياحٍ غامر وعينين دامعتين "لكم يسعدني هذا.. لا أريد أن أفقدها هي أيضاً بهذه السرعة.."
تلفتت حولها بحثاً عن تبريق، فلم يفتها رؤيته في جانب المخيم.. انتبهت لنظراته الصامتة التي حدجها بها، لكن قبل أن تناديه أو تخطو نحوه، فوجئت به يستدير مبتعداً بعد رؤيته لها مع كين.. ورغم راحتها لرؤيته بخير مع إصابته السابقة، لكن بعض الوجوم قد بدا على ملامحها لتصرفه ذاك.. أهو غاضب؟.. هل سيعاقبها لأنها تتبسط مع كين بالحديث؟.. هل سيقسو عليها ويتطاول عليها كما يفعل رجال الأكاشي عندما تستبدّ بهم الغيرة على نسائهم؟.. هذا أمرٌ لا تتمناه بحال، ولا تظن أنها تقدر على احتماله..
انتبه كين بدوره لتصرف تبريق ووجوم تينا، فسألها "هل أمورك على ما يرام مع تبريق يا تينا؟.. ألا يؤذيك بكلمة أو تصرف منه؟.."
أدارت تينا بصرها جانباً مغمغمة "ليس لك أن تقلق لذلك.."
فقال كين بإصرار "لكني قلق بالفعل.. أنا أعدّك كأختٍ صغرى لي، ويهمني أمرك كثيراً.."
لم يكن ذلك القول مؤلماً لها كما توقعت، بل كان محزناً نوعاً ما.. وهو شعور لم تملك تينا تفسيره فتغاضت عن الأمر مغمغمة "لا تقلق.. ربما كان تبريق أكثر تحضراً مما توقعت.. فهو يترفق بي قدر استطاعته.."
ابتسم كين قائلاً "سعيد لسماع ذلك.. خشيت أن يحاول معاقبتك لرفضك السابق له.."
لم تعلق تينا على قوله وهي تبتعد باحثة عن ججي للاطمئنان عليها.. لم تكن تقدر على مواجهة تبريق رغم رغبتها بالاطمئنان على جرحه الذي لم يبرأ بعد، فقد كانت تخشى رؤية غضبه في تلك اللحظات بشدة..

************************

بينما انشغل الرجال بعملهم في جوانب المخيم، والجثث قد بدأت تهوي من جانب المنحدر نحو البحر لتصبغ مياهه بصبغة حمراء بشعة، ابتعد مينار عن البقية مع عدم قدرته على المشاركة بسبب جرح كتفه الذي لم يلتئم بعد.. فانزوى جانباً يتأمل الأفق بصمت كعادته وهو يفكر بكل ما جرى منذ ليلة الهجوم على المخيم.. لقد انقلبت حياة القبيلة رأساً على عقب، وانقلبت حياة ججي معها بالذات.. فغمغم مينار وهو يتنهد "من كان يتخيل أن تصيب توقعاتك يا قادور؟.. يبدو أنك مصرّ على إثارة ذهولي حياً وميتاً.."
لاحظ اقتراب ججي منه في تلك اللحظة، وهي تلقي بنفسها أرضاً وتجلس منطوية على نفسها دافنة وجهها بين ذراعيها.. فقال مينار "ما بك؟.. لا تبدو سعيداً بعد كل ما جرى.."
فغمغمت ججي بصوت متغير "وكيف أكون سعيداً وقد اضطررت لالتهام قلب أبي لأصل لما وصلت إليه؟.."
قال مينار "وهل أنت نادم على هذا؟.."
اغرورقت عينا ججي رغماً عنها رغم كل مقاومتها، فقالت بصوت متهدج "ليس ندماً، فما كان إحجامي عن فعل ذلك سيعيد أبي للحياة.. لكني....."
وسالت دموعها رغماً عنها وهي تقول "كنت أتمنى أن يكون أبي موجوداً في هذه اللحظة.. عندما ركع الرجال أمامي، وعندما أقسموا بالولاء لي، لم أتمنّ رؤية أحد عندها كما تمنيت رؤية أبي ورؤية نظرة الفخر في عينيه.. ألم يكن هذا ما سعى إليه؟.. ألن يكون فخوراً لو رآني أصل لزعامة القبيلة من بعده؟.. لكنه لن يشهد هذا قط، ولن يعرف إن كان مسعاه قد كلل بالنجاح بعد موته أم لا.."
ربت مينار على كتفها وقال بابتسامة متسعة "ليس بحاجة لأن يرى ما جرى اليوم يا جام.. لقد كان قادور فخوراً بك منذ البدء، كما كنت أنا وكما لازلت حتى الآن.."
نظرت له ججي بصمت وعينين دامعتين وهو يضيف "هو قد عاملك بقسوة في بعض الأحيان، لكنه كان شبه موقنٍ من أنك ستستسلم قبل بلوغك العاشرة.. لطالما حدثني عن تعجبه من إصرارك ومثابرتك التي لم تقل مع مرور السنوات، وكيف يطمح لأن يرى ما ستصبح عليه عندما تكبر.."
تزايد انهمار الدموع من عيني ججي وهي تنظر لابتسامة مينار الفخورة ونظرة الرضى تتبدى في عينيه.. فقالت وهي تخفض عينيها "أنا مدين لك يا مينار.. لولا مثابرتك معي، ولولا تسخيرك الوقت لتدريبي، لما وصلتُ لما أنا عليه الآن.."
وأمسكت يده لتضعها على جبينها وتنحني انحناءة خفيفة معبرة عن شكرها واحترامها العميق له، لكن مينار جذب يده ووضعها على رأسها وهو يغمغم "لا تنحنِ أمام أحد يا جام.. لا تفعل هذا قط مهما أجبرتك الظروف على ذلك.. لن أشعر بخيبة أمل لأي أمر كما سأشعر لو رأيتك تفعل ذلك.."
سالت دموع ججي بدون توقف وهي تبكي مخفية وجهها بذراع واحدة.. بينما ربت مينار على رأسها بابتسامة متسعة وصمت.. لم يندهش لبكاء ججي، ولم يستنكره.. فهو يدرك أن هذا البكاء هو مزيج الفرح لما حصلت عليه والحزن لمن فقدته.. شعور غريب يجتاحها الآن لحصولها على هذه المكانة بعد أن كانت تعامل بدونيّة من بقية رجال القبيلة، وسيستلزم الأمر بعض الوقت لتتخلص من هذا الشعور..

************************

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 16-01-16, 12:32 PM   المشاركة رقم: 65
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,112
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: ابنة السماء..

 
دعوه لزيارة موضوعي

فصل محزن ومؤثر

وها قد حققت ججي هدفها وحلمها بالزعامة


ماذا تخبئ اﻷيام القادمة لها؟


سلمت يداك ومتشوقة للقادم


لك ودي


«اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي»

 
 

 

عرض البوم صور bluemay   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السماء.., ابنة
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 06:12 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية