فتحت الشرفة تستقبل اشعة الشمس التي تغمر الكون من حولها، تبدد الهواء ناشرة الدفء في اوصالها ومعها شعورها بالسعادة الذي يتزايد في نفسها ، لأنها اخيرا عادت الى وطنها .. بيتها .. حياتها ، تنفست بعمق قبل ان تضم حاجبيها بتعجب من جرس الباب الذي رن الان ، لتتسع ضحكتها وهي تفكر بانه من المحتمل ان يكون اخيها وزوجته اتيا ليتناولا فطورهما معها ، خطت بسرعة الى باب الشقة وفتحته وهي تبتسم برقة والمرح مرسوم بتفاصيلها : صباح الخير ، انرتما بيتنا المتواضع .
ارتكن بكتفه على الحائط ليمسك الباب الذي فتحته بكفه من الخارج وهو يهمس : البيت منور بصاحبته .
تصلبت ملامحها قبل ان تهتف بحنق : ما الذي اتى بك ؟!
رفع حاجبيه بذهول ليهمس بسخرية : هل هذه الطريقة المثالية لمقابلة خطيبك ؟!
__ خطيبي ؟!! هتفت بحدة لتكمل وهي تضيق عينيها - من قال انك خطيبي ؟!
ابتسم بمكر : انا .
زمت شفتيها بقوة : لا يصح ان تأتي الى هنا وانت تعلم اني بمفردي ، انتظر الى ان يأتي ايمن وقم بالزيارة .
دفعت الباب بحنق في وجهه وهي تقول : شرفتنا يا باشمهندس
وضع قدمه بالباب قبل ان تغلقه بالفعل ليدفعه بلطف فتتراجع للخلف وعيناها تتسع بذهول وهو يدخل بخطوات راقية ويجلس بأقرب كرسي لتهتف : ماذا تفعل ؟!
رمقها بتسلية : انتظر واجب الضيافة .
زمت شفتيها وهي تعقد ساعديها امام صدرها ليتابع هو بمرح : هلا اعددت لي قهوتي الصباحية فانا اتيت دون ان اشربها او اتناول فطوري ؟!
__ ولماذا اتيت ؟! القتها بجفاف فابتسم ليهمس وهو يرفع نظره اليها – اشتقت اليك .
توردت وجنتيها وهي تخفض وجهها ارضا لتتمتم وهي تندفع الى الداخل : ساعد القهوة .
كتم ضحكته وهو يراقب طيفها الذي اختفى من امام ناظريه ليتذكر المرة الماضية حينما اطلت على جلستهم بعد شوق ايام طويلة لم يراها فيها .
رمش بعينيه قبل ان يبتسم بسعادة لونت حدقتيه وهو يتذكر هذا اليوم الذي وصل فيه بضيافة اخيها وصديقه القديم ، وصل هو واخيه الذي صحبه معه ليطلب يدها ، اخفى وجوده طوال اليوم حتى يفاجئها ليلا وهو يجلس بالصالون يتوسط اخيها واخيه ، ينتظر قدومها بعد ان بعث ايمن في طلبها ، خطت الى الغرفة بهدوء وهي تنظر الى اخيها دون سواه تهتف بجدية وعبوس زين جبينها : ماذا تريد يا ايمن ؟! اسما اخبرتني انك تريدني .
مات الكلام فوق شفتيها وهي تدرك وجوده فتعبس بحنق مزج بتعجبها ونظراتها تلتقط وجود حاتم بجواره ليهتف ايمن بهدوء : تعالى يا دعاء ، فضيفنا العزيز اتى من اجلك .
ظلت ساكنة مكانها تنظر اليه بذهول مزج بعتب قابله بنظرات حانية واشتياق افاض من عينيه فتتورد رغم عنها وخاصة حينما صدح صوت ايمن بجدية : الن ترحبي بضيوفنا يا اختاه ؟!
زفرت هواء صدرها ببطء قبل ان ترسم ابتسامة رأى انها باهته وهي تتقدم منه لتما براسها اليه والى اخيه من بعده قبل ان تهمس : مرحبا بكما .
تهلل وجه حاتم ليهتف بمرح وهو ينهض واقفا : مرحبا بك يا باشمهندسة ، انا حاتم الالفي اخو يحيى ، حاتم او توما كما تفضلين ادعونني .
رفعت حاجبيها بدهشة وهي تنظر الى يده الممدودة اليها لترفع نظرها اليه في تساؤل متعجب صامت فيبتسم ويما لها براسه متفهما فتصافح اخيه : اهلا وسهلا بك ، انا اعرفك ، وهل هناك من يجهل حاتم كامل نجل الجيل ؟!
ضحك حاتم بمرح : لا انا هنا حاتم اخو يحيى ،
زينة مهندسي مصر والوطن العربي .
ابتسم يحيى وهو يدير نظره عليها ، تبدو شاحبه والسهاد يزين جبينها ،او هكذا يخيل له ؟! تساءل بداخله " أتسهر تفكر به كما هو يفعل ويقضي لياليه يتذكر ايامه معها ؟! ام هو اصابه الخرف و يهيأ اليه من كثرة السهر ؟! "
حينها انتبه من غرقه في افكاره على لكزة مرفق اخيه فابتسم ونظر الى ايمن لينطق بهدوء : اسمح لي ايها الامير اريد ان اتحدث مع دعاء قليلا ؟!
نهض ايمن واقفا ليتبعه حاتم فيشير اليهما بكفيه وهو ينهض بدوره : لا ، ابقيا ، سأصحب الباشمهندسة بعد اذنها الى الشرفة الملحقة بالغرفة ، بعد اذنك .
أومأ براسه وتحرك خارجا ليقف بالحد الفاصل بين الغرفة والشرفة وينظر اليها منتظرا بصبر فتزدرد لعابها بتوتر الم بها وظهر عليها لتتبعه بخطوات مترددة .
افاق من ذكراه بها عليها تميل لتضع فنجان القهوة امامه : تفضل .
التقط كفها والفنجان بين راحتيه قبل ان تضعه على الطاولة الصغيرة امامه ليهمس بخفوت : من يد لا نعدمها .
احتقن وجهها بقوة لتتمتم بتلعثم : اترك يدي يا يحيى .
نهض واقفا رغم عنه بعد ان وضع فنجان القهوة وهو متمسك بكفها بيده ، فيهمهم : اسمي بصوتك مختلفا .
نزعت كفها منه بالقوة لتبتعد عنه وهي تصيح بتوتر : ابتعد يا يحيى ، لا تقترب مني ثانية والا اخبرت ايمن .
جلس ثانية ليبتسم بمكر اضاء حدقتيه : بم ؟!
حمل الفنجان بين يديه ليرتشف بعضا منه برقي اعتادته منه قبل ان يكمل : بان خطيبك مسك يدك ، ام انه اخبرك باشتياقه لك ؟!
رفع نظره اليها : اخبريني يا دعاء بم ستخبرين اخيك ، باني اتيت وتركت الباب مفتوحا وانا انتظره لأتناول الفطور معه .
__ لست خطيبي .
القتها بجدية وهي ترفع راسها في كبرياء فتنه ، ليتمتم بجدية وهو يكمل احتساء قهوته : حسنا لست خطيبك ، زوجك تفي بالغرض .
تضرج وجهها بالأحمر القاني قبل ان تعبس وهو يكمل بخفة : باعتبار ما سيكون قريبا .
تصلبت قليلا قبل ان تسال بجدية : ماذا تريد يا يحيى ؟!
وضع الفنجان من يده ثانية : لا شيء يا حبيبة يحيى ، انا خطيب اتى لزيارة زوجته كما المتعارف عليه ولولا اني اعلم بحساسيتك من الورد لكنت اتيت وانا احمل باقة كبيرة من اجلك ، ولكني بدلتها بشيء اخر .
ضيقت عينيها وهي ترمقه بترقب فنهض واقفا ليخرج من جيب سترته الغير رسمية علبة مخملية ، يقف مواجها لها قبل ان يجلس على ركبه ونصف امامها وينظر اليها وهو يفتح العلبة امامها ويهتف بمرح : اتقبلين الزواج بي ؟!
نظرت اليه بذهول ووجها يتحول الى لون الطماطم الناضجة قبل ان تهتف بعصبية غلفت بها خجلها : ماذا تفعل يا يحيى ؟! هل تتوقع اني سأوافق لأنك تجلس امامي على ركبة ونصف وتطلب مني الزواج ، لماذا هل تعرفت علي بأمريكا ، ام بنادي الكريكت ، الا ترى اين انت ؟!
زفر بقوة وهو ينهض واقفا : بل ارى يا دعاء وهذا ليس له دخل باني اريد الزواج منك .
همت بالحديث ليشير بيده مقاطعا : لن نتحدث ثانية لقد انتهى الحديث في هذا الامر، لن اعيد لك بانك من اريدها واني لا التفت الى تلك الاشياء الكثيرة التي عددتها امامي من قبل ، لست مخيرة في الموافقة او الرفض ، لقد قبلت امام اخيك وما سيحدث هنا من زيارة ما هي الا شكليات ليس الا ؟!
هتفت بعصبية : يا سلام ، لقد اجبرتني على الموافقة امام ايمن ، نطقت بإجابة لمن اصرح بها ،
__ لأنك جبانة وكنت سترفضين لوهم في راسك ومبررات ليست حقيقية .
هتف بحنق فعبست بغضب : ليست حقيقية ؟! هل هويتك واصلك ونسبك ليس حقيقيا ؟!
نظر اليها وهو يكتف ساعديه : أيهمك اصلي ونسبي ام انا ما اهمك يا دعاء ؟!
زفرت بضيق وهي تهز راسها بياس ليقبض على كفها الايمن ويجذبها قريبة منه : لا يهم ، ما يهم انك ستتزوجين مني حتى لو رغم عنك ،
قرن قوله بدفعه لخاتمه في بنصرها الايمن قبل ان يرفعه لشفتيه ويقبله برقة فترتعش رغم عنها ليهدم حصونها وهو يهمس امام عينيها : انت من بحثت عنها طوال عمري ، حلمت بها وهذيت باسمها في منامي ، انا احبك .
رجف قلبها ووجنتيها تشتعلان بخجل اجبرها على خفض راسها وهي تحاول الهروب من حصاره الذي فرضه عليها ليقترب منها يستنشق
عبير وجودها ليهم بتقبيل جبينها فيبتعد قبل ان ينال مراده وهو يستمع الى صوت ضحكات ايمن واسما الصادحة والاتية من الخارج .
***
__ صباح الخير .
ابتسم باتساع وهو يرفع راسه فينظر اليها بشوق ويفتح ذراعيه على اتساعهما فتدلف وتغلق الباب من خلفها قبل ان تخطو تجاهه بخطوات هادئة .. مغرية ، وابتسامة مشاكسة تصدح بعينيها قبل ان ترتسم على ملامحها وهي تقترب منه فيجذبها قبل ان تصل اليه ، يقربها من كفيها ويضمها بين ضلوعه ، ثم يقتنص ثغرها في قبلة حملت اشتياقه المضنى اليها : صباح الجمال والفل والورد والياسمين يا حبيبتي .
ضحكت برقة وهي تتعلق برقبته لتهمس بدلال عاتب : غادرت دوني اليوم .
زفر بقوة : رغم عني ، استيقظت من نومي لأجلس وأتأملك كالعادة ، فوجدت نفسي اغرق بتفاصيلك التي تغتال روحي دون ان اقربها ، فركضت هاربا قبل ان اوقظك واكمل ما بدأناه سويا ليلا ، خفت ان ارغمك وانت لست بكامل استعدادك .
ابتسمت برقة لتحتضن وجهه بكفيها : هانت يا بلال .
زفر بقوة : اعلم ، فانا اشعر بك وقلبي يخبرني ان المتبقي قليلا جدا .
ابتسمت بغنج جديد عليها قبل ان تهمس بخفوت : ارايت لقد انسيتني ، دارت براسها – اين الملف الذي كنت احمله ؟!
ضحك بقوة ليرقص حاجبيه مشاكسا قبل ان يحمله من فوق مكتبه ويشير لها به : لقد جردتك منه قبل ان اضمك الى صدري ولكنك لم تلاحظي .
نظرت اليه بوله افتقده منها لتهمهم : انت تسرقني من نفسي.
تصاعدت انفاسه قبل ان يغمغم بصوت ابح : توقفي عن احراقي بنار شوقي ، فانا لم اعد احتمل ، لقد بت رمادا من كثرة ما احترقت .
لامست جانب فكه بطرف سبابتها : لا تخف ، سُأحيك لأشعلك من جديد ، فتعلم معنى الاحتراق جيدا يا ابن الخال .
ومضت عيناه ببريق رغبته بها فيهم بتقبيلها ثانية ولكنها تبتعد عنه باخر لحظة وتهتف بجدية : انتظر ، امض على الاوراق التي اتيت بها اولا .
زفر بقوة قبل ان يسحب منها الملف يلقيه فوق مكتبه ويلتقط قلمه الخاص ليوقع كل الاوراق بروتينيه فتسال بمكر زين حدقتيها وهي تربض داخل صدره تحتضن كتفه ، وذارعه تحيط بخصرها فتبقيها بقربه : الن تقرا ما بها ؟!
نظر اليها بتعجب : أليست اوراق خاصة بالشركة ؟!
__ بالطبع ، القتها بخفة ليهز راسه بلا مبالاة – حسنا لا داع للقراءة فانا اثق بك يا زوجتي .
ضحكت برقة لتهمس : الا تخف ان استولى على املاكك كلها ؟!
قهقه ضاحكا ليلقى قلمه بعد ان وقع اخر ورقة امامه ، ليعود اليها يضمها بذراعيه يدفنها بين ضلوعه ويهمس امام ثغرها بافتتان تملكه : لا يهم ، انا ونفسي واملاكي ملك لك يا زوجتي .
عانقها بشوق فتضمه اليها وعيناها تلمع بوميض قوي سرعان ما اختفى وهي تنجرف الى بحر امواج لهفته العاتية .
***