لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-12-15, 04:06 PM   المشاركة رقم: 41
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,112
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: على جناح تنين..

 
دعوه لزيارة موضوعي

متشووووقة كثيرا للآتي

سلمت يداك عزيزتي خيال


«اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي»

 
 

 

عرض البوم صور bluemay   رد مع اقتباس
قديم 17-12-15, 05:45 AM   المشاركة رقم: 42
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: على جناح تنين..

 

الفصل السابع: عودة للسماء الرحبة


في ذلك اليوم، وبعد عدة أيام من موت الملك عبّاد ودفنه في مقابر الملوك التي تقع قريبة من القصر الملكي، ازدانت المدينة كاملة استعداداً للاحتفال الكبير الذي لم تشهد مثله منذ عقود.. حفل تنصيب زياد ملكاً على عرش مملكة بني فارس العريقة..
كان زياد قد أمر بتجهيز حفل باذخ شديد الفخامة، ودعا إليه عدداً كبيراً من ملوك وأمراء الممالك الموالية لمملكة بني فارس.. كانت (الزهراء) تبدو أجمل مما هي عليه في العادة أضعافاً مضاعفة، ورائحتها تزهو بمئات اللترات من العطور التي رشّت في جوانبها مع بداية ذلك النهار..
وقد ظهر زياد في قاعة العرش مرتدياً زيّاً ذهبي اللون بتطريزات تمثل الأسد وهو شعار هذه المملكة، وهو يزهو بثيابه وبالتاج الذي قام رئيس الوزراء بوضعه على رأسه في احتفالية خاصة وبالطقوس التي مارسها الملوك السابقون نفسها.. بينما تنافس الأمراء ومبعوثي الممالك الموالية لتهنئته والمباركة ببدء هذا العهد الجديد للمملكة.. ولم يكن أسعد من زياد، إلا الملكة سليمة التي جلست على كرسيها قرب كرسي العرش وهي تبتسم بفخر واعتزاز وكأن الاحتفال كان لها هي.. ولم يعكر صفوها إلا رؤية نوران التي وقفت في جانب القاعة دامعة العينين بعد أن بلغتها أنباء اختطاف رنيم عند وصولها للزهراء لحضور الاحتفال.. ما الذي يجعل تلك الحمقاء تبكي على فتاة مثل رنيم؟.. كان عليها أن تظهر سعادتها وحبورها في يوم كهذا..
وبعد عدة ساعات، وقد انفضت أغلب الجموع التي شهدت حفل التنصيب، اقترب الوزير حارث من زياد مهنئاً.. ثم بعد بعض التردد قال بصوت خفيض "مولاي.. ما الذي يمكننا إبلاغه للملك قصيّ بشأن ابنته التي اختفت من القصر؟"
لوّح زياد بيده قائلاً "غير مهم.. لا تقل له أي شيء.."
قال حارث بحيرة "كيف يمكنني ذلك؟.. لابد أن يعلم بما جرى فهي ابنته وهو قد أمّننا إياها.. لو علم بأن الهوت قد اختطفوها فسوف......."
قال زياد بحدة "أأنت مجنون؟.. أتريد أن تعلم الممالك كلها أن أولئك التافهين قد تمكنوا من التسلل للقصر واختطاف أميرة منه والهرب دون أن نتمكن من القبض عليهم؟.. ستسقط هيبة مملكتنا، وسنجد أن الممالك كلها قد أرسلت من يقتحم قصرنا هذا دون وجل.."
قال حارث بضيق وحيرة "أدرك ذلك طبعاً يا مولاي.. لكن مملكة بني غياث قد أرسلت مبعوثاً لتهنئتكم بجلوسكم على العرش.. ألن يثير اختفاء ابنة قصيّ من القصر ريبته؟"
تراجع زياد في كرسيه قائلاً بصرامة "لا عليك من هذا الأمر.. سأتولى أنا صياغة رسالة خاصة موجهة للملك قصيّ وسأرسلها مع مبعوثه.. وسأشرح فيها كل شيء.."
تساءل حارث بشيء من القلق "إذن، كيف ستفسر غياب الأميرة رنيم من قصركم يا مولاي؟"
ابتسم زياد ابتسامة ساخرة وقال "سأبلغه أن ابنته المصون قد هربت من القصر مع أحد الحرس.. هذا هو التفسير الوحيد الذي سيحفظ ماء وجهنا وسيجنّب المملكة مغبّة معرفته بالحقيقة.. هكذا، لن يسعى الملك خلف تلك الفتاة ولن يستنكر اختفاءها من القصر أو يتهمنا بالتهاون في حمايتها.."
لم يعترض حارث وهو مدرك أن ذلك لن يجدي نفعاً، بل انحنى مهنئاً للمرة الثانية، واستدار مبتعداً تاركاً زياد يبتسم ابتسامة واسعة وهو يتأمل أصابعه ذات الخواتم الذهبية التي لا تقدر بثمن.. لقد جاءته هجمة الهوت من حيث لا يحتسب، ومنحته أجمل تغيير تمناه في حياته.. تخلص من تلك الفتاة التافهة، وأصبح الملك في غمضة عين.. كيف يمكن للحياة أن تكون أفضل من هذا؟..

*********************

أمضت رنيم عدة أيام وهي تغادر مع آرجان قرب الفجر للعناية بالتنين.. في الواقع، لم يسمح لها آرجان إلا بالقيام بالقليل التافه من الأعمال، ولم يكن يعترض حتى عندما تتركه وتجول في المنطقة متفحصة بصمت.. بدأت تتآلف بعض الشيء مع التنين، الذي يطلق عليه آرجان اسم كاجا ويعني السماء بلغة الهوت، وبدأت تقترب منه دون خوف أو ذعر وهي تربت على رأسه وتمسح رقبته بشيء من الألفة.. على الأقل، في هذا الوقت القصير الذي تنشغل فيه بهذا العمل، ينشغل عقلها عن أفكاره البائسة وعن الحسرة والندم الذي يلاحقها في كل لحظة وحين.. ماذا لو أنها قبلت عرض كاينا في ذلك اليوم ورحلت قبل مغيب شمسه وقبل بدء تلك الليلة المشؤومة؟.. ماذا لو.......؟.. لكنها سرعان ما تطرح تلك الفكرة من عقلها وتحاول التفكير في أي أمر آخر..
ومع كل لحظة تمضي، تكتشف رنيم أن التنانين لا تختلف كثيراً عن أي حيوان أليف آخر.. لها مظهر مرعب، ولها تصرفات تثير ذعر الآخرين، لكنها تستجيب للطف البشر بسهولة تامة ويمكن كسبها بتفاحة صغيرة..
لاحظت أيضاً أن آرجان يشبه التنين الذي يملكه شبهاً تاماً.. له مظهر مرعب، ويثير ذعرها بصوته الخشن، لكنه يخفي لطفاً واهتماماً بها وبالآخرين خلف مظهره الجلف هذا.. لقد دأب على النهوض أبكر من المعتاد والخروج في هذا البرد القارس للعناية بالتنين لتستغل رنيم الفرصة للخروج من سجنها الخانق دون أن تواجه غضب أهل القرية.. وهي تشكر له مراعاته تلك رغم أنها لا تنسى أنه مختطفها.. لكن ما يهمها أنه لم يسيء إليها بقول أو فعل منذ اختطفها، وهذا يدل على أنه لا يحمل نوايا خبيثة تجاهها..
بعد تلك الأيام، فإن آرجان قد تركها تعود للمنزل وحيدة دون رقابة بثقة تامة لم تتعجب لها.. فكما أدركت رنيم أن هربها مستحيل، كان آرجان واثقاً من ذلك ثقة تامة.. ولولا خشيته من رد فعل الهوت لرؤيتها لتركها تجول بحرية في القرية..
وبعد عودتها، فإنها تبقى طليقة في المنزل لكن وحيدة مع اختفاء آرجان أغلب ساعات النهار.. ومما علمته من كاينا أنه يغادر لقرى الهوت الأخرى بشكل شبه يومي دون أن تفصح لها عن سبب ذلك..
وفي أحد الأيام، وفيما كانت رنيم تهمّ بالعودة لمنزل آرجان قبل انبلاج الفجر بقليل، سمعته يقول للتنين "هيا بنا يا صاحبي.. علينا الرحيل باكراً هذه المرة فالطريق طويل.."
استدارت رنيم باهتمام ووقفت تراقبهما وآرجان يثبت السرج على ظهر التنين بإحكام ويضع الشكيمة المعدنية في فمه بعد شيء من الممانعة من جانب كاجا.. ولما انتبه آرجان لرنيم التي تراقبه عن كثب، تساءل بدهشة "ما الذي يبقيك هنا حتى الآن؟.."
فركت رنيم كفيها دون أن تجيبه.. فقال وهو يتأكد من ثبات السرج "أخبرتك ألا تكتمي ما برأسك من......"
اندفعت تقول قبل أن يتم حديثه "هل تسمح لي بالركوب معك في جولة قصيرة؟.."
قال آرجان بدهشة "لماذا؟.."
قالت بارتباك "أحب تجربة ذلك مرة أخرى.. في المرة الماضية أعجزني خوفي عن الاستمتاع بتجربة استثنائية كهذه.. وقد لا تتكرر هذه الفرصة مرة أخرى.."
غمغم بابتسامة "ألا تخططين لأي أمر آخر؟.."
هتفت بإخلاص "قطعاً لا.."
ضحك آرجان لردها المنفعل، ثم قال "حسناً.. أعتقد أنك تستحقين ذلك.."
امتطى ظهر التنين المرتفع بكل مهارة، ثم انحنى ومد يده لها فتقدمت بعد شيء من التردد وتمسكت بيده لتجده يرفعها بكل سهولة.. وعوضاً عن أن يردفها خلفه، أجلسها أمامه ومد يده باللجام إليها قائلاً "ما رأيك بأن تتولي توجيه كاجا بنفسك؟"
نظرت له رنيم بدهشة وهتفت "هل ستسمح لي بذلك؟"
لوّح بإصبعه مجيباً "لمرة واحدة فقط.."
أمسكت رنيم اللجام بيدين ترتجفان لشدة انفعالها، وشعرت بتململ التنين وهو يحرك جناحيه ويطوّح ذيله بانتظار أمر منها.. وقبل أن تتجرأ على جذب العنان والسماح للتنين بالطيران عالياً، فإنها مدت يدها وربتت على رقبته القريبة منها هامسة "سأكون تحت رحمتك في اللحظات القادمة.. فكن رفيقاً بي يا كاجا.. اتفقنا؟"
هز كاجا رأسه بقوة وهو يرفع بصره للسماء، عندها هزت رنيم اللجام ولكزت التنين في بطنه متبعة تعليمات آرجان.. وبخفة، إنما بقوة وسرعة، ارتفع كاجا نحو السماء مرفرفاً بجناحيه بقوة بينما تحاول رنيم توجيهه بشيء من الصعوبة.. لم تكن تستطيع الإمساك باللجام وتسيير التنين دون التشبث بالسرج، ولولا أن آرجان قام بتثبيتها بإمساك كتفها بيده، لسقطت من فوق ظهر التنين من اللحظة الأولى مع حركته العنيفة..
سمعت آرجان يقول لها "لو شعرتِ ببرد شديد أخبريني لكي أعيدك للأرض.."
لكنها لم تجبه وهي منشغلة بما تمر به.. ولشدة انفعالها فإنها شعرت بلهيب في أعماقها ولم تكد تشعر بالبرد القارس الذي لسع خديها.. كان التنين يرتفع بكل سلاسة وسرعة متجاوزاً قمة جبل قريب قبل أن يرتفع عالياً في دورة واسعة حول القرية معتمداً على الرياح القوية ومكتفياً برفة جناح بين فينة وأخرى.. نظرت رنيم للموقع الذي بدأ الظلام يهرب منه مع تزايد النور في الأفق، بينما التهبت الألوان بشدة في ذلك الموقع دليلاً على قرب شروق الشمس.. كانت الرياح القوية تحمل لها رائحة منعشة رغم برودتها الشديدة، وبينما مال التنين متفادياً بعض جوانب الجبل القريب، فإن رنيم أخذت نفساً عميقاً وهي تشعر بالهواء يضرب خديها بقوة.. وبمعاونة صغيرة من آرجان الذي استمر في تعليمها كيفية التحكم بالتنين دون أن تسمح له بالطيران برعونة قد تسقطهما من على ظهره، فإن رنيم قادت التنين عبر القمم القريبة بشيء من الانطلاق رغم أن هذه هي محاولتها الأولى..
وبعد عدة دقائق من الطيران بكل حرية، فإن آرجان ربت على كتفها قائلاً "لنعد للأرض.. ستتجمدين من البرد.."
غمغمت رنيم بشيء من الإحباط "لن يحدث هذا.."
فقال وهو يشد عنان التنين "بل أنا من سيتجمد من البرد.. والآن، وجّهي التنين للهبوط واضغطي على بطنه بقدميك برفق.."
فعلت رنيم ما طلبه منها والتنين يهبط بهما بدورة واسعة حتى عاد لموقعه السابق في جانب من ذلك الجبل.. وبعد هبوطهم بسلاسة، بقيت رنيم في موقعها وهي تلهث بشدة وكأنها بذلت مجهوداً عنيفاً.. إنما كانت تلك مشاعر قوية غمرتها وجعلتها مشدوهة منفعلة بشدة بحيث عجزت عن التعبير عما تحسّ به في تلك اللحظات.. وإزاء صمتها، قال آرجان وهو يترجل "يبدو أن ما رأيته كان صدمة لك.. أتمنى ألا تراودك الكوابيس مع كل هذا الانفعال.."
وساعدها على الترجل بدورها، وفور أن لامست الأرض بدا أن العقدة التي كانت تربط لسانها قد انفكّت وهي تهتف "أأنت تمزح؟.. هذا أجمل من أي حلم حلمت به في حياتي.."
نظر لعينيها اللامعتين رافعاً حاجبيه بتعجب، بينما ابتسمت رنيم ابتسامة مشرقة وهي تقول بانفعال "أشكرك كثيراً على هذه الفرصة التي أتحتها لي.. رغم كل ما جرى، لن أنسى ما رأيته اليوم بقية حياتي.."
أدار آرجان بصره للتنين القريب هارباً من انفعالاتها الغامرة، ثم قال وقد انتبه لشروق الشمس الذي بدا واضحاً في الأفق "عليكِ الرحيل بسرعة.. أخشى أن يراك أحد الرجال ويحدث ما لا نرغب به.."
لم تعترض رنيم على ذلك وهي تستدير للتنين الذي أخذ يفتش عن مكافأته بعد رحلة كهذه.. فاقتربت منه رنيم دون وجل وأحاطت رأسه بذراعيها وهي تقول بابتسامة "شكراً لك يا كاجا.. أنت كائن رائع حقاً.."
دهش آرجان لرؤية كاجا مستسلماً لانفعالاتها وهو يمسح رأسه بذراعيها.. فقالت رنيم وهي تبتعد خطوات "سأحضر لك مكافأتك في المرة القادمة.. فانتظرني.."
واستدارت مبتعدة بخطوات خفيفة غاب عنها ارتباكها المعهود وتوترها الدائم.. ربت آرجان على رأس كاجا الذي أخذ يزوم معترضاً على تجاهله، وراقب رنيم في ابتعادها مغمغماً "يبدو أننا قابلنا فتاة غير اعتيادية يا رفيقي.. إنها خيالية فوق ما يلزم.."
دفعه كاجا بشيء من الحنق لتجاهله حتى أسقطه في الجدول البارد القريب التي غمرته بمياهها الصقيعية مما جعل آرجان ينتفض بصدمة وهو يصيح "ما بك يا أحمق؟.. هل تريد قتلي؟"
أما رنيم، فقد سارت بخفة هابطة من ذلك الجانب من الجبل نحو منزل آرجان وابتسامة متسعة تتبدى على شفتيها.. شمّت الهواء البارد بعمق مستمتعة برائحة القرية القريبة، وتنهدت وهي ترفع بصرها للسماء.. من الصعب تصديق ما شعرت به وهي في الأعلى.. للمرة الأولى تشعر وتتيقن أن ذلك المكان الواسع هو موطنها.. هو المكان الذي لطالما حلمت به في خيالاتها وتمنت أن تكون فيه.. لو كان للبشر أن يعيشوا فوق الغيوم، فهي ستكون أول من يفعل ذلك بكل حماس.. وهي سعيدة لأنها قامت بهذه التجربة التي ستستعيد ذكراها بمتعة وحنين عند عودتها لذلك القصر البارد..
توقفت رنيم فجأة وهي تفكر بصمت.. تعود لذلك القصر؟.. لماذا؟.. ما الذي يجبرها على ذلك فعلاً؟.. عائلتها؟.. زوجها الذي لم تتزوجه بعد؟.. ما السبب الذي يجعلها تلحّ وتبكي للعودة لذلك القصر حقاً؟..
نفضت رنيم تلك الأفكار بشيء من القلق وهي تخطو خطوة نحو منزل آرجان، عندما توقفت من جديد لدى سماعها ذلك الأنين الخافت.. بدا خافتاً لدرجة أنها لم تسمعه إلا عندما توقفت عن السير.. تلفتت رنيم حولها بشيء من الدهشة، ثم سارت نحو ذلك الموقع الأقرب للصوت.. وهناك عند حافة عالية في ذلك المنحدر ومن فوق الصخور التي تميل بحدة نحو هاوية على شيء من الانخفاض، رأت رنيم ثوباً أزرق ملقىً على صخرة بارزة تعلو تلك الهاوية.. ولما دققت النظر فيه انتبهت لتلك اليدين اللتين برزتا من الثوب متشبثة بالصخرة وذلك الرأس بالشعر الأشقر الذي يصدر أنيناً خافتاً..
توترت رنيم لذلك المنظر وهي تصيح بصاحبه "أأنت بخير؟"
ثم انتبهت لحديثها بالعربية وهو ما لن يفهمه ذلك الصبي الذي لم يرفع رأسه تجاهها.. وقفت رنيم تتلفت بقلق شديد بحثاً عن آرجان، لكنه كان بعيداً عنها ولن يسمع نداءها لو فكرت بالاستعانة به.. كما أن الموقع حولها كان خالياً من أي بشري، فهل تترك الموقع وتذهب لمناداة آرجان؟.. لكنها لا تثق أن الصبي سيتمكن من الثبات على الصخرة لوقت طويل.. عندها غامرت رنيم بالشيء الوحيد الذي تستطيع فعله، فأسرعت تحلّ رباط ثوبها الذي كان على شيء من الطول وربطت طرفه في شجرة قريبة.. ثم حاولت أن تتدلى من الصخرة ونحو المنحدر ببطء متشبثة بالرباط.. أخذت تنقل خطواتها شيئاً فشيئاً ببطء شديد وقلق أشد.. لم تكن قد تجاوزت الصخرة بشكل مباشر عندما عجزت قدماها عن الثبات على الصخرة الملساء فانزلقت وهي تطلق صيحة فزع.. تشبثت بالرباط بكلتي يديها وهي تحاول الارتفاع من جديد دون نجاح يذكر، عندما شعرت بيد قوية وباردة كالصقيع ترفعها بسهولة حتى جلست على الأرض المستوية..
نظرت لآرجان الذي قال لها بحنق "ما الذي تفعلينه؟.. هل تنوين الانتحار؟"
غمغمت بشيء من الارتباك "هناك.. صبي.. في الأسفل.."
قال بضيق "لقد رأيته بالفعل.. لكن لمَ لمْ تناديني لأرفعه بنفسي؟.. سقوطك أنت سيكون أسوأ منه.."
قام بالهبوط بنفسه مستخدماً رباط ثوبها الذي لم يكن بالطول الكافي، لكن آرجان مد ذراعه الأخرى متشبثاً بالرباط بيد واحدة، وجذب الصبي من ملابسه حتى أحاطه بذراعه بقوة.. ثم هزه قائلاً "أيها الصبي.. أأنت مستيقظ؟.. تشبث بي كي أتمكن من الارتفاع بك للأعلى.."
ظل الصبي ساكناً للحظات، ولما هزه آرجان بشدة أكبر فتح الصبي عينيه، وقام بما طلبه أرجان وهو يتشبث بعنقه بكل ما يملك.. عندها عاد آرجان يرتفع حاملاً الصبي على ظهره وينقل خطواته بكل حذر حتى وصل لموضع رنيم التي حاولت مساعدته وجذبت الصبي من على ظهره..
وبينما جلس آرجان جانباً بشيء من التعب، فإن الصبي قد أغمض عينيه من جديد وبدا أنه قد غرق في غيبوبة ربما كانت ناتجة عن سقوطه العنيف.. نظرت رنيم لآرجان قائلة "شكراً لك.. كاد يلقى حتفه لو سقط في هذا المنحدر.."
انتبهت أن آرجان كان مغموراً بالمياه شديدة البرودة، فتساءلت بتعجب "هل ذهبت للاستحمام في هذا الجو الصقيعي؟"
قال آرجان بضيق وحنق "كفي عن هذه الملاحظات الساخرة.. سأذهب لاستبدال ملابسي.. يستحسن أن نحضر الصبي أيضاً للمنزل ولا يبقى في العراء.."
حمل الصبي عائداً للمنزل القريب مدمدماً "يبدو أن رحلة اليوم قد ألغيت مع كل هذا التأخير.."
تبعته رنيم بخطوات سريعة كاتمة ابتسامة وهي تراه يعطس باستمرار.. وفي المنزل، وضع آرجان الصبي على أحد المقاعد العريضة وسطه وغادر لاستبدال ملابسه بعد أن تجمدت أطرافه من البرد، بينما اقتربت رنيم مشفقة من الصبي وتفحصته محاولة معرفة إن كان قد أصيب بجرح خطير أو كسر في أحد عظامه.. لكنه كان سليماً مما جعلها تتنهد وتجلس بقربه بعد أن غطته بدثار جلبته من غرفتها..
بدا لها أن الصبي لم يتجاوز التاسعة من عمره، بملامح بريئة وجسد ضئيل وقصير.. وبعد بعض الوقت، عندما فتح الصبي عيناه، قفز جالساً في موقعه قبل أن ينثني بألم ممسكاً خاصرته.. فقالت رنيم "اهدأ.. كانت سقطتك عنيفة وسيؤلمك جسدك لبعض الوقت.. لكنك خالٍ من أي كسور أو جراح والحمدلله.."
كانت واثقة أن ذلك الصبي لن يفهم ما تقوله، لكنها حاولت تطمينه بابتسامتها وبإشارة من يديها.. فنظر لها الفتى بتوجس، ثم قال "ما الذي فعلته بي؟"
رفعت رنيم حاجبيها وهي تسمعه يتحدث العربية بشيء من التشويه وإن كانت كلماته مفهومة.. فقالت بابتسامة "أنت تتحدث لغتي؟.. هذا رائع.. لكن، ما الذي تظن أنني فعلته بك؟.. لقد أنقذت حياتك.."
قطب الصبي بحدة وقال "أنقذت حياتي؟.. هراء.."
نظرت له بتعجب للغضب البادي على وجهه، ثم سمعته يقول بعد لحظة صمت وبحدة أكبر "حتى لو أنقذت حياتي، فلا يمكنني شكرك أبداً.. أنت ستجلبين الوبال على قريتنا هذه.."
ضحكت رنيم لقوله وعلقت قائلة "ممن سمعت هذا القول؟.. لا تردد كل ما تسمعه كالببغاء.."
وربتت على رأسه عابثة بشعره قليلاً.. فلوح بذراعيه ليبعد يدها وهو يقول بحنق "أتهزئين بي؟"
لم تملك رنيم ابتسامتها وهي ترى تلك التصرفات المتكبرة من ذلك الصبي الضئيل، فسألته بلطف "ما هو اسمك؟.."
نظر لها بحدة تتجاوز عمره، ثم قال بكبرياء "الأسماء مقدسة لدى الهوت، لذلك لا يفشونها للغرباء بتاتاً.."
تظاهرت رنيم بالتفكير للحظة ثم قالت "هذا غريب.. أنا واثقة أن اسم كاينا هو اسمها الحقيقي.. كما أن آرجان لم يتردد في إخباري باسمه دون أن أسأله.."
نظر لها الصبي بمزيج الحدة والضيق، ثم قال باستنكار "أنا لست ضعيف الشخصية مثلهما.. لن أخبرك باسمي مهما حصل.."
سمعت رنيم في تلك اللحظة صوت طفلة تنادي "توما.. توما......"
بدا شيء من الغيظ على ملامح الصبي بينما تكرر النداء بإلحاح، مما أكد لرنيم أن الطفلة تنادي هذا الصبي بالتحديد.. ثم رأته يقفز واقفاً واستدار مغادراً بوجه محتقن محاولاً ألا يعرج في سيره بينما هتفت رنيم خلفه بابتسامة "إلى اللقاء يا توما.."
رأته يركض نحو طفلة لا تتعدى الخامسة من عمرها ووقف يجادلها بحنق، ثم لكمها على رأسها بيده المضمومة لكمة آلمتها وغادر وهي تتبعه باكية.. بينما ضحكت رنيم لتصرفاته وغمغمت بتعجب "حتى الأطفال يكرهون وجودي هنا؟.. يبدو أنني أتفوق على نفسي.."
كان لمثل تلك المحادثة أن تسبب ضيقاً في نفسها وكآبة شديدة في العادة، لكنها هذه المرة كانت رائقة المزاج وصدرها يفيض سعادة وحبوراً بحيث ترى كل شيء ممتعاً ويرسم الابتسامة على شفتيها.. تنهدت وهي تجلس على سريرها وتنظر عبر النافذة الضيقة في الغرفة للسماء التي بدأت تكتسب لوناً أزرقاً جميلاً.. ليت الحياة كانت جميلة كما رأتها من الأعلى.. ليت المصاعب والمشاكل التي تلاحقها بدت صغيرة ضئيلة بشكل تافه كما بدت منازل القرية من ذلك الارتفاع.. وليتها تملك الحرية والانطلاق اللذين شعرت بهما وهي على ظهر ذلك التنين الذي شقّ السماء بكل سلاسة ونعومة..

*********************

في اليوم التالي، وبعد أن عادت رنيم من العناية بالتنين وبقيت جالسة وحيدة في المنزل، شعرت بصوت خافت قرب باب المنزل دهشت له.. اقتربت من الباب وفتحته ظناً منها أنه آرجان وقد عاد بعد أن أتمّ ما عليه من مهام كالعادة، لكنها فوجئت بتوما الذي كان منحنياً يضع شيئاً في يده قرب عتبة المنزل.. ولما رآها استدار بسرعة هارباً، لكنها قبضت على عنق ثوبه بسرعة وقالت "إلى أين؟"
صاح توما وهو يقاومها "اتركيني.."
لكنه كان ضئيل الجسد بحيث لم يتمكن من الفكاك من قبضتها، بينما نظرت رنيم للإناء الذي وضعه توما قرب الباب وحوى بعض الخبز الساخن.. نظرت لتوما الغاضب بدهشة وقالت "أهذا لي؟.. أم لآرجان؟"
قال بحدة "لكما أنتما الإثنان.. أنا لا أحب أن أحمل جميلاً لأحد، وبهذا الإناء أكون قد رددت جميلك لإنقاذ حياتي.."
ابتسمت رنيم معلقة "حياتك تساوي بضع أقراص من الخبز؟.. هي حياة بخسة إذاً.."
وجذبته حاملة الإناء لداخل المنزل وهو يصيح معترضاً "أطلقيني.. ما الذي تبغينه بعد؟"
قالت بعد أن أغلقت الباب "اسمع.. أنا أبقى وحيدة معظم اليوم في المنزل.. ما رأيك بأن تجلس معي وتحدثني قليلاً؟"
قال بجفاء "لماذا؟.. ما الذي سأستفيده من البقاء مع غريبة مثلك؟"
قالت "سأحدثك عن (الزهراء) التي لم ترَ مثلها من قبل، وبالمقابل ستحدثني عن الهوت وعن هذه القرية.."
قال توما بحدة وسرعة "أنا لن أفعل ذلك.. الهوت لا يفشون أسرار القرية بتاتاً.."
جلست رنيم جانباً وقالت "لا بأس.. يكفي أن تستمع إليّ وأنا من سيتحدث.. ألا تحب أن تعرف شيئاً عن (الزهراء)؟"
غلب فضول توما حنقه، فسار بعد تردد حتى جلس على كرسي آخر وهو ينظر لها مضيقاً عينيه بجفاء.. لكن رنيم لم تعبأ بهذا وهي تحدثه عن كل ما رأته في (الزهراء) وعن جمال طرقاتها وبناياتها وقصورها.. كانت واثقة أن حديثاً كهذا سيجذب انتباه توما وسيُسقط الحواجز التي يضعها حول نفسه بسهولة.. لقد سئمت رنيم من البقاء وحيدة في هذا المنزل، وفضولها الذي لا يخفت عن الهوت لا يعبأ به آرجان الذي لا يجيب عن أغلب أسئلتها إلا بإجابات مقتضبة..
ورغم أن توما غادر في ذلك اليوم قائلاً بحدة أنه لن يعود مرة أخرى، فإن رنيم وجدته في اليوم التالي عائداً حاملاً بعض الفطائر بحجة أنها زائدة عن حاجة عائلته.. ابتسمت رنيم دون تعليق وهي تجذبه للمنزل وتجلس معه محاولة دفعه للحديث عن عائلته وعن القرية والتنانين الأخرى التي لم ترها رنيم.. وقد سألته باهتمام "كيف تعلمت الحديث باللغة العربية؟.. أغلب الهوت لا يعرفونها كما لاحظت عند قدومي.."
قطب توما وكأنه أهين بقولها هذا وقال بحدة "بل كل الهوت يعرفون التحدث بالعربية، لكنهم يأبون إلا التحدث بلغتهم.. نحن نفخر بلغتنا، نفخر بهويتنا، ولا ننوي بتاتاً الذوبان في مملكة بني فارس كما فعلت الشعوب الأخرى حتى ضاعت هويتها ونُسي تاريخها.."
قالت رنيم بابتسامة "هذا رائع.. مثابرتكم هذه أثارت إعجابي.. وماذا عن.....؟"
قال لها توما مضيّقاً عينيه "لمَ تكثرين من الأسئلة عن الهوت؟.. أأنت جاسوسة من الملك؟.. لابد أنه أرسلك لتقصّي أخبار الهوت تحضيراً لهجمة جديدة على قُرانا.. أليس كذلك؟"
ضحكت رنيم لقوله وعلقت "جاسوسة؟.. لم أكن لآتي لهذه القرى لو لم يختطفني آرجان بالقوة.. لكني أحب القراءة وقد قرأت الكثير من الكتب عن شعوب العالم.. قرأت كل ما يمكن قراءته، لكني لم أجد إلا قلة من المعلومات عن الهوت.. فهم لا يملكون تاريخاً مكتوباً ولا يشاركون خبراتهم وتاريخهم مع أحد، بل لا يخالطون أحداً بتاتاً مهما استدعت الحاجة لذلك إلا في نطاق ضيّق.."
قال توما باهتمام شديد "أأنت تعرفين القراءة؟"
هزت رأسها إيجاباً، فاعتدل في جلسته متسائلاً "وهل تعرفين الكتابة أيضاً؟"
قالت رنيم "القراءة والكتابة لا ينفصلان أبداً.."
عندها قفز توما قائلاً بلهفة "هل تعلمينني إياهما؟"
نظرت له رنيم بدهشة، لكنها فوجئت به يغادر الموقع راكضاً وهي تناديه دون أن يستجيب لندائها، ثم لم يلبث أن عاد حاملاً كتاباً أوراقه عتيقة وغلافه مهترئ.. فوضعه أمامها قائلاً بلهفة "علميني قراءة هذا الكتاب.."
تناولت رنيم الكتاب بدهشة متسائلة "من أين حصلت عليه؟"
أجابها "هازر قد ورث بعض الكتب من أبيه الذي كان يحب جمعها ويتقن القراءة والكتابة.. للأسف كان قد عميَ عندما بدأت أهتم بالكتب ولم أتمكن من التعلم على يديه.."
صمتت وتأملت غلافه فلم تتمكن من قراءة ما كتب عليه لشدة ما كانت مطموسة، ففتحته وتصفحته بشيء من الدهشة والاهتمام.. لقد افتقدت هذا الشعور منذ زمن.. افتقدت ملمس الأوراق ورائحتها، وافتقدت جمال الحروف المكتوبة وافتقدت ذلك العالم الذي تحلق إليه بخيالها.. كان الكتاب عن حروب القرن الأخير قبل توحد مملكة بني فارس.. وقد أدرجت فيه خرائط وخطط خاصة بتلك الحروب وبنتائجها وبما قادت إليه من قيام المملكة ومن توحد معظم أقطار القارة العظمى تحت لوائها..
انتبهت لنظرات توما المتلهفة وهو يراقبها، فقالت بابتسامة "عليك أن تكون صبوراً.. أريد قراءة هذا الكتاب هذه الليلة، وسأعلمك القراءة والكتابة منذ الغد.. اتفقنا؟"
قال بإلحاح "علميني البداية على الأقل.. أي حرف أو أي كلمة.. هذا ليس عدلاً.."
هزت رنيم رأسها موافقة، وفتحت أولى صفحات الكتاب وهي تشير للحروف وتشرح لتوما كيفية كتابتها وقراءتها في مواضع مختلفة من الكلمة.. لم يكن توما يملك دواة وريشة للكتابة، فاكتفت بشرح شفوي على أمل أن يستفيد من هذا رغم كل شيء.. كان شغف توما يتزايد مع كل لحظة تمضي، ولم ينتبه الإثنان إلى آرجان عند دخوله للمنزل حتى سمعاه يقول "يبدو أن توما قد أصبح أحد أفراد هذا المنزل.. ما الذي تفعله هنا كل يوم يا فتى؟"
قال توما بحنق وهو يشعر بأن آرجان يعامله بشيء من التصغير "ليس لك الحق في التدخل فيما يخصني.."
قال آرجان بتعجب "حتى لو كان ذلك في منزلي؟.."
ثم لوح بيده قائلاً "هيا غادر يا فتى.. لا أريد أحد أفراد عائلتك أن يبحث عنك ويكتشفوا أنك تختبئ في منزلي لتحادث الفتاة الغريبة.."
نظر له توما بغيظ، وقد كان مستمتعاً بتعلم قراءة الكتاب مع رنيم، لكنه غادر بصمت خشية أن يطرده آرجان ويمنعه من دخول المنزل، وترك الكتاب مع رنيم مع وعد بالعودة في يوم آخر..
ولما غادر نظر آرجان بتعجب لرنيم، فغمغمت بابتسامة "إنه فتىً طيب.."
علق آرجان وهو يضع ما يحمله بيده في جانب المنزل "لا تجعليه يقضي أوقاتاً طويله هنا، فأنا لا أريد أي مشاكل مع أهل القرية.."
قالت رنيم باعتراض "لكني وعدته بتعليمه القراءة والكتابة.. يبدو لي أن توما شغوف بالتعلم والقراءة، واحتفاظه بهذا الكتاب أكبر دليل على هذا.."
ثم غمغمت وهي تنظر للكتاب بين يديها "يذكرني هذا بأزمان قديمة جداً.. عندما كنت أتلهف لتعلم القراءة كي أتمكن من التسلل لمكتبة أبي الضخمة وأطالع الكتب التي تجذبني بأغلفتها الزاهية وعناوينها المذهبة.."
قال بسخرية "أزمانٍ قديمة؟.. من يسمعك يظنك تجاوزت المائة من عمرك.."
قالت مقطبة "لكني أكاد أبلغ العشرين من عمري.. وهذا عمر ليس بقليل.."
ضحك آرجان معلقاً "عشرين؟.. لازلتِ غرّة ساذجة.. أنت بحاجة لعشر سنوات على الأقل قبل أن تعدّي نفسك بالغة.."
فقالت بضيق "وكم عمرك أنت؟.. لا أظنك تكبرني بكثير.."
أجاب بابتسامة جانبية "لقد تجاوزت الرابعة والثلاثين.. وهو فارق كبير كما ترين.."
علقت بشيء من الحنق "هذا لا يبيح لك الاستهزاء بي.."
فقال دون أن تخفت ابتسامته "لم أستهزئ بك بتاتاً.. إنما كانت تلك حقيقة.."
لم يهدئ ذلك ضيقها وهي تدير بصرها جانباً بصمت.. ثم تساءلت "لمَ تعيش وحيداً في هذا المنزل؟.. أين بقية أهلك؟.. ولمَ لست متزوجاً حتى الآن؟"
قال رافعاً حاجبيه "وما شأنك أنت؟.. هل تسألين هذه الأسئلة بحثاً عن وسيلة للفرار من قبضتي؟"
غمغمت وهي تدير بصرها جانباً "من يدري؟.."
فقال آرجان وهو يدلف غرفته "كما يحلو لك.. الأبواب مفتوحة لك في أي وقت.."
ابتسمت رنيم وهي مدركة أنها لن تفعل ذلك.. آرجان أيضاً يدرك أن رنيم لا تملك القدرة على الرحيل وحيدة، لذلك لم يعد يغلق بابها بالمفتاح كل ليلة.. ورغم تطاول الأيام، فإن رنيم لم تعد تسأله عما ينوي فعله بها، وعن نيته بإطلاق سراحها.. لم تعد تعبأ بعدّ الأيام للعودة للزهراء، ولم تعد تسأل عما جرى فيها..
غادرت للغرفة التي كانت محبسها في الأساس، لكنها أصبحت غرفتها نوعاً ما بعد أن طال وجودها في هذه القرية، وهذا المنزل، دون أن يكون لها سبيل للرحيل.. وفي هذه اللحظات، كانت رنيم ترحّب بالخلوة بشدة وبين يديها هذا الكتاب الذي أثار شغفها للقراءة من جديد.. وهي التي تعشق قراءة التاريخ بكل أشكاله الممكنة..

*********************

كم يوماً قضته رنيم سجينة في قرية الهوت، لا تكاد تخالط أحداً ولا ترى أحداً عدا الثلاثة الذين تعرفهم وهم كاينا وآرجان وتوما؟.. لا تعرف الجواب.. وبعد كل تلك الأوقات، نسيت رنيم أو تناست أمر عودتها للزهراء تماماً.. أصبح الموضوع لا يشغل تفكيرها ولا يسبب لها الضيق إلا اضطرارها للبقاء طوال اليوم في المنزل دون أن تخطو خطوة خارجه وحيدة.. والوقت الوحيد الذي أصبح متنفساً لها من هذا السجن هو في العناية بالتنين الذي لم تتخلّ عن القيام به كل فجر رغم أن آرجان حاول إقناعها بالكف عن ذلك.. لكن كيف تكف عن الخروج من هذا السجن واستنشاق رائحة الفجر في هذه الجبال الباردة والالتقاء بالتنين كاجا الذي أصبح مع مرور الوقت يقفز نحوها كلما رآها لينال جائزته التي تحملها معها في كل مرة..
ورغم أن آرجان كرر رفضه اصطحابها في جولاته في مرات ثانية، لكنها لم تتذمر وهي تكتفي بالعناية بالتنين بكل صبر..
وبعد تلك الأيام، بعد مضيّ ساعات قليلة على بدء ذلك النهار، وبينما كانت رنيم جالسة في المنزل بانتظار قدوم توما الذي دأب على الجلوس معها وتعلم الكتابة والقراءة منها بمثابرة، سمعت صوتاً يتحدث قرب الباب بنبرة أثارت انتباهها.. أدركت أن ذلك الصوت هو صوت آرجان، لكن الثاني كان صوت رجل آخر من أهل القرية.. ورغم أن رنيم حاولت الإنصات عبر الباب المغلق، لكنها لن تقدر على فهم لغة الهوت مهما حاولت.. على الرغم من أنها سعت لتعلمها من توما في الأيام الماضية مدفوعة برغبة غير مسبوقة لفهم حديثهم دون ترجمة، لكن الأمر لا يتعدى بضع عشرات من الكلمات وبعض الجمل البسيطة..
توجهت رنيم للنافذة القريبة وأطلّت عبرها محاولة ألا تظهر نفسها للرجل الغريب.. وهناك رأت آرجان يتحدث مع الغريب بسرعة وانفعال واضح.. بدا أن الموضوع هام جداً لآرجان وأثارلهفته بشدة، ولم يلبث الرجل بعدها أن ابتعد بينما اندفع آرجان للمنزل وفتح بابه بشيء من الضجة..
نظرت رنيم لوجهه المنفعل بدهشة، بينما بادلها آرجان النظرات بصمت وكأنه لا يعرف ما يقول.. وأخيراً زفر بشدة واقترب منها قائلاً "لديّ بعض الأخبار.."
سألته دون أن تملك قلقها "أهي تخصني؟.."
أدار آرجان بصره جانباً قائلاً "نوعاً ما.."
خفق قلب رنيم بقلق متزايد.. أهو خبر من (الزهراء)؟.. رأته يجلس جانباً مطرقاً قبل أن يقول "وصلتني أخبار شبه مؤكدة عن جايا.."
رفعت رنيم حاجبيها وقد زال قلقها هاتفة "حقاً؟.. هل عثروا عليها؟.. أين هي؟.."
أجاب آرجان "لقد هربت من (الزهراء) بالفعل كما قال ذلك الرجل، لكن عوضاً عن العودة لقرى الهوت فإنها شوهدت في ميناء (مارِج).."
نظرت له بحيرة، ففسر الأمر قائلاً "إنها مدينة تقع خلف سهول الأكاشي، في الجانب الغربي القصي من القارة العظمى.."
تساءلت بدهشة "ما الذي دعاها للذهاب إلى هناك؟.."
زفر آرجان مجيباً "ليتني أعرف ذلك.. لا يمكن أن يكون ذهابها لذلك المكان اعتباطاً.. لابد من سبب قوي.."
سألته من جديد "لكن كيف علمت أنها موجودة هناك؟.. وما الذي يؤكد لك أنها هي بالتحديد؟"
قال بشيء من الضيق "تلك قضية أخرى.."
وغمغم مطرقاً دون أن يلاقي عينيها بعينيه "هكذا ترين أنني أخطأت بما فعلته بك.. فجايا لم تكن في (الزهراء) بالفعل.."
صمتت رنيم دون أن تعلق أو تشعر بأسى لما جرى لها دون ذنب ودون سبب حقيقي.. وبعد أن طال الصمت بينهما، غمغمت رنيم "وما الذي ستفعله الآن؟"
نظر لها قائلاً بتوتر كبير "سألحق بها بالطبع.. بأسرع ما يمكنني.."
ونهض يجمع أغراضه ويدور في المنزل ليعدّ العدة لرحيله ويضع أغراضه في حقيبة جلدية، وتتضمن في الأغلب بعض الأسلحة اليدوية والخناجر، وما يلزمه لرحلة طويلة لا يعلم كم ستستغرقه.. وبعد بعض الصمت، غمغمت رنيم "ماذا عني؟"
نظر لها آرجان بصمت وتوتر للحظات، ثم قال "سأطلب من كاينا وأحد الرجال إعادتك لموقع قريب من (الزهراء)، فقد انتفى الغرض من إبقائك في هذه القرية.. لهذا العمل خطورة بالغة عليهما بعد هجومنا السابق على القصر، لكن ما باليد حيلة.."
صمتت رنيم دون أن تعلق على هذا القول.. أهي تريد الرحيل حقاً؟.. أهذا ما سيسعدها ويختم هذا الفصل الغريب من حياتها؟.. وكما قالت لها كاينا في أول يوم لها في القرية، ما الذي يجبرها على العودة لذلك السجن حقاً؟..
نظرت لآرجان بصمت من جديد وهو منهمك في ارتداء حذائه طويل الرقبة.. وكأنه انتبه لنظراتها دون أن يلتفت إليها فعلق قائلاً "أخبرتك سابقاً.. لو كان لديك ما تقولينه فقوليه الآن.. لا أحب اعتراضك الصامت هذا أبداً.."
ابتسمت رنيم بجانب فمها لتعليقه، ثم قالت وهي تدير بصرها جانباً "لماذا أعود؟"
نظر لها آرجان بدهشة، فقالت بعد لحظة صمت "حقاً.. هذا سؤال كان يدور بذهني منذ زمن.. لماذا أعود؟.. وما الذي أعنيه لسكان (الزهراء) ولمن في قصر الملك؟.. بل ما الذي يعنيه وجودي لأبي وأمي؟.. أيرغب أحدهم باستعادتي حقاً بعد فشلي في تحقيق ما أمِلوه مني؟"
ظل آرجان صامتاً للحظات بدهشة تامة، ثم وجدته يتقدم منها فيقف في مواجهتها قائلاً بحزم "ما الذي تريدين فعله إذاً؟.. أخبريني بما تريدينه وسأحققه لك ما دام في وسعي ذلك.."
تساءلت رنيم بدهشة "لمَ عليك فعل ذلك؟"
أجاب "ربما كنت مديناً لك بذلك.. لقد أفسدت حياتك باختطافي لك دون ذنب ارتكبتيه، فلم يكن لك دخل فيما حلّ بجايا.."
قالت رنيم ببساطة "ربما كان العكس هو الصحيح.. أنت لم تفسد حياتي، بل أصلحتها.."
صمت آرجان وهو يتأمل ملامحها بدهشة، بينما خفضت رنيم بصرها محاولة استجماع مشاعرها وشدّ عزمها.. كانت تعرف بالضبط ما تريده.. هو حلم لطالما حلمت به منذ استوعبت أبعاد حياتها التي كانت تراها كئيبة.. كانت واثقة من رغباتها، لكن لم تكن تملك الثقة الكافية لاتخاذ قرارات توافق تلك الرغبات.. وأبعدها عجزها عن مسار حياتها الذي لطالما تمنته..
كل ما تريده رنيم هو بعض الحرية.. أن تطير.. أن تحلق بلا قيود..
اختطاف آرجان لها قد خفف ضغط السلاسل التي كانت تقيد روحها، وبدأت رنيم تتململ بحثاً عن تلك الحرية المنشودة.. وها هي تقف أمامها وليس على رنيم سوى أن ترفع رأسها فتراها بكل وضوح..
رفعت رأسها تتطلع لآرجان الذي يراقبها بصمت، ثم قالت بهدوء "أريد الرحيل معك.."
صمت آرجان بصدمة للحظات، ثم قال بعدم فهم "ترحلين؟.. لأين؟"
ابتسمت رنيم مجيبة "حيثما ذهبْت.."
اتسعت عينا آرجان بدهشة وهو حائر في مغزى كلماتها.. ثم قال "أيتها الأميرة.. رحلة كالتي أنوي الذهاب فيها ليست ممتعة ولن تسير بالسلاسة التي تتوقعينها.. لا تقارنيها بتاتاً برحلة تقومين بها وسط حراسة مشددة وفي عربة مريحة في ربوع مملكة أبيك الآمنة.."
لم تعلق رنيم على مناداته لها بالأميرة في سخرية واضحة، لكنها قالت "أدرك كل ذلك.. وهذا بالتحديد ما أسعى إليه.. لا أريد أي شيء من حياتي السابقة.. ولست أطمح للحصول على متعة أو مغامرة أحكيها عند عودتي للقصر الآمن.."
تساءل آرجان بحيرة "إذن ما الذي تريدينه؟"
نهضت رنيم وواجهته بحزم للمرة الأولى في حياتها قائلة "أريد الرحيل.. أريد نسيان من أكون ونسيان الحياة التي عشتها حتى الآن.. أريد أن أكون جزءاً من هذا العالم الذي لم أره إلا من نافذة قصر أبي.. لست أملك وسيلة للترحال، وليس أمامي إلا الانضمام إليك في هذه الرحلة.. أنت ستبحث عن جايا وأنا سأحقق حلمي الوحيد.."
غمغم آرجان وهو يتراجع "أنت تهذين.."
وحمل حقيبته قائلاً "سأترك أمرك لكاينا.. وهي ستعود بك لقصر زوجك في الأيام القادمة.."
أسرعت رنيم واعترضت طريقه قائلة "ألم يقنعك قولي؟.. لا أريد العودة.. أفضل البقاء سجينة في هذا المنزل عن العودة لعالم قاسٍ لا يعبأ بي قيد شعرة.."
قطب آرجان بغير اقتناع، فأمسكت رنيم يديه بيديها قائلة بتوسل "لن أعطلك في هذه الرحلة أبداً.. أدرك أن قول هذا سهل، لكني سأفعل ما بوسعي لمعاونتك ولن أزعجك بتاتاً.. فلا ترفض هذا دون سبب"
قال آرجان باستنكار "دون سبب؟.. أنت لا تدركين ما أنت مقدمة عليه.."
ضربت رنيم الأرض بقدمها قائلة بحنق "أنت طلبت مني التعبير عما أريد قوله بصراحة.. فلماذا تستنكر ذلك الآن؟.. لا أريد العودة لذلك القصر.. ألا يمكنك فهم ذلك؟"
قال آرجان بحدة "وماذا عن زوجك؟.. ماذا عن حياتك؟.. ماذا عن ذلك النعيم الذي كنت ترفلين فيه؟"
قالت رنيم بانفعال شديد "زوجي نبذني قبل أن يتزوجني.. حياتي تلك كانت موتاً محتوماً.. وذلك النعيم كان كالأشواك في حلقي.. أنت لا تعرفني، ولا تعرف ما أريده حقاً.. لماذا لا تصدق أنني مختلفة عن كل أولئك الفتيات اللواتي يتلهفن لحياة القصور الزاهية؟.."
ظل آرجان يحدق في عينيها بحيرة ودهشة، بينما واجهته رنيم بحزم وانفعال واضحين.. كانت مصرّة، وموقنة أن هذا هو الخيار الأمثل الذي سيقودها في الطريق الذي لطالما تلهفت إليه.. جنون؟.. ربما.. لكن ما هي موقنة منه أن الجنون خيرٌ من البؤس..
قطع صمتهما صوت توما الذي دخل من الباب المفتوح بغفلة منهما قائلاً بحزم "سأذهب معكما.."
نظرا له بدهشة، ثم قالت رنيم "تذهب معنا؟.. لماذا؟"
قال توما "لا لسبب.. لكني أريد الذهاب.."
علق آرجان بضجر "هذا ما كان ينقصني.."
فقال توما بحدة "لا شأن لك.. سأذهب معكما سواء أعجبك هذا أم لم يعجبك.."
اقتربت منه رنيم وأمسكت كتفيه قائلة "توما.. نحن لن نذهب لنلهو، ولن نعود بعد أيام قليلة.. هذه رحلة ستطول، ولا نعلم علامَ ستنتهي.."
قال توما بسخرية "كان آرجان يقنعك بالأمر ذاته.. لكنك لم تقتنعي.."
نظرت له رنيم بصمت وحيرة بينما قال آرجان بحزم "مستحيل.. لمْ أوافق على اصطحاب فتاة ولن أوافق بالتأكيد على اصطحاب طفل.."
احتقن وجه توما للإهانة، وقبل أن يجد رداً لاذعاً يرد به على آرجان، سمع الثلاثة صياحاً من بعيد، ولم يلبث أحد رجال القرية أن هرع إلى آرجان منفعلاً.. ولما لمح الرجل رنيم، بدت تقطيبة واضحة على وجهه وهو يقول لآرجان بلغة الهوت "آرجان.. إنهم الجنود......"
لم تغِبْ نظراته الكارهة عن عيني رنيم التي أدارت بصرها جانباً، بينما نظر آرجان وتوما للرجل بدهشة وهو يضيف بانفعال "جنود الملك عند حدود القرية.. لقد علمَ أرنيف بذلك قبل قليل.."
بدا شيء من القلق في عيني توما بينما قال آرجان بدهشة "أأنت واثق؟"
قال الرجل بحدة "واثق طبعاً.. لقد اشتبك معهم بضع رجال منا، بينما عاد أحدهم لينذر القرية.."
لم يتأخر آرجان في اللحاق بالرجل متجهين إلى موقع أرنيف، بينما قبضت رنيم على ذراع توما وهي تسأله بقلق "ما الأمر؟.. ما الذي أراده الرجل في مثل هذا الوقت؟"
نظر لها توما بشيء من التوتر، ثم قال "إنه يحذرنا من هجوم جنود الملك على القرية.. فرقة منهم تقترب من حدودها بالفعل.."
اتسعت عينا رنيم بدهشة ممتزجة بالاستنكار، ثم قالت بقلق "ما الذي جاء بهم لهذا الموقع؟.. أأنتم معتادون على هجمات الجنود على قريتكم؟"
هز توما رأسه نفياً، ثم نظر لعيني رنيم قائلاً "أغلب الظن أنهم جاؤوا لأجلك أنت.."
رغم أن هذا ما تمنته رنيم عندما تم اختطافها، لكن حدوثه في مثل هذا الوقت قد أصابها بصدمة شديدة.. أيمكن أن يكون الملك قد أرسل جنوده لاستعادتها؟.. لماذا الآن؟.. لمَ حدث هذا بعد أن اتخذت عزمها على نسيان حياتها السابقة والسير في طريق آخر تختاره بكل حرية؟..
لكن ما هي متأكدة منه أن الجنود لن يترفقوا في التعامل مع القرية وسكانها.. لابد أنهم سيسببون أشكالاً من الدمار ويقتلون عدداً من القرويين الذين لن يستسلموا بسهولة.. فما الذي يمكنها فعله لإيقاف هذا الأمر؟.. ما الذي يمكن لرنيم فعله لكي لا تعود لحياتها السابقة رغماً عنها؟..

*********************

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 17-12-15, 05:50 AM   المشاركة رقم: 43
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: على جناح تنين..

 

الفصل الثامن: لماذا أعود؟


بأمر من أرنيف، زعيم قرية الهوت التي تقع وسط السلسلة الجبلية تلك وفي وادٍ ضيق منها، انطلق عدد من الرجال على ظهور التنانين متجهين نحو الممر الجبلي الضيق الذي يربط القرية بالعالم الخارجي.. وعند اقترابهم من جانب الجبل الذي يلقي بظلاله على القرية، رأوا في ذلك الطريق فرقة من الجنود لا يزيد تعدادها عن خمسين رجلاً تتقدم من القرية بثبات وبتسليح خفيف.. فصاح أحد الرجال برفاقه "إنهم قلّة.. لن يُعجزنا التخلص منهم.."
اقتربت التنانين بأصحابها لتبدأ هجومها على فرقة الجنود تلك، ورغم أن الجنود بادروا بإطلاق رصاصاتهم بغزارة، لكن التنانين كانت تناور بسرعتها الكبيرة بينما يهاجم الرجال برماحهم وسهامهم التي انهمرت على الجنود بتصويب محكم فجندلت عدداً منهم بينما صدّها الآخر ن بما يحملونه من دروع.. ورغم أن الهوت لا يتعاملون بالأسلحة الحديثة في ذلك العالم مكتفين بالسيوف والرماح والسهام، لكنهم يملكون نوعاً خاصاً من القنابل المصنوعة يدوياً باستخدام البارود ومساحيق خاصة يستخرجونها من الطبيعة حولهم.. وسرعان ما انهمرت بضع قنابل على فرقة الجنود التي حاولت الاختباء في جانب الجبل من ذلك الهجوم والتقدم ببطء شديد.. ومع انفجار القنابل الذي كان ضعيفاً ولم يسبب الضرر للجنود، فإن سحابة كثيفة صفراء اللون انتشرت في الموقع مسببة السعال والدموع تنهمر من أعين الجنود بالإضافة لغثيان شديد أعجزهم عن الحراك، وفي الآن ذاته بدأ الهوت باقتناصهم دون أن يهبطوا من على ظهور تنانينهم بتاتاً..
وبينما تخبط الجنود في موقعهم، صاح قائدهم "ليتقدم حَملة المدافع ويُسقطوا تلك الطيور اللعينة بسرعة.."
تقدم عدد من الجنود حاملين مدافع صغيرة الحجم ومطورة بحيث تمتاز بالخفة والقوة في الإطلاق.. وبعد تعبئتها بالقنابل، قام الجنود بالتصويب بسرعة وإحكام على التنانين وإطلاق القنابل قبل أن يبتعد الهدف من موقعه..
فوجئ الهوت بالقذائف التي تطايرت نحوهم، ورغم أن أغلبهم تمكن من تفاديها بشيء من الصعوبة، لكن هجومهم أصبح أكثر عسراً من السابق واضطروا للارتفاع والابتعاد عن مرمى قذائف الجنود، ولم تفلح قنابلهم في إحداث أي تأثير في الجنود الذين استمروا في سيرهم ببطء مدروس.. ولما طارت الأنباء إلى أرنيف بتطورات هذا الهجوم، وبعد أن أدرك الجميع أن الجنود سيصلون للقرية خلال وقت قصير، قال أحد الرجال "علينا أولاً أن نبتعد عن هذه القرية.. علينا تأمين النساء والأطفال قبل أن نهجم عليهم هجمة رجل واحد.. لا نريد تكرار ما جرى في السابق، ولن نحقق شيئاً ما لم نباغتهم ونلتحم بهم مباشرة.."
قال آخر بغضب "هذا ما جناه آرجان علينا باختطاف تلك الفتاة.. الآن ستقع القرية كلها تحت طائلة أفعاله.."
لم يعلق آرجان الواقف جانباً بينما صاح آخر به "ما الذي يمكنك فعله لتعويض الأهالي عما سيجري لنا هذا اليوم؟.."
فقال أرنيف "عوضاً عن إلقاء الاتهامات بلا طائل، علينا أن نتضافر لصدّ هذا الهجوم بأي وسيلة كانت.. حتى لو اضطررنا لحرق هذه القرية والانتقال لموضع آخر.."
ونظر للرجال من حوله مضيفاً بحزم "لن نسمح لجندي باختطاف شخص منا هذا اليوم أبداً.."
وفي جانب آخر، استمعت رنيم للحوار الدائر من مخبئها خلف أحد المنازل بعد أن عجزت عن البقاء في مخبئها وسط تلك الأحداث، ونظرت لتوما الشاحب حيث وقف قربها متسائلة بقلق "ما الذي جرى يا توما؟.."
لخّص لها توما الموقف بكلمات مقتضبة، ثم ختم قوله بصوت يرتجف "أبي خرج مع الفرقة التي تقاتل الجنود الآن.. ولا أعلم ما جرى له.."
عضّت رنيم شفتها السفلى بقلق ومرارة واضحة.. ها هي تتسبب في كارثة لهذه القرية المسالمة، رغم أن هذا لم يكن ذنبها حقاً.. لكن لولا وجودها هنا، لما وصل الجنود للقرية وهاجموا سكانها دون رحمة..
نظرت حولها وهي تفكر بسرعة بحثاً عن حل لهذا المأزق.. رجال القرية قد يُقتلون عند محاولتهم صدّ هذا الهجوم.. وآرجان لن يكون أفضل حالاً منهم.. عندها، ما سيكون مصير توما وكاينا وبقية من في القرية؟..
عندها نظرت للأعلى وفكرة واحدة تختمر في عقلها.. يجب أن تخرج بنفسها للقاء جنود الملك.. مهما كان الأمر، هي الوحيدة التي تقدر على منع كارثة كهذه بأخف ضرر ممكن.. وعليها، فوق كل ذلك، أن تصل لموقع الهجوم بأسرع وأسهل وسيلة ممكنة لتفادي مصائب جديدة..
التفتت إلى توما القلق، ثم قالت وهي تربت على رأسه "لا تقلق يا فتى.. ستنتهي الأمور على ما يرام، وسيكون أباك بخير بإذن الله تعالى.."
نظر لها توما بعدم اقتناع، بينما استدارت رنيم راكضة نحو منزل آرجان، وبعد لحظة قصيرة قضتها فيه، خرجت من المنزل ثم تجاوزته لموضع أعلى في جانب ذلك الجبل دون أن تخفف خطواتها رغم شعورها بالتعب.. وهناك، رأت كاجا الذي يتسكع في تلك المواقع في المعتاد ما لم يغلبه جوعه ويدفعه للرحيل بحثاً عن طريدة يصطادها.. اقتربت رنيم من التنين الذي أقعى جانباً بصمت، ولما رآها نهض واقفاً وتقدم نحوها خطوة.. فوجدت السرج على ظهره بتأهب، ويبدو أن آرجان قد وضعه في وقت سابق مما أراحها بشدة.. ربتت على خطم كاجا قائلة "أأنت مستعد يا صديقي؟.. أريد منك خدمة سريعة.."
وجدته يتشمم ملابسها بشيء من اللهفة، فقالت بتوتر "ليس الآن يا كاجا.. عندما نعود بإذن الله تعالى.."
وبشيء من المشقة، اعتلت ظهر التنين الذي لم يُظهر ممانعة لذلك وأمسكت بلجامه وهي تشعر بيديها متعرقتان لشدة توترها.. وقبل أن تشد العنان بالفعل، سمعت صيحة من بعيد ورأت آرجان يتقدم منها راكضاً.. ولما وصل لموقعها اقترب قائلاً بحنق "ما أنت فاعلة؟.. لو لم يبلغني توما بما جرى لما وصلت قبل أن ترتكبي هذه الحماقة.. كيف تتصرفين بهذه الصورة ودون استشارتي؟"
قالت رنيم بسرعة "يجب أن أفعل شيئاً لإيقاف هجوم الجنود على القرية.."
قال آرجان بعبوس "نحن من سيفعل ذلك.. ترجلي بسرعة ولا تقومي بأي تصرف متهور.."
قالت رنيم وهي تجذب العنان "لا.. يجب أن أذهب.. الهجوم على القرية لن يتوقف حتى أظهر للجنود.."
وأضافت معتذرة "سأتحمل أي عقاب تقرره عليّ بعد عودتي.. لكن الآن لا يمكنني الاستجابة لك.."
وجذبت العنان دون تردد وهي تضغط على بطن التنين، بينما قفز آرجان نحوها صائحًا "لا تفعلي هذا.."
لكن التنين كان قد استجاب لها وارتفع بسرعة تاركاً آرجان على الأرض ينظر لهما بصدمة مغمغماً "تباً.. ليس مع كاجا.. ليس مع كاجا يا حمقاء.."
لكن رنيم لم تسمعه وهي تدير التنين ليطير نحو الموقع الذي تعالت منه الأصوات العالية في جانب القرية.. كانت تلك المرة الأولى التي تطير فيها مع كاجا وحيدة ودون معاونة آرجان.. في الواقع هذه هي ثاني مرة تطير فيها مع أي تنين في حياتها كلها.. لكنها لم تتردد رغم أن بعض القلق قد ساورها لقدرتها على التحكم بهذا الكائن المعروف بشدّته.. لكن ما غلب تفكيرها في تلك اللحظات هو إيقاف ذلك الهجوم على القرية ومنع كارثة جديدة من أن تحدث لأهلها وتزيد نقمتهم عليها وعلى المملكة..
دار التنين دورة حول الموقع ورنيم تتشبث به جيداً.. بينما كانت بقية التنانين تطير على مسافة آمنة تراقب فرقة الجنود التي تقدمت بثبات، وتحاول إعاقتها دون أن تخاطر بإسقاط التنانين بضربة غاشمة.. ووسط ذلك، شقّ كاجا طريقه بسرعة وقوة بينها أثارت دهشة بقية الرجال قبل أن ينتبهوا أن الراكب على ظهره لم يكن آرجان، بل كان فتاة يتطاير شعرها الطويل المتماوج في الهواء.. ولما اقتربت رنيم من موقع الجنود، لاحظت على الفور توترهم الشديد لرؤية التنين المندفع نحوهم وهم يرفعون البنادق نحوها متأهبين.. ربتت رنيم على رقبة التنين قائلة "حاول ألا تصاب بأسلحتهم يا عزيزي.."
زمجر التنين وهو يحلق قريباً من الجنود دون أن يخفف تقدمه، بينما رفعت رنيم رأسها لتبدو واضحة وهي تصيح "توقفوا أرجوكم.. لا تطلقوا النار.."
لم يسمع الجنود كلمة مما قالتها ورصاصاتهم تتطاير نحو التنين الذي استدار بحدة وهو يرفّ بجناحيه ويرتفع قليلاً.. فجذبت رنيم العنان ليدور حول الموقع وهي تصيح بصوت أعلى "توقفوا.. لا داعي لإطلاق النيران.."
ضاع صوتها من جديد مع تلك القذيفة التي انطلقت من أحد المدافع نحوها محاولة إسقاطها.. تجاوز كاجا القذيفة بمهارة تامة بينما اتسعت عينا رنيم بقلق خشية أن يصاب التنين بسبب تهورها، فصاحت بصوت أعلى مع استدارة التنين في الموقع "توقفوا باسم الملك.."
كان هذا ما دار في ذهنها لجذب انتباههم، ورغم ذلك ما كاد التنين يقترب من الجموع حتى عادت الرصاصات تتطاير بغزارة والتوتر الشديد بادٍ على أوجه الجنود.. لم تستطع رنيم لومهم، فهي نفسها كادت تموت ذعراً عندما رأت هذا الكائن المهيب للمرة الأولى، ولا يمكن لمن يراه دون أن يكون معتاداً على التعامل معه إلا أن يصاب بالتوتر والقلق الشديد.. لكن كيف السبيل للتفاهم مع الجنود وإجبارهم على التوقف عن الهجوم على القرية؟..
أخيراً، قررت رنيم القيام بمخاطرة كبيرة، فجذبت عنان التنين وهي توجهه للهبوط على شيء من المبعدة من الموقع في جزء شبه منبسط من الوادي.. كانت فرصتها ضعيفة في أن تقنع الجنود بالاستماع إليها، لكنه كان السبيل الوحيد.. ورغم اعتراضه، فإن التنين قد أطاعها وهبط بحدة وقوة في جانب المكان، فأسرعت رنيم تهبط من على ظهره وهي تسمعه يطلق زمجرة عصبية.. ربتت على كتفه مهدئة، ثم استدارت مواجهة الجنود الذين استداروا إليها بتحفز وهي ترفع ذراعيها عالياً وتصيح "توقفوا أرجوكم باسم الملك.."
لكن الرصاصات تطايرت نحوها وأصابت الأرض عند قدميها بشيء من الغزارة دفع رنيم للتراجع بسرعة وشيء من الفزع حتى سقطت أرضاً، بينما أطلق التنين صيحة غاضبة وهو يكشر عن أنيابه بتهديد واضح.. لكن رنيم صاحت به "كاجا.. توقف.."
زمجر التنين باعتراض إنما لم يملك إلا أن يطيعها، في نفس الوقت الذي سمعت فيه رنيم صياحاً جهورياً يطلب من الجنود الكف عن إطلاق النيران.. ولم تلبث أن رأت رجلاً من الجنود يتقدم منها قائلاً بدهشة "رنيم.. أهذه أنت؟"
نظرت رنيم بذهول لمجد الذي اقترب منها وأمسك بيدها ليساعدها على الوقوف.. كان هذا آخر شخص تتوقع رؤيته بين الجنود هؤلاء، وبدا لها مختلفاً قليلاً بشكل لم تستطع تحديده في البدء.. لكن أدركت بعد ذلك أنه يبدو متعباً مهموماً بشكل بدا بوضوح في ملامحه.. لكنه ابتسم لها ابتسامته المعهودة قائلاً "حمداً لله على سلامتك يا فتاة.. لقد خشيت ألا أعثر عليك أبداً.."
تشبثت بذراعيه هاتفة "أين كنت؟.. لقد يئست من انتظارك طوال تلك الأيام.. لقد تيقنت بعدها أنك... أن......."
وخفضت بصرها مضيفة بصوت مرتجف "تيقنت أنني لا أعني لك، ولا لأحد في هذا العالم، شيئاً.."
قال مجد "هذا ليس صحيحاً.."
فقالت بشيء من المرارة "كيف يمكنني أن أصدق غير ذلك؟.. لقد تم اختطافي من القصر بكل سهولة.. ولم يلاحق المختطفين أي جندي من جنود مملكة بني فارس.. ورغم مرور الأيام والأسابيع فإن أحداً لم يحاول الوصول إليّ.. فما الذي يعنيه هذا؟"
زفر مجد للحظات بصمت، ثم قال "ما حدث بعد رحيلك منعني من الوصول إليك بالسرعة التي أرجوها.. وإنني أقدم اعتذاري لك يا رنيم.."
لم ترفع رنيم بصرها وهي تشعر بدموعها وشيكة الهطول.. رغم أن بقاءها مع الهوت لم يكن بالسوء الذي توقعته، ورغم أنها شدّت عزمها على عدم العودة لذلك العالم، لكن ما أحزنها أن وجودها غير مهم في مملكة بني فارس وفي قصر الملك.. وأكثر ما أساء إليها أن تشعر أنها لا تحتل من اهتمامات مجد أي جزء يذكر، وهو شخص تحمل له معزة خاصة في قلبها..
وجدت مجد يركع على ركبته ويمسك يدها شادّاً عليها وقال وهو ينظر في عينيها "أرجوك اقبلي اعتذاري.. لا يمكن أن أغفر لنفسي ما جرى لك لو لم تسامحيني.."
شعرت رنيم بدموعها تسيل على وجنتيها وهي تقول بصوت متهدج "لماذا؟.. لماذا جئت الآن؟.."
شدّ على يدها قائلاً "عندما حدث الهجوم، ظننا أنهم سيستهدفون الملك أو ولي العهد.. لذلك لم أعتقد ولو للحظة أن أحدهم قد يلجأ لاختطافك.. لذلك هرعت مع من معي من حرس القصر لتأمين الملك والملكة والأمير زياد.. وحاولنا القضاء على الدخلاء بأسرع ما نستطيع.. لكن اكتشفت أنهم بمساعدة من الفتيات اللواتي جلبهن الملك من الهوت، فإن الدخلاء تمكنوا من التسلل في ممرات القصر وأروقته متجنبين أي صدام سيؤخرهم عما جاؤوا لأجله.. وبعد أن تمكنت من تتبع أثرهم فوجئت باختطاف ذلك الرجل لك.."
لم تعلق رنيم وهي تمسح دموعها بينما أضاف مجد "لقد كسرت ذراعي بعد سقوطي وأنا أحاول إنقاذك.. وهذا ما تسبب في تأخيري عن اللحاق بك وإنقاذك من يدهم تلك الليلة.. ورغم أنني أرسلت بعض الرجال لتتبع فوج التنانين الطائرة، لكنهم لم يتمكنوا من اللحاق بهم لأنها كانت أسرع ولا تعترضها أي عواقب في طيرانها في السماء.. ثم حدث ما لم يكن بالحسبان.."
عاد يزفر بشيء من الحدة ورنيم تستمع له بصمت، قبل أن يقول "لم تمضِ ساعات معدودة على ذلك الهجوم حتى فوجئنا بأن الملك عبّاد قد أصيب بمرض شديد لم نجد له تفسيراً، ولم ندرك أنه تم تسميمه بواسطة إحدى الفتيات قبل هربهن إلا بعد موته بالفعل.."
غمغمت رنيم "لقد سمعت بذلك.."
أدرك مجد أنها سمعت به من ذلك الرجل من الهوت الذي جاء للقائه بعد اختطافها بعدة أيام.. فقال دون تعليق "حصلت معمعة في المملكة وفي (الزهراء) بالتحديد لموت الملك المفاجئ.. ورغم أن الأمير زياد قد تولى الحكم بسرعة لتلافي أي انهيار يصيب المملكة بعد موت ملكها القوي، وعيّنني قائد جيشه لأساعده في تثبيت حكمه، إلا أن الأمير زياد أضعف من أن يستطيع إحكام قبضته على المملكة حتى بمساعدة أمه الملكة.."
لم تدرِ رنيم بمَ تعلق على ذلك ومجد يقول "وخلال أيام، وصلتنا أنباءٌ أن مملكة كشميت المعادية تستعد لإنهاء الصراع الذي طال بينها وبين مملكة بني فارس مستغلة عدم استقرار أحوال مملكتنا.. وهذا جعلني مقيداً وغير قادر على التحرك بعيداً عن (الزهراء).. ولقد شدد الأمير زياد عليّ بأن حمايته وحماية مُلكه أهم بكثير من البحث عنك وإنقاذك.."
لم تشعر رنيم بحزن لهذا، فهو كان متوقعاً من شخص كالأمير زياد.. ومع ما قاله مجد، فإن حزن رنيم بدأ يخفت وهي تتفهم ما مرّ به خلال الأيام الماضية.. فكيف لها أن تحزن على نفسها بينما عانى مجد الأمرّين في هذه الأوقات المضطربة؟.. انتبهت لمجد الذي قال "هل تغفرين لي تقصيري فيما جرى لك يا مولاتي؟"
ابتسمت رنيم شيئاً ما وهي تمسح دموعها قائلة "بالطبع.. لا يمكنني أن أغضب مما جرى وأنا أدرك أي ظروف مررت بها في الأيام الماضية.."
فنهض مجد واقفاً وقال "شكراً لك.. أعدك ألا أسمح بتكرار أمر كهذا ما حييت.."
نظرت له رنيم متسائلة "كيف سمح لك الأمير زياد.. أعني.. الملك زياد بالقدوم إليّ وإنقاذي الآن؟"
أجاب مجد "بعد استقرار الأمور في المملكة وبعد أن تكرر رفض الملك طلبي الرحيل للبحث عنك، تقدمت باستقالتي متخلياً عن منصبي.. ومع صدمته، فإن الملك رفض هذا بإصرار.. لذلك استسلم أخيراً وسمح لي بالرحيل مع فرقة صغيرة من الجنود للبحث عنك مع وعد بالتنازل عن تلك الاستقالة والعودة بأسرع ما أستطيع.."
ابتسمت رنيم معلقة "بالطبع، فالملك لن يجد شخصاً موثوقاً أكثر منك لحمايته.. خاصة بعدما جرى مع الملك السابق.."
ثم أمسكت يدي مجد قائلة "أنا شاكرة لك ما فعلته لأجلي يا مجد.. تخلّيك عن منصبك قرار كبير، وتضحية كبيرة لا أستحقها منك.. لذلك أنا سعيدة أن الملك رفض طلبك بإصرار.."
دمدم مجد بضيق "من قال إنك لا تستحقين ذلك؟........"
قاطعته قائلة "وما يحزنني أكثر أن جهودك قد تكون بلا طائل.."
نظر لها مجد بدهشة، ثم قال "ماذا تعنين يا رنيم؟.. أهناك ما يمنع عودتك إلى (الزهراء)؟.."
ضحكت رنيم بشيء من السخرية وقالت "(الزهراء)؟.. أتظنني سأكون محلّ ترحيب هناك بعد كل ما جرى؟"
أسرع مجد يقول "لازلتِ خطيبة الملك.. فهو لم يعلن حلّ ذلك الارتباط رسمياً بعد.."
قالت رنيم بابتسامة "لأنه لم يجد داعياً لذلك مع اختفائي.. أتعلم أن زياد والملكة كانا يخططان لاتهامي في عِرضي والتخلص مني بطريقة مخزية قبل أن يحدث ما حدث تلك الليلة؟.."
نظر لها مجد باستنكار، ورنيم تضيف "أتظن أن أحداً منهما سيكون مسروراً بعودتي بعد ذلك؟.. لقد جاءتهما الفرصة للتخلص مني على طبق من ذهب، فمن يمكنه أن يلومهما على ذلك؟.."
زفر مجد بضيق لقولها الذي لم يخالف الحقيقة بتاتاً، ثم قال "إذن، من الواجب عليّ أن أصطحبك إلى مملكة بني غياث وأطمئن لسلامتك.. هذا أقل ما عليّ فعله.."
قالت رنيم وهي تدير بصرها جانباً "أتظن أن قصر أبي سيكون أكثر ترحيباً بي من قصر الملك زياد؟"
نظر لها مجد بدهشة، فنظرت في عينيه قائلة "أنا غير مُرَحَّب بي في أي مكان على هذه الأرض.. لا في قصر أبي ولا في قصر زوجي المزعوم.. لقد فقدت هويتي التي ألصقت بي رغم إرادتي.. وفقدت معها الانتماء الذي يعيدني لأكون سجينة تلك القصور.."
هتف مجد "هذا غير صحيح.. كيف يمكنك أن تجزمي بكل ذلك؟"
قالت رنيم بحزم "أنا أثق بما أقول ثقة مطلقة.. لقد أراد مني الجميع أن أكون شخصاً آخر.. أن أكون أي شيء غير ما أنا عليه حقيقة.. تعذبت لسنوات طوال وأنا أخفض رأسي وأحاول مجاراتهم لأنال رضاهم الذي كان صعب المنال.. لكن رغم ذلك، لم أهنأ بأي شيء من هذا، ولم يتردد أحدهم في التخلص مني عند أدنى بادرة.. فهل تريد مني العودة لكل هذا من جديد؟.."
قال مجد بدهشة "إذن ما الذي تنوين فعله؟"
نظرت رنيم للسماء التي ازدهت بزرقة جميلة وغيوم متماوجة عكست نور الشمس القوية، ثم قالت بابتسامة "الآن، يمكنني أن أكون كما أنا حقيقة، وأن أبقى في الموضع الذي يناسبني كما أنا دون تغيير.."
صاح مجد بغير تصديق "ستبقين مع الرعاع الذين اختطفوك؟"
نظرت له رنيم قائلة بشيء من التأنيب "ليسوا رعاعاً كما تطلقون عليهم.. إنهم أناسٌ يعيشون حياتهم بحرية تفتقدها شعوب الأرض أجمعين.. فلماذا تستنكرون عليهم هذه الحرية التي عشتُ حياتي شوقاً إليها؟"
ظل مجد ينظر لها بغير تصديق، ملاحظاً للمرة الأولى الابتسامة التي تفيض سعادة على شفتيها.. ابتسامة لا تشوبها شائبة كما كان يراها سابقاً.. وبدا في عينيها الجميلتين تصميم وعزم لم يره فيهما من قبل.. ورغم أنها هي رنيم التي يعرفها، لكنها بدت الآن شخصاً آخر.. شعر بروحها متوهجة وجميلة وتختلف عن ذلك الخيال الميت الذي كانت عليه في (الزهراء)..
عاد يجادلها بشيء من العناد "ما الذي تنوين فعله مع الهوت حقاً؟.. بضع أسابيع تختلف تمام الاختلاف عن الشهور والسنوات القادمة.. ما تحملته وأعجبت به في الأيام الماضية، سيصبح قاسياً مع مرور الشهور والسنوات.. لكن عندها ستكون عودتك لعالمك السابق مستحيلة تماماً.."
قالت رنيم دون أن تبدو عليها لمحة قلق لذلك "أدرك ذلك طبعاً.. لكن عودتي لما كنت عليه من آخر الأشياء التي قد أتمناها في حياتي.. لو استعصى عليّ البقاء مع الهوت، سأبحث لي عن سبيل آخر ومكان آخر أعيش فيه بحرية.. ومهما كانت الحياة شاقة وتعيسة هنا، فهي ليست أتعس من حياة تغيب عنها أشعة الشمس وسط الجدران العالية المذهبة المحيطة بالقصر.."
ونظرت له بتصميم قائلة "صدقني.. أنا أدرك ما أريده من حياتي بالتحديد.. وأتخذ قراراً نيابة عن نفسي للمرة الأولى.. فلا تنزع الأجنحة التي نبتت لي بعد طول شقاء، خاصة أنك كنت أول من شجعني على اتخاذ طريقي بنفسي.."
زفر مجد بضيق وهو تائه بين رغبته في استعادة رنيم وحمايتها وبين رغبته في سعادتها.. وهذان الاثنان لا يجتمعان بتاتاً.. رآها تتقدم منه خطوة وتمسك يديه بيديها قائلة "أنا راحلة يا مجد.. شكراً لك على كل شيء.. لكن لا تنْسَني أرجوك.."
ابتسم مجد رغماً عنه معلقاً "لا أظنني بقادرٍ على ذلك مهما حاولت.."
ثم نظر في عينيها قائلاً بحزم "لا يمكنني الاعتراض على ما تريدينه يا رنيم لو كنتِ واثقة مما تفعلينه حقاً.. لكن كل ما أقدر على فعله هو أن أدعو لك بالتوفيق.. ولا تترددي في العودة إليّ في أي وقت كان.."
ابتسمت له رنيم ابتسامة متسعة، ثم استدارت مبتعدة دون تردد.. ولأول مرة في حياتها لا يخالجها أي تردد في اتخاذ قرار يخصها.. لأول مرة تكون سعيدة بامتلاكها زمام أمورها دون أن تنتظر من الآخرين تسيير حياتها كيفما يشاؤون.. تسارعت خطواتها وهي تبتعد مستشعرة انطلاق ساقيها وخفة جسدها مقارنة بالسابق.. ثم توقفت فجأة واستدارت متطلعة إلى مجد الذي ظل في موقعه ناظراً إليها.. لوهلة ساورها قلق أن ترى ملامح خيبة الأمل على وجهه، وهو أمر كانت تخشى رؤيته من الجميع لذلك لم تكن تجرؤ على مقاومة ما يُفرض عليها.. لكن الآن، لم تكن تريد رؤية هذه الملامح.. وليس من مجد بالذات..
لكن مجد كان ينظر لها بثبات وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيه.. ابتسامة بدت لها سعيدة.. لا تدري لمَ شعرت بنظراته تحمل فخراً بما حققتْه، وكأنه أبٌ فخور بابنته التي شبّت عن الطوق بعد طول انتكاسٍ.. ابتسمت رنيم بدورها ووضعت يديها حول فمها ليصل إليه صوتها وصاحت "أتعلم؟.. لو كنتَ أصغر بعشرين سنة لأعجبت بك بكل تأكيد.."
اتسعت ابتسامة مجد وهو يعلق بصوت واضح "لو كنتُ أصغر بعشرين سنة لكنت سعيداً بذلك بالتأكيد.."
لوحت له رنيم بيدها ثم استدارت منطلقة بعد أن تقطعت الخيوط التي كانت تربطها بماضيها وبحياتها السابقة وبكل ما كانت تكرهه.. شعرت بنفسها حرة.. شعرت بنفسها كمولود جديد لا يعلم ما تخبئ له الأيام، لكنها ستكون أكثر رحابة مما سبقها بكل تأكيد..
الآن، خدشت رنيم الطبقة القاسية التي كانت تغلف روحها، وخرجت من ذلك الظلام كطائر وليد يسعى بحثاً عن النور رغم أنه لا يبصر شيئاً بعد.. بحثاً عن الحياة التي ليس لها معنى دون حرية تزيدها إشراقاً وبهجة..
وبينما انطلقت رنيم براحة شديدة، فإن مجد راقبها وهي تتقدم من ذلك التنين الضخم دون خوف فتربت على أنفه بكل ألفة، ثم تمتطيه بسهولة ليرفرف التنين بجناحيه العريضين للحظات.. وفي غمضة عين، كان قد ارتفع بسرعة نحو السماء وفوقه تلك الفتاة التي يتطاير شعرها المموج خلفها وهي ترفع بصرها عالياً.. راقب مجد كل هذا بصمت ودهشة، ثم غمغم بابتسامة جانبية "لشدّ ما تغيرت هذه الفتاة خلال أيام قليلة.."
اقترب أحد جنوده قائلاً بقلق "سيدي.. لماذا تركت مولاتي رنيم تغادر؟.. المفترض أن نعيدها لمولاي الملك بأسرع ما نستطيع.."
قال مجد وهو يراقب التنين الذي انطلق مبتعداً "الملك لا يعبأ لأمر رنيم قيد شعرة.. ولا يريد استعادتها أبداً.. لذلك سيكون أسعد الناس بفشل مهمتنا هذه.."
ثم نظر للجندي قائلاً "اجمعوا عتادكم.. سنغادر إلى (الزهراء) في الحال.."
رغم دهشته، إلا أن الجندي لم يعترض وهي يؤدي التحية ويغادر مسرعاً نحو البقية.. بينما اتسعت ابتسامة مجد وهو يغمغم "هذه المرة، ربما كان عدم اهتمام الملك برنيم من حسن حظها بالفعل.. ترى، إلى أين ستأخذك الرياح معها يا فتاة؟.."

*********************

بعد أن توقف الهجوم، وخفتت الضوضاء الصادرة عن التنانين الثائرة وهي تحلق في السماء بغضب، فإن أهل القرية قد اجتمعوا في جانب منها بقلق وصمت بانتظار ما ستسفر عنه الأمور.. وبينما بقي الرجال على ظهور التنانين لمراقبة ما تفعله فرقة الجنود التي لملمت عتادها وشرعت في العودة عبر ذلك الطريق الضيق، فإن آرجان قد وقف في الساحة وسط القرية والقلق يمتزج بالغضب على وجهه وهو يحدق بالأفق.. لم يتوقع لوهلة أن تتصرف تلك الفتاة الخانعة بهذه الطريقة، ولم يتوقع أن تواجهه بحزم وتعصي ما طلبه منها دون أن يرف لها جفن.. ألم تجد سوى كاجا لتغامر بالرحيل معه؟.. ذلك تنين شرس، وهو يسيطر عليه بصعوبة، فكيف تمكنت من تطويعه في فترة زمنية قصيرة؟..
سمع عدة صيحات من أهل القرية ورآهم يشيرون لموقع في السماء.. وبنظرة لذلك الموقع، أدرك أن تلك النقطة البيضاء هي لكاجا الذي يحلق نحوهم بشكل حثيث.. ظل آرجان يراقب التنين بقلق شديد بحثاً عن أثر لرنيم.. لو كان السرج على ظهر كاجا خالياً، فهذا معناه أنه تخلص من الفتاة في مرحلة ما.. وكاجا عنيف عندما يسيطر عليه الغضب.. زفر آرجان بحدة وتوما القريب يسأله بقلق "أتظن أن رنيم على ظهره؟"
لم يجبه آرجان وبصره معلق بذلك التنين الذي اقترب منهم بسرعته الكبيرة.. ولما تبيّن ذلك الشعر المتموج الذي تطيّره الرياح، تنهد براحة شديدة بينما صاح توما بلهفة "أستطيع رؤيتها على ظهره.."
لم يعلق آرجان من جديد والتنين يقترب ويهبط بسلاسة وسط أهالي القرية مثيراً عاصفة من الهواء القوي.. فتقدم آرجان منه دون وجل وأسرع نحو الفتاة التي هبطت من على ظهره بابتسامة واسعة على شفتيها.. ولما رأته يتقدم منها قالت براحة "لقد انتهى كل شيء.. الجنود سيرحلون دون إيذاء من........"
وجدت آرجان يقبض على ذراعها بشدة قائلاً بغضب "كيف تفعلين هذا؟"
نظرت له بدهشة وهو يضيف بحدة "ألا تدركين مع من تتعاملين؟.. كان بإمكان كاجا أن يسقطك من على ظهره من ذلك العلو.. إنه تنين شرس ولا يطيع شخصاً غيري.. فكيف.......؟"
قالت رنيم وهي تزيح يده عن ذراعها "لكنني فعلت ذلك دون أن أثير غضب كاجا.. ثم إن لي وسيلة خاصة للتعامل مع الحيوانات.."
رآها تخرج من ثوبها تفاحة حمراء ألقتها نحو كاجا الذي التقطها بفمه وابتلعها دفعة واحدة بتلذذ، ثم دفع أنفه وهو يبحث عن أخرى في يدي رنيم التي ربتت على خطمه بابتسامة متسعة.. أما آرجان، فقد ظل ينظر لها بدهشة وشيء من الحنق.. لم يكن الأمر متعلقاً بتفاحة، فهي وسيلة تافهة لاستمالة تنين بهذه القوة.. ولم يكن تجاوب كاجا معها لأنه مرغم على هذا، بل لأنها تمكنت من استمالته بوسيلة دفعته لإطاعتها بعرض بسيط كهذا.. فما السر في ذلك حقاً؟..
ومن بين أهل القرية الذين وقفوا يراقبون رنيم بصمت ودهشة، تقدم أرنيف قائلاً لآرجان "ما الذي جرى يا آرجان؟.. رجالي يبلغونني عن استعداد الجنود للرحيل.. فما الذي جرى بحق السماء؟"
التفت آرجان إلى رنيم متسائلاً "ما الذي جرى للجنود؟.. كيف تمكنت من إقناعهم بالرحيل؟"
ابتسمت رنيم وأخبرته بما حدث لها مع مجد بينما استمع إليها أرنيف دون حاجة لترجمة، وقربه وقفت كاينا تستمع لما يقال.. وأخيراً، بعد أن أنهت رنيم حديثها وطمأنت الجميع أن الجنود لن يعاودوا مهاجمة القرية في الوقت الحالي، فإن آرجان تساءل بشيء من الدهشة "ولماذا عدتِ أنت؟.. لمَ لمْ تغادري معهم وهي فرصتك الوحيدة لذلك؟"
هزت رنيم كتفيها معلقة "لم أعد أرغب بالعودة.. هذا كل ما هنالك.."
ارتفع حاجبا آرجان بدهشة، قبل أن يقطب من جديد قائلاً بحدة "رغم كل ما جرى، لم يكن يحق لك التصرف بكاجا كما تحبين.. وإياك أن تفكري بامتطائه وحيدة دوني، هذا لو لم ترغبي بأن يتهشم جسدك على هذه الصخور القاسية.."
وابتعد جاذباً كاجا الذي أخذ يزوم باعتراض باحثاً في ملابس آرجان عن مكافأة أخرى.. بينما قال أرنيف مقطباً عبر كاينا "نحن شاكرون لك ما فعلته للقرية، رغم أن هذا كان بسببك في الأساس.."
تعجبت رنيم من حاجته لمن يترجم قوله رغم أنه استمع لها دون ترجمان، ثم تذكرت قول توما من رفض الهوت التحدث بغير لغتهم عدا قلة منهم.. بينما أضاف أرنيف "لذلك، لا يسعنا إلا أن نطلب منك الرحيل عن هذه القرية.."
نظرت له رنيم بدهشة، بينما بدا القلق في عيني كاينا وهي تترجم قوله.. ثم استجمعت رنيم شجاعتها قائلة "أتفهم ذلك.. سأغادر بعد أن......"
قاطعها أرنيف قائلاً بصرامة "ترحلين الآن.. في التو واللحظة.. أنتِ غير مرحّب بك في القرية ولا لثانية أخرى.."
نظرت رنيم بشيء من الدهشة لأرنيف ولبقية الهوت الذين رمقوها بحنق وغضب.. كان تصرفهم متوقعاً بعد ذلك الهجوم، لكن لمَ يطردونها الآن بالذات؟.. أهم يخشون هجوماً جديداً من الجنود؟..
لم تتمكن من الاعتراض هذه المرة.. ليس خنوعاً منها كالعادة، بل لأنها لم تُرِد أن تسبب المزيد من الأذى لهذه القرية.. رغم معاملتهم الخشنة لها، فهي كانت تتفهم دوافعهم وتدرك أن ما جرى لهم لم يكن شيئاً يمكن نسيانه بسهولة.. لذلك تغاضت عن كراهيتهم الواضحة وهي تقول ببساطة "حسناً.. لا يمكنني الاعتراض على ذلك.."
نظر لها توما بقلق بينما بدت ملامح الإشفاق على وجه كاينا.. فقالت رنيم وهي تخفض وجهها "أعتذر لكل ما سببه الجنود لكم من قلق وذعر اليوم.. وأتمنى لكم حياة هانئة بعيداً عن سطوة الملك.."
فقال لها أرنيف من خلال كاينا التي تترجم حديثه "رغم أن كل ما جرى لك كان بسبب أحد رجالي، لكن لا يمكنني الاعتذار عن ذلك.. تذكري أن ما فعله ملككم بفتياتنا كان أسوأ وأكثر خسّة.."
قالت رنيم بهدوء "لا أطلب منكم اعتذاراً.. وأنا شاكرة لكم على كل شيء.."
لم تخفت النظرات الغاضبة من الوجوه حولها، فانحنت لهم رنيم انحناءة خفيفة ممسكة جانب قميصها، ثم استدارت مغادرة بصمت وتوما يلحقها بقلق واضح.. ثم سمعته يقول "رنيم.. لا ترحلي.."
ربتت رنيم على رأسه قائلة "لماذا؟.. ما الذي يمكنني فعله في مكان لا يطيق وجودي فيه؟"
قال توما بانفعال "لكن هذا سيتغير.. مع بعض الوقت سينسى أهل القرية ما جرى لهم وسيعتادون وجودك.. فلا ترحلي بهذه البساطة.."
هزت رنيم رأسها قائلة "بل يجب أن أفعل.."
نظر لها توما بشيء من الصدمة، بينما تعالى صوت كاينا من خلفها وهي تقول "هل ستلحقين بالجنود قبل رحيلهم؟"
التفتت إليها رنيم قائلة "يبدو أنني سأفعل ذلك.. فهي الوسيلة الوحيدة لي للعودة.."
قالت كاينا بإشفاق "هل ستعودين لذلك القصر حقاً؟"
هزت رنيم كتفيها بقلة حيلة دون أن تختفي الابتسامة من شفتيها، فعانقتها كاينا هامسة "سامحيني يا عزيزتي.. وددتُ لو لم أكن السبب في كل ما جرى لك.."
ربتت رنيم على كتفها قائلة "لا داعي للاعتذار.. أنا موقنة أن ما جرى لي كان للأفضل.."
ثم نظرت لوجه كاينا مضيفة "اعتني بنفسك وحاذري من السقوط في أيدي الجنود من جديد.."
ابتسمت كاينا وقبّلت رنيم في وجنتها بعاطفة.. وقبل أن تبتعد رنيم، تساءلت متلفتة حولها "أين ذهب آرجان؟.. لقد اختفى مع كاجا منذ بعض الوقت.."
قالت كاينا "لقد عاد لمنزله.. أظنه يعدّ العدة لرحيله أيضاً.."
غمغمت رنيم بخيبة أمل "كنت أود توديع كاجا.. لكن الهوت لن يسمحوا لي بالبقاء مدة أطول في هذه القرية حتى أذهب بحثاً عنه.."
ثم انخفضت في موقعها قريبة من توما الذي وقف مطرقاً بحاجبين معقودين، فقالت له "حسناً أيها الرجل الصغير.. سأودعك فلا أظنني سألقاك بعدها مرة أخرى.."
قال توما بحنق "لماذا عليك الرحيل؟.."
قبلته رنيم في وجنتيه وقالت "هذا هو قدري يا فتى.. ولا يحق لأحدنا الاعتراض عليه.."
فقال توما بانفعال "سأذهب معك.."
لكمته كاينا بقبضتها معلقة "من تظن سيسمح لك بذلك؟"
أمسك توما موضع الضربة بألم وهو يصيح "لمَ تتدخلين في أموري أيتها الحمقاء؟"
وغادر راكضاً بانفعال شديد، بينما نهضت رنيم وتأملت الثياب التي ترتديها والحذاء البسيط الذي تنتعله معلقة "وددت لو أستطيع إعادة هذه الملابس لك يا كاينا، لكن لا يمكنني الترحال بملابسي السابقة.. سيكون ذلك مذلاً بشدة.."
قالت كاينا "لا عليك.. احتفظي بهذه الملابس واذكريني كلما رأيتها.."
استدارت رنيم أخيراً مغادرة القرية بعد أن نفذ صبر الهوت الذين وقفوا يراقبون ابتعادها.. مرة أخرى، تشعر رنيم أن رحيلها يثير راحة لدى الجميع وتكاد تسمعهم يتنفسون الصعداء مع مرأى ابتعادها.. أهي حقاً بهذا السوء كما يُشعرونها؟..
لكن هذه المرة لم تبكِ رنيم ولم تشعر بمرارة لكل ما جرى.. رغم قِصَر المدة التي قضتها في هذه القرية، إلا أن احتكاكها ببعض أصحابها، والأحداث القليلة التي جرت فيها بعيداً عن تسلط وسطوة أبيها والآخرين لكل ما تفعله، فإن رنيم شعرت بتغيير كبير وتدريجي لم تنتبه له في البدء..
ربما لم يكن التغيير كبيراً وحاسماً، ولم يجعلها شخصية رائعة كما تمنّت دوماً، لكنها على الأقل بدأت تمتلك بعض الثقة لاتخاذ قراراتها بنفسها، وأصبحت لا تشعر بتلك المشاعر المتكررة من الإشفاق على نفسها وعلى ما يجري لها ولوم الآخرين لكل ما يحدث لها.. أليس هذا تغييراً كافياً بالنسبة لها؟..

*********************

تنهدت رنيم بقوة وهي تجلس على صخرة متوسطة الحجم بعد أن ابتعدت عن قرية الهوت وغابت عن أعين أفرادها.. ظلت في موقعها صامتة وهي تسند ذراعيها على ركبتيها وتضع وجهها على راحتي يديها.. كانت معدتها تطلق أصواتاً مرحة تدلّ على جوعها الشديد، بينما حاولت رنيم تجاهلها لفترة طويلة.. لماذا تخلّت عن تناول إفطارها في هذا اليوم بالذات؟.. رغم أن طعام آرجان لا يمتلك لذة في الطعم ولا جمالاً في الشكل، لكنه يملأ معدتها على الأقل ويدفئها في هذا البرد الشديد..
عادت تتنهد وهي ترمق الأفق بصمت.. كانت موقنة أن مجد وجنود الملك قد ابتعدوا كثيراً عن موقعها.. لكنها في الواقع لم تكن تنوي اللحاق بهم، ولم تكن تنوي العودة للزهراء ولذلك القصر الكئيب.. لقد أثمر فيها حديث كاينا واعتراضها الدائم على استسلامها لما يجري لها.. للمرة الأولى في حياتها تقرر أنها ستعيش كما تحب ودون أي اعتبار لأي شخص كان..
لكن هذه البداية صعبة جداً.. إنها في موضع مقفر، وقرية الهوت القريبة لا تنوي معاونتها بأي شكل من الأشكال، وأقرب الأشخاص إليها هم الجنود الذين لا ترغب برؤيتهم ولا مرافقتهم بأي حال.. ودّت لو كانت قد طلبت من كاينا بعض الزاد لرحلتها هذه، لكن هذا لم يكن معتاداً بالنسبة لها وشعرت بالحرج من القيام به.. كما أنه قد يوحي لكاينا بما عزمت على فعله، وسيملأ ذلك تلك الفتاة الطيبة بقلق لا محدود على مصير رنيم.. وهو أمر لا ترغب به البتة.. تنهدت للمرة العاشرة وهي تضغط على معدتها مغمغمة "كفاك مرحاً أيتها الحمقاء.. جوعنا سيطول كثيراً وستنهكينني بسرعة.."
خيّل إليها أن صوت معدتها كان أعلى من المعتاد، ثم انتبهت في تلك اللحظة أن ذلك الصوت أتى من موقع يعلو رأسها.. استدارت متطلعة للسماء لترى ذلك الظل الذي خيّم عليها لوهلة قبل أن يعلو صوت الهبوط المدوّي قريباً منها.. وبينما اندفع الهواء بقوة بحيث أجبر رنيم على إدارة وجهها بعيداً وإغماض عينيها، فإنها شعرت بذلك الخطم القاسي الذي عبث بملابسها والصوت الخشن يزوم بشيء من اللهفة.. وقبل أن تتمكن من رؤية ما يجري حقاً، فإنها أدركت هوية ذلك الشيء الذي اقترب منها واندفعت تعانقه بذراعيها هاتفة "كاجا.. لقد تمنيت أن أتمكن من توديعك قبل رحيلي.. ويبدو أن أمنياتي تتحقق بسرعة هذه الأيام.."
سمعت صوت آرجان الذي تقدم منها بعد أن ترجل من على ظهر التنين قائلاً "ظننت أنك ستتمكنين من اللحاق بالجنود نظراً للوقت الذي مضى.. هل أُنهكتِ بعد هذه المسافة البسيطة؟"
التفتت إليه قائلة "لم يمضِ إلا وقت قليل.. وخُذ بالاعتبار أنني قضيت حياتي لا أبذل مجهوداً كبيراً كهذا بتاتاً.."
وقف قريباً يتأمل القرية خلفه وقال "يمكن لأي شخص من الهوت أن يقطع أربع أضعاف هذه المسافة في هذا الوقت القصير.."
ابتسمت رنيم وهي تربت على خطم التنين القريب معلقة "على ظهر تنين طبعاً.."
تأملها بصمت للحظات، ثم قال "هيا.. سأنقلك لموضع قريب من جنود الملك.. أشعر بسوء لاضطرار أميرة منعّمة مثلك لقطع هذه المسافة سيراً على الأقدام.."
قالت رنيم دون أن تنظر إليه "شكراً.. لستَ بحاجة لفعل ذلك.."
قال بتبرير "بل عليّ فعل ذلك.. أنا أخطأت بما قمت به معك، وبجرّك لهذا الموقع البعيد دون وجه حق.. هذا أقل ما أفعله اعتذاراً لما جرى.."
قالت رنيم بخفوت "لست بحاجة لفعل ذلك حقاً.. فأنا لا أنوي الانضمام للجنود بتاتاً.."
قال آرجان بتقطيبة "أين تنوين الذهاب إذاً؟.. هل ستجربين حظك في قرى الهوت الأخرى؟.. لا تفكري بذلك بتاتاً.."
صمتت للحظات وهي تتأمل كاجا الذي أقعى في جانب المكان يمرر لسانه على إحدى يديه، ثم قالت ببساطة "عرضتُ عليك عرضاً في السابق، لكنك تجاهلتني بشكل تام.. فلمَ تهتم لأمري الآن؟"
صمت آرجان وهو يقلّب الأمر في عقله، بينما نظرت إليه رنيم مضيفة "لو أردت رفضي، فعليك أن تكون حازماً بشكل قاطع.. لا يمكنك أن تمنحني بعض الأمل ولو كان صغيراً، فسأتشبث به بكل إصرار.. وعودتك لأجلي هي ما سيمنحني هذا الأمل الخافت.."
نظر آرجان لملامحها الهادئة وابتسامتها الخفيفة، ثم قال بابتسامة جانبية "ولم لا؟.. لا أظن أن بعض الأمل يضير أحداً.."
نظرت له رنيم بدهشة، بينما اقترب آرجان من كاجا وامتطاه بسهولة.. ثم مدّ يده لرنيم بدعوة واضحة.. لكن رنيم قالت وهي تتراجع خطوة "أخبرتك أنني لا أريد العودة للجنود.."
قال آرجان بسرعة "ومن قال إننا سنلحق بهم؟.. وجهتنا هي ميناء (مارِج) كما أظن.. أليس كذلك؟"
نظرت له رنيم بعينين متسعتان، ثم قالت بفرح "هل ستأخذني معك لأرى العالم حقاً؟"
قال آرجان بابتسامة "بل لنبحث عن جايا.. أنسيتِ بهذه السرعة؟.."
لم تكذب رنيم خبراً وهي تتقدم بوثبة سريعة ليلتقط آرجان يدها ويجذبها بقوة خلفه.. ولما استقرت على السرج، قال "تمسكي جيداً يا فتاة.."
لكنها أمسكت ذراعه قبل أن يجذب العنان قائلة "مهلاً.. أنا جائعة.."
ضحك آرجان لقولها "منذ الآن؟.. يبدو أن مواردنا ستنفذ بسرعة.."
وناولها جراب زاده القليل وهو يضيف "ولكن هذا لا يمنع أن تتشبثي لئلا تسقطي فنغادر بدونك.."
تمسكت به رنيم بإحكام وكاجا يرتفع برفّات سريعة من جناحيه، ودار دورة واسعة حول المكان قبل أن ينطلق نحو الغرب مواجهاً الرياح المندفعة بقوة وثبات دون أن يهتز أو يفقد توازنه.. وبينما ملأت رنيم فمها ببعض الفطائر المحشوة والتي تخلو من أي طعم أو رائحة، فإنها نظرت للأرض تحتها ولفرقة الجنود التي بدت كنقاط سوداء تزحف على الأرض.. وبعد أن تجاوزاها بسرعة فائقة، فإن رنيم حوّلت بصرها عن الأرض نحو الأفق الذي سدّته الجبال العالية بقممها الثلجية.. وبينما راقبت الغيوم التي تتسارع مبتعدة عنهما، فإنها قالت لآرجان "لكن.. من هي جايا حقاً؟.. ما زلت لا أعرف إجابة هذا السؤال.."
غمغم آرجان بابتسامة "أمازلتِ تسألين السؤال ذاته؟"
قالت بانفعال "لأن أحداً لا يجيبني على هذا السؤال.. لن أندهش لو علمت أن جايا كانت مجرد خنجر صغير استلبه الجنود منك في السابق.."
ضحك آرجان لتعليقها دون أن يجيبها كعادته.. وجذب العنان بيده اليمنى ليدفع التنين لتجاوز قمة منخفضة لجبل قريب.. وبرفرفة جناحين، وبسرعة تشق الغيوم القريبة، بدأت رنيم رحلتها التي كانت مجرد أحلام تحلم بها وهي نائمة ومستيقظة.. تحلم بها وهي تمسك دفتي كتاب وتسرح في سطوره.. تحلم بها وهي تخشى من التصريح بهذا الحلم وتخشى من أخذه بعين الاعتبار.. والآن، بعد أن أصبح الحلم واقعاً، فإن رنيم كانت أشد انفعالاً ولهفة من أن تصدق هذا فعلاً..

*********************

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 17-12-15, 09:09 AM   المشاركة رقم: 44
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jul 2014
العضوية: 271387
المشاركات: 11,112
الجنس أنثى
معدل التقييم: bluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميعbluemay عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 13814

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
bluemay غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: على جناح تنين..

 
دعوه لزيارة موضوعي

راااااائعة جدا


أحببت خروج الروح المنطلقة من جنبات رنيم

ولو انني حزنت لطرد الهوت لها من قريتهم ..

ولكني متأكدة بأنها بحاجة لمد جناحيها بعيدا عن اي حدود ضيق..

بصراحة انا منصدمة من تغير آجان واللطف الواضح في التعامل معها وان خالطتها قسوة احيانا

توما كان نقطة مضيئة وساعدها في استعادة بعض المرح في حياتها


مجد ولو انه تاخر ولكنه معذور وقد قام بما في وسعه لمساعدتها


اﻵن ستنطلق للقارة العظمى فماذا بإنتظارها يا ترى ؟!



سلمت يداك ايتهاالمبدعة


وبإنتظارك بشوق كبير


تقبلي مروري وخالص ودي


«اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي»

 
 

 

عرض البوم صور bluemay   رد مع اقتباس
قديم 17-12-15, 02:38 PM   المشاركة رقم: 45
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: على جناح تنين..

 

سعيدة برأيك بالتغيرات الأخيرة

تكاثرت الضغوط على رنيم، وفي الآن ذاته ابتعدت عن تلك البيئة بشكل يسمح لها بالتفكير دون ضغط وبحرية تامة
فكانت هذه هي البداية وكان هجوم الجنود على القرية هي الشعلة التي بدأت ذلك التغيير
رحيل رنيم عن القرية منطقي، فهي لم تغادر القصر لتحبس نفسها في قرية
وسترين إلى أين ستصل في رحلتها هذه
فما يزال أمامي الكثير من المفاجآت لكم

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تنين.., جناح
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 07:28 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية