كاتب الموضوع :
عالم خيال
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: على جناح تنين..
الفصل التاسع: نحو الأفق حيث تميل الشمس
في جانب بعيد من السلسة الجبلية التي تقطع شمال القارة العظمى من أقصاها إلى أقصاها، والتي سميت بجبال الأنهار المائة نسبة لكثرة الأنهار المتدفقة منها.. وفي سفح أحد جبال تلك السلسلة، وقرب ضفة نهر عريض من الأنهار التي تقطع السهول القريبة، هبط التنين براكبيه لينال قسطاً من الراحة بعد يوم طويل قضاه في الطيران دون توقف تقريباً حتى قاربت الشمس مغيبها وصبغت العالم بألوانها الحمراء.. وبينما أخذ التنين يعبّ الماء العذب، قام آرجان بخلع السرج من على ظهره ليمنحه بعض الراحة من ذلك الثقل.. عندها وجد رنيم تقف أمامه قائلة بحزم "هذه المرة لن أتركك تتهرب من إجابتي.. منذ رأيتك للمرة الأولى وأنت تطوّح اسم جايا يميناً ويساراً.. فمن هي حقاً؟.. ولم أنت مصرّ على بذل كل هذا الجهد للحاق بها؟.."
وإزاء نظرات التعجب من آرجان، قالت بشيء من الفضول "أهي خطيبتك؟.. حبيبتك؟.. أم عائلتك؟.."
قال آرجان بكبرياء مصطنع "الهوت لا يتحدثون عن أسرارهم العائلية.."
ضحكت رنيم معلقة "أنت أيضاً؟.. الآن عرفت لمَ رفض توما إخباري باسمه في أول لقاء لي به.."
ابتسم آرجان بدوره وهو مستمر في عمله حتى يئست رنيم من استجابته.. ولما كادت تبتعد وجدته يقول "في الواقع، جايا هي شقيقتي الصغرى.."
نظرت له رنيم باهتمام وهو يضيف "بعد فقداننا لأمنا في سن صغيرة، فإن أبي أوصاني بها قبل موته بسبب جرح أصابه به تنين.. والآن، أنا الوحيد المسؤول عنها، وأشعر أنني خذلتها بعد أن أسرها الملك عبّاد مع بقية الفتيات.. كنت يومها في قرية أخرى من قرى الهوت حاملاً رسالة شفوية من أرنيف خاصة بالحرب التي نشعر بها وشيكة مع الملك، ولم أدرك أن الحرب قد اشتعلت بالفعل وراح ضحيتها العشرات إلا بعد عودتي.. ولم أتخيل بتاتاً أنني سأعود لأجد شقيقتي الوحيدة قد أسرت واختطفت لمدينة بعيدة دون أن أتمكن من منع ذلك.."
تساءلت بفضول "لكن، كيف عرفت أنها في ميناء (مارِج) حقاً؟.. هذا الموقع بعيد جداً عن قرى الهوت وعن (الزهراء) أيضاً.. فكيف....؟"
أجابها "أحد رجالنا ممن كان مرسلاً لقرية أخرى من قرى الهوت، قد التقاه رجل من رجالها وسأله عن فتاة بمواصفات تشبه مواصفات جايا.. وعند سؤاله عن سبب معرفته بجايا والموقع الذي رآها فيه، فإن الرجل حكى له حكاية سببت لي، ولبقية أهل القرية، صدمة شديدة.."
جلست رنيم جانباً تستمع له باهتمام، فقال "هذا الرجل، الذي ينتمي لتلك القرية، كان قد وقع في الأسر في رحلته نحو إحدى المدن لمبادلة بعض البضائع.. وهو حدث غير معتاد بتاتاً بالنسبة للهوت .."
قالت رنيم بدهشة "كيف حدث ذلك وهو يرتحل باستخدام التنين؟.."
هز آرجان رأسه معلقاً "بسبب حمولته، كان يرتحل بعربة تجرها الأحصنة عوضاً عن الطيران على ظهر تنين.. وفي موقع ناءٍ عن القرى القريبة، فوجئ بجماعة من قطاع الطرق يهجمون عليه.. فقاتلهم ظناً منه أنهم يريدون استلاب ما لديه، لكنهم رموا بضاعته أرضاً وقيدوه بإحكام واقتادوه معهم.. لم يحاول أحدهم محادثته أو تفسير الأمر له، حتى وصلوا به لميناء (مارِج)، وهناك حاولوا بيعه لسفينة غريبة الشكل ولرجل يتحدث العربية بصعوبة تامة.."
كانت دهشة رنيم تتزايد مع كل كلمة تسمعها، ثم قالت بانفعال "وأين جايا من هذا كله؟.."
قال آرجان زافراً "بعد أن اقتادوا الرجل الأسير لعمق السفينة، فوجئ برؤية ما لا يقل عن سبع من رجال الهوت أسرى في عمقها، ودهش لرؤية فتاة بينهم.. وبعد أن أقلعت السفينة، وقبل أن تغادر ذلك الخليج بالفعل، تضافر الرجال لفك أسرهم والهرب بالقفز في المياه.. تمكنوا من ذلك بمعجزة، لكنهم تفرقوا في الخليج الثائر بتياراته القوية.. ولم يقلق الرجل لأمر بقية الرجال قدر قلقه على الفتاة التي تبدو في العشرين من عمرها.. لذلك هو يسأل عنها عدداً من قرى الهوت، والوحيد الذي تعرّف عليها هو رجل من قريتنا كما قلتُ سابقاً.."
سألته بدهشة "متى حدث كل ذلك؟"
قال زافراً "منذ عشرة أيام على الأقل.."
غمغمت بقلق "لكن هل ستتمكن من العثور عليها بعد كل هذا الوقت؟"
أجاب آرجان بإصرار "سأفعل.. سأبذل ما بجهدي للوصول إليها.."
ظلت رنيم تفكر فيما سمعته، بينما قال آرجان بغيظ "ربما كان هذا بتصرف من الأمير زياد، وهو آخر من عملت جايا في خدمته.. أيمكن أن يكون قد باعها لشخص ما نكاية بها؟.. حديثهم عن هربها من (الزهراء) كذبة.. والأسوأ أنهم يتهمونها بأنها سرقت كنزاً من كنوز الملك.."
نظرت له رنيم بدهشة، فأسرع يقول بحزم "لكنها لم تفعل.. جايا لا يمكن أن تفعل هذا بتاتاً.. أنا أعرفها أكثر مما أعرف نفسي.."
ونظر لرنيم مضيفاً "لهذا تدركين غضبي من الملك ومن زياد بالذات، وتعرفين ما الذي دفعني لاختطافك لظني أنك مهمة لهما ولن يتخليا عنك.."
قالت رنيم وهي تدير وجهها جانباً "ولكم كان حظك سيئاً بهذا الظن.."
قال آرجان وهو يتأمل ملامحها "أليس حظك أنت أسوأ؟.. لقد انقلبت حياتك رأساً على عقب منذ تلك الليلة ولن تعود كما كانت أبداً.."
فعلقت رنيم بابتسامة واسعة "أتراني تعيسة بهذا؟.. لن تصدق لو علمت كم أنا محظوظة لأنك اخترتني من بين سكان القصر كلهم لتختطفه، وكم أنا كارهة لفكرة عودتي لما كنتُ عليه قبل تلك الليلة.."
رأيا التنين يدور متأهباً للانطلاق، ثم انطلق بسرعة تاركاً إياهما على الأرض دون أن يلتفت للوراء.. فقفزت رنيم واقفة وهي تصيح "إلى أين يذهب ويتركنا؟.. هل هرب؟.."
ضحك آرجان معلقاً "لا.. إنه موعد طعامه، وهو ذاهب لاصطياده بنفسه.."
التفتت إليه بعينين متسعتين متسائلة "وهل يأكل البشر؟.."
قال آرجان بابتسامة جانبية "لو كانت التنانين تأكل البشر لما نجى الهوت منها.. إنها تأكل الحيوانات، وتكتفي بوجبة في الصباح وأخرى في المساء.. وهي ليست شرهة.. لذلك نحرص عند الترحال معها أن نخيّم في مواقع تبتعد عن البشر لئلا تسطو على حيواناتهم.."
وأشار للأفق الغربي قائلاً "لابد أنه سيبحث عما يسدّ جوعه في الغابة القريبة.."
بدا الاهتمام على وجه رنيم بشغف لمعرفة المزيد عن هذه الكائنات المذهلة، لكن آرجان اكتفى بهذا القدر وهو يجلس بدوره قائلاً "ومن حسن الحظ أنني لم أتخلّ عن جراب طعامنا، وإلا بقينا نتضور جوعاً حتى عودته.."
جلست رنيم صامتة في موقع قريب وتناولت حصتها بصمت متأملة الموقع حولهما.. ثم تساءلت "كيف وافقت على رحيلي معك في هذه الرحلة؟.. ألا ترى أنني سأثقل عليك بأي صورة؟"
أجاب آرجان "لا.. لكن لم أتمكن من تجاهلك وأنا أراك وحيدة في تلك البقعة المعزولة.. عندما غادرتِ القرية، ساورني شك بأنك لن تلحقي بالجنود كما قالت كاينا.. فلحقت بك لأعرف ما تنتوين فعله، ولم يخالف ذلك توقعاتي أبداً.."
ثم نظر لها متسائلاً "لكن ما تعجبت له بشدة هو عرضك عليّ الرحيل معي في رحلة غريبة وغير اعتيادية بالنسبة لأميرة مرفهة مثلك.. ما الذي يجعلك تثقين بي؟.. لماذا غامرت بالرحيل معي وأنتِ لا تعرفينني حقاً؟.. بالإضافة لأن بداية علاقتنا كانت سيئة حقاً باختطافي لك.."
فكرت رنيم للحظات، ثم قالت ببساطة "لو كنتَ شخصاً سيئاً لآذيتني وأنا سجينة عندك لا حول لي ولا قوة ولن تجد من يعترض على ذلك بكلمة.. ولما سعيت لحمايتي من أن يمسّني أهل القرية بسوء عند وصولي.."
غمغم آرجان بشيء من عدم الاقتناع "هذا عذرك فقط؟.. أنت ساذجة.."
علقت رنيم "هذا يكفيني.."
قال بتعجب "أتعجب لثقتك الكبيرة هذه بشخص غريب.. أين كنت تعيشين قبل هذا؟"
غمغت رنيم "بين دفتي كتاب.."
نظرلها آرجان بدهشة، ثم وجدته يعتدل فجأة وهو يقول عاقداً حاجبيه "أرجو ألا يصدمك البشر في هذه الرحلة صدمة شديدة حقاً.."
التفتت لتنظر لما يراه، فوجدت بقعة سوداء تقترب من موقعهما بشكل حثيث.. وبعد بعض الوقت تأكد لها أن تلك البقعة هي لبضع رجال يتقدمون منهما بسرعة وحزم، ولكن ما أشعل قلقها هو رؤية الرماح والسيوف التي يحملونها في أيديهم بمغزىً واضح لم يغِب عنها بتاتاً..
نظرت لآرجان قائلة بقلق "ما الذي سنفعله؟"
وقف آرجان قائلاً "وما الذي يمكننا فعله؟.. سننتظر ونرى ما يريدونه منا.."
دهشت لهدوئه في موقف كهذا، ورغم سيفه العريض المتدلي من حزامه، لكن ذلك لم يبعث في نفسها أي راحة.. فما هو إلا شخص واحد يمكنهم التغلب عليه بسهولة مهما كانت قوته وبسالته.. سمعته يقول وهو يضع يده على مقبض سيفه دون أن يسحبه "لا تنطقي بأي كلمة.. سيدركون بسرعة أنني من الهوت، أما لو علموا أنك عربية فسيتهمونني بأنني قد اختطفتك.. ولن يصدقوا أي قول آخر.."
أطبقت رنيم شفتيها دون اعتراض وهي تقف قريبة تتأمل الوجوه العابسة والحواجب المعقودة والشفاه المزمومة.. وعند اقترابهم، بادر الأول منهم قائلاً لآرجان "هيه أنت.. من أنت؟.. وما الذي تفعله في هذه الأرجاء؟"
تساءل آرجان وهو يقلب بصره بينهم "ولمن هذه الأرض؟.. أهي لأمير أم لوزير أم لتاجر من التجار؟"
قال الرجل بضيق "بل هي مُلكٌ لملك مملكة بني فارس.. ما الذي تفعله أنت هنا؟.. ألست من الهوت؟"
أجاب آرجان بشيء من السماجة "ظننت أن قرى الهوت تدخل ضمن نطاق مملكة بني فارس.. فما العجيب في رؤية رجل منها في هذه الأنحاء؟"
قال الرجل بغضب "أنتم لصوص، وتثيرون شغباً دائماً في الجبال القريبة من قراكم.. حتى الملك لم يسلم من المصائب التي أثرتموها لجنوده.. لذلك أنتم غير مرحب بكم في أي مكان.."
صمتت رنيم وهي تستمع للحوار بقلق، بينما قال آرجان بتقطيبة "وكيف علمتم بوجودي هنا؟.. هل تراقبون كل من يعبر هذه الأماكن؟.. أم أن هذا موقع هام يفرض عليكم حمايته بشكل دائم؟.. إن أقرب قرية تبعد عنا بضعة أميال.."
أشار الرجل لما خلفه قائلاً بحنق "نحن نسكن الغابة القريبة، وهذه السهول تحوي حقولنا التي نعيش عليها.. لقد رأيناكما تصلان على ظهر تنين، لكن وجودكما هنا غير مرحّب به، فغادرا حالاً.."
تراجعت رنيم خطوة متأهبة للرحيل مع مرأى الأسلحة التي جلبها الرجال معهم، لكن آرجان قال بسماجة تامة "سنفعل ذلك بعد أن نستريح من عناء السفر.."
توترت رنيم لقوله وهمّت بالاعتراض، لكنها تذكرت نصيحته فالتزمت الصمت، بينما صاح الرجل بحنق "عليك الرحيل الآن.. هل تريد أن نجبرك على ذلك؟"
فوجئ الجمع بهبوط التنين خلف آرجان ورنيم بشيء من العنف وهو يزمجر بتحذير واضح.. وازداد ارتعابهم لرؤية ذلك الغزال الصغير الذي أسقطه التنين من أنيابه التي تقطر دماً.. تعالت بضع شهقات من حلوقهم بينما نظرت رنيم للغزال بصدمة ظاهرة.. أما آرجان، فقد وقف بكل ثقة قائلاً "كما ترون، هذا التنين على وشك تناول وجبته.. ولو لمْ تكن كافية، لا أعلم كيف سأتمكن من ردعه من الهجوم عليكم.. التنانين كما تعلمون تحب أكل البشر.."
صاح رجل وهو يتراجع خطوة "أنت تكذب.. ولماذا لا يتغذى التنين عليك أنت؟"
ابتسم آرجان ابتسامة جانبية معلقاً "وهل يتغذى التنين على سيده بينما هناك بدائل أخرى؟"
قطب بعض الرجال بينما تراجع آخرون بقلق شديد.. ولما زمجر التنين منزعجاً من تجمهر الغرباء أثناء تناوله طعامه، فإن أغلبهم سارع للهرب مبتعدين بينما تراجع الأول صائحاً "إنني أحذرك.. لا تمسّ أحداً من رجالنا.. غادر هذا الموقع قبل أن نطردك منه.."
وتراجع عدة خطوات قبل أن يدير لهم ظهره ويبتعد بسرعة.. فغمغم آرجان "فلنرَ كيف ستفعلون ذلك.."
غمغمت رنيم وهي تبتعد عن كاجا الذي غمس أنيابه في ضحيته باستمتاع كبير "لقد كذبت عليهم بوضوح.. ألم تقل إن التنين لا يأكل البشر؟"
أجاب آرجان وهو يسترخي جانباً "كان عليّ بث الرعب في قلوبهم ليتركونا بسلام.. لا يمكن لكاجا الطيران بمعدة مثقلة.. هو بحاجة لساعة على الأقل قبل أن يتمكن من حملنا على ظهره واستئناف رحلتنا.. كما أننا متعبان وبحاجة للراحة قبل أن نواصل سيرنا.."
نظرت رنيم لفلول الرجال الذين ابتعدوا وغمغمت "يبدو أن الهوت مكروهون فعلاً في هذا العالم.. ما السبب؟"
تمتم آرجان "من يدري؟"
فقالت رنيم وهي تتلفت حولها إلى الحقول القريبة "ربما علينا أن نبتعد عن هذه الحقول لئلا نثير غضبهم.."
قال آرجان وهو يستلقي أرضاً "لا تقلقي، لن يجرؤوا على الاقتراب مع وجود كاجا.."
أبعدت رنيم بصرها عن كاجا وعن منظر الدماء الذي أثار في نفسها شيئاً من الذعر بدورها.. هذه هي المرة الأولى التي ترى فيها كاجا يتناول طعامه.. كان يبدو كائناً جميلاً وهو يتناول تلك التفاحة التي تحملها له كل يوم وتستمتع برؤية لهفته عليها، ولم تدرِ كيف بإمكانه أن يبدو شرساً والدماء تغرق أنيابه التي تمزق لحم الضحية في لحظات معدودة..
شعرت بالتنين يلعق أنيابه من الدماء دون أن تجرؤ على النظر إليه، ولما اقترب منها أدارت وجهها بعيداً متفادية رؤية وجهه أو لمسه وجسدها يقشعر لمنظره.. فسمعت آرجان يعلق بعد أن راقبها بطرف عينه "لا تظهري اشمئزازك من التنين، فهذا يجرحه وقد يغضبه بشدة.. لو كنت تريدين التآلف معه، فعليك تقبله بكل أحواله.."
أدركت خطأها تجاه التنين الذي لم يبتعد عنها، فأجبرت نفسها على النظر إليه وهي تمسح عنقه مغمغة بابتسامة "آسفة لذلك يا صاحبي.."
ابتسم آرجان بدوره دون أن يعلق وهو يستدير جانباً، فوجدت رنيم نفسها مجبرة على النوم بدورها على الأرض الترابية دون تذمر.. ولما شعرت بالصمت يحيط بهما، عاد تفكيرها لهذه الرحلة التي لا تصّدِق حتى الآن أنها تخوضها بالفعل..
لقد قطعا جانباً كبيراً من هذه الجبال في ساعات معدودة.. ولن يطول بهما الوقت قبل أن يصلا لوجهتهما في الجانب القصيّ من القارة.. ربما بعد يوم ونصف يكونان قد وصلا هناك بالفعل.. فما الذي سيجري لهما هناك؟.. هل سيتمكنان من العثور على جايا، أو أي أثر عنها، بالفعل كما يأمل آرجان؟.. وما الذي تنوي رنيم فعله بعد أن يحدث ذلك؟..
*********************
في تلك الليلة، وبعد أن تجاوز الوقت منتصف الليل، شعرت رنيم بحركة قربها مما دفعها لتفتح عينيها وتزيح السترة التي كانت تدفئها مغمغمة "ماذا هناك؟.."
رأت التنين ينتصب قربها وهو يزمجر بخفوت وتوجس محدقاً في الفراغ مما جعلها تنتبه وهي تعتدل جالسة وتنظر حولها.. كان الظلام الحالك يسود المكان بحيث وجدت عسراً في رؤية شيء عدا عيني كاجا اللامعتين..
وبعد أن استمر الصمت وقتاً طويلاً مدت يدها وربتت على ساق كاجا قائلة "اهدأ.. ما الذي أزعجك؟.."
لكنه بدل أن يهدأ، فإنه وقف بتوتر أكبر وهو يتشمم بصوتٍ واضح مما جعلها تلتفت للمكان من جديد قائلة بخفوت "هل رأيت شيئاً ما؟.."
لم تكد تتم قولها حتى رأت وهجاً صغيراً على مبعدة من موقعها.. ضيقت عينيها محاولة معرفة كنه ذلك الوهج، وقبل أن تمضِ لحظات رأته يشتد ويتزايد والهواء يحمل لها رائحته المميزة.. اتسعت عينا رنيم وهي ترى تلك النار التي اتسعت وأضاءت ظلام تلك الليلة بوضوح، فهبت نحو آرجان وهزته قائلة "استيقظ يا آرجان.. هناك حريق في الحقول القريبة.."
نهض آرجان بسرعة وتطلع لذلك الموقع، ثم زفر قائلاً "إنه في الجانب الآخر من النهر.. لقد أفزعتني.."
قالت بإلحاح "أهذا يدعو للارتياح؟.. ألست قلقاً لما سيصيب حقول القرويين مع هذه النار القوية؟.."
حك آرجان شعره قائلاً "هل نسيتِ أن أولئك القرويون قد كادوا يفتكون بنا قبل ساعات قليلة؟.."
هزت رأسها قائلة "مهما يكن ما فعلوه، فإن هذه النار قد تمتد للغابة القريبة وللقرية الغافلة عنها.."
وأضافت بتوسل "لنقمْ بتحذيرهم على الأقل.."
زفر آرجان ونظر لكاجا المتوتر، ثم قال "حسناً أيتها الأميرة اللحوحة.. يبدو أنني لن أحظى بنوم هادئ الليلة بتاتاً.."
وعلى ظهر كاجا، تجاوزا النهر القريب وهبطا على الجانب الآخر منه حيث المساحات الزراعية التي استغلت السهل بين النهر والغابة.. ووسطها، في موقع خالٍ من البشر عادة، كانت النار تلتهم المحاصيل الخضراء بشراهة وسرعة كبيرتين..
غمغمت رنيم بقلق كبير "رباه.. ما الذي يمكننا فعله؟.. ستصبح هذه الحقول صريماً لا حياة فيه خلال وقت قصير.."
نظر آرجان للغابة القريبة، ثم أشار إليها قائلاً لرنيم "ها هي بيوت تلك القرية واضحة من هنا.. اذهبي إليها وأنذري أهلها من هذا الحريق.. سأرى ما يمكنني فعله مع كاجا حتى قدومهم.."
أسرعت رنيم تنفذ أمره وهي تتقدم من الغابة والقرية الواقعة عند طرفها.. وبينما كانت النار تلقي بنورها على البيوت الساكنة، فإن رنيم تعجبت من صمت القرية التام إزاء مثل هذا الحدث.. اقتربت من أقرب البيوت وطرقت بابه بعنف وهي تصيح "أيها الناس.. هناك حريق في الحقول.. أسرعوا لإطفائه.."
وذهبت لآخر فطرقت بابه، ثم لآخر وآخر حتى بدأ أهل القرية بالخروج من منازلهم بدهشة تحولت لصدمة ثم ذعر مع مرأى النيران التي تحصد محاصيلهم.. تقدم رجل ضخم من رنيم فأمسكها من مجمع ملابسها وهو يقول بغلّ "هل أنتما من فعل هذا؟"
قالت بسرعة "لو كنا فعلناه هل كنتُ سآتي لتحذيركم؟.."
ثم نظرت للبقية مضيفة "أسرعوا بإطفاء تلك النيران قبل أن تلتهم حقولكم كلها.."
قال الرجل بغيظ "لابد أن رفيقك قد فعل هذا لأننا طردناكما.. كان حريّاً بنا إبعادكما عن هذا الموقع وعدم السماح لكما بالبقاء هنا وإثارة الشغب.."
سمعت رنيم صوتاً يقول "أهذا وقت الجدال؟"
التفتت لترى عجوزاً طاعنة في السن، ربما تتجاوز الثمانين من العمر، صغيرة الحجم وضئيلة بشكل لا يصدق وهي تقترب منهما وشعرها الأبيض يلتمع بلهب النار.. فقالت مواجهة الرجل "أليس الأفضل لكم إطفاء الحريق بدل هذا الحديث الفارغ؟.."
ثم نظرت لرنيم مضيفة "ثم إن الفتاة ليست من الهوت كما تدّعون.. إن لها ملامح عربية خالصة.. ألم تلحظ هذا؟"
نظر لها الرجال بدهشة، لكن أحدهم لم يعلق وهم يتدافعون لموقع الحريق حاملين بضع دلاء وما يمكنهم إطفاء النار به.. وقفت رنيم تراقبهم بينما قالت المرأة العجوز "ما الذي يدفع فتاة عربية للترحال مع رجل من الهوت؟.. أهناك ما يرغمك على ذلك؟"
تراجعت رنيم خطوة وهي قلقة من كشف هويتها ومن تبعات ذلك على آرجان، فقالت باندفاع "بل أنا من الهوت حقاً.."
ابتسمت العجوز معلقة "لكنك لا تملكين لكنتهم.. ولا ملامحهم رغم ارتدائك لرداء مشابه لهم.."
توترت رنيم أكثر وهي تواجه النظرة الثاقبة لتلك العجوز، لكنها لم تعلق وهي تستدير وتغادر عائدة لموقع آرجان والبقية.. فضّلت مقاومة النار مع البقية عن مواجهة العجوز وما قد يتبع ذلك من كشف نفسها وهويتها.. ولما وصلت للحقول، دارت ببصرها بحثاً عن آرجان والتنين دون أن تعثر لهما على أثر.. بينما حاول الرجال إطفاء النار باستخدام مياه النهر القريب رغم بُعد المسافة وصعوبة نقل المياه ببضع دلاء..
بحثت رنيم عن وسيلة لإطفاء النيران بأسرع ما يمكن، دون أن يسعفها عقلها بأي فكرة.. فتلفتت حولها مغمغمة "أين اختفى آرجان في مثل هذا الوقت؟.."
لم تكد تتمّ قولها حتى لمحت كاجا عائداً لموقعهما وعلى ظهره آرجان.. وبينما رفع الرجال أبصارهم للتنين بمزيج الذعر والبغض، فإن رنيم لاحظت أن التنين يحمل شيئاً بقدميه.. لكنه أكبر من أن يكون مجرد شيء.. وقبل هبوطه، رمى كاجا ما يحمله أرضاً وسط الرجال، ثم هبط في جانب المكان..
حدقت رنيم، والرجال، بدهشة في الشخصين اللذين سقطا أرضاً بعنف.. ورغم أن الرجلين لم يكونا مصابين، إلا أنهما أطلقا صيحات رعب وهما يزحفان بعيداً عن التنين.. فصاح آرجان "قيدوا هذين الرجلين قبل أن يهربا.."
وإزاء نظرات الاستنكار من البقية وضّح الأمر قائلاً "وجدت هذين يتسللان من الجانب الآخر من الحقول حاملين مشعلان.. هما من أشعلا النيران في هذه الحقول.."
وبينما انقض رجلان على المتسلليْن وقاما بتقييدهما، قال آرجان "ألا تملكون حاوية أكبر من هذه الدلاء؟.. يمكن للتنين المعاونة في إطفاء النيران بشكل أسرع.."
أسرع أحد الرجال يدلّه على برميل كبير مصنوع من أخشاب رصّت بشكل محكم ودهنت بنوع من الدهن الحيواني لمنع تسرب المياه منه، وهي تستخدم لنقل الزيوت وغيرها من السوائل تمهيداً لبيعها في القرى الأخرى..
وبتربيتة من آرجان، حمل كاجا البرميل وطار به نحو النهر القريب، فدلّاه في المياه ليعبئه قبل أن يعود به فوق النار المشتعلة ويرشها بالماء.. كان عملاً طويلاً ومرهقاً، وتقارب الحقول وكثافة المزروعات فيها كان يبطئ عملهم ويثير النار بسرعة أكبر.. لكن، مع انبلاج الفجر واتضاح الرؤية شيئاً ما، كانت النيران قد أطفئت بشكل كامل مخلفةً ربع الحقول الممتدة سوداء خرِبة..
وقف رجال ونساء القرية مغمورين بالماء والعرق والرماد وهم يتأملون خسائرهم في تلك المحاصيل التي تساوي أكثر من حياة أبنائهم، ثم دارت الأبصار للرجلين المرتعبين الذين قيّدا لشجرة قريبة وتحت حراسة أحد شباب القرية.. فتقدم رجل منهما قائلاً بغضب "ما الذي دفعكما لفعل ما فعلتماه؟.. أتظنان أن ذلك يمكن أن يمر مرور الكرام؟.."
نظر الرجلان لبعضهما البعض بصمت، ولما تلقى الأول منهما لكمة قوية على وجهه من أحد الشباب، فإن هذا كان كافياً ليدفع الآخر للصياح "لا تنتقموا منا.. نحن لسنا مسؤولان عما جرى هنا.."
فقال الشاب مكوّراً قبضته بشدة "أتمزح يا هذا؟"
أسرع المتسلل يقول "لا.. صدقني لم نأتِ هنا إلا بطلب من يسار التاجر"
نظر القرويون لبعضهم البعض بوجوه مكفهرة، بينما تساءل آرجان "أتعرفون من هو؟"
قال أحد الرجال بجفاء "أجل.. وهذا أمر لا يخصّ دخيلاً عن القرية.."
فقال آرجان بسخرية "أهذه وسيلة لشكرنا على مساعدتكم في إطفاء الحريق؟"
تعالى صوت العجوز من بين الجمع قائلة "نحن بالفعل نشكركما على هذا.. لو لم تحذرانا من هذه النار، وتعاونانا على إطفائها، لربما فقدنا المحاصيل والحقول كلها.."
ونظرت للرجل المقطب بنظرة حادة مضيفة "وهذا كفيل بتدمير القرية نهائياً.."
أدار الرجل وجهه جانباً بضيق، بينما قالت العجوز "عودوا بهذين المتسللين للقرية.. وهناك سنرى ما سنفعله بهما، وبالتاجر يسار.."
أطاعها الرجال بصمت وهم ينسحبون عائدين للقرية بعد ليلة منهكة وطويلة.. فيما تساءلت رنيم بدهشة "من يكون ذلك التاجر الذي يأمر رجاله بإحراق حقولكم؟.. ما السبب الذي يدفعه لفعلٍ بغيضٍ كهذا؟"
قالت العجوز وهي تتأمل الحقول السوداء "هو من أكبر تجار هذه المناطق.. وهو يحاول منذ مدة أن يشتري منا محاصيلنا بثمن بخس ليقوم ببيعها بمبلغ مضاعفٍ عشر مراتٍ على الأقل.. وعندما رفضنا، وقمنا ببيعها في السوق لحسابنا الشخصي، هددنا بأنه لن يسمح لنا بتجاوز حدودنا، وأن رفض طلبه سيكلفنا غالياً.. ولم يدرك أحدنا أنه سيكون بهذه الخسّة حقاً.."
استمعت لها رنيم بإشفاق للقسوة التي يتحلى بها شخص يملك كل شيء مقابل أشخاص لا يعيشون إلا على الكفاف، ويكفيهم ذلك..
التفتت العجوز إلى رنيم الواقفة جانباً بصمت وتساءلت "أنتِ لم تجيبي على سؤالي السابق يا فتاة.. هل تنوين التهرب من هذا السؤال للأبد؟"
توترت رنيم والعجوز تقلب بصرها بينها وبين آرجان متسائلة "ما الذي يجبرك على مصاحبته في رحلته هذه؟.. أهو يغصبك على ذلك؟"
التفتت رنيم لآرجان بقلق، فقال بشيء الصرامة "شأن الفتاة لا يخصّ الغرباء أيضاً.. لنذهب، فقد أضعنا ساعات طويلة في عمل بلا فائدة.."
تراجعت رنيم خطوات بتوتر، ثم استدارت وتعلقت بيد آرجان الذي ساعدها على امتطاء كاجا، فعلقت العجوز "هذا العمل قد أنقذ أرواحاً عديدة أيها الشاب.."
لم يعلق آرجان بينما ارتفع التنين دون إبطاء متجاوزاً المزارع المتفحمة والقرية الصغيرة التي تقع عند أطراف الغابة.. وبينما بدأت الشمس بالشروق من خلفهما، فإن آرجان دمدم بضيق "لقد أضعنا ساعات راحة ثمينة بسبب ذلك الحريق.."
غمغمت رنيم "أنا آسفة.. لقد أجبرتك على معاونة القرية رغم سوء معاملتهم لك.."
قال آرجان "لم تجبريني.. لو لم أكن أريد المعاونة لما فعلت ذلك.. الآن، سنتجاوز هذه الغابة ونهبط في الجانب الآخر منها.. وبينما يحصل كاجا على طعامه، سنحاول اقتناص بعض الراحة لساعة أو اثنتين.."
لم تعلق رنيم وهي تحدق في الغابة من تحتهم والأشجار المتراكضة بكثافة لا تصدق.. من المفيد وجود التنين معهم، فأي مشكلة يمران بها يمكن أن تنتهي فور امتطائهم لظهر كاجا والطيران بعيداً.. هذا حلٌ عملي لأغلب مشاكلهم على الأرض.. تتمنى فقط ألا يعكر صفو رحلتهما أمر آخر حتى يصلا لميناء (مارِج)..
*********************
بعد عدة ساعات من الراحة، عاد الثلاثة لاستئناف رحلتهم دون إبطاء.. كان عليهم قطع أطول مسافة ممكنة قبل مغيب الشمس وقبل أن يحين موعد وجبة كاجا التالية، فهو سيرفض الحراك تماماً حتى يحصل على طعامه.. كانوا في البدء يطيرون بجوار السلسلة الجبلية الممتدة من شرق القارة حتى غربها لتقف عند أطراف السهول الممتدة خلفها والتي سميّت سهول الأكاشي نسبة للقبائل التي تتمركز في ذلك الموقع دوناً عن العالم كله.. ولما وصلوا للجانب الغربي من القارة، كانت الجبال تشكل سدّاً منيعاً أمامهم، لكن أي حاجز مهما كان علوه وضخامته يمكن الطيران فوقه بكل يُسر.. وهكذا وجدت رنيم أنهم قد ارتفعوا متجاوزين الجبال ومتفادين قممها الثلجية التي تنعكس عليها أشعة الشمس وتعشي أعينهم لوهجها..
شعرت رنيم بالبرودة تتزايد من حولها مع وصولهم لذلك الموقع، فقالت لآرجان "ألا يستحسن بنا الوقوف للراحة قليلاً؟.. أمضينا عدة ساعات في الطيران، وربما كان كاجا متعباً.."
علق آرجان "كاجا يمكنه الطيران حتى غروب الشمس، وعندها سيحتم علينا الوقوف مهما كان موقعنا.. يجب أن نجتاز هذه الجبال قبل المغيب لنهبط في موقع منبسط وأكثر أمناً.."
قالت باعتراض "أنت لا تراعي تعب كاجا وتنهكه في طيران طويل دون توقف.. لمَ أنت قاسٍ معه هكذا؟"
ألقى آرجان على كاجا نظرة قائلاً "أترينني قاسياً الآن؟.. كيف تعرفين أن كاجا متعب بشكل بالغ؟"
أجابت مشيرة إليه "يمكنني إدراك ذلك من تذبذبه في الطيران.. لم يعد يطير بالسلاسة ذاتها كما كان في بداية هذا النهار.."
قال آرجان "لا تقلقي.. سيكون بخير حتى نصل السهول خلف هذه الجبال.."
غمغمت رنيم رغماً عنها "أنت متجبر.."
فتنهد آرجان وهو يدير بصره جانباً قائلاً "تباً.. لقد اشتقت لتلك الفتاة الهادئة الصامتة التي كانت حبيسة داري.. وهي لا تقارن بهذه التي تتذمر في كل حين ولحظة.."
احتقن وجه رنيم شيئاً ما، ثم هتفت "أنا لا أتذمر.. لكني أريدك أن تستمع لرأيي.. أنت من شجعني لفعل ذلك منذ البدء، أليس كذلك؟"
قال رافعاً حاجبيه "لم أعنِ أن تضجّي بالشكوى في كل وقت وحين!.."
فقالت بضيق " لمَ أنت متعجرف هكذا؟"
قال بسخرية "هل أنت نادمة على مرافقتي في هذه الرحلة الآن؟"
أدارت وجهها جانباً بصمت لوهلة، ثم قالت بخفوت "لا.. لم أندم على ذلك.."
ضحك آرجان لقولها، فأسرعت تضيف "بعد.... لم أندم على ذلك بعد.. من يدري......."
قطعت قولها مع زمجرة قوية من التنين الذي دار برأسه بتوتر واضح.. فنظرت حولها لتعرف سبب ضيقه بينما غمغم آرجان "يبدو أننا نثير اهتمام بعض سكان هذه الجبال.."
نظرت رنيم للأرض تحتها بشيء من القلق.. بدا التوتر على آرجان بالفعل وهو يرى جمعاً من الرجال يرتدون فراء الذئاب للتورية وهم يحدقون بالتنين الذي يقطع السماء بسرعة كبيرة.. كانوا متناثرين على منطقة واسعة من تلك الجبال ولم يكونوا متجمعين في منطقة واحدة يمكن تجاوزها.. تمتمت رنيم لنفسها وهي تراقبهم يلوّحون بسيوفهم "أتظن أنهم يستطيعون إيذاءنا بأي وسيلة كانت؟.."
غمغم آرجان عاقداً حاجبيه "ربما لا يملكون الوقت الكافي لفعل ذلك.. إن هي إلا لحظات فقط، وسيعبر كاجا هذه السلسلة الجبلية بسرعته الكبيرة.. فلا تقلقي.."
لا تدري كيف يطمئنها والقلق واضح على وجهه، لكنها لم تعلق وهي تراقب الأرض تحتها بصمت وكاجا يميل جانباً متفادياً جانباً مرتفعاً من تلك الجبال.. بعد لحظات، دهشت رنيم لصوت صفير يقطع الصمت بمروره قريباً منها.. فتلفتت حولها متسائلة "ما هذا الصوت؟"
تكرر الصوت من جديد في ناحية أخرى، وانتبهت رنيم لذلك الجسم الدقيق الذي مرق قربها وكاد يصيب ذراعها.. وقبل أن تستوعب ما جرى سمعت آرجان يقول ضاغطاً على أسنانه "اللعنة.. إنهم يطلقون سهامهم نحونا.. تشبثي جيداً.."
دارت رنيم ببصرها حولهم وهي تتمسك بكتفي آرجان بقوة.. ولاحظت عدة سهام أصغر حجماً من المعتاد تتطاير في الموقع وكاجا يزمجر بغيظ شديد وهو يميل بشدة محاولاً تفادي ذلك الهجوم.. بدا أن سكان تلك الجبال عازمون على إيقاع التنين بإصرار، ولا تعلم رنيم سبب ذلك.. لكن آرجان لم يعبأ لذلك الهجوم وهو يميل بكاجا يميناً ويساراً ويحاول الارتفاع به عن مرمى تلك السهام.. ورغم تعبه من الطيران المستمر، فإن كاجا بذل جهده في تفادي السهام وهو يرفرف مرتفعاً في السماء قبل أن يضمّ جناحيه لجانبه ويميل للأسفل مخترقاً الفضاء كرصاصة.. وبحركات بهلوانية، تمكن من تجاوز ذلك الهجوم وابتعد عن السلسلة الجبلية لتنكشف أمامهم سهول شاسعة ومرتفعات ذات انحناءات سلسة بلون أخضر جميل..
تنهدت رنيم وهي تراقب الجبال من خلفهم وتغمغم "الحمدلله.. مضى الأمر على خير.."
ربت آرجان على عنق كاجا قائلاً "أحسنت عملاً يا كاجا.. أنت بارع.."
سمعا كاجا يطلق زمجرة غير راضية وهو يميل في طيرانه، فتساءل آرجان بقلق "ما الأمر؟.. هل أصبت؟"
زمجر كاجا من جديد بصوت لمحت فيه رنيم بعض الألم.. لا تدري لماذا، لكنه بدا لها كمن يتألم بشدة.. هل أصيب بتلك السهام؟.. قبل أن تنقل شكوكها لآرجان، فوجئا بالتنين يتمايل بشكل خطر كاد يوقع رنيم من على ظهره، فتمسكت بوسط آرجان وهي تهتف "لقد أصيب كاجا بتلك السهام.. هل سنسقط؟.."
لكن آرجان انشغل عنها بالتنين وهو يجذب العنان بقوة صائحاً "كاجا.. اهبط بهدوء.."
لكن كاجا دار دورة حول نفسه وهوى بشدة جاعلاً رنيم تصرخ بفزع "نحن نسقط......."
حاول آرجان دفع كاجا للارتفاع والتخفيف من سقوطه السريع، لكن كاجا كان عاجزاً عن فرد جناحيه من جديد والأرض تقترب منه بسرعة شديدة.. صاح آرجان وهو يضرب صفحة عنق التنين لتنبيهه براحة يده "هيا يا كاجا.. عد لوعيك.. إن سقطتَ لن تفيق بعدها أبداً.."
لكن لم يصدر من التنين إلا صوت خافت والأرض تتقارب منهما بشدة حتى أغمضت رنيم عينيها بقوة وقلبها يغوض في صدرها.. وفي لحظة، استعاد كاجا تحكمه بجناحيه وهو يرفرف بقوة فجأة ويرفع نفسه بسرعة قبل أن يهبط على قدميه بشيء من العنف، ولم يلبث أن تهاوى بجسده أرضاً بعدها.. ومع هبوطه العنيف، ارتمت رنيم أرضاً بقوة وتدحرجت حتى تكومت في جانب المكان..
هبط آرجان بقفزة واحدة واندفع نحو رنيم، فعاونها على النهوض متسائلاً "أأنت بخير؟.."
غمغمت بألم وهي تجلس "الحمدلله، لم أكسر عظامي بعد.."
لمحت القلق في عيني آرجان، فقالت بابتسامة "أنا بخير.."
ونظرت خلفه متسائلة بقلق "وكيف هو كاجا؟.. ما الذي حل به؟.."
قال آرجان وهو ينهض "سنرى حالاً.."
واقترب من كاجا الذي تململ في موقعه دون أن يقوى على النهوض، فدار آرجان حوله متفحصاً وهو يربت عليه مهدئاً.. وفي جانبه الأيسر، قرب فخذه، رأى سهمين متباعدين من تلك السهام الدقيقة قد اخترقت جلده الثخين وغاصت في لحمه حتى لم يبقَ منها إلا جزءٌ صغير.. زفر آرجان وهو ينظر للتنين الذي رمى رأسه جانباً وهو يزوم بتعب، ثم غمغم وهو يمسك السهمين بيديه "اهدأ يا رفيقي.. اهدأ واسترخِ وكل شيء سيكون على ما يرام.."
كان يدرك أن عليه أن يسحب السهمين معاً لأن التنين لن يمنحه فرصة ثانية.. وبكل قواه، جذب السهمين في آن واحد رغم سماكة جلد التنين الذي جعل الأمر أكثر صعوبة.. وللألم الذي ثار بقوة، أطلق كاجا صيحة متألمة ممتزجة بالغضب، وطوّح ذيله بقوة ليضرب آرجان في صدره ويرميه عدة أمتار للوراء.. ثم قفز نحوه بسرعة وتوحش حتى جثم على صدره والغضب يبدو من ملامحه المنقبضة وهو يزمجر بوعيد..
شهقت رنيم التي كانت تراقب ما يجري وصاحت وهي تقفز واقفة "كاجا.. توقف.."
واندفعت نحوه قبل أن ينشب أنيابه في جسد آرجان.. لكن الأخير صاح بها "لا تقتربي لئلا تثيري غضبه أكثر من هذا.."
توقفت رنيم على مبعدة وهي تضم قبضتيها بقلق شديد، بينما نظر آرجان لكاجا وهو يقول بصوت هادئ "لا تغضب يا رفيقي.. كان هذا لصالحك.. اهدأ الآن.."
ومد يده بحذر نحو خطم التنين الذي زمجر بغضب، وقبل أن ينجح في تهدئته فوجئ بالتنين يترنح للحظات والزبد يتدفق من فمه.. تراجع خطوتان وهو يتخبط بشدة فيما أسرعت إليه رنيم قائلة بارتعاب "ما الذي يجري لك يا كاجا؟.."
نهض آرجان والتقط السهمين اللذين سقطا منه أرضاً، وبلمحة سريعة تمكن من رؤية تلك الصبغة البرتقالية التي صبغت السهمين الخشبيين.. فقال عاقداً حاجبيه بشدة "هذه السهام تحوي سماً.."
نظرت له رنيم بصدمة، بينما اقترب منهما آرجان مضيفاً "لقد تم غمس هذه السهام الخشبية في مادة سامة قبل استخدامها بوقت طويل حتى تشربت تلك المادة.. ولا نعلم أي نوع من السموم هو.."
تدافعت الدموع من عيني رنيم وهي تصيح متشبثة بالتنين "كاجا... لا.. رباه، ما الذي يمكننا فعله؟.."
لم يتوقف الزبد من التدفق من شفتي التنين وهو يصدر أنيناً بألم وينهض ليتخبط فيسقط من جديد.. فصاحت رنيم وهي تحاول التحكم به "كف عن الحراك لئلا تؤذي نفسك.."
والتفتت إلى آرجان صائحة "افعل شيئاً يا آرجان.. سيموت كاجا بهذه الطريقة.."
قال آرجان بتقطيبة "وهل نملك ما نفعله له في هذا العراء؟.."
نظرت رنيم لكاجا بعينين تدمعان وهي تقول بصوت يرتجف "لكنه سيموت.."
مسحت على وجهه وهي تراقبه بأسى، عندما فوجئت به ينتفض واقفاً ثم يندفع في السماء بحركة سريعة شهقت لها رنيم.. تخبط التنين قليلاً في طيرانه، ثم ابتعد بسرعة فائقة دون تردد ودون أن يلتفت للإثنين اللذين بقيا يراقبانه على الأرض.. التفتت رنيم إلى آرجان المقطب هاتفة "أين سيذهب كاجا وهو مريض بهذه الصورة؟.."
غمغم آرجان "إن التنانين تعرف كيف تتولى أمر نفسها في حالة المرض، وأتمنى أن يكون كاجا يعرف ما يفعله.."
وزفر بشدة ورنيم تغمغم بصوت يرتجف "أتمنى أن يكون بخير.."
لم يعلق آرجان وهو يدور ببصره فيما حولهما من سهول شاسعة قائلاً "لقد تركنا كاجا في أسوأ موقع ممكن.. لا يمكننا عبور هذه الجبال عائدين من حيث أتينا.."
ونظر لها مضيفاً "و(مارِج) بعيدة عنا ولن نستطيع التوجه إليها سيراً على الأقدام.."
مسحت رنيم دموعها وبصرها معلق بالسماء.. غاب كاجا عن بصرها ولم تعد تراه لسرعته الفائقة.. فهل رحل بحثاً عن علاج، لو كانت التنانين تعرف علاجاً لسمّ كهذا؟.. أم أنه رحل ليموت بعيداً ولن تراه مرة أخرى؟..
التفتت إلى آرجان وقد خايلتها دهشة من عدم انفعاله لما جرى، فرأته يحدق في السهول أمامهما بتقطيبة وعبوس وهو صامت بجدية غريبة عليه.. اقتربت منه متسائلة "ما الأمر؟.. ألا يقلقك ما جرى لكاجا؟"
قال آرجان دون أن تزول تقطيبة جبينه "بل أنا أثق به وأدرك أنه سيعود فور أن يصبح أفضل.. لكن ما يقلقني الآن هي هذه السهول التي علينا أن نعبرها سيراً على الأقدام.."
تساءلت رنيم بدهشة "لماذا؟.. أتخشى أن نضيع فيها أم تخشى أن تنفذ مواردنا قبل الوصول لأقرب مدينة أو مخيم؟"
قال بعبوس "بل أخشى الأكاشي.."
قالت رنيم "أهم القبائل التي تعيش في هذه السهول؟"
هز آرجان رأسه إيجاباً، ثم قال بملامح لا تشي بأي راحة "الأكاشي شعب مكون من بدو رحّل، لا يستقرون في موقع ولا يعمرون مدينة.. تسير قوافلهم حيث سارت ماشيتهم وحيث ينمو العشب على تلالهم.. لكنهم، رغم أنهم يتحدثون لغتكم، لا يشبهون شعوبكم في أي شيء آخر.. هم قساة، قتلة، لا يعبؤون بالأرواح ولا يهمهم إلا فرض السيطرة على هذه المناطق الشاسعة.. ورغم أن هذه المناطق تعتبر جزءاً من مملكة بني فارس، إلا أنها لا تملك أي سلطة على أي جزء من أجزائها، ولولا وجود هذه السلسلة الجبلية العالية التي تحجز هذه السهول عن بقية المملكة، لتمددت سلطة الأكاشي لمناطق أكبر منها ولعجز الملك عن صدّهم تماماً.."
شحب وجه رنيم شيئاً ما وهي تغمغم "يا إلهي.. ما الذي جاء بنا لهذه البقاع إذاً؟.."
نظر آرجان لوجهها الشاحب معلقاً "أرى حماسك وشغفك للترحال في أرجاء هذا العالم قد خفت مع ذكر شراسة قبائل الأكاشي.. هل أصبحت تخشين على نفسك الآن؟"
غمغمت وهي تخفض وجهها "التعامل مع تلك القبائل لن يكون سهلاً كما كنا سنفعل لو كنا على ظهر كاجا.. من الطبيعي أن أقلق ونحن وحيدين لو اضطررنا لمواجهة جماعة منهم.."
علق آرجان بزفرة "لن أسمح لأحد بأن يمسّك بأذى.. لكني بالفعل أتمنى ألا نتواجه مع أحدهم أبداً طوال سيرنا هذا.."
ثم مدّ يده وأمسك خصلة من شعرها الطويل قائلاً "علينا التخلص من هذا الشعر.. لا نريد أن يبدو شكلك جذاباً فيغري أحد أولئك الرجال بالتطاول عليك.. وأنا لن أكفي لحمايتك منهم.."
هتفت رنيم باحتجاج "شكلي لا يبدو جـ.. جذاباً بالشعر الطويل كما تقول.. كلامك لا يقنع أحداً.."
جذب آرجان الخصلة بخفة آلمتها وهو يقول بحزم "عليك أن تطيعيني فأنا أكثر خبرة منك.."
وخلال وقت قصير، كانت رنيم تجلس على صخرة محنية الكتفين وآرجان يقص خصلاتها بخنجر حاد صغير يملكه.. وبينما تتهاوى الخصلات المتموجة في حجرها، فإن رنيم قالت دامعة العينين "هذا ظلم.. لماذا عليّ أن أتخلص من شعري بينما تحتفظ أنت بشعرك الطويل هذا؟.."
علق آرجان بسخرية "وهل أبدو لعينيك جذاباً كالنساء بهذا الشعر الطويل؟.."
دمدمت رنيم بضيق "ستطلب مني بعد ذلك التنكر بهيئة رجل.. أليس كذلك؟.."
قال آرجان "أود ذلك.. لكن تنكرك لن يقنع أحداً بملامحك الناعمة هذه.."
خفضت رنيم رأسها وهي تقول بخدين حمراوين "ملامحي ليست ناعمة.. لا تحاول تملقي بكلماتك هذه.."
عبث آرجان بشعرها القصير للحظة دون أن يعلق، ثم أعاد خنجره للجراب الذي يحمله على كتفه عادة قائلاً "لنذهب.. أمامنا طريق طويل.."
نهضت رنيم وتوجهت لجدول قريب يقطع هذه السهول، وتطلعت لهيئتها الجديدة.. لم تكن تبدو بشعة كما كانت تتوقع، ورغم أن قطع الشعر بالخنجر لا يمنحه مظهراً جميلاً، لكن شعور رنيم بالخفة والطلاقة مع هذه الخصلات القصيرة قد خفف من حزنها على ما فقدته.. كما أن الشعر القصير يمحو بعض الكآبة التي كانت تجدها تخيّم على ملامحها في السابق.. وبعد أن غسلت وجهها بالماء، وشربت بعضه تحسباً للطريق الطويل الذي عليهما قطعه، أسرعت خلف آرجان قائلة "كم من الزمن تعتقد يلزمنا حتى نصل لـ(مارِج)؟"
هز آرجان كتفيه مجيباً "من يعلم؟.. لو سرنا على الأقدام، فلن نصل قبل مرور أسبوع أو أكثر.. وأشك أن نفعل ذلك.. لذلك كل أملنا أن نلتقي بقافلة من القوافل التجارية التي تقطع هذه السهول فنرحل معها.."
لم تعلق رنيم وهي تتنفس بعمق.. إنها لم تكن يوماً تمتلك نشاطاً وقوة لقطع مسافات طويلة، وينهكها مجرد السير لمدة قصيرة.. ولم يكن ذلك لاعتيادها على الدعة والراحة، قدر ما كان لاضطرارها البقاء في مواضع محدودة من قصر أبيها.. والآن هي تلاقي تبعات تلك الحياة الخاملة التي عاشتها بين جدران القصر..
وكما كان آرجان يقسو قليلاً على كاجا ليقطع مسافات طويلة دون راحة، فهو قد فعل الشيء ذاته مع رنيم رافضاً منحها أي راحة بين فترة وأخرى.. وإن وافق على ذلك لا تتجاوز راحتها دقائق معدودة، كما أنه كان يرفض منحها بعض الماء لتشربه عندما يراها تلهث بتعب متحججاً بأن ذلك سيضرّها أكثر مما ينفعها.. أهو محق بذلك؟.. وبعد بضع ساعات من السير والإرهاق الشديد، تهاوت رنيم أرضاً وهي تقول لاهثة "يجب أن نتوقف.. أكاد لا أشعر بساقيّ لكثرة ما سرنا دون راحة.."
قال آرجان بانزعاج "ما الذي تقولينه؟.. مازالت الجبال قريبة منا، ومازلنا في أول الطريق.. هل تريدين أن نمضي الشهر كله في السير البطيء هذا؟"
قالت باعتراض "وما الذي يمكنني فعله؟.. أنا لا أملك طاقة لبذل جهد أكثر مما فعلت.."
قطع قولها صيحة عالية اندلعت من موقع ما أمامهما.. فتوتر آرجان وهو يصيخ السمع ورنيم تتحامل لتقف من جديد وقد عاد إليها قلقها.. ومع بعض الإنصات، تمكنا من ملاحظة أصوات بدت خافتة لهما وهي صوت صياح وصراخ يمتزج بصوت صليل المعادن وهي ترتطم ببعضها البعض..
نظرت رنيم لآرجان متسائلة بقلق، بينما نظر آرجان إليها مغمغماً "عسى ألا يكون هذا ما أتوقعه.. فسنكون عندها في مأزق.."
تراجعت رنيم خطوة قائلة بقلق "ما معنى هذا؟.. أهم الأكاشي؟"
قال آرجان "علينا استطلاع الأمر، ومن ثمّ اتخاذ التصرف الملائم.."
وسار بخفة متقدماً من مصدر الصوت متجاوزاً عدداً من التلال، ورنيم تلحق به بأسرع ما تستطيع.. ولما اقتربا من الصوت الذي غدا أكثر وضوحاً وإزعاجاً خلف تلة قريبة منهما، صعد آرجان تلك التلة ليرى ما خلفها دون أن يُظهر نفسه.. وفي الجانب الآخر منها، وعلى مساحة واسعة، كان عدد لا يقل على مائة رجل مكوّنين فريقين يتقاتلان بعنف ووحشية بينما الجثث تكوّمت أرضاً والدماء سالت منها ملونة السهول الخضراء بلونٍ أحمر قانٍ.. كان الفريق الأول لأولئك الرجال ذوي فراء الذئاب، وهم سكان الجبال القريبة منهم.. أما الفريق الثاني، فكان لرجال ضخام شديدي البأس يرتدون ثياباً جلدية مبطنة بالفرو وعلى رؤوسهم خوذات حديدية بقرون عالية تظهر من الجنبين.. سمر البشرة بينما بدا من تحت الخوذات شعر أشقر تفاوت في لونه وفي طوله، بحيث بدا متناقضاً مع البشرة السمراء بشدة.. واكتست الوجوه بشوارب ولحىً فاتحة اللون تماثل شعر الرأس شقرة..
قبعت رنيم قرب آرجان وهي تقول بانتفاضة "ما الذي يجري؟.. من هؤلاء؟"
همس آرجان "هؤلاء هم سكان الجبال.. ويبدو أنهم قد جاؤوا في محاولة لفرض سيطرتهم على هذه المناطق القريبة.. أما أولئك....."
وأشار لذوي القرون الذين يقاتلون بحماس ووحشية قائلاً بتقطيبة "هؤلاء هم الأكاشي.. ذوي القرون.."
ورغماً عنها، غلبتها انتفاضة قوية وهي ترى المعركة الشرسة التي تدور على بعد أقدام منهما، ولا يبدو أن نتيجتها ستكون في صالحهما مهما كان الغالب فيها من هذين الفريقين..
*********************
|