كاتب الموضوع :
عمر الغياب
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: أزهرت بهطولك
" الأرصفة، وتواجه مصير الضياع "
(15)
هذه العواصف، أن تحتل مسافات الهدوء، عن الفراغ الذي أشغلني فيه، بضع كلمات قرأتها بوجه اصفر، الشيء الوحيد والتي فقدت هويتها يا عُمر، كان قلبك ما يقوى والله ما يقوى يا مِهياف، لا اختيار لي سوى مواجهة الحقيقة المُره، كل ما استطيع فعله الآن الصمت، لِنلقي بعيداً غير آبهين بشكر يتيم لها، يصفر وجهي ويشيخ وانتحب كثيراً، رأيتها ممسك بيدها وصوت بكائها، سقوط الهاتف دون أن أشعر.
لتردف بنبرة موجعة وثقيلة " وش فيك؟ ليه كذا يا عمُر؟ ليـه ظالمني. "
بغصة " لا تبكين، بنزلك بالبيت، ومشوار صغير واكون عندك. "
مِهياف " ما عاد أبي اجلس، ودني لأبوي، مابي اظل عندك ولو لحظة. "
ننسى لذعاتُ الحنين، وصحوة تقيض حسراتنا لأجل منى ننتظره ولكنه كالسراب،
بوجع همست " قلتِ لي متى يتحرش فيك يا الخسيس؟ ولـيه ما خبرتيني بوقها ليه سكتِ"
وبسخرية اجابت " اوه لا يكون رسالة اللي جات خلتك حنين معي. خذني لأبوي. "
تنهدت وقسوة المارة والوجوه التي ما كانت تحمل يوما بشائر خير، التفت لها
وبحِده " هِدي، أنا مقهور وشلون كل هالوقت ساكته؟ الكلب والله موته ما يشفع لي غليلي، لا اخليه يتمنى الموت وهو حي، ولا من زين المنظر اللي شفته، وغصب يجي بالي افكار وشيطان شاطر، هِدي، وحتى المشوار كنسلته. "
قلت ضاحكة " أنا مدري أبوي شلون طاوعك وجيت بعد معك. "
قلت بثقة " عمي ما يردني، مهو تفاخر وكبر، لا بالله معتبرني مثل ولدِه، جعلني ما اذوق حزنه. "
بقهر " ترى تنرفززز، كله منك أتهمتني زور، شفتني من باب الغرفة، اتخيل وقتها من بد الناس أنت اللي تنصفني. "
وبعتاب واضح " طيب حقك علي يا مدام. وبالنسبة لزواج، عقب أسبوع نعلن بتظلين بغرفة وأنا بغرفة، هاه وش تأمرين عليه بعد. "
بضيق " ما أبي، قبل دقائق كنت أترجاك، حتى نظراتك كانت تقتلني، ذبحتني يا عُمر. "
أمسكتها من اليد التي تؤلمها، وتلامست شفتي بقُبلة خفيفة، أتعلمين بأن لا يوجد لدي عذر لأن لم تستطيعي إقناعي سابقاً، تذكرت أن هذه الليلة السبت، تحركت فممررت لآخذ لك بوكيه فكان باللون Rose باللون الوردي والأصفر الذي يشبه ملامحك، فأنت تعشقين الورد حينما يكون طويلاً، وبعد ذلك غلفته بورق رمادي فاتح، وصلت إليك فوضعت باقة الورد بين يديك، جلست واغلقت الباب، نظرت إلى عينيك من خلف النقاب وبلمعة الدمع.
وبهمسة حنونة " أعتذر منك، مِهياف اللي شفته مهو هين، نطوي هالصفحة، ولك اللي تبينه. "
وضعتِ باقة الورد على المقعد الخلفي، ونظرت إليّ بنظرة كلها غضب " أبيك ترجعني لأبوي، أنت ما وثقت فيني ابد، ومستحيل ارجع لك، هدمت كل شيء، كل شيء يا عُمر. "
***
يُحكى أن الحُب أكثر جمالا للعُقلاء، يزداد عبقاً بأنسجة أحرفهم، وها هو عيدي الثاني قد أقبل يا كمال وهو خاليا منِك، ومليئا بك في الآن ذاته فـ اجبل على الانتظار رغما عن أنف الألم الذي تصدره في أعماقي لا زالت فراشتك من المنتظرين وأدرك بأنك بعيداً تأتي في أعيادي لتروي لي الخذلانّ وكأنك تختار الأعياد لقتلي.
- زهرتك نون.
كنت أتخيل غياب صوت كمال، كشهقة نون بحسرة، ثم أبتسم لآنه مجرد خيال، ما عرفت يا وهج أن القدر يأخذ خيالاتنا على محمل الجد ليفاجئنا بها ولو بعد حين !.
وعلى اسفل الصفحة، واضغط على مفتايح آلة الكتابة، وهج.
فتحت الباب والدتي، تجدني هادئة، وكوب القهوة البارد موضوع فوق الطاولة، وشبابيك مفتوحة وتعرف تفاصيل ومواعيد كتاباتي.
نوره أم ياسر " هو انتِ بعدك تكتبين ! خالاتك تحت. "
اخفيت السبب الرئيسي لعدم رؤية الجوهرة متعذرة بأن أريد أن ارتاح، ولم تعلمي بأني اتعذب بصمت يا أمي، لا أريد النايف.
فقلت بهدوء حزين " يُمَه، ولي يخليك لي، أبي اتطلق منه، ما أبيه. "
رأيتك تنظرين للعينين الممتلئة كلام أعجز عن قوله، فسحبت كرسي آخر لتجلسي بجانبي " بسم الله عليك، يا أمك وهج وش فيك؟ وش اللي تـتطلقين منه؟ وش تحكين وتهذرين!
كان يوماً بارداً جداً، لمسكِ ليدي وقولكِ " وهج يُمه يدك باردة، وراك يا بنت؟ "
قلت بضياع " أخوي ياسر يمه، رخـصني لنايف، شافني مالي ولي أمر أبوي متوفي، قال ياسر طيّب وسريع ينقص عليه أخذها بثيابها! وش هي أساساً بالنسبة له قطعة ثوب يلبسه وقت ما يبيه. "
وضعتِ راحة يدكِ فوق جبيني " ما أنتِ مسخنه ولا فيك حمو، يُمَه وهيج لا تخوفيني عليك! والله ما فهمت منكِ شيء. "
ضحكت وقلت " إلا يُمَه وش بسوي يعني، بس يفكر بنفسه ما يدري أني كارهته، أبي اروح لأبوي العود الغازي هو اللي يأخذ حقي منه. "
لأقف متجهة نحو الخزانة لأرتدي العباءة، والف طرحة بآلية، مسكتني من كفتي
وبنبرة حادة " ما تقولين وش وراك من علم؟! وين تروحين قعدي؟ "
قلت " وين بروح قلت لك يُمَه لأبوي العود. "
نظرت الي باستغراب " يا أمك وهج أبوك العود راح لعمك الخيال، الفارس توفى. "
وبصدمة " مـات، وخالتي المهره، وش صار عليها؟ "
لتزفرين وبحسره " الله يعوضها، هذا هي تحت عند الجوهرة تضحك مع رفيف وناسيه وجعها، وجهها مصفر ولا فتحت فمها بكلمة. "
بحسرة " يا حبيبتي يا خالتي، أبي اروح أشوفها. بس يُمه ترى اللي قلته صدق، ياسر زوجني لنايف بدون علمي يمَه. "
غضبتِ وقلتِ وأنا أركض لأنزل من السلالم " جنت هالبنت وقعدت، وش اللي زوجك؟ لحــظة وهــــــج. "
***
عندما تتلقفنا الفاجعة تزدحم الوجوه حد الاختناق، تذوب سريعاً وتترك فراغا حد التلاشي، يعلقون على صدرونا سؤالا لنجيبهم بتبسم مصطنع.
هل الحياة رحلة قصيرة ربما، هل أنا أحبك وكنت ملكاً لغيرك، من ساعات لساعات أفكر بتهديده، الفارس قد قتل. يسكنني الاشتياق يلدغني الحنين، فلا أجدي نفعا سوى تفكيراً لا متناهي بك يرهق عقلي، يتلف تفكيري يُيتم وقتي، ورغم ما يصدره ذاك التفكير من صوت نحيبٍ أعرج بداخلي إلا أنني لا ألقى شيئا يوصلني إليك ويحدثني عنك سواه.
رسالة التي قرأتها مراراً وتألمت بشدة " كلنا انظلمنا يا مهره، سامحيني ما أنت لي، يشهد اللي أني حبيتك لكن ما احنا لبعض، الله يعوضك باللي احسن مني. أنا آسف. اعتذر لك يا الغالية، أنتِ مرة أخوي، أخوي الفياض يا مهره، أخوي اللي دوم من صغر يحكي عنك وعن حبه وعشقه لك. لا تقسين على نفسك، ومصير كل الوجع والجراح تلتئم. عم عيالك الفقيد إلى رحمة الله الفارس. "
تبين أحكي وأقول هو بخير الحمد لله، بخير لطالما الله معه
علمني مرضي كيف أحب نفسي.. وأحب الله
***
ما بين حمامة السلام تطيرُ وحيدة. كغصنُ الغياب.
أرسل لي كل ليلة صوتك المحبب الي
ضعه في عنق حمامة زاجل او ارمِ نافذتي بحجر، واجعل وجهك الحسن يبتسم لي لتشرق الدنيا في وجهي الذابل يا الفياض، افتح عيني صورة غير واضحة أمامي، صوت طبيبة تتحدث بكلمات لم افهم معناها سوى مناداتها لاسمي
"المهره، معي."
اغمضت عيني من جديد أنام ودمعتي تغفو فوق وجنتاي، ويداي ترتجفان.
اتعذب وحدي دون احد يشعر بي.
طبيبة " مهره انتِ تشوفين!."
نظرت لها بصمت، حيث وضعت المصل المعلق بجانبي ويصل لوريدي، امسكتِ بيدي اليسره "وش تحسين! وش اللي يوجعك."
الغازي بخوف "يا ابوك جاوبي على دختوره."
همست بجرح والم "ما أبـي اجلس هنا. أبـي ارجع لأمي."
الغازي "برجعك يا ابوي بس مهو قبل ما اتطمن على صحتك، صدق احكي وش اللي موجعك؟ غير السخونة. يا ابوي انهيارك مهو طبيعي."
ابتسمت طبيبة " ياعم تقدر تتركنا بروحنا شوي. "
نظرت إلي نظرة اخيرة، وأدار ظهره وغادر، لطفك يالله من ثقل لا يحتمل.
التفت لي وابتسمت " ها يا مهره، اسمك موجود عندنا وللمرة الثالثة وسبب انهيار عصبي. "
رمقت لها بوجع " ابي اطلع من هنا. انا طيّبه وبخير. "
طبيبة " والرجفة وش تكون؟ ممن تخافين يا مهره. "
اتسعت عيني، وهناك غصة في صدري لا يسمع صداها احد، ولا احد يرى لمعاني في عينيه، اصبحتُ وحيدة لا ملك لاحد، ولا يملكني احد، حزني يا مهره يبقى ثابتًا لا يختلف.
طبيبة " معك دكتورة ليـلى يا مهره، تركت عيادتي وجيت لك خصوصا وحالتك غريبة ثلاث انهيارات في خلال ثلاث شهور. "
اردفت بهدوء " انا قلت لك بخير وطيّبه، مشكلتك اذا ما صدقتي! وما يخالف اخرج الحين. "
ليلى " اعرفي اني مقدره وضعك ومتى ما انتِ حابه تفضفضي انا موجودة، وهذا الكرت في رقم الجوال والعيادة. وفالك العافية. "
اردفت ببرود واخذت منها بطاقة/الكرت " شكراً. "
بعد ان علمتني بأن حرارتي قد انخفضت بفضل الله ثم المصل، خروجي مستندة على الجدار حتى أراه يقف بجانب ابي، عمامته الحمراء وثوبه الابيض، وربما حتى قلمه الفخم الذي يعانق صدره الآن.
ها أنا أخبرك يا الفياض، كي لا ترثيني بدمعاتك مدى العمر قلتها والآن شعرت بها (يوماً ما سوف يقتلني حبك يا رجل) هذا الجنون والتخبط والضياع، هل أحببت يوماً مثلي يا فياضي مثل مهرتك! حتى هجر النوم عيناك الحلوتان، التقينا العين تحكي بالعين، واللمعان تنظر لعيني الذابلتان وتقل لي بثقل العتاب والخيبة.
" حمدلله على سلامتك وعظم الله أجرك يا بنت العم. "
هل تعلم أني اموت في كل خطوة امشي بها. مسكني ابي من يدي، همست بهدوء " اجرنا واجرك، وانت بعد عظم الله اجرك بصديقك اقصد اخوك. "
ميلاني قليلا حتى امسك بيدي وشدها بقوة " بسم الله عليك. مهره يا ابوي فيك حيل تمشين. "
ابتسمت له " انا طيبه. بس يمكن من الجوع. "
الغازي " كل الاكل بجيبه لك، وش اللي تبينه آمري بس. "
بحزن " جوع نوم يا ابوي مهو اكل. "
بعد ان ركبت سيارتِه، واتجه نحو المنزل، الغريب في ذلك لم أرى سيجارته!
واثناء نزولي كان جالساً على مقعده، ومتلثم بعمامته، عينيه التي تعبر عن جرحٍ واسى.
اردفت " ما قصرت يا ولد عمي، دوم رايتك بيضاء، بس عمري ما راح اسامح اللي سويتوه فيني، عمري كله. "
وصفعت الباب من ورائي ومشيت بخذلان كبير. لا شيء يشفع لكما لا شيء.
لا شيء سوى اصبحت فتاة كُسرِت وخُذلِت.
ايّاكِ أن تهلكِ نفسي بالبكاء، انا اقوى واعظم، كلما شعرت بضعف وانكسار، اصلي ركعتين، وأقرأ قدر ما يكفيني لإزاحة هذا الحزن؟
عندما دخلت للبيت واستقبلتني والدتي، ودخل بعدها ابي سلم علي واوصاني ببعض الاهتمام واقترب من امُي المزن
" هالله الله بالمهره يا المزن، انا رايح للأحساء لخيال عسى الله يغفر ولدهم. "
اردفت بحقد " عسى الله لا يرحمهم، الاثنين كسروني يُبَه، وقول لولد اخوك تطول يدينه ولا يأخذني هالمرة قاعدة عندكم لين مماتي. "
المزن بحده " تعوذي من ابليس، ما يجوز عليه الا الرحمة. هذا وانتِ عايشه عنده كم اسبوع. لا يصير قلبك اسود. تعالي. "
بغضب " ماني حقود يُمَه، اجـل ولا شيء، بنـام بغيتِ شيء يا الغالية. "
بضيق من حال قد هُلك " سلامتك روحي استريحي، وأصحيك على الضحى تصلين وتفطرين. "
قبلت رأسها " بحطِ لي منبه، ولا تحسبيني بتركك كذا، بدور لك حجز لمصر. "
الغازي بصمت غاضب " المهـره، مهو شخص يغيرك يا ابوي، ما الله كاتب لك نصيب معه. وولد عمك ترى شاريك. "
رفعت نظري له وبألم وانا اضع يدي فوق صدري وبوهن " وانا بنت الغازي ما انضام عنده، القلب يا ابوي صدق يبيه لكن عفته، هو اللي كرهني يا ابوي في سواياه، وادري بوصية اخوه، لكن مقدر يا ابوي لا تكسرني بهالشيء. "
اقترب مني وضمني لحضنه " بسم الله عليك من الوجيعة، لك اللي تبينه، ما عاد لكم حياة، الله يعوضك باللي احسن. اكلي عقب ما تنامين. "
غمضت لتسقط دمعة، ومسحتها، وانا قبل كتفه اليمنه من ثم اليسره، عينه الحنونة تحكي لي الصبر واسى السنين وهجر اخواتهن.
ابتسمت له وبحب " لا تخاف بنتك المهره ما تنعسر، وانا راضيه باللي الله كاتبه، بس مثل ما تقول توجعت منهم لكن الله فوق هو اللي بيأخذ حقي منهم. "
ابتسم الغازي " بارك الله فيك. اجـل وش رأيكم تسرون لنورة ام ياسر، وعقب ثلاث ليالي بجي لكم. "
المزن " مثل ودك يا ابو غازي، وتوصى بنفسك وفيهن. "
اجاب بهدوء " على خير ان شاء الله. "
***
مع مرور الايام انتظر اي خطوة منه انتظر يا الفياض ان يقال لي شيء أن كل ما عايشته كابوساً وحُلماً، اتمنى ان لا تعود ولا تطلبني مجدداً من ابي في كل عام تفعل وتزيد "بالمهر"...
مرور عام طويل كالبكاء الحزين، دخولي واكمال دراسة الماجستير وها انا على مشارف تقديم كمعيدة بجامعة الملك سعود. الليلة كالبدر زفاف ديما وريما وهج كلٌ من النايف، وحتى سعود وياسر، ليلة مكتملة بالضياء.
ربما نسيتني الآن أو بالأصح حاولت نسياني، ولكن يشغل تفكيري سؤال يتيم! هل كان اهتمامك حقيقةً أم تزيفاً؟
وسؤال آخر هل أحببتني حقاً أم اعتدت على حضوري وانكساري.
كل ما هو حولي الآن، مستلقية على سرير، تضع لي المساحيق التجميلية بلوك سموكي فخم ابرزت ملامحي جيداً، عندما انتهت مني.
ابتسمت لي " بسم الله على جمالك تهبلين. "
ابتسمت لها بمحبة صادقة " مشكورة وعد، مدري وش اقولك، ما عرفت نفسي والله. "
وعد " ما يخفى علي يا المهره، ولد اخوي يدور على عروس الرزين، ما احد يعجبه وغيره كذا شاعر وبعد ما لقى اللي تزين حظه وتتكمل معها. مير والله من شفتك بغيتك له. "
بابتسامة الصفراء " أحرجني كلامك، لكن انا رافضة مبدأ الزواج. مالي نصيب فيه. وعسى الله يرزقه باللي افضل مني. "
وعد " هو صحيح اعرفك منذو مبطي، وكل مناسبة ترجعين لي وهذا شيء حلو، قد قلت لك اني ابيك من اول له. وهالمرة صامل رجال. خصوصا بعد ما عرف عن طلاقك، وامممم وبصراحة خطبك من عند ابوك من اسبوع. "
كنت الاحظ ارتباكه وتغيره، ابتسمت لها بهدوء " مشكورة عيوني. دام انه قد خلص وخطب بجي لكم الرد، ومرة ثانية مشكورة على الميك اب. تسلم يدك. "
وعد بمحبة " العفو يا قلبي، وعقبال ما افرح فيك. "
بعد خروجي من مركز وعد للتجميل، ركبت سيارة عمر، وبنبرة هادئة " سلام عليكم. "
ابتسم وهو يشد على المقود " وعليكم السلام، هلا بعميمه. حي الله العروس. "
وبعتاب " كنت عارف ومكتم عالموضوع مثل عادتك طبعاً. "
عُمر وهو يحرك السيارة " بغيت اقول لك مير الغازي قال خله بوقته. من الحين اقول لك رجال ينشري قربه. محمد له هيبته بين رجال وفوقها شاعر وسبب عزوفه لزواج يقول ما لقى البنت اللي تناسبه سألت عنه، لا تجاوبين الحين استخيري وربي يقدم اللي فيه الخير لك. "
بهمس " للحين مهياف على زعلها منك. بس تبي صدق تستاهل اجـل وصلت تشك فيها يا عمير. "
بضيق " لي عام وانا احاول فيها تسامحني، ولا رضت، لكن مسويها لها مفاجأة، مجهز لها من الى، دقي عليها واصري برأيك. "
برفعة حاجب " وش بتسوي من وراها هالمرة. "
عمر " كل شيء جاهز صالون والفستان كله، عارف ذوقها ابيك يا العروس تكلمينها الحين "
تنهدت وبقل حيلة " تمام. بدق عليها وامري لله. "
اتصلت عليها وبابتسامة " وشلونك مِهياف؟. "
ابتسمت " حمدلله. انتِ طمنيني عن اخبارك؟ "
بهمس " طيبه طاب حالك، ممكن تجهزين لي نفسك نبي نروح انا وانتِ لصالون خبرك عمة العرايس وخالتهم. "
مِهياف " الله يتمم لهم على خير، وعقبال ما نفرح فيك. ببلغ ابـوي وسيد يا عمر. "
وبضحكة " عمر عرفناه بس ابوك ليه؟ "
مِهياف " مو عن كذا، كنت بجلس عنده لين المغرب، عقب اروح لصالون. "
بهدوء " ما عليك عمير معي، انتظرك تحت. انا مخلصه عشان بوقف مع اختي نوره، تعرفين لزوم اروح بدري واستقبل الحضور. "
بمحبة " خلاص من عيوني. بكلم عُمَر واجيك. "
نظرت له بحِدة " ما يحتاج يا قلبي انا قد مأخذه مشورته منذو مبطي لا تطولين انتظرك. "
مِهياف " دام كذا تمام، ثواني واكون عندك. "
اغلقتُ منها ونزلت من السيارة لأجلس بالمقعد الخلفي، وابتسم هالمرة بصدق له " اسمعني يا عمر لا اشوفك مره ثانيه تضايقها لا تحسبها ان عمي الناصر مرخصها لك هو بسبب انك عزيز وغالي عليه وفوقها معتبرك مثل ولده لا تخيب ظنه فيك. "
تنهد عُمر " ان شاء الله. هي بعيوني. والله انها اصلية، وشلون ما بلغتك وانتم اسراركم عند بعض. "
رديت عليه بحدة " خصوصيات زوجين مالنا فيها، لو غيرها ما صبرت يا عُمر. "
صمت متأملاً الطريق الخالي. خروج مِهياف واتجاهها نحو السيارة لترى عُمر.
فتحت الباب بهدوء وهي تلقي سلام.
عُمر " حي الله العروس. "
مِهياف " منهو تقصد؟ "
عمر بنظرة حب وحنيه " انا اعتذر لك على كُل اللي صار، واتمنى تقبلين هدية اعتذاري. "
صمتت لأردف " قلت لك مالي داعي اكون معك. يلا وصلني للقاعة وعقب وصل مرتك. "
عُمر " ان شاء الله. "
***
نصفي هُنا والنصف الآخر أيسر رجلُ شرقي لذيذُ ومُميت، قريبُ وبعيد يا عُمَر وأحبهُ فوق هذا الجمـوح، وهذه العشق الكاذب، ورغماً عن الألم وعن ذلك الكبرياء، ذروة حُبك يا رجل تطغى على ملامحي أيضاً. أحبك ولكن هدمت هذا الحُب رغم الشك بطريقتك يا عُمر لم اعد اعجب بها. هكذا أحبك فوق هذا الوجع العميق. الجرح والانشطار، بعد أن وصلنا المهره للقاعة، صمت وعبر الطريق وقف عند مقهى ستار بكس.
وبنبرة هادئة " وش تبين اخذ لك؟ "
بألم " ما عاد ابي شيء. لين هنا ويكفي يا عمر. "
نزل من سيارة " بأخذ لك اللي تحبينه، قفلي سيارة زين. "
خرج وعاد بعد مرور عشرون دقيقةً، ركب سيارة، ووضع الاكواب بمكانها المخصص، حرك سيارة بهدوء.
وهمس " بعدك ما راح تسامحني. "
ضحكت بألم " تذكر قد قلت لك بتجي لي نادم لكن وقتها بختار صمتي على الكلام. "
عُمر بندم " انا آسف. حجزت لك بمركز للعرائس وكل شيء جاهز مثل ما تبينه. "
اردفت " ما عاد يفيد، انت أتهمتني ولا صدقت، حلفتك بربي انه مهو ذنبي واعتذرت لك قبل ما توصل رسالة اللي كشفت كل شيء. "
عمر بوجع " انا آسف ميمي، والله آسف وحقك علي وبعوضك عن كل شيء، اذا باقي لي محبة بقلبك تعذرين لي، اللي شفته مو هين وانت عارفة قصدي زين. "
اجبت له " وتظن برضا كذا، انت حتى ما اشهرت زواجنا خذيتني مثل وحده رخيصة، اي هالكلمة كانت تمثلني كذا بنظرك، ان كان باقي لي معزه عندك تطلقني. "
عُمـر بلع ريقه ووقف على جانب الطريق " لا عاد اسمعها منك. كان ظلك مثل شمسي ما يفارقني لحظة. لا تحسبيني لمن ظلمتك وربي ظلمت نفسي انا آسف آسف يا قلبي. "
دمعت عيني بوجع، امسكت بالقهوة ساخنة، تُمسك بيدي فتصنع بي رجفة، وجميع مابي يتلعثم.
عمر " قولي بسم الله واشربي. "
دون ان اشعر رشفت رشفة، ومذاق قهوتي كمذاق ثغرك انتشلتُ ذروة سكاكراً ما بين شفاهك تكمن.
عمر " افهم انك قبلتِ الاعتذار، يقولون سكوت علامة الموافقة. "
ابتسمت " ماني راضيه، بس لأجل عيون ابوي، هو حلمه يشوفني عروس وبركاتك حرمته من هالشيء. "
لم اشعر الا فمِه يلامس رأسي بقُبلة احترام " ان شاء الله كل شي يتعوض، نفتح صفحة جديدة يا عيون عمُر. "
بخجل " احنا بطريق تبي الهيئة، شف وش سويت!؟ "
بعض طرقات على نافذة ليفتح عمر
شيخ " وراه واقف هنا! "
عُمر بابتسامة "سموحة طال عمرك. "
شيخ " مين اللي معك؟! "
عمر " زوجتي. "
شيخ " لا عاد تعودها، توكل على الله. "
عمر " ابشر. "
ابتعد ورفعت نافذة ورمقني بنظرة اردفت" شف الله اخذ بحقك بعد. "
بعد ان وقف امام المركز. لأتفاجأ بطاقم واقف امام باب المدخل.
احداهن أردفت " انتِ عروس مِهياف. "
ابتسمت " ايه، بس مافي عروس انا. شكلك ملخبطه. "
تبتسم " في مدام بابا عومر. "
بعقدة حاجبي " ايه. "
العاملة الفلبينية " تفضل مدام. "
دخلت وبعد ان استقبلتني مديرة لبنانية " لك اهلا وسهلا منور المركز. تقدري تباشري من هلا من شان الوقت. "
سلمت امري لله. ودخلت.
لم اشعر بمعاملة كملكة توجت بمملكتها. حين ظليت بهدوء، هذا الضجيج الذي يحوم حولي ويُحاصرني، شعرت بيد لين ومبتسمة ودمعة تلمع بمقلتيها
" مبروك ميمي، وبفرح فيك الليلة. "
وبغصة " شلون كذا! متى خططتوا!؟ وليه مدري؟ "
لين بمحبة " عاد هو يبيها مفاجأة مو القصد انه يحرجك، مقصده يسعدك ويهنئك، وانسي اللي صار، ادري واعرف بوجعك مِهياف.. "
تنهدت " اهم شيء افتكيت منه. "
لين " يارب عسى الله يكفينا شر هالمنيع! الحين اخليك مع نوره. "
***
فتحت باب سيارة حتى تنزل ام عواد. ساعدتها للوصول لبوابة مدخل النساء، واذا بها قد ترجلت من سيارة سطام، وزوجته الجوهرة عندما رأتني اقع في حُبها حب اشياءها من أكبرها الى اصغرها، عندما تقدمت مني وساعدتها بدخول ابتسمت بداخلي هي بالنسبة لي مُميزات لا تمتلكها أخريات غيرها، ابتعادها عني وطيفها قد غاب عن عيناي.
سطام بخبث " اقول ابو محمد وراه واقف كذا؟ "
نظرت له وبابتسامة " ما عليه بسألك عمي ما شفته! "
سطام " ابوي العود، بالقاعة يلا اسلم عليك. "
مشيت لأمسكه من كتفه " انت ما تقول وراء هالنفسية الخايسة! ماني اصغر عيالك تفهم يا ابو رفيف. "
سطام بنبرة مُستفزة " وش فيني كافي خيري عن شري! الا اذا تقصد احد ثاني. "
بغضب " انت ابو وتفهم شعور زين، وعمتك حليلةً لي، منذو مبطي الوكاد تجهل كل تفاصيل. "
ابتسم " عميمتي تعتذر منك وتقول مابي منك شيء. لا وصل ولا قرب يا ابو محمد. وازيد لك من الشعر بيت وافقت على شاعر عساف السقاف. "
سابقاً رفضت أن يقتربون منك، سابقاً كنتِ قد غلفتِ لي مذكرة كتبتِ فيه مشاعرك وغرامك وجنونك.
الآن في هذا الوقت تحديداً بدأت افقد الصبر والايمان بكل ما يحيط بك يا المهره! بكل آسف " ما عدت اثق بقراراتك المتهورة. "
بمكر ابتسمت " أجـل عسى الله يتمم لها على خير ويهنيها. "
وادارت ظهري ومشيت باتجاه سيارتي ركبتُ فيها وعبرت شارع لأصل لمدخل الرجال، وقفت سيارة جانباً وترجلت.
البارحة كنت مخطط لأمور بل منذ وفاة اخي، فلا تغضبين لأن زواجي سيكون قريباً منك، أتردين أن يقتحم رجل حياتك فجأة أن ينتزع صدرك مهره كنتُ حرا قبل أن تلتقيني أن اجعلك تتعاديني كل الوقت واقسم لك ستكونين زوجتي.
الليلة يا المهره. ثم فجأة، وآه من الفجأة يُخبرك بأن الزواج قسمه وقدَر، وانتِ قسمتي وقدري.
لا تذبلين انتِ اخترتِ سواي، بل خبئي هذا الوجع وأرضي بي.
اعُدل ياقة ثوبي، وارتدي "البشت" وشماغي، بعد أن عطرت برذاذ كاريتر، الهدية والتي تم تغليفها بمناسبة زواج ابناء اخواتها.
مشيت ودخلت لأجد كُل من حمدان أبو نايف وغازي أبو عمر، والعم الغازي يجلس على الأريكة. صافحتهم واقتربت من عمي لأهمس له " أبيها الليلة حليلةً لي يا عمي. طالبك هالمرة توافق. كل شيء جاهز. بسكن بيت بروحي. وتطمن عاطف بيعش عند ام عواد. وامُي سحابه بمر عليها بين فترة وفترة. وش قلت يا بَعدي. "
ابتسم الغازي " على بركة الله. "
ابتسمت بفرحة، وقبلت يديه ورأسه وكتفيه " جعلك تسلم يا الغالي، عز الله ما راح اضميها، وبالنسبة لعساف انا اللي بكلمه، واذا وده قربنا، لـه اختي مشاعل. "
الغازي بمحبة " الله يتمم لكم على خير ويزين حظكم، دامه كذا يا ابوك ابي ابلغ المهره. "
ابتسمت بمكر " خلها عليّ انا اللي ببلغها وبهنيها. "
***
بعد ساعتين ونصف
جلوس الحاضرين على الارائك، وصوت الغناء يصدح، وتمايل ام النايف غدير واختي نوره ام ياسر
ابتسمت لهم " ما شاء الله الحضور كثير، أجـل وينها سلوى تأخرت كثير؟ "
نوره " على وصول، شف هذه جوهرة وصلت."
ابتسمت " بشوف امي بعد وبمر على العرايس. "
غدير " مهره حصنتي نفسك اعيذك بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وش هالزين تبارك الرحمن. "
ابتسمت بخجل " والله هذه خبال ريما اصرت الا البس فستان لؤلؤي. وميكاجي عند وعد السقاف كنه تحسبني انه أنا العروس. "
نوره " فديتها حرمة ولدي سنعة، اجل كنتِ بتجين لنا بالأسود. "
وبكشره " والله حلو الاسود وش عرفكم انتم! بس هالفستان مهو مناسب لي. "
غدير " يا قلبي يا وخيتي وانتِ عروس قريب ان شاء الله. "
تلقت اتصال حتى تغير وجهها كاملاً بفرحة عميقة ضمتني لحضنها.
بغضب مصطنع " عسى ما شر، وراه تحضنيني كذا؟ كنه تودعيني. "
ابتسمت بفرحة " وهذا هو الفرج جاء، الليلة زواجك يا المهره، ابوي وافق هالمرة على الفيّاض، عاد بينه وبينك زعلانه منه متضايقه قضبيه ببيتك وتفاهموا مع بعض، طال زعلك وانا أختك. ورجال ملول ما عندهم صبر. "
هل ما اسمعه حقيقةً ام تزيفاً، هل طلبت القرب مني يا الفياض!
مغرمه بك نعم، واكون كاذبه اذا خدعت نفسي، هل ما زلت مجروحة منك رغم عيوبك الكُبرى ومزاجك هل ما زلت حبيبتك الصُغرى هل ما زال حُلمك طفلة صغيرة تشبهني.
ودون ان اشعر سقطت دمعة وبوجع " ليه وافق! ليه يكسرني كذا! كبريائي يمنعني عنه. ما ابيه. اكرهه قلت لكم اكره ليه ما تفهمون علي! "
مسكتني من يدي وخرجنا من ممرات الكوشة لتدخلني لدورة المياه وتأخذ قطعة منديل مبللة وتطبطب على دمعة الجُراح والحنين.
ابتسمت غدير " ابوي ينتظرنا، والمأذون موجود بعد، مين قدنا الليلة خمس عرايس بليلة واحدة ما شاء الله تبارك الله. "
بغضب أردفت " منهو قال لك اني ابي زفة ما وراكم الا الخساير. "
غدير بحِده " المهـره لا تناظريني كذا، أجل فيه وحده مره عاقله ترفض الفياض، تعوذي من الشيطان وافقي. "
وبغصة " وأمُـي وحجز الطيران لمصر، وتقديم رسالتي. "
غدير أجابت بهدوء وهي تمسح على شعري بحنو " يا قلبي يا وخيتي أنا اللي بحجز تذكرة واروح معها، يلا عاد وافقي وريحي أبوي منك. "
بصدمة نظرت لعينيها " أريحه! ليـه؟ هو أنا ثقيلة عليه! "
غدير أم النايف " قصدي لمن أبوي يشوفك مرتاحة وسعيدة بحياتك مستقرة بيرتاح. "
بقسوة " يعني تشوفيني أستاهله! "
ضحكتِ وقلتِ " تحسبيني غشيمة عنك، وعن اتصالات اللي بينكم، كنت بوقتها صدق اسلك بشوف، وش آخرتها معكم؟ "
قلت بابتسامة حزينة " بس عندي شروط. "
حينها ضممتني إلى صدرها وبحب " مبروك يا قلبي، يا رب يسخره لك، ويكون قرة عينك، جعلني أشوفك أم وتنسين كل اللي صار، ويزين حظكم. "
ابتسمت لها ومغمضة العينين، تمسح على ظهري وبشهقة " آمين، بس يظل الجرح ما يبرى ولا يطيب يا أم نايف. "
وهي تهمس بإذني " ما عليه زمن بيداوي الجراح، هِدي وامسحي دموعك، ببلغ أبوي ينتظرني. "
***
بعد ساعة ونصف
تم كتابة عقد القران، وأصبحت زوجةً له، عندما رأيت مهياف حضنتها وبكيت
ضحكتِ خجلا وقلتِ " بنت صايرة أم دميعة وش صار لك؟ "
قلت بقهر " شايفه وش اللي يصير فينا يا ميمي تو. "
ضميتني حينها وقلتِ بحب " كله خيره ما ندري وش اللي مكتوب، خذيها من عندي وابدئي صفحة جديدة صالحي نفسك يا المهره، واحبي واعتبري كأن ما صار شيء، الماضي راح والمستقبل ينتظرك. "
تنهدت " وش اللي تغير، لا تنشغلين فيني، انتبهي على نفسك. هذا هو عمر بيدخل. "
***
قد قارب الوقت الى الثالثة والنصف صباحا من يوم الاحد، بعد أن جلست مع أمُي، ونصائحها، وبعد ارتداء العباءة
غدير تضمني " لاطاعته ثلاث ساعات يا ظالمة. "
تنهدت " خلّه يذوق، بطلع له الحين، حلفتك بالله تنتبهين على أمُي لا يقصر عليها شيء. "
نوره " يا بنت الحلال، اسري، والامور ربك يسرها، انتهبي على نفسك وتهـني لا تعكرين رجال وتطفشينه. "
سلوى " الله يهني ولد عمي ويهينك يا مهير، خليك الرزين العاقل. "
اجبت على مضض " خير إن شاء الله، انتبهي على لمـى ولا تحرمينها من حلاوة. "
سلوى " يصير خير."
بعد خروجي، ودخولي لسيارتِه، جلست بهدوء
فـُتح باب السيارة وجلست، أشعر بأن كل شيء حولي تافه، زينة السيارة، كل شيء فقد روحه، وكأني وسط مقبرة لا يحق لي الابتهاج، عندما ركب وجلس بجانبي، نظر إلي
وبمحبة " حي الله المهره، تو ما زانت سيارتي. "
صمتت حينها، تذكرت بأنني كنتُ نعمة، لم تحمد الله عليها يا الفياض.
مسك بيدي، وهمس " ألف مبروك يا قلبي. "
أحاول أن اكتم عزة النفس، ورغم القهر وبضيق " تعتقد أنها وقتها تبارك لي، والحين. "
الفياض " أبي اعرف وش اللي يرضيك؟ "
اجبت " ما كان له داعي تحرجني قدام أهلي، وهذا وأنت أكيد أبوي مبلغك ومعطيك خبر أني بسافر مصر مع أمي. "
أبداً لن أنسى يا الفياض بأنك لم تشعر بعذابي، أطبقت أسناني على فمي، كي لا اتكلم ولا أنادي أحد، لأني اعرف بأن لا احد يستجيب لي. كانت اطول مدة أواجه بالطريق صامته، لكن اليوم اكملت عامي
فياض " المهـره، وين راح تفكيرك؟ "
بهدوء " أفكر في حياتي معك، ليه احرجتني كذا، مهو بيدي اوافق عليك. "
صمتت، وسلكت طريق طويل المؤدي للهوتيل إلى هيلتون. وقفت، ولأترجل، حلمت في الطيران، خلخالي، ودموعي، سفري، صمتك طويل، عيني الثرثارتين، قلبك الصغير، أتذكر كل هذا ولا أعود يا الفياض. لا أعود لتلك العاشقة البلهاء.
عندما دخلت بعدك، جلست على احدى الارائك لتكمل الإجراءات، وانتهينا بجناح ملكي، لم أعلم بأنك متفق من ورائي بطريقة مؤلمة/موجعة لذاتي العصية.
نهضت عندما تقدم الي وغادرت الممر معه، متجهين إلى المكان، البدايات الحزينة مع عام جديد،
بداخلي اردد " يا ترى بتكون وفي وصادق يا أبو محمد. "
ابتسم " سمي وبرجلك اليمين. "
دخلت ورهبة، والخوف يسكنني رغم أنه ابن العم، والحبيب السابق، الحاضر، تنظر إلي من الباب، التفت إليك وأخذت يدي ووضعتها بين يديك الاثنتين وقلت لها " أحبك يا بنت عمي، والله العظيم. "
كانت هذا المرة الأولى تقولها لي، لمهرتك، بدون كتابة، باتت ملامح الخجل تنثر لم استطع احتمال الموقف فابتعدت عنك، وبرجفة لأستريح على أقرب كرسي.
وبخوف " خلك بعيد يا أبو محمد، الله يرضا عليك، ما بي أأذيك معي. "
اقتربت مني بخطوات " أفتحي عبايتك ما احد في غريب، أنا وأنتِ يا عيون أبو محمد. "
ضحكت بوجع " ماني متعود افتح عبايتي، وحتى طرحتي تذكر والا نسيت. "
مددت يدك لتنزع الطرحة، وعينيك تلتمع من شوق، تضم وجهي بقُبلة احترام
" بسم الله عليك، ترفقي علي قلبي يا حبي. "
***
ساعدني لأتذكر ضمتك، أنقذني من تفاصيلك، عالق أنا في زمانك وكأن عمري توقف هناك يا مهره، كأن كل شيء بي خلق لتلك الحقبة الزمنية، فما عاد الزمان بعدك زماني، ولا عدتِ أشبه بتلك الطفلة، وكأنني أرى صورة مكتملة بالجمال، ابداع رباني، ملامح مرأة ناضجة، يا قلبي اصبر.
ابتسمت عندما رأيت قصة خجلها، وحيائها الفطري، الدمعة العالقة، تسقط دون بكاء، ضممتها لحضني.
وبمحبة " فضفضي صدري يشيل همومك، لا تكتمين. "
بخجل ضربتني على ظهري وبنبرة مختنقة من شدة العناق " فكـني يا أبو محمد، ما احنا صغار. "
واهمس بإذنك " ما تذكرين كيف كنا نتشبث بيدين بعض، ونفلتها لسمعنا صوت غازي! والا اختك غدير، طيب ما ذكرتي سواد اللي يغلف أيامي، يحاصرني، ميمتي حاصرتني وحرمتني من أمي، في مكاني يا مهره، ما تحركت بخطوة عشان ما أزعلها، وأكتشف بأنها خدعتني، حرمتني من حبيبتي من أم عيالي، وأنا مثل ما أنا وكل ما بغيت أتحرك واخطب وكل عام اشيخ من العام اللي قبله، أشيخ مع كل سنة عشر سنوات يا المهره، وعقب كل هذا تسألين، كل هذا مهو مبالغة، في حبك، في عشرتك، في الملح اللي بيننا، تعالي احسي. "
وضعت يديك فوق شعري، تعال احصي عدد الشعيرات البيضاء، في سواد شعري، تعال قسِ قطر الهالة السوداء حول عيني.
شعرت بيدها ورجفتها، وبكائها قلبها متجمد قد يلين بعد يأس، تنظر لي بكل شحوبها، تحاول أن تضحك وبغصة مؤلمة اجابت " يعني شنو، يعني صدق انه أخوك، وأنك لك أم! وشلون؟ وليه ما حكت لك من البداية؟ "
هي خائفة من دمعتها المحبوسة أن تغرقها، من صرختها المكبوتة أن تصمني، من كلماتي المسكوت عنها أن تخرسني، خائفة من أفعل ولا أفعل، هي بالمنتصف عاجزة من شدة الخوف.
ابتسمت لها " أدري زعلانه كثير، ويحق لك والله، لكن مع عام جديد بداية حلوة لنا، انسـي ولي يخلي هالعيون لي. "
قبلت عينيك لتدمع وبقهر، انظر شحوب وجهك وعينيّك التي صرتِ تفننِ في إخفائها، خلف مجموعة واسعة من مساحيق التجميل، لامست نبضك الواهن، احصِ علل جسدك منذ فراقك، وأعرف أني حتما لا أبالغ.
أحببتك يا مهره للحد الذي جعلني أغفى هذا المساء، وأودعك في احلامي. ولا يمكن لوم العاشق على غشاوة العشق التي تغلف عينيه.
بعد عام كامل لم يكن لي حليف فيه إلا الألم، هل استوفى ربي حقوق العباد من دمعي ووجعي وصراخي المكتوم، مميتي الذي اوجعتني وأبكيت اخي الفارس، وتركتها من أجله، لا أريد هذا الألم أن يستأصل بي سيلازمني فرحٌ بعامي، قدومك لي كزينة الأعياد وضحكة الأطفال.
عام الألم لم يرميني صريع الهوان، عام الألم أوجد بداخلي طاقة قوية، ومحاربة بسيف على خاصرتها مستعد، لقائي بها يا مهره، وعدم اعتراضها بعذر أنها فقدت الابنان معا في ذات العام، ولكن ما ذنبي حتى أفقد من ربتني وأرضعتني.
رأيتُ دموعك " ليـه تزوجت غيري، وين الوعد يا مفارق العهود؟ ليه خدعتني، ما لقيتها الا هي، ما خذيت إلا أعز صحبة لي يا فياض، ليه كم نوع ضحكة سمعت منها؟ كم حضن ضميتها بعد رحيلي، كم باقة أزهار تذكرتها بعيد ميلادها، كم أفراح شاركت معها؟ كم كتف كان بقربها وأنا طحت بعدك، كم يد حنونه حاولت يا فياض تلمسها وعضضتها، كم قلب ملئ بالحب تقرب منها، وأبعدته أنت، وكم صوت ثائر صرخ في وجهي وأنا أقول لهم عفته! كرهت تصرفاته، والا الحريم، يا حرام جلست معلقه ولا خذت ولد عمها البلا فيها، وكلام كثير.. قول لي، منهو اللي انجرح أكثر، أنا والا أنت، أنت ذبحتني من الوريد يا فياض، الله مو كاتب اصير لك، ليـه؟ ليه تقدمت وأنا رفضتك للمليون مرة اقول ما شاب شعري الا منك، عجوزة بقلة حيلة. وتبيني أبدأ من جديد! من عامك أنت.. "
قبلت عينيك، وخدك الزهر، وأنفك شامخ، وشفتيك، أغمضت عيني واتخلخل بشعرك
أهمس بأذنك " آسـف، ممكن تِهدين، مهو عشاني، عشان صحتك، وصحبتك اقسم بالله العلي العظيم، ما جات في بالي لكن ما عرفتها الا بعد ما وقع الفأس بالرأس، ما كملت عامً والا وأنا مطلقها، ولأسباب الله يستر عليها، انسـي هالمرة يا قلبي خلينا ننسـى. تدرين أنه محمد خاطره يشوف وجهك من كثر ما احكيه له عنك. تراه نسخة مني مصغر. "
ضحكتِ وبحزن " وشلون، وش اللي تحكيه له؟ "
قبلت خدك وبشوق " يا فديت ضحكة، أنا بسألك صدق هو أنت مهره وإلا وحدتن ثانيه، تغيرتِ بالحيل. "
نظرت إلي بنظرة عين " يعني شنو، تراني مثل ما أنا ما احسني تغيرت. بعدين امداك شفتني من صغري بطرحتي. "
ضحكت بصوت عالٍ " وش دعوى زعلانه، طيب صادقة بحكيك بس عاد اعرف ملامحك وحافظها، شوفي كيف أخذنا العتب وسوالف، قومي نصلي وعقب ننام. "
***
لو كنت أعرف أن فرحة ابناء اخوتي ستُعدني إليك لما كدست لك حديثَ مُعي طريقا نحن في البعد أجمل يا فياض فـ أنت تسقطني لتستعيدني وأنا أسقطها باحثة عنك لأجدك وها نحنُ نلتقي من جديد ونشتاق لأن يبحث أحدُنا عن الأخر كما اعتدنا لنفعل، لربما كنا أجمل لنبقى بعيدين نشتاقُ، نحب ونبحث عن تفاصيل بعضنا الآخر.
***
وفي ليلةٍ مظلمة، كئيبة كنتُ وباكية، بحضني رائحة والدتي حاضرة في عقلي، سرقت غياب، أصبحت يا النايف حاضراً في الغياب، وغائباً في الحضور، ما بداخلي كوهجٌ لا تصفه الأبجدية، فبداخلي ثوراتٌ وانفجاراتٌ بركانية صامتة، الذي بجوفي طعونٌ غُرزت في قمع صدري تأبى أن تخضع لترياق، بداخلي طفلٌة مكتٌفة الأيدي تبحثُ عن الحُرية، بداخل وهج حروفٌ عميقة تأبى التحرر بأحشائي.
بداخلي صراخٌ وضجيج دون صوت مسموع، مباركة صوت والدتي، بداخلي مشاعرٌ متناقضة تقتلني ألاف المرات.
أتذكر صوت ياسر والذي يقبل جبيني تكراراً ويهمس " كوني مثل ما عرفتك يا وهج، وتهني يا عيون أخوك. "
نظرت له نظرة حزينة، موجعة ومنصفة لحالي " يا ترى يا أخوي صدق بتهنى معه، الله يسامحك. صدق شايله بقلبي عليك، لكن ما اتمنى لك الا الخير، الله يوفقك مع ريما. "
ابتسم ياسر " جعلني ما اشوف هالوجه الا يضحك، انسي ترا النايف رجال احتويه يا وهج، ولا تقسين على نفسك يا أخوك. "
ضحكت بوجع " متى عرفته وصار رجال؟ متى يا أخوي؟ "
ياسر أجاب بنبرة هادئة " النايف وسعود كلٌ له وميوله، صح أنه يحب اشياء غريبة، لكن تحمليه واقنعيه وسايسه، ولا تكرهينه يا وهج، ولا تستغفلين نفسك. "
تنهدت بوجع " خلاص يا أخوي، مهو بعد ما أخذته، أنت رسمت مسار لحياتي، بس تأكد شيء واحد، لو غلط علي صدقني بأول يوم برجع لبيتنا وقتها ولا أعرف أحد. "
قبل جبيني مجدداً، وابتسم " يلا ما اطول عليك، انتبهي على نفسك، استودعتك الله."
وجدي الغازي، ضممني لحضنه، ووصـايا والداتي، حتى أصبحتُ الآن في جناح ملكي، كل شيء بي كما تذكره وتريده يا النايف، ما زلت تلك الجميلة التي تشد حمرتها كلما دنوت منها، غضباً، لكنك الآن لا تدنو.
لا زلت أرتدي خلخالي، وأرقص على ألحانه، وأخط أغنياتي على صدى رناته، لكن كل شيء صار صامتاً، حتى الرنات التي كانت تصدح في كل مكان، خروجي من القاعة، ركوبي لسيارتك، نزولي وذهابي للهوتيل، مروري بالممر المؤدي للجناح، تحولت بسببك أرقص وحدي إلى أنين، وشعري الأسود، أتذكره، ذاك الشعر الأعجمي كحكاية زارتك من جبالٍ بعيدة ممتلئة بالسحر ممتلئة بالخيال، قد قصصته، حتى وصل إلى أكتافي.
اقتربت بخطوات وبعنين غاضبة تتفحصه " وهـج! وش اللي قصره."
أجبته بضحكة عنجهية " ما حبيته طويل، هذه هديتي لك وش رأيك فيها، أعجبتك حبيبي. "
ما زال كما عهدتك، عدا أن سوادك فقد سحره وتأثيره، فقد أصابعك، أمسكتني من خاصرتي وتضغط
وبصوت غاضب " وهـج، لا تستغفليني، لما تدرين أني أحبك جد، وجالسة تلعبين، ولا تحطين في بالك أني أحبك يعني خاتم بأصبعك، لا حبيبتي اللي يحبك خليه ضماد لجروحك مهو تذلين، ولا عاش وبعد ما ولدته أمه. كرهت تصرفك. "
وبقهر " لا سلامتك، باب قلبي لا تسكر يا النايف ما ينفتح، حتى لو تملك المفاتيح، وعشان تستوعب الله فوق، ويدري بكل شيء، اليوم أنت حطيت لي حد، ولأخلاقي احد، أكرهك يا النايف لما تحس أنك تقدر تدوس على كرامتي وعلى قلبي بس لظنك بأنك مرغوب. "
اشتد غضبك بعد سماعك لكلماتي " وهــــج، يعني اللي كان بيننا. "
قاطعته بانهيار وخذلان " أكرهك، كرهتني تصرفاتك بنسناسك، ما تتوب أنت. "
لم كنتُ أعلم بأن قد يمشي ويلتف حول جسدي، لم اصدق، وبانت علي ملامح الخوف، عندما سقطت عيني لأجد جلده باللون المميز، أحسستُ بأن الأرض تدور فيني، لأسقط
صوتك غاضباً " نسناس مهو كذا فجعت حبيبتي، وخر هنـاك، يـــلا. "
لكن كان رأي نسناس وطوله وحجمه العملاق، قد التف حول جسدها، أمسكته بغضب وبقوة شددته حتى قتلته، ومات أمام عيني.
امتلئ قلبي حزنٌ عميق، ونظرت إليها لفستانها بارز جسدها الفاتن، اقتربت منها وصفعت وجنتيها
وبنبرة قلقة " اصحـي، وهج حبيبتي قتلته مات، مدري شلون وصل هنا، اصحـي. "
قبلت عينيك بفقد، وألم عميق يزور أحشائي، وصلت لشفتيك لأقبلهما قُبلة الحياة، حتى تستيقظ عينيك
وجموح شعرك، نظرتِ إلي بخوف، وجهك أصبح كزرقة السماء.
بكيتِ، وغضبتِ " يا حـيوان، أنا عروس، تفجعني تبي أموت.. "
ضربتني على صدري، لأضمك وأهمس بين إذنيك " اهِدي خلاص قتلته، أصلا وربي العظيم، مدري وشلون وصل للهوتيل وكيف دخل؟ وربي العظيم مدري، ماني مهبول أجيبه لك. "
عضضتِ على شفتيك حتى أدميتها، وبلوعة أجبتِ " ابي أرجع، ريحته غثيان. "
النايف " الله يلعن اللي جابه، امشي نروح بيتنا. "
رفضتِ وبكره " خذني لبيت أبوي، والا دق لي على ياسر، ما أرجع معك. "
وبغضب، واعصاب تالفة " اقول لك مدري وشلون جاء؟ لا تخلين اخلاقي تشين معك، يـلا البسي عبايتك ونمشي. "
وهج " أبي دورة المياه، أبي ارجع. ريحته لا تطاق. لا تقـــرب! خلك بعيد. "
أمسكت جسدها النحيل، كورت يديك وتضربين صدري، حملتك ووضعتك على كتفي " اششش والا والله تطلعين بهالشكل، وتمسكنا الهيئة وأنتِ اللي تروحين فيها. "
وهج " يا كـــلب وخر يدك، انا دايخة برجع عليك. "
ابتسمت بمحبة، وبحزن لفقده " فدوه لك. هِدي، بطلعك للسيارة ويمكن اطول عشان اتفاهم معهم، لا اسمع لك صوت اتفقنا، ولا هاجت عليك بطنك رجعي بالكيس. "
***
بعد ساعة
كنتُ أغفو باكيةً حتى أتيت، ومسحت دمعتي من على وجنتاي
وقلت لي " يا عيون النايف، طلع مقلب من اصحابي مير والله أنها مردودة لهم، ابتسمي هذا هو مات ولا عاد تشوفينه. "
مع مرور الوقت، أنتظرُ أن يُقال أن كل ما عايشته كان كابوساً وحُلماً، لا ينقصني حديثك هذا الوقت كما عودتني سابقاً، ينقصني إفصاحك لي باشتياقك ومشاعرَ فقدك.
عندما وصلت إلى البيت، نزلتُ بهدوء، لا أريد أن أرى هالتك، مشيتُ أمامك، بعد أن تقدمت وفتحت الابواب، لأدخل بهدوء، التفت إليك " أبي اغير فستاني، ممكن. "
النايف أمسك بيدي " طيب، على يدك اليمين غرفة تبديل، ومره وحده جهزي نفسك عشان ربي يبارك فينا ويتقبل صلاتنا. "
أجبت له بهدوء ثقيل " إن شاء الله. "
***
قبل ساعات – وتحديداً بمكان تبعد عن الرياض 215 كلم
استراحة، تم بناءها لبعض الاشخاص ومنهم هو! ومنعزلٌ عن الجميع، قبل عام وضعته هنا، حبيس هذه زنزانة فجوةٌ عميقة، كبئر ومقبرة يبتلعه ولا يجدي أي طريق نفعاً لخروجه من هذا المأزق.
بصرخة عميقة، وهو يركل ما يرى أمامه، وبغضب كفأر حبيس " ما تأخذها، هي حبيبتي أنا."
بغضب بارد " وش قلت، عيد اللي قلته؟ تبيني اسلخك واحرقك، عشان تعرف من تكون. "
وبحب أعمـى " ماهي لك، ترى ما تعرف منهو منيع؟"
ضحكت بسخرية " صدق، منهو يكون علمني يمكن أكون جاهل فيك. "
منيع بقهر " الله يحرقني إذا أخذتها، والله العظيم ما تتهني فيها، أنا الأول بحياتها قريب تكون أم عيالي. "
ضربت فخذه، ولكمةٌ على بطنِه، وامسكت رأسه " لا تتلاعب بالحكي، أساسا ما تقدر، تدري ليه يا الخسيس. لأنك ما أنت كفو أنك تكون ولد عمها عسى الله يحرقك بجنهم. "
ببرود أردفت " ما قلتِ لي؟ منهو اللي وراكم؟ من هو رأسكم الكبير!؟ "
منيع ودم الذي يتماوج مع ضحكته الغدارة " تبيني احكي لك مين؟ على شرط تتركها لي. "
ضحكت وبتهكم " تصدق مثل ما جبتك بجبيهم كلهم، وأنت اللي بتساعدني تدري ليه؟ كل وسخك وقذارتك بتظهر للعلن. امممم مثلا تهريبك للمنوعات، ومساعدتك في اعمال الخير بوسخ أموالك، واتهام أمك بالجنون، واقتلاع عيونها بسبب زراعتها بعيونك، كل هذا وغسيل الأموال وش تبي تسمع بعد؟ "
ليصرخ بقهر " يا خسيس، مالك دخل بشغلي، أصلا بظهر براءة من تهمك. "
بخبث وبنبرة مُستفزة" وشلون؟ لا يكون العصفورة تساعدك! "
منيع " ما يهمني، بس يفقدوني ويعرفون، أنا أحذرك بس. "
أمسكت بعقال وضربته بقهر، كل ما تجدد المنظر أمام عيني، وهو يضحك بصياح " انحرق بنارك، ما راح تكون لك، وهذا وعد مني. وأقول منيع ما قال لك. "
***
بصالة، وجدتها تبكي قهراً وهي تمسح دموعها بطرف طرحتها، قبلتُ رأسها " ميمتي أنفداك روقي يا سيدة الغنادير، مو هذا اللي بغيته يتزوج ويرتاح. "
أم عواد بقهر وغبنه " صح غلطت يا عاطف مير والله مابه أحد يغلط، خفت أني أفقده مثل أمه منى وخاله عواد، أم مكلومة يا وليدي، والجهل ما يعرف، خفت انه ما عاد أشوفه، وهو للحين تجاهلني أنا الي كبرته وخليته عود يخضر ويثمر كنه نكرني وجحدني، يا أمك دق عليه، حتى ما سلم علي ولا عرفت الا منك. ولا كنه يعرفني يا حرقة جوفي، الله أكبر على دنيا هذه، الله أكبر. "
جلستها على الكرسي " زعلان يا ميمتي ويحق له، اللي صار له مهو هين ابد، ولا نضحك على بعض أنتِ حرمتيه من أمه ومن حبيبته، خفتِ أنه ينقاد لبنت عمه، ما تعرفين أن الفياض عنيد، ولا يوم قصر معك، حتى لو قلت له أنا رمحك وسيفك، يقول لك لبيه وتم وحاضر، عشان يرضيك، فـلا تلومينه على اللي جاك منه. زمن يداوي كل هالجروح. "
أم عواد " حتى ولـده محمد يأخذه ويعطيه سحابه. أنا اللي كبرته عقب أمه. يا صدمتي فيه يا هي كبيرة. "
ابتسمت له بحب " جعلني ما أذوق حزنك، هِدي، واللي صار، صار الحين أبيك تنامين وصباح رباح يا الغالية. "
أم عواد بزفير " عسى الله يوفقه، ويحنن قلبه، ما عاد أبي بهالدنيا إلا سعادته، وأنت ما تبي نفرح فيك، خلني ارتاح قبل الله يأخذ أمانته. "
ابتسمت لها " قريب حول كم شهر ارتب أموري يا ميمتي. وهي بعد قد سمعت أنها تدرس بالجامعة. "
ضحكت بألم " يا وليدي أن بغيتها ادق عليها، بسم الله عليها حلا وقبله مملوحه وتصدق ما أبيها ألا لك. "
ابتسمت بصدق " دامك تشوفينها كذا، أجل تقدمي ودقي عليهم، والله يكتب اللي فيه الخير. "
بعض الأبواب يا "ميمتي" خلفها حكايات كَسرتها الحاجة وتفيضُ ألماً، نطرقها بلطفٍ لعلنا نضمد جراحها.
***
نهاية الجُزء الخامس عشر من الفصل الثالث والأخير.
وأعتذر مرة أخرى على التأخير، قراءة ممتعة بإذن الله.
أتمنى ما تنسوني من تقييميات والايكات، ومن حضوركم بهشتاق رواية عَبـير بالتويتر، وبقرأ ردودكم بعيون ممتنة وحُب.
كونوا بخير احبتي.
***
همسة محبة/ "المحبة لا تعرف عمقها الا ساعة الفراق ."
***
عمر الغياب/عَـبير.
|