كاتب الموضوع :
عمر الغياب
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: أزهرت بهطولك
"الألم يعصف بنا عصفاُ كريح اشتد وذره اليأس"
(2-13)
الغازي يشتت نظراتِه " يا ولدِي وش لك بالعلوم هذِه؟ "
بنبرة قهر " يعني صدق ليّ اخ، طيب وراه؟ مخبيين كذا! يعني أنا ليّ أم ثانية ياعم. الله لا يسامح من كان السبب. "
الغازي " استغفر ربك، يا أبوك ما يصير تدعي كذا. تراها مردوده يا الفيّاض، مردوده الدعوة لك. "
لهذا لم استوعب حتى الآن موتِه، حقيقة اهتمامه الغريب بيّ، بعد كل ما حصل ما زال يريدني، يريد حبه وخوفه عليّ، ولكل نبرة تخرج من فمِي، أحاديث الليل والنهار بصحبته منذ واحد وعشرون عاماً، تخرجُ كل حقيقة بقلبِه من دون أن يشعر، كنا نستغل هذا النقطة دون أن نعبر محبة أخوتنا بصدق!
سألتني ذات الليلة
" الفيّاض لو أني أخوك وش كنت بتسوي "
قلت لهِ " وش هالغباء، سؤال مثل وجهك. "
ضحك حينها " والله وجهي جميل، مهو مثل بعض ناس مملوح بس. "
ابتسمت " أقول اقلب وجهك لأمك، وأنا بروح لأمي العودة، بتنشب ليّ الحين. "
الفارس بإصرار " بالأول قول لو كنت أخوك وش راح تسوي؟ "
اقتربت منه وحضنته " وأنت اخوي يا غبي، مهو شرط الدم يجمعنا، ولا نسيت صداقتنا وأخوتنا في الإسلام. "
الفارس بذات الابتسامة، دفعه " يا ولد لا احد يفهمنا غلط بحضنك الماصخ. "
ضحكتُ حينها بصوت عالِ، لأشعر بضربة فوق ظهري " وجع يوجع العدو، جعل يدينك للكسر، وش هاليد؟ "
الفارس " استغفر ربك، وقم اذلف لجدتك امحق أخو. أبي صداقتنا تكون شفيع لي. "
ابتسمت بخبث " أنا مصاحبك عشان تكون شفعيي. "
ضحكنا سويا، ليغادر، وابتعد..
***
الغازي "يا الفياض، يا عمك انت معي."
تلثمت بشماغي، وبقهر " أبي الحين اعرف وش اللي صار يا عمي، هذا إذا باقي تعتبرني مثل ولدك. "
جرحي ليس بالهين، وما تصرفاتك بالسهل، فأنت وضعتني بين حيره، بين نار، بين صراع خذلانك يا عم.
ليردف " الكلام اللي سمعته صحيح، الفارس يظل أخوك، من بعد وفاة أمُك منى الله يرحمها ويجعل قبرها روضة من رياض الجنة. "
بهمس " آمين. "
قلت " وأنت صغير رضيع وكله تبكي، سقى الله ذيك الأيام ، ما بقى بيت ميمتك ما دورته لك، لكن كنت من وأنت صغير نشبان وما يعجبك أي أحد، وسبحان الله سحابه أم الفارس حنت عليك، ولمتك لحضنها، أنا أذكر صياحك وقتها عز الله ما سكتت الا وأنت بحضنها، ورضعتك مع ولدها الفارس. وكبرت وفطمتك، لكن ميمتك الله يهديها هددتها ما تجيب لك خبر وأنها تنسى لها ولد. "
بصدمة اتسعت عيناي " ميمتي هددت! ليه؟ "
كم كنتِ قاسية وظالمة يا " ميمتي "، فأنتِ ليس لأنك تحبينـني، ربما أنا مجرد دواء أخفف عنكِ ألم الفقد وألم الفراغ الذي تشعــرين به، وبعد أن تتـحسن حالتكِ ستقتلينني للمرة ثانية.
ما الوجع يا يُمه إلا أنني أحبك وأوهم نفسي بأنكِ الأم الحنون الصادقة، وأنتِ لستِ كذلك، هل تصدقين بأنني كل ما استيقظ من النوم، على حلم رائحة تركت كل عطر وراء تحت عذر أنهِا رائحة أعجبتني وبشدة، وقلقك عندما تسيرين نحوي، رأيتِ دموعك الساكبة على وجنتيكِ، كنت تنادينني ولا أرد على ندائك، وكأن لا أريد الرائحة تختفي من أنفي، كانت نظراتك تعـاتبني لأنني سببـت لكِ القلق والخوف.
إلى الآن أتذكر قولكِ لي " يا الفياض، ما عاد انت صغير، وراه ما تصحى بسرعة من نوم، لزوم تخوفني عليك. "
ابتسم بتعب " مدري في ريحة ما تغيب عني، وتعبت وتخليني احن واشتاق. "
أم عواد " قم قم بس افطر، وروح لشغلك. "
***
شريط الذكريات المريرة تمر بي الآن، الوجع الذي ينبض بصدري " بموت من القهر، ما أتخيل وحدة مثل ميمتي تأخذ مكــاني بقلب أمُي، ويدها بيدي، وتشوفها نفس ما تشوفني. "
الغازي بخوف " بسم الله عليك من القهر، يا أبوي يا فيّاض لا توجعني، والله حاولت معها لكن كانت تهددني حتى أنا، ما كان يعجبني هالتصرفات، لكن ما باليد حيلة. "
فقلت بتنهيدة وبغضب، وأنت تضغط على يديّ " أنا بمسك خط الإحساء مابي اتأخر عليهن أكثر من كذا، أن كان ودك تخاويني بنتظرك. "
الغازي " أي والله، أجل انتظرني وأنا عمك أبي ابلغ المزنه. "
ابتسمت لهِ " ماهنا الا كل خير، بنتظرك هُنا. "
الغازي "الله يرضا عليك يا أبوي، بجدد لك القهوة."
وضعت يديّ فوق ركبته " ماله داعي ياعم، خيرك سابق. "
الغازي " يا أبوي ابي اكلم وحده من البنات، استريح بس. "
ابتسمت له بوجع " على أمرك يا الغالي."
وبعدها بمدة وتفكير أحسست بوجود شخص، رفعت رأسي لأجدها واقفة بحاجبها وتضع صينية بجانب الباب، وتطرقه بهدوء " القهوة. "
سماع صوتكِ، بهذه اللحظـة كنتِ أراك ضعيفة، تتكلمين بطريقة باردة وصوت متحشرج
" هذا أنا رديت عليك، وش بغيت يا ولد العم؟ "
قلت بغضب
" ليش ما رديتي علي من قبل؟ تدرين لمن اعصب ما شوف احد قدامي. "
وعلت نبرتي وأكملت قائلاً
" ما ترتاحين إلا لما يصير لي شي ، تبيني أموت مثله، قولي وبدخل على اقرب شاحنة الحين! "
قاطعت كلامي قائلة
" بطقاق ما تهمني، لو مو أبوي كان ما جبته لك، بس غصبن علي. "
بسخرية وبصوتٍ حاد
" يالله يا المهره كبرتِ وزاد كبريائك، لكن الله شاهد عليّ ما انت ليّ، مهو أنا اللي تنطعن كرامته بالأرض. "
لأول مرة أتكلم معكِ بهذه الطريقة، أتذكر صمتك المريب المتعجب فقلتِ
" الله مغنينـني عنك، ما راح اموت يا ولد العم، اشرب قهوتك اترخص عنك. "
أحسست من صوتكِ بأنكِ كنتِ تبكين بسببي فقلت لكِ
" المهره، أنا انفعلت لأن ماني قادر اتقبل الموضوع، اللي تتكلمين عنِه، يكون أخوي، أخوي اللي ما تهنيت فيه، عسى بس قلبك طاب يوم وافقتِ وأخذتِ غيري، عسى كبريائك اللعين فرح وانتشى. "
لم يصدر منك أي رد فأكملت
" قلت لك من قبل مهو بيدي يوم رفضتك، لكن عنادك اللعين خلّه ينفعك الحين. "
كنتِ صامتة وصمتي كان حزني على حالي.
ناديتك حينها
" المهره. "
في ذات لحظة تلقت رسالة نصية فتحتها، قرأتها بابتسامة صفراء باهتة ولم تصدر منك ردة فعل
- هذا أول تحذير لك والأخير، وعظم الله أجرك في زوجك، قد قلت لك من البداية لا تأخذين الرقيب الفارس، لكن إهمالك أدى لوفاتِه، عاد أعرف أني سويت واجبي واكثر، وكل ما تماديتِ بعنادك، كل ما تفقدين غالي على قلبك، عاد احكمي عقلك وفكري عدل، مع سلامه يا حلوه.
سقوط الهاتف من بين يديها، أوجعتها لأقصى مرحلة، أحببتها لدرجة الألم، لدرجة الحزن، لدرجة الهذيان، تباً لحبك الغريب يا رعد وما تفعله بـها.
تجدها صعبة التصديق، وتهتف
" مستحيل، مو كذا، لا حرام، والله حرام اللي يصير فيني، وش ذنبي أنا، آه ياربي."
لم أعلم سوى بصرخة عمي، تدحرجت دمعة حارقة على خدي، لم استطع الوقوف أكثر، تقدمت بخطوات باتجاه الباب صافحت المقبض، وأنا أهم بفتح الباب لأجدها ملقى على الأرض، خفت عليّك خوفاً مميتاً، شعرت بأنني طفل عندما هددت " بأن أعمل حادث " أتذكر نفس الكلمة مع تغير المكان والزمان
" أنا حبيبتك يا فياضي، بعدين ما فيها شيء لما تجي وتفضفض لي. أساسا بكون مرتاحة، والا وش رأيك؟ "
حينئذ عمرك ما بين الرابعة عشر/الخامسة عشر.
***
لم أستطع البكـاء، أستطع أن أتوسل العبرة أن تعتقني، كانت تختنقي يا المهره، كان صمتكِ يساعد في اختناقي بهذه اللحظة، لم أستطع تمالك نفسي، خارقت قواي على الأرض.
وبرجفة " وش اللي صار يا عمي؟ وراه جايه كذا! "
الغازي بحزن " قوم يا الفياض، البنت بها حمو، قوم والله انها ميته، يا ولدي المهره. المهره. "
بلعت ريقي، أستطع النهوض بعدها، رب أسألك أن تُرفق بقلبــي.
مؤلم أن تنطق العين لغة الدمع، والعقل لغة الذكريات، والقلب لغة الحنين، ما البكاء الداخلي إلا نزيف ينهك الجسد ويفتك به.
عندما انتشلتها متجهاً لأقرب مستشفى، ومشي وصوت عكاز العم، أحسست برغبةٍ في البكاء، أردت حضن أمي فلا يوجد من هو أحن عليّ منها، عنصر الحنان الموجود بلمساتها ونبراتها يجعلني أشعر بالارتياح، فعندما تفتك بــي أوجاعي أضع رأسي على صدرها، فتقرأ المعوذات وتمسح على رأسي فيتلاشى الوجع شيئاً فشيئاً.
خرجت من منزل عمي إلى الممر الذي يؤدي لمخرج البوابة، وضعتها في المقاعد الخلفية، وفتحت باب سيارة وركبت وبجانبي العم الغازي، همت منطلقا نحو المستشفى بسرعة هائلة..
بعد أن قطعت إشارات المرور، والتقاط ساهر، وصلت لباب الطوارئ منادياً بحرقة
" ســــــــاعدوني. "
ظليت أسترجع كل لحظة من لحظاتي معكِ بهذه الليلة مع انهيار تام بمشاعري، كنتِ أراكِ ترسلين رسائل بي مراراُ وتكراراً، أحدق بالظرف بكل برود ولا أرد، لا أريد صوتك ولا كتابتك، ولا أريد شيئاً منكِ هذه اللحظة، قلت في نفسي
" ما راح أرد عليك، وظني بأني نمت، مابي شيء منك."
أتذكرين يا المهره عندما كنت أزعجكِ بالرسائل التي تلي بعضها بعضاً أرسلت لكِ
" أحبك يا بنت العم، وأموت فيك، وأعشقك وأهواك وأذوب بهواك"
لا أعلم ما سر هذا الشوق المفاجئ الذي يأتيني.
كنت حينئذ، تلعبين مع صديقاتكِ فـ ينظرن الى الرسائل التي تنهال عليك، فيقولون بتلك النبرة
" أووه أووه، وش عندهم مشتاقين "
كنت تذوبين خجلاً مما يقولون، وتطيرين فرحاً لأفعالي المجنونة كما تسمينها
صوت ضحكة مهِياف بخبث
" يعني ما بقى شيء وتصيرين حرمه، اعقلي يا ميمي. "
لين بخبث اللعين
" أي والله قد سمعت بمسلسل يقوله ومن الحب وما قتل. "
المهره " سخيفات، اصلا بعدني صغيرة، صح أني متحجبة، بس عمري ما غلطت، وصح بيننا رسائل بريئة انا ما اسوي شيء غلط. أصلا انا اعلم غدير أختي الكبيرة بكل شيء. "
أتذكرين عندما غضبت عليك غدير أم النايف، وصبت كامل غضبها فيني
" والله يا الفياض أن ما انقلعت الحين عن وجهي، أن كل علومك مسود الوجه عند أبوي. "
أجبتها بثقة " وش فيها أنا ما قلت حكي ولا قليت أدبي معها، أنا طلبتها بالحلال، وأنتظرها لين تكبر وتزوجها. "
غدير بغضب " فرضا كبرت المهره وما صارت من نصيبك، وقتها وش راح يصير، ما فكرت بهالنقطة يا روميو زمانك. "
ابتسمت " أساسا ما راح تأخذ غيري، فـ انتِ تطمني وريحي بالك. "
إنك تعذبينني باهتمامك بعد رجوعنا لبعضنا، بالرغم من أنكِ تركت قلبكِ مكسوراً لكنكِ تحاولين ترميمه وإصلاحه بتذكيري كل يوم بحبك
سألتكِ مرة بعد ما استيقظتِ وأيقظتني معكِ في يوم إجازة بعد نوم طويل ومريح
" ميمي، وش أكثر شي يذكرك فيني؟ "
أجبتِ
" تبي صدق فياضي. "
ابتسمت " بأخوي غازي. "
باستغراب " أفا وشلون؟ "
قلتِ بهمس خبيث
" خذيت له عطر نفـس عطرك، عشان كل ما بغيت اتذكرك أشم فيه. "
تعجبت ضاحكاً وقلت
" من صدقك انتي؟ "
قلتِ وأنتِ تضحكين
" يعني مراهقة بنات المتوسط، وش تبيني أكون، أذكر كل ما قلت له بخ من هالعطر يعصب غازي يقول كافي ريحة العطر بالبيت كله. مره بغى يضربني"
بحب
" أفا، ما عاش من يضربك وأنا حي، هو صح خلاص أنتِ كبرتِ لازم تتغطين الحين وتلبسين عباية على الرأس. "
المهره " ابي اقفل تلفون، أنا ضحكت على غدير أني بكلم مِهياف، ما درت أنه اكلمك أنت."
كان أكثر فعل، استطيع وصفه بالمجنون، عندما اشتريت عطراً كعطري ليتعطر به أخوك وتشميه وتتذكريني، لم يكفِكِ أن تضـيعه على سريرك ووسادتكِ
دائما تسألك أختك غدير، وتغطي عليك سلوى
" مين بيكون يعني، غير مِيهاف أو لين. "
فتبتسم لك سلوى، وتنظر لك غدير بشك وتذهب، لا تعلمين هل صدقت كلامكِ أم هذا نوع من دعاباتكِ، أم هي فعلاً تعلم و "تسّلك" لأنه مهما تحضرنا ومهما تقدم الزمن بنا وتطور تظل مجتمعات محافظة ولا ترضيها التصرفات الغريبة التي لم تعتدها.
اسمع قصيد البدر يقول فيها:
من كُتب الحب العتاق .. وتاريخ الفراق
وستاير الدمع الرقاق ..
جمعت قلبي غبار .. وقطع فخار ..
ومن على المرمر البارد ..
ومن ما نسته النار .. من غيمي المحروق ..
وحملت عيوني وركبت أول سفينه تبحر ..
على وجهي الاصفر .. خريفٍ طال ..
وسلال من رذاذ وملح ..
وفي صدري حجارة نسيوها بحاره ..
مروا علي فـ يوم ..
وقالوا تعال معنا .. وما كان يجمعنا ..
إلا الضياع والريح ..
راجع من الايام .. من الاحلام ..
ومن الف سناره .. مغروسة بقلبي ..
لقيت لي بشارة .. ما اغلى عطا ربي ..
أثر العمر ساره .. وموج البحر ساره ..
وكل المدى ساره ..
سافرت كل العمر .. وراجع احب سارة
وأنا أقول
- أثر العمر مهره .. وموج البحر مهره
وكل المدى مهره
سافرت كل العمر .. وراجع احب مهره
***
استيقظتُ من الذكريات، لأرى العم يختنق صدره، ويفتح أزارا ثوبِه، وقفت بقربه
" بسم الله عليك يا عمي، هِدي، إن شاء الله انها بخير، تعرفها هي قوية، والمرض ما يطيحها، وكلها كفارة ذنوب، انفداك تهِدي."
أخذ نفس عميق وتنفس وبزفير وبصوت مختنق به العبرة " أنا غلطت يوم اغصبها على هالزيجة، والله ما اسامح نفسي ابد. أنا بشاورها إذا هي تبيك أو لا، وهالمرة يا ولدي تهمني هي صحتها، أنت رجال ما ينخاف عليك، لكن هي جناحها مكسور وأنا عمك. "
ابتسمت له بوهن " مهو وقته هالحكـي يا عمي. "
الغازي بذنب " ما عادني لي شده وأنا عمك، اللي صار لها مهو بهين، ولا يرضيني أشوفها كذا. "
تنهدت " ما عليه، لا صحت وعقب عدتها نتفاهم."
باستغراب "وراه مهو هي أرملته، به عدة غير اللي صار! "
بداخلي " مبين من صدمتها ما حكت لكم. منهو اللي جابها لكم ما اتوقع غير سطام الغثيث، هو يدري الحين احسن."
ابتسمت له اخفف وطأة الوجع " أبد يا عمي، طلقها أخوي مقدر يكون لها زوج! وهو عارف بحبي لها. "
اتسعت عينيه بصدمة " مير البلا مهو فيكم، بخيال اللي عطاني ثقة أني بنتي ما يصير لها شيء، وأنا اللي كنت اجهل كل التفاصيل، وأسألها وراه تبكين؟ والفارس يخدعني يقول من الشوق! أي شوق اللي يحكي عنه. "
بضيق " واذكروا حُسن موتاكم، توفى ياعم وكلنا مخدوعين كلنا ياعم. "
***
بنفس الليلة، منزل أبو راشد، تحديداً حجرة مِهياف
حينما فتحت عيني بتعب، الحياة بصمتي تغير وجههي، ما عدت كما أنا، أصبحت كالرخصيات رأيت ثوبي ملقي على الأرض، عارية، لأجده أمامي، شددت على اللحاف وبعين متسعة
" يا القذر، وش سويت فيني."
اقترب مني بخطوات كالذئب، وغاب في الخطيئة، لم يكن يعلم بأن عُمر قريب من الحي قد زواره القلق وهو يعرفني كعادتي أصلي بهذا الوقت، قلق بشدة، أتصل فوق الاربعين رد، وحاول أن يطرق باب المدخل، ليجده مفتوح كما هو، بالرغم من أنه كان تعباً جداً، كان يشكو من الحمى، كان يضيق بسبب ضغوطاته الكثيرة، ولا يقول ليّ عـن أي شيء منها، ولكنه يتصل بيّ لأيسمع كلمة جميلة فقط، وإن خاب ظنه بطريقتي الباردة، كنت أبادر بالكلمة لطيفة ربما تبادلني بمثلها، ولكنك تصمت وتتعذر بأشغالك الصباحية،
أحساسيه وخوفه عليّ لأجد ظله، وأصرخ بالقهر والخوف، كان منيع ممُسك باللحاف حتى لا أقاومه، وعيناي تود البكاء.
وقفت متصنم، لحظة كدقيقة من صدمة لأصرخ
" والله العظيم مالي ذنب، عمر مالي ذنب هو هو......"
لتقبضه من ثوبه " يا الخسيس، يا التبن يا الواطي."
ابتسم منيع " هلا بعريس الغفلة، شف اللي تقول عنها طاهرة ******* "
مسكه ودفعه على الجدار، ويلكمه على فكه والتفت لي يرمق لي بنظرة كلها احتقار
" ابلع لسانك يا وسخ، والله لو مهو خايف على العم أبو راشد، لا عملت أن الله حق، وأنتِ تستري وبرجع لك يا حقيرة. "
أهز رأسي " لا مو كذا, لا تفهم غلط. "
بصوت حاداُ
" انكتمي صوتك لا اسمعه. وانقعلي قدام عيني. "
أمسك بمنيع بعد أن ضربه على فخذيه وبطنه، ليتوجع.. وخرج، مالي أراك تبعد كلما احتجتك واحتجت مساندتك، ومـالـي أراكَ تقترب كلما اسودت الدنيا بعينيكَ.
أحياناً يا عُمر لا أرى حبك يستحق هذا العناء وأفكر بالرحيل لأن معظمه تعب، قلق، مزاج قبيح
عندما ابتعدت الآن دون أن تتفهمني، بكل عجل وبرود ونظرة الاحتقار تمتلئ عينيك، لأنني أفكر بالرحيل، هل تصـــدق هذا؟!
أنا لا أصدق ما تفكر به، فلا تلوميني أن رحلت يوماً بصمت، ولماذا تركت ورائي كل شيء، فقد تهشم كل ما بداخلي حتى أصبحت لا أبالي أن بقيت أو رحلت، فالبرود غلف أعماقي بتّ لا أشعر بشيء إطلاقاً.
لا تحزن يا عُمر فأنا بنفسي لا أريد حدوث هذا، ودائماً أقول لك واجمع الصور بأن حبنا أسطورة، حبنا قصة جميلة، عفوية، بريئة، طـاهرة، والله طـاهرة، لكن قلبك متبجح، قتل ما بداخلي من طيب.
هل لغلطة بعدم إخباري لك منذ بداية اقترابه مني تفعل بكَ هذا؟
لا تسأل أن كنت حية أم ميتة؟!
هل من المعقول يا عمر أن لا تنسى غلطة بسيطة لم أقصـــدها، والله لم أقصـدها، مثلمـــا حاولت تجاوز خذلانك الكبير
ربما أنت تراها كبيرة في نظرك، ولكني أراهـــا لا تستحق اعتذاري، هل تصدق بأنني وصلت لهذه المرحلة؟ بأن يصعب علـي الاعتذار منك. ربما التراكمات أحدثت فجوة عميقة بداخلي، صنعت بروداً لا تتحمله مهما حاولت سيبقى محيطي متجمداً، أو ربما انتقلت إليّ الحمى بعقلي فأصبحت ثقيلة مُتبلدة، لا أريد شيئاً في هذا الوقت، وبالرغم من أنني كنت ضعيفة، مصدومة، مخذولة، لا تقسى علي أرجوك يا عُمر، لم اشعر
الا بوصولي لدورة المياه، تحت المياه شديدة البرودة، لم أشعر حينها سوى بالبكاء، القهر الذي يحدث بي يتآكل في داخلي، هل هو بكائي أم تساقط المياه لا أكثر.
***
بلاد الغربة..
تلقي الخبر لـ رائد صدمة كبيرة، أدت إلى رجوعه لأرض الوطن، وتحديداً بالرياض..
وأنا اطبطب على كتفه " يا أخوي تصبر، وبإذن الله ما راح يندفن الا والكل حوله، أولهم أنت. "
وهو بقهر " مات أخوي مغدور يا الغيث، عيال الكلب قتلوه. والله يا حق اخوي ما اتنازل عنه لو وش ما يصير. "
اجبت له بهدوء " عين من الله خير، وربي يكتب اللي فيه الخير وصلاح، هِدي طلبتك. "
وهو يدور بصالة ذهابا وإيابا " مافي حجز غير بكره. "
تنهدت " مع الأسف، ممكن تهدي بس لا يرتفع ضغط عليك. "
وبنبرة غبن " مقهور لا تسكتني كذا، ليتني عندهم الحين، أمي أكيد منهارة، وأختي بعد، يا حرقة الجوف توجع والله، يارب. "
ابتسمت له بمحبة " قم تعوذ من شيطان، وتوضئ وصل لك ركعتين، كل هالغضب وينطفي. "
دائما ما نحاول بشتى الوسائل أن يعود حباً عشنا معه أجمـل الأوقات يا زهرة، متناسيين بأن الذكرى كفيلة بأن تُبقيه في قلوبنا وليس من الضروري أن يبقى في حياتنا للأبد. متناسيين بأنه لو دام في حياتنا ستزيد تعاستنا وأحزاننا بدلا من الفرح والمسرات. سنتوه في أعماق الحزن وننسى السعادة
لماذا نجري خلف من نحبه؟!
لو كان يحبنا فعلاً لما جعلنا نلهث خلفه تعباً، لو كان يريدنا فعلاً لما تجرأ على الذهاب وأخذ أبسط الـزلات بعين الاعتبار لـيبتعد مسرعاً متذرعاً بعذر قبيح، دائماً نريد شيئاً، ولو بحثنا عنه في قرارة نفسينا لوجدنا بأنه أكثر شيء عذاباً للنفس وبؤساً للقلب، آواه يا زهرتي! لو فكرنا قليلاً لعلمنا أن بعض البشر بمجـرد أن نحـبهـم لا يعني ضرورة إبقائهم في أيامنا وإنما بين طيات ذكرياتـنا، فـبعـض النفوس تكون جميلة عند خلق مسافة بينها.
ولكننا للأسف نفكر بقلوبنا تاركين عقـولنا ترتـاح، بالفعل يا زهرة متناسيين بأن الزمن يريد عقلاً يتخذ القرارات لا قلباً يتوه بسبب ما يريد. لا تدعي شيئاً يوقفكِ يا زهرة، راكمي كل التصرفات الطائـشة في قلـبي، أيعقل أن شخصاً يُحب في ليلة وضحاها.
دائما أفكر فيك، فـ يارب تكوني بخيرٌ، بخيرٌ لا أكثر يا زهرة.
***
نهاية الجُزء الثاني من الجُزء الثالث عشر/الفصل الثالث، - قراءة ممتعة احبتي -، ولا تنسون رواية لا تلهيكم عن الصلاة بموعدها.
أتمنى ما تنسوني من تقييميات والايكات، ومن حضوركم بهشتاق رواية عَبـير بالتويتر، وبقرأ ردودكم بعيون ممتنة وحُب.
وبعد أشكر الجميلة آمال على ذكائهالأنها قدرت توصل للسبب البسيط، وهديتها الجُزء الرابع عشر
كونوا بخير احبتي.
***
همسة محبة/ " رسالة قبل النوم:
للحُزن يوم وللفرح أيام
قال تعالى : (وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ)
***
عمر الغياب/عَـبير.
|