"حنين الأمس"
(2-12)
أين تذهب الألوان فجأة، ومن أين تشرق لنا الرمادية، كيف لحنجرة الوجع، الغصة العالقة هُنا كجحر قاسِ والله قاسِ عليّ يا نايف، زيارتي لك كانت قهرٌ، بالواقع لم اعد استوعب بأنني اصبحت زوجتك! ما هذا الجنون الذي يحدث بِي، أحدق بالممر بوجع وحرقة وحزن، الخطوات الأولى التي تتبع سقوطك مخيفة ومرعبة، تصرفاتك لم تكن مسؤولة عن نفسها، والكثير من الكلام غير المفهوم وحركة يدك التي عانقت اصابعي، ملامستك لجبيني، ونظراتك، ألم أخبرك أن الدهشة التي فاجأتني، نبضات قلبي سريعة، والحرارة التي تلفح بكل جسدي، الخوف من قربك..
لم اعد استطيع المشي، لأجلس على احدى الكراسي، وضعت راحة يدي اليمنه فوق نقابي أكتم شهقة مريرة! هب لي صوتي يالله ما هذا الوجع العميق. آه.
رأيت حذائه لأرفع عيني بنظرة غضب "ليه كسرتني يا أخوي؟ ليه وش سويت لك أنا؟ وش ذنبي! يعني أبوي مهو عندي ترخصني له. ليه ياسر ليـه؟"
اقترب مني وأمسك بيدي لكن نفضت يدِه بغضب "لا تلمسني! ومثل ما زوجتني لِه تطلقني منه!"
ياسر بهدوء "وهج! لا تبكين يا عيون أخوك، أفا تبكين ترى كلامك جرحني، ما كان هذا العشم فيك."
وبقهر "أجل ترخصني له! لنـايف وهذا وأنا رافضته."
ياسر "ما يخالف يا وهج أنا قلقان عليك، وخصوصا ما يعيب شيء لنايف غير نسناسِه، تعالي نطلع لسيارة مو زين نحكي هنا."
بعتب "ما عاد ابي اطلع معك. خذني للجوهرة أبي أمي."
وهو يجاريني "أي طيب يلا أمي تنتظرك."
بغضب "لا تسكتني كذا!"
بحنان "جيجي خلاص، هذا جزاي اللي ابي اتطمن عليك، اعرف النايف وماني مرخص فيك! هو صح أني غلطت يوم ما علمتك بس ما كان بيدي. أنا بعيد عنكم وخصوصا هالسنة كان زواجكم!"
بعتب وصدود وأنا ابتعد عنِه "ما عاد ابي اسمع منك شيء، خذني للجوهرة."
***
هذا الصباح مرهقٌ، ورتيب، وطبق شوربة الدافئة، لم اتذوقه! لا أعرف لم اتذكر الآن الخالة المهرة!
هي الأخت التي علمتني أن أشكو لرب السماء، وكيف أنجب طفلة نقاء، أعيش معها كل ليلة قصة قصيرة ما قبل النوم. لأنسى وجعي وألمي، ويح كل قلب لم يجد له من
عبير المهره أشباهاً! أنتِ مركز قوتي والألم! الضعف والحزن، مشاعرك مؤقتة تعبر من بوابة الفيّاض ابن عمك، وتمضين نحو الفارس! لينتزع صوتك يا سطام، ويذهب بي نحوها. "يا كيف تقبلت موقف خديعة أبُوي العود؟ ومن الغازي! يا كيف تحملت وجع السنين؟"
حينما فاجأتني بالخبرٌ انتزعت تتبع دوران الشوربة بعيني "سطامَ! معقول الحكي اللي تقوله! تمزح صح"
ابتسم "ايه عمتي المهره خذت الفارس، وش فيك مصدومة؟"
اجبت بهدوء "ماني قادرة استوعب والله. طيب كيف حال ميمتي المزنه أكيد فاقدتها."
ابتسم لي بحب وهو يلامس جبيني بشفتيه ويصهر هذا الاشتياق، والتعبّ "ما عليها شر ميمتي، الكل حولها هناك، وشوي بجيبها هنا."
ابتسمت له بحب "عسى الله لا يخليني منك. مهو تعب عليها تجي هنا."
سطام "عاد هذه بنت ولد ولدها! وشايفك تلعبين بنعمة ربك افتحي فمك، ولا تتهربين"
وابتسم لعيـنيه "ما اشتهي والله. احسني أبي ارجع."
بضيق "جوهرة! هو اكلتي لك لقمة حتى ترجعين! قولي بسم الله."
يتناول مني المعلقة ليقربها عند فمِي "والله ما اشتهي. مالي نفس."
بطولة بال "وش هالنفسية الخايسة، أنا اخبر بوقت نفاس الحريم أجسامهم كذا مليانات/مربربات، وانتِ يا كافي شر صايرة لي عُود ضعيف."
وبغيض "وش عود! جسمي حلو. بعدين وش عرفك بالحريم!"
سطام رفع حاجبه وباستفزاز "تسمينه جسم بالله عليك شفتي حالك بالمرايا!"
بقهر من نبرته الواثقة "سطــــام!"
ليضحك ويتلون الغضب بوجهي واحترق "قُوم قم والله ما اكلمك."
ضحك بصوت اعلى، وتقدمت أمُي نوره "يمه يا سطام خذني لأمي المزن، بشوفها."
ابتسم بلؤم وبهمس "أجل تبيني اعلمك شلون عرفت عن الحريم وأجسامهم."
بغضب "وقح! وقليـل الأدب بعد. روح مناك لا تكلمني"
التفت لولدتي "هلا عميمه نوره، ابد استريحي وأنا كذا رايح لزينة الغنادير بجيبهن لك كلهن."
امُي نوره تردف "كفو والله يا أبو رفيف."
ليكشر "والله يا أن الاسم ما بلعته! بغيره، وريوم نعرف شلون نراضيها بعدين."
وبدلع "حلو اسم رفيف أنا عاجبني."
نظر لي نظر ليغمز "نتفاهم بعدين يا حُبي."
ابتعدت أمي وخرجت من مجلس الحريم، وبغضب "سطـــــام، أمُي هنا! ليه صاير جريء كذا!"
ضحك بحب "كملنا سنتين وبعدك تستحين مني! وعمتي نوره عارفه الوضع، كلي عشان اروح اجيب القبيلة."
اتسعت عيني وبلفظ "قول لا إله إلا الله، وش قبيلته؟ اذكر ربك."
أمسك بياقة ثوبه، ويبصق بتمثيل "تف تف عين وما صلت على النبي!"
لأضع راحة يدي فوق فمي أكتم الضحكةٍ، لم استطيع حينها لأغرق بضحك وتدمع عيناي "سطام وش ذا تصرفات؟ بالله عليك صاير واحد آه ما اقدر.."
ليرقص بحاجبيه "أي اضحكي واستناسي وبلاها دموع! ديني ودين اللي يبكي."
ابتسمت له بحب "طيب خلاص بشرب شوربة روح لا تتأخر عليهن."
سطام بتنهيدة "أقول وش رأيك نخلي هالنتفة عند أمك وتروحين لبيتي مهو أحسن."
بصدمة "تبيني ارجع للدمام وأنا نفاس وبعد بعيدة عن اهلي."
سطام بحزم "أي أنا بتهم فيك هناك. هو صح انه بنكرف بس ما يمنع أكحل عيني بشوفتك."
اغمضت عيني "يالله سطام! تكفى روح. بعدني تعبانه وأنت قلتها بتنكرف مع دوامك. خلني هنا عند أمي."
ابتسم وهو يعدل طرحة دانتيل ويقبلني على الخدين "طيّب، ولو اني مو راضي على قعدتك هنا بس لأجل عيون هالنتفة بخليك، 40 يوم، لا فوقها ولا تحتها، و لا جاء واحد واربعين يوم أشوفك واقفة عند باب البيت مهو ادق 100 هرن حتى تخرجين."
ضحكت بحب له "من عيوني."
وبدلال اقترب مني وضع رأسه بحضني "طيب مسجي راسي قبل ما اروح."
بحده "يا مجنون أمي هنا، قوم ياللي ما تستحي!"
أمسك بيدي اليمنه وضعها فوق رأسه، لأتحسس شعره، وكمية شوق الذي يعصف بي "زوج وزوجته وشوله الحياء، اتركيه عنك، يلا حبُي مسي رأسي تراه صدق يوجعنن."
بحنان "بسم الله عليك، صدق سطام يوجعك."
وبنبرة هادئة "ايه."
ودون أن اشعر بدأت له بالمساج حتى اغمض عينيـه ونام.
ابتسمت له "أبو رفيف ! سطام.."
سطام بصوت نعُاس "اشش تعبان، لاحقه على شوفهتن."
لأميل والامس جبينه بقُبلة "نوم العوافي ارتاح."
***
بعد صلاة العصر، بعد أن استيقظت من النوم، وذهبت اصلي بالمسجد القريب من منزل العمة نورة، وأجد سعود يجلس بصف الأمامي، كان ممسك المصحف يقرأ، اقتربت ووضعت يدي اليمنه فوق كتفه "السلام عليكم."
التفت إليّ وابتسم "وعليكم السلام، سطام!"
ابتسمت له وبنبرة هادئة "ايه، وش مقعدك لهالوقت؟"
ابتسم بتعبّ "قلت اقرأ شوي، وأخذ أمي لنايف."
سطام "وشلونه، كيف صحته الحين؟"
أردف بتهنيدة "نقول أنه بخير، مبروك على المولود الله يرزقك برها."
ابتسم "آمين عقبال ما نفرح فيك، قم قم مبين ما أكلت لك شيء من يومين."
خرجنا وهو يرتدي زوجين من احذية، ومشينا على الطريق متجهين نحو منزل "أبوي العود الغازي"، صعد سيارته..
وابتسم له "عازمك هالمرة على حسابي."
سعود بضيق "ما عليه وقت ثاني."
رفعت حاجبي الأيسر "اقول انقلع قدامي، نتغدا عقب خذ عميمتي غدير."
سعود " يا رجال، أمُي تنتظرني من الصبح، بأخذها لنايف، وقت ثاني."
سطام "هو انت شايف وجهك، مرهق نفسك ترى."
بهدوء "سطـام، مو وقتك ابد."
ابتسمت، ونفترق، ذهب نحو سيارته ليصعد بِها، ومن ثم صعدت سيارتي، حتى أفتحُ النافذة، وأرفع يدي
وبصوت جهوري " أخوك مابه الا العافية، قدامي على المقهى."
سعود بزفير "أمرنا لله. يا نشبة"
ذهبت بعدها إلى إحدى المقاهي، حيث ترجلت وقد مشى أمامي كتيهُ ضائع أمام أمور لا اعلمها، أمسكته بيده
وأردف "سعود! وش وراك يا رجل؟"
سعود بصمت غريب، ابتسم "ما فيني شيء، هذاني قدامك طيّب."
وبتهكم "علي يا ولد عمتي، راسك مشغول."
وبداخله " لا تسأل يا سطام! الاتصالات اللي تكرر، ورسائل التهديد، آه لو بس اعرف من منو؟ مين الزفت اللي يلعب معي بطريقة وسخة؟! "
ابتسمت له "اقول تقلع قدامك، الا وتطلعني فيني بلوه!."
ابتسمت بخبث "والله شكلك يوحي كذا، والا أنت عندك رأي ثاني."
مشينا في طريقنا، حيث جلسنا على طاولة للحائط، وكرسيان قابلان على زاوية المكان، بعد أن أمسك "المنيو"، والنادل الذي يقف فوق رأسنا " قهوة وسط، وأنت."
سعود بضيق "إسبريسو بدون سكر."
سجل الطلبات بدفتر، لأنظر له " ايه ما قلتِ لي كيف تجهيزاتك! متى ناوي تتزوج؟"
سعود "قريب، ابي استقر بهالعمل، المدير قسم بالله يرفع ابو الضغط."
ابتسمت له "وش اللي مصبرك عليه!"
من بين أسنانه بقهر "مدري يا أخوك دبل كبدي منه، خاطري استقيل."
نظرت له بحِدة "وش اللي تستقيل هو لعب بزارين!"
أجاب بملل "ما عاد ابي اكمل، بشتغل لي على مشروع أنا وخوي."
بتجعيدة "خويك! منهو يا سعود، أحنا ما صدقنا عقلت وانثبرت بشغلك! وأنا أخوك اهجد بمكانك لا يجيك اللي اقرد منه، وخصوصا وانت مقبل على زواج ومسؤوليات مهو هين الموضوع."
سعود "الله يقدم اللي فيه الخير."
نظرت له بهدوء "اصبر والله يعينك."
بضيق "قفل عالموضوع. الا بسألك في احد يزعجك هالأيام اتصالات على الرسائل."
وانا اعتدل في جلوسي وباهتمام "من قبل كم يوم، لا يكون انت بعد تحس كأن في احد يلاحقك."
وضع كوبان القهوة، وذهب نادل مُبتسماً، نظرت لملامحه والتي تعتليها الغضب "أي والله ازعاج، والمشكلة من رقم مجهول."
سعود "أظنه في احد يتلاعب فينا، خصوصاً من جهة طرف عمير."
أرفع كوب القهوة، أرتشف منها من ثم نظرت على المارة ويمضون بسكون، كهدوء المكان.
لألفظ أنفاسي بهدوء " سالفة زادت عن حدها، اشرب قهوتك بمر على مكتب عُمر وأشوفه."
سعود وهو يتأمل رنين هاتفه "أجـل اقلب وجهك، هذا أمي معصبه تأخرت عليها."
ضحكت وأنا اقف، "ما عليه يا النسيب، سلم لي عليها."
زفر سعود بضجر "كل ما لك وتزيد يا الكلب."
ضحكت وأنا ابتعد عنِه "انتبه على طريقك يا ولد."
سعود "والحساب يا الكلب.."
اللحظة التي انفلت منِه، وكلما حاول أن يقترب مني مشيراً له بالوادع، حتى يضع المبلغ على الطاولة ويغادر المقهى.
***
تنهد وكأنه اكتفى من الكلام..
ضحك رعد بسخرية وهو يقول "الحين أنت يا البزر تعلمني شلون؟"
وأشد على قبضة يدي حتى أتمالك أعصابي فقد وجه إليّ كلمات جرحت كبريائي، لا زلنا محتجزين في هذا المقبرة، ورجال العسكر مجتمعين، حينما غربت الشمس، وساد الظلام، واعتلى ذلك القمر السماء السوداء لينيرها، وصوت عواء الذئاب يكاد ألا ينقطع، والنار يتطاير شرارها، والريح تهمس في أذن رعد وكأنها تحدثه، كأن هذا ليل رعد في تلك الاثناء فقد انطلق لبراري لعله ينجو من الفارس ورجاله!
بضيق "ابي اشوف عمي. وانت مجلسنا هُنا!"
رعد وهو يرفع احدى حاجبِيه "لا يكثر يا ولد! ودامك كذا قلقان اتصل من رقمك ثاني."
اجبت بنبرة قلقة "أي والله أنك صادق، شلون غاب عن بالي."
أخذت هاتفي وأقف أخرج من المغارة، اشتد صوتي بفعل الريح، نظرتُ على الاسماء التي تندرج من بينها "مِيهاف"
لا زلت أحتفظ برقم هاتفها، بمفضلتي تحت مسمى /الحياة. شعورٌ غريب ينتابني حيالها كمن يعاني من لسعةٍ تجعلني ألتف حول نفسي، وكل ما حولي الآن هو براري قاتلة، وبأصبع الابهام أتصلتُ كثيراً، رغم أني انتظر صوتك الفتنة ليجيب.
أريد فقط أن أسمع صوت رنينه (كـ جاري الاتصال) لم أعلم حينها بأن كلمة (الجوال مغلق)
تنهدت بقلق وأدخل لأجلس بضيق "ما ترد. بنت أبوها تتدلع عليّ."
رعد ضحك وبنبرة مُستفزة "والله يا أنك مأخذ مقلب بنفسك. أجل تبي تتزوجها! ما اظن انها لك."
نظرت له بغضب "ابلع لسانك إذا ماعندك حكي زين ابلعه."
رعد ابتسم "اقول منيع، يعني غريب كان بيدك تأخذها من زمان، وش اللي كان يمنعك!"
بضيق "مشغول ولا انت ناسي. أن سفراتي تحكم فيني."
رعد "وراه ما رجعت لميونخ! دام انك مشغول."
بضيق "ليه هالتحقيق! اهم شيء بضاعتك توصل لعندك غيره لا تسأل."
رعد بابتسامة "ما يخالف يا أبوي، بنعذرك لأجل ....."
بغضب "يا تبن ابلع لسانك الوسخ."
ضحك بتكهم "احنا حلوين مع بعضنا، إذا تبي ترجع وتشوفها احذر من خطواتك ولا احد ينتبه لك."
امسكت بـ الهاتف ومفاتيح السيارة وضعتها بجيبي، وضعت الكاب فوق رأسي، وتناولت نظارة طبية حتى تغير بعض ملامحي "المهم لا شفتني تأخرت عليك ارجع لبيتك"
رعد بهدوء "بدق عليك وبترجع هُنا يكفي حويتم الكلب محصور هناك.."
ابتسمت حينها "حاتم ما عليك فيه معلمه الدرس عدل."
رعد "نشوف."
***
ابتعدت وأمشي نحو السيارة باتجاه منزل العم أبو راشد.. اشتقت لك كاشتياقُ أماً لطفلها الذي رحل منذُ ولادتها بِه في أيامهُ الأولى فبكت اشتياقاً لهُ - "يا ترى بعدك فاتنة.." وصلت بعد ساعة من زمن وقفت عند عتبة الباب..
لأجد احدى سيارات الفاخرة واقفة عند منزل عمي! استغربت لأترجل واغلق الباب بضيق، مشيت نحو الباب الموارب لأسمع صوت ضحك العم، وبخطوات غاضبة! مشيت وعبرت الممر المؤدي لمجلس الرجال واتصنع الابتسامة.
طرقت الباب معلن وصولي، لأتفاجأ بجلوس المحامي على زوايا المكان وبجانبه عمي، وبتمرد "السلام عليكم."
التفت إليّ وابتسم عمي وبترحيب "يا مرحبا بك يا ولدي، وينك يا منيع! ما تنشد لك عن عمِك!"
وبلؤم وأنا اقبل جبينه ويدِه "ما عليه يا عمي انشغلت، توني راجع من السفر، حقك علي."
أبو راشد "يا عُمر هذا ولدي منيع، ويا منيع هذا عُمر حفيد الغازي، وزوج بنت عمك!"
بلعت ريقي بصعوبة وبداخلي نيرانٌ تشتعل "بنت عمي، أي وحده فهين!"
عُمر بضيق أجاب "البكر، ودامك موجود حياك بزواجي"
ابتسمت واصافحه لأضمه وبهمس قاتل بين إذنيه "مبروك يا عمر جعله زوجة الدهر."
ابتعد عُمر دون ارتياح "أجل يا عمي استأذنك. توصيني على شيء."
ابتسم بمحبة أبو راشد "جعلك تسلم يا وليدي استريح تعشا."
عُمر ابتسم "مره ثانيه."
***
ابتعدت بهدوء وخرجت، رفعت هاتفي لأتصل عليها، وأنا انظر بساعة التي تعانق معصمي، فتحت باب السيارة لأصعد بِها منطلقاً نحو المكتب، ابتسمت حينما سمعت صوتها
مِهياف "عُمر خرجت، والشاي!"
بضيق "خليك بغرفتك، في احد عند عمي الناصر، هو لك ولد عم؟! "
لتبلع ريقها بخوف، صوت اضطراباتها "مين؟ منيع!"
وهي التي وقفت أمام دارها ليست يائسة ولا متذمرة، تعرف بأن الأقدار تأخذنا إلى حيث لا نشتهي، تقف على أرض صلبة، الحُب والذي يولد على الفطرة بالعاطفة يتضخم، فكيف برجل انجبني قلبه ومنحني أسمه وحضنه ورعشة كفيها الآن! هي لا تبكي! زيارتي القليلة وذهابي
بمحبة "ليه البكي الحين؟ وش اللي حكيته حتى عيونك تدمع!"
مهِياف بضحكة "مين قالك أنك أبكي، بس ليه رحت؟ وشاي اللي تحبه ما شربته!"
يعرفها متى تبكي، كضحكة بعد بكاء طويل كليلها الموجع الآن
بهمس "امسحي دموعك. أختك لين للحين عندك والا رجعت لزوجها."
وضعت خصلتها خلف حول إذنها لتبتسم "راحت الله يستر عليها، ما قلت لي، ليه خرجت؟"
عمر بحزم "لا تخرجين من غرفتك، وبالنسبة لولد عمك، هو عادي كذا يدخل بدون ما يعطي خبر"
اغمضت عينيها، وتدخل دارها، ويدها اليمنه فوق صدرها "عُمَر."
بضيق، وأنا اشد على المقود "ما ارتحت له، وبعدين ما قد قلتي لي أني عندك ولد عم! من متى كان يزوركم؟"
بخفوت أجابت "له كم شهر يزورنا، يجلس مع أبوي شوي ويروح. يعني اقصد..."
احاول جاهداً ألا اسمح أن يحتل مساحة تفكيري "ما عليه. لا تطلعين من غرفتك ابد."
وهي ما زالت تقف خلف الباب، وبثوب "بيتي" هادئ كجمال روحها، حينها ابتسم "اتركي عادتك واجلسي."
تكتم هذا الخوف، الاحتياج لضمة يكسر فيها الحواجز "أنا قصدت ما ابيك تروح، كنت بعطيك شيء."
ابتسم بحنان "بعدك واقفة، اجلسي على اقرب كرسي."
لكن الخوف سيطر على قلبها وتبلع ريقها وهي تخطو لترتعش خطواتها "عُمر سامحيني."
غضبي وبكائك، خوفك الغريب وبحِده "مهِياف وش صاير لك؟ وراه تبكين؟ وش اللي مخبيته عني!"
مهِياف "أنا طيّبه، لا تخاف."
بحِدة "صوتك يبكي."
احتضنت الوشاح، البرد الذي يقسو على جسدها، الخوف المتربص بِها، الدمعة العالقة، وصوت الحناجر كغصة مسافة عينين وخد، وضعت يدها فوق فمِها تكتم صوت بكائها.
لأقف على جانب الطريق وبحنو "حبيبتي وشوله البكاء، يعني مهو معقولة للحين ما انتِ مستوعبة زواجنا."
مهياف بضحكة، وهي تمسح دموعها بيدها "عاد مو كذا، استوعبته عقب ما شفتك. بس بعد زعلانه الشاي ما شربته."
ضحكت بنبرة حُب "يا عمري والله، والشاي معوض خير."
ابتسمت لأجلس على الكرسي، وأنظر عبر المرآه، صوتك عذب، ضحكك كراقصة باليه محترفة، حبك مستوطن بداخلي، هدوئك، وبعدك مزعج، إن ضربت بخلخالك الأرض أمطرت السماء فتنة، وإن أسدلتِ شعرك حجبت بعتمته نور الشمس، ابتسامتك فوق شفتيك تستفزك بغزلي، ونظرات عينيك الخجلى أمامي تثير زوبعة في صدرك، وكأن قلبك ينطق باسمي مع كل رجفة "عُمر."
لتنهد "عيونه."
ابتسمت بوجع "انا بخير، بس كنت فاقده امُي، خصوصا أبوي بجلس بروحه."
ابتسمت لها "تفكرين بأبوك اللي يبي سعادتك."
بعتب "من حقي افكر، وشلون يجلس بروحه مين يطبخ له! ويهتم فيه."
بهمس "ما راح تقصرين معه، عيوني مضطر اقفل الحين مشغول، اكلمك بوقت ثاني، انتبهي على نفسك."
لتهز رأسها "إن شاء الله."
***
اغلقتُ منه، وبتوتر وانا ابعد عني الوشاح، الخوف يتربص بِي، وخصوصا حضورك يا منيع! يا ترى وش يصير الحين؟
سمعت صوت أبي، لأفتح الباب وأجده قد جلس بصالة "قربي يا أبوك."
ابتسمت له بمحبة لأجلس بجانبه، أتأمل التجاعيد بخطوط السواد الدقيقة بين ضجة الشيب بلحيتك يا أبي، ونظرتك الحنونة والتي تحدق بِي
وبحب "يا عيون بنتك آمر عيوني وش بغيت؟"
ناصر بهدوء وهو ينظر لعيني "الله يرضا عليك، يا أبوك زواجك عقب شهر، وأنا يا أبوي مالي شده اوديك وارجعك للسوق، تروحين مع ولد عمك منيع واخته من باكر."
بلعت ريقي وبخوف "يبه وش دعوى، وسايق نسيته الله مغنينا عنه."
ناصر بحسن نية "والله علمته مير كنه ما درى، وبعدين أنتِ مثل أخته وداد ويبي يساعدك."
بداخلي "ما عاد إلا هي!"
لألتفت له "لا يبه فديتك، لين ما تقصر معي، صعبة يا أبوي مقدر أخذ راحتي."
ناصر ابتسم "دامه كذا أجل بقوم اعتذر منه."
بصدمة "ليه؟ هو للحين هُنا!"
ناصر يقف وبابتسامة "ايه وجددي القهوة."
بضيق "يبه وموعد دواك الحين، اعتذر منه."
ناصر بغضب "مهِياف يظل ولد عمك."
بضيق "يبه انت ناسي انه تارك امه بالمستشفى! وش عنده من قلب!"
ناصر "الله يهديه، قومي جددي القهوة. ابي اشوفه"
ليذهب ويغادر الصالة متجهاُ نحو مجلس رجال، ليعود بضيق متجه نحو غرفته "يبه يا مِهياف لا عاد تجددين القهوة، خرج ولد عمك."
***
على طرف الآخر
دخلت بخفية، لم أكن أريد أن يراني عمي الناصر، متوجها إلى المطبخ، أخذت قطعة قماش، عندما التفت إليّ ألقت بصرها على ما كان بيدي واتسعت عيناها، اقتربت منها كاتماُ صوتها واهمس بإذنها "قولي له إن شاء الله، ولا اسمع منك نبرة خوف. فاهمة!"
بعنين ممتلئ الدمع تهز رأسها بخوف، هذا الشحوب الذي يعلو وجهها
بهمس "صدقيني يا حلوه بايعها فـ لا تخلين اخذ حقي بالغصب."
هذا الصوت الذي هرم وابتلعته بعد صرخة لم يسمعها أحد سواها، هذا الملح الذي طفح فوق أصابعي
مهِياف برجفة " إن شاء الله يُبـه."
ابتسمت وأرى الرعب في عينيهما "على غرفتك يا حُبي، عندي لك هدية بمناسبة زواجك."
فعلت ما كان بودي فعله. رحت أسير لكي نخرج أنا وهي سويا ضاغطا على خصرها، شحب لون تكاد شفتاهما تتـقطعان من شدة الجفاف فقلتُ بخبث اهمس لها "بروي هالعطش قريب يا بَعدي."
مهياف بمقاومة، هل الحزن كريم لهذا الحد؟
وبغصة "الله يخليك انا بنت عمك! عرضك يا منيع. خاف ربك."
بخبث "تـو تـو يا حبيبتي، أجل ولد عمك يا روحي، امشي بدون كلمة، قايل لك بايعها هالمرة."
وضعت يدي حول فمها "امشي."
تحاول أن تصرخ لأضغط على خاصرة الوجع! القدمين والتي تشعر بأنها متورمة بالخيبة، وصداعا لا ينتهي مشيت بالممر الذي يفصل عن حجرتها، وغرفة ابيها وصلنا فتحتُ الباب، واوصدها بقفلتين، رميتها نحو السرير
وبعنين غاضبة "وش الي سمعته عيوني؟ أجل اخذتي المحامي وهذا وأنا محذرك."
وهي تتراجع بخوف وبقهر "والله يا القذر لو ما طلعت لأنادي عليك أبوي."
اقتربت منها بخطوات، وهي تمسك بالمزهرية كشظايا مرمية بإهمال لأتفادى وبعين مبتسمة "ما اتفقنا على كذا. دام اتزوجك الحلو، وش رأيك ادخل عليك الحين؟ وتصيرين زوجتي هالمرة برضاك"
مهِياف تحاول أن تقوي نفسها وبثقة "ما تقدر! اطلع برا. والله...."
لأقطع صوتها بقُبلة عنيفة تحرق حياتها! وحتى نفسها ينقطع لأبتعد بهدوء
وأبتسم لهِا "أجـل عمري أشوف جسدك له حكي ثاني."
بذهول لتدمع عينيها وبقهر "يا قذر. يا وسخ"
اقتربتُ منها، وسحبتها بقربي استنشق عبير ليلها طويل، واقبل العنق، وهي بصدود ووهن خائف تدفعني بيديها
وبقهر وعينين ممتلئ بالدمع "لا وخر يا الخسيس، حرام عليك حرام."
لأشدها إليّ واقبل العيـنين وبحب "أنتِ اللي اجبرتيني يا عيون منيع! أنا أحبك! انتِ مهِياف منيع ما أنتِ لغيري. فاهمة."
أنتِ لذيذة في كل مرة أراك بِها ولذيذٌ حُبك أيضاً، كثيرٌ أنت بداخلي ولا زلتِ باقٍ هنا، وأحبك حقاً.
احمر وجهها انفعالا "والله والله لو قربت مني ثاني مرة يا القذر، انقلع من هنا، انقلع ماني لك تفهم! مـاني لك."
ونبرة مُستفزة أمسكت بيدها "طيّب لا تبكين ما يصير عروس تبكي."
ضربت صدري "فكني يا مريض.. فكـني وخر عني يا الحقير."
لتبلع صوتها بقبلة اعمق حتى وهن قدميها لأشدها وأحضنها تحاول أن تقاوم، الخطيئة لا تغتفر، فهي تتضخم، امر موجع لنا، وبداخلي المتعة، فتبسمي كان رسالة لها، أشعرها بجمال حبي لها.
لم أشعر حينها بأن الأكسجين فقدته، ويتغلغل برئتي أتنفسها كلما نويت الزفير، أمتص خوفها بقُبلة، لكن جسدها كالصقيع. عينيها المغمضة، وتنفسها المنقطع.
بحب أعمى وبحزن "مهِياف. يا جبانه ما راح اسوي شيء بدون رضاك، اصحي."
لكن حينها لم أسمع سوى أنينها، رفعت جسدها المثقل، فقدانها للوعي، لأضعها فوق هيكل سرير،
وشددت شرشف سرير الابيض، أغطي جسدها وابتسم لها بحنو "نامي يا حلوة."
***
قبل ساعات..
بمنزل أبو عمر، وتحديداً بالسيارة، والتي تقف عند موقف الحديقة
غازي "انزلي يا عواطف. هذا بيتك ما تخرجين منِه مفهوم."
أردفت بضحكة "والله يا ولد العم! ما احسه بيتي! خصوصا وانت طالع لا احم ولا دستور، ورجعني لبيت أهلي."
غازي بابتسامة غامضة "تبين أخذك لعمتي موضي! لزيارة إن شاء الله مهو مبيت يا عيوني. انزلي"
بغضب "يحرم علي دخول هالبيت! وأنا تاركته لك أنت وحريمك."
ترجل، وإذا بِه يتجه نحو بابي ويطرق على نافذة ويشير لي بالنزول، أمسك بنقابي، وارفع هاتفي، ليفتح الباب، ويمسك بـ الهاتف ويدسه بجيبه "أنزلي يا عواطف، مهو حلو شكلك كذا، ولا أبي أجرحك."
ضحكت بسخرية "يالله لا تسخط علينا، غازي أنا طلبت الخلع، يعني ما احل لك من بعد هالحين تفهم! والا بعدك ما استوعبت."
بهدوء وطولة بال "انزلي وأعلمك شلون كيف بكون زوجك."
ليمسك بيدي وأنزل، وبغضب "فكني ما احنا صغار يا أبو عمر."
غازي "لا يا قلبي دامك على عنادك الماصخ بتظلين بعيني صغيرة!"
بعتب "لا تغلط وتجرح مثل عادتك، ما عدت زوجة لك، ابعد عني وفكني من شرك."
غازي "ادحري شيطان، وامشي."
بزفير "لا حول ولا قوة إلا بالله."
دخلت معه بهدوء وبداخلي نيران لا تنطفئ، وضع المفتاح بداخل الباب ولج بهدوء، وهو يزجر بكريمة والتي أتت مهرولة
كريمة "نعم بابا."
غازي "جهزي العشاء، وشغلي البخور مثل ما قلت لك."
ابتسمت كريمة "إن شاء الله بابا. أنا في سوي زي ما يبي انت.."
غازي "أجـل انقعلي من وجهي، حياك ببيتك يا عواطف."
جلست على احدى الارائك، انفض الغبار وبشدة "وش اللي تبيه؟ جلسة وجلست، لا تحسب اني بسكت لك مثل كل مرة."
جلس بقربي ورفع نقابي، وأمسك بالطرحة لتسقط، قبل جبيني
وابتسم "ما عليه سامحيني هالمرة. أدري مقصر بحقك."
بغضب وأنا ادفعه "لا عاد تقرب! وتراني حليمه معك لآخر مرة اقول لك فكني منك. ما عدت عواطف اللي تسكت وتبلع الضيم. وإذا بعد بينا عشرة تعتقني لوجه الله"
غازي أردف بمحبة "وش اللي يرضيك، تراك أم عيالي وفوقها حبيبتي."
بضيق نظرت له بوجع "تبي صدق رضاي، تفكني منك، ما عادني لي لزوم اجلس هُنا."
غازي جلس بجانبي وأمسك بيدي وقبلها بمحبة "آسف! آسف على كل مرة اتجاهلك فيها، وآسف على كل جرح سببته لك."
وبوجع "ما عاد يهمني آسفك! كل اللي ابيه يا أبو عمر تتركني."
وقف، وأمسك بي متجهاً لطاولة الطعام، العشاء الفاخر، الشمعدانات، وعلبة مغلفة كهدية اعتذار.
ابتسمت بسخرية "تبي ترضيني بعشاء وهدية، ما كبرنا على هالحركات."
ابتعدت بصدود، وامسكت طرحة لأضعها فوق رأسي وبآليه، التفت له "عطني جوالي، ابي اكلم أخوي بدر، مالي قعده معك."
غازي بغموض " لا تخلين الشيطان يدخل بيننا."
بغضب "هو أنا كل ما عشمت قلبي، حتى ضلوعي يا غازي تقوي، ورحت يا ولد عمي اترقب رجعتك! لكن غاسله يدي منك.. انتهينا."
غازي وهو يمسك يدي، ويلامس جبيني، أطبقت بأسناني، وتمسح على رأسي
من ثم تقبل العين وكأنك تشفي جروحي منك، كرامتي تمنعني، وكل شيء يحول بيني وبينك يا غازي، يالله كل شيء. ترى عيني وتقبلهما، تطيل النظر، وتضمني لصدرك
وتهمس بإذني "أدري مسوي معك الكثير، بس عسى محبتك لي تنسيك، وعسى جرحي يهون ترى الضيقات يا عواطف مردوده لي، والله أنها مردوده ليّ. ترى يقول لك يشيب العُمر وما شابت مشاعرنا.."
أغلق أذني عن صوتك، أنفض كفيك عن دمعِي "ليه ما كنتِ على قد صدقك معي يا غازي؟ ليه توجعني؟ تحسبني برد لك صدقني ما تلقى بصدري محل لك، انتهينا، فكني وحللني منك."
***
نهاية الجُزء الثاني عشر من الفصل الثالث، واعتذر إذا ما كان مو قد المقام، صراحة لاب عندي يمر بمرحلة ودعيني، اقسم بالله يدي توجعني منه كثير، "الماوس عطلان، فيس خانقته العبرة" فـ عاد يا الحبايب لا تقصرون بردود الجميلة واللي توسع صدري..
***
همسة محبة/ " لئن شكرتكم لأزيدنكم"
فيعظم علمكم، ويزيد فهمكم، ويبارك في رزقكم، ويتحقق نصركم، ويكثر خيركم.
***
عَـبير/عمر الغياب.