كاتب الموضوع :
عمر الغياب
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: أزهرت بهطولك
"للطرقات الخالية، لصوت الحياة ، وكراسي فارغة"
(10)
في كل مرة اقسم بأن أنساك، وكلما اختلت بذاتي كلما اقبلت واقتحمت عقلي، وقلبي وعيناي الحزينتان، مكسورة يا نايف! مددت جسدي أمام سرير.. اغلقت عيناي وذكرى خادعه المّر.
لم يكن مقدراً لنا أن نلتقي أبدا، كانت غلطة أو لعبة صديقك "نسناس" دون أن تفكر بالدوافع
تذكر حينما قلت لي يوما مغامراً "شوفي يا وهج لازم تقتنعين أنك بتجلسين معي أنا ونسناس طول العمر."
يومها ضحكت منك ساخرة وبصوت عالٍ وما أدركت أني سأبكي حيث وحدي الآن!
نظراتك المصدومة "وش اللي يضحك في الموضوع يا البزر."
رفعت حاجبي للأعلى وابتسمت "احلم، اذكر أخوي ياسر يمدح الأحلام.."
ابتسم "والله صدق أخوك بس هالحلم بيكون واقع يا وهيج. استوعبي الفكرة من الحين لأنك لي يا بنت الخالة."
افقت على صوت المياه، نظرت لأجد ديما نائمة بسلام، استغفرت بداخلي "وهج يكفي. الله يقومه بسلامة ويرجع لخالتي غدير. يكون حبيته صدق! أكيد انخبلت، كُلّه منك يا ريوم"
ضممت اللحاف وأغلقت عيناي وأقرأ الأذكار وسورة الملك ونمت بهدوء.
***
فتحت باب دورة المياه، وسقطت عيني على البيجاما الصوفية باللون الزهر، نزلت ومددت يدي لأنتشلها، ارتديتها وخرجت حتى أجد وهج مستلقية وقفت على رأسها "يا ما شاء الله سحبتوها نومة، وهذا واحنا عندنا بنت جديدة. شكلها صدق نامت، أشوف عميمتي غدير ابرك لي."
كان صوتي يشبه ابتسامة الحزن، أمسكت بهاتفي وجلست على الأريكة، اتصلت على أمي أتمنى أسمع صوتها واطمئن عليها! ورغم فراقك إلى أنك صدر الحنون.
لترد بهدوء "ريما."
وحتى أبكي "يُمَه، ليه ما عطيتنا خبر أنك بتروحين؟ يمه فقدتك والله."
لتبتسم "ما عليه حبيبتي، ديما وعُمَر عندك."
وادمع بقهر "يُمَه. أدري باللي فيك وما ألومك والله، بس كان جلست بالبيت هو بيتك يا يمه وشوله طلعتي؟"
أم عمر "ما عليه يُمَه. انتِ طيبه يا روحي وكيف ديما وعمر وسطام؟"
اجبتها بنبرة صادقة "كلهم بخير يمه. يصير تجين أبي أشوفك."
أم عمر "ما اقدر، لكن انتم سيروا علي."
وابتسم "طيب يمه. يلا ما اطول عليك، أي صح يمه الجوهرة ولدت."
ابتسمت "ما شاء الله، بكره أشوفكم بإذن الله، ريم يمه انتبهي على نفسك أنتِ واختك، زين يا ماما."
ابتسمت وامسح دموعي "إن شاء الله."
***
في الأسفل – بالملحق.
وتتساقط الأحزان من صدري، كصبية يتيمة كادت أن تعتاد على اليتم فظهرت أنت في حياتي مجدداً، واسقيت أزهاري، وعادت عروقي للنبض مجدداً، كلما تذكرت بأني كنتُ مستلقية بهدوء غريب! اتأمل السقف وابتسامة بلهاء تزور ثغري، أتعلم بأني هلكت بغيابك، وسقطت عند عيناك
ليلى مبتسمة بخبث "زهرة! صارت ساعة ثلاث وما نمتي."
ضممت ساقي ويدي اليمنى وضعتها على الوسادة، والتقت عيني بعينيها "تدرين ليلى خفت، وللحين ما شفت خالي اقصد خال أبوي. يا ترى كيف يستقبلني؟ بعدين لحظة ليه جلسنا هنا!"
ليلى بحب "تدرين يا زهرة بفقدك كثير. وليه جلسنا هنا. تعرفين بالوصية أنتِ، وحمدلله اهلك طيبين يعني إن شاء الله ما عليك خوف."
اتسعت عيناي بصدمة "ليلى تكذبين صح! يعني أبوك بيطلقني."
ليلى بحنو وتمد يدها وتمسح على شعري "ثقي تماماً من يحبك بصدق يا زهرة يحب يشوفك تضحكين ويحارب معك بس عشان الحزن ما يوصل لصدرك، وبعدين هذه وصية جدتك منيرة وما يصير نخالفها."
رمشت وتسقط دمعة يتيمة "يعني صدق بطلقني، وتبعدين عني ليلى!"
لتضمني لصدرها "بسم الله عليك. لا تبكين زهرة. نامي حبيبتي نامي. لا تشغلين رأسك بالتفكير."
أغلقت عيناي الخوف من المجهول! لا أرغب بفقدانك يا ليلى!، سمعت صوتها مع كل ذكر وآيات من القرآن، وطمأنينة سكنت بصدري وقلبي.
***
بعد أنّ صليت الفجر، حتى تقدمت وكل ما أنا فيه، شعرت بهواء نظيف جداُ، وامرأة جديدة غير الصبية التي تسكنني. جلست على المقعد السيارة، متجهين لمنزل والدي.
قشعريرة يدي، وأنا اسمع صوته الهادئ "بنفطر بمطعم من ثم نسير على بيت عمي."
تأملت الشارع اتحاشى النظر إليه.
ابتسم وبصوت متزن "المهره."
التفت له وأنا أشد عباءتي "اللي ودك فيه حبيبي."
وهو يضمني بقضبة يده "انتِ وش اللي تبينه. نفطر وإلا نمر بيت أبوك"
وبحنين لهم لأبتسم له بخجل العذارى "الفارس اللي تشوفه."
سلك الطريق لمنزل أبي، ورمق لي نظرة "مبين ودك تشوفين أمك"
نظرت له مرتدي ثوب أسود وشماغه وساعته هيبته المحببة "يارب حببني فيه واجعله قرة عيني."
بعد مرور نصف ساعة، ترجلت من السيارة، والحنين لمنزل أبي. اصحبتُ كزائرة له.
ولجت بساحة المنزل. وابتسمت له "الفارس دقائق وافتح لك باب المجلس."
وهو متمسك بهاتفه "خذي راحتك."
يا رائحة المطر، وودت لو ارقص الآن. ما هذا الجنون الذي يتحل برأسي، طرقت الباب لتفتح لي الباب أختي غدير وبترحيب "يالله أنك تحي العروس. اقلطي يابعدي تو ما زان صباحي."
ضممتها وقبلتها على رأسها "وشلونك يا أم نايف، وبشريني على نايف عساه طيّب."
أجابت وبتنهيدة وهي تعدل طرحتها بدانتيل "ادخلي يا المهره، ونايف عسى الله يطمني عليه"
ابتسمت لها وأرفع نقابي "بفتح باب المجلس رجال للفارس. ينتظرني برا"
أم نايف "ما يحتاج أبوي بالملجس خله يدق الباب بس."
هزأت رأسي "إن شاء الله ببلغه وأجي لك."
خرجت لأجد ينظر لساعة يدهُ، والتي كانت أقرب لمعصمه "الفارس باب المجلس مفتوح، بتلقى أبوي."
تقدم بخطوات ليتجه نحو باب مجلس الرجال، ولجت بداخل المنزل ومتجهة لصالة لأجد أمي تسبح بمسبحتها العتيقة اقتربت منها واضم رأسها، وتسمع للراديو "ولهت على ريحتك يمه."
دمعت عيونها "المهره حي هالصباح يا أمك. انتِ طيبة بشريني عن أمورك."
وأنا اقبل يدها بحنين كبير "بخير يمه الحمدلله. انتِ طمنيني عنك يمه. تأخذين دواك بوقته."
أمي تجيب "الحمدلله أنا بخير يا أمك، أنتِ بشريني وشلونك مع الفارس؟"
ابتسمت لها بحب "الحمدلله يَمًه."
ديما "عميمتي هلا والله بزين. هلا بحرم الفارس."
وحدك يا أمي من كان يمدني بالشعور الجيد في ظل هذه الفوضى العارمة التي تحتاجني، لطالما كنت طفلة عنيدة وصبية مدللة وإمراه ناضجة بسواك يا أمي.
التفت لديم كانت جالسة على احدى الارائك وتنظر لي بفرحة "هاه اشوف زواج محليك والله."
ضحكت واتجهت لها اسلم على خدها وأنظر بعينيها "كلك ذوق يا ديم. أجل وينها ريم عنك؟"
لتردف غدير، وهي تسكب لي فنجال قهوة "سمي، ريم الله يهديها بس ما نامت الا عقب ما جننت روسنا تخبلت هالبنت وقعدت."
ابتسمت وأنا أخذ منها فنجال "الا يا زين جنونها. تهبل لكن وش مهببه! وش سوت هالمرة؟"
غدير "قولي وش ماسوت. تعرفين حبها للمطر بجنون."
ضحكت "أكيد مسوية احتفال كبير, يا زينها بس. أي صدق من عند أبوي؟ شفت سيارة واقفة عند باب الحوش! من له؟"
ديما وهي ترجع خصلتها البُنيه خلف إذنها "ابد الله يسلمك. طلعت لنا بنت ولد عمة أبوي. إن كان تعرفين عمة منيرة الله يرحمها!."
وبتعقيده حاجبي وفي لحظة مؤلمة اتسعت عيناي "الله يرحمها ويجعل قبرها روض من رياض الجنة. أي وش اللي صار؟ يكون رعد جاء يهدد أبوي."
غدير "بسم الله عليك. وش جاب رعد الحين! هذه زهره بنته حفيدة عمتي منيرة. البنت يا حليلها ومبين أنها خايفه وضائعه."
وبصدمة "نعم! هو له بنت!"
لتضحك ديما ببرود "أي عميمه ولا متزوجة العم أبو حاتم! اقصد العم فهد!"
اتسعت عيني وبانت علامة الدهشة نظرت لأمي "يمه صدق هالحكي."
لتهز رأسها "لا حول ولا قوة إلا بالله، وشلون عاد؟ ليه متزوجته! عجزت استوعب والله."
غدير "القصة طويلة. بس تعالي وش جابك اليوم وأنتِ يومين ما كملتيهم؟!"
احمرت وجنتي "وش دعوة جيت اسلم على أمي وعقب شوي بنسري للإحساء."
تنزل وهج من السلالم وبنبرة صوتها "يا ما شاء الله خالتي وصلت وما احد بلغني."
اقتربت لأقف واحتضنها "هلا بعيون خالتك، وراه وجهك كذا مصفر."
لتجيب بتوتر وتبعد عينيها عني "هاه، ما فيني شيء. انت علومك قسم لك فقده."
واهمس بقرب اذنها اليمنى "لا تقلقين، وادعي له."
وبغضب "خاله! وش دخله فيني!"
لأمسح شعرها "وهج لا تضحكين علي، وأنا فاهمة عليك. لا تكابرين وأنا خالتك"
قاطعت حديثنا أمي قائله "تعالي يا وهج واجلسي يا المهره"
وبالفعل جلست بجانبها وتبادلنا الضحكات إلى أن قاطعنا صوت آتِ من الخارج، وكأن أحد يطرق الباب، وقفت لأفتح الباب فإذا هو الفارس مع أبي "درب."
هنا نهضت من على الأرض وذهب لوالدي وصافحته وقبلته على رأسه
ونظراتي كلها عتب "حمد لله على سلامتك يا أبوي."
سكت ابي قليلاً وظل ينظر إلي "المهره."
ودون شعور حضنته وبكيت بصدره وبعتب "ليه يا أبوي؟ ليه!"
وضع يده على رأسي "بسم الله عليك. المهره يا عيون أبوك وش له هالبكي!؟ يكون الفارس مزعلك بشيء."
الفارس نطق بهدوء "الشوق ياعم. المهره مشتاقة لكم وما ودها تفارقكم."
ابتسم بحب "صدق يا المهره! يابعد حيي، امسحي دموعك ودام أنك بخير فهذا يكفيني."
رمقت نظرة للفارس، والذي ابتسم بمحبة " اقول يا المهره بتخلينا واقفين بالباب كذا. أبي اسلم على عمتي المزن."
شعرت بالخجل وابتسمت "ايه تفضل حياك الله."
***
اختبىء يدي في جيوبي، رأيت حيائها، ورأسها الذي يحتضنه كفي والدها وتترسم على شفتيها اجمل ابتسامة، وعينا العتب وحتى يشير لي بالتقدم "اقلط يا الفارس. هذه عمتك المزنه."
اقتربت منها وانحني لأقبل جبينها ويديها، وهي بنقابها وبمحبة "حي الله الفارس. مبروك. والله يزين حظكم يارب"
ابتسمت لها "الله يبقيك يا خاله، ويبارك فيك. وشلونك؟ وعسى ما تشكين من رجولك"
ابتسمت من اسفل نقابها "حمدلله على كل حال."
وجدتها قد جلست بجانبي، وهي تمد لي فنجال قهوة، ولمحت هبوب ريحها كأمرأة تعود دائما إلى احضان والدتها، واعترف ان خجلها لذيذ شعرت احدق في عيني الهلاك لأجد الباب موارب ينتظرني!
ابتسمت لي "سم."
اخذت منها فنجال القهوة وابتسمت لها "سم الله عدوك."
وكأني تسقني حبك بلا رحمة او رأفة، وتبتسمين بفتور
وبعد الاحاديث وضحكاتها حتى تودع اهلها واعبر ممرات المنزل انتظرتها بالسيارة واشد على المقود "منصور نفذ اللي اقوله بالحرف الواحد"
من طرف الآخر يجيب "تم طال عمرك."
اغلقت منه وحتى اتصل مباشرة على عُمَر ،وبعد لحظات من زمن حتى يرد بنبرة غريبة على مسمعي "الفارس!"
وبتعجب من صوته وبحده "عُمَر! في طرفين قدرت امسكهم، لكن مضطر ارجع للأحساء، اللي ابيه تشدد المراقبة، وبعدين شلون قدروا يدخلون مكتبك؟"
عُمَر وضع يده على رأسه "الأمور كل مالها تتعقد، الفارس خذ حذرك، في احد يتلاعب بعائلتي واليوم بوصل للمكان وبشوف وش الموضوع؟"
وبغضب منه وانا اتأمل خروجها من باب المدخل "لا تتهور وانثبر بمكانك خلص القضايا اللي عندك، لي كلام ثاني معك. سلام."
اغلقت الهاتف وعلى جلوسها بجانبي بالمقعد، وتغلق الباب بهدوء، رجعت سيارتي للخلف وحتى اخرج من هذا المكان والحي بأكمله.
***
وجدته يشد بيديه على المقود متأملاً الطريق.. وبعض طرقات صعبة لكن الحزن يقف أمامي ولكن لابد أن اقف وقفة صارمة يجب عليّ ان اصارع هذا الهدوء، قطرات المطر على إطار السيارة، وتشغيل ما أن يمسحها، ولسعات الباردة الذي اشعر بها، اقتربت لسلة وأمسكت بثلاجة القهوة واسكب له قليلا "بتدفيك شوي من الجو البارد"
التفت لها "تسلمين."
بلعت ريقي واتشجع لأساله سؤالاً "الفارس. في شيء مشغل بالك. ما انت على بعضك."
ليجيب بضيق "شوية ضغوطات لكن ربك يفرجها. اي علميني عنك يا المهره."
عقدت حاجبي ورمقت له نظرة "بشو اعلمك فيه!"
ابتسم وهو يقف بمحطة الوقود، يفتح نافذة السيارة ويشير للعامل بتعبئة "البنزين".
نظر إلي "ودك بكروسان وكوفي. ونمر لمحل الحلويات."
ابتسمت له "اللي تشوفه. رغم الجو ما يساعد توقف."
الفارس "المطر رشاش مهو بقوي. وساعتين مشوارنا."
واجبت له بصدق "دام كذا هات لي مويه بعد."
ضحك وابتسم "ابشري."
واحرك سيارة ليقف عند باب محل الحلويات ويأخذ بعض "الحلا"
رأيت ثوبه الاسود، وشماغه، وكيف يعود العطر إلى أوردته، وكيف ترجع أوراق الخريف إلى الاغصان. وتعود لي يا الفارس، حينما اسمع صوتك يخيل إلي أن الأمان وكأنما عدت إلى احضان وطني. وضعت رأسي على نافذة، تعذبني الشوارع التي لم تعد بي! وجوه المارين، كالضائعة نحو المجهول! أحاول أن انسى لأعيش فيك وبك وإليك.
بعض طرقات على نافذة الأخرى وحتى افزع، ليشير لي بفتح الباب ضغطت على زر فتح القفل ويضع العلب الفاخرة على المقاعد الخلفية وجلس بجانبي "عسى ما خرعتك."
لأجيب "لا عادي."
احكم اغلاق الباب ووضع الحزام وعبر الطرق ليصل لطريق العام. اغمضت عيني وعلى أطراف الجراح، جرحٌ عميق ينزف، خنجر مسموم حفرت عليه الاحرف الاولى من اسمي، وجوه الاحباب تطالعني الآن.
ويهمس "بسم الله عليك المهره انتِ معي! لي حول ساعة اتكلم معك. غفوتي."
وبتعب اجيبه "شوي صدعت. ما عليه مع الاكل يروح."
وقف سيارته على جانب طريق ويلتفت لي "حبيبتي ادري تعبانه ابيك تساعدني واكلي وعقبها نمشي."
صوت تساقط الامطار وقصف الرعد "انا بخير. الاجواء ما تساعد. لا تتحرك يا الفارس لاحقين لا يصير فيك شيء."
ابتسم ويمسك بيدي "تخافين عليّ."
وجسد الوهن اغمضت عيني "زوجي اكيد بخاف عليك حبيبي."
قبل يدي "يدينك باردة ومبين عليك ما اكلتِ شيء، كلي لك كروسان وكوفي بتدفين."
كلماته كرصاصة تطلق على قلبي، جاهلة بأنني امرأة الرياح والزلازل والصواعق لست عصفورة تخاف وترتعش على اغصان الشجرة.
وبنبرة صادقة "الفارس."
الفارس "نزلي رأسك يا المهره"
وبخوف وعدم استيعاب "شنو!"
امسك برأسي واخفضه، ودوي ضربات الرصاصة وحتى اكتم شهقة خوفي "وش؟ وش ذا؟"
الفارس "اهِدي المهره لا تخافين عيوني. اهِدي، وقفلي الباب على نفسك، لا تفتحين لاحد سمعتِ."
وبصدمة حاولت أن ابصق هذا الخوف، لكن يديه كانت اسرع ليكسر النافذة وتتناثر شظايا.
وأهز رأسي "الفارس انتبه."
وضربة قوية بعصا على رأس الفارس، حتى يتفادها بمهارة ويدفع الباب ولا اسمع سوى اصوات والخوف والقلق تسلل بي حتى افقد اتزاني واغيب عن الوعي.
***
في الغربة، تعاملني الطرقات على زمن مضى انتهى بوقته، تدق ساعات المنبه استيقظ واصنع كوب من القهوة ارتشف منه القليل وارجع اقرأ الكتب لأكمل البحث. وبين الفينة والاخرى اكمل واقرأ. دوي صوت الجرس واقف متجه للباب "هلا رائد. ادخل حياك."
دخل وجلس على احدى الارائك ونظر للكتب والكوب الفارغ، "يا رجل ريح عمرك، اليوم عطلة خلنا نروح مطعم والا حديقة نتسلى شوي."
نظرت له وانا ارتدي نظاراتي "مهو وقتك. لازم اخلص البحث من البارح وانا سهران عليه. انت ما تقول لي وش جابك هنا؟"
رائد "يخي فلها انت ووجهك. صاير اخوي الفارس. تآكلون الكتب أكل"
وبنظرة "اذكر الله. لا فقعت عيونك الحين."
ابتسم "لا إله الا الله. يخي تدري الخاين تزوج وانا بعدني عزابي."
ضحكت عليه "الحين يا العجوز كم عمرك؟ ما ودك ترجع للسعودية. وشلون متحمل ثلاث سنين هنا."
رائد "والله هالغربة طلعت عيوني وحمدلله يا رجال قدرت انجح بالاختبار الشامل. اللي ابيه الحين تخرج معي، ودامك خلصت منه نتسلى تعرف عقب يومين راجع للسعودية. الغيث لا تصير غثيث وقم ولا يكثر"
امسك بالأوراق والتفت له "اقول مخلص اختبارك، انتظر نتيجتك وعقب نحتفل فيك."
رائد "يا رجل وراه مستعجل. قم بس قم"
تركت ما بيدي "ما اقول الا انك نشبه. قم وفكني."
ليرفع حاجبه الايسر "وش قلت طال عمرك."
لأرمي عليه احدى الأقلام ويلتقطها بيده اليمنه "اقول لا تلمس شيء، ابدل لبسي واجي لك."
رائد "انجز يا مصطفى."
***
بالشرقية
حين وصول والدي، وأسمع صوت صياح سلطان، العمة حنين والتي تحتضني وتقرأ علي "بسم الله عليك. ضياء انفداك هِدي."
وابكي من فقده ألمه وجرحي الغائر "آآآآآآه يا عميمه! وجعني كثير بكلامه، عشت ابشع واسوء لحظاتي معه، والله متغير بالحيل."
لتردف "اللهم ابعد عنك كل تعب ويحفظك يا بنت أخوي، ربي احصنها من كل أمر يلحق الأذى بها، وخفف عنها كل ألم تشعر به. نامي يا ضياء ريحي يا عيون عمتك."
وتدمع عيناي وبحزن يكبر بقلبي "عميمه يقولها بكل برود زواجه عقب اسبوع والله غاسله مخه."
تضمني لصدرها الحنون "وتهقين سلطان يسويها. هِدي ولي يسلمك ضياء لا يصير فيك شيء."
ابتعدت عنها ونظرت لعينيها وتسقط دمعة وغصة تحرق جوفي "وش بيصير كثر اللي صار. مهو كافي ضاعت أجمل أيامي معه. مهو كافي تعبت والله تعبت."
حنين "بسم الله عليك من تعب. نامي مواصلة يوم كامل ريحي راسك."
واغمض عيني واريحهما وأنام دون أن اشعر.
***
بعد ان وقفت على قدمي تفادت ضرب المبرح وحتى اهجم عليهما وينطلقان نحو سيارة اخذت رقم اللوحة وخزنتها برأسي مشيت نحوها وافتح باب سيارة من جهتي جلست بقربها واناديها "المهره بسم الله عليك. اصحي."
بعد قرابة ربع ساعة حتى استيقظت وبخوف "صار لك شيء."
حاولت ان تكتم خوفها لكن نظرات تفضح وبهمس "بخير. يدك تنزف."
ابتسمت لها " انا بخير تطمني. تتوجعين من شيء؟"
وتردف "انا بخير يدك يا الفارس دم كثير."
نظرت ليدي ورفعتها عينا الخوف متربص بها "هِدي شنطة الاسعافات تحصلينه بصندوق"
وهي تبحث وجدتها تمسك بيدي اليمنى وبخوف "لازم اعقمها سامحني اذا بوجعك."
ابتسمت بحنيه "كلي حلالك."
اخذت القطن تبلله بالمطهر ومن ثم وضعته على الجرح اغمضت عيني كاتما تأوهاً
وهي بخوف "عسى ما اوجعتك."
فتحت عيني نظرت لنقابها العينين ممتلئة قلق "ما تجي منك الوجيعة. مبين خوفك من الإغماء كله من الاكل. لزوم تأكلين."
وهي تبلع ريقها "انا بخير. تطمن حبيبي."
ابتسمت حينها وبهمس "وش قلتي! ما سمعت."
نظرت لي باستغراب من ثم اخذت لصق الجروح وضعته على راحة يدي بمكان الجرح من ثم اخذت شاش الابيض وتلفه حول يدي.
"الحين يمديك تسوق. يدك يبي لها راحة."
نظرت لها بحب "افا عليك بسوق لأجل عيونك. بس قبل ما تفطرين قدامي."
ابتسمت عينيها "الفارس قدام نفطر انا وانت. صعبة بهالسيارة."
يحل للعينين ان تنظر وللاذنين الانصات يا المهره.
بعد ان تشاركنا بالإفطار امسكت خط الاحساء. ومرور ساعتين تم الوصول لمنزل ابي ترجلت وامسكت بها.
***
بعد خوفي مما حصل قبل ساعتين وانا افكر بأن اتجنب الماضي بكل سيئاته، واقفين انا وهو امام بوابة المدخل، وبعد الرنين فتحته الخادمة.
الفارس "حي الله زوجتي العزيزة، عاد مالك الا تصبرين على اسئلة ميمتي."
ابتسمت له بتوتر "ان شاء الله خير."
نظرت للعمة سحابه وهي تنزل من السلالم وبترحيب "يا مرحبا بك يا بنيتي، تو ما زان بيتنا."
رفعت نقابي وسلمت عليها "الله يبقيك يا عميمه، ومنور بأهله."
ام الفارس "ادخلي وانا امك. البيت بيتك."
الفارس "افا وانا مالي سلام. راح سوقي من الحين."
مشاعل وهي تنزل من السلالم وتأخذ انفاس سريعة "هلا والله بحرمة اخوي. هلا هلا."
ابتسمت واحتضنتني "هلا فيك عيوني."
مشاعل "اقلطي وريحي يابعدي. الفارس سلامتك وش فيها يدك؟"
نظرت لها وابتسم "ابد جرح بسيط."
امي سحابة "يمه روح ريح انت ومرتك."
ابتسمت المهره وبخجل " لا عادي خالتي. مرتاحين بشوفتكم."
الخالة سحابة "سمي يا المهره."
أخذت فنجال القهوة وابتسمت لها "سم الله عدوك."
***
بعد ساعة ونصف
دخلت للجناح الخاص بي، بعد ما اخذت ادردش مع مشاعل والخالة سحابة. المكان كان بغاية الفخامة والكلاسيك
امسكت بالحقائب وضعتها بمكانها المخصص، تفاجأت من الخزانة ممتلئة بالفساتين
وجدته خرج من دورة المياه ويمسح وجهه المبلل بالمنشفاه البيضاء وخاطري "تمرني يا الفارس مثل انكساري واكابر احاول امنع لهفتي لا تناديك."
اقترب بخطوات واحتضن وجهي "منوره الدار."
ابتسمت له "وين اودي وجهي عنك يا الفارس! لا بكى الحنين فيني قل لي وين اوديه؟"
نظر بعمق لعيني وابتسم " لو فيني أبوس اشياء مهو ملموسة بالحياة بيكون اولها صُوتك يا المهره. أدري عهدي قديم وجرحك برا، والله العظيم يا المهره نسيت خيانة صديق كل اللي ابيه منك نبدي حياة جديدة نفهم على بعضنا."
اغمضت عيني ويضمني لصدره "يا عساني ما انحرم منك."
صوت المطر كصوت نبضات قلبي حين ترتسم ملامح وجهك بكلماتي يا الفارس.
وضع القلادة بعنقي وابتسم مقبلاً جبيني "لا يطلع هذا منك. ارتاحي وأنا عندي مشوار كم ساعة وارجع لك."
نظرت له "وش مشواره؟ الفارس ريح ولاحق بعدين."
ابتسم لي "لا تخافين علي. مضطر اروح. هالله الله في نفسك."
واجيب بخوف "استودعتك الله."
***
بالرياض – احدى المنازل
وتحديداً بالصالة
كنت جالساً على أريكة وعاطف يزين لي الوسائد خلف ظهري.
أم عواد بقميصها البارد، وطرحة التي حول رأسها وضعت صينة فوق الطاولة "قسم بالله يا الفياض ان ما اكلت هالمرق لا زعلت عليك."
ضحك عاطف "يخي كل ولا تحمق ميمتي."
فياض "تبشرين يا ام عواد. عوطيف قم نجلس بالحوش."
أم عواد ترمق لي نظرة "اهجد بمكانك توك خرجت من مشفى، مير ما اقول الا الله يهديك بس. ويمي يا عاطف امك نايمه للحين شفها وأنا بطبخ الغدا لكم."
محمد "يمه يمه سوي مرقوق."
قبلت على خديه "ابشر يا روح أمك. الا يا عاطف متى ناوي تروح لمكة؟ "
نظرت لجدتي وابتسم "لا استعاد عافية أبو محمد، ودي جميع نروح."
أم عواد "والله رأي زين. أجل دامه كذا حول اليومين ونسري."
ضحكت "ميمتي وشلون اروح ويا ادوب احرك يدي."
أم عواد همت نحو المطبخ لتجهز الغداء.. وتقف عند الباب وتهمس "الاكل زين بيستعد عافيتك. ومابه عذاريب يا أبو محمد."
ابتسمت "على هالخشم، أجل يا أبو حميد احجز وأنا أخوك."
عاطف "على خير إن شاء الله."
وبعد حين جلسنا على الأرض وأخذوا يتناولون الغداء.
***
بدأت اشعر بالألم، وكأنها جالسة بجنابي، تخيلت بأن اسمع نبرة صوتها مرة أخرى. تخيلت بأن تغيب وتعود، وأن لا يلمس يداها هل ستفتقدني حينها يا وهج!
هل سيشتاق قلبك المرهف لي ويحن؟
أبي والذي يمسح المنديل المبلل ويضعه على شفة الجفاف. فتحت عيني بثقل.
حمدان "نايف يا أبوك تسمعني. حمدلله على سلامتك."
وبصوتِ المنهك الذي يجعلني أخلد للنوم، دون أن أشعر، دون أن أفكر، دون أن أفقد، دون أي شيء.
ويقبل جبيني "بكلم دكتور يا النايف. لا تنام خلك صاحي."
اغمضت عيناي بتعب
ابتسم والدي وهو يقول" النايف لا تنام يا أبوك بزهم على دكتور."
لأهز رأسي بوجع.
وبعد مضي عشرة دقائق، فحص دكتور وابتسم بوجه أبي "الحمدلله. صحتك زينه يا نايف بس نبيك تشد حيلك وتلتزم بالأدوية، وتستاهل سلامته يا أبو نايف."
ابتسم ابي "الله يسلمك دكتور."
ليتصل على أخي سعود ويخبره بأن يأتي ويبلغ والدتي.
تنقبض عضلات صدري بصعوبة أستطيع أتنفس بالخرطوم، أشير له بأن يتنزع مني هذا الشيء العالق ببلعومي.
دكتور "لا تستعجل يا نايف. لا شفت حالتك تسمح ما راح تحتاجه بإذن الله."
وملامحي تضيق حتى أنام بتعب.
أشواق حبي تجري في دمي عاجز أنا عن النسيان لم استطيع إنتزاعك ورميك من داخلي
تتمركزين في فؤادي يا وهج! أنه جنون العشق، تمردك لا انساه ولا ينتهي.
ضحك أبي بوجه الألم "شد حيلك وبزوجك يا نايف."
اغمضت عيني لا أود النوم الآن. قبل أن اتفاهم مع أبي. أشعر بالخدر وجسدي ثقيل لأنام بهدوء.
***
على الجهة الأخرى
كانت تبكي الخالة غدير أوجعني بكائها وهي تهمس "تقول صدق يا أبو نايف. أبي اشوفه. إن شاء الله ياعيوني هو."
رجفة تسري بجسدي كله. هل هو بخير الآن، التقت عيني بعين ديما تبتسم لي بحنان. بعد أن اغلقت الهاتف وابتسمت لجدتي المزن "أبشرك يُمَه صحى نايف. توه حمدان بشرني."
تردف المزن "حمدلله وشكر لك على عطاياك. تستاهلين سلامته يا أم نايف."
تقدمت خطوات إلى جدتي وتقبلها وتبكي بوجع "خفت افقده يُمَه. خفت افقد فلذة كبدي."
جدتي المزن "الله لطيف يا أمك. الحمدلله أنه طيب وصحى الحين. قومي يا أمك جهزي له كم آكله نظيفه."
لتهز رأسها الخالة غدير "أي يمه صدقتِ والله. بشرني نمر عليه العصريه."
ابتعدت لأصعد لحجرة الخالة المهرة، وأجهش بالبكاء، لتتبعني بخطواتها ديما وتحتضني وتدير لترى وجهي المحمر
ابتسمت لي بحنان "أفا تبكين نايف!"
وبشهقة متوجعة "خفت يا ديما. خفت ان خالتي غدير تبقى بدون ولدها."
ضحكت بخبث "خفت على خالتي والا خفت انك تفقدينه انتِ"
نظرت لعينيها وبهمس "ديم. والله خفت."
ديما تجيب "يا كبريائك الغريب، تخافين عليه وعلى اساس ما تحبينه ومن هالكلام. ما اقول غير الله يجمعكم على خير يارب."
ابتعدت عنها وأمسح دموعي "وياك يارب."
استيقظت ريما وهي تفرك عيونها وبعدم استيعاب "وش صاير؟ ليه تبكين!"
ضحكت ديما "كلمي نومك."
وأنا اجيب بخجل "مافي شيء. قومي صلي الصبح راح عليك وقته."
لتجيب بنبرة النوم العميق "بالأول وش اللي صاير، حرمتوني من احلى نومه!"
ديما "خلف الله على أمي. ريوم صحصحي وراك صلاة."
ابعدت اللحاف ونهضت من السرير متجهة لدورة المياه، فكانت تنظر إلي وتبتسم في وجهي وكأنها أحسست بأن أكن بعض مشاعر الاعجاب لنايف.
لتغمز لي غمزة وضحكتها "سالفة فيها نايف."
ضحكت ديما "يُمَه ريوم وش عرفك؟ لا يكون احساسك بعد."
لتبتسم بخبث "انا اقول الوجه منور. بصـــلي."
عضيتُ على شفتي السُفلية "اقول انتبهي على الجدار لا تصقعين راسك به."
ريما وهي تصغر عينيها "كأنك تتنطزين علي حرم نايف."
كتمت ضحكتي "لا حشا بس خايفه على رأسك لا يتضرر."
ريما "لي حكي ثاني معك وهيج."
بعد أن توضأت وقامت بتنظيف اسنانها همت للصلاة، بينما أنا جلست على احدى الأرائك واغمضت عيني بتعب
وضعت ديما يدها على كتفي "بسم الله عليك، وش فيك؟"
رفعت عيني وبدمعة "ابي اروح للجوهرة اتطمن عليها. امي للحين ما عطتني خبر."
ديما "أفاا بس. الحين اكلم عمير يأخذنا أنا وأنتِ. والا اشوف سطام. ولا تضيقين خاطرك أكيد عمتي انشغلت والتهت بالجوهرة."
تنهدت بتعب "إن شاء الله خير يارب."
***
أريكة خشبية وكوب قهوة سوداء بجانبه قطعة صغيرة من الكعك، وهواء بارد يقشعر البدن واتدثر بشرشف قطني بالقرب من النافذة واتصفح لصور قديمة. قادرة على تهدئة اعصابي المتهافتة وفكري المشتت.
وتطرق الباب لتدخل رأسها وتبتسم "البشارة يا مهياف."
نظرت لها بعتب "وراك كذا داخلة."
وهي تنظر لرسائل ذات البطاقات الحمراء، وتبتسم بخبث "للحين على حُب عمير، وشلون هدمتِ هالشيء برفضك؟ وشلون قسيتِ على نفسك يا ميهاف! عجزت استوعب رفضك. لا تحسبين اني ساكته كذا."
أن للزمان كافِ للنسيان يا لين.
فلا اتعب نفسي بالسهر، وذكريات مصيرها الفناء، لا تقلقِ يا لين سأنساه بهدوء
لممت تلك ذكريات لأضعها بالعبلة واحملها، وامشي نحو المنضدة لأفتح احدى الأدراج واضعها بداخلها.
وهي خلفي تهمس ونبرة ممتلئة فرحة كأنها ليلة العيد "عُمَر خطبك من جديد يا مهياف، وهالمرة أبوي موافق، توه مبلغني على الجوال، وقال خلي اختك تتجهز لأنها بتكون حليلته ليلة بإذن الله."
التفت لها بصدمة واتسعت عيني بدهشة، وأنا اتمسك بالوشاح الذي يرتجف على جسدي "تمزحين يا لين."
كيف لي أن أنساك يا عُمَر، وأنا من دونك شخص آخر، آرافق الليل بذكريات وصور قديمة منذ ان كنا سويا طفلة وضحكات المهره عندما نلعب بالمراجيح التقطت صور عديدة تحمل فيها طفولتنا براءتنا والكثير من الرسائل العتيقة.
أنا كبرت وما زلت احبك يا عُمَر، رفضي لك خوفاً من منيع الظالم.
وكأنما ما زلت طفلة تعاني من تهديد خطير!
لقد مرت الأيام وتوالت بعدها الشهور، وما زلت انتفض عند ذاكرك اشتاق لك، وتدمع العين، اصبحت حياتي موحشة عندما رحلت، وتركت فراغ كبير انصدمت من حقده دفين! وبكيت أتذكر ضحكات المحفورة بداخلي "آه يارب. لين خليني بروحي شوي."
لين "ميهاف يكفي عاد لين متى وانتِ تلومين نفسك. الماضي ارميه وراء ظهرك، واحنا عيال اليوم. فكري بفرحة أبوي لك."
وبقهر "وشلون افكر يا لين، ظنيت اني اللي اقرب لنا واللي مثل الأخو لنا ما يكون حقود. بقتله لا أخذته، مستحيل راح اجازف به. مستحيل يا لين."
احتضنتني "بسم الله عليك. هِدي يا عيون لين. ما يسوى عليك كل هالوجعية، ومنهو الحقود؟ تقصدين منيع! لا يكون اللي في بالي صحيح."
واجيب بأنين "أي يا لين. منيع حلف ان ما كنت زوجته راح يذبحه. ومابي يصير له شيء."
لين بغضب "وانتِ خبلة، وش هالهبال اللي عليك، وإن شاء الله شلون يذبحه، ليه وين احنا عايشين. اقول بس بطلي افكارك سوداوية، ما عنده غير الهرج. خذي لك شور وخلينا ندور لك فستان لأنه بشوفك ليلة."
اتسعت عينها بصدمة "تكذبين. مستحيل أكون له. أنا اوجعته مره مابي اكرر هالوجع مره ثانيه. بفقده الحين والا أنه يتضرر."
لين "ياربي منك ومن عنادك. انتِ مالك الا أبوي يتفاهم معك. اقول قومي بس خلينا نشوف الفساتين اللي عندك."
***
بالمساء
ثمان ونصف.
بعد أن أتى المأذون، واحدى شاهدين سعود وسطام بعد أن خبرته واطمئن على زوجته لتكمل الاربعين بمنزل جدتي.
جلست على اريكة وبجانبي المأذون ومن ثم العم ناصر.
ابتسامة سطام وهو يهمس لي "قرت عيونك بشوفتها."
تبادلت الابتسامة "تو ما عافت روحي يا سطام. المهم ابيك تشوف أمي في بيت جدتي موضي. وتبلغها ان ملكة الحريم عقب أسبوع."
سطام "على هالخشم يا عريس، وينه الفارس عنك؟"
ضحك سعود "نايم بالعسل مهو حولنا أبو خيال. عسى الله يتمم لك وله على خير يارب."
وأنا اجيب وبرد متزن "اللهم آمين."
***
على الجانب الآخر
بالصالة التلفاز.
لين ممسكة بالمخبرة "مبروك يا عمري. جعل ما يشوف غيرك يا مهياف."
وبخجل "الله يبارك فيك لين. احس لبسي مكلف."
لين وهي تعدل شعري "كأنك القمر، بالعكس لبسك انيق ومهو متكلف زين اللي ما يأخذك اليوم."
لأكزها "خير وش اللي يأخذني اليوم."
لين تضحك "تدرين المهره تزوجت."
وبصدمة "صدق! متى؟ ما بلغتني الخائنة، عطيني جوالي"
اتصلت عليها. وبعد مدة رفعت الخط "مهياف. يا مرحبا بك"
وبزعل "لا والله. تزوجتٍ ولا عندي علم الا الحين."
ضحكت المهره "مهو وقت العتب يا العروس. عاد هالله الله بولد أخوي"
وارفع حاجبي "يا شيخة متى تم زواجك؟"
المهره "من يومين، ما عليك فيني استانسي الحين، وبجي لك بملكة الحريم. يلا يا عمري ما اطول عليك ومره ثانيه مبروك"
ابتسمت "الله يبارك، يا هلا ومرحبا."
***
وبعد أن تم العقد القران، حتى أمسك بِي أبي ناصر، وأخذني له.
كنتُ واقفة قلوبنا شاخت وكبرت يا عُمَر ودب فيها التعب والحمى، وكأنها عبرت ألف سنة لتصل إلي هنا.
كأنها خلقت لتعبر فقط دون أن تجد لها مرسى.
ياه للأيام، والشهور، والسنين التي مضت.
***
وبينما رأيت حضورها، ثم أن الشوق بنى قلاعا في صدري يا مهياف يا عين عُمَر وروحه
شاخت وعَلت كُبرت وتكدست، أما آن الأوان أن تعود لي. تأملت زينتك الخفيفة ملامحك التي لا تفارق ذاكرتي المعطوبة
وبحنين "ليه واقفة بعيد كذا؟"
لتجيب بصوت موجع "مكاني هنا يا عُمَر. ليه؟ ليه خطبتني من جديد؟"
تقدمت بخطوات واضمها لصدري واهمس بحب "مكانك هنا."
ونهذي من الشوق بجنون وكأن ذاك البعد كان عاما أو أكثر يا مهياف.
دموعك والتي سقطت على خديك ولمع شوق "ليالي الحلم ضاعت بسببه يا عُمَر. مل العتب مني لا تقسى علي."
مسحت دموعها برقة "ظنيتك اقرب جمرة غلاك يا مهياف بوسط لهبها، مكانك بالاهداب انصدمت من رفضك لي، وكنت ابي مبرر شلون ترفضين حلم كان من اجمل احلامي."
مهياف ابتعدت "سامحني يا عُمَر. والله ما كان قصدي اجرحك."
نظرت لخوفها ولملامحها ناعمة "هِدي. متى ودك يكون يوم زواجنا؟"
رمشت الاهداب بخجل كبير "يعني ما انت زعلان علي."
ابتسمت "هو اللي يشوفك ما يحق له يزعل. اسبوع الجاي مثل هاليوم ملكة الحريم، أمًي واخواتي والكل بجي ويفرح، وهذا هو المهر، مابي اطول عليك ولا تنسين هديتك."
دمعت عينيها "عُمَر، وش سويت عشان الله يجازني بك."
قبلت جبينها "يكفيني انك راضيه والدينك. يلا أنا وعدت العم ناصر ما اطول. بكلمك بالليل. اشوفك على خير حبيبتي."
ابتعد واهمس بداخلي "احبك عُمَر. يارب لا تحرمني منه."
جلست على الأريكة وبكيت، وشهقات بصوت عالٍ. حتى اتت لين لتنصدم من منظري "ميهاف وش فيك؟ وش صار؟"
صرت اصيح واكتم بكائي لأعض راحة يدي.
شدت يدي وجلست بجانبي "يا بنت وش اللي صار؟ عُمَر قال لك شيء."
وبخوف يسيطر على قلبي "راح يأذيه يا لين."
لين بقسوة "وين إيمانك بالله ربك الحافظ استهدي بالله."
هتفت "ونعم بالله، بس قلبي قارصني. منيع ينخاف منه يا لين. إن كان رمى أمُه بالرعاية وش ارتجي منه، حسبي الله ونعم الوكيل فيه."
طبطبت على كتفتي "ايه ادعي، وربك ينصر كل مظلوم. يا حيف رجولة عليه."
***
أحضرت كوب الماء، وأخذته أم نسايم من يدي بسرعة لتشرب الماء أمي، ووضعت يدها على ظهر والدتي لتخفف عليها.
أم نسايم "اذكري الله يا ام غسان. وأم نور خذت جزاها."
نظرت إلى أمي، عجزت عن النطق احسست بأن الهواء ينفد من حولها، وجلست بجانبها "يمه الامور بتزين إن شاء الله. وابوي جالس يدور بيت مناسب لنا. لا تكدرين خاطرك يا عيوني."
همت الخالة أم نسايم بتجهيز العشاء.
بعد مدة وُضَع العشاء ولم يشته أحد أن يأكل فبقي معظمه، ثم اتجهت والدتي نحو المجلس، وتستلقي على احدى الارائك اغمضت عينيها بهدوء.
وقفت على رأسها "يمه أدري والله اللي صار مهو شوي بس تغلبي عليه فديتك."
فتحت عينيها وذراعيها لتضمني "فقدت أخوك غسان، وتزوج أبوك علي. آه يارب رحمتك."
بكيت من بكائها جرحها الغائر العتيد "يُمَه فديتك هوني على نفسك، وبإذن الله أمورنا بتزين. وأخوي غسان رحمة الله اوسع، وش هالدنيا يا يُمَه فانيه. ارتاح منها ادعي له يا الغالية."
وبغصة "الله يرحمك يا روح أمك الله يرحمك يا غسان."
هنا أخذت نفساً عميقا وقلت "ايه يمه عليك بالدعاء، عسى الله يمسح على صدرك. نامي فديتك ارتاحي."
***
مساء الياسمين وعن شعوري الليلة وجسدي القابع خلف الباب ينتظرك يا الفارس!
شخص واحد فقط يخبئني بصدره، شخص أعرفه جيداً لكن الحرب حالت بيننا
ابتعدت عن الباب وقفت أمام النافذة أرى بين الفينة والأخرى سيارتك لكن دون جدوى، صوت رنين هاتفي وانقباض صدري استعنت بالله وذهبت نحو الطاولة المقابلة أمام الاريكتين أمسكتُ بِه لأرفع الهاتف واضعه بإذني
كان هسيسه كالأفعى "مبروك يا العروس."
وضعت يدي على جانبي الايسر وابلع ريقي بصعوبة "وش تبي يا رعد؟ أنت ما تخاف الله."
رعد بخبث "وش استفدتِ غير أبوك طايح مريض! وفوقها ولد اختك نايف؟"
مُثقلة بالصداع والناس ورسالة وانتظار طويل يا الفارس! "لا تضحك علي، وبعدين ما يجوز تكلمني ما احل لك."
رعد "ما علينا كل اللي عليك تتصلين على زوجك وتنفذين كل حرف اقوله، وهالمرة انا جاد أبوك بيموت يا المهره!"
اغلقت الخط بوجهه وشهقت وبطريقة تجعلني لا أنسى ورغماً عني أواصل التذكر تذكر كل الأشياء التي أحزنتني فيما مضى وكأنها المرة الأولى، المرة الأولى التي اشعر بها بالألم والحزن العتيق.
داخلي وجع كبير ودون أن اشعر بحثت عن الارقام ومن بينها عُمَر اتصلت عليه.
وبعدم استيعاب "عُمَر، لازم تكون جنب أبوي لا تفارقه يا عُمَر"
***
على طرف الآخر، بمكتب المحاماة.
حينما سمعت صوتها المُثقل بالخوف والقلق، نظرتُ للفارس والذي كان يقلب بين الاوراق يدرس قضية من جذورها.
ابتسمت له "بسم الله عليك، وش صاير عليك عميمه؟ عسى ماشر!"
المهره "مثل ما سمعت خلك قريب من أبوي، انت وينك فيه؟ للحين عند مهياف!"
ضحكت "شف حتى ما باركتِ لي! بس تطمني أبوي العود بخير. لا تخافين وبطلي وسوسة يا بنت الحلال."
وهي تعض على شفتيها صوت ذبابات وأنفاس الخوف "اقول لك المرة الاولى دق علي ونفذ تهديده.. الو عُمَر أنت معي. عُمَر تسمعني."
يجدر ان انقطع الخط، نظرت للفارس "ما كان له داعي تجي يا الفارس! والمهره هناك بروحها."
الفارس يجيب "ما عليها شر إن شاء الله. انت قل لي، من متى تعرف رعد!"
اجبت له وأنا امد له بعض الملفات، وضعت النظارة الطبية فوق طاولة المكتب الخشبية "رعد لنا فترة طويلة نبحث عليه، وللحين ما مسكنا عليه شيء، بس مصير الحي يتلاقى."
الفارس "الكلب مهو راضي يعترف. مير انه بيقول كل شيء بنهاية"
ابتسمت له "الله يقويك يا أبو خيال، من صباح الله خير وانت ما ارتحت، هذا وانت عريس قم ظف وجهك لعميمتي."
رفع حاجبه والطاولة تفصل بيننا ليردف بهدوء "ما ظنتي ارجع لها الحين، بتجلس عند أمُي."
وبعقدة حاجبي "يعني بتمسك هالقضية لك عشر سنين يا الفارس. أنا اقول تريح ومصيرهم بنمسكهم واحد وراء ثاني."
وقف ليتجه نحو الباب في حين كنت ارقبه بهدوء وبنظرة ثاقبة "سلطان مثل ما تعرف ماسك هالقضية بعد، يعني هي بأيدي أمينة."
الفارس بحده "عُمـر زوجتي عطيتها خبر. موعد زفاف مثل ما هو عقب شهر."
رفعت يدي بـ استسلام "على هواك يا أبو خيال."
***
نهاية الجُزء العاشر من الفصل الثاني...
هالمرة بعد بدون قفلة، ولي عودة من جديد على ردودكم
عذراً على التأخير.. كانت من أجل التدقيق..
أتمنى أجد ردود تحفزني للكتابة.. نقطة على سطر
نأمل بوضع تقيميات ولايكات ، وجميع ما يحبه قلب عبيرهُ ..
ويشرفني حضوركم بتواصل الاجتماعي...
موعدنا القادم بإذن الله.. الخميس.
***
همسة محبة/ "من أراد إنشراح الصدر، وغفران الذنب، وتفريج الكرب، وذهاب الهَم،
فليُكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم."
- ابن القيم.
***
عمر الغياب/عَـبير
|