كاتب الموضوع :
عمر الغياب
المنتدى :
قصص من وحي قلم الاعضاء
رد: أزهرت بهطولك
" كل ما أعرفه اني غبتُ عن الحياة قليلا وعدت إليك... كنت تبكين وتخفين عني خوفك "
(8)
هُنا أمسكت بيد ريما. أنظر لعينيها الضائعة. الوجه والذي شحب واصبح كزرقة السماء. والعينين لمحت ماء الملح يسقط على وجنتيها لتهمس بغصة مسننة " والله ما ألوم أمُي. لا تنسى يا عمر. أمُي ما هي مقصرة معه. والله مره. مره شفته مد يده على أمُـي. شفت انكسارها يا عمير. حرام. والله حـــ.... "
لتسقط أرضاً وتضع يدها تخبئ الوجه الحزين وببكاء وبشهقات تمزقني. لأجلس بجانبها وامد يدي اسحب يدها لكنها كانت تبكي بقسوة وتردف " ابيها. ابي أمُي. ما كملت اثنين وعشرين من عمري الى وابوي كل يوم مشاكل مع أمُي. لين متى؟ مابي زواج عفته. والله عفته. "
لأحتضنها وبحب أخوي " أفا يا ريم تبكين. استهدي بالله يا عيون أخوك. يعني تجهلين حب ياسر لك والا وش وضعك؟! إذا على أبوي. ترى اصابع يدك ماهي وحده. يعني اكبر مثال هل انا مثل أبوي؟ "
لتبعد عني بخجل كبير وبوجه طفولي بملامح ناعمة ترفع خصلاتها عن عينيها " أساساً انت مافي منك اثنين. انا مدري ليه ميهاف رفضتك؟ وش يعني صدق عُمر على شنو شايفه نفسها! "
لأبتسم لها بوجع " وش جاب سيرتها؟ الله يستر عليها. يلا مستعجل بمشي الحين. كل وحده تلبس عبايتها بنزلكم في بيت جدي الغازي. "
ديما " إن شاء الله. تعالي يا ريما. وما يخالف يا أخوي انتظرنا شوي أدري عطلنا عليك شغلك. "
لأبتسم دون نفس " ما عليه. استعجلي يا الديم. انتظركم هنا. "
لأجلس على الأريكة الفردية باللون " التيفني والبيج " الكلاسيك، وضعت يدي على رأسي وبتفكير عميق " عمر من هو اللي يتلاعب معك؟ مين اللي يفكر؟ يحرضني على عملي بالمحاماة! يكون واحد من المتهمين أو له علاقة بمنيع! لكن وشلون؟ "
لأزفر بضيق كبير، واستغفر نظرت لمعصم يدي لأجد ساعة العاشرة والنصف مساء. لأقف واصرخ بغضب عليهما " الديـــم وريم انجزوا. "
لأجده قد نزلا من السلالم وريما، والتي تعدل طرحتها بأطراف ترتجف لأبتسم لها بحنو " وش فيك؟ كذا حايسه! ترى ما اقدر اخليكم هنا بروحكم. تجلسون عند ميمتي المزنه لين ما الله يفرجها. ومره وحده لأنها ما تدري ان المهره عند الفارس. "
ديما تبتسم " ما عليك يا أخوي. لعيون المزن نجلس وادري انها متعلقة كثير بعميمتي المهره. "
لأبتسم لها " كفو يا بنت غازي. "
***
على الجانب الآخر - بالمستشفى
كنتُ أضغط على رقبته وبعينين تتسعان بصدمة وياسر يضع يده على كتفي " استهدي بالله يا رجال. لا احد يشوفك وتنقلب ضدك. فكه يا أبو الغازي. "
ابتسمت بوجهـه الخائف " انطق يا الخسيس. منهو اللي موكلك؟ وجابك الله في طريقي. "
لأنظر في عيني قائلاً " واحد اسمه سراج وثاني منير هما اللي ارسلوني عليك. هذا اللي اعرفه والله. والله العظيم. "
وبكره وأشد باختناقه " منهو سراج ومنير؟ انطق يا زفت! "
لتدمع عيناه من شدة الاختناق، وحتى ياسر يدفعني عنه " هيه اصحى. الله يأخذ ابليسك. انهبلت بغى يموت بين يديك. "
حتى "يكح" وبتعب دمعت عيناه " والله ثم والله مالي ذنب. هذه وظيفتي انقل الحكي. "
وأنا " بغبن " شديد وابصق بوجهه متأملاً صدمته، واتساع عينيه " ايه وش تبي؟ منهو سراج ومنير؟ ترى ما افكك من يديني الا وانت ميت فـ اعترف ازين لك. "
قام من الأرض متعباً " كل اللي اعرفه حكيت لك عنه. "
لأردف بغضب " انقلع لا اشوف وجهك والا والله موتك على يديني تفهم! "
ليهز رأسه، وبصوت ممتلئ بحة " إن شاء الله. "
وحتى يبتعد بخطوات متعبة. ليمسكني ياسر من كتفي وبغضب، بعد لحظات مجنونة كادت أنّ اقتلع قلبه من مكانه " ممكن اعرف وش فيك؟ ومنهو اللي يراقبك؟ "
رحت أتذكر سبب كل ما جرى. أتذكر كلام أخي عُمر وما الذي يدفعه لهذه التصرفات. أفكر في حل هذه المشكلة فالأمور بدأت تخرج عن سيطرتها، وبصوت منخفض " كل شيء بوقته حلو. ابي اتطمن على أخوي عُمر. لحظة. "
دسست يدي اليمنه بداخل جيبي لأخذ الهاتف وضعت الرقم السري سريعاً، واتجه لجهات الاتصال حت ابحث عن رقم عمر من بين الاسماء.. واتصل عليه، وبنبرة قلقة، بعد بضع من الزمن أجاب بهدوء " نعم يا سطام. "
وبضيق " وراه نبرة صوتك كذا؟ انت طيب! "
رد علي عُمر باقتضاب" حمدلله على كل حال. وينك مختفي من يومين؟ وعلى فكره اخواتي بنزلهم عند ميمتي المزن. "
وبعقدة حاجبي الايسر " عساه خير! "
عمر ابتسم ببرود " المهره تزوجت الفارس، وبعد صعبة تجلس ميمتي بروحها. وش بعد؟ لي حكي ثاني معك. لا تقابنا بإذن الله. "
ابتسمت " يا ما شاء الله تبارك الله. بالمبارك يا أخوي اجل عميمتي المهره أخيراً خذت الفارس ما بغينا. والله ونعم فيه حي هالنسب. المهم ابشرك صرت أبو. يا عم عُمر. "
ليضحك بسعادة " مبروك جعلها من مواليد السعادة يارب ويرزقك بره/ـا هاه الغازي والا المزن. "
***
لتصرخ ريما بفرحة " وش هو تبارك عليه؟! لا يكون الجوهرة ولدت. "
لأهز رأسي " ايه. "
وأضغط على مكبر الصوت " ايه ما قلت لي! "
ابتسم سطام " باقي ما شفتها بنيه. بنت ابوها. "
لتضحك ريما " مبروك سطام مبروك يا أخوي. حبيبة عمتها من الحين. وشلون الجوهرة؟ عسى ما تعسرت بولادتها؟ "
ليتنهد سطام بوجع من ثم نظر لياسر وبغمزة لئيمة " هلا والله بريم يالله انك تحي العروس. والله يبارك فيك ايه والله توجعت كثير وكاتمه الوجع. يلا بشوف الاجراءات نشوفكم على خير. "
لتصرخ ريما " سطاموه انا لي بحق سماوة تذكر يوم قلت لك لا جات لك بنيه أنا اللي بسميها. وبعدين لا تخاف ترى الجوهرة أم رفيف وافقت. "
سطام " خير إن شاء الله، وش رفيفه؟! ما عندنا هالأسماء. انتِ اطلعي منها وبنتي تسلم من هالسماوة. "
لتتخصر وكأنما سطام ينظر لها الآن ويكتم ضحكته " أقول ريموه. "
***
على طرف الآخر. رمى هاتفه لألتقطه بيدي اليمنه ويميل لأذني ويهمس بخبث " هذه هي حلالك. لا خلصت تحصلني بالاستقبال. "
لأبتسم له واهمس لها " مساء الخير يا ريم. "
صوت أنفاسها المتبعثر سكتت ريما وكأنها لا تعرف ما تقول. ثم سحبت منها الهاتف ديما لتضع على سماعة وتضع الهاتف بإذن ريما وبعتب أهمس " أفا. مافي مساء النور حبيبي. اشتقنا لصوتك والله. وراه مقفله الجوال؟ وتمنعين صوتك عني! "
لتبلع ريقها وبخجل " اهلين ياسر. مساء النور. اخبارك؟ وكيف دوامك؟ "
ابتسمت وكأنما رأيت قصة الخجل اللذيذ " بخير جعلك بخير. مبروك وسماوة لك ولا تخافين يا عمة رفيف. "
لتضحك بخجل " يعني بتنشب لسطام صح. ويصير اسمها رفيف سطام غازي الغازي الغانم. "
لو يطول الصمت يا ريما صار يكفيني من النعيم أن تضحكين من أقصى روحك، دون أن يعكر صفو العمر معكِ أيّ شيء. صار يكفيني أن أدسّ أصابعي بين أصابعك رقيقة وأن تكون هذه الدنيا لنا
يا حُب عرفته منذ الصغر. يا ساكنة روحي وظماي لجروحي يا ريما. لأبتسم " تعرفين قصيد بدر يوم يقول: شعر موج .. وقمر خد .. دفا روح .. وطغى قد .. وراعي الهوى مسكين .. زهى الكحل .. في الحاجر الفتان وسرى الليل .. تو الفجر ما بان
وراعي الهوى مسكين.. كما الشمس .. يجهر سنا نوره ما اقدر أناظر .. والعين مكسوره، وراعي الهوى مسكين .. ثغر ورد .. ورده شكت ورده، من دونها الشوق .. والرمح والقرده.. وراعي الهوى مسكين .. "
لتبتسم " ياسر. "
وبحب " يا عيون ياسر وروحه. ادري مستحية تكلميني قدامهم. مير افتحي الجوال واتركي عنك التغلي. احتمال باكر امر عليك. "
ريما وهي تتمسك بالهاتف بتوتر " لا! وش تجي؟ بكون في بيت جدتي. "
وبضيق " ليه صوتك كذا؟ كأني اسمع فيه من البكاء! كنتِ تبكين يا الريم. ما قلت لك ان البكاء ما يليق فيك. "
وبغصة لتغمض جفنيها وبحزن يُكَبر بقلبها " غصب عني. ياسر ابي. ابي منك شيء. بس لا تزعل مني هو يعني...... "
لأقاطعها " دام انه يزعلني. هاتي وش عندك؟ "
***
وجدت أننا وصلنا، وقف عُمر أخي الاكبر سيارته أمام الباب مباشرة. ليترجل ويهز رأسه بمعنى آخر " خذي راحتك بالمكالمة. "
وديما تشير إلي بسلام وتتجه لتدخل بالمنزل " ياسر حبيبي مضطرة اقفل الحين. عُمر مستعجل ومشغول بفتح لك الجوال. يلا ما اقدر اطول عليه أكثر من كذا، وسلم لي على الجوهرة وعمتي نوره. "
أبتسم " يوصل. استودعتك الله. "
اغلقت الهاتف وامده لأخي " شكراً عُمر كنت محتاجة كلامك. عسى الله لا يحرمني منك يا أخوي. "
أبتسم " ايه من سمعت صوت الحبيب ضاعت علومك. ما عليه دامك تأكدت انك طيبة وبخير أقدر اروح الحين. وهالله الله بنفسك لا اوصيكم على ميمتي وجدي الغازي. "
لأهز رأسي " إن شاء الله. انت انتبه على نفسك "
وأشد عباءتي وأدخل داخلا، وسمعت صوت احتكاك الارض من ضجيج وسرعة عُمر وبقلبي يهتف " يارب اصرف عنه عيال سوء. يارب احفظ أخوي بعينك التي لا تنام. "
***
حينما صرحت بحبها اللعين! غضبت منها لأنها زوجتي كان عليها أن تدرك بأنها امرأة لا تحب سواي أنا... الخطيب الغافل عن حُبها المزعوم. تضايقني أنانيتي الكبيرة بك! الفياض صديق يعرف بكل شيء لكنه تجاهل أمري! هذه هي الحياة يا الفياض! اخترت امرأة وتم طلاقك بعد سنة، وحتى تصمت لأتفاجأ من سماع الخبر " بأن ابن العم قد تقدم مجدداً لأبن عمته " وخطبتي لها! كنت قد رفضتها! دون أن تعلم هي بأنها مخطوبة للـ الفارس! لصديق يا الفياض! ومع ذلك جازفت
أتعلم ما كانت ردة الفعل أن احظى بها. لأن النصيب قد اختار. بعد اتصالِ على "العسكري خليل" احدى الرجال امينٌ بعمله، واخبره بأن يسحب دعوة من الفياض للمركز رغم انك تستحق بذلك. لكن خشيت على ابنك وأمك! والتي هي جدتك الخالة أم عواد.
وضعت يدي يسره على جبيني وبزفرة عميقة" والعمل يا الفارس. هذا هو اتصال يبلغونك انه مسكوا طرف الخيط. طيب والعروس ما اقدر اتركها والعمل يتطلب مني وقفة صارمة. استغفر الله العظيم وأتوب إليه. "
استعنت بالله لأدخل متجهاً للجناح وسقطت عيني على الجسد ممتلئ فتنة لا تضاهيها فتنة، وأنظر في عينيها بلونهم الغريب "زيتي يميل للرماد" تلك اللحظة التي يتوق لها قلبي. اللحظة التي أدرك فيها أنكِ فتنة! رغم ذبولهما وجنتاك الورديتان، وأناملك النحيلة ترتجف من الغضب أما البرد! لا علم لي يا المهره، ولا حيلة لي سوى المقاومة! وكأني في حرب عتيقة حد الموت الحرب منذ أن كنتِ صبية. صوت الحب العتيق من ابن عمك الفياض، وتبادلك الحُب المحرم! كان قلبي يغفر أتعلمين لما؟ لأنك لا تفقهين بأنك خطيبتي! منذ ان كان عُمرك اثنتا عشرة ربيعاً. صدري يحترق من فكرة بأنك قد احببتِ الشخص الخطأ، وعتبي كبير على والدك والذي لم يخبرك! عتبي على عُمر صديق والذي أكبر عنه بثمان سنين! وعن الفياض الفرق بيننا شهور! بلغتُ هذا اليوم الاربعين. كبرتُ شاباً متزناً استشارياً في النفس. رغم انشغالي بعملي لكن كنتُ من مطلع على العلوم الاجتماعية والعلوم الشرعية وحتى الانسانية حتى وجدتُ نفسي فيها. نظرت لبهاء جمالك! لثغرك والذي ممتلئ بأحمر الشفاه باللون الاحمر. أتردين قتلي صريعاً. كنتُ انظر لملامحك منذ اثنتا عشرة سنة وحتى غادرت الرياض بعد "السيول القوية، والتي ابتلعت بها بيوت الطين." وافترقنا يا المهره! افترقنا! لكن كانت علاقتي بكِ خطيبة! صبية لا اود تحملك مالا طاقة لك بِه.
أن أحبك كصديق فقط من ثم كزوج. ليس بيدي أن احولك من مرتبة الصداقة إلى الحُب
وبينما قلبي لا سلطة عليه يا المهره. فلا يمكنك أن تستيقظين فجأة لتجدين أحبك كما لا تحبيني. فأنا اؤمن بأن الحُب لا يأتي ولا يتطور في ليلة وضُحاها، وأنه لا يمكنني أن اُصدق أنك أحببتني لمجرد أنكِ تحدثتِ معي!
لأبتسم وأضع يدي على رأسها " اللهم إني أسألك من خيرها ومن خير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلت عليه. "
لأقبل جبينها وأجد ارتباك الاهداب، وصوت أنفاسها الثقيلة لأميل لأذنها وبهمس رقيق " البسي ثوب صلاتك بنصلي ركعتين. "
***
كنتُ شديدة الارتباك! بعد خروجه وصفقه بالباب بقوة أفزعت قلبي حتى لمت نفسي وثرثرت " وبعدين وش هالتصرفات؟ اللي ما تليق فيك يا المهره! هذا نصيبي من دنيا. صرتي زوجة الفارس! يختي كثير اسمع من تلفزيون مدحاً في اعماله، ولا وبعد أكثر من مرة يتم ترقيته وهو بعُمر صغير! ما شاء الله تبارك الله. ودوم أبوي يحكي عنه! لا اجتمعنا بيوم الجمعة اللي هو يوم العائلة، وكنت استغرب من طاريه! يعني معقولة اكون مخطوبة له من اثنا عشر سنة وانا يا غافلكم الله! مدري عن شيء! وشلون كذا؟ معقولة الفياض حبني! وانا ماني له! وضحك علي وعشمني بكلام مهو بقده ولا هو بثوب يطوله! وعشان كذا جدته ام عواد رفضتني! معقولة تفسيره كذا! وإذا يا المهره! وإذا كل اللي قلته صدق! وش بتغير في الموضوع؟ انتِ عاقلة ورزين ماني بزر يوم انكر انه عجبت في شخصيته! ماني بزر! يمه نظراته ليه كذا يناظر؟! زوجك يا الخبلة حلاله انتِ حلاله! فزيت من طولي وعلى دورة المياه أخذت لي شور سريع. الله يجزيك الجنة يا أم نايف ما قصرتي. رايتك بيضاء والله. وش البس الحين؟ تذكرت بِه شنطة صغيرة بيضاء متواجد بها كل شيء. حسيت بالغصة وهم متأملين خير. استغفر الله العظيم يارب. أخذت معي المعجون، وفرشاة الأسنان، وغسول الفم، وروب الحمام، وصابون، وخرابيط لا لها اول ولا تالي. "
ربع ساعة حتى ارتدي الفستان الأبيض واتأمل جسدي عبر المرآه العاكسة وبشهقة " ياربي والله انه ماصخ المفتري مشتري اثنين وكأنه حاسب لكل شيء. وش هالوهقة؟ ولا بعد! بدون اللي يغطي ظهري! مهير زوجك اعقلي. ياربي انت عالم بنيتي. خلينا اتزين والله ما ارضى. ياربي وش الحل؟ مالي غير اتزين وانسى موضوع الفستان. حسبي الله على عدوك يا الفارس. كأنك مهبل فيني. "
أمسكتُ بالحقيبة الصغيرة للعناية والتجميل. لأرسم حواجبي بالجل المائي من انستازيا، وأضع ظلال بالوان مخملية على الجفنين. كنت سريعة متمكنة والفضل لله من ثم ريما، والتي اخبرتني بوضع الأساسيات الصحيحة. القيت نظرة على الباب ما زال الهدوء يلف المكان سوى فوضى ضجيج الذي يحدثه قلبي ورسمت "الايلنر" بخط رفيع وعلى نهاية العين رسمة فرنسية ناعمة رفعيه، ختمته بوضع قلم الكحل الابيض "و الماسكارا " حتى برزت عيناي، وضعت الفاندوشين لأوزعه سريعاً ومن ثم الباودر، والبلاشر، وختاما احمر شفاه باللون الاحمر الناري الثابت. لترتبك الأهداب منذ زمن طويل لم اتزين بهذا شكل. صدري يهبط ويرتفع أمسكت بالكريم لأرطب يدي من ثم بعبق رائحة الاصفهان وضعت تحت الاذنين وباطن كفي. رأيت وكرة الباب تتحرك حتى اقف بمكاني متصنمة. نظراته مشيه الهادئ " والله يا الفارس لك هيبة. حرام عليك يارب الطف فيني. "
أغمضت عيناي لأجده يهمس لي بنبرة كلها فرحة. نبرة البحة صوته الغريب على مسامعي. تلك اللحظة التي آمنت فيها أنّ في العمر ما يستحق أن نعيش لأجله. أكثر من الخيبات التي زرعت بقلبي. أيعقل أن الفارس كان هو النصيب الاكبر! كان هو باب الصبر والخير! هل تكون فلقة الضوء الأولى هي التي يصير للصباح معه لون ورائحة ومعنى، وأكثر من التمني بأن اصير لك بنت الصبا، وأكتب لك الشعر وأرقص أو أكثر جنوناً أن أصبح قصيدتك الأولى ونهايتك انتَ يا الفارس.
***
قهقهت لأنحني من أفكارها بصوتٍ عالٍ " المهره. قايل لك هاتي ثوب صلاة. اثرك تزينتِ لأجلي. قايل لك حنون قلبك طيب ويستاهل كل خير. "
وضعت جبيني على جبينها وانظر لعينيها. ظلالها تمتلك ذوقٌ رفيع في دمجها للألوان وكأنما لوحة رسامٌ ماهر يحكي عينا الحقيقة وغموضها لذيذ. الله يمنحني نشوة كتابة الشعر لكِ يا قصيدتي وفرح الرقص على الموسيقى، ورضى الابتسامات التي لم تنطفئ من قلبي. منحني الله جنة الدنيا يا المهره " قصيدتي من اليوم انتِ قلبي، وعيوني، وروحي يا المهره. "
لتتسع عيناها بصدمة ارتباك الاهداب، تخبطها، وتنفسها الضائع " اهِدئي. ما ابيك الا برضاك لا تخافين. ما احنا صغار. لذلك نصلي تأخرنا كثير. هاتي ثوب صلاة والحقيني الله يرضا عليك. "
***
وظل القمر ينير تلك الليلة، وقفتُ أمام النافذة اتأمل الشارع الساكن دون مرور العابرين عليه. هدوء قاتل يشبه باب صدري. سمعت صوت الباب الموارب لأجد ابنة اخي عبدالله تردف بـ اعتذار " عميمتي سامحيني والله ما كان ودي يدخل و... "
لأقاطعها وادير ظهري لها وبغضب " بكره صباح يوم الاحد. بلغي ابوك انه عميمتك حنين بتروح للمحكمة وبتقدم الخلع. اللي ما يعرفه خالك. اني صدق عفته. دام انه مهو راضي يطلق بخلعه مثل ما يخلعون المفتاح من الباب. يساير امه طيب يعطيني خبر مهو يا غافلكم الله. والله ثم والله ما اخليه ينال اللي في باله. والله لا يندم ويتحسر وقولي ما قالت عميمتي حنين. هاتي جوالك. جوالي كسرته وفكيته ورميته على اقرب سلة نفايات. "
ابتسمت ضياء لتجلس على طرف سرير " عميمتي من حقك والله. كل واحد له طريق بحياته. ودام انك عفتيه مستوعبة المجتمع اللي انتِ فيه! ترى كلامهم ما يرحم بتقبلين السنتهم اللي كأنها نار تحرق رجل واطيها. انا اعلمك على شيء يوجع. المره لا تطلقت يحطون فيها الف عيب وعيب. وكأن الحرام اللي يمشي على المره مهو مثل على رجال. شايفين انّ رجال منزهين. ولا يقولون لك رجال شايل عيبه. "
وبهدوء " أنا أساساً استخرت كثير. والحمدلله مرتاحة اخلعه. دام انه واثق أنّ حنين تحبه. يعني عادي هو فاهم أنّ أدوس على نفسي عشانه فاهم غلط. اتركي باقي جروحي. علميني عنك وبعدين معك، وراه ما تروحين معه للشرقية؟ "
لتتسع عينيها وتضع يدها على رأسها " الله أكبر تبين اروح له. لا والله ما اروح. أي والله. أجل يرمي كلامي بعرض الحائط ولا كأنك عمته، ولا وبعد. مكلم خالي غافر. اقول ازهليها بس ما اخرج من بيت ابوي. اللي ما يطوله بيده....."
نظرت لسلطان وبصدمة حاولت أن أكتم شهقتي لأبتسم له " حي الله سلطان. هلا والله تو ما زان المكان. "
سلطان ابتسم واقترب مني حتى يميل ويقبل رأسي باحترام " حي الله عميمتي حنين. علومك؟ عسى أمورك طيبة. "
وبعتب " ماني بخير دام علومك تسود الوجه. اجل متفق مع غافر. وبكره ابيك معي بخلعه وكٌلّ له دربه. "
سلطان " استهدي بالله. فكري مرة ثانية. "
لأكز على أسناني " سلطان اللي سمعته. وبيت أخوي عبدالله يسعني. وشف أمورك مع مرتك، وحطني على بالك زين حالكم المايل هذا يتعدل.، يخي ارتفع ضغطي ومرارتي منكم. خذ مرتك وتوكل وعسى الله يسهل أمركم ويهديكم. ايه وبنام لا احد يصحيني. "
***
لتخرج العمة حنين وبخطوات قادمة ابتسمت في وجه الخوف " هاه وش قلتي؟ كأني سمعت اللي ما يطوله بيده أشوف القطو بلع لسانك. "
لتغمض عينيها بصبر كبير، وأكتم ضحكتي، ملامحها الغاضبة " سلطـان. وش اللي جابك هُنا؟ وفي ذا الحزه! "
تأملت فستانها الطويل باللون الكشميري حريري وبهمس " ما قد قلت لك لا عاد تلبسين هالأشياء في بيت أبوك. شكلك تبيني اعيد واكرر اللسته المطلوب منك تنفذيها وانتِ ساكته. وتعالي ليه مستنكره حضوري. "
لتنزل دمعة ،وبكرهٌ عميق " فكني اقول لك فكني. ما لك دخل! وش البس؟ إن شاء الله أموت. مالك دخل فيني. "
وبعقدة حاجبي " هيـه رخي صوتك. لا اهفك بكف يعدل أفكارك العوجاء. "
ودمع يتساقط على وجنتيها، وتزم شفتيها، وبقهر " لا والله. اساسا ما تقدر تمد يدك. تدري ليه؟ لأن اللي يضرب الحريم مهو برجال. "
أمسكتها من شعرها وأهمس بإذنها " مهو من صالحك تستفزيني. ابد مهو من صالحك. تبين اثبت لك رجولتي ابشري. عشر دقائق وأشوفك بالسيارة..
وبعناد وعنهجية " مابي اروح معك. ما تفهم تراني احكي عربي. "
وبغضب " اتقِ شر الحليم إذا غضب. لذلك بتغاضى عن الكلام اللي قلتيه من شوي. قدامي. "
وتنظر لعيني مباشرة دون أن تخفف من حدتهما.
لأهمس " صدق ما تنعطين وجه. اذلفي من قدامي خمس دقائق واشوفك بالسيارة، والا اقول لك. "
بحثتُ بعيني عن شماعة، لأجد عباءتها معلقة بجانب دولابها، خطوت نحوها، وأخذ العباءة وأرميها بوجهها " قدامي. ولا نفس اسمعه منك. "
دب الخوف في صدرها، حتى تنحني بوجع، وترتديها بهدوء عكس ما بقلبها من ضجيج وبعثرة مشاعرها. اتجهت نحوها، وأمسكت بيدها لأعصرها بقوة وخرجت تلك الآهات " آآآآآآآآآآآآآآآه. فكني حرام عليك. فكني اقول لك والله. والله العظيم ما انت رجال. "
***
نظر إلي نظرة ارتعش قلبي ظليت صامتة، وهو بهمس اشبه بفحيح الافعى " ضيـاء انقلعي قدامي أشوف.. قدامي ولا يكثر. "
ليدفعني بقسوة، حتى سقطتُ أرضاً، وبانهيار كبير " ما ابيك. فكني اقول لك ما ابيك. الله يأخذني. ما ابيك. الله يحرقني يا سلطان. أكرهك والله أكرهك. "
واجهش بالبكاء، حتى يمسك بيدي، ونظر لي بعينين غاضبة " تعدلي لا كف يعدل راسك. قلت لك بطلي افكارك، وقومي والله ثم والله يا ضياء ما يصير لك طيب. فلا تختبرين صبري أزين لك. قومي وانقلعي قدامي. "
ببكاء وبشهقات كبيرة " ما ابيك. افهم اكرهك! تفهم اقول لك اكرهك! "
سلطان امسك بيدي " وبعدين، عاد أنا اللي ميت عليك. قومي ولا يكثر يا ضياء، واسمعي تعرفين صحبتك سراب تعرفينها خطبتها. "
ابعدت يدي عن وجهي لأنظر له بصدمة، والضيق يَكُبر بقلبي، وبصرخة من الحنجرة " طلـقني. والله ما تحطها فوقي. طلقني اقول لك. "
دخول العمة حنين، وخطواتهما، وصوت العكاز والذي تتكأ عليه الجدة هيا أم عبدالله " يالله تستر علينا، وش فكيم؟ انهبلتوا على كبر! بس اللي اعرفه وابخصه يا سلطان انت عاقل! وراه كذا طاير جنونك عليها؟ "
وبصراخ " حفيدك يبي يأخذ فوقي مره. من اربع سنين وما اقصر معه، وعلى خامس سنة تغير علي وانقلب. يبي يأخذ اللي سحرتني. والله ما يطولها. والله مــ...... "
***
هنا لحقت على ابنة أخي قبل أنّ تفقد ما تبقى منها الكرامة/العقل! ركضت لأجلس بجانبها، وأضمها لصدري، وحتى يميل رأسها على كتفي اليمنه، ومضخة النبضات وكأنما أصابها الخفقان بالقلب " بسم الله عليك. أهِدي يا بعد طوايف اهلي. ضياء خذي نفس عميق يا عمتك هِدي. والله ما يسوى كذا. "
وهي تبكي بنشيج لأنظر لسلطان الواقف أمامي يحاول أنّ يقترب لأشيره أنّ يظل بمكانه " يا عيون عمتك. يختي استفزيته بحكيك. انتِ ما توبين سلطان غير! عن أخوك الغيث! غير كثير! هو زوجك لازم تتنازلين شوي! وهو بيتنازل بعد ويمشي مركبكم. أما أنتِ تعاندين وهو يعاند، وش مستفيدة؟ غير توجعين رأسك، وبعدين يعني ما تعرفين بيني وبين الصبر رحلة سنين. رحلة طويلة متعبة يا ضياء. بس ما أقول غير يالله تمدني بالصبر والحياة. سمعت كل شيء بما انه صوتكم كان عالٍ وغير كذا، تصدقين كلامه ويعني خلاص الحين بيأخذ عليك سراب الحين. سلامات وش هالتفكير اللي مهو منطقي؟ أنت تطالعني كذا! تحسبني بسكت على كلامك يا سلطان! وش اللي تنقلع قدامك؟ حيوان عندك هي. تراها زوجتك ارفق عليها. ايه زوجتك يا سلطان. ما أقول غير يا صبر الأرض عليكم. خذ مرتك وتوكلوا، وهذا وجهي أنّ خذيت سراب زفته. حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا سراب. هذا اللي ناقص بعد. "
سلطان " خير عميمه! وش له تدعين عليها؟ "
ابتعدت عن حضني واتسعت عينا ضياء " نعـــم وش قلت؟ ما ترضى عليها. حلو والله اجل طلقني، وخذها بطقاق تسمع بطقاق اللي يطقك انت والحقيرة. "
وبعد أنّ اقترب منها ويهزها من كتفيها " وش قلتِ توك؟ "
ضياء بكرهه عميق ينبع من صدرها " أكرهك يا حيوان! أجل تأخذ فوقي مره، والله ما تطولها إلا وأنت مطلقني. "
وأمسك ليقفان همس وهو يكز على أسنانه " رجاء يا عميمه لا تدخلين. امشي يلا. "
حتى تغادر ضياء، وتذهب مع زوجها، وتنقضي ليلتهما بغضبٌ عارم بين الصدور!
***
المستشفى
آلمت تلك الرصاصة بجانب قلب النايف حمدان الغانم.. كنتُ واقفاً أمام بوابة "العناية المركزة" ظليت انظر إلى أخي نايف، ولحسن حظه امده الله بعُمر جديد/حياة جديدة. كنت اراقب الممرات، والغضب تشتعل بيّ النيران وتحرق ما بجوفي. لأجد الطبيب يخرج من العناية، وأتجه نحوه، وبنبرة الخوف " بشر عسى أموره استقرت! "
ابعد الكمامة عن أنفه، وشفتيه من ثم رمقني بنظرة تحمل معاني الأسف " مرت ثمان واربعين ساعة، ومثل ما انت شايف. الضربة كانت قوية من فضل الله انها جات قريبة من القلب. مع الأسف اقولك تن أخوك بغيبوبة الله العالم متى يصحى منها! استأذنك "
صُدمت من كلام الطبيب لأمسك من كتفه " دكتور اكيد يسمعني. ابي احكي معه. مافي مانع صحيح. "
الطبيب " يتجاوز العناية، وننقله لأحدى الاجنحة، وتقدر بوقتها تتكلم معه، وإن شاء الله خير. "
ابتعد الطبيب، وغادر التفت، وقفت أنظر من فتحة العبور، والتي رأيتُ بِها نايف مستلقي على سرير، والأجهزة من حوله!
تلقيت اتصال من والدتي، وحتى بهمس أجيب بنبرة متوجعة " عليك بالدعاء يُمَه. ما بيدي غير ادعي له. لا الله يرضا عليك لا تجين. طلبتك يُمَه. أبوي. زين. إن شاء الله على أمرك. أول ما يجي أبوي انا بجي لك. والله يُمَه بمشي على مئة ولا نسرع لعيونك. إن شاء الله. مع سلامه. "
***
الحُزن يأسر قلبي الصغير. كلمات ديما القاسية، ولا أستطيع الرد عليها، وما هو ذنبي إن كنت خطيبته أمام الناس، وما زاد حزني هو أنت يا نايف! فالأخير أنت تبقى واحدا من أسرتي/في الأيام الأخيرة والدتي تلمحني بـ اقتراب الزواج! أما الآن فلا أستطيع تصديق، ورحت أتفكر في أختي الجوهرة.
وبتنهيدة عميقة " يكفي عتب يا ديم! يكفي! يعني انا والله مهو مقصدي ادعي عليه. افهمي عليّ. "
لتردف ديما ببرود " والله هذا اللي أشوفه يا وهج. ترى زواجكم كان محدد! لكن عشانك مدد في الموعد، وش تنقدين عليه؟ يوم أنك ترفضينه! "
كنتُ أجلس حينها على الكرسي نظرتُ لوجهي بالمرآه، وأخذت أتفكر في الماضي. لأيام الصغر عندما كان يضايقني بتعنته المزعج. ما زلت تزعجني حتى عندما ألعب. مع ديما وريما.
نايف بخبث " وهـج. يا ام كشة يا زوجتي. "
لتتسع عيني بصدمة " أنت وش تبي؟ خير باقي ما صرت زوجتك! بعدين منهو أنت؟ حي الله ولد الخالة . ولا تخليني أعلم عليك ياسر أخوي واعلم أبوي بعد."
ابتسم ببرود " يا روح أمك. أقول يا البزر لا يكثر، وقومي. لا عاد تلعبين بالشارع. تراك كبرتي، وتغطي ازين لك. "
لتردف ريما " الله أكبر تونا بعمر زهور. عاد والله هالكلمة سمعتها من مسلسل. أقول يا ولد العمة غدير وش رأيك تضف وجهك! وتخلينا نلعب. "
لنضحك سويا أنا وديما وريما.
ديما بهدوء " ما عليه يا بنات. الليل ظلم. خلونا ندخل للبيت. يلا يا وهج، ويا ام لسان ريموه امشي قدامي. "
نايف اقترب، ونظرات الغضب تشتعل بعينيه لأمسك يدي " ديما روحي. انا بجلس شوي مع وهج. "
وحتى أصرخ عليه " مين سمح لك! أنت والله لا اعلم ابوي عنك وحتى ياسر. فك يدي. "
نايف " ديمـــــا. "
وحتى تمسك ديما بيد أختها ريما التي تصرخ " مابي اخلي وهج معه. ديما فكي يدي، وخري ديما. نايف خل بنت عمتي نوره. فكيني ديما. "
وحتى اصواتهم تبتعد، حتى أمسك بي لنصل تحت النخلة العتيقة. ليدفعني نحوها.
وبكره " بعدين معك. تراني أكبر عنك سبعة سنين، وهذا هو عمرك 14 السنة، ولسانك وش هالطول! أنا بعرف العناد ليه؟ لا تخليني احطك ببالي واحجرك وما أخذك الا وأنت عجوز. وعادي ترى اتزوج وحده ثانيه غيرك واجلسي انتِ كذا. "
لتدمع عيناي " يا حيوان وخر عني. انقلع مناك وخذ بعد اللي تبيها. أنا وش علي فيك؟ عساك تنحرق مالي دخل تفهم! مالي دخل فيك. "
نايف " اشششش. كأني اشوف شيء يتحرك برجولك. لا يكون صديقي نسناس جاء لك هُنا! أنا بروح وانتِ بكيفك. "
وحتى يدير ظهره ويبتعد وحل الظلام! وأصرخ، وعيناي مملوءتان بالحقد والغضب وأبكي " يُمَـــه. نايف يا الكلب. نايف. "
لأجد شيء قاسي يلتفتُ على قدماي لأصرخ ببُكاء " نـــــــــــــــــــايف. والله العظيم لا اعلم عنك أبوي. "
وهو يسمع صوتي غير مباليا لنبرة الخوف، مقشعرة البدن، ويداي ترتجفان مما حصل للتو، لأجد أن الأرض اللينة قريبة جداً، الخوف سيطر على قلبي المسكين، وأسمع صوته من بعيد " وهيج يا الخبلة اصحي. نسناس ما يأذيك. وهج بسم الله عليك! "
استيقظتُ على صوته. لأجد بأن صديقه حول رقبته، وبخوف، وبصرخة " يا حمــــــــار وخره. خله بعيد عني. يا حيوان اقول لك وخره عني. "
ليضحك وهو يلتمس "الثعبان/نسناس"
ويهمس بحب لها ويقبلها أمام عيناي المصدومة "هِدي. هاتي يدك حسي كيف جلده. ترى والله ما يعضك عاد وشلون؟ وانتِ زوجتي! لازم تقتنعين انه بيعيش معنا طول العمر."
وبحقد " على التراب. والله ما اكون زوجتك يا الشايب عمرك كم انت هاه؟ "
ليضحك بمحبة ويغمز لي " طيب شوي. شوي على نفسك. لا ينط لك عرق بس. اكيد بعد اللي صار لك بتخلين طرحتك على رأسك. ما شفتي عميمتي المهره منهي طفلة والى وقتك الحين طرحة ما تغيب عن رأسها. خليها قدوة لك يا ام لسان طويل. قومي اساعدك. وبعدين اللي صار مزحة لا تصرين جدية عطيني يدك. "
وبغضب كبير، وملامحي المتعبة متشبعة خوف " اقول لك وخر عني. بعده هذا. والله ما اتزوجك لو شو ما يصير. "
ابتسم نايف " شوفي ما باقي لي الا هالترم وأتخرج، وعاد الله يعيني بتنظرك لين تدخلين الثانوي. أول سنة لك بالجامعة نمشيها لك مير السنة الثانية إلا وانتِ زوجة النايف فهمتي يا وهيج. وقومي تسنعي بلا دلع بزران. "
وكأنه اخفي خلف صمتي ذكريات كثيرة رحت أتفكر فيها. ظليت على هذه الحالة برهة من الزمن إلى أن قاطعت ديما صمتي قائلة
وحتى تسقط دمعتي " وهج يا قلبي. لا تقسين على نفسك. يختي مهما يكون ولد خالتك وفوقها خطيبك. ابي اسألك ما كانت هالسنة هي الموعود. أنا لو علي يا وهج كان وافقت على سعود. بس في شيء يمنعني ما اتمم هالزواج. أولها عشان أختي ريم بتطمن عليها وبـ استريح لا شفتها مبسوطة. "
ظليت جالسة على ذراع الأريكة، وضمُمت الفرو باللون السكر إلى صدري. رمقت نظرة للسقف وبتملل أزفر " أدري انه هالسنة بتكون الموعود. بس أنا رافضة مبدأ أنه يحجر علي. معذبني بنسانسه ما أبيه. أدري بتقولين يقوم بسلامة أول عقب احكي. صعب يا ديما والله شعور يوجع القلب. اعتبره مثل أخوي! ما أشوفه زوج! لحظة الحين أنتِ وسعود متفقين عقب سنتين يتم زواج صحيح والا لا، ومرت السنة يعني اتوقع مع نايف. يعني حطي بالك يحددون بأي وقت. انتظر ياسر يمر علي عشان أخذت ملابس لأمي وكذا. "
لتهمس بهدوء " آها. يلا ما يخالف يا وهج قوي نفسك. أنا بشوف ميمتي وبعطيها دوائها البرد كأنه زاد. ومبروك على الجوهرة يا خالة وهج. "
وبضحكة " الله يبارك فيك يا عمة ديما، والله وكبرنا وصرت خالة وانتِ عمة. "
لتبتسم " تحدثي عن نفسك.. أما أنا باقي أشوف نفسي صغيرة ! "
لتتسع ابتسامتي لتميل لزاوية اليمنه " اقول أكبر مني بستة سنين. توني بـ اثنين وعشرين. يعني لو حسبتها صح يطلع عمرك ثمان وعشرين سنة.. حلو يا ديم يعني ما بينك وبين سعود سنة! يلا هذا هو ياسر جاني احكيك بعدين. "
لتضحك ديما " طيب إفراج هالمرة، وأنا بعد بشوف ريما وميمتي. اسلم عليك. "
لأبتسم، نهضت لأتجه نحو الشباك أنظر لسيارة ياسر أخي والتي تقف أمام منزلنا " مع سلامه ديم. "
أغلقت الخط لأنتقل إلى " الواتس آب" رأيتُ رسائل عديدة من ضمنها قبل دقيقتان " وهـيج سريع نزلي الاغراض، وبوصلك لبيت جدي الغازي. "
رفعت الهاتف لأذني وحتى اسمع الرنين ليرد " حي الله أخوي. مهو انت قايل لي بمر عليك جهزي الأغراض! امداك توديني بيت جدي! وبعدين راح تتأخر على أمُي. "
ياسر " لأني مشغول. واحتمال بسافر هاليومين خبرك لدورة عمل. ما علينا أنزلي سريع قبل ما ينتصف الليل. "
لأبتعد عن الشباك واتجه لدولاب الملابس " ياسر انتظرني شوي وأكون عندك. "
ليردف " لا تبطين. "
وأهمس له " إن شاء الله. "
***
عند وصولي للعمارة، وخطوتي فوق الرصيف. كنتُ حياً ولست ميتاً! كنتُ في أسوأ أحوالي. فخبر من العم عاصم جن جنوني، ضممت قدماي لأصعد السلالم حتى أصل إلى مكتبي، وراحت عيناي تترقب هذا المكان الممتلئ فوضى وكأنما قد مرت بِه إعصار تسونامي، ورحت أمشي برفقة العم عاصم.
سكت العم عاصم وتفهّم خطورة ما أنا فيه.
دخلت للمكتب الاوراق وسقوطها أرضاً! ملفات القضايا والدفاتر القديمة. لأبتسم عندما وجدت الأدراج مؤصدة كما تركتها لآخر مرة.
أمسكت بالورقة والتي كتب فيها " أبي حضورك بهالمكان، ولا أسمع انك حكيت الشرطة، حتى نفسك ما أبيها تعرف. "
رحت أمشي في مكتبي ذهابا وإيابا، وبينما أمشي مديراً ظهري للباب المكتب، حتى دخل علي مسرعا يكاد يتقطع جوفه من الجفاف " عُمر! "
صحت عليه بهلع " سعود! وش فيك؟ تعال استريح اعوذ بالله، وش هالدم؟ "
سعود سقط على الأرض المكتب الخشبية. لا يصدق ما يحصل أمامه، وأنظر إليه بتعجب " بسم الله عليك. سعود انت معي! يا عم إذا ما عليك أمر! كوب مويه. "
ليهز رأسه العم عاصم " ابشر يا وليدي."
أمسكت بسعود حتى يستند على كتفي ونهضنا لأجلسه على أقرب أريكة " اذكر الله يا رجال. بشر عسى صحة نايف احسن الحين. "
ليغلق عينيه بعذاب سهام الغدر " نايف في غيبوبة يا عُمر. الضربة جات قريبة من قلبه. الله لطف فيه ومده بعمرٌ جديد. كنت بفقد أخوي. بفقد العضيد وسند. اللي ما تعرفه أكثر من مرة نايف يرمي حكي بس ما فطنت عليه الا الحين! "
وبتعقيده حاجبي " عساه خير! قول وش عندك. "
أجابني سعود والحزن ظاهر على وجهه " مدري يا عُمر متلخبط متشتت، مو فاهم وش اللي يصير بالضبط؟ أكثر من مره نايف ينبهني من الاتصالات من أرقام غريبة! "
لتتسع عينه بصدمة كبيرة " يكون منيع له يد في الموضوع ! "
وبتنهيدة عميقة " يمكن يا سعود، ويمكن لا. حط جميع الاحتمالات ببالك، قوم ادخل دورة المياه، وغسل وجهك. لا يكون رحت بيتكم وأنت على هالشكل بتخرع عميمتي حسبي الله على عدوك. "
نظر إلي سعود والحزن ينتشر في عمق عينيه " يا عمر ابوي شافني، هو حاليا عند نايف. مير انه المشكلة أمُي لحالها في البيت. "
وبحده وحزم " أجل ضف وجهك، وأخذ عميمتي لميمتي المزن وجدي الغازي. ابي الكل في بيت جدي الغازي، وانت الله لا يهينك بدل لبسك وتدل المسجد. أبيك تستهدي بالله وتجلس فيه لين ما اعطيك خبر تجيني. "
نهض سعود ويردف قائلاً " على خير إن شاء الله. بس تعال وش هالقربعه ذي؟ وراه مكتبك كذا صاير؟ كأن ريح قوية ضربت فيه. "
لأبتسم له " ما عليك. رح انت الحين ولكل حادث حديث. "
سكت سعود قليلاً قبل أن يجيب، وظل يتفكر، ويتذكر، وكانه سرح في أمر ما ثم قال " الكلب دق على ديما! "
وضعت يدي على كتف سعود وبكل صدق " ما يقدر يطول اللي في باله، وانت بطل افكارك تراها ما ترضيني يا سعود. "
شعر سعود بالخجل بعض الشيء " أنا ما قصدت كذا، وبعدين من حقي اتطمن واسأل عنها! "
لأجيب وأنظر بعينه، ورفعت من حاجبي كأنه أكذبه " سعود توكل وخلني أشوف شغلي. واختي لا تشكنني بأخلاقها. أنت سامع. "
رفع سعود نبرة صوته وهو يقول " عُمر قلت لك يخي. هي أختك وعزيزة علي وفوقها خطيبتي! يعني مستحيل أشكك بأخلاقها سؤالي من باب الاطمئنان لا أكثر. "
نظرت إليه وبنبرة هادئة " أكيد دام كذا. اعتبر ما صار إلا كل خير. "
ابتسم سعود في وجهي " بروح الحين، وهالله الله بنفسك يا عمير. لا تلهي بعملك وتنسى نفسك! "
لينهض من مكانه ودعني وسلك طريقا مغايراً. فـ سعود متوجهاً إلى منزله من ثم ذهابه إلى المسجد. وأنا توجهت لأصل للمكتب، وضعت المفتاح بداخل الأدراج وابتسمت عندما فتحت معي، والملفات الهامة متواجد كما كانت. وبينما كنتُ اتأمل الملفات ظليت أتفكر في كلام سعود. ما قصة الأرقام الغربية، والتي يحذر منها نايف! "
فتارة أقول بأن هناك أمر بين منيع وبين هذه الفوضى والمجهول الذي أحدثها، وتارة كيف يحدث أنه لم يلتقِ، وقصة العمة المهرة! لحظة بالأمس كانت تحدثني عن جدي أكان لديها علم! أيعقل يربطني عن أسرار أهلي، ولا عن سر اختفاء العمات ثلاث! ما هذه الكارثة يا عمر؟
***
غاب القمر وظهرت الشمس، وفي صباح يوم الأحد
في تلك اللحظة. حينما استيقظتُ وجدت ليلى تزين طاولة الطعام المصغرة، وتضعها بكل حيوية انتشرت بالحجرة حتى وصلت لي ابتسامتها الرقيقة " ليلى! ليه كل هذا؟ "
ألتفت لي وهي ترمق لي بنظرة حنان وبابتسامة كبيرة " صح النوم يلا. خذي لك شور رايق وصلِ الفجر رغم أنه راح وقته! "
لأبعد اللحاف عن جسدي وتأملت الساعة المعلقة بالجدار " يارب تغفر لي ساعة سبعة! راح علي كثير! بصلي وبفطر ثم اخذ لي شور صح! كذا شور نطقها. "
لتبتسم لي ودمع يلمع بالعينين حتى اقتربت مني وقبلت خدي يمنة ويسرة " يا زينك يا زهرة صح عليك شور. والله وبدأت تتجاوزين مراحل كثيرة، وهذا بفضل الله ثم اجتهادك، والمفاجأة الثانية مع العام الجديد احتمال كبير راح تدخلين المدرسة. "
لأحتضنها وبفرحٌ عميق وبكيت " شكراً ليلى. شكراً على كل شيء. "
بالأمس كنت طفلة تشدها الحنين لجدتي منيرة وجارتي أم سند، والآن يغلب علي البكاء. تسرقني رياح الشوق إلى الماضي كان بنعيمهما جنة الدنيا! طريقي طويل جدتي منيرة! طويل جداً لكن الله يمطر على صدري بالأمان بقرب ليلى وأبو حاتم! أنني اسعى جاهدة. أنّ أكون الابنة الصالحة والتي تنبتُ بصدر أبيها زهر الياسمين! أتعلمين بأن أبي قاسي وظالم! متجبر وطاغي! أيعقل كُلّ ما يحصل معي شيء غريب/عجيب! آه يا جدتي اشتقت لصدرك الحنون!
سقطت دموعي وتضمني ليلى بقوة تمسح على شعري طويل " ما اكتفيت من البكي، وبعدين لين متى؟ ما تفكين عنك عبايتك بوقت النوم! استهدي بالله وتوضئ. وأنا بتنظرك هنا! "
لأبتعد عن حضنها وأشدد بعباءتي ربما لم أجد الأمان إلا بقربكما، صرت لا اثق حتى بالهواء التي أتنفسه الآن! أجهل هويتي! من أكون! ولما الحياة قاسية معي! لما تظلِني بغيمة سوداء كسواد قلبُ أبي وانكساري! لما أجد العوض من الله كبير، وكأنما الراحة تستقر بقلبي! لأمشي نحو دورة المياه، وأتوضأ، وأفرش أسناني من ثم ضممت خطواتي حتى أصل إلى سجادتي، "وألف" طرحة على رأسي وأكبر.
نهضت من مكاني حتى اطوي سجادة بكل رقي، وأخطو باتجاه طاولة الطعام الصغيرة! رأيت فستان ليلى "الصوف كـ ليلة الشتاء" يصل لساقيها، وصوت الخلخال الأنيق، وحتى أبتسم عندما سحبت الكرسي وجلست عليه وبهمس " شكراً. "
لتجلس مقابلاً لي " ما له داعي الشكر بين الأخوات. سمي بالرحمن وافطري. "
وبعقدة حاجبي " انتِ ما راح تفطرين معي! "
وهي تسكب لي بعض عصير البرتقال الطازج، وتضع الكأس أمامي " أنا سبقتك مع أبوي. عليك بالعافية. "
تأملت لعينيها وطرحت عليها سؤالاً " ليلى! ليه ما تزوجتِ لين الحين؟ يعني وحده برقتك وجمالك الهادئ كان المفروض يكون عندك طفلة! أنا آسفه إذا ضايقتك بكلامي. "
وبتنهيدة عميقة " صح كلامك. ما الله كتب لي نصيب اني اتزوج، ما يمنع اني اقول لك تجربة هذه علمتني الصبر. تدرين عندي جارتنا أسمها ثريا! هالبنت طيبة لأبعد حدود! مير مشكلتها مع زوجها! ما تخرج من البيت ابد. حاولت معها أخرجها باللي هي فيه! تقولين كأنها يأست من الحياة. رغم عندها عيال تقدرين تقولين الله عوضها بـ اطفالها! "
لتتسع عيني بصدمة " معقولة! طيب ليه ما تخرج؟ وتجي هنا وتغير جو! "
ليلى بحزن " زوجها يمنعها. ما غير انا اجي لها بين فترة وفترة! اللي يحزن صدق! لها عن أهلها فوق عشر سنين ما شافتهم! "
وبنبرة حزينة " يا حياتي. ليه زوجها كذا قاسي عليها. مهما يكون هذولا أهلها! الله يفرج عليها كربتها! يصير يوم تأخذني لها! "
لتهز رأسها بإيماءة " إذا الله كتب ليه لا. "
***
بعد نصف ساعة.. حين صعودي إلى متن السيارة والجلوس بجانب ليلى، تحرك السائق حتى يبتعد عن اسوار القصر، سلك الطريق وعبر الحي حتى نسلك الطريق السريع..
أبو حاتم " عسى صحتك زينة يا بنتي؟ "
لأجيب وأهز رأسي " الحمدلله. بخير. "
لأستمع إلى صوت القرآن عبر الاذاعة، وحين تدق ساعة اللقاء، ينتابني شوق إليهم وكأنما رأيتهم عبر الحلم، وساعات الانتظار طويلة، اشعر أني بعيدة عنهم كمسافة وجنتين وألف دمعة.
وبينما نمشي في طرقات حتى وصلنا للمكان المنشود. أمسكت بيد ليلى وبضعف " هونت ما عاد ابي انزل. "
ترجل أبو حاتم حتى نظر إلينا باستغراب " وراه ما تنزلون؟ "
ألتفت ليلى وبنبرة حنونة " سمي بالرحمن وخلينا ننزل. مهو حلوة بحقنا كذا نوقف مقابلين الباب. "
***
هُنا خرجت من منزل جدي لأجد سيارة فاخرة تقف أمام عتبة الباب! نظرت إليهم " يا مرحبا بك يا عم. أساعدك بشيء! "
أبو حاتم نظر إلي وابتسم " سلمت. مير بسأل هذا هو بيت الغازي الغانم؟ "
ابتسمتُ في وجه رجل المسن " ايه يا عم وصلت خير. اقلط البيت بيتك. "
أبو حاتم " يالله انّ تسلم يمين من ربتك. مير يا وليدي عندي أمانة ولزوم أسلمها للغازي الغانم. "
أيقصد أبي غازي! أم جدي الغازي " ابشر. تفضل. دونك المجلس. "
لأمشي وأدخل الساحة، والتفت للعم أبو حاتم " يدخلون من مدخل مجلس الحريم. حياك يا عم. "
ولجت لداخل صائحا " درب يا عرب.. يا ديم افتحي مجلس الحريم فيه ضيوف. "
***
على الجانب الآخر
غدير " ابشر يا عُمر. بنجهز لك القهوة والشاي. رح الله يستر عليك. "
لأبتسم لها " يابعدي يا عميمتي. عجلي يا ديما وانتِن بعد هالله الله بالسنع. "
من وراء الباب تهمس وهج " وش عنده عمير يصارخ! ومنهو ضيوفه اللي يجون بهالوقت! "
ريما " أي والله.. تهقين من اصحاب عُمر، أو يمكن واحد يتوسط لعمير عشان قضية مثلاً . "
لتضحك وهج " من جدك شطحتي واجد. "
غدير " رح يا عمر، وانتم وش قلة الحيا ذي! تتسمعون من ورا الباب! وش هالتصرفات؟ "
لتبتسم ريما " شوفي يا عميمتي بغينا ندرعم المكان مير يوم سمعت صوت أخوي لبى قلبه ليت منه اثنين "
حتى تضحك العمة غدير أم نايف " الله يهديك ويصلحك. هاتي عكاز ميمتك سريع الله يرضا عليكم. "
***
وصلا الاثنتان لمدخل المجلس واحدهن تطرقن الباب، وهمت بفتح الباب وبترحيب " يالله أنك تحي من جانا. اقلطوا "
ليدخلا ثم جلس على الأريكة، وكان الصمت سيد الموقف في تلك الأثناء لم يود أحدهم أن يتحدث، وصلت العمة غدير ولم تصدق ما رأته أمام عينيها. وكأنها تتألم في داخلها وتتحسر على حالهما، وكان لا بد أن تجيب على تلك الأسئلة حتى تكسر حاجز الخوف الذي بداخلها، لتساعد الجدة المزن على الجلوس بصدر المجلس، وحتى يقفا بحضورهما. تعجب كل من زهرة وليلى.
وحتى نزل هذا الخبر كالصاعقة علي أنا الديم. وَ وهج وريما اللاتي وقفن عند باب مجلس الحريم
لتردف العمة غدير" انتِ بنت رعد! صحيح "
***
نظرتُ إليهم بصدمة كبيرة تعانق صدري وحتى أجيب بضيق " ايه بنت رعد الزاهد! "
لتردف المزن أم غازي بصوت عالٍ " لا إله إلا الله. انتِ بنته! وشلون؟ الله أكبر عليك يا الدنيا الله أكبر. "
وحتى تبتسم ليلى تكسر من حدة الموقف " هذه زهرة حفيدة منيرة بنت وصايف! زمن حدنا لكذا، وانا ليلى بنت أبو حاتم زوج لزهرة. بس هو زواج صوري هو وصية الخالة منيرة الله يرحمها. "
وتتسع عيناي " معقولة! يعني جدتي الوصايف اللي هي جدة أبوي غازي! يكون عندها ولد ثاني! وشلون؟ "
غدير " ديما. خلينا بروحنا شوي! "
لم اصدق مما سمعته، وكذلك ريما وهج!
ظلوا صامتين لبرهة من الزمن إلى أن قالت جدتي المزن " تعالي يا بنتي! الله يهدي أبوك، هو اللي حرمنا من معرفتك أو شوفتك. تعالي أنفداك. "
لتهز رأسها بالنفي، وهنا اقتربت العمة غدير حتى تقف فوق رأس زهرة وتبتسم لها " تدرين كنا عارفين انك بنت رعد! تدرين ليه؟ لأنك تشبهين كثير لفاتن، واللي هي بنت عم أبوك! وغير كذا فيك ملامح كثير من عمتي منيرة! لا تخافين أنا بنت خالك غدير الغازي. كافي بعاد يا بنتي "
***
وفي الوقت نفسه. كانت مستلقية على سرير الابيض، تأملت لملامحها وحتى أهمس بإذنها " المهره. اصحي، فاتتك صلاة الفجر."
وهي بعقدة حاجبيها " اششش. "
حتى اضحك وبصوت خفيف " يا حبك لنوم. اصحي صلِ الفجر. المهره "
وهي تهمهم " ابي انام. اششش"
ابتسمت وبرقة " مبين للحين ما استوعبتِ زواجنا! "
لتفتح عينا النعاس وترتبك الأهداب " الفارس. "
وابتسم بوجه اللون الخجول محمراً مع نسيم الصباح " صباح الخير. تو ما زان صباحي. "
وحتى تتراجع خجلاً " آسفه "
لم تكن تفهم نشوة التي تمنحني إياها شعرها الغجري الطويل، وصوتها الناعم والتي تخرج من القلب لا من الحناجر، وهي تخبّئ عينيّها عني!
وبهمس " مافي صباح النور على الأقل! "
وتسكن بعظامها رجفة! خوف العذارى، ما عدت وحيداً بعد اليوم يا المهره، ما عدتُ حزينة بعد أنّ انشق صدرك عن زهرة الياسمين التي زرعتها بقلبك " تعرفين منهو الأمان؟ "
***
أمسكت باللحاف أغلقت عيناي من شدة الارتباك، وجفناي والتي تهتز بغصنك يا الفارس، ريح تهب فيني، وتسكن عظامي رجفة غريبة! شعوري وانت بجانبي غريب/عجيب! هل هذه ما تسمى بالمودة والرحمة!
وبهمس خجول " صباح النور. ممكن اروح دورة المياه. "
حتى يبتعد عن السرير وينهض مبتسم " جهزي نفسك، بتسلمين على أمك وعقبها بنسري للإحساء! "
أمسكت بالروب الحريري وضعته فوق القميص السُكري وحكمت رباطه بشدة ثم رفعت عيني لأجده مرتدي ثوبه الأسود الثقيل وشماغه، ليتجه نحو المنضدة ويمسك بساعته الفضية ويضعه بمعصمه.
من ثم أردفت" الإحساء! "
التفت إلي يرمق لي بنظرة الفرحة ويبتسم " ايه عند جدتي! بحكي لك تفاصيل بالسيارة. عجلي "
حاولت أن أبتسم في وجه الفارس لعله أخفي قلقي لكن لم يكن بمقدوري ذلك فقلت " الفارس! اقصد يعني ليه بنروح لجدتك؟ "
تنهد الفارس قبل أن يجيبني ثم أردف " معليش ما اقدر اخليك هُنا، وخصوصا أهلي يبون يحتفلون بعرسنا، وانا هالفترة مضطر اتركك عشان شغلي! كان بودي نسافر شهر عسل مير العُمر قدامنا. "
هنا اتسعت عيناي وتبدلت ملامحي وأنا اصرف نظراتي عنه، وضع الفارس يديه على ذقني ليديره، لتلتقي عيناي بعينيه ويبتسم " المهره. مابي اتركك بالقصر لوحدك خصوصا كل اهلي هناك. وانا هالشهر بغيب عنك بس بعوضك بزفاف كبير الكل بيحضره. "
وبغصة زادت تلك الكلمات من قلقي " الفارس! شهر انت مستوعب بكون بعيدة عن الرياض وعن أهلي! وأمُي. أمُي يا الفارس ما اقدر. افهمني ما اقدر اغيب عن أمُي اسبوع شلون شهر ! "
الفارس بنبرة هادئة " استهدي بالله، وبعدين أنا ما امنعك عن أمُك! بس كونك زوجة الفارس فلزوم تعرفين انه زوجك له حق، وإلا أنا غلطان. "
وبغصة " حاشك بس افهمني انت بتتركني عند اهلك. طيب اقصد خلاص ولا شيء. على أمرك ممكن تخليني أروح الحين. "
همّت بالابتعاد عنه لكن نبرة الفارس استوقفني " لا تحسين نفسك ضائعة ترى اهلي هُم اهلك وعزوتك! يمكن قصة زواجنا غريبة شوي. لكن الكل بيرحب فيك فـ لا تقلقين وتشلين هم "
لتسقط دمعة حزينة بكل أسى " إن شاء الله. "
لأمشي واتجه نحو دورة المياه واغلق الباب من خلفي واتنفس بعمق وبحسرة أغمضت بعدها عيني قليلاً ليريحهما ويريح نفسي " يبي يبعدني عن اهلي. لا يا المهره لا يكون تفكيرك ضيق! اكيد عشان شغله ايه هو قال عشان شغلي! طيب أنا عروس يعني ما يأجل شغله لو شوي! وعسى تبينه يكون عندك اربع وعشرين ساعة! اعقلي يا مهير وخلي رجال يشوف أموره "
ولم تمض إلا دقائق قليلة فإذا بصوته صادر من خلف الباب " المهره عجلي صلاتك! "
ابتسمت ولكن خلف الابتسامة حزن عميق خبئت وراءها الكثير من الآلام، اقتربت حتى افتح صنبور الماء وتتساقط المياه الباردة على جسدي وأبكي، أشعر بأن الحزن يقتلع قلبي! شرخٌ كبير
صوته القادم من أميالٌ بعيدة " المهره ما صارت. عجلي يا بنت الحلال. "
لأبكي دون أن اشعر وصوتاً بداخلي " كلهم ضحكوا عليك! ليه كتموا سالفة اني خطيبته؟ ليه تقدم الفياض؟ وعشمني بحب كبير ونهايته زواج! ليه أبوي في كل مرة يقول لي خذي الفياض؟ وليه غازي أخوي يقول احتوي محمد ما له ذنب؟ وأنا وش كان ذنبي عشان اكون مجهولة بكل شيء! بكل شيء! لـــيه؟ "
ضرب الباب وبصوت غاضب " المهره وبعدين معك! انتِ بخير وراه طولتِ كذا! "
بانت علامات الخوف بصوته " افتحي الباب. المهره تسمعيني افتحي الباب لا كسرته على رأسك "
ظليت أبكي وتشاركني المياه تغسل عاري العفن بأفكاري والتي تتجه للخيانة! لا أود خيانتك لكن الألم يتخلل بجسدي. حين تتحدث عن الحُب يا الفارس فأنا أكثر شخصاً عاشه وذقت مذاقه، انني متشبعة من شوق والحنين لكن تحول هذا الحُب إلى كراهية.
أغلقت المياه، وحتى أجفف جسدي وارتدي روب الحمام، وفتحت الباب لأجده شامخاً وبعينيه الخوف " وراه كُلّ هالتأخير؟ "
وعيناي تشتعل حقداً " كذا مزاج. مابي اسافر معك الإحساء تدري ليه؟ لأنك. لأنك قاسي وظالم. تبي تروح لشغلك وشهر! شهر بتخليني بروحي ما كأني عروس! لا تنظر لي كذا. من حقي أمنعك، ومن حقي أرفض. ومن حقي بعد... "
حتى يضمني لصدره ويضحك " الحين كل هالزعل وما تبين تروحين، وهذاني موضح لك انه عشان شغلي. بس خلاص ولا يهمك خلي شغل يولي ولا تزعل المهره. هِدي، وبعدين في هالبرد مأخذه دش بارد، ما تحسين بالبرد! "
لأبتعد عنه بخجل " معليش اعذرني، ابي اصلي. "
لأميل ويقبل خدي " معذورة. صلاتك الله يهديك! "
ابتعدت عنه لأتجه نحو الحقيبة الصغيرة واجد احدى الفساتين الأنيقة والتي هي الانسب فيما بينهم، واخرج عن الجناح، وددت لو ابكي مجدداً. سقطت أرضاً الحزن يتسرب فيّ! اشعر بالوهن غريب ومناجاة شخص غريب ينادي من بئر أجوف " صــلاتك. "
وضعت يدي على قلبي وصوت سريع كمضخة كبيرة، حاولت الوقوف لم استطع لأهمس بتعب وبصوت خفيف " أمُي "
للحد الذي ينكسر بداخلي شظايا مؤلمة نزعها جارح للغاية همست " الفارس! ياربي وش ذا اللي فيني؟! وش ذا الألم الموجع؟! "
حاولت أن أبلع ريقي وأعتصر بطني لأنحني وبأنين " الفــــــــــارس. "
حتى يأتي ونظرات القلق تكبر بعينه " بسم الله عليك، وش فيك! "
حتى أبكي من الوجع " مدري. فجأة حسيت بضيقة وبطني! آآآآآآه. في وجع غريب في بطني. بطني يتقطع. "
نظر لوجهي والوجه الشاحب وشفتاي البيضاء " وش مأكله البارح! اكلتي شيء عند اهلك! "
وبوجع " وش تقصد بحكيك؟ آآآآآآآآآآآآآآآه ياربي! مستحيل الألم لا يطاق. ابي ...."
وحتى أنحني أرجع أمامه وهو يمسح على شعري " بسم الله عليك. وش فيك تصرفاتك غريبة! "
نظرت بغشاوة ودوار الأرض حتى اسقط بين أحضانه " المهره. "
أشعر أن وردة حُبي قد مرضت، وردة حبي لا يليق بها الذبول " بسم الله عليك. وش زينك قبل شوي! "
أمسكت جسدها النحيل نظرت لوجها كلما تبعثرت وأصبحت ورقة من ضمن أوراق الخريف المتبعثرة أحاول لملمتك لا أحد سواي، " يا عسى " قلبك لا يوجعه دُنيا، وروحي تتوق لجنتك يا المهره، من صوتك المرهق، وضعتك فوق السرير لأقرأ عليك آيات الذكر الحكيم وأجدك قد نمت نوم عميق، لأغلق، واتصل على الطبيب، حتى يخبرني " زوجتك مريضة! معها انهيار عصبي شديد. مبين تعرضت لصدمة قوية وعلى أثرها ما تقبلت! الاحتواء وتفهم هو الحل الوحيد لشفائها. "
لأشكر الطبيب حتى يغادر وأنظر لها، واتصل على " العسكري خليل "
" اسمعني. احتجز الكلب اللي عندك، ولا يغيب نظرك عنه دقيقة! أنت فاهم علي يا خليل! "
ليهز رأسه وكأنما اراه الآن " تم طال عمرك. "
قبل أن ألتقيك يا المهره. قبل أن يبتسم لي الحظ ويجلبك لي! قبل أن اتعثر في الطريق وحدي ثم أرفع وجهي وأجدك أمامي منكسرة/وحيدة! ماذا كنت؟ وكيف عشت إلى الآن؟ وكيف على من وجد الصبر بثوبك العتيق! فضلتِ الوحدة عن ضجيجهم والبرد عن حضنهم. وحينما أتيت إليك. كان فوق احتمالك! أشعر بكِ يا زهرة الحُزن. طفولتك التي عادت إلي بين يدي يا المهره.
امسكت بالهاتف واتصلت على عُمر! نظرت لوجهي المنعكس على المرآه وتأمل ملامح ذاكرتي المعطوبة، واغمض عيناي وأتساءل
وبعتب كبير " تترك اللي بيدك وتجي الحين في ذا الحزه سمعتني يا عُمر "
عُمر بصدمة " عساه خير! وراه صوتك كذا! عميمتي المهره فيها شيء! "
لأرمي عليه بحجر الكلمات القاسية " لو تهمك عمتك! كان حكيتوا عن اللي صار قبل ما اهجر الرياض قبل ما انتقل للأحساء يا عُمر. "
يبلع ريقه عُمر " انت حكيت لها! الفـارس وش قلت لها؟ اعرفها عنيدة وتنبش بالماضي كثير. "
وبضحكة ساخرة " عمتك يا الفالح تعبانة مريضة! تدري ليه. لأن صدمتين فوق رأس توجع! الحين تجي يا عمير، والا بتشوف علوم ما تسرك! "
***
نهاية الجُزء الثامن من الفصل الثاني.
اعذروني من الجُزء التاسع. لأني مرهقة بعض الشيء واحتاج لراحة مدتها اسبوع. هالجُزء اهداء لكل الناجحين، وعسى الله يوفق الجميع يارب.
***
همسة أخيرة/ مُمتنّة لكل الكلمات التي لم تأتِ في وقت حاجتي لها بينما كان الصمت حاداً بما يكفي لإسعافي من ذنب السقوط. اللهم أتبع عُسرنا بيُسر وأبدل كسرنا بجبّر واجعل لنا في كل أمر خيراً.
***
عمر الغياب/عَبـير.
|