كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
تَوكلتُ على الله
،
الجزء السادس و العشرون
قُطْعة الفراولة تَتَخبط بين أناملها الرقيقة،يُمناها تَرفضها فتتنازل عنها لليُسرى التي تَتَلقفها بتَبَلُّد اختَزَل التَلَذذ الذي يُراودها كُلَّما ألتقطت عدستاها البُنيتان ذلك اللون الأحمر المُسيل لُعابها النَقي من أي شوائب دَنيوية..فلا زالت لم تَتَلوث من وَحل الخطايا المَبصوقة على أرضٍ ها هي الآن تَتأملها بنظراتٍ تائهة تُنَبّش عن إجابةً لِسُؤالٍ لم يَتجاوز عُمرهُ الخَمس زهرات،و لكن قلبها الباكي لا يصطدم به سوى بَردُ الصَمت الكاشح سماءها المَبنية على عَجَل بيدين تفتقران لفِطرة لا تَنمو إلا بين راحتي تلك..البعيـدة بلا تفسير يُقنِع براءة عَقلها...،
،:ماما جَنـى ليش ما تاكلين ؟
جَوابها أنَّها رَفعت حَبَّة الفراولة لفمها قاضمة بطرف أسنانها قمَّتها التي لم تتأثر من مَسّها البسيط،فالغَصَّة التي في حَلقِها أحكمت قَبضتها على شفتيها الصغيرتين وازِعةً ارتعاشاً يُنذِر بانسكابٍ على قارعة الطَريق..،هي و التي كانت تُراقب ملامحها البَريئة العائشة أَرَقاً يَكبَرُها بأعوام،عيناها تَهيمان في بَحرٍ يَزدادُ ارتفاع مائه مع امتداد عُمر الفِراق،و في صفحة عدستيها تُبصِر انعكاس اليُتم المسفوك دَمه أسفاً على يَد والدها..،كَفُّها المنحوتة بخرائط تجاعيد الزَمن امتدت لوجنة الصغيرة المُتَلَبّسها احمرارٌ كان نَتاج كَبحِها لبُكائها المخنوق في صَدرها،مَسَحت بإبهامها لينتثر الدَمع يَبحث عن دفئ الحنان الذي باغت خَدَّها..شَهقة استوطنت صدرها بضياع اخترقت حنجرتها عابرة صدر جَدّتها المُلتوي شريان قلبه بألم لحال هذه الضحيَّة..،ذراعيها اعتزلتا الصمت لتُحيطان بجسدها الضَئيل الفقير من انطواء رائحة طبيعية بين زواياه القُطنية،انهمر الدمع على صدرها غارِقاً جوى أُمٍ تَعلم يَقيناً عُظم فِراق الابن،و كأن الروح تُكسَر ببطىءٍ مُميت يزهق الفرح و يجهض راحة البال،فالنوم عنوانه الألم و الحَسرة على طيرٍ لم يَسكُن العُش..،أودعت قُبلة بين خصلاتها المُموجة ناطقةً بحنان،:ماما ليش تصيحين؟هالوجه الجميل لازم ما تزوره الدموع
كَفُّها الصغيرة ارتفعت بانقباض إلى عينها الضائقة من ثِقل دموع و من بين عبوس شفتيها أجابت بوَجَع،:ماما جنان ما تحبني
نَبْضة التوت في قلبها صَلَّبت أطرافها نتاج بَوحها الظالم جنان المَنسية روحها على قبرٍ لم تَتبلل تُربته من سُقيا عينيها،ازدردت ريقها و يدها تُـمارس طَبطبة رقيقة على ظهرها و هي تقول،:لا حبيبتي لا تقولين هالكلام ماما جنان اكثر وحده تحبش
رأسها التمس ارتفاعاً يُعين مُقلتيها اللامعتين على مُناشدة وجه جدَّتِها المحفور ارتباك بين ملامحه،:ليش ماجت ؟ احنا من زمـاان اهني،انا اعرف احسب وصار واجد يووم و هي ما جت ليــش ؟
احتضنت بدر وجهها و لسانها يُحاول التحَرُّر من تَلَعثُم صَعَّب عليها استعارة جواب يُطَمئن أسئلتها البريئة،:ماعليه حبيبتي بتجي،صدقيني بتجي بس هي مشغولة شوي تخلص شغلها وبتجي
أشاحت وجهها بقَهَر طُفولي أجَّج البُكاء في صدرها و هي تقول باستنكارٍ يرفض الاقتناع،:كله شغل كله شغل
أصابعها تَمَسَّكت بذقنها لتُدير وجهها لها بخفَّة،رَسمت عذب ابتسامة على شفتيها قبل أن تقول،:جَنَى عمري ماما جنان قريب بتجي و هي تحبش و تموت فيش "أخفضت صوتها و عيناها تتسعان بحماس جَذَبَ لُب الطفلة البريء مُردِفَةً"هي تبي تسوي لش مفاجأة بس قالت لي ما اقول لش،مو تقولين لها انش تعرفين
فَغرت فاهها و كلمة مُفاجأة أحاكت خيالات مُلَوَّنة في عقلها المُتَعَطّش،نَطَقت بفضول مُنبَهِر و كَفّها بدأت بإزاحة بقايا ما التصق من دموع على وجنتها،:شنو المفاجأة ؟
قَرَّبت فمها من أذنها هامسةً،:مفاجأة ما يصير اقول انتِ تعرفين بروحش
هَزَّت رأسها بربع فهم و فمها لا زال يُحاول ارتشاف فَحوى تلك المُفاجأة من فَوَّهته،رَفَعت عينيها لجدّتها عندما أمسكت بيدها و هي تحثّها على النهوض قائلةً،:تعالي نروح لعمو نور و جود
،
في الأعلى
الحقيبة مُشَرَّعة على مصارعها و من حولها انتشرت قِطع مَلابس ببعثرة التمست بضع بعثرات روحها المَحنية على قارعة الماضي المُبهَم..وجهها ارتداه وَهنٌ لهُ اصفرار باهت يغفو على طريق ملامحها المُتَوسّدها ضيقٌ تَكالب في صدرها حتى فَجَّرتهُ عروقها..،شعرها البُني ينام بإهمال عند قِمَّة رأسها مُتَسَلّلة منهُ خصلات رَغِبت في استنشاق عَبير عُنُقِها..،طَوت القميص الأبيض المُناقِض سواد ما ترتديه و حَشرته بترتيب في زاوية الحقيبة و أُذنها تُنصِت لحديث شقيقتها..،:ليش من اللحين تجهزينه ؟ باقي وقت على السفرة
أجابت بهدوء،:لأن بتكون السفرة بعد عرسش بيومين و اخاف ما يمديني و عشان اضمن ما انسى شي
حاجباها ارفعهما الاستنكار،:يوميـن ما يمدي ! كلها شنطة وحدة !
زَمَّت شفتيها قبل أن تُرخيهما مُفرِجة عن زَفرة تَهَدلت بين ذرات الهواء بتَمَلمل..و من بين نبرتها الضائقة،:جــود ترى مالي خلق
أخفض التَعَجُب رأسها بالتوالي مع اتساع عينيها و هي تقول،:اللحين شنو قلت ؟! شنو مالش خلق !
أصدرت صوت لا مُبالي من بين انكماش شفتيها الجافتين من ملح دمع تَخَزَّن بين تشقُّقاتِها هامسةً ببرود،:و لاشي "دَعَكت خدها مُردفة بصوت أرفع" تعالي ساعديني مابي اتأخر على الدوام بلا هالقعدة البطالية
اقتربت بشفتين مَطَّهما الزَعل و هي تقول،:عروس بدل ما تريحني و تدلعيني تشغليني
هَزَّت رأسها بسُخرية،:اللي يقول اول وحده تعرسين
تناولت من الحقيبة كيس قماشي أرجواني لهُ حبل داخلي يتوسع عند قِمَّته ليُفتَح و حَشَرت يدها داخله تستنبط ما فيه مُعَقّبةً،:والله عروس عن عروس يفــرق مــ
انقطعت كلماتها فَور تَمييزها للذي أخرجته من داخله،كانت تنظر بمحجرين مُتَوسعين و فم فاغر يَبحث عن سبب وجود هذه الحاجيات لدى أختها،رَفَعت بَصَرها و السؤال يَنعَق فوق رأسها و بمُجَرد ما أبصرت وجه نور المُحتَقِن حَرَجاً انفجرت ضحكتها عابرةً حنجرتها المُقرقعة سُخريةً..،شَدَّت الكيس بإحراج يُقَطّر من وجهها اللاهثة أنفاسه الساخنة من افتضاح سرّها الطفولي،نَطَقت بحنق و هي تشعر بدخان يتكاثف فوق رأسها،:جــوودوو بس خلاااص ترى مااا يضحك
اجتذب السرير جسدها المُملتىء بحلاوة و هي مُستَمِرَّة في إطلاق ضحكاتها العميقة و التي حاولت أن تتلفظ من بينها ببضع كلمات ما إن تترك لسانها حتى تذوي فوق شفتيها من استحواذ الضحك على طاقتها كُلياً..،أبعدت نور خصلاتها المُباغتة جبهتها بعدستين مُتَخبطتين تُحاولان تَجاهُل ما أخرجته يد شقيقتها الوارثة جزءاً من فضولها المُتربع على عرش ذاتها العوجاء على حد قول فيصل..التَجاهل نَفسه الذي تَلَبَّستهُ عندما حَشَرتهُ في زاوية الحقيبة دون أن تُسهِب في السبب الذي جَعلها تُرفقه معها في السَفر..،تنَبَّهت حواسها لاقتراب جـود المُهتَز من ضياع توازنها في قُعر سـخريتها..زَمَّت شفتيها تُجاهد ابتسامة و هي تستمع لها،:شنو انتِ رايحة تعالجين المرضى بهالأشياء ؟! صراحة بتخليني اشك في عقلـ ـش ! ليش ماخذتهم و ليش اصلا عندش ؟
نَظَرت لها ببرود مُحَرِكةً رأسها باستخفاف،:ما تضحكين،و بعدين كيفي مالش دخل،عطيني إياه
شَدَّت عليه و هي تدفن رأسها فيه قائلةً،:خل اشوف الباقي قبل
مَدَّت يدها تُحاول استرجاعه لكن جود استدارت مُصَيّرةً قفاها عازلاً بينها و بين نور الغائصة في بحرٍ من المشاعر المُعَقَّدة و التي تَحسَّس حلقها مما تراكم من غُبار فوق صندوقها المُعتزلتهُ ذاكرتها في صومعة النسيان..،أخرجت قطعة مما انحشر في الكيس لسنوات..بلاستيكية بيضاء بحجم كف الانسان البالغ أو أكبر قليلاً،تَعَلَّقت لأعوام حول عُنُق نـور أثناء مُمارستها لعبتها المُفضَّلة..سَمَّاعة تَجَمَّدت في مُستشعرها نبضاتٍ أضاعت الطريق ذات انبهار،و ذاك الأنبوب الشفافي المطبوع فوقه قياسات مسافات تَقَلَّصت حتى استوت أحضان و صَيَّرها الزمن سفوحٌ من غربة و هُجران..تذكر أنَّها حاولت عدد سذاجتها أن تحقن ذراعه بها بعد أن تملأها بأصباغٍ مُلَوَّنة تسرقها من غيداء الفنانة الصغيرة،و بدل أن تسكن عروقه تسيل مُشَكّلةً بُقع بين خيوط ملابسه على إثرها يُضرَب و يُعاقب و تستوطن جسده كدماتٍ تمسحها بوهم أدويتها و شاشها المُتَقصّف الأطراف،و لكنهُ لا يعدل عن إيداع الفرح في قلبها،فقبل أن يُرسِل الليل سَحباته الناثرة غيثها على جروحه يعود طالباً حُقنة براءة من بين أناملها المُدواية،مثلما هَمَسَ في أذنها أثناء عروج القمر على سماءهما المُحتفظة بأسرارهما في رحم ليلها الأصم..،
،:نـوور
ضوء واقع داعب أهدابها مُواصلاً المسير مُختَرِقاً روحها ليفصلها عن مزيج الماضي الرهيف..زَفَرَت هواجسها و قلَّة حيلتها،مُتَيمة هي بالتعب،تَهوى غَرَقُ الماضي و روحها المُرفرفة بنصف جناح تَقطَع طريق الذكرى جيئةً و ذهاباً،تَطمَئن على بقاء أثيرها في ذاتها المُعَفَّرة بتُراب جراحٍ و انكسارات،تطوف على حاضرها تُراقب بعينان استوطنهما الأسـى من حالِها المُحاكة خيوطه بعُقد حَسرات أخنقت ذاك الأثير حتى اقتلعت ياؤه لتنحتهُ أثراً قَرَّح كَهفَ ذاتها المُظلم بغيابه..ذاك الغياب المُتزامن مع بدء مآسيها،و كأن وجوده النَقــاء و غيابه سَيفٌ يقتطع العِرق مُبصِقاً شوائب دَم مدمعها..،أَرفعت التنهيدة صَدرها ثُمَّ أخفضته بعد أن ارتشفت قليلاً من بؤسها لتُفرغه بين زوايا الهواء..أجابتها بصوت اختُزِلَ انتعاشه على يد خَفيَّة تَطالها و هي المُحارب الأعزل،:شنــو ؟! ماخلص فضولش ؟
نَطَقت و هي تُقلّب الكيس بعد أن أفرغته من القطع البلاستيكية أو بالأحرى قطع "لُعبة الطبيب" التي تَعلَّقت بذراعه عصر ذلك اليوم برجاء ليشتريها له من البَقالة القريبة..،:ابي افهم ليش بتاخذينها السفر ؟ أساساً ليش للحين عندش ؟!
ابتسمت و رأسها يَميل مع مُنحَدر الذكرى الجارَّة قلبها لشعُور فَريــد يُحاكي نبضاتها برِقَّة يَسيل لها لُعاب حواسها..أســفاً أنَّها اشتقاته،اشتاقت هبوب رياحه على شَعب قلبها..،بعينان كان الانخفاض سلاح هروبهما،:اتفاءل فيها،اشتريتها و انا طفلة حلمي اكون دكتورة،كل ما اشوفها أفخر إني حققت حلمي
التقطت كُتيب صغير لهُ قاعدة من الكارتون،كان عبارة عن بضع أوراق مُخطَّطة لكتابة مُلاحظات بخصوص المريض أو "المُستمرض"،و بضحكة،:لا و بعد كان عندش مَرضــ ـى
ذلك الانقطاع الذي انتصف كلمتها لم يَكن سوى وُقوفٍ على مَشهدٍ اندثر أسفل تُراب النسيان الذي جَمعتهُ غَصباً بعد أن بَصمت على وثيقة الثِقَّة..بمُسايرة لما بَثَّهُ الماضي في ذاكرتها ارتفعت يدها تَتَحَسَّس أُذنها بملامح انكمشت من زيارة الألم لها..،
شَدَّ أكثر على أُذنها يطويها بتَوبيخ و من بين أسنانه نَطَق،:متى يعني بتكبرين ؟ ألف مرة محذرنش من التنصت على الغير بس مافي فايدة
،
صـوت آخر،لهُ هـدوء الشتاء عند زيارته الأولى،:لا تقولين لأي أحد،أرجــوش جــود،اثق فيش
،:جــود !
مَرَّرت لسانها على شفتيها تستطعم ما نما عليهما من بذور ما مضى..ظاهر سَبَّابتها مَسَّ أنفها و هي تُرَشّح صوتها مُتسائلةً و عينيها على الاسم المكتوب بخط طفولي مُتَعَرّج،:انتِ كاتبة اسمه ؟
تَشَتت الاستغراب الذي سَكن ملامحها لثوانٍ من شُرود أختها لتُجيب،:لا هـو كَتب اسمه "و بضحكة تَشَبَّعت بالحنين" على قولته مريضي الأول "زَمَّت شفتيها و عُقدة استنكار بانت بين حاجبيها لتُردف بأنامل استَقَرَّت عند ذقنها بتفكير" تصدقين توني انتبه،شلون عَرف يَكتب ؟!
جَذَبت منها عُقدة الحاجبين لتتساءل،:و ليـش ما يعرف يكتب ؟!
مَسَّت جبهتها برأس أصابعها و هي تُوَضّح،:لأن كــ
دُخول والدتهما و جَنـى قَطع الحديث،ابتسامة حَنــونة ارتسمت فوق شفتيهما و لسانيهما نَطَقا بالترحيب المحموم بالمشاعر لهذه الطفلة المَظلومة على يد من خُلِقَت من ضلعه..اقتربت الاثنتان و بانت لنور و جود بَقايا البُكاء المُنتثر ببعثرة على وجنتي الصغيرة،رَفعت نور عينيها لوالدتها تَستفسر بالنظرات لتُجيبها بهَزَّة رأسه حَمَلت معاني الحُزن و الشفقة المُودعة في قلبها المُثقَل على ابنة أخيها..بابتسامة نَطَقت،:عادي تستضيفونا انا و جَنـى الحلوة
قَفَزت جـود من على السرير بشقاوة أضحكت الصغيرة و هي تقول،:أهلين بالملكة جَنى،تعالي تعالي حبيبتي ما دام انتِ اهني ساعدينا
نـور التي التصقت بوالدتها هامسةً بقلق،:ماما شنو فيها،واضح انها كانت تصيح ؟
زَفَرت ماسحةً بكفيها على وجهها تُخفف من وطأة لهيب حيرتها قبل أن تُجيبها،:شايلة في خاطرها ليش امها للحين ما جت تشوفها
,،
كَفٌّ من استنكار قَبَضت على ملامحه،و أزيزُ حَنَق غادر قُضبان أسنانه،عَضلة باغتها القَهر اضطربت عند فكّه و انشداد عِرق على مشارف اختراق جلده وَضِح عند صدغه..أيُمازحه ؟! أم أن اللعبة هذه المَرَّة ارتدت قذارة جديدة يتعرف عليها للمرة الأولى ؟! ذاك القلق و التَوَتر الذي استنفذ صبره صَيَّرهُ لَعبه الخبيث غَضبٌ أسود لهُ قَبضة حديدية تَرغب في كَسِر أنفه الأفطس..أرخى جفنيه و شفتيه أحالهما سُخف ما رأى خَطُّ تَماسك ما أن تَهَدَّل حتى فَزَّ عن مكانه مُستحوذاً على ياقة قميصه يَنوي ضَرراً و إن كان نَتاجهُ مَوت لن يُصمِت الغوغاء المُشتعلة في روحه الضائعة..اجتذب صَرخته من أعماق ذاته المَذلولة،:أتسخــر مني أيها الـ.... !
اقترب هاينز بقلق شاداً يده على ذراعه،:موهاميــد اتركه،دعك منه
تَجاهل طَلَب هاينز و دَفَعه بقوَّة غيظه المُكتنز في خلاياه حتى اصطدم ظهره في الحائط،هَمَس لهُ ببغض ينضح من عدستيه المُرمَد ليلهما من عُظم ما شَهِد..،:جعلتني أعيش يومان كالمحروق حتى أن النوم غاب عني من مُهمتك التافهة فقط من أجل أن تسخر مني ؟
ببروده المُتراشق منهُ سهام تلطم روحه المثقوبة عَدَدَ سنين وَجعه،نَطَق،:لمَ الاستعجال ؟! انظر جيداً بين الأوراق
وَجَّهَ لهُ جَيشاً من مدافع نظرات تُحَذّر بالخطر،:اقسم ان كُنتَ تلعب معي سأذبحك
مالت شفتيه بثقة عَمياء أثارت قريحة هاينز و مُحمد الحاقدة لها..،:لنرى أولاً
نَفَرهُ بكُره و تراجع للمكتب حيثُ تَرك الأوراق البيضاء الفارغة التي حَشَرها آستور في الملف..سَمَع صوته وهو يقترب،:ابحث بين الأوراق جيداً
رفعهم يتصفحهم بعَجلة و عُقدة الغَضب لم تُحل عن وجهه..بياض مُقزز كان مبصوق عليهم و صَمت مَوتٍ بعد وطيس حَرب يُحلّق فوق صفحاتهم،لا شي،لا دماء و لا سرقات،حتى الشيفرات التي تخترق عقله بإزعاج و تُشتت اتزان عدستيه لا أثر لهم..أيُّ مُهِمَّة هذه ؟!
أخيــراً..و من بين الصفحة الأخيرة و التي قَبلها سَقطت لتستقر مَقلوبةً على مكتبه..تَرَك الأوراق سريعاً و جُلَّ حواسه تَنَصَّبَت عليها..صورة مُرَبَّعية الشكل يبدو أنَّهُ تَمَّ تحميضها بمحاليلٍ امتزج فيها سُمٌ سينقع عروقه تَرحيباً بمَوت آخر..لهُ أصناف من وَجع و حكايا كَمَدٍ ستحتل مواقِعاً في جسده بعد أن تستولي على خيرات شعبه المُضطَّهَد..،تضاعفت عُقدة حاجبه من صوته الجامع أقبح النبرات،:خُذها
حَطَّت أصابعه على أرضها المُختَبىء بين تُرابها مُستَقبل فقده،ازدرد ريقه مُتَجَرِعاً قَلَقه المُحتَكِر خلجاته..أعاد تَسميته في جوف قلبه و هو يقلبها رافعاً إياها أمام وجهه مُستَفتِحاً لقاء العين بالعين..،ذلك المسير الطويل المحفوف بأخطار تُلّوح بخَبث لقلبه اجتذب لُب عدستيه خاطِفاً انبهارهما الذي استعصى عليه دَفنه في قعر بروده،المسافة بين زاوية فمها المرفوعة و زاوية عينها الضائقة ألهبته و هي التي أغرقته ناهِبة نبضته الفاغرة فمها إعجباً لبراءة ابتسامة!
أنزلها ببطىء يَكاد ينمو إلى تَبَلُّد تَرثهُ روحه لتعيش كائناً هُلامياً يَذوي من بين فراغات أصابع الدُنيا المُحتضنته بكف غير مُستقرة..راحة يُسراه التقطت زَخَّاته النابة على قارعة جبينه هامِساً بصوت انتحرَ عُلُوّه..،:لا تَقُلها
انقطع شريان أمله الأخير بكلمة واحدة،:بـلى
نَطَق هاينز بعدم فهم و هو الذي يَجهل مُحتوى الصورة،:ماذا تقولون ؟ انا لا افهم !
دَفَر الصورة بأصابعه جهة هاينز..تناولها بفضول حَطَّمته الصَدمة التي تَراءت على ملامحه،نَطَقَ بعدم تَصديق و محاجره تَعلَّقت بوجه والده يُناشد تَفسيراً،:ابــي !
تَجاهله مُحادِثاً مُحمد،:اعتقد انك تعرفت على مُهمتك الأولى
تساءل ببرود بدأ يكتسحه،:لمَ و هي طفلة ؟!
مالت شفتيه بابتسامة فاهماً مقصده ليُجيبه،:لأنك عليك أن تَتَعرف عليها لوحدك و هي أُنثى بالغة "أكمل قاطعاً المسافة بينهما" أساساً القضية بأكملها ستكتشفها بنفسك،فهي عبارة عن مجموعة من القضايا الشائكة و التي ليس عندي أي تفسير مُقنِع لها..عليك أن تبدأ من الصفر
سؤال آخر،:ما اسمها و من هي ؟
حاجبه اعتلى صهوة جدَّيته،:قُلت لك اكتشف لوحدك،ملامحها و هي طفلة تكفيك،بالإضافة الا أنَّها ابنة بلدك و من دينك،على عَكس الأُخريات اللاتي أُجبرت على تكوين علاقة معهن
سُخرية بمرارة عَلقم سنينه أمالت شفتيه ناطِقاً بِلُغَته،:و هذا اللي ذابحني،انها مني و فيني
,،
ازدرادها لريقها أودَعَ ألماً تعاضد مع قَيدُ غَصَّات و تكالبا حول عُنُقِها مانعانِها من جَرّ الصوت الذي ظَنَّت أنها ألبستهُ حزام شجاعة يُعينها لسَرد المأساة على مسامع حُجرات قلب رفيقتها المفقودة النَبض..،ناشدت كَفّيها المقود بارتعاشة طالت جسدها بأكمله،تَمَسَّكت به تلتمس قوَّة بها يتَلَفَّظ لسانها بنَعيه اللامُنتهي عَذابه،فهو مُستَمر بآلته ذات النغمات المُتَوشحة بنوتات كآبة تغفو بين سطور أبيات حُزن تلك المزروع بِرماً بين ثنايا روحها..،زَفرة مُشَبَّعة بثقل ما انحشر في صدر عِلمها التهمها نسيم البحر المُداعب وجهها المكسوفة ملامحه و وجنتي صاحبتها الذوايتين في قُعر الوَجَع..،الارتباك لم يَبرح خلاياها مُتضاعِفاً مُؤجّجاً مساماتها و التي سينضب جسدها قريبا من عُظم استفراغها..،تلك كانت تَسير بعينيها على طريق رفيقتها المُسعَر بردَّات فعل أنشبت تَوَجُساً بين بُطيني قلبها،فالوَجع جِهادُ نَبضَّة للفوز بنَسَمِ هَواء..أدارت جسدها تُقابلها و رداء القَلق بدأ يَضيق عند حلقها،نبرتها المُمَرَّغة ببحَّة مُضنية قَطَعَت الصمت المُرهب المُبتلع السيَّارة،:نـدى تكلمي شنو تبين تقولين خوفتيني
اللحظة التقطت انتهاء جُملتها و استهلال بُكاء نـدى المُعَنون بشهقة انغرست بقسوَّة في جوى جنان المُتراشق من عينيها حُمم أفجعتها حرارة بُكاءها،استحوذت على ذراعيها و السؤال يترك لسانها بفَزَع،:نــدى شصااار اللحين ؟! ليش هالصياح ؟!
الكَفُّ استوت سَدَّاً يمتص انكسارات أنفاسها،و العَين رَفرفت أجنحتها ساتِرَةً بَللٌ يَكاد يُصَيّره الألم بَحرٌ من غرق تذوي مُقلتيها بين مزيج أملاحه..،إصرار جنان لم يَسكُن و كلماتها اعْتَنَقَت الحِدَّة،:ندى تحجي لا تسببين لي تَوتر
خَرجت حروفها مُمَرَّغة بارتعاشات،:و و لا شــ ـي
عُقدة حاجبيها حَوَّرَها الاستنكار ارتفاع و هي تقول ببحة،:شنو و لا شي كل هالدموع و ولا شي ؟!
التقطت ندى كَف جنان الشادة على ذراعها ناطِقةً بصدق مات نصفه من ضعفها الذي استلَّ ما كان ستُفَجّره من حقيقة ستنوح السماء حِدادً على ذبحها لأمٍ اقفَرَّ حضنها من طَري جسد بات بين رحمها وَهناً على وهن،:بس لأني ما اتحمل اشوفش بهالوضع والله احس قلبي يتقطع "برجاء عَبَرَ نياط قلبها لينغرس بحَنو في جوى جنان " ارجوش جنان انسي لا فيصل و لا غيره يستاهل هاللي تسوينه في عمرش
الصمت تَلَبَّس لسانها و كلماتها هذه لم يستطع حلقها تَجَرُّعها لمذاقٍ غريب اختلط بها،تَرَكَت ذراعها ثُمَّ استدارت للنافذة مُشحية وجهها عن التناقض الواضح بين حديثها و بَوح عينيها،بثقة قالت بأهدابٍ تسبحان بهداوة على هضاب الأمواج،:ادري ان في شي ثاني خاشته و الدليل جملتش "ابي اقول لش شي " بس ما عليه بسوي نفسي صدقتش، لان الواضح انه شي مُتعب و انا حالياً انتهيت "التفتت لها بابتسامة ذابلة مُردفةً" لا تشغلين نفسش فيني،لا تخافين بكون بخير "أشارت برأسها للخارج" مُمكن ترجعيني البنك "و بسُخرية" لا هالمرة صدق يخصم منا احنا الثنتين
,،
عَصراً
البَلَلُ يُداعب كَتفيها ناشراً أذرعه فوق خلاياها المُتَجَمّدة من تَوَتُّر تسَلَّلَ من بين طلبه الصباحي المُنتشلها من غَفْوتها المُتَهَدّلة على قمَّة جبل استقراره رهن رياح لها رائحة انكسار كبرياء تُثير حَنَقها و تُوسوس للعين أن ابكي فالقلب أحناه الإنكار..،بعقلُها المُشَوش بألف هاجسٍ و هاجس تجلس على الأريكة المُتَربّعة وسط غُرفة الجلوس،سرير نومها أو بالأحرى كَهفُها الذي التجأت إليه أثناء مُهمَّة فرارها منه،و لكن لا مَناص..،رأسَها اخفضهُ ثقل السَحابة السوادء المارَّة بابتداء كُل دقيقة جديدة تُحَذِرها من هطولٍ مُدَمّر لذاتها و هي التي اعتادت مُنذ أن كانت تصل قِمَّة رأسها لرُكبة والدها أن تُتَوّج ذاتها بإكليلٍ من ثقة تَكاد تقتطع الشعرة المُلقية بها في وَحل الغرور..فكيف لها أن تُرغِم لسانها على استطعام ما شَتَّتَ الذي بَنتهُ بنعومة أناملها لأعوام ؟ أَيُّ الحروف ستستعير، و أيُّ السطور ستَخُط ؟ لا الحَرف في جَوفِه دواء و لا السَطْرُ يحمل أبياتُ شفاء..،انقضت نصف ساعة مُنذُ أن استأذنت منه هو و والده بعد أن تناولت لُقمتان استعصى عليها تَجَرّعهما،استحمَّت تَطرد شُحنات سلبية تَصعقها مُرجِفَةً حَواسها مع كُل نبضة..خصلاتها اتخذت عُنُقِها مزاراً لها و أطرافها تُلامس كتفها و أعلى ذراعها مما أشعل شرارات ضيق في نفسها،يبدو أن الوقت حان لقصّها فقد بدأت تطال نصف ظهرها..،زَفَرت بملل تمازج بارتعاشات تَوترها،ساقها استقلَّت قطار اهتزازها و الرسو يبدو عَصيَّاً ما دام ذاك يُمارس تعذيبه المعنوي المُقتات على صَبرها،أرجعت ظهرها للخلف تُسنده و هي التي تُطالب بمُساندة روحية تُعينها على لفظ الحقيقة المُرَّة..،لم يستمر استنادها فدخوله الهادىء اضرم ضَجَّة شعواء وسط مدائنها،ابستم لها بخفَّة مُواصِلاً طريقه للغرفة دون كلمة تُطفىء و لو شُعلة مما استعر في جوفها،فَزَّت سريعاً يُسيّرها قهرها من تجاهله الواضح تَعمُده،ألم يرى ما انتثر من رماد أسفلها ؟ ذاك الوجود الأسود الحاجب عنها سقف الراحة ألم يلمح تكاثفه فوق رأسها ؟ تكاد تستفرغ إعياءها من فرط القلق المُتكوّر وسط معدتها و هو ببروده الأرعن يُشيح وجه الاهتمام عنها..دلالة على أن يومه مَرَّ مثل نسيمٍ ناعم يُداعب الروح،و هي التي داعب الهلع يومها كُلّه..،لحقته للغرفة حيثُ كان يرتدي بيجامته و وجهه يحتفظ ببقايا غسله السريع،وقفت أمامه مُستقرّة بكلتا يديها على خصرها مُضَعّفة نحت اعوجاجه و أنفاسها فَرَّت ذرات الهواء المَنسية في الغرفة من بُركانها،أخرج رأسه من فتحة بلوزته ليُبصر احتقان وجهها الذي لو ارتطم به اصبعه لانفجر باصقاً حُممه..أخفى ابتسامة في صدره لينطق بصوت خافت و هو يُواسي رداءه عند ظهره،:تبين شي؟
فَغَرت فاهها تُناشد استيعاب لهذا التناسي الذي طَرأ عليه،ضِحكة أودعها الحَنق في صدرها غادرت حنجرتها ناطقةً بتعَجُّب يُنذر بارتداء قلنسوة الغضب،:نسيــت ! و انا حارقة نفسي طول اليوم
خَطَى باتزان لها و عيناه تلحظان اضطراب وضعها الواضح باحمرار بدر وجهها،تصافق أجنحة مُقلتيها و ارتفاع صدرها بارتعشات أثقلت انخفاضه..وَقف طامساً أي خواء بينهما،كفه ارتفعت مُلتقطاً خصلتها من بين سبَّابته و الوسطى،هَمَس و بصره يُناغي ارتجاف نَفَسَهَا،:و ليش حارقة نفسش ؟
حَرّرها بعد أن امتصَّ ماءها ماسَّا برقَّة امتزاج الفراشة بالزهرة ذقنها المُتَصَلّبة عضلته من هوجاء لمساته..هَمسه ضَعَّفَ من حرارته،:ما نسيت "ميلان ابتسامة غَفى فوق شفتيه و كفّه واصلت مسيرها لعُنقها يتحسس اختناق نبضها مُردفاً" بس انتِ ليش تحبين تجيبين القلق لروحش ؟ تخسرين ساعات من يومش في التفكير،مافي اتكال على الله ؟
ضَمَّت شفتيها و صوت وَهَن نَفَسَها يرتفع،اخفض رأسه و هو يُمَيّله جانباً حيثُ هُناك بدأت شفتيه موسم خَدَرها،لا يعلم سرّ العلاقة التي تربطه بأذنها و الشذا المُحاوطها،نَثَر قُبلاته و تنهيداته المُسكَرة،نَطَقَ ببحَّة اسدلت جفنيها تعاضُداً مع ارتفاع روحها فوق سَحاب الحُلم الأثيري و همسه ألَّف مقطوعات و إن تَمَرَّد الزمن لمحوها لن تُحَل صفاده،:يا عُمري عيشي يومش ليش تخافين من اللي بيصير بعدين ؟
حَرَّك رأسه يَنظر لجانب وجهها المستوطنهُ خَدَر لذيذ لهُ ذائقة حَنان،عيناها ذوت في عينيه و رموشها تَعلَّقت بأجفانها خوفاً من إغماضٍ لحظي يمنعها من التزود بفيضه،استقرَّ براحة كفّه على كتفها مُتسائلاً بابتسامة تساقط منها غيث حُبٍ عذب،:انا قلتها من قبل ما يهمني اي شي صار قبل،و وقت اللي انتِ حابَّة تتكلمين اتأكدي اني بسمعش و بتفهم اسبابش،"زادت ابتسامته مواصلاً" بس هذا درس عشان تتعلمين شوي شوي شلون ما تتهربين و شلون تتغلبين على قلقش ؟ "ضاقت عينيه و كفّه الأخرى ارتفعت ماسحاً بباطن إبهامه مابين حاجبيها مُردفاً بمـزاح" و اللحين عاد خففي هالعقدة،من يومش بنت خمس سنين و هي حتى في نومش موجودة
نَطَق قلبها بما يهفو لمعرفته،:ليش تذكر ؟ ليش كل شي قبل تذكره ؟!
أخفض بصره مُمَرّراً لسانه على شفتيه قبل أن يقول و عينه ترتشف بسحر نظراتها لُب عينيها،:لأني ما انسى اللي يترك أثر فيني
باستنكار قالت،:حتى تعقيدة الحاجب !
اقترب ليبصم قبلته فوق موضع الحِجاج هامساً لها بلحن تَوَقَّف عند باب جواها ينتظر إذن بالامتزاج،:حتى اللي أكثر منها و أقل منها ينَّحت في قلبي
ابتعد عنها مُتراجِعاً إلى سريره ليستسلم إلى نومٍ سَيُمسي من بَوحه الناهب صَحو حواسها غريباً عن ليلها الراقص على لحن همسه و قرقعة طبول لمساته..تاركِاً ملامحها تطفو من غَرق مشاعره المُلْتَمِسة فيها نـقاء حُلو..،
,،
نَظرات اتهام تَقَرَّحت نبضاته من اشتداد قُيودها،إشاحة و جه حـادةً نُقِعَ سَيفُها في السُمّ الهاوي قَتل ضميره المُتَشَرّب رجولة مَحنِيّة الكَبرياء..زَفرة ضيق صَهَرت عروقه المُفتَقِرة لارتخاء مُنذ أن لَطَمَ بَوح تلك ذاته المُنهارة عند بَوابة الماضي تهفو إلى قُربٍ لهُ رائحة لا زالت روحه تَتَطيب من أطلالها عندما تُلَوّح لذاكرته يد العِشق المبتورة..،عند قدميها استَقَر مُتَلَصّصاً بكفيه على يديه النائمتين في حضنها،عاندتهُ أوّلاً لكن قبضته الرجولية رَبِحت أمام ضُعفها الأنثوي الذي اختزل العُمر طاقته،و هي التي أوزعت جُلَّ شبابها على عُمرُهم الزارع ربيعاً فوق قلبها الحَنون..يَعلَمُ يَقيناً أن توفيقه في دينه و دُنياه رضاها و قُبلة يُودعها فوق قدمها المُسَيّرة روحه للنعيم..،قَبَّل باطن كَفيّها مُستنشقاً عَبقَاً خاص لها هي فَقط،رَفعَ عينيه الغافي أسفلُهما غيهبات إرهاقٍ و إعياء،بهَمس أنعَسَهُ الألم،:القَمَر حتى ما عطتنا نظرة
دَفَرت يده بزَعَل جَلي و هي تقول و جانب وجهها يُقابله،:روح عني لا تكلمني
ارتخى حاجباه مُرتدِياً الاستعطاف،:افــا يُمَّه
قابلتهُ مُقلتيها لتصطدم عدستيه بالتماع أسبَغَ قَلَقاً على قلبه،:لا تقول يُمَّة،ولدي ما هو ظالم نفسك
لَفَظ لسانها جُملته فاسِحاً المَجال لعينيها لتلفظ حروفها التي أخنقت أنفاسه و هو يراها تلهب خَدَّها الحَبيب..كَفُّها ارتفعت تحَجب عن بَصره وَجَعها المسفوكة دماؤه على يد تَعَسُّفه لكن هو الذي تَقَطَّعت أوداجه من تَنهيدة النَوح المُباغتة صدرها أبعدها ليقول برجاء امتزج بشكّه،:يُمَّة و اللي يعافيش وقفي دموع ترى تكسرين قلبي
هاجمته بعُلو صَوت مُطمئنة من خُلو غرفة الجلوس،:و انت ما كسرت قلبي ؟ و ما انكسر قلب المسكينة جِنان "راحة يدها ارتطمت بصدرها لاطمة بحسرة و هي تُردف" تراني أم يا فيصل اعرف مَعزَّة الضنا،أغلى من الروح و القلب، حرام عليك حــراام
مال رأسه دافناً و جهه في أرض كَتفه يبحث عن خلاصٍ من تأنيب يتراشق عليه مثل سهام حَرب احتدمت للنيل منه و الظَفر برأسه..يَكفيه العـذاب الذي نَشرتهُ عباءة بؤسها اليوم،أمطرتهُ بوابل من حميمٍ أرمد أطراف نَدمه يُنذر بإيقاظه المُكرَه..فهو خَطى خطوته بعد أن أحرَق مَعنى الندم و شَطبه من قواميس روحه..،
واصلت سَرد حِكاية الأسـى،:البنت اليوم تصيح ليش امها ماجتها،متى يعني تقول لها ؟ تنتظر البنت تكرهها و بعدين بتتكلم ! هذا اللي تبيه ؟
تَركَ جفاء كتفه ليُمَرّغ وجهه في حضنها المَرويه رُغم عِتابه،هَمَس بتَعب التَمَسَهُ فؤادها،:لا يُمَّه لا ماني حقير
تساءلت للمرة الألف و الصبر في تلاشٍ،:زيـن متى بتقول لها ؟ اتقي الله في هالمسكينة
التَيه حَمَل كلماته لها،:مادري يُمَّه و الله مادري
أمسكت رأسه ترفعه لتُواجه عينيه ناطقةً بحدَّة،:مو عارف تقول لها صح ؟ اكيــد ما بتعرف تواجهها و انت مسوي هالبلوة
التجأت عيناه بجفنيه هاربتان من خنجر كلماتها الكاسرة حاجزه البالي..تباعدا جفناه بسرعة و مسامعه ارتجفت من حديثها،:اذا ما تبي تقول لها انا بكلمها
نَطَق برجاء،:لااا لا يُمَّه انا اللي بقول لها مو احد غيري ارجوش يُمَّه
و التهديد اعتنق نَبرتها،:يـومين يا فيصل بس يومين و اذا ما قلت لها انا اللي بقول لها و بنشوف اذا قدرت تمنعني
,،
يتبع
|